تحليل السياسة الخارجيةدراسات استراتيجيةدراسات استشرافية

لماذا تهتم إسرائيل بتقوية العلاقات مع الصين؟

تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية “نفتالي بينيت” في مؤتمر معهد هرتسليا للدراسات الاستراتيجية عن التهديد النووي الإيراني، وأكد أن على إسرائيل انتهاج استراتيجية جديدة في مواجهة الأزمة، من بينها أن يصبح اقتصاد إسرائيل أقوى ويعالج سريعًا ترديات أزمة كورونا. في وقت لاحق نشر موقع قناة التليفزيون الإسرائيلي “القناة 12” تقريرًا عن أهمية توثيق العلاقات الإسرائيلية الصينية، ليس فقط لمواجهة التهديد الإيراني، بل من أجل (حسب ما أسمته القناة) ملاحقة الركب العالمي الجديد الذي تصيغه الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة. ويُناقش هذا التحليل المتغيرات الأساسية التي تضعها إسرائيل في حساباتها للعلاقات مع الصين، وعلى رأسها مجال “ريادة الأعمال”، ومن بينها الدوافع والتحديات التي تواجه هذه العلاقات.

دوافع إسرائيل

تنظم إسرائيل مؤتمرًا يجمع أكبر 100 شركة إسرائيلية في ريادة الأعمال والأعمال الحرة، بتاريخ 21 ديسمبر 2021، في مدينة تل أبيب، تحت عنوان “إسرائيل في عمر المائة” (إكسبو تل أبيب)، ويُعد المؤتمر (عمر المؤتمر: ثلاثون عامًا) هو الحدث الأبرز والأكثر أهمية في إسرائيل، إنه اجتماع مركزي لكبار الشخصيات من كبار النخب الاقتصاديين، والاجتماعيين، والأكاديميين، والسياسيين في إسرائيل، وهدفه هو إثارة قضايا مهمة على جدول الأعمال العام تتعلق بمستقبل إسرائيل.

تحمل أجندة المؤتمر أربعة عناوين رئيسية، هي: (1) كيف سندفع؟ – هل تحل البيتكوين محل الدولار الأمريكي؟. (2) اتجاهات التكنولوجيا المستقبلية. (3) تحديات سوق الإسكان والمواصلات والتوظيف. (4) تحديات الصحة العامة والتغيرات البيئية والمناخية.

بنحو أو بآخر ترسم أجندة المؤتمر خريطة السياسات ذات الاهتمام لدى صناع القرار الإسرائيليين من أجل تعزيز وضع الاقتصاد الإسرائيلي على الخريطة العالمية، وتسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى:

أولًا- دعم ملف ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لعدد من الاعتبارات:

(أ) دمج المجتمعين العربي والحريدي في المجتمع الإسرائيلي لضمان مسألة الصمود المجتمعي ورأب الصدع الذي يُعد من أولويات الحكومة.

(ب) رفع إسهام المشروعات الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي، إذ إن هناك 18 ألف مشروع ريادة أعمال متوسط الحجم بقدرة عمالية تصل إلى 700 ألف عامل، تدر أرباحًا بما يصل إلى 110 مليارات شيكل إسرائيلي. وبحسب تقرير مركز الإحصاء الإسرائيلي فإن 27% فقط من هذه المشروعات نجح في الصمود من عام 2005.

المصدر: مركز الإحصاء الإسرائيلي – إعداد الباحث.

وتحتل الشركات الإسرائيلية في مجال الأمن السيبراني والتكنولوجيا الفائقة المرتبة الأولى في العدد وفي إسهامها لأرباح إسرائيل الخام بنسبة 35% تقريبًا، ثم مجال التنقيب والتنجيم، والمتربة الثالثة لشركات التشييد والبناء.

ثانيًا- تسعى الحكومة لدمج هذه الشركات في الاتجاهات المستقبلية في مجال تكنولوجيا الإسكان وعلاقته بالمناخ (التغيرات الحرارية، والبيئية: مثل الزلازل)؛ ربما بهدف دعم موقفها في المناقصات العالمية في ملف إعادة الإعمار في دول الصراع والنكبات البيئية.

ثالثًا- تحتاج إسرائيل لدعم بنيتها التحتية مثل الطرق، والكباري، والأنفاق، ومحطات تحلية المياه، والكابلات ومعها الألواح الشمسية، والموانئ البرية والبحرية، مع العلم بأن 90% من تجارة إسرائيل ترتبط بالبحرين المتوسط والأحمر، لعدة اعتبارات: (أ) تعزيز تجارتها مع العالم الخارجي وبالتحديد جنوب شرق آسيا وأوروبا من خلال موانئها البحرية. (ب) العمل على مشروعات طاقة متجددة ذات طابع إقليمي بهدف تعزيز اندماجها مع الجوار الإقليمي والعالم الخارجي، وكذلك تنفيذ التعهد الإسرائيلي بنقل التكنولوجيا النظيفة المتجددة مع دول الخليج[1]. (ج) تخفيف مسألة التكدس والازدحام في المدن الكبيرة والسعي لإقامة مدن ذكية في مناطق جديدة مثل صحراء النقب، وجنوب وأقصى الشرق الضفة الغربية. (د) مواجهة أزمة المياه بفعل المناخ والبيئة في إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط.

لماذا الصين؟

هناك مجموعة من العوامل التي تجعل الصين دولة مهمة لإسرائيل بناء على الحسابات السابق ذكرها، وهي:

أولًا– حسب ما نشر مركز أبحاث العلاقات الإسرائيلية-الصينية “سيجنال” في فبراير 2021[2]، فإن الصين تهيمن بالفعل على العديد من سلاسل إمداد الطاقة النظيفة العالمية الحيوية في القرن الحادي والعشرين، وتظل أكبر منتجٍ لكل شيء من البطاريات والمركبات الكهربائية إلى الألواح الشمسية وأنظمة التحكم في الطاقة وتوربينات الرياح، حيث تسيطر الصين اليوم على ما يقرب من 60٪ من سوق الطاقة الشمسية، وحافظت على مكانتها كأفضل مستثمر في الطاقة النظيفة لمدة تسعة أعوام من السنوات العشر الماضية. في عام 2018 وحده، استثمرت الصين 91.2 مليار دولار في الطاقة المتجددة، وهو ما يمثل ثلث إجمالي الاستثمارات العالمية في هذا القطاع في ذلك العام.

وقد تعاونت الصين وإسرائيل بالفعل في الطاقة الشمسية وتحلية المياه لتوليد الطاقة الخضراء لمدة عشر سنوات تقريبًا. استثمرت الشركات الصينية أيضًا في بطارية الألومنيوم وتقنيات الشحن السريع في إسرائيل. بحلول عام 2020، زادت نسبة الصفقات بنحو عشرة أضعاف، حيث شكّلت استثمارات التكنولوجيا النظيفة ما يقرب من 11.1٪ من إجمالي الصفقات.

ثانيًا– تهتم الصين بالفعل بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع التقديرات الاستراتيجية المختلفة بتحييد سيناريو التنازل الأمريكي عن الشرق الأوسط بفعل الحضور الصيني المتزايد في المنطقة، وهو ما يعد خطًا أحمر في حسابات الأمن القومي الأمريكية؛ إذ تسعى الحكومة الصينية لعقد شراكات استراتيجية مع دول المنطقة، أو شراكات استراتيجية شاملة مثل تلك التي مع مصر والجزائر والسعودية وإيران. ولا ترغب إسرائيل في أن تكون بمعزل عن هذا الحضور المتنامي والذي يحمل جدوى اقتصادية وتنموية عالية الدرجة.

China's Belt and Road Initiative map

المصدر: https://ecfr.eu/publication/china_great_game_middle_east/

توضح الخريطة مسار مشروع الصين “الحزام والطريق” أحد مشروعات الصين لتعزيز التجارة العالمية والذي يمر في أحد مساراته البرية والبحرية عبر منطقة الشرق الأوسط.

جدول يوضع تنوع الشراكات الصينية مع دول المنطقة منذ 2010 حتى 2021

المصدر: مركز أتلانتيك كاونسل.

يدخل ضمن أبعاد الحضور الصيني في منطقة الشرق الأوسط إقامة سلسلة موانئ (مجموعة اللؤلؤ) من أجل تعزيز التجارة البينية في المنطقة وتسهيل سلاسل الإمداد والتوريد، إما من خلال شراء الموانئ البحرية مثل ميناء بيرايوس في اليونان، أو تأجير ميناء على غرار مناقصة “ميناء حيفا” الإسرائيلي.

تحديات العلاقة

يُتوقع للعلاقات المشتركة بين إسرائيل والصين مجموعة من الاعتبارات، يمكن توضيح أبعادها فيما يلي:

أولًا- الاعتراض الأمريكي:

يسيطر على الموقف الأمريكي الاعتبار الأمني بالدرجة الأولى، إذ يحركها القلق من تحول البنية التحتية الصينية في دول الشرق الأوسط وبالتحديد في إسرائيل إلى منصات ذات استخدام أمني (استخباراتي) وعسكري (تقدر الولايات المتحدة أن تستضيف موانئ الشرق الأوسط السفن الصينية بعد مراجعة استراتيجية الجيش الشعبي الصيني) من أجل مراقبة الأساطيل البحرية الأمريكية، خاصة في البحر المتوسط والخليج العربي، أو بهدف التسلل لقواعد بيانات الدولة المضيفة من خلال البنية التحتية، منها الألواح الشمسية، وأبراج الاتصالات والموانئ ومحطات الكهرباء.

تم تسجيل هذا القلق فعليًا؛ إذ تفيد صحيفة “وول ستريت جورنال” أن وكالة الـ”سي آي إيه” الأمريكية أوقفت رسميًا صفقة بناء ميناء بحري اشتبهت بتحوله إلى منصة استخباراتية في الإمارات، في نوفمبر 2021. كما سجلت إسرائيل تعرضها لهجمات سيبرانية على شركات تكنولوجية إسرائيلية مصدرها الصين في أكتوبر 2021.

لا تقتنع إسرائيل كثيرًا بوجهة النظر الأمريكية، وترى في مميزات العلاقة ربحًا أكبر مقارنة بقياس التحديات، وتستمر الحكومة الإسرائيلية بإقناع الإدارة الأمريكية بمميزات العلاقة مع التعهد بتقييد العلاقة.

لكن في واقع الأمر لا تُبدي إسرائيل مؤشرًا على سعيها تقييد العلاقة بالفعل، إذ اشتكى مكتب مراقب الدولة العام بهشاشة اللجنة الحكومية التي تراقب الاستثمارات الصينية في إسرائيل، ومنحها صفة استشارية فقط دون طابع إلزامي. بالإضافة إلى أن الشركات الصينية لا تزال ضمن مجموعة الشركات المنضمة لمناقصة خصخصة ميناء حيفا، في حين انسحبت شركة موانئ دبي الإماراتية؛ لذلك من المقدر أن ترسي الصفقة على شركة صينية إن لم تتحرك الولايات المتحدة حتى تفوز شركة أمريكية بالميناء الإسرائيلي مع الأخذ في الاعتبار انضمام إسرائيل للقيادة المركزية للجيش الأمريكي.

ثانيًا- اللوائح الإسرائيلية:

هناك تحديات داخل لوائح التنظيم والإدارة في إسرائيل في ملف ريادة الأعمال والشراكات بين إسرائيل والدول الأجنبية تتمثل في:

1.‌الحصول على التراخيص أصبح أكثر تعقيدًا بسبب متطلبات وزارة الصحة، والتي أصبحت أكثر تعقيدًا بعد أزمة جائحة كورونا.

2.‌تعقّد البيروقراطية الإسرائيلية في استخراج التصاريح والتراخيص بشكل عام وهو ما يعيق نمو المشاريع الصغيرة بالتحديد؛ ويعود سبب التعقيد في فائض قوة البلدية في صلاحيتها في إصدار التصاريح. وبحسب الاستعراضات الإسرائيلية تحتاج 40% من الشركات الإسرائيلية الصغيرة والمتوسطة إلى التراخيص، لكن تعمل ربعها دونها.

3.تَعارُض المصالح بين الأطراف المعنية بمراجعة ملف نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في إسرائيل، سواء بين المؤسسات الحكومية الأمنية، والوزارات مثل الصحة والبيئة؛ كنتيجة لعدة عوامل مثل الأجندات الأيديولوجية المتعارضة بين اليسار واليمين داخل الحكومة الإسرائيلية، وكذلك علاقة السلطة برأس المال من خلال كبار رجال الأعمال الذين لا يرغبون في اشتداد المنافسة معهم.

4.رغم تقدم إسرائيل في تقنين سجلات ومكاتب الائتمان من خلال البنك المركزي (تغطي مكاتب الائتمان 72% من إسرائيل وهي أعلى نسبة في الشرق الأوسط)، إلا أن القوانين موجهة بشكل خاص للأسر المعيلة وليس الشركات، خاصة بعد أزمة جائحة كورونا التي قلصت من القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة الإسرائيلية.

5.ارتفاع تكاليف التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسط بسبب ارتفاع الفوائد على القروض الممنوحة، بسبب هيمنة ستة بنوك على هذا القطاع ويمتلك مصرفان 60% من السوق.

ثالثًا- الرؤية الصينية للشرق الأوسط:

تنتهج الصين مبدأ براجماتيًا في علاقاتها الدولية وبالأخص في الشرق الأوسط، إذ لا تنحاز في الصراعات لأطراف على حساب أخرى، وترغب في عقد الشراكات مع الجميع، ويظهر ذلك في شراكتها الاستراتيجية مع المغرب والشاملة مع جارتها الجزائرية.

في هذا السياق، فشلت إسرائيل في إقناع الصين بالتهديد الملحق بأمنها القومي من إسرائيل ووكلائها (الصين لا تعتبر حماس حركة إرهابية) في المنطقة، وشرعت في عقد شراكة استراتيجية شاملة مع إيران (رغم عدم تصديق طهران لها بعد). أو في إقناع بكين بعدم جدوى الاتفاق النووي الإيراني وأهمية عدم رفع العقوبات الاقتصادية عليها.

كما ترى الصين أن سبب تدهور الوضع الأمني في الشرق الأوسط هو تعقّد صراعات المنطقة وعدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية. في يوليو من العام الماضي، قال مبعوث الصين للأمم المتحدة تشانغ جون لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن “الصين صديق مخلص للشعب الفلسطيني. يمكن للشعب الفلسطيني دائمًا الاعتماد على دعم الصين لقضيته العادلة وحقوقه الوطنية المشروعة”. وعليه فإن الصين تُدرك أنه في حالة عدم وجود جيش صيني حاضر في المنطقة فسيتعين عليها ضمان استقرار الأمن في المنطقة من خلال تسويات سياسية عادلة، لذلك تتبنى الصين مبدأ حل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ختامًا، يمكن القول إن اختيار إسرائيل للصين له مبرراته ودوافعه المبنية على استراتيجية إسرائيلية قوية بتنمية اقتصادها وانخراط أكبر في معادلات السوق العالمي المتغيرة. من ناحية أخرى، هناك تحديات داخلية وخارجية، تتمثل الأولى في غياب اللوائح الملائمة لتنظيم السوق الإسرائيلية وبالتحديد في ملف ريادة الأعمال، بالإضافة إلى عدم استقرار الوضع الأمني في شرق المتوسط. أما التحديات الخارجية فيتركز مجملها في الرفض الأمريكي؛ لذا هل تغامر إسرائيل بمساومة البيت الأبيض بوجهة نظرها في العلاقات مع الصين مقابل وجهة النظر الأمريكية في أزمة الملف النووي؟ أم ستكون العلاقات الإسرائيلية-الصينية ملف مناورة بين إسرائيل والولايات المتحدة؟.

المصادر


[1] Israel is planning to participate in clean energy transition, power-technology, 23 Jan 2021. Via link: https://www.power-technology.com/comment/israel-clean-energy-transition/

[2] Israel’s looming conundrum: a US-China cleantech arms race, SIGNAL, February 25, 2021. Via link: https://sino-israel.org/articles/israels-looming-conundrum-a-us-china-cleantech-arms-race/

5/5 - (1 صوت واحد)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى