دراسات أمنيةدراسات استراتيجيةدراسات عسكرية

كيف غيّرت الأزمة الأوكرانية مفاهيم الأمن الدولي؟ 

اعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

غيرت أزمة أوكرانيا، ليس فقط طبيعة، وآليات الأمن الأوروبي، لكن أيضا توازن القوى في التكتل، بحيث أنه لم يعد متمحوراً فقط على ألمانيا، وفرنسا. لقد تقدمت بولندا، ودول البلطيق، مع دول أخرى، لتقود الناتو، والاتحاد الأوروبي، في القرارات الدفاعية والعسكرية،. كما نهضت دول كالمجر ، كمعارض غير متوقع للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، ضد روسيا.

تغيير النظام العالمي وموازين القوى – أزمة أوكرانيا

يعد النظام العالمي الحالي له مجموعتان؛ الولايات المتحدة والدول الغربية، والقوى القادمة مثل الصين وروسيا والهند. وتحاول القوى القادمة بناء نظام ثنائي القطب أومتعدد الأقطاب يقاومه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

أكد الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” في 17 يونيو 2022 إن عصر النظام العالمي أحادي القطب قد انتهى على الرغم من محاولات الحفاظ عليه بأي ثمن. وأضاف أن “الخلل يكمن في الفكرة ذاتها حيث توجد قوة واحدة ، وإن كانت قوية ، مع دائرة محدودة من الدول القريبة، أو، كما يقولون ، أولئك الذين اعترفوا بها ، في حين أن جميع قواعد الأعمال والعلاقات الدولية ، عند الضرورة ، يتم تفسيرها حصريًا لصالح هذه السلطة ، أي أنها طريق ذات اتجاه واحد “. وخلص الرئيس إلى القول: “إنها لعبة من جانب واحد. إن العالم القائم على مثل هذه العقائد هو بالتأكيد غير مستقر”.

يقول “ريتشارد سوكولسكي”، وهو باحث أول غير مقيم في برنامج روسيا وأوراسيا في 16 أبريل 2022 إن انتهاء سريان معاهدة ستارت الجديدة في عام 2026، والتي تضع حداً أقصى للترسانتين النوويتين الاستراتيجيتين للولايات المتحدة وروسيا، سيترك البلدين دون إطار عمل متفق عليه لإدارة توازنهما النووي الاستراتيجي. يبدو من المستبعد جداً أن تكون هناك معاهدة أخرى خلفاً لها بين الولايات المتحدة وروسيا بحلول ذلك الوقت.  وقد يدفع توسع الصين في ترسانتها النووية الاستراتيجية الولايات المتحدة أيضاً إلى تحديث برنامجها لتحديث قوتها الاستراتيجية، الأمر الذي من المرجح أن يحفز الكرملين على التصرف إزاء هذه التغييرات. ومن شبه المؤكد أن يضطر الكرملين على مدى السنوات القليلة المقبلة إلى التعامل مع سباق تسلح جديد وكبير على مستوى كل من الأسلحة التقليدية والنووية. مع احتمالات غير مؤكدة بأن تكون الصين قادرة على توفير المكونات الحيوية أو تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجه نظام بوتين.

مراجعة المعاهدات وتغيير سياسات الهجرة – أزمة أوكرانيا

تؤيد المفوضية الأوروبية في 9 مايو 2022 مراجعة معاهدات الاتحاد الأوروبي “إذا لزم الأمر” لفسح المجال للتخلي عن “التصويت بالإجماع” للدول الأعضاء الـ (27) في المجالات الرئيسية. ودون هذه المرحلة مخاطر إلا إنها ضرورية لبعض هذه المقترحات مثل منح البرلمان حق المبادرة التشريعية أو توسيع صلاحيات الاتحاد الأوروبي في مجالي الدفاع. ووضع حد لاعتماد مبدأ الإجماع في بعض القضايا التي تعتبرها بروكسل “جوهرية” وبخاصة ما يرتبط منها بالسياسة الخارجية أو شؤون ترتبط بسيادة القانون داخل الدول الأعضاء.

يوجد (4.6) ملايين مواطن أوكراني غادروا بلادهم، الجزء الأكبر منهم نزح إلى البلدان المجاورة كبولندا ورومانيا. كانت البلدان التي استقبلتهم متشددة في السابق في فتح حدودها أمام لاجئين آخرين، وللتعامل مع تدفق اللاجئين الأوكرانيين، وضع القادة الأوروبيون خارطة طريق جديدة، عززت التوافق السياسي وسرعت عملية استقبال الأوكرانيين. وحتى اليابان، البعيدة جغرافيا، تحركت لاستقبال (400) شخص من اللاجئين الأوكرانيين، في خطوة غير مسبوقة من جانب طوكيو التي عرفت تاريخيا برفضها استقبال طالبي اللجوء.

تقييد السيادة الأمريكية في أوروبا – أزمة أوكرانيا

غيرت حرب أوكرانيا الكثير في العديد من الملفات ، إحدى النتائج المباشرة ربما تكون تقوية الروابط بين ضفتي الأطلسي، أي بين أوروبا وأمريكا الشمالية. ورفع الإنفاق العسكري داخل دول “الناتو”، كما أعلنت ألمانيا في خطوة نادرة منذ الحرب العالمية الثانية. و إذا بلغت روسيا أهدافها السياسية في أوكرانيا بطرق عسكرية، فإن أوروبا لن تكون بعد هذه الحرب على سابق عهدها. وإذا فشل الناتو في تحجيم الخطوة الروسية ، سوف تصبح السيادة الأمريكية في أوروبا مقيدة، وبدلاً من ذلك، سيتوجب تقليص الأمن في أوروبا ليقتصر على الدفاع عن الأعضاء الأساسيين في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. .

تخلي بعض الدول عن مبدأ الحياد، وتقييد حق الفيتو

ألقت أزمة أوكرانيا بتبعاتها على مجمل النظام العالمي وأعادت خلط أوراق جيوسياسية، وأيقظ مخاوف  التهديد النووي في 2 مارس 2022. فهناك تحوّل جذري قامت به سويسرا بالتخلي عن حيادها التاريخي، وهو مبدأ “لا يعني عدم الاكتراث”.  واختارت سويسرا التي تعد مركزا ماليا محوريا عالميا، فبعد أن كانت تستضيف لقاءات دبلوماسية أميركية روسية سعيا لنزع فتيل الأزمة، انضمت إلى العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق للاتحاد الأوروبي على روسيا. لم تكن سويسرا الوحيدة التي خرجت عن مبدأ الحياد، فما قامت به فنلندا والسويد أيضا جعلهما أقرب من أي وقت مضى لطلب الانضمام الى الحلف الأطلسي.

أعادت الأزمة الأوكرانية إحياء فكرة قديمة تهدف إلى جعل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن يتراجعون عن استخدام حق النقض في 19 أبريل 2022. وينص الاقتراح، على دعوة أعضاء الجمعية العامة البالغ عددهم (193) عضوا “في غضون 10 أيام عمل من استخدام حق النقض من قبل عضو دائم أو أكثر في مجلس الأمن ، لإجراء مناقشة حول الوضع كما يلي: التي ألقي عليها حق النقض “.  ومن بين مقدمي مشروع القرار الذين التزموا بالتصويت على النص أوكرانيا واليابان وألمانيا ، وتأمل الدولتان في الحصول على مقاعد كأعضاء دائمين في مجلس الأمن الموسع المحتمل في ضوء تأثيرهم السياسي والاقتصادي العالمي.  ملف : أزمة أوكرانيا وتداعياتها على اقتصاديات أوروبا

من هي الدول المستفيدة من أزمة أوكرانيا؟

شارك في استطلاع للرأي ما يقرب من (600) باحث من تخصصات متعددة في 14 أبريل 2022، أعرب (58% ) من المستطلعين عن اعتقادهم أنَّ الأزمة ستضعف مكانة روسيا في الشرق الأوسط، بينما توقع (33% ) فقط أنها ستعزز موقعها الإقليمي. رأى كثيرون أنَّ الصين هي المستفيد الواضح من هذا الصراع: إذ يعتقد (63% ) أنَّ الأزمة عززت مكانة بكين في المنطقة، و(5% ) فقط توقعوا أن تؤدي تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط إلى إضعاف نفوذ الصين. وتحدثت نسبة (40% )عن تزايد قوة موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا، بينما توقع (34% )ألا يكون لها تأثير حقيقي على مكانة الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، توقع (36% ) من المُستطلَعة آراؤهم أن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى إضعاف العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

استراتيجية  جديدة لـ”الناتو”، التحدي المنهجي

أدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” في 28 يونيو 2022 مفاهيم ومعاني جديدة في استراتيجية “الناتو”، حيث سيطلق على الصين مفهوم “التحدي المنهجي”. ويعتزم الناتو وصف الصين بأنها “تحد منهجي”عندما يصدر توجيهات سياسية جديدة ، بينما يسلط الضوء أيضًا على تعاون بكين العميق مع روسيا”. كما من المتوقع أن توضح الوثيقة المخاوف بشأن الصين في مجالات مثل الأمن السيبراني والمعلومات المضللة والسيطرة على البنية التحتية الحيوية والنظام الدولي. وبالمقارنة مع استراتيجية الناتو التي تم تبنيها عام 2010 والتي لم تحتوِ على إشارات إلى الصين بل وصفت روسيا بأنها شريك في التحالف يعد هذا تحولا في سياسة حلف الناتو تجاه روسيا والصين.

**

2- أزمة أوكرانيا ـ أمن أوكرانيا على حساب أمن أوروبا؟

لا يزال معظم الأوروبيين يثقون في حلف الناتو للدفاع عن أوروبا و لحماية مصالحهم أكثر مما يثقون في الولايات المتحدة للقيام بذلك يتفق العديد من الدول الأوروبية على أن نهج روسيا تجاه أوكرانيا يمثل تهديدًا أمنيًا لأوروبا ككل في مجموعة متنوعة من المجالات. بينما يعتقد معظم الأوروبيين أنه يجب الدفاع عن أوكرانيا ، ,هناك اختلافات كبيرة بينهم حول كيفية القيام بذلك.

زيادة الانفاق العسكري للدول

يعتبر قرار رفع الاتحاد الاوروبي في 11 مارس 2022 من الإنفاق العسكري سابقة في ضوء السياسة الأوروبية التي كانت تستند تقليديا على تقليص النفقات العسكرية.  كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة “صدمة” للأوروبيين، دفعت كثيرا من الدول إلى زيادة الإنفاق العسكري ففي فبراير2022، تعهدت الحكومة الألمانية تعزيز الإنفاق العسكري لمساعدة أوكرانيا، بإعلانها زيادة إنفاقها العسكري، إلى نسبة الـ(2%) من ناتجها المحلي الإجمالي لتحديث القوات المسلحة. وتعهدت السويد ورومانيا برفع الإنفاق من (2%) إلى( 2.5 %) أما فرنسا فأعلنت أنها ستعمل على تخصيص أكثرمن (2% )من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. أما بولندا فتخطط تخطط لزيادة الإنفاق العسكري عند حدود (3%) من إجمالي الناتج المحلي العام 2023.

تم نقل أسلحة وذخيرة وأنظمة أسلحة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كمساعدات عسكرية طارئة منذ الأزمة الأوكرانية في 24 فبراير 2022. ففي 30 مايو 2022 أعلنت المملكة المتحدة عن مساعدة عسكرية بقيمة (1.3) مليار جنيه إسترليني ، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي (2) مليار يورو في الدعم العسكري.

سياسات استقبال اللاجئين الأوكرانيين

اتفق وزراء الداخلية الأوروبيون في بروكسل في 4 مارس 2022 على منح “حماية موقتة” في الاتحاد الأوروبي للاجئين الأوكرانيين. هذا الإجماع الأوروبي على الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، اتضح بعد فترة قليلة فقط من بدء الحرب على أوكرانيا، إذ بدأ الاتحاد الأوروبي بالتفكير بإجراءات تسمح للأوكرانيين بالحصول على تصاريح إقامة مؤقتة إضافة لإمكانية الحصول على وظائف وخدمات رعاية اجتماعية. وفي ضوء الحماية المؤقت لللاجئين الأوكرانيين تواجد الدول الأوروبية بعض التحديات والشكوك:

  • التحدي اللوجستي والتنسيق.
  • التحدي الاقتصادي لكل من الدول الأعضاء والاتحاد الأوروبي.
  • تحدي الاندماج

تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية

تعهد القادة الأوروبيون في بروكسل بتكثيف جهودهم لتقليل اعتمادهم في مجال الطاقة على روسيا التي خفضت شحنات الغاز. كشفت المفوضية الأوروبية في 25 يونيو 2022 أن هناك (12) في الاتحاد الأوروبي باتت بدون غاز روسي بشكل كلي أو جزئي، وأن على الدول الأعضاء الاستعداد لتطبيق خطة الاتحاد الأوروبي لأزمة الطاقة. لاتحاد الأوروبي. وتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لزيادة إمدادات الغاز مع إسرائيل ومصر، وتعزيز التعاون مع النرويج، ووجود مفاوضات مباشرة في مراحلها النهائية مع أذربيجان لإيجاد بدائل لإمدادات الطاقة.

يؤدي وقف روسيا لإمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إلى خلق حالة من انعدام الأمن في مجال الطاقة للاتحاد في وضع كان فيه اعتماد رئيسي على إمدادات الغاز الروسي في 24 مايو 2022. بينما تتمتع روسيا بقوة البائع ، فإن أوروبا تتمتع بقوة شراء أكبر حيث أن (71٪ ) من صادرات روسيا موجودة في الاتحاد الأوروبي.

يعتقد المحلل السياسي الألماني “أندرياس كلوت ” في 26 يونيو 2022 أن بوتين ربما يقوم بفرض حظر على تصدير الغاز الطبيعي لأوروبا وهو ما يصل إلى النتيجة نفسها في النهاية، ويقول “كلوت” إن بوتين بذل كل جهد ممكن طوال العقود الماضية لجعل دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بأقصى صورة ممكنة على إمدادات الطاقة الروسية لكي يضع الغرب تحت رحمة موسكو. والآن يستغل بوتين نقطة الضعف تلك لدى أوروبا.

ضغوطات أمريكية على الدول الأوروبية

ضغطت الولايات المتحدة على الحلفاء الأوروبيين للاتفاق على عقوبات ضد روسيا في 14 يناير 2022، حيث شعرت بالقلق من بطء التقدم على الرغم من المحادثات والمخاوف المتزايدة من أن الرئيس “فلاديمير بوتين” قد يغزو أوكرانيا.

يؤكد حث الولايات المتحدة على العقوبات على الشعور المتزايد بنفاد الصبر في إدارة “بايدن” بشأن الموقف الأوروبي. لسبب واحد ، المسؤولون الأمريكيون غير سعداء لأن الدول الأوروبية غير متفقة على العقوبات المحددة التي ستفرضها. من ناحية أخرى ، خشت الولايات المتحدة عدم استعداد القادة الأوروبيين للرد إذا اتخذ بوتين إجراءات لا ترقى إلى مستوى الغزو الشامل، مثل الهجمات الإلكترونية أو حملات التضليل المتصاعدة لاسيما أن يجب أن يتم الموافقة على الجزء الأكبر من أي استجابة على مستوى الاتحاد الأوروبي بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء البالغ عددها (27) دولة.

واستجابة للضغوط المتزايدة عملت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون على حزمة عقوبات شملت  تدابير تستهدف أكبر البنوك الروسية وضوابط التصدير على التقنيات المتقدمة في الصناعات الرئيسية والسلع عالية التقنية. كما اقترح عدد من الحكومات الأوروبية عمليات اقتطاع وإدخال بعض الإجراءات المالية بشكل تدريجي

أمن أوروبا من أمن أوكرانيا

يقول ” جوزيب بوريل” الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في 1 مارس 2022 إن الهجوم الروسى على أوكرانيا يستهدف أمن أوروبا بأسره. والنظام العالمي الذي تحكمه قواعد وقوانين والذي يقوم على أسس منظومة الأمم المتحدة والقانون الدولي.أظهر استطلاع لعموم أوروبا أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير 2022 أن هناك إجماعًا مفاجئًا على الأزمة بين الناخبين الأوروبيين. يتفق الأوروبيون في الشمال والجنوب والشرق والغرب على أن الدول الأوروبية واجب الدفاع عن أوكرانيا، وأن هذه مشكلة أوروبية. ويغطي الاستطلاع فنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا ورومانيا والسويد – البلدان التي تمثل مجتمعة ما يقرب من ثلثي سكان الاتحاد الأوروبي.

تداعيات أمنية

تترك الأزمة لأوكرانية تداعيات سلبية على الأمن الأوروبي وأصبح من الضروري أن تعمل أوروبا على معالجة نقاط الضعف الاستراتيجية بعد استبعادها من المحادثات الأخيرة، وأصبح الزعماء الأوروبيين يعبرون عن  عن استيائهم من استبعادهم من طاولة المحادثات الأخيرة. وتكمن المشكلة في أن االتكتل بات يفتقر إلى النفوذ العسكرى والوحدة الدبلوماسية التى من شأنها أن تجبر روسيا لإجاد حلول للأزمة الأوكرانية خاصة أن التقديرات والمؤشرات تفيد بأن واشنطن تظل أكبر رادع لروسيا

**

3- أزمة أوكرانيا ـ تداعيات تزويد روسيا بيلاروسيا بصواريخ ذات رؤوس نووية ؟

أعلنت روسيا تسليم بيلاروسيا صواريخ قادرة على حمل شحنات نووية. وكان قد أكد الاتحاد الأوروبي إن الاستفتاء الذي نظمته بيلاروسيا لإلغاء حالة البلاد كدولة غير نووية يعد خطوة تثير القلق بدرجة كبيرة. ومما يثير القلق المتزايد أيضًا العقيدة العسكرية الروسية المرتبطة بالأسلحة النووية في ساحة المعركة والمعروفة باسم “التصعيد للتخفيف من حدة التصعيد”.

تزويد روسيا لبلاروسيا بصواريخ ذات رؤوس نووية – أزمة أوكرانيا

أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” خلال استقباله نظيره البيلاروسي “ألكسندر لوكاشنكو” في 25 يونيو 2022 أن روسيا ستسلم بيلاروسيا صواريخ قادرة على حمل شحنات نووية. ويتم تزويد بيلاروسيا منظومات صواريخ تكتيكية طراز “إسكندر-إم” تستطيع استخدام صواريخ بالستية أو عابرة للقارات بنسختيها التقليدية والنووية”. و”إسكندر-إم” هي أنظمة صاروخية متحركة موجهة يسميها حلف شمال الأطلسي “إس.إس-26 ستون” وجاءت بعد الصواريخ سكود. ويصل مدى صاروخي هذا النظام الموجهين إلى (500) كيلومتر، ويمكن أن يحملا رؤوسًا نووية أو تقليدية. كذلك تحديث أسطول سلاح الجو البيلاروسي لجعل طائراته قادرة على حمل أسلحة نووية.

لماذا تتعاون روسيا مع بلاروسيا؟                                      

يبدو أن بيلاروسيا، الواقعة في شمال أوكرانيا ، تلعب دوراً داعماً بارزاً بشكل متزايد في الأزمة الأوكرانية في 11 مارس 2022. واستقبلت بيلاروسيا بالفعل (30 ) ألف جندي روسي في التدريبات العسكرية في الفترة التي سبقت إعلان بوتين الهجوم على أوكرانيا ، سمح رئيس بيلاروسيا منذ ذلك الحين لطائرات روسيا بالإقلاع من مطارات بلاده ، وغير الدستور للسماح باستضافة الروس. الأسلحة النووية الاستراتيجية.

لايعترف الاتحاد الأوروبي بشرعية الرئيس لوكاشينكو. وتم بالفعل فرض عقوبات على من قبل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأغلقت وزارة الخارجية الأمريكية سفارتها في مينسك في معارضة التعاون العسكري البيلاروسي مع موسكو. ساعدت بيلاروسيا روسيا باختصار لرد الجميل ففي بيلاروسيا، اندلعت الاحتجاجات على نطاق غير مسبوق ، لجأ لوكاشينكو إلى بوتين طلباً للمساعدة. ورد بوتين معلناً أن الجيش الروسي على استعداد للتدخل “إذا لزم الأمر”. وكان ” ألكسندر لوكاشنكو ” يحتاج للدعم والمال. وقد قدم بوتين ذلك. وهناك نقاط رئيسية يجب فهمها حول مشاركة بيلاروسيا في حرب أوكرانيا.

  • تعزيز العلاقات العسكرية بين بيلاروسيا وروسيا منذ عام 2020.
  • روسيا تسيطر بشكل غير رسمي على بيلاروسيا
  • لا يستطيع البيلاروسيون الضغط على الحكومة ومنع لوكاشينكو من اتباع أوامر بوتين.
  • بيلاروسيا هي مرحلة استراتيجية بالنسبة لروسيا.

قدرات روسيا النووية

تدير المديرية الرئيسية الثانية عشرة لوزارة الدفاع الروسية عشرات مرافق التخزين المركزية للأسلحة النووية. تُعرف باسم مواقع “Object S” والمنتشرة في جميع أنحاء الاتحاد الروسي ، وتحتوي على آلاف الرؤوس الحربية النووية والقنابل الهيدروجينية مع مجموعة متنوعة من المواد المتفجرة. وتهدد روسيا باستخدام الأسلحة النووية في الحرب ضد أوكرانيا. الصواريخ الباليستية بعيدة المدى على الأرض وعلى الغواصات هي الأسلحة النووية الوحيدة المتاحة لروسيا على الفور. فإذا قرر بوتين مهاجمة أوكرانيا بأسلحة نووية “تكتيكية” أقصر مدى، فسيتعين إزالتها من موقع Object S  ونقلها إلى قواعد عسكرية. سوف يستغرق الأمر ساعات حتى تصبح الأسلحة جاهزة للقتال .

تعد إحصاءات الأسلحة النووية تقديرية ولكن التقديرات الغير رسمية في 2 مارس 2022 تشير إلى أن روسيا  تمتلك (5,977) رأسا حربيا نوويا – وهي المسؤولة عن إطلاق التفجير النووي- على أن هذا العدد يتضمن حوالي (1,500) رأسا خارج الخدمة. أما الـ (4,500) رأسا المتبقية فتعتبر في معظمها سلاحا استراتيجيا – سواء كانت صواريخ باليستية، أو صواريخ أخرى، يمكن تصويبها على مسافات بعيدة. وتلك هي الأسلحة التي عادة ما تصاحب الحرب النووية. أما البقية فهي أصغر حجما، وأقل تدميرا، وهي تستخدم للأهداف الموجودة على مسافات قصيرة في ساحات القتال أو في البحر.لكن هذا لا يعني أن لدى روسيا آلاف الرؤوس الحربية النووية طويلة المدى جاهزة للاستخدام الآن.وهناك  نحو (1,500) رأسا حربية نووية “منشورة”، بمعنى أنها موضوعة على قواعد ومنصات إطلاق الصواريخ والقاذفات أو على الغواصات في البحر.

سيناريوهات استخدام الخيار النووي النووي- أزمة أوكرانيا

توجد  العديد من السيناريوهات في 27 فبراير 2022 لكيفية استخدام روسيا لسلاح نووي قريبًا ممكنة كمايأتي:

  • انفجار فوق البحر الأسود، لا يتسبب في وقوع إصابات ولكنه يظهر تصميمًا على تجاوز العتبة النووية والإشارة إلى أن الأسوأ قد يأتي.
  • هجوم نووي على هدف عسكري أوكراني، ربما قاعدة جوية أو مستودع إمداد ، ليس المقصود منه إيذاء المدنيين.
  • تدمير مدينة أوكرانية ، مما تسبب في وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين وخلق الرعب للتعجيل باستسلام سريع.

تداعيات استخدام الخيار النووي وخيارات الرد – أزمة أوكرانيا

ليست هذه التهديدات الأولى التي تصدر عن الجانب الروسي، فقد لوح بوتين باللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير2022. كما كرر مسؤولون روس هذه التهديدات منهم وزير الخارجية “سيرغي لافروف” الذي حذر في أبريل 2022 من اندلاع حرب عالمية ثالثة، فيما يكتفي الغرب في 9 مايو 2022 بالتأكيد مرارا على أنه لا يرى أي تهديد بشن روسيا حربا نووية، وأيضا التأكيد على أن الردع النووي ممكن من الجانبين لكن اللجوء إليه يعني أيضا كارثة تطال الجانبين وتكون عواقبها غير مسبوقة.

يقول مسؤولو المخابرات الأمريكية في 13 يونيو 2022 إنهم لم يروا أي مؤشرات على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لاستخدام ما يسمى بالأسلحة النووية في ساحة المعركة ، لكن عدة نسخ من العقيدة العسكرية الروسية المنشورة منذ عام 2000 تصورت أول استخدام للأسلحة النووية ردًا على تهديد تقليدي في حرب إقليمية رداً على تهديد تقليدي ضد روسيا. وتعتبر أصغر الرؤوس الحربية الروسية لديها القوة التفجيرية مرات عديدة للقنابل التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي.

تقول لدكتورة “باتريشيا لويس” مديرة برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني إنه إذا ما قررت روسيا مهاجمة أوكرانيا بأسلحة نووية،  فمن المرجح أن ترد دول الناتو على أساس أن تأثير الأسلحة النووية سوف يعبر الحدود ويؤثر على الدول المحيطة بأوكرانيا. ويمكن أن يرد الناتو باستخدام الأسلحة التقليدية ضد المواقع الاستراتيجية الروسية، أو بالمثل  باستخدام الأسلحة النووية حيث هناك عدة خيارات متاحة له. فالولايات المتحدة لديها حوالي (150) قنبلة جاذبية نووية B61 – موجودة في (5) من دول الناتو، هي بلجيكا، وألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وتركيا. كما أن لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا إمكانيات طويلة المدى بالنسبة للهجمات النووية تحت رعاية الناتو. 

4- أزمة أوكرانيا ـ كالينينغراد، الأهمية الإستراتيجية وسيناريوهات التوتر

تحولت كالينينغراد المنطقة المعزولة والمحاطة بكل من ليتوانيا وبولندا إلى أحدث نقطة توتر بين موسكو وبقية أوروبا، ضمن تداعيات الحرب في أوكرانيا.وتوصف كاليننغراد بانها راس حربة روسيا في أوروبا.التوتر جاء على خلفية اتخاذ ليتوانيا قراراً منتصف يونيو 2022  يقضي بمنع عبور عدد من السلع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي من الأراضي الروسية إلى مقاطعة كالينينغراد؛ الجيب الروسي الواقع على بحر البلطيق، والذي تصل إليه السلع الروسية بواسطة السكك الحديدية عبر بيلاروسيا، وتحديداً عبر المعبر المعروف باسم “سوالكي”.

أهمية كالينينغراد الإستراتيجية بالنسبة لروسيا

يقع جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق بين بولندا في الجنوب وليتوانيا في الشمال والشرق، وتقدر مساحته بنحو 223 كيلومتر مربع فيما يبلغ عدد سكانها قرابة نصف مليون نسمة وتحمل عاصمة الإقليم اسم كالينينغراد.

كان هذا الجيب في السابق جزءا من شرق مملكة بروسيا الألمانية السابقة، وعقب هزيمة ألمانيا النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 جرى التنازل عن هذا الجيب لصالح الاتحاد السوفيتي في ذاك الوقت. وعقب سيطرة الروسي عليه تغير اسم المدينة الرئيسية في الجيب من “كونيغسبرغ” في بادي الأمر إبان الحكم الألماني إلى كالينينغراد فيما جرى إطلاق هذا الاسم على المنطقة بأسرها. والتي تقع على بعد أكثر من (300) كيلومتر إلى الشرق، من قبل جمهوريات الاتحاد السوفيتي آنذاك، ليتوانيا ولاتفيا وبيلاروسيا..

كانت كالينينغراد واحدة من أكثر أجزاء الاتحاد السوفيتي عسكرة وانغلاقاً، وكان الجيش هو الدعامة الاقتصادية الرئيسية للمنطقة خلال الحقبة السوفيتية.  وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح جيب كالينينغراد جزاء من روسيا الاتحادية. ووجدت كالينينغراد نفسَها معزولة جغرافياً عن روسيا، وقد تراجعَ التواجدُ الروسي العسكري فيها. لكن مع وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم، أعاد ضخَ الدمِ العسكري فيها من جديد نظراً لموقعِها الإستراتيجي بالنسبة لروسيا.

تعتبر كالينينغراد ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لموسكو، إذ تضم أسطول البلطيق الروسي في ميناء بالتييسك، وهو الميناء الأوروبي الوحيد الخالي من الجليد في البلاد. ولطالما تمت الإشارة إليها على أنها “حاملة الطائرات غير القابلة للغرق” وطريق تجاري إلى روسيا عبر بحر البلطيق.

كما يُعتبر الجيب الروسي نقطة عسكرية روسية في أوروبا، إذ يضمّ المقر الرئيسي للأسطول الروسي في البلطيق، لكنه محاط بقوات الناتو المنتشرة في كلّ من استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.  ولمواجهة توسّع حلف شمال الأطلسي عززت موسكو وجودها العسكري في كالينينغراد، ونظمت فيها مناورات مهمة عدا عن نصب صواريخ تحمل رؤوساً نووية وأنظمة دفاع جوي

إضافة إلى أهميته الاستراتيجية الاقتصادية، حيث أصبح ميناء كالينينغراد نقطة مهمة من نقاط خط السكك الحديدية المار على طول خط الحزام والطريق، من الصين إلى أوروبا.  ويضم إقليم كالينينغراد مصنعاً للسكك الحديدية، ويوفر الخط الحديدي الرابط بين الصين والإقليم، مروراً بكازخستان وروسيا وبيلاروسيا وليتوانيا، طريقاً تجارياً سريعاً إلى بلدان الشمال الأوروبي. ومن خلال المدينة، تعبر القطارات ليتم تسليم الشحنات مباشرة إلى السفن في ميناء الإقليم، ثم نقلها مباشرة إلى الدول الإسكندنافية أو بريطانيا، وهو ما يقلل تكاليف التشغيل والشحن.

كما أن الإقليم يمثل جزءاً من الطموح الروسي إلى إكمال طوق الهيمنة على إمدادات الطاقة لأوروبا، وذلك عبر مشروع المحطة النووية “البلطيق”، التي بدأت موسكو إنشاءها في أبريل 2008. ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه مشروع جيوسياسي، تريد موسكو من خلاله ضمان السيطرة على إمدادات الطاقة الكهربائية لدول البلطيق، ومن ناحية أخرى مواجهة مشروع ليتوانيا لبناء محطة طاقة نووية. 

كالينينغراد حصن نووي روسي

يتمتع جيب كالينينغراد في الغرب الروسي بوضع فريد فهو “منطقة عازلة طبيعية” قريبة من أوروبا ويوفر لروسيا فرصة لتهديد أوروبا، إذ تعرف كالينينغراد بخاصرة القارة العجوز الرخوة، ومن المحتمل أن يقدم بوتين على توجيه ضربته الأولى إلى أوروبا، انطلاقاً من تلك المنطقة. حيث تستعرض موسكو ما نشرته من أسلحة ومنظومات صواريخ.

تلك الورقة تلوح بها موسكو تزامناً مع غزوها لأوكرانيا، وتصاعد التشنج مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبّان فرض عقوبات غير مسبوقة على النظام الروسي

نشرت روسيا في عام 2013 صواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى، القادرة على حمل رؤوس حربية نووية في الإقليم، وقالت حينها إن خطوتها جاءت ردا على خطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع صاروخي باليستي في أوروبا

وتوفر أنظمة الرادار المراقبة الجوية لوسط أوروبا، وهي أيضا مزودة بنظام الدفاع الصاروخي الروسي “أس-400″، اضافة الى الرؤوس الحربية النووية المحمولة على صواريخ قصيرة أو متوسطة المنشورة في الجيب الموجود بقلب أراضي الناتو لروسيا ميزة ضربة أولى أكثر فاعلية، بسبب الوقت المحدود الذي تستغرقه الصواريخ للوصول إلى أهدافها في أوروبا

رغم أن موسكو لم تعترف بامتلاكها أسلحة نووية في جيب كالينينغراد، لكن في عام 2018 خلص اتحاد العلماء الأمريكيين إلى أن روسيا قامت بتحديث مخبأ لتخزين الأسلحة النووية في المنطقة بشكل كبير، بناءً على تحليل صور الأقمار الصناعية

ولطالما استخدمت روسيا هذا الجيب المعزول لتهديد أوروبا، حيث تستعرض موسكو ما نشرته من أسلحة ومنظومات صواريخ.  تلك الورقة تلوح بها موسكو تزامناً مع غزوها لأوكرانيا، وتصاعد التشنج مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبّان فرض عقوبات غير مسبوقة على النظام الروسي.

أعلنت موسكو في 5 مايو  2022 أن الجيش الروسي أجرى في كالينينغراد محاكاة لعملية إطلاق صواريخ نووية على مواقع معادية متخيلة في أوروبا. وزعم الكرملين أن هذه الخطوة كانت ضرورية لمواجهة الوجود العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة.

وبعدما أرسل قواته إلى أوكرانيا في أواخر فبراير 2022، وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تهديدات شبه صريحة باستعداده لنشر أسلحة نووية تكتيكية.

وكان ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس الروسي السابق، قد هدد في 15 أبريل 2022 بنشر “قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا”، وقال “لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحديث عن وضعية لا نووية لبحر البلطيق”، في تهديد صريح بنشر أسلحة نووية في المنطقة خاصة كالينينغراد.

حصار كالينينغراد.. فتيل جديد للتوتر

أعلنت شركة السكك الحديدية الليتوانية، في 18 يونيو 2022 إن الشركة لن تسمح بعد الآن بعبور البضائع الروسية التي يعاقب عليها الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي الليتوانية إلى كالينينغراد.

ويأتي قرار الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو (NATO) “في وقت يخشى فيه سكان الإقليم -المعزول عن روسيا وليس له حدود برية مشتركة معها- من نقص السلع بسبب تعطل الخدمات اللوجستية بالحد الأدنى إلى حين إيجاد سلاسل نقل جديدة في بحر البلطيق، كون هذا الإقليم تتوفر لديه إمكانية الوصول إلى البحر.

وتشمل السلع المدرجة في قائمة البضائع الروسية المحظورة من قبل الإتحاد الأوروبي (50%) من المواد التي تستوردها كالينينغراد، تتضمن الفحم والمعادن ومواد البناء والتكنولوجيا المتقدمة، وذلك إجراء تقول ليتوانيا إنّها لجأت إليه بسبب العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي، والتي هي عضو فيها.

وكان قد توصل الاتحاد الأوروبي وموسكو في عام 2002، إلى اتفاق بشأن السفر بين روسيا وكالينينغراد، قبل انضمام بولندا وليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004. ومنذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بات من المستحيل السفر بين إقليم كالينينغراد وبقية روسيا برا من دون عبور أراضي دولة واحدة على الأقل في الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك مناوشات، خاصة مع ليتوانيا، بشأن لوائح العبور.

الجدير بالذكر أن الحفاظ على العبور بين روسيا الاتحادية وجيب كالينينغراد عبر أراضي ليتوانيا كان أحد الشروط الأساسية لحصول ليتوانيا على عضوية الاتحاد الأوروبي؛ كما أن اتفاقية الشراكة والتعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي في 24 يونيو 1994، لم يتم إلغاؤها، وأن حرية العبور هي أحد المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية.

توالت التهديدات الروسية لليتوانيا والاتحاد الأوروبي، على إثر ذلك، إذ لوح الكرملين باتخاذ إجراءات إنتقامية، معتبراً أن ما حصل هو حصار غير مسبوق وانتهاك للقوانين، مستنداً بذلك على البيان المشترك بين روسيا والإتحاد الأوروبي والذي صدر العام 2002، بشأن المرور بين ليتوانيا وكالينينغراد. ولم يتوقف الأمر عند حدّ التصريحات، بل استدعت موسكو مبعوث فيلنيوس وسفير الإتحاد الأوروبي لديها، للإعراب عن احتجاجها الشديد.

وصفت روسيا حظر العبور بأنه “حصار” وخطوة غير قانونية، حسب تعبير المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، حيث يعتمد جيب كالينينغراد بشكل كبير على الواردات من روسيا لتوفير الاحتياجات الأساسية، ووفقاً للقانون الدولي الحصار عمل من أعمال الحرب.

وقال رئيس لجنة حماية سيادة الدولة في مجلس الاتحاد الروسي، أندريه كليموف، إن حلف الناتو يبدأ حصاراً لأحد الكيانات الروسية، بيدَي ليتوانيا، وهو ما يُعد عدواناً مباشِراً على روسيا، يجبرها على اللجوء إلى الدفاع عن النفس. وإذا لم يقم الاتحاد الأوروبي حالاً بتصحيح الإجراء الوقح الذي قامت به فيلنيوس -عاصمة ليتوانيا-، فإنه بذلك يتبرّأ لنا من شرعية جميع وثائق عضوية ليتوانيا في الاتحاد الأوروبي، ويطلق أيدينا لاتخاذ قرار بشأن المشكلة التي تسبّبت بها ليتوانيا عبر فرضها حصار النقل على كالينينغراد، وفق أي وسيلة نختارها نحن”.

كما أكد رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن روسيا سترد على مثل هذه الأعمال “العدائية” والتي سيكون لعواقبها أثر سلبي خطير على سكان ليتوانيا، حسب توصيفه. لكنه لم يحدد كيف سترد روسيا، واكتفى بالقول إنها ستكون مشتركة بين الوكالات الروسية.

فيما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “آمل أن يكون لدى الليتوانيين بعض بقايا الاحتراف في تقييم الوضع، يجب أن يفهموا العواقب، وستأتي العواقب للأسف”.

كما هدد الجنرال الروسي يفجيني بوزينسكي الغرب وبريطانيا، قائلاً ” إن الغرب يلعب بالنار في محاصرة كالينينغراد، وإذا أدت المواجهة في ليتوانيا إلى اندلاع حرب نووية عالمية ثالثة فلن يبقى لبريطانيا وجود”

إن روسيا تجد حصار كالينينغراد – كجَيب روسي على البلطيق – اعتداءً كامل الأوصاف على سيادتها مباشرة، يتخطى كثيراً ناحية اختراق سيادتها، أو ناحية اختراق القانون الدولي، الأمر الذي عدته استهدافاً لها ولمصالحها، حين وضعت حماية مواطني جمهوريتي الدونباس (لوغانسك ودونيتسك)، مبرراً رئيساً من ضمن المبررات الأخرى، لقيامها بتنفيذ عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، متجاوزة بذلك كثيراً من التقييدات والتعقيدات والصعوبات الدولية.

قالت الخبيرة إيما أشفورد لمجلة فورين بوليسي إن روسيا والاتحاد الأوروبي ليسا في حالة حرب حالياً، لكن حصار كالينينغراد يمكن أن “يغير هذا التوازن”. وأشارت إلى أنه يتعين على ليتوانيا والاتحاد الأوروبي وقف إجراءاتهما ضد كالينينغراد، لأن نقل البضائع إلى المنطقة ينتمي إلى التجارة الداخلية لروسيا. هذه ليست تجارة مع الاتحاد الأوروبي، إنها تجارة داخلية … روسيا مجبرة على عبور الأراضي الأوروبية. ”

الناتو وتحييد كالينينغراد

دعت العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية إلى الاستيلاء على كالينينغراد وذكرت أن الاستيلاء على المنطقة أمر أساسي إذا أراد التحالف حرمان روسيا من التفوق البري والجوي المحلي، واستخدام ميناء أسطول البلطيق الروسي.  وكانت قد ذكرت مؤسسة جيمس تاون في 10 مارس 2022 أنه يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الاستيلاء على كالينينغراد، بدءاً من حصار الأوبلاست عن طريق إغلاق الطرق والسكك الحديدية عبر ليتوانيا وبولندا ، وكذلك قطع أنابيب الغاز الطبيعي إليها ، على أمل لإحداث اضطرابات بين السكان يمكن أن يتبع ذلك هجوم مباشر. الهدف هو إخراج روسيا من قاعدتها البحرية الرئيسية التي تحمي وصول روسيا إلى بحر الشمال والمحيط الأطلسي.

هذا التقرير ليس المرة الأولى التي يقترح فيها مركز أبحاث أمريكي “تحييد” كالينينغراد الروسية في صراع. في عام 2017، أصدرت مؤسسة RAND تقريرها الخاص حول احتمالات نشوب صراع في كالينينغراد، متسائلة عما إذا كانت روسيا ستتعامل حتى مع هجوم على كالينينغراد على أنه “هجوم على الوطن الروسي”.

قبل أيام قليلة من بدء روسيا عملياتها في أوكرانيا، نفذت قاذفة استراتيجية أمريكية من طراز B52H محاكاة لقصف قاعدة كالينينغراد لأسطول البلطيق الروسي.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حثت ليتوانيا الناتو على زيادة انتشار قواته على أراضيها. في أبريل2022، قال الرئيس اللتواني جيتاناس نوسيدا إن كتيبة التواجد الأمامي المعزز التابعة لحلف الناتو يجب أن تتحول “على الأقل” بحجم لواء، ودعا إلى تعزيز الحماية لممر سوالكي.

عززت الولايات المتحدة في مارس 2022 وجودها في ليتوانيا، ليصل عدد الجنود المتمركزين في البلاد إلى حوالي (1000) جندي.

سيناريوهات الرد الروسي

ليتوانيا في خطوتها بحصار كالينيغراد تحرج موسكو أمام مواطنيه، وروسيا بين خيار التصعيد الذي قد يخرج عن السيطرة، أو الصمت المهين، أو محاولة حل الأزمة لوجستياً عبر تسريع عملية الإمدادات عبر البحر، وهي مسألة مرهقة ومكلفة وسوف تستغرق وقتاً، فيما يبدو الخيار الأكثر ترجيحاً، التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للضغط على لتوانيا للتراجع عن خطوتها الخطرة.

  1. عملية عسكرية

من الناحية العسكرية، وكي تقوم بكسر الحصار عن كالينينغراد، على روسيا أن تسيطر عسكرياً على المعبر الحدودي البري بين كل من بولندا وليتوانيا وكالينينغراد وبيلاروسيا، بحيث تحتاج إلى موافقة الأخيرة أيضاً، وبيلاروسيا أعربت، في أكثر من مرة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وعبر رئيسها لوكاشينكو، عن استعدادها لاتخاذ كل الإجراءات التي تمنع محاصرة روسيا أو استهدافها.

إن أكثر ما يخشاه الناتو هو هجوم روسيا على ثغرة أو ممر سوالكي، وهو شريط من الأرض بطول (50) ميلاً من الأراضي الحدودية البولندية والليتوانية الذي يقع بين كالينينغراد الروسية في الغرب وبيلاروسيا الصديقة للكرملين في الشرق.

ويتوقع الناتو أن الممر قد يكون هدفاً محتملاً لبوتين في حالة نشوب أي صراع، واستيلاء الروس عليه يمكن أن يعزل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا في الشمال عن بقية الاتحاد الأوروبي، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

المشكلة بالنسبة لروسيا هي أن ليتوانيا عضو في الناتو، وبالتالي فإن أي عمل عسكري مباشر ضدها يفترض أن يؤدي إلى تفعيل المادة (5) من المعاهدة، ما قد يعني أن الحلف بأكمله سيخوض حرباً مع روسيا، قد تتحول لحرب نووية تدمر العالم.

وخلال خطاب حالة الاتحاد الأخير، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالدفاع عن “كل شبر” من أراضي الناتو.

  1. فك الحصار بطرق سلمية، عقوبات روسية اقتصادية وبدائل لوجستية

تستطيع روسيا احتلال ممر سوالكي وليتوانيا بسهولة، ولكن تخشى رد فعل الناتو، ومن جهة أخرى، قد تقتنع روسيا بأن خطوة لتوانيا في حصار كالينينغراد هي مبادرة ذاتية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاقحام الناتو والاتحاد الأوروبي في الصراع. لذا قد تلجأ روسيا لضبط النفس، وتستعين ببدائل أخرى لفك الحصار عن كالينينغراد كالنقل البحري والجوب من أجل ضمان تلبية حاجيات سكان الإقليم، ولكنه أكثر تكلفة وأقل قدرة على نقل البضائع والبشر.

وكانت قد نشرت صحيفة “فزغلياد” الروسية في 22 يونيو 2022 تقريرا تحدثت فيه عن حاجة روسيا إلى أسطول ضخم من السفن التجارية من أجل التغلب على العقوبات المفروضة عليها من قبل دول الاتحاد الأوروبي. وقالت الصحيفة، إن مساعد الرئيس الروسي إيغور ليفيتن أشار في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي المنعقد مؤخرًا إلى ضرورة عودة روسيا إلى بناء السفن المدنية من أجل تجنب تكبد المزيد من الخسائر.

من جهة أخرى قد تسعى روسيا لاستخدام ورقة العقوبات الاقتصادية في حال رفضت ليتوانيا التراجع عن قرارها، عبر فرض عقوبات على جميع السلع الليتوانية، إذ تعد روسيا بالنسبة لها شريكا تجاريا واقتصاديا رئيسيا في كل من الصادرات والواردات. إضافة إلى تعليق حركة مرور الطاقة من بيلاروسيا إلى أوروبا.

علاوة على ذلك، قد تلجأ روسيا إلى الإبطال القضائي لمراسيم غورباتشوف الصادرة 5 سبتمبر 1991 بشأن استقلال ليتوانيا، والانسحاب من الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ليتوانيا، كون روسيا اعترفت بحدود الجمهورية البلطيقية مقابل ضمانات بالعبور المستمر للمواطنين الروس والبضائع الروسية إلى كالينينغراد، وبفضل هذا الاعتراف، تمكنت ليتوانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. 

  1. تراجع لتوانيا عن قرار محاصرة كالينينغراد بضغط أوروبي لمنع توسع نطاق الحرب

والبداية كانت مع برلين التي لمست جدية التهديدات الروسية، وتخشى التصعيد والحرب المباشرة بين موسكو وحلف الناتو؛ وهو ما يفاقم أزمة الطاقة والتضخم في أوروبا. وفي 3 يوليو 2022، طالب المستشار الألماني أدولاف شولتز ليتوانيا والاتحاد الأوروبي برفع القيود المفروضة على نقل البضائع الروسية في كالينينغراد، مشيرًا في ختام قمة الناتو بمدريد، إلى أن العقوبات الأوروبية تجاه روسيا يجب ألا تطبق تجاه الإقليم التابع للأراضي الروسية.

وعقب تصريحات شولتز بساعات، أجرى مسؤولو الاتحاد الأوروبي مباحثات مع ليتوانيا لإعفاء البضائع الروسية المارة عبر كالينينغراد من العقوبات.

ووفقاً لهذا السيناريو وهو الأرجح، سيكون أمام الاتحاد الأوربي خيارين، إما أن تُعفى حركة الشحن بين روسيا وكالينينغراد من عقوبات الاتحاد الأوروبي، أو قد تجعل الأسباب الإنسانية استثناءً للمنطقة الواقعة بين ليتوانيا وبولندا وبحر البلطيق.

التقييم

يتجه العالم بسرعة نحو تعددية الأقطاب كما يتضح من أزمة أوكرانيا المستمرة والأحداث المرتبطة بها. من المرجح أن يؤدي الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى تسريع الانتقال طويل الأمد إلى عالم متعدد الأقطاب ويمثل بداية نهاية النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والغرب، وهي مقدمة لإنشاء نظام دولي جديد.

من المرجح أن يتشكل الناظم العالمي الجديد من محور صيني روسي في مواجهة تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو. ومن المتوقع أن تقود أزمة أوكرانيا عدة بلدان أخرى غير سويسرا إلى إعادة النظر في مواقفها التقليدية بالتزام الحياد أو سياستها بخصوص استقبال اللاجئين، مع تهديدها استقرار الاقتصاد العالمي.

تريدان روسيا وأوروبا ضمانات أمنية متبادلة، فموسكو تخشى أن يتوسع حلف الأطلنطي باتجاهها، وأوروبا تخشى من تداعيات أزمة أوكرانيا الأمنية والاقتصادية. من المتوقع أن تتحول التوترات بين روسيا الدول الأوروبية إلى حرب شاملة. وسيكون له تداعيات عالمية وسيؤثر أيضًا على سلوك الصين تجاه تايوان والهند. وهذه علامة مبكرة على عودة الحرب الباردة في عالم يتجه بسرعة نحو التعددية القطبية.

**

تعد هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الاتحاد الأوروبي بتمويل عسكري لتوزيع الأسلحة إلى دولة طرف ثالث غير عضو. مع ذلك ومع ذلك ، فهناك انقسامات في تفاصيل المساعدة العسكرية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن نوع وعدد الأسلحة التي يتم توريدها إلى الأوكرانيين.  ظهرت مخاوف بشأن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا فبات متوقعا أن يستمر تدفق الأسلحة في أوروبا وخارجها  بمجرد انتهاء الحرب

لجأ الاتحاد الأوروبي ولأول مرة إلى توجيه الحماية المؤقتة لتوفير الملاذ لملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين يغادرون أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي. وقد قوبل وصولهم بقبول كامل من جانب المجتمع الأوروبي ، بما في ذلك الأحزاب المعادية للأجانب. على المدى القصير، تطرح موجة اللاجئين تحديات تتعلق بالتمويل والتنسيق والإدارة، وتحديات طويلة الأجل للاندماج ، في سياق من عدم اليقين بشأن مدة الحرب وحجم اللاجئين المحتمل أن تخلقه.

يرى الأوروبيون أن الاعتماد على الطاقة هو التحدي المشترك الأكثر أهمية في التعامل مع روسيا توجد العديد من الخلافات والانقسامات الكبيرة بين وزراء الطاقة الأوروبيين سببها قضايا تتعلق بأنشطة سوق الكهرباء، فضلا عن توسيع أنشطة الطاقة النووية. لذلك يجب أيضًا النظر في قرارات إعادة تصميم أمن الطاقة في أوروبا والنظر في العواقب طويلة المدى ، ليس فقط بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولكن أيضًا على الدول المجاورة ، ولا سيما أوكرانيا.

نجحت روسيا في طرح مسألة النظام الأمني ​​الأوروبي على الطاولة. وغيرت الأزمة الأوكرانية الطريقة التي يفكر بها الأوروبيون بشأن أمنهم. وأيقنت الحكومات الأوروبية بحاجة إلى التخطيط لحالات طوارئ مختلفة لتخفيف العبء الاقتصادي والأمني.

**

تتمثل استراتيجية أوروبا لردع روسيا عن شن غزو آخر لأوكرانيا في جعل مثل هذا التدخل أكثر تكلفة بالنسبة للروس. يتضمن ذلك مزيجًا من الردع العسكري في أوروبا الشرقية ، وشحنات الأسلحة التي تهدف إلى تعزيز الجيش الأوكراني، والتخطيط لسلسلة من العقوبات في مختلف المجالات. وإن نجاح أي استراتيجية تركز على العقوبات سيعتمد على استعداد الأوروبيين لتقديم تضحيات اقتصادية.

تعتبر الفكرة وراء التصعيد للتخفيف من التصعيد هي أن روسيا قد تستخدم سلاحًا نوويًا تكتيكيًا مع قوات الناتو لأغراض منع الهزيمة ، أو تعزيز المكاسب الإقليمية ، أو حتى تجميد الأزمة الأوكرانية دون احتمال حدوث المزيد. ستستخدم روسيا كل أداة من أدوات قوتها الوطنية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. يعني هذا الوضع أن الأسلحة النووية الروسية الصغيرة قد تكون مشكلة كبيرة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وشركائها في أوروبا

الاستنتاجات الروسية حول استهداف الدول الأوروبية تدمير الحكومة الروسية، إن لم تكن روسيا نفسها، يزيد من خطر أن تتخذ موسكو نفسها إجراءات غير عادية. نظرًا لأن الإستراتيجيات الروسية والأمريكية تحتفظ بخيار استخدام الأسلحة النووية ضد التهديدات غير النووية – في ظل الظروف القصوى- فقد يصبح القتال سريعًا نوويًا. قد يبدو مثل هذا السيناريو غير مرجح ، لكن لا يمكن استبعاده.

سمح ألغاء بيلاروسيا التزامها بالبقاء خالية من الأسلحة النووية بعد الاستفتاء العام  باستضافة أسلحة نووية روسية ماديًا. وتعكس الخطوات الروسية حول رفع  مستوى استعداد القوات النووية الاستراتيجية الروسية أهداف روسيا لدرء التدخل العسكري الخارجي من قبل الولايات المتحدة وقوات الناتو في هجومه على أوكرانيا.

من المرجح أن تتعامل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مع تهديد الأسلحة النووية الروسية في ساحة المعركة على محمل الجد، والاستعداد على المستوى السياسي والعسكري لاحتمال وقوع حدث نووي ، بما في ذلك اتخاذ إجراءات صارمة. وأن تراقب الولايات المتحدة حركة هذه الأسلحة عن طريق المراقبة عبر الأقمار الصناعية ، والكاميرات المخبأة بجانب الطريق ، عملاء الاستخبارات.

**

توحي التطورات الحالية بأن تفاصيل المشهد السياسي والعسكري لن تكون واضحة في المستقبل، لاسيما مع تلويح موسكو باتخاذ إجراءات إنتقامية رداً على حصار كالينينغراد.

من غير المرجح أن تتخذ روسيا إجراءات عسكرية لحسم الأزمة، فقد تستطيع روسيا احتلال ممر عسكرياً بسهولة، ولكن تخشى رد فعل الناتو وتفعيل المادة الخامسة.

يسعى الأوروبيون جاهدين إلى منع توسّع نطاق الحرب إلى دول أوروبية أخرى، خصوصاً مع وجود حلف روسي – بيلاروسي، وجود خاصرة رخوة للأوروبيين في مولدوفا بوجود انفصاليين موالين لروسيا، إضافةً إلى كالينينغراد روسيا، فيما يعتبر قرار ليتوانيا قرار انتحاري وذريعة جاهزة لموسكو لعبور ممر سالوكي.

حتى الأن ليس من المعروف هل قرار ليتوانيا مبادرة فردية منها، أم اتخذته باتفاق مع الأمريكيين أو شركائها الأوروبيين، خاصة أن الطرفين حريصان على عدم التصعيد، والاقتراب من سيناريو الحرب. ولكن هناك مؤشرات قوية أن دول البلطيق وبولندا تقوم بتصعيد مع روسيا أحياناً بمبادرة ذاتية، وأنها تريد مزيداً من إقحام للناتو والاتحاد الأوروبي في الصراع، الأمر الذي يثير تساؤلاً هل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية على استعداد لرفع مستوى استفزاز بوتين عبر إحراجه أمام مواطنيه.

هناك مخاوف من وقوع سلسلة من ردود الأفعال والأفعال المضادة غير المحسوبة بين الجانبين. فقد ترد روسيا بعمل عسكري محدود مثل انتهاك أجواء ليتوانيا، فيقابل ذلك برد فعل من الناتو يخرج الأمور عن السيطرة، والمفارقة أنه في تاريخ المواجهة بين الناتو مع الاتحاد السوفييتي وروسيا على مدار نحو سبعة عقود، لم يختبر الطرفان النوويان أزمات يحدث فيها اشتباكات أو حرب محدودة.

يعي الطرفان -الروسي والنانو- أن طلقة واحدة يمكن أن تؤدي إلى تراشق بالقنابل النووية، وهو الأمر الذي منع إطلاق الطلقة الأولى التي لا يعرف أحد عقباها على العالم برمته.

الهوامش

Will Russia-Ukraine conflict prelude the end of US-led world order?
https://bit.ly/3OFqnYJ

‘World is moving towards multipolarity as evident from Russia-Ukraine crisis’
https://bit.ly/3btwP6Y

Unipolar world order gone forever, Putin says
https://bit.ly/3HPnBhu

Ukraine war has side effects on Middle East geopolitics
https://wapo.st/3HUwBSg

UN to debate move to limit veto power of Security Council permanent members
https://bit.ly/3xWqOai

How 50 days of Russia’s war in Ukraine changed the world

https://wapo.st/39UPl7Q

بروكسل تكشف عن استراتيجية دفاعية “مستقلة” لرفع الإنفاق العسكري بين دول التكتّل
https://bit.ly/3nAZslD

US, UK & Europe have sent Ukraine weapons worth billions. Their post-war fate is stoking worry
https://bit.ly/3NlUjIr

اللجوء إلى أوروبا…مقارنة في تعامل الدول الأوروبية مع الأزمة الأوكرانية وأزمات اللجوء السابقة!
https://bit.ly/3A3uERE

The welcome given to Ukrainian refugees: some challenges and uncertainties
https://bit.ly/3ylCTHC

Europe can replace its lost Russian energy supply with this surprising partner
https://bit.ly/3HVhOGZ

المفوضية الأوروبية تعلن أن 12 دولة باتت بدون غاز روسي
https://bit.ly/3ylEwoG

**

US Pushes Europe Over Sanctions With Wary Eye on Putin
https://bloom.bg/3yi5bCT

The crisis of European security: What Europeans think about the war in Ukraine
https://bit.ly/3AlMD6j

أزمة الطاقة- هل ستعلن أوروبا “حالة الحرب الاقتصادية”؟
https://bit.ly/39WYQDl

Why is Belarus supporting Russia and how is it involved in Ukraine?
https://bit.ly/3u41puk

3 reasons Belarus is helping Russia wage war against Ukraine
https://bit.ly/3QMhcHP

What If Russia Uses Nuclear Weapons in Ukraine?
https://bit.ly/3OJs4V2

**

What will Biden do if Putin goes nuclear? Experts say a nuclear response is unlikely but not impossible
https://nbcnews.to/3bixJ64

بوتين: سنزود بيلاروسيا بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية
https://bit.ly/3u1R5CU

هل الجيش الروسي قادر فعلا على تدمير دول الناتو “في نصف ساعة” إذا نشبت حرب نووية؟
https://bit.ly/3A7o9O0

روسيا وأوكرانيا: ما حجم الترسانة النووية الروسية؟
https://bbc.in/3OLkObw

هل يمكن أن تلجأ روسيا لاستخدام “النووي”؟ وما سيناريوهات الرد؟
https://bit.ly/39PJm4h

لماذا تساند بيلاروسيا بوتين في غزو أوكرانيا؟

https://bit.ly/3nglcmq

Why Kaliningrad, Russia’s toehold in Europe, could be the next flashpoint in its war against Ukraine
https://cnn.it/3OOJb8s

جيب كالينينغراد.. شوكة روسية نووية في ظهر أوروبا
https://bit.ly/3ykMwoP

Is Kaliningrad, Russia’s exclave surrounded by EU countries, an asset or a liability?
https://econ.st/3nD5X7g

NATO blockades Kaliningrad
https://bit.ly/3InaYuf

شولتس يطالب برفع القيود الأوروبية على نقل البضائع من روسيا إلى كالينينغراد
https://bit.ly/3P3zoLl

Kaliningrad: before the EU and Lithuania reconcile?
https://bit.ly/3IhkSxF

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى