التحضير لشهادة البكالورياقضايا فلسفية

كيف ترى العلاقة بين الدال والمدلول ؟ هل هي علاقة ضرورية ام علاقة اعتباطية ؟

كيف ترى العلاقة بين الدال والمدلول ؟ هل هي علاقة ضرورية ام علاقة اعتباطية ؟.

طرح المشكلة : المقدمة: اذا كانت اللغة جملة من الاشارات يمكن ان تكون وسيلة للتواصل  فهي ايضا قدرة على انشاء الاشارات التي يستعملها الانسان استعمالا فيه معنى ودلالة على تلك  المعاني التي يتفاهم بها الفرد مع غيره . وفي هذا السياق قد يتأكد لدينا ان بنية الكلام تتكون من ما يُسمى ب الوحدات الصوتية ” الفونيمات والمونيمات” اذ الرمز ما هو الا علامة تتضمن صفات الشيء الذي تدل عليه ، كما توجد وحدة اساسية في عملية التواصل بين الناس وتعرف بالعلامة اللغوية وهذه الاخيرة تتألف من الدال والمدلول فاذا كانالدال هو  عبارة عن اصوات لها طابع ماديفالمدلول هو الصور الذهني للشيء ومن هذا قد يتبادر الى الذهن التساؤل التالي:هل العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ام علاقة اعتباطية؟

 محاولة حل المشكلة :

الموقف الاول: ” العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية”يتصور انصار هذا الموقف ان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ، وهذا ما تراه نظرية محاكاة الانسان لأصوات الطبيعة ، أي انه متى وجد اللفظ وجد المعنى المتصور ، فاللفظ يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجياذ ان العلامة اللسانية بنية واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول ، وهذا ما يؤكده بعض اللغويين المعاصرين ، وفي غياب هذا الاتحاد تفقد العلامة اللسانية هذه الخاصية . ان ذهن الانسان لا يقبل الاصوات التي لا تدل على شيء أي التي لا تحمل معنى  ، ثم ان التسليم باعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول لا ينسجم مع الواقع الانساني دائما ، وربما لهذا السبب قام اتجاه اخر يرى ان العلاقة بين الدال والمدلول اكثر من ضرورية حيث ان اللفظ يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجي ، وهناك كلمات كثيرة مستمدة من الواقع الطبيعي فمثلا لفظ “خرير ” يشير الى الصوت الطبيعي الذي يحدثه انسياب الماء . ولفظ “شخير” يشير الى صوت طبيعي قد يحدثه النائم يقول هيجل حول السياق في مؤلفه “فلسفة الروح” :” نحن نفكر داخل الكلمات ”  أي ان الاسماء مرتبطة بمسمياتها ، فالرمز اللغوي ليس خاويا من الدلالات  فالكلمة وسيط بين افكارنا وتجاربنا ، فهي ترتبها وتنقلها من طابعها الذاتي الى تجارب يدركها الاخرين ، وهكذا ندرك ان الموقف المعاصر تجاوز التصور الكلاسيكي لأفلاطون واتباعه الذين اعتقدوا ان ” علاقة الكلمة بالشيء هي علاقة طبيعية تعكس فيها الكلمات اصواتا طبيعية وتحاكيها ”  فالأسماء هي عبارة عن ادوات نسمي بها الاشياء على نحو طبيعي وبحسب الخصائص الذاتية التي تحملها هذه الاشياء ، بحسب افلاطون .       

النقد والمناقشة : لقد وجهت جملة من الانتقادات الىاصحاب هذا الموقف الذين راوا بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ، لكن نلاحظ  ان الكلمات لا تحاكي الاشياء . وهكذااذن لا وجود لعلاقة ضرورية بين الدال والمدلول،لأنه  لو كانت كذلك . فكيف نفسر تعدد الالفاظ والمسميات لشيء واحد ؟. 

الموقف الثاني : نقيض القضية:” العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية”يرى انصار هذا الموقف ان العلاقة بين الدال والمدلول ليست ضرورية ، فهي اعتباطية أي ان الربط بينهما مؤسس على التعسف وهذا ما يراه انصار ، التواضعية الاعتباطية ” العفوية ” ، فان العلامة اللسانية لا تُوجد اسم ومسمى ، بل بين مفهوم وصورة سمعية . فمثلا اذا اخذنا كلمة “اخت” فإننا نجدها تتكون من الحروف التالية ”                

(ا، خ، ت) وكل حرف عند ذكره يعبر عنه صوت يختلف عن اصوات الحروف الاخرى ، وتتابع هذه الاصوات هو بالفعل الذي نعبر عنه بالدال ، بينما المدلول فيتمثل في معنى الاخت وبالتالي لا توجد ضرورة عقلية او تجريبية تفرض على اللغة العربية ان تعبر  على هذا المعنى بهذه الاصوات واذا نظرنا الى لغات اخرى كاللغة الفرنسية والإنجليزية فإننا نلاحظ تتابع اصوات اخرى للتعبير عن معنى الاخت ، ففي اللغة الفرنسية نقول )s.o.e.u.r( اما في اللغة الإنجليزيةفنقول ( s.i.s.t.r) . ويكشف ” دوسوسير ” ان العلاقة اللسانية لا تعبر مباشرة عن الشيء ، وانما تعبر عن تصورنا لهذا الشيء . فالفكرة هي التي تنتج العلامة اللسانية ،فهي تعبير عن الواقع كما يدركه الفكر وحجته في ذلك ان” المفهوم ” “اخت” لا تربطه اية علامة داخلية بتتابع الاصوات التالية : ” الهمزة ،الضمة ، الخاء ، التاء ، التنوين” الذي يقوم له دالا . ومن الممكن ان تمثله اية مجموعة اخرى من الاصوات ويؤكد ذلك ما يوجد بين اللغات من فوارق في تسمية الاشياء . بل واختلاف اللغات نفسه ، وقد بينت الدراسات المقارنة بين اللغات مدى اختلاف التعبيرات من لغة الى اخرى   ولا يستثني  ” دوسوسير” دور المجتمع في انجاز المفاهيم اللغوية ، فاللغة انتاج اجتماعي وظاهرة نفسية وهذا لا يعني ان اللغة خاضعة لحرية الافراد حيث يقول : ” فلا ينبغي ان يفهم منها ان الدال خاضع لمحض اختيار المتكلم اذ سنرى فيم يلي انه ليس بوسع الفرد ان يلحق اي تغيير بعلامة قد اتفقت عليها مجموعة لسانية ما . انما نعني ان الدال امر غير مبرر اي انه اعتباطي بالنسبة الى المدلول وليس له اي رابط طبيعي موجود في الواقع ” . وبناء على هذا جاز لنا ان نتساءل ، لو كانت العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية،فلماذا تتباين الاصوات ؟.    

النقد والمناقشة :لكن نلاحظ انه ليس من الممكنالتسليم بهذا الموقف الذي يرى بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية  حيث يقول ابن جني :” ان اصل اللغة لا بد فيه من المواضعة  … كان يجتمع حكيمان او ثلاثة فصاعدا فيحتاجوا الى الابانة عن الاشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة “رمزا” ولفظا ، اذا ذكر عُرف به ما مسماه ليمتاز من غيره ، ويغني بذكره عن احضاره الى مرآة العين ” . فاذا اخذنابموقف القائلين باعتباطية اللغة  فهذا لا يعني ان كل فرد منا له الحرية في وضع العلامات واستعمالها حسب ما تفرضه نزوته  بل عليه ان يتقيد بما يأخذ بهالاستعمال الاجتماعي .

التركيب :عموما قد ننظر الى الدال والمدلول من ناحيتين الاولى نظرية والثانية عملية ؛فمن الناحية النظرية يكون الربط بينهما تعسفي تحكمي لأنه يمكن القول بعدم بوجود ضرورة ذاتية بين الاشارة اللفظية والمشار اليه ، بمعنى انه لا توجد علاقة ضرورية بين الاسماء والمسميات   فمثلا : ما ندعوه قلما كان بالإمكان ان ندعوه كرسي او شيء اخر . اما اذا نظرنا اليهما من الناحية العملية فتوجد ضرورة عملية تُحمل اللفظ دلالة ثابتة ، بحيث كلما ذُكر اللفظ قام في الذهن معناه وايضا كلما قام المعنى في الذهن لازمه تمثل اللفظ الدال عليه ، فمثلا : كلمة انسان في اللغة العربية دائما تدل على الكائن الحي العاقل . فماذا نستنتج رغم تعدد الرؤى والمواقف الفلسفية ؟.

الخاتمة :   وفي الأخير نستنتج مما سبق ذكره ان العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية من الناحية النظرية ، وضرورية من الناحية العملية ، فاللغة نسيج من المحاكاة لأصوات الطبيعة والمواضعة الرمزية ، لان الانسان كائن طبيعي وثقافي في نفس الوقت يتجاوز بعده البيولوجي بقدرته على الترميز للتواصل مع الجماعة .

 

اكد صدق الأطروحة التالية : ” ان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة تلازميه ” .

طرح المشكلة : “المقدمة” : اذا كانت اللغة وسيلة للتواصل بين الافراد يعبرون بها عن عواطفهم وافكارهم ، حيث ينقلون هذه الافكار بين بعضهم البعض ، اذ اللغة في مضمونها علاقة بين الدال (اللفظ) والمدلول (المعنى او الشيء) والاعتقاد الشائع لدى عامة الناس ان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية تعسفية . الا ان ظهرت الى الوجود فكرة اخرى تناقضها ترى بضرورة التزام اللفظ بمعناه اي العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية تلازميه ؛ وهو ما نحن بصدد اثباته والدفاع عنه .لذا كيف نثبت صحة هذه الاطروحة ؟. وما هي جملة الادلة والبراهين التي فعلا نؤكد بها وجود تلازميه بين الدال والمدلول؟.

 محاولة حل المشكلة:

عرض منطق الاطروحة :  يرى انصار الاطروحة بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية تلازمية ، حيث يرى الكثير من اللغويين المعاصرين بان هناك ارتباط وثيق ومحكم بين اللفظ ومعناه ، وهذا الارتباط ليس خيارا او مجازا بل هو ضروري لان اللغة تأخذ شكل بنية واحدة بين الدال والمدلول وبدون هذه البنية الموحدة الواحدة تفقد اللغة دلالتها كما ان ذهن الانسان لا يمكن فهم الكلام الا اذا كان فكره يحمل مدلولا للدال ، والفرد لا يستطيع ان يتواصل اذا كان الدال يجهل المدلول . كما ان الاسماء مرتبطة بمسمياتها ، فالرمز اللغوي ليس خاويا من الدلالات ، اذ اللفظ او ما يُعرف بالكلمة  ما هو الا وسيط بين الفكرة والتجربة الموجودة في ذهن الانسان ،حيث تُنقل هذه الفكرة من الطابع الذاتي الى الجانب الموضوعي “الاخرين” . ثم ان ذهن الانسان لا يقبل الاصوات التي لا تدل على معنى فمثلا : كلمة “هُعخع” لا يمكن ان نجعل لها تصور في الذهن ، لان الذهن لا يحمل اي صورة لها ، وما جاء به الموقف المعاصر يعد تجاوزا للطرح الكلاسيكي الافلاطوني القائم على المحاكاة , اذ يرى بان العلاقة بين الكلمة والشيء علاقة طبيعية لان الاسماء عبارة عن ادوات نسمي بها الاشياء .

عرض منطق الخصوم ونقده :  للأطروحة السابقة خصوموهم القائلون بوجوب العلاقة التعسفية التحكمية ، ذلك لان هذه العلاقة من صنع البشر ، ولا وجود لعلاقة ضرورية ، فالإنسان هو الذي اخترع وابتدع واقترح بان يضع للأشياء دلالة لها ، ومعنى دون ان يكون هناك اي ضرورة تربط اللفظ بمعناه . فكلمة طاولة نجدها تدل على شيء معين يُستعمل ليُوضع عليه شيء ما او يُستعمل للكتابة ، فكلمة طاولة تحتوي على تتابع اصوات ( ط ، ا ، و ، ل ، ة ) وهي تمثل الدال . اما المدلول فهو الطاولة ، ولكن لا توجد اي ضرورة عقلية او جسمية فرضت على اللغة العربية ان تجمع بين الدال والمدلول ، بل تلك العلاقة اُقترحت واُعتمدت على ان تكون كذلك ايضا . ثم انه لو كانت علاقة الدال بالمدلول علاقة ضرورية ومن صنع الانسان لكان للعالم لغة واحدة وهذا ما يتعذر بطبعه لكن نحن نشاهد في الواقع بان لكل مجتمع لغته الخاصة التي يتواصل بها وتميزه عن غيره ، وهذا ما يثبت اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول . او بين اللفظ والمعنى .

نقد منطق الخصوم شكلا ومضمونا :لكن نلاحظ بان الرؤية التي ترى بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية لا يمكن تعميمها ، ذلك لأنه لا يعني ان الانسان او الفرد داخل المجتمع يستطيع ان يضع ما يناسبه من مدلولات وعلامات لغوية ، لأنه وبكل بساطة يتقيد بما اُتفق على التداول به داخل المجتمع .

الدفاع عن الاطروحة بحجج شخصية :   وللدفاع عن الاطروحة بحجج جديدة يمكننا القول بان العلاقة الموجودة بين المعنى واللفظ هي علاقة تلازمية يقول دولا كروا:”الالفاظ حصون المعاني “. والدليل الثاني ان البنية واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول، ودون هذا الاتحاد تفقد العلامة اللسانية هذه الخاصية . ومن جهة ثانية فان ذهن الانسان لا يستطيع ولا يقبل الاصوات التي لا تحمل تمثلا او شيئا يمكن التعرف عليه تصير غريبة ومجهولة .

التأكيد على مشروعية الاطروحة “الخاتمة” :  وفي الاخير لا يمكننا الا ان نقول ان الاطروحة القائلة: “ان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة تلازمية“. صحيحة في صياغها الفلسفي ونسقها يمكننا ان نتبناها ،وان نأخذ براي انصارها كونها مشروعة ويمكن الدفاع عنها.”

 

بقلم الاستاذ : احمد معمري

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حياك الله ورعاك وسدد خطاك يا أستاذ على هذه المقالة فأنت من يحق فيه قول كاد المعلم أن يكون رسولا
    شكرا لك يا أستاذ شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى