كتاب السلاح النووي بين الردع والخطر – برونو تيرتري
غالباً ما يستثير ذكر الطاقة النووية نوعين متناقضين من المشاعر: الإعجاب بما بلغه العقل البشري من تحكم في قوى الطبيعة، والرهبة من الطاقة المدمرة التي يطلقها المارد النووي كلما حرر من عقاله، وإذا كانت الرهبة تغلب عادة على الإعجاب فإنما مرد ذلك إلى أن الإنسان عرف الذرة قنبلة رهيبة مدمرة قبل أن يعرفها مورداً نظيفاً للطاقة، ووسيلة مدنية أثبتت نجاعتها في ميادين كثيرة على رأسها مجال الطب.
كتاب السلاح النووي بين الردع والخطر يتحدث فيه برونو تيرتري عن الجانب العسكري عبر فصوله الأربعة ذاكراً الشجون التقنية والقانونية والفلسفية والإنسانية التي تحيط بالسلاح النووي، فنحن نعلم أن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي تعدان اليوم بمثابة مفرقعات أطفال قياساً إلى ما توصل إليه التقنيون من تصنيع لوحوش حقيقية تحرر طاقة تقدر بما تحرره مئات ملايين الأطنان من المادة المتفجرة المعيارية “تي إن تي” المعروفة، وحوش بلغت قوتها التدميرية وأعدادها الهائلة حداً أصبح معه المخزون العالمي منها قادراً على تدمير كوكب الأرض عشرات المرات، بيد أن كل هذه الأسلحة المخيفة لم تصنع لتقتل، بل صنعت كي تمنع قيام الحروب، هذا هو مبدأ “الردع” الذي يبسط المؤلف فيه القول، شارحاً لنا كيفية إعماله وحدود فعاليته والتوازنات الهشة الحساسة التي يقوم عليها اشتغاله، ومبيناً كيف تطورت استراتيجيات الردع عبر العقود الستة المنصرمة، فتغيرت معاييرها وأهدافها وتقنياتها تبعاً لتغير الظروف السياسية والتحالفات العسكرية والخصوم الحقيقيين أو المفترضين، حتى ليصح القول: إن الردع أصبح اليوم علماً نظرياً واستراتيجياً وتقنياً قائماً بذاته
مابين الخطر والردع يبقى السؤال معلقاً، هل إستفادت البشرية من وجود السلاح النووي، هل كان له دور في صنع سلام في العالم، أم هو مجرد هدنة مؤقتة قد تؤدي في أي لحظة إلى تدمير الأخضر واليابس؟!! هذا السؤال الأصعب الذي تنتظره البشرية والجواب لن يكون سهلاً في ظل السياسات الدولية المتعرجة وغياب أي أفق لسلام شامل، سواء في الحاضر أو المستقبل.