دراسات استراتيجيةدراسات افريقية

لماذا تهتم إيران بتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية؟

أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في شهر أغسطس 2022، جولة أفريقية، تعتبر الأولى منذ تسلمه حقيبة الخارجية، شملت زيارة كل من مالي وتنزانيا وكذلك زنجبار. وقد كان لافتاً أن هذه الجولة جاءت عقب زيارة إلى إيران، في 16 أغسطس 2022، أجراها وفد من موريشيوس برئاسة وزير العمل والتجارة، الذي اعتبر أن زيارته إلى طهران مع وفد من 60 شخصاً تمثل دليلاً على الاهتمام بتطوير العلاقات والتعاون معها.

أهداف عديدة

يمكن القول إن إيران تسعى، عبر توسيع نطاق علاقاتها مع الدول الأفريقية، إلى تحقيق أهداف عديدة يمكن استعراضها على النحو الآتي:

1- تفعيل سياسة المسار الثاني خارج معسكر الغرب: بدا جلياً في سياق الضغوط التي تمارسها إيران على الدول الغربية خلال المفاوضات التي تجرى حول الاتفاق النووي، أنها حريصة على تأكيد أن لديها خياراً آخر في حالة فشل التوافق مع هذه الدول، أو عدم انتهاء مفاوضات فيينا بالوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي. ويتمثل هذا الخيار في رفع مستوى العلاقات مع الدول من خارج المعسكر الغربي، لا سيما كل من روسيا والصين والهند، بجانب دول آسيا الوسطى والقوقاز، وبعض دول أمريكا اللاتينية على غرار فنزويلا، بجانب الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وفي مقدمتها مالي وتنزانيا. وفي رؤية طهران، فإن تطوير العلاقات مع هذه الدول، لا سيما على المستوى الاقتصادي، يمكن أن يخدم مصالحها، باعتبار أن ذلك لا يجعلها “رهينة” العلاقات مع الدول الغربية والاتفاق النووي، الذي قد يتعرض للانهيار من جديد، في ظل إخفاقها في الحصول على ضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي منه مرة أخرى.

2- استقطاب الدعم الأفريقي في المنظمات الدولية: لا تستبعد إيران أن تتواصل الخلافات مع الدول الغربية حتى في حالة الوصول إلى اتفاق نووي في المرحلة القادمة، في ظل استمرار التجاذبات حول ملفات رئيسية عالقة بين الطرفين. ومن هنا، فإن طهران ترى أن المنظمات الدولية سوف تكون إحدى الساحات المحتملة لإدارة تلك الخلافات، على نحو يدفعها إلى محاولة استقطاب دعم الدول من خارج النطاق الغربي خاصةً الدول الأفريقية. وفي هذا السياق، تسعى إيران إلى تطوير علاقاتها مع جنوب أفريقيا؛ حيث من المتوقع أن يُعقد الاجتماع الخامس عشر للجنة العليا المشتركة بين الدولتين في بريتوريا خلال أكتوبر القادم، بحسب ما أعلنت نائبة وزير الخارجية الجنوب أفريقي، التي قامت بزيارة إيران في 23 مايو 2022، والتقت مساعد وزير الخارجية لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري.

3- تعزيز الحضور الاقتصادي في القارة الأفريقية: لا تنفصل التحركات الدبلوماسية الإيرانية عن الجهود التي تبذلها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي لتعزيز الحضور الاقتصادي الإيراني في القارة الأفريقية، على نحو عكسته تصريحات “قناد زاده” مشرف إدارة الشؤون الأفريقية بمنظمة تنمية التجارة الإيرانية، في 16 أغسطس 2022؛ حيث أكد أن المنظمة تعتزم زيادة المراكز التجارية في القارة الأفريقية من 3 مراكز إلى 10؛ وذلك حتى نهاية السنة المالية الجارية في 20 مارس 2023، وأضاف، في اجتماع بالدار الإيرانية – الأفريقية، أنه منذ بداية السنة المالية الجارية، قام 400 وفد تجاري أفريقي بزيارة البلاد، وأشار إلى أن إيران أبرمت عدداً من العقود لتطوير البنى التحتية والشحن والنقل البحري والجوي، لافتاً إلى استعدادات لتوقيع عقد مع جنوب أفريقيا لتدشين خط ملاحي جوي وخطوط بحرية أخرى.

كما أشار مشرف إلى تأسيس لجنة اقتصادية إيرانية – سنغالية مشتركة في المرحلة القادمة، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الدولتين. وفي الإطار نفسه، عُقد الاجتماع السابع للجنة التعاون الاقتصادي المشتركة بين إيران وغانا، في 20 مايو 2022، وقد أعرب وزير الجهاد الزراعي جواد ساداتي نجاد خلاله عن تطلع حكومته إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين الدولتين إلى مليار دولار، مشيراً إلى أن حجم التجارة بين البلدين سجَّل منذ عام 2018 إلى عام 2022، نمواً بواقع 10 أضعاف؛ حيث بلغ بنهاية العام الإيراني الماضي (20 مارس 2022) 370 مليون دولار.

لقد كان الملف الاقتصادي حاضراً، بصورة واضحة، في الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الإيراني؛ فعلى سبيل المثال، أشار الوزير الإيراني – أثناء لقائه رئيسة تنزانيا “سامية حسن”، يوم 26 أغسطس 2022 – إلى “الإمكانات الاقتصادية الهائلة لإيران، بما في ذلك قدراتها في مجالات التجارة والطاقة والصناعة والمجالات التكنولوجية والأكاديمية”، وشدد على ضرورة بذل الجهود لزيادة عدد الشركات ورجال الأعمال الإيرانيين في تنزانيا، وإزالة بعض العقبات القنصلية، بما في ذلك تأشيرات السفر إلى الدولة الأفريقية. كما أكد وزير الخارجية الإيراني أثناء لقائه رئيس زنجبار “حسين مويني”، أن “إيران مستعدة لتسهيل وجود رجال الأعمال الإيرانيين في زنجبار”.

4- السعي إلى ملء الفراغ الناتج عن انسحاب فرنسا: لا يمكن فصل زيارة عبد اللهيان إلى مالي عن التوتر الذي تصاعدت حدته مؤخراً في العلاقات بين الأخيرة وفرنسا، التي قامت، في 15 أغسطس الجاري، بسحب آخر جندي لها في مالي، ضمن ما كانت تسمى “قوة برخان” التي كانت تشارك في مواجهة التنظيمات الإرهابية؛ إذ قدمت مالي، بعد ذلك بيومين، شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، زعمت فيها أن لديها دليلاً على دعم فرنسا للتنظيمات الإرهابية التي تنشط على أراضيها. وقد كان لافتاً أن عبد اللهيان حاول استغلال هذا التوتر لتعزيز أواصر العلاقات بين إيران ومالي؛ حيث قال، في 23 أغسطس الحالي، إن “تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية لمالي ودعم الجماعات الإرهابية لا يؤدي إلا إلى تعقيد الوضع الأمني”.

ويبدو أن تعزيز العلاقات بين الدولتين يحظى باهتمام خاص من جانب النظام العسكري الحاكم في مالي الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، بشكل عرَّضه لعقوبات من جانب دول أفريقية، فضلاً عن الاتحاد الأفريقي، بالتوازي مع توتر علاقاته مع الدول الغربية. وهنا، فإن هذا النظام حاول الرد على ذلك عبر تطوير العلاقات مع الدول “المنبوذة” عالمياً في الوقت الحالي، وفي مقدمتها روسيا وإيران. وقد توصل إلى تفاهمات مع الأولى لإرسال أسلحة وعناصر من ميليشيا “فاجنر”. وربما لا يمكن استبعاد أن تحاول إيران الانخراط في هذا المجال، عبر مد النظام في مالي بمعدات عسكرية، وهي الآلية التي تسعى من خلالها إلى توسيع نطاق نفوذها داخل الأخيرة.

5- الاقتراب من بؤر الأزمات بالمنطقة خاصة ليبيا: ربما تحاول إيران عبر الاهتمام بتطوير علاقاتها مع مالي وبعض الدول الأفريقية الأخرى، الاقتراب من بؤر الأزمات في المنطقة، لا سيما ليبيا، على غرار القوى الإقليمية والدولية الأخرى، مثل روسيا وتركيا. وقد كان لافتاً أن وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي كشف، في حديث لصحيفة “خرسان” في مطلع يناير 2022، عن أن فيلق القدس ساعد فصيلاً مسلحاً في ليبيا عقب انهيار نظام القذافي تحت غطاء الهلال الأحمر الإيراني. وأضاف صالحي أنه خلال زيارة قام بها إلى ليبيا في عام 2011، تأكد من إنشاء مرافق لوجستية لدعم هذا الفصيل، تحت أوامر وإشراف القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، مشيراً إلى أن الأخير كان يشرف بشكل شخصي على تعيين سفراء بلاده في دول شمال أفريقيا.

6- مواصلة سياسة نشر التشيع الإيرانية بالخارج: يعبر اهتمام إيران بتطوير العلاقات مع الدول الأفريقية عن تطلعها إلى مواصلة سياسة التشيع في بعض هذه الدول، مستغلةً تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية والمجتمعية. وفي هذا السياق، تمارس بعض المؤسسات الدينية والخيرية الإيرانية دوراً رئيسياً في هذا الصدد، على غرار الهلال الأحمر الإيراني، الذي أعلن رئيسه كريم همتي، في لقاء مع وزير الصحة العامة في ساحل العاج، في 13 يناير 2021، أنه يصدر الأدوية إلى ساحل العاج ودول منطقة غرب أفريقيا.

وفي هذا الإطار، حرصت إيران خلال زيارة عبد اللهيان إلى مالي، على تقديم 100 ألف جرعة من لقاح كورونا الذي تنتجه. وقد كان لافتاً أن وسائل الإعلام الرئيسية في إيران حرصت مؤخراً على نشر فعاليات شارك فيها شيعة من القارة الأفريقية، لا سيما خلال احتفالات عاشوراء، على نحو يُوحي بأن إيران بالفعل تسعى إلى تعزيز الحضور في أفريقيا باستخدام آليات عديدة، لا سيما آلية التشيع.

سياسة مستقرة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران سوف تواصل مساعيها لتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، لا سيما دول جنوب الصحراء؛ حيث ترى أن ذلك يوفر لها مكاسب استراتيجية واقتصادية عديدة، في ظل التوتر الذي تتسم به علاقاتها مع الدول الغربية، الذي سوف يتواصل حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي خلال المرحلة القادمة، وهو ما يعود في المقام الأول إلى غياب الثقة في العلاقات بين الطرفين.


المصدر:  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى