قضايا فلسفية

كتاب الحب وجود والوجود معرفة

إن استعراض المرء لملامح حياته بمنهجية وبأسلوب مرکز هو جزء من المراجعة لظواهر المجتمع وأثرها على سلوكياته وتطوراته، وبلغة مسؤولة يستطيع أن يتعامل مع نواقصه بروح النقد ليبين أثر البيئة عليه، أثرها الكامن في اختياراته أيضا، إن استعراضنا لملامح حالاتنا المسبقة هو بمثابة إيغال مباشر لايعتري المجتمع برمته عبر نوافذنا الذاتية، فعلاقة الفرد والمجتمع علاقة إشكالية، تجسد ماسمي لاحقا بالتاريخ الذي يختزل العادات والتقاليد ونظم الحكم، فالمجتمعات التي تم إهمالها وإقصاؤها بالتدريج، هي تلك المجتمعات التي أهمل فيها الفرد المبدع و همش وحصر في بوتقة من الإهمال والصراع النفسي مع أقرانه من ضعاف العقول وبسطاء المدركات، حيث تم تغييب الفكر المعرفي کلیة عن جماعات آمنت بالتماثيل والسجود للشيوخ والأولياء والقادة العسكريين، والشخصيات الأبوية، وهذا ما تجسد في ملامح المجتمع الشرق أوسطي، كون هذا المجتمع عانى الكثير من سيطرة الفكر الغيبي المتخذ من الدين ببعده الطائفي، والقومية ببعدها الإقصائي الشوفيني وسيلتي بطش وتغيب وتحكم، حيث تم إخصاء الحياة الديمقراطية داخل أذهان شرائحها، واستبدلت بذهنية الخضوع والتبعية المستدامة فاستشراء النفعية السائدة في أوساط مجتمعات تعاني من غرق سفينتها ونوهان دفة حياتها إثر فساد ساستها، هي من جعلت مساحات أرضها و کامل مواردها، إرثأ خالدة لما يسمى بالاستعمار الخارجي، حيث من الطبيعي أن يتم ملء الفراغ داخل مجتمعات افتقدت لأسلوب ومنهجية الفكر الناقد، وبالتالى ترسخت فيها روح الولاء للقادة (المنقذين).

الاطلاع على الكتاب

مقاربة نقدية حول كتاب الحب وجود والوجود معرفة
حسن خالد- باحث اجتماعي*
========================
بعث لي الأخ ريبر مشكورا ، كتابه المعنون أعلاه
هرعتُ مباشرة إلى فتح الملف “الكتاب” لأتصفح الفهرس كجس نبض واستعداد نفسي في تهيئة قريحتي للقراءة ، وهو عهدي ومنذ فترة طويلة عندما يقع بين يديّ كتاب ما ، إن مطبوعاً أو إلكترونياً،لا أخفيكم انتابني شعور غريب اختلط فيه
الفرح ، لإنجاز صديق عاشرته عن قرب ومضطلع عليه إلى حدٍ كبير وأعرف شغفه و سعيه لإنجاز مشروعه الفكري الذي آمن به وعمل له وطرح تفاصيله في كل فرصة تلوح له بين أصدقاء الهم أو عبر فضاءات القارة الزرقاء أو من خلال وسيلة إعلامية إن توفرت ، وله محاولات يشهد له بالبنان
– والتوجس ، لما حوته ثنايا هذا الكتاب؟
وأجدني ملزماً – أخلاقياً – بالإضافة لمحاولتي تناول حوايا الكتاب من خلال السعي لتناول مضمون الكتاب بمقاربة نقدية “ولا أدّعي أني ناقد” وتسليط الضوء على ما يرغب الكاتب إيصاله من خلال حوايا هذا الكتاب ” للمهتمين أو للقارئ الشغوف بهذا التوجه .
عنوان : “الحب وجود والوجود معرفة ” وهو عصارة لتجربة ورغبة امتدت طويلاً “حوالي تسعة أعوام” عايشت نصف المدة ” بشكل واحتكاك مباشر ” لطرح ما يوده الكاتب من خلال نظريته – مقاربته – المعرفية الوجودية؟
الكتاب ومن خلال العنوان يبدأ بطرح إشكالية ربط العلاقة ما بين(ثالوث : المعرفة و الحب والوجود) .
فما الذي رغب الكاتب في طرحه وإيصاله بهذا العنوان؟
حوايا الكتاب (خليط “فكري- فلسفي سياسي بصيغة مقاربة اجتماعية اقتصادية لا تخلو من تفسيرات فهم لطبيعة التأثير النفسي لكل ذلك ) للواقع الذي نعيش فيه.
كثيرا ما يتردد مصطلح “المعرفيون ” والذي يحاول سوقه كأدوات للتغيير وكحوامل لفكر حضاري يسعى لكل البشر
ولا يقتصر المعرفيون على المفهوم التقليدي، إنما يسعى الكاتب ليوسع هذا المفهوم ليشمل كل مهني يحب ويتقن مهنته إنما متسلحا بغلاف أخلاقي وجداني فيتضمن وحدة المعرفيين صون الأمن والسلم البشري وتأمين مقتضيات المعيشة الكفيلة بحفظ الكرامة الإنسانية للبشر أينما وكيفما كانوا هي صرخة “يا معرفيي العالم تكاتفوا ” لأنه السبيل الأنجع لصون الوجود “طبيعة – بشر – كائنات” من السقوط والاندثار
وهنا تأتي معركة المعرفي مع السلطوي الجشع “تجار ومحتكرين” و”سلطويين سياسيين” و “رجال دين” متحالفون مع سابِقَيهم”
يحاول الكاتب مجتهدا تسليط الضوء على إشكاليات بنيوية عصية تعصف بالمنطقة التي نعيش فيها تحديدا واحتكار كل جميل لتمرير قبحهم
يقف طويلا على إشكالية داعش وظروف تشكلها تاريخياً وتغلغل القوى الفاعلة لتوجيهها بغرض رسم سياساتهم وتعويمها
.وسطوع النجم الكردي في هذه المعمعة

لب الإشكالية في المنطقة كامنٌ في الصراع الاقتصادي الخفي والقابع في جوف الصراعات العرقية و المذهبية وحتى تظهر
. بصور قلاقل كردّة فعل عن انعدام العدالة الاجتماعية و السياسية
يجتهد الكاتب في إيلاء أهمية بل وواجب المعرفيون في خلاص العالم ، من خلال رص الصفوف على المستوى العالمي لمكافحة
. المعضلات البنيوية في عالم ينحو نحو التوحش
هذه النوعية من الطروحات أجدها الأقرب إلى مذهب أو مدرسة “التبعية الاقتصادية” التي دعت إلى تصحيح المسار بين مركز يتغول على حساب محيط يتقزم ؟
والسلطة في المحيط تجد نفسها مضطرة لأن تتحالف مع سلطة المركز وإن على حساب مجتمعاتها ؟
و التبعية : هي علاقة استغلال و علاقة غير متكافئة بين دولتين أو أكثر , و هي عبارة عن نظام سياسي و اقتصادي تخضع بموجبه إحدى الدول لدولة أخرى , وهذا ما يحرم الدولة التابعة من ممارسة كافة مظاهر سيادتها في داخل إقليمها و في المجتمع الدولي ومن أهم منظريها سمير أمين صاحب مقولة ” فكّ الارتباط ” وكذلك سانتوس صاحب طرح “المركز والأطراف “.
الإمبراطورية الإعلامية وامبراطورية السلاح يتحكم بها المركز فتضخ ما يحلو لها وتتحكم بضخ المعلومة وكمية ونوعية السلاح
ًفنجد أنفسنا أمام نظرية السيد والعبد تحديدا
الكتاب المطبوع على “حجمه الكبير نسبياً” في عالم “تدفق المعلومة” جهدٌ طيب ، ينبغي أن يُقابل بالشكر و تناوله بمقاربات نقدية
. تحليلية
لأنها خليط “نفسي اجتماعي سياسي اقتصادي” لا غنى للمهتمين في تلك الحقول عنه وكذلك مرجع هام للمشتغلين بالفكر والفلسفة
ما عاب على الكتاب “وهو لا يقلل من قيمته ” أن الهوامش التوضيحية في نهاية الصفحات كانت تفرض نفسها وبقوة على حساب
. الاستدلال على المصادر والمراجع التي استقى منها الكاتب فكرته أو اقتباسه
مرة أخرى كل الشكر للمجهود الطيب الذي بذله الأخ ريبر
مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الذاتية والموضوعية التي مرّ والعوائق التي اعترضته في استمرارية النضال لفكرة آمن بها وحرص على إيجاد الطريق لترى النور
.وهذه مقاربة لا أدّعي أنها تحمل الصواب إنما هو اجتهاد حاولته و أحاوله

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى