...
دراسات استراتيجيةدراسات عسكرية

كيف ستتعامل واشنطن مع تنامي القدرات النووية الصينية؟

أثار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) السنوي بشأن القدرات العسكرية للصين، الصادر في نوفمبر 2021، بعنوان “التطورات العسكرية والأمنية في جمهورية الصين الشعبية”، الذي يتحدث عن تنامي القدرات النووية الصينية خلال العقد القادم؛ حالة من الجدل داخل الأوساط الأمريكية في وقت تعمل فيه إدارة “بايدن” على مراجعة الاستراتيجية النووية الأمريكية، وفي الوقت الذي يتزايد فيه أيضاً القلق العالمي من التحديث العسكري الصيني، ولا سيما بعد الإعلان عن نجاح الجيش الصيني في الدوران على ارتفاع منخفض حول الأرض بصاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت 5 مرات ويتم التحكم فيه عن بعد. هذا، وقد دفع نمو القوة العسكرية الصينية وتقدمها في الصواريخ الفائقة السرعة، وفي عدد الرؤوس النووية؛ الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة، إلى القول: “إننا نشهد واحداً من أكبر التحولات في القوة الجيواستراتيجية لم يشهد العالم مثيلاً له على الإطلاق”، كما وصف هذا التحول بأنه “مقلق للغاية” و”قريب جداً” من “لحظة سبوتنيك” التي أطلقت سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة.

مؤشرات مُقلقة

أشار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، الذي اعتمد على تصريحات مسؤولين صينيين في وسائل إعلام رسمية، وعلى صور التقطتها أقمار اصطناعية تظهر إنشاء عدد كبير من المستودعات النووية؛ إلى العديد من المؤشرات على تنامي الترسانة النووية الصينية، وتتمثل فيما يلي:

1– تضاعُف القدرات النووية الصينية على نحو مُطرد: ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية، في توقعاتها بشأن الأسلحة الصينية، أن ‏الصين تعمل على توسيع قدراتها النووية بوتيرة أسرع من المتوقع، وأن جيش التحرير الشعبي الصيني سيضاعف مخزونه من الرؤوس النووية 4 مرات، ليبلغ بحلول عام 2030 نحو 1000 رأس حربي. وقد كانت التوقعات السابقة لوزارة الدفاع في سبتمبر 2020، التي قُدمت إلى الكونجرس، تشير إلى أنه سيكون لديه نحو 200 رأس، وأن هذا العدد سيتضاعف خلال السنوات العشر المقبلة. وقد أشار التقرير الأخير للبنتاجون إلى أن الوتيرة المتسارعة للتوسع النووي الصيني قد يؤدي إلى تمكًّن الصين من امتلاك ما يصل إلى 700 رأس حربي نووي قابل للتسليم بحلول عام 2027.

2– تعزيز الصين البنية التحتية النووية بدرجة ملحوظة: قالت وزارة الدفاع في تقريرها إن الصين تستثمر في عدد من منصات الأسلحة النووية البرية والبحرية والجوية، وتعمل على توسيعها، كما تنشئ البنى التحتية اللازمة لدعم هذا التوسع الكبير لقواتها النووية. وتعمل بكين كذلك على تعزيز قدراتها النووية من خلال زيادة قدرتها على إنتاج وفصل البلوتونيوم من خلال بناء مفاعلات التوليد السريع ومنشآت إعادة المعالجة.

3– الانتقال إلى وضعية “الإطلاق النووي بمجرد الإنذار”: أشار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، إلى أن بكين أنشأت بالفعل “ثالوثاً نووياً” مع تطوير صاروخ باليستي يُطلق من الجو، ذي قدرة نووية، وتحسن قدراتها النووية البرية والبحرية. وأضاف التقرير أن التطورات الجديدة تشير كذلك إلى أن الصين تعتزم زيادة استعداد قواتها النووية في وقت السلم، من خلال الانتقال إلى وضعية “الإطلاق بمجرد الإنذار”، بقوة موسعة قائمة على صوامع الصواريخ تحت الأرض. ومن الجديد بالذكر أن الصين رفضت ما تضمنه تقرير وزارة الدفاع الأمريكية؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج ون بين، إن “التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية، مثل التقارير السابقة، يتجاهل الحقائق، ومليء بالتحيز، واستخدمته لإثارة نظرية التهديد النووي الصيني وإرباك الجمهور.. والمجتمع الدولي يعرف ذلك جيداً”.

خيارات واشنطن

دفع تنامي القدرات النووية الصينية –في ظل احتدام التنافس الأمريكي الصيني في وقت تنظر فيه واشنطن إلى بكين كقوة تعديلية في النظام الدولي– إلى طرح أفكار متعددة بشأن كيفية التعامل مع التهديد النووي الصيني المتصاعد، ومن أبرزها:

1– استمرار تفوق القدرات النووية الأمريكية: على الرغم من التوقعات بأن امتلاك الصين نحو 1000 رأس نووي، فإن الولايات المتحدة لا تزال تتقدم بترسانتها النووية على نظيرتها الصينية، رغم انخفاض الترسانة النووية الأمريكية؛ فوفقاً لآخر تقدير فإن واشنطن تمتلك 3750 رأساً حربياً، في سبتمبر 2020، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 88% تقريباً عما كان عليه في نهاية عام 1967، وانخفاضاً بنسبة 83% تقريباً عن مستواه عندما سقط جدار برلين في أواخر عام 1989.

2– تحديث البنية والقدرات النووية الأمريكية: يُتوقع أن يكون لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية عن تزايد القدرات النووية الصينية، تأثير على مراجعة الاستراتيجية النووية الأمريكية التي يتوقع أن تصدر قريباً، بحيث تركز على زيادة القدرات النووية للولايات المتحدة، بعدما برز اتجاه لتقليل دور الأسلحة النووية في الدفاعات الأمريكية؛ وذلك لردع الترسانة النووية الروسية والصينية المتنامية والمتطورة.

3– إمكانية إجراء حوار نووي أمريكي–صيني: يرفض المسؤولون الصينيون باستمرار فكرة الدخول في محادثات لتحديد الأسلحة في الوقت الذي تنشر فيه الولايات المتحدة وروسيا رؤوساً نووية أكثر مما تملكه بكين بخمس مرات. ولكن العديد من المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أن الرئيس الأمريكي وكبار مساعديه يخططون للتحرك ببطء للدخول في محادثات بين القوتين المتنافستين حول القدرات النووية الصينية، مع تركيز المحادثات أولاً على تجنب الصراع، ثم الاستراتيجية النووية لكل منهما.

ولكن بعض المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أن التفاوض الرسمي لتحديد الأسلحة النووية ليس هدفاً واقعياً في الوقت الراهن؛ لأن بكين لن تقبل قيوداً على ترسانتها النووية ما لم تكن أقرب إلى التكافؤ مع واشنطن وموسكو. وقد رفضت بكين مراراً مطالب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالانضمام إلى المحادثات الثلاثية للحد من الأسلحة النووية مع روسيا. ولكن هناك تقارير تشير إلى أن الرئيس جو بايدن أثار إمكانية فتح حوار “استقرار استراتيجي” مع الصين ليشمل القضايا النووية، خلال قمة افتراضية مع الرئيس الصيني شي جين بينج في 15 نوفمبر 2021.

4– تحسين الخطوط الساخنة النووية مع بكين: في ظل رفض الصين المباحثات حول خفض أسلحتها النووية، يقترح البعض البدء في بناء الثقة بين البلدين لتحسين التواصل والشفافية، مثل الخطوط الساخنة النووية بين الجيشين الأمريكي والصيني. وبينما تشتهر الثقافة السياسية الصينية بأنها تكره الشفافية، فإنه يمكن إقناعها بنظام تفتيش الأسلحة الذي يقلل مخاوف الولايات المتحدة من أن بكين قد تحشد الأسلحة النووية سراً لأغراض هجومية.

الحرب الباردة الجديدة

في الختام، ستُعزز ‏القوة النووية الصينية من صعودها المتنامي على المسرح الدولي؛ الأمر الذي يُمكنها من تحدي النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردةً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مع نهاية الحرب الباردة؛ حيث قال الجنرال “ميلي” إن “الصين تراهن بسلوكها المتمثل في تطوير ترسانتها من الأسلحة وأنظمة الصواريخ، على إنهاء حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية”، ولا سيما مع سعيها إلى إنشاء المزيد من القواعد العسكرية خارجياً. وقد كشفت تقارير استخباراتية أمريكية سرية، أن الصين تعتزم إنشاء منشأة عسكرية في غينيا الاستوائية، وهي الخطوة التي ستمنح بكين أول حضور بحري دائم لها في المحيط الأطلنطي، ناهيك عن تقرير لأقمار صناعية أمريكية بإنشاء بكين صوامع صواريخ نووية جديدة عابرة للقارات، وهو ما يدفع إلى استعادة الكثير من التحليلات الغربية مصطلح (الحرب الباردة الجديدة) لوصف طبيعة التنافس بين واشنطن وبكين.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى