دراسات أسيويةدراسات اقتصادية

كيف يؤثر عدم استقرار باكستان على صفقة صندوق النقد الجديدة؟

سابينا صديقي –  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تشهد باكستان تقلبات سريعة منذ تغيير النظام في البلاد في أبريل الماضي، وقد أثارت الاضطرابات السياسية مخاوف المستثمرين وتسببت في عدم استقرار اقتصادي، فيما تُعتبر البلاد في خطر التخلف عن سداد ديونها. ونظراً إلى أن إسلام أباد تتمتع بسلاح نووي، وإلى موقعها الاستراتيجي وعدد سكانها الهائل، سيكون لهذا التخلف آثار بعيدة المدى وتداعيات دولية. ومع ذلك، يبدو أن الحالة قد تحسنت الآن. ولكن لا يزال برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي وضعه صندوق النقد الدولي معلقاً؛ ما أدى إلى استنفاد الاحتياطيات الأجنبية وزيادة الضغط على دفع تكاليف الواردات وتفاقم حالة عدم اليقين في السوق بشكل كبير، وبالتالي إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية.

أسباب الأزمة

أصبح عمران خان أول رئيس وزراء باكستاني يخسر تصويتاً بحجب الثقة بعد نشوء مأزق دستوري قصير الأمد، فيما تولى زعيم المعارضة شهباز شريف، زعيم الرابطة الإسلامية الباكستانية، السلطة. وكان خان وحزبه، تحريك إنصاف، قد فقدوا الأغلبية البرلمانية حيث تخلى شركاؤهم الرئيسيون في الائتلاف عنهم محاولين إنقاذ أنفسهم. كما فقد خان في السابق دعم الجيش الباكستاني القوي، الذي أعلن “حياده” بعد وقت قصير من الخلاف الذي دار حول تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات.

وحاولت حركة تحريك إنصاف استعادة سلطتها بسرعة عبر تأجيج الخلافات السياسية من خلال إطلاق حملات شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن مؤامرة أجنبية كانت السبب وراء تغيير النظام. وبدلاً من انتظار الانتخابات المقبلة في 23 أغسطس 2023، تم تنظيم مسيرات في جميع أنحاء البلاد؛ ما أثار حالة من عدم اليقين بشأن استمرار حكومة شريف. وفي الوقت نفسه، أدى تفشي الاستقطاب السياسي والتسييس المفرط للمجتمع إلى تآكل الوحدة والاستقرار الوطنيين. ومع تراجع اهتمام المستثمرين، أصبحت سوق الأسهم تدريجياً أكثر تقلباً وتراجعت قيمة الروبية بنسبة 7.6% لتصل إلى 228 روبية للدولار الواحد، وهي أكبر نسبة انخفاض تُسجل في أسبوع منذ عام 1998.

تحديات متزامنة

يمكن تناول أبرز التحديات التي تواجه باكستان والنظام السياسي الحالي فيها، وذلك على النحو التالي:

1- افتقار رئيس الوزراء لسلطة صنع القرار: يفتقر رئيس الوزراء شهباز شريف التأثير اللازم؛ لأنه ليس رئيساً للحزب؛ إذ ينتمي حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية إلى شقيقه الأكبر نواز شريف، الذي كان رئيساً للوزراء لثلاث ولايات منفصلة. ويتعين على شهباز التشاور مع حزبه قبل اتخاذ القرارات؛ ما أدى إلى تأخر تنفيذ مختلف الإجراءات الاقتصادية التي يتطلبها صندوق النقد الدولي وتدهور الظروف الاقتصادية. وتتألف “حكومة الوحدة” الجديدة من 11 حزباً سياسياً تتقاسم السلطة؛ ما يعني أنه يجب التوصل إلى إجماع قبل اتخاذ أي خطوات رئيسية.

2- تصاعد عدم اليقين الاقتصادي: خرج برنامج صندوق النقد الدولي الباكستاني عن مساره في فبراير عندما تراجعت الحكومة السابقة عن التزاماتها وخفضت دعم النفط الموصى به. ولقد أهدرت هذه الخطوة وقتاً ثميناً؛ إذ كان لا بد لوزير المالية الجديد مفتاح إسماعيل إعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ونتيجةً لذلك، لم يتم الإفراج عن دفعة بقيمة 1.7 مليار دولار كانت مستحقة لباكستان، ما أدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين في السوق.

3- ضرورة اتخاذ قرارات غير شعبية: وجب على إسماعيل تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي واتخاذ قرارات غير شعبية تم تجنبها سابقاً، مثل زيادة أسعار البنزين والديزل؛ فبالإضافة إلى النكسات السياسية، بلغ التضخم ذروته، ووصلت سوق الأسهم إلى مستويات منخفضة جديدة، وانخفضت الروبية الباكستانية مقابل الدولار الأمريكي. وأخيراً، وضع صندوق النقد الدولي شروطاً جديدة لمواصلة برنامج القروض وطلب ضمانات من “الدول الصديقة” التي يمكنها مساعدة إسلام أباد، كما أراد البنك الدولي ومصرف التنمية الآسيوي استكمال مختلف الوسائل.

التعافي المتوقع

تصل احتياطيات العملات الأجنبية اليوم إلى 9.8 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية خمسة أسابيع من الواردات فقط. وتمكنت إسلام أباد أخيراً من التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في يوليو. ومع ذلك، ستتأخر هذه الدفعة حتى نهاية أغسطس وستظل الأسابيع المقبلة متوترة. وأصدرت وزارة المالية ومصرف دولة باكستان بياناً مشتركاً يشير إلى أن جميع الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي بعد مراجعته قد اكتملت، وأن الأزمة الاقتصادية ليست سوى حالة مؤقتة سيتم تصحيحها في الأسابيع المقبلة.

ووفقاً لمصرف دولة باكستان، بمجرد كبح عجز الحساب الجاري وبعد أن تصبح النظرة إلى السوق أكثر إيجابية، سترتفع قيمة الروبية تماماً كما فعلت في بداية برنامج صندوق النقد الدولي في عام 2019. وذكر المصرف أن الروبية أصبحت مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، وأن الدولار تجاوزها في سوق الفوركس لأسباب مختلفة، لكنها ستستعيد قيمتها الحقيقية في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر. ومن المتوقع أن تحقق الروبية أداءً جيداً وأن تحقق “انتعاشاً قوياً” في شهر أغسطس. وظلت معظم المؤشرات الاقتصادية واعدة على الرغم من الاضطرابات السياسية في البلاد.

التأثيرات العالمية

ليست الروبية العملة الوحيدة التي انخفضت مقابل الدولار الأمريكي؛ فقد تضررت العملات العالمية الأخرى مثل الجنيه الإسترليني واليورو. وتعرض سعر صرف الروبية لضغط بسبب الارتفاع العالمي في قيمة الدولار الأمريكي وتكديس الدولار من قبل الشركات الخاصة. ووصل الدولار إلى أعلى مستوى له في 20 عاماً؛ إذ ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) بنسبة 10% منذ بداية العام وحتى اليوم، و15% خلال الاثني عشر شهراً الماضية. وشعرت الدول الغربية بهذه التداعيات أيضاً، مع حدوث إضرابات في المملكة المتحدة، وانتخابات مبكرة في إيطاليا، وانخفاض معدلات تأييد الرئيس الأمريكي جو بايدن بنسبة 37.7%. ووجدت الروبية الباكستانية صعوبة في أن تبقى مستقرة بسبب عدم اليقين السياسي الداخلي.

وتم استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي الباكستانية بشكل أساسي بسبب التدفقات المتزايدة إلى الخارج، في حين تباطأت التدفقات إلى الداخل؛ أي القروض المتوقعة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وحلفاء مثل الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويُعاد هذا أيضاً جزئياً إلى التأخير ابتداءً من شهر فبراير في استكمال مراجعة برنامج صندوق النقد الدولي، بسبب التغييرات في سياسة خان وتغيير النظام في إسلام أباد.

وختاماً، فإنه بعد استلام دفعة صندوق النقد الدولي، سيعود الاستقرار. ومع ذلك، لن تنتهي الأزمة تماماً إلى أن يتم تحديد موعد الانتخابات المقبلة. ومن المرجح أن تطالب المعارضة بإجراء انتخابات هذا العام، بينما تفضل الحكومة الحالية إجراء انتخابات في أغسطس من العام المقبل. ومع ذلك، فإن هذه الأزمة الاقتصادية قضية طويلة الأجل ولا يمكن حلها من خلال تغيير الحكومة. وسيزيد أي اضطراب من تعقيد المراجعات الثلاث المتبقية لحزمة صندوق النقد الدولي، ويحفز التصنيفات السلبية، ويحد من وصول باكستان إلى تمويل السوق. ويمكن أن تستمر بعض العوامل الخارجية أيضاً في إحداث تداعيات سلبية على باكستان، مثل الصراع في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية؛ ما يؤدي إلى نفور مستثمرين من المخاطر.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى