اصدارات الكتب

كتاب السياسة الخارجية للاتحاد الروسي.. ما بعد بوتين

بطرح جديد وزوايا مختلفة، يأتي كتاب “السياسة الخارجية للاتحاد الروسي.. ما بعد بوتين”، ليكشف عن محطات بارزة على مسار السياسة الخارجية الروسية خلال العشرين عامًا الأخيرة، وما سبقها من أعوام كان لها دور بارز في تحديد المعالم الرئيسية للسياسة الخارجية للبلاد بالمستقبل.

وبلغة بحثية سياسية سلسلة، يقدم لنا الدكتور عمرو الديب – الأستاذ والباحث بجامعة نيجني نوفغورد الحكومية الروسية ومدير مركز خبراء رياليست الروسي- كتابه الذي لا يقع في دائرة اهتمام المعنيين بالسياسة العالمية أ و بالشأن الروسي فحسب، ولكنه يدخل كذلك في دائرة اهتمامات القارئ العادي الذي يدرك يقينا أنه لا يمكن النظر بتمعن إلى السياسة الدولية ككل من دون تدقيق النظر عبر السلوك السياسي الروسي أولا وبشكل خاص.

وفي رحلة عبر ذاكرة التاريخ السياسي المعاصر لروسيا الاتحادية، يخبرنا بتروي وبعين بحثية حيادية تمامًا، تجردت عن الهوى في شرح وتقديم أبرز معالم التاريخ الروسي، وتقديم تحليلات مميزة لدلالات خطوات وسياسات شخصيات روسية بارزة، مثل يفجيني بريماكوف الدور العظيم الذي لعبه في تحديد هوية السياسة الخارجية الروسية، وكيف يشرح لنا الكتاب هذا الدور وآثاره على السياسة الروسية في مرحلة مهمة من تاريخها بالتفصيل.

وفي الفصل التمهيدي، يشرح الديب كيف مرت السياسة الخارجية الروسية بثلاث مراحل مهمة أثرت ليس فقط على علاقة روسيا بالغرب ولكن أثرت كذلك على شكل النظام العالمي الحالي. ثم يخبرنا بعد ذلك عما عاشته روسيا في فترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عندما كان هناك ما يسمى بحماس ما بعد التغيير في بنية الدولة وأيدولوجيتها.

أما عن المرحلة الثانية للسياسة الخارجية الروسية، يرى “الديب” أنها بدأت عمليا في عام 2000 مع انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي حدد مفهوم الفكرة القومية لروسيا في سبيل ملء الفراغ الأيديولوجي الذي نشأ في روسيا بعد انهيار الاتحاد الروسي.

وعن المرحلة الثالثة والتي نعيشها حتى الآن، يقول “الديب” إن هذه المرحلة بدأت بشكل عملي منذ أغسطس 2008، بالتزامن مع الحملة العسكرية الروسية على جورجيا، وما مثلته هذه الأزمة من عودة حقيقية للدور الروسي على الساحة العالمية.

ويختتم “الديب” هذا الفصل مشيرا إلى حالة التنافس الروسي الأمريكي، مؤكدا استمرارها باستمرار وجود فلاديمير بوتين أو أحد من فريقه الأمني العسكري في الكرملين. ولكن في نفس الوقت، يرى “الديب” أن بوتين ووفقًا للحياة البشرية لن يستمر في الحكم الى الأبد، وإنما ستكون هناك لحظة حاسمة عندما تقف روسيا أمام لحظة اختيار وريث جديد لتولي مقاليد الحكم في روسيا، او حتى نخبة روسية جديدة يكون مخول لها قيادة البلاد.

ولأن مسألة الترتيب لقدوم وريث لبوتين الذي يوجود في الحكم منذ قرابة العشرين عامًا ليست أمرًا سهلاً، يقول “الديب” إن الترتيب لهذا الأمر يجب أن يعقبه تساؤلات أخرى حول كيف ستكون شكل السياسة الخارجية الروسية ما بعد حقبة فلاديمير بوتين؟ وما هي الملفات التي يجب أن يتعامل معها خليفته؟ وهذه هي الأسئلة التي يتعامل معها الكتاب المطروح بين يدينا، ويحاول التوصل الى إجابات بشأنها.

ونطالع الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان “بدايات هادئة للسياسة الخارجية الروسية“، وعن روسيا التي وصفها كاتبنا بعبارة “الحصان الذي لا يمكن ترويضه“، يحملنا “الديب” في صفحات لتفقد معالم السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما كانت السياسية الروسية الخارجية تهدف في الأساس الى التكيف مع الواقع الدولي الجديد، عندما كانت موسكو لا تزال تحاول تعزيز مكانتها في نظام العلاقات الدولية وقتها.

وعليه يستطرد “الديب” في شرح تفاصيل تشابكات علاقات موسكو مع أهم اللاعبين على المسرح السياسي وقتها، بدءا من المرحلة الوردية بين موسكو وواشنطن في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان الحديث يدور عن تحالف أمريكي روسي استراتيجي. مرورا بالعلاقات بين الاتحاد الروسي وحلف شمال الأطلسي، ومراحل تطوراتها مع استعراض الرؤية الروسية تجاه حلف الناتو وكيف كانت تتطلع الى وقوع تعاون حقيقي معه وصولاً الى النظر اليه باعتباره يشكل خطرًا رئيسيا على أمن الدولة الروسية في دول شرق أوروبا.

وفي هذا الفصل، يلقي “الديب” الضوء على محطة مهمة في مسار السياسة الخارجية الروسية. جاءت هذه المحطة في بدايات العام 1996 بتولي يفجيني بريماكوف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الروسية، لحقيبة الخارجية في الحكومة الروسية. عندما صرح بريماكوف موضحًا “أنه ليس معاديًا للغرب ولكنه فقط يحمي المصالح الوطنية لروسيا”. ويقول “الديب” أن روسيا في هذا العهد، كانت تنتهج سياسات متمردة بعض الشيء على السياسات الأمريكية.

وعن تشابكات العلاقات الروسية الأمريكية، يحملنا “الديب” في عنوان متفرع عن نفس الفصل لإلقاء نظرة عن كثب على تفاصيل تطوراتها. ويشير “الديب” الى التحول الذي حدث في موقف الغرب إزاء مفهوم الإصلاحات الروسية مع بدايات عام 1993، بالتزامن مع وصول بيل كلينتون للبيت الأبيض، والذي كان أول رئيس أمريكي يبدأ بالتفكير في كيفية منع روسيا من أن تصبح “رجلاً مريضًا في أوروبا”. مما يعني أنه ابدى استعدادا للاستثمار في بناء روسيا ما بعد الشيوعية وجعل مسألة الإصلاحات في الداخل الروسي إحدى الأهداف الرئيسية لسياساته الخارجية.

وانطلاقًا من هذا المفهوم، يحملنا “الديب” في شرح مفصل ومبسط وبلغة بحثية سلسلة لمطالعة تفاصيل تدرجات سياسة كلينتون تجاه روسيا. ويرد في شرحه عن تساؤلات عدة حول كيف بدأت؟ وما مرت به من محطات؟ وإلى ما انتهت اليه؟، ويستمر في سرده وصولا الى العنوان الفرعي التالي، وهو ما يحمل الإجابات الدقيقة حول السبب وراء عدم نجاح السياسات الأمريكية مع روسيا؟

وفي الفصل الثاني، وتحت عنوان “بداية الحقبة البوتينية“، يصحبنا “الديب” للاطلاع على تحولات شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترات حكمه المختلفة، والتدقيق في مدى ارتباط تكوينه الشخصي بطريقة حكم وإدارة البلاد، ومدى انعكاسها على السياسة الخارجية الروسية. ويقول “الديب” أن مسألة وصول بوتين –بحد ذاتها- الى الكرملين في هذا التوقيت تُعد عامل من عوامل استقرار النظام.

ويصف “الديب” أولى فترات حكمه الرئاسية قائلاً، أن هذه الفترة كشفت بشكل واضح عن صفاته الشخصية الرئيسية. ومن أهم هذه الصفات الابتعاد التام عن أي مغامرات غير محسوبة مع الاستعداد التام لاتخاذ إجراءات صارمة وحاسمة في حالات الضرورة القصوى. ويستطرد “الديب” واصفا طريقته في إدارة البلاد في تلك الفترة، قائلاً إن بوتين كان وقتها لا يزال يتلمس طريقه ويبحث ويفكر، نظرا لكونه لايزال مبتدئا في السياسة، كما أنه كان يستمع أكثر مما يتكلم. وطريقته هذه كانت ترجع الى معرفته بأن بلاده لاتزال تعيش فترة البناء، ولازالت تعاني آثار الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي مر بها الشعب الروسي في تسعينيات القرن الماضي.

وبطريقة مثيرة يمضي بعد ذلك “الديب” في هذا الفصل، شارحا المزيد من تعقيدات السياسة الروسية وطريقة مواجهة بوتين لها وتعامله معها، ويجب عن تساؤلات حول كيف أدار بوتين البلاد في ظل الظروف الصعبة التي واكبت فترة تسلمه الحكم. ثم ينتقل بعد ذلك، ويزيح الغبار عن الكثير من المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا المتداولة عن السياسة الروسية. ومن ضمنها أن ذكر “الديب” ما يشاع عن العلاقات الصينية الروسية باعتبارها “شراكة استراتيجية”، ويقول إن هذا الوصف غير دقيق. فالعلاقات الصينية الروسية دائما تتمحور حول شراء المواد الأولية ومواد الطاقة والغاز بأسعار رخيصة بالنسبة للصين، وتنحصر في أمور التعاون التقليدية مثل مكافحة الإرهاب الدولي ومكافحة تجارة المخدرات. ويرى “الديب” أن كلا الدولتين تواصلان استخدام هذا الوصف “شراكة استراتيجية” بالحديث عن العلاقات فيما بينهم، فقط لأجل التأثير على مواقف واشنطن، لا أكثر ولا أقل. ولهذا السبب يقول “الديب” أن العلاقات مع الولايات المتحدة أكثر أهمية من علاقات روسيا والصين ببعضهما البعض.

ويقدم لنا “الديب” في بقية فصول الكتاب استعراضًا دسمًا ومكثفًا لتفاصيل عدة متعلقة بتفرعات السياسة الروسية، بما يشتمل على شرحًا معمقًا ورؤية دقيقة للداخل الروسي ومدى انعكاسه على المسرح الدولي بشكل جديد ومعلومات قد ترد على ذهن القارئ العربي لأول مرة، بفعل ندرة اتاحتها في المصادر العربية المماثلة من قبل.  كما يحتوي الكتاب على السيناريوهات المحتملة لما بعد رحيل بوتين عن الحكم. بحيث من الممكن أن يتم وصف الكتاب لدارسي السياسة بوجه عام باعتباره مرجع يعتمد عليه فيما يتعلق بتقصي مسارات وسبل وأولويات السياسة الروسية المعاصرة، بالإضافة الى تفقد الشخصية البوتينية ومدى تأثيرها على نظام الحكم الروسي بوجه عام، والتوصل إلى أجوبة حول مدى تأثير بوتين في روسيا حتى بعد رحيله عنها.

كتاب السياسة الخارجية للاتحاد الروسي.. ما بعد بوتين

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى