المكتبة السياسيةدراسات أمريكا الشمالية و اللاتينيةدراسات سياسية

كتاب النجاة من الاستبداد – ماشا جيسن

ترجمة – رنا عبدالحكيم

نجحتْ الكاتبة الأمريكية ماشا جيسن في كتابها “النجاة من الاستبداد” في صبِّ جام غضبها -وربما غضب القرَّاء أيضا- على السياسات المتسلطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ إنَّ محتوى الكتاب مناهض لسياسات ترامب، ويسعى للإجابة عن كل سؤال يطرحه القراء الذين يسعون بشدة لـ”التعافي من الحقبة الترامبية”. وأولئك الذين روَّعهم ترامب سيجدون أن هذا الكتاب عبارة عن كبسولة زمنية مليئة بكل همومهم، وكل شكوكهم أيضًا، فهو يوفر الانزعاج والطمأنينة في آن واحد.

وتجُادل جيسن في كتابها بأنَّ ترامب كان “أول مرشح رئيسي للحزب ولم يرشح نفسه للرئاسة، ولكن للحكم المستبد”، وبدلاً من محاولة المطالبة بهذه السلطة من خلال لفتة دراماتيكية واحدة، فقد نفذ ذلك عبر سلسلة من الخطوات المجتمعة التي تهدف لـ”تغيير طبيعة الحكومة الأمريكية وسياستها”. وتشمل هذه الخطوات تقويض أي آليات للمساءلة، وخفض أهمية الخطاب السياسي اليومي، وإساءة استخدام مكتبه لإثراء عائلته، وتبني كراهية الأجانب، والثناء على الديكتاتوريين الأجانب أثناء خوض معارك مع حلفاء ديمقراطيين، لتتوصل إلى نتيجة مفادها أن ترامب يتسبب في تآكل تدريجي للديمقراطية.

وبالنسبة لجميع أولئك الذين كانوا يأملون في أن تحد المؤسسات الأمريكية وقواعد السلوك من اندفاعات ترامب، فإن هذا الكتاب لا يوفر الراحة للقارئ. وتكتب جيسن قائلة إن المؤسسات عاجزة “ضد رئيس يتصرف بسوء نية”. وعلى الرغم من أن جيسن تقر بأنَّ تقرير المحقق مولر يشكل “الصورة الأكثر شمولاً حتى يومنا هذا للتطرف”، إلا أنَّ “القيود المؤسسية” الوادرة في التقرير جعلته عُرضة لمجموعة من التفسيرات، التي فيما يبدو لم تنجح في عزل ترامب.

ويبدو أنَّ جيسن هنا تضمُّ صوتها إلى جهود إعادة تقييم نقدي مستمر للمستشار الخاص مولر، ليس من قبل الذين يصفون مولر بأنه وكيل “الدولة العميقة”، لكن من قبل الصحفيين والمحللين الذين استنتجوا أنه فجر هذه الدولة العميقة.

ويثير الكتاب معضلة رئيسية في عهد ترامب: هل مارست المؤسسات الديمقراطية دورها لأنه بدونها كانت الأمور ستصبح أسوأ بكثير؟ أم أنها فشلت لأن ترامب كان قادراً على إساءة استخدامها أو تجاهلها إلى الحد الذي فعله؟

وتعبر جيسن عن قلقها من أن جائحة فيروس كورونا خلقت فقط الظروف التي يمكن أن تسمح لترامب بمزيد من الاستبداد بالسلطة وتآكل المزيد من أسوار الحماية الديمقراطية. وتكتب جيسن: “لم ينشر ترامب الفيروس، لكنه كان في وضع يسمح له بحصد مكافأته”، وجاءت هذه المكافأة في شكل ناخبين قلقين ومترددين. وأضافت: “إن عدم قدرة الفرد على التخطيط، والتأكد من القدرة على إطعام الأسرة اليوم وغدًا، يولد المزيد من القلق والخوف من التغيير”، لدى الناس.

ومع ذلك، فإنَّ التغيير هو بالضبط ما تحتاج إليه الولايات المتحدة الآن، وتجادل جيسن بأن هذا لا يعني ببساطة خيارًا جديدًا في انتخابات نوفمبر (على الرغم من أن المؤلفة تريد بالتأكيد ذلك أيضًا).

وكتبتْ جيسن في كتابها: “سيتعين علينا القيام بما هو أبعد من التصويت، وأكثر من الحملة… سيتعين علينا التخلي عن فكرة العودة إلى الحياة الطبيعية الخيالية قبل ترامب عندما تعمل المؤسسات الأمريكية كما يجب”. وبدلاً من ذلك، تؤكد المؤلفة أن المؤسسات الديمقراطية -مثل الهيئات التشريعية والمحاكم والمجتمع المدني- ليست في أساسها مبنية على القواعد والمعايير، لكنها تدور في فلك تخيلنا لنوع الأمة التي نريد أن تكون، أي حول “التطلعات الأخلاقية”.

وتصف المؤلفة سنوات حكم ترامب بينما اختلطت الأيام والأسابيع والأشهر معًا، وهي حالة تفاقمت بسبب جائحة الفيروس التاجي. وكتبت جيسن: “في عصر ترامب، لم يكن هناك ماض ولا مستقبل، ولا تاريخ ولا رؤية، فقط الحاضر المقلق”.

وتحذِّر جيسن من إيجاد مبررات مثل عدم كفاءة الرئيس، كما فعل البعض في وقت مبكر من فترة ترامب، على افتراض أنه كان غير كفؤ للغاية لتقويض الديمقراطية. وكتبت جيسن “عدم الكفاءة ليس عاملا يمكن أن يخفف من التهديد الذي يشكله؛ إنه التهديد نفسه. ومعالجة الإدارة لأزمة الفيروس التاجي تجعل هذا التهديد واضحًا بشكل خاص”.

وتعتقد جيسن أن الوباء يسمح لترامب بالحكم كما يحلو له: “من جانب واحد، وتعزيز سلطته مع القليل من الضوابط”. وتقدم جيسن أوجه تشابه بين ترامب والفيروس، عندما تقول: “نحن نرتبط بالفيروس، من بعض النواحي، من خلال بترامب. فنحن نتوق بشدة للعودة إلى زمن الحياة الطبيعية المتخيلة، قبل ترامب وقبل الفيروس التاجي في الوقت نفسه”!

ويقدِّم هذا الكتاب الحاد نظرة عميقة إزاء المسار الكارثي خلال السنوات القليلة الماضية. ولا تسلط جيسن الضوء على تآكل وسائل الإعلام، والقضاء، والمعايير الثقافية التي كان الأمريكيون يأملون أن تنقذهم فحسب، بل تروي لهم أيضًا كيف تغير كل شيء في سنوات قليلة، وسيطرة إحساس متدن بالحقيقة والمعنى والقدرة. ويمكن القول إن “النجاة من الاستبداد” يعج بالكثير من الخراب، لكن أيضًا يمكن أن يكون منارة للتعافي أو لتحمل ومقاومة الاعتداء المستمر من السلطة.

تحميل الكتاب

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى