تحليل النزاعات الدوليةدراسات استراتيجيةدراسات افريقيةدراسات جيوسياسية

ما الذي هو أكبر من السد بين إثيوبيا ومصر؟.. كيف يتجاوز القرن الإفريقي الانهيار؟

فسّر كثيرون سدّ النهضة على أنّه يعكس تطورًا ملموسًا في التنافس على الزعامة الإقليمية في القارة الإفريقية بين مصر وإثيوبيا، مستندين في ذلك إلى روايةٍ تاريخيّة مخيفة، وهي أنّ الصراع بين الدولتين لا يطفو على السطح إلا عند “نقاط التحوّلات الحرجة” في التاريخ، وأنّه يعكِس في الحقيقة تحولات حضارية عميقة في داخلهما، وما تمثلانه.

مرّ التنافس بين الدولتين، على مدى قرون من محطات تاريخية معقدة ومتناقضة، بمراحل مختلفة: “من البحث عن التسويات، والسعي وراء إقامة التحالفات، إلى المواجهات العنيفة، والعلاقات المتوترة”، ولكنّها لم تكن قريبةً للانفجار، ومتاحةً للتقلبات الفجائية، وعلى حافة الصدام العسكري المباشر المحتمل، كما هي الحال الآن، ولم يكن السّودان وسيطًا هشًا، ولا إريتريا فاعلاً واضحًا، كما يجري الآن.

يكتظ المشهد الإعلامي بتقارير وتحليلات شبه يومية على مختلف المستويات عن تطور الخلاف. يعد السبب الواضح والصريح للصراع الثنائي الحالي- الذي يشارك فيه السودان مشاركة مباشرة– هو الخلافات غير القابلة للتسوية بين الأطراف، بشأن توقيت ومعايير تشغيل محطة الطاقة الكهرومائية الإثيوبية «Khidasa» (النهضة- مترجم من الأمهرية)، أو سد الألفية كما أخبر ملس زيناوي به وزير الري السوداني، في يناير (كانون الأول) 2011.

ولكنّ ثمة إشارة تحوّلنا عن السَّد، وتقول إنّ ما يجري حقًا، هو أنّ المنطقة قضمت أكبر مما تهضمه معدتها الهشّة، وأنّ مسارات التسويات الداخلية في دولها بدأت بالتصدّع، من جديد.

ونشير هنا أنّه ليس من الحكمة ربط مسألة سد النهضة سياسيًّا بمجريات الأحداث المأساوية في إثيوبيا، والصراع المتجدد منذ نهاية 2020، إلا أنّه من الضروري لمصر، والسودان، وحوض البحر الأحمر، الانتباه أنّ هذه الأحداث المثيرة قد تكون أخطر في تداعياتها، إن انحرفت الأمور، من أثر السد عليهم.

من أين نبدأ؟

فرَض التاريخ والجغرافيا على القوّتين نفوذًا إجباريًّا، تتنافسان فيه، وتتنفسانه؛ إذ توافرت في الدولتين الفريدتين مقومات الزعامة الواضحة، من الناحية التاريخية، والراهنة. إنهما تُعدان من بين أهم مراكز تطوير ثقافة العالم القديم، ولهما سهمهما في تكوين الحضارة العالمية، والتواصل معها، إذ تطورتا في سياق حضاري وروحي، مؤثّر، وغني، ومتحوّل.

مصر التي تُفاخِر بحضارةٍ تُضيء سبعة آلاف سنة، احتضنت كنيسة الإسكندريّة الأرثوذكسية البارزة، ثمّ تقدّمت بهدوء لتصبح قلبَ العرب، وحارسة التشكّل التقليدي للعقيدة الإسلامية؛ فهي تقع على تخوم ثقافتين وحضارتين أو ثلاث، وسمحت لها مزاياها التقليدية بنشر نفوذها في العالم العربي، وهضم ردود الفعل الواردة من الشرق الأوسط؛ لذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون القاهرة مقرًا لجامعة الدول العربية، منذ الأربعينيات إلى اليوم، وحتى حينما انتقلت إلى تونس بعد اتفاقية كامب ديفيد، عادت إليها بمبادرات جماعية.

وعلى الجانب الآخر، اكتسبت إثيوبيا، المعروفة تقليديًّا بإمبراطورية أكسوم المتفاعِلة مع أورشليم، والمتواصلة مع بيزنطة، وممالكها التي احتفت بالإسلام قبل يثرب، والتي احتفظت هضابها بتاريخ معقد متقاطع مع المسيحية الأرثوذكسية، التي تتبع (الأبونا) المصري الذي ظلّ يعيّنه بابا الإسكندرية، حتى عام 1959، وظلّ كل إمبراطور يريد استعادة بناء ملكه، يلجأ إليه، وصولا إلى مِنِليك الثاني، الذي كرّس تحدّر أجداده من سلالة ساميّة تفخر بأنّها “سليمانيّة/ بلقيسية”. وبقيت المنخفضات كلها تواليه بوصفه سلطان الأمهرا، والحكم بين الممالك المتوحدة في قبضته؛ لذا لم يكن غريبًا أن تنجح أديس أبابا، في قلب صراعات الحرب الباردة عام 1963، في أن تحصل على لقب عاصمة إفريقيا، حيث يقع على أراضيها مقر منظمة الوحدة الإفريقية، وحتى بعد تحوّلها في المعسكرات السياسية، بعد الحرب الباردة، فازت باللقب مجددًا، عام 2002؛ لتكون عاصمة الاتحاد الإفريقي.

بقي التاريخ الإثيوبي، منكورًا للغريب، وحُبست رواياته في دوائر ضيّقة؛ لأنّه ارتبط بلغات محاصرة، ولأنه مارس المكر أو التواضع الإفريقي، أو لأنه وقع ضحيّة لفلسفة التعامل الحديث مع تأريخ العالم القديم، على أنه “أرض خواء، لا صاحب لها”، تبدأ مع الاستعمار، أو الفتح، وتموت معه، أو ربما أنّ الأسطورة المُفضية إلى الغموض كانت ما يحتاج إليه حكام إثيوبيا السليمانيون، في حين ظلّ التاريخ المصري (الرسمي) حيًّا؛ لأنّه يتفاعل، ويفرض نفسه، ويتوثق بالاعتراف الذكي، والتجاوز والدخول في قلب القصّة.

كان المصريون عنصرًا رئيسيًّا في قصة النبيين موسى ويوسف، وجزءًا من رحلة العائلة المقدسة، وورثوا عقيدة النبي محمد، في حين اختار الإثيوبيون روايةً تقول إنّ مِنِليك الأول هو ابن لسليمان من ماكيندا، أو بلقيس، وإن رفاقه شاركوا في بناء هيكل سليمان في أورشليم، وبعد المسيح دانوا بالمسيحية كأفراد، عام 60 ميلاديًّا، وشكلوا أول إمبراطورية مسيحية مبكرة، في عهد الملك إيزانا، قبل عام 360، واستقبلوا صحابة النبي محمد قبل أن يهاجر إلى يثرب.

وحين كان الناس يتحدّثون أنّ مِصر ظل يحكمها إمبراطور ألباني، أو غير مصري، وأن إثيوبيا كهنتها ليسوا إثيوبيين، كانت الصبغة الحضارية المستندة إلى الجغرافيا وتعقيدات الروح النّادرة تظهر في اللوحة لتقول: “ثقافة البلد أقوى من حكامها، وحيلة شعبها أكبر”، ومن يجلس في الحكم: “يلبس الجلباب والتاج، وبهما يتعرّف”، فالحكام على صور شعوبهم.

توافرت في الدولتين، على مدار التاريخ، كيانات (وممالك) لديها مقومات الدولة وأسسها، من سجلات، وجيوش، ومعاهدات، وحسابات عامة، وسلطة تظلل شعوبًا من قوميات مختلفة، ولكنْ لها عمودان: “دين، وملك”. في ذلك الوقت كان جزء كبير من بقية إفريقيا لا يزال مجهولا، ولا تزال شعوبه تعيش في هياكل اجتماعية عشائرية قبل دولتية؛ وذات خصوصية تتنافى مع فكرة الدولة كما نعرفها.

كلا البلدين هما الأكبر في القارة الإفريقية، كما أنهما متشابهان من حيث المساحة (مصر: 1,010,000 كيلومتر مربع، وإثيوبيا: 1,104,000 كيلومتر مربع)، وعدد السكان (مصر: نحو 100,223,000 نسمة، وإثيوبيا: نحو 113,550,000 نسمة).

تاريخ تأسيس الإمبراطورية الإثيوبية، ولماذا تصرّ بأنّها لم تصبح مستعمرة للغرب؟

فلنلقِ نظرة أكثر تفصيلاً على تاريخ تأسيس الإمبراطورية الإثيوبية وتطورها، فضلاً عن تحليل بعض جوانب الوضع السياسي الداخلي لإثيوبيا الحديثة.

الفترة الأكثر أهمية في تاريخ إثيوبيا القديم هي الفترة بين القرنين الأول والرابع، عندما كانت الحضارة الأصلية- أكسوم (أو مملكة أكسوم)- تتشكل تدريجيًّا في شمال هذه المنطقة، حيث كانت نواة لتشكيل الدولة الإثيوبية باتساعها الشاسع.

في القرن الرابع، تأسست المسيحية في أكسوم، ومع ذلك كانت المجتمعات المسيحية المحلية تابعة للكنيسة القبطية المصرية. إن دخول أتباع أكسوم المسيحية الأرثوذكسية، وإدراك الإثيوبيين انحدار أصولهم من أكسوم العظيمة مباشرة، هو لحظة مهمة جدًّا، وذات مغزى إستراتيجي.

دون أخذ ذلك في الحسبان، لا يمكن وضع تقييم صحيح ليس فقط لأي من الجوانب الأكثر أهمية للسياسات الداخلية والخارجية لذلك البلد؛ بل فهم جوهر الثقافة الإثيوبية للشعب والنخبة السياسية.

لا يمكن المبالغة في تقدير دور الدين المسيحي في تشكيل الدولة الإثيوبية وتطويرها وتقويتها. وهذا بالطبع ينطبق- بشكل خاص- على فترة إعادة بناء الإمبراطورية الإثيوبية، وتوسيع نطاقها بعد انهيار إمبراطورية أكسوم العظيمة القديمة.

أشار ريتشارد غرينفيلد، الخبير الشهير في الدراسات الإفريقية والتاريخ الإثيوبي، إلى أن “إثيوبيا الحديثة هي الوريث المنطقي لتقاليد أكسوم القديمة”. وفي الوقت نفسه، أدّت المسيحية دورًا مهمًّا في تأمين وتبرير سياسة التفوق الإمبراطوري على سكان الأراضي المحيطة، خلال حملات الجيوش الإثيوبية التي أخضعت لها عددًا من الأراضي المجاورة، وأكبرها هو غزو الإمبراطور الإثيوبي مِنِليك الثاني عام 1897 لمملكة كافا الكبرى، التي كانت تقع على الحدود مع إثيوبيا، والتي استمر وجودها سابقًا كمملكة مستقلة لما يقرب من ستة قرون. سنعود إلى هذه النقطة لاحقًا. أدّى العنصر الديني- ولا يزال يؤدي- دورًا في بناء العلاقات مع العالم الخارجي، حيث دائمًا ما كان السودان المجاور ومصر- التي تقع على حدوده– محور اهتمام لكل من الإمبراطورية الإثيوبية وخليفتها الجمهورية الإثيوبية. وحتى في السياق الإيرتري، انهار تمسك جبهة التحرير الإريتريّة بخيار الكونفدرالية، وانحازت إلى صالح الاستقلال مع المسلمين، حينما وجدت العنف منسوبًا إلى الأمهرا المسيحيين، يسود في عهد منغستو، فانتصرت العرقية على الدين.

في السياق التاريخي لتطور بلدان القارة الإفريقية، تمتلك إثيوبيا عددًا من السمات المهمة، التي علينا التسليم بجذورها، وتفهمها، أولًا: حقيقة أن إثيوبيا، أو قلبها، هي الدولة الوحيدة التي لم يستعمرها الغرب، حيث كانت جميع الدول المجاورة في المنطقة مستعمرة في نفس الوقت تقريبًا. احتلت إنجلترا مصر عام 1882، وفي العام نفسه بدأ الاستعمار الإيطالي لإريتريا أيضًا، التي أصبحت بعد ثماني سنوات مستعمرة إيطالية بالكامل. تم تقسيم الصومال بين إنجلترا وإيطاليا وفرنسا في الفترة من عام 1884 إلى عام 1888. كما وقع السودان أيضًا تحت نفوذ إنجلترا، التي وقّعت عام 1899 اتفاقية مع مصر بشأن الإدارة المشتركة للسودان (اتفاقية الحكم الثنائي). وربما من الأراضي السودانية غزا البريطانيون، عام 1886، كينيا وأوغندا المجاورتين لإثيوبيا واستعمروهما.

لماذا أفلتت إثيوبيا من مصير جميع البلدان الأخرى في القارة تقريبًا، فهي لم تتجنب الاستعمار الغربي فحسب؛ بل تمكنت أيضًا من توسيع حدودها توسيعًا كبيرًا، لتتحول عمليًّا إلى إمبراطورية؟ إضافة إلى ذلك، في الوقت الذي سقطت فيه الإمبراطوريات في جميع أنحاء العالم، تمكنت الإمبراطورية الإثيوبية من البقاء حتى عام 1974. يعتقد بعض المؤرخين أن أحد أسباب ذلك هو رغبة “غربية” في إخضاع مصر، والضغط على الدول العربية الأخرى في منطقة البحر الأحمر. استُخدِم هذا الرأي لتبرير إحجام المعسكر الأمريكي عن دعم صومال سياد بري عام 1977، حينما كان يهاجم حكومة منغستو الشيوعية، في الزمن الساخن للحرب الباردة، وكانت موسكو تدعم منغستو، فيزعمون أن “الدعم الغربي لم يتحقق؛ لأن الولايات المتحدة وحلفاءها عارضوا تفكك الدولة الإثيوبية، التي بغض النظر عن النظام الحاكم فيها، لا بد أن تكون على خلاف مع جيرانها العرب لمواجهة حلمهم بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية”، وهذا الرأي مبرر، ولكنه لا يشكل الصورة كاملةً.

هناك رأي آخر يرى أن القوة المحركة الطبيعية والرئيسية وراء غزو الدول الغربية لإفريقيا، كانت هي سعي زعماء العالم آنذاك إلى التنمية الاقتصادية، وخاصة إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، التي شاركت بنشاط في معركة تقسيم إفريقيا قبل الحرب العالمية الأولى، حيث اندلع بينها الصراع الرئيسي على إفريقيا. كانت الأهمية القصوى بالنسبة إلى إنجلترا، بوصفها قوة بحرية وتجارية عظمى، هي تأمين وصولها إلى أهم طرق النقل والخدمات اللوجستية والتحكم فيها. بالإضافة إلى ذلك، كانت إنجلترا قوة صناعية كبيرة تُلبَّى احتياجاتها المتزايدة من المواد الخام والموارد المختلفة على حساب البلدان الإفريقية. في هذا الصدد، كانت لندن بحاجة إلى تأمين اتصالها بممتلكاتها المنتشرة حول العالم، وكانت سياساتها في إفريقيا، بما في ذلك أولوياتها لاختيار أهداف للغزو الاستعماري، تُحدَّد من خلال التطورات التي تحدث ليس فقط في إفريقيا، ولكن أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، بما يبدو عدم وجود علاقة مباشرة بالأجندة الاستعمارية الإفريقية.

وهكذا، فإن خطط السيطرة على النيل ودول حوض النيل، وخاصة الدولة الرئيسية في المنطقة (مصر) تبلورت في أذهان الإنجليز في ارتباط مباشر بحدثين يعود تاريخهما إلى ستينيات القرن التاسع عشر: “الحرب الأهلية الأمريكية”، و”افتتاح قناة السويس”.

عطلت حرب الشمال والجنوب في الولايات المتحدة (1861- 1865) إمداد إنجلترا بالقطن الأمريكي. منذ ذلك الحين، اضطرت صناعة القطن الإنجليزية إلى إعادة التركيز على القطن المصري. طالبت بورصة القطن في ليفربول، ومصانع النسيج في مانشستر، باستيراد مزيد من القطن المصري. ومع ذلك، فإن الإمداد المستمر للقطن من مصر بكميات متزايدة باستمرار كان يتطلب تأمين الوصول، وإحكام السيطرة على طرق نقل المواد الخام المصرية إلى المصانع الإنجليزية.

كان ممر النقل الأسرع والأسهل هو قناة السويس التي بنتها فرنسا (افتُتحت للملاحة في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1869). لم تصبح هذه القناة أقصر طريق من أوروبا إلى أحواض المحيطين الهندي والهادئ فحسب؛ بل خلقت أيضًا ظروفًا لمزيد من التوسع الاستعماري لإنجلترا في شرق إفريقيا.

بالنظر إلى حقيقة أن الإمبراطورية البريطانية كانت تسيطر على مناطق شاسعة منتشرة في جميع أنحاء العالم تقريبًا، كانت قناة السويس ذات أهمية إستراتيجية قصوى للندن. لم تكن إنجلترا لتتحمل حقيقة أن أهم مركز نقل لها كان يقع تحت سيطرة منافستها الرئيسية فرنسا، ولفترة طويلة خططت لإحكام سيطرتها على قناة السويس، والطريقة الوحيدة الموثوق بها للقيام بذلك- من وجهة نظر البريطانيين- كانت الاستيلاء على مصر. واستغلالاً للوضع المالي والاقتصادي الصعب في مصر، اشترت الحكومة البريطانية من الحاكم المصري الخديوي إسماعيل 45٪ من أسهم الشركة التجارية المسيطرة على قناة السويس. بعد ذلك أصبحت الشركة العامة لقناة السويس تحت السيطرة الفعلية لإنجلترا وفرنسا، واستُبعِدت مصر من الإدارة. لكن من الناحية العملية، كانت إنجلترا تتحرك خطوة بخطوة نحو أخذ كامل لحقوق إدارة القناة. كان الوتر الحاسم الذي أمّن للندن ممر النقل الأكثر أهمية في العالم هو الاحتلال العسكري المباشر لمصر عام 1882.

إضافة إلى ذلك، يحب أصحاب هذا الرأي إبراز تفسير إضافي، وهو رغبة إنجلترا في السيطرة على حوض النيل في الرافد العلوي، لا سيما في السودان، كورقة ضغط محتملة على مصر. وهو رأي يستند إلى تفسير الواقع بالتاريخ، أي ماذا لو افترضنا أنّ قطع الماء عن مصر، أو تهديدها به، هو ورقة يعاد استخدامها؟

وفقاً لهذا المسار من التفكير، أدركت لندن وحلفاؤها ضعف مصر المتمثل في اعتمادها الكبير على الموارد المائية التي تحصل عليها من الروافد السفلى للنهر الإفريقي العظيم، واستغلوا ذلك. وهكذا، في عام 1922، بعد أن عجزت الحكومة البريطانية عن التعامل مع الحجم الكبير لحركة التحرر الوطني في مصر، أعلنت إلغاء حمايتها على البلاد (1914- 1922)، ومنحها اللورد إدموند اللنبي الاستقلال بشكلٍ أحادي الجانب، مع احتفاظ بريطانيا (احتفاظًا مطلقًا) بتولي أربع نقاط، وهي: تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر والدفاع عنها، وحماية المصالح الأجنبية في مصر، وحماية الأقليات، والمسألة الأخيرة هي السودان.

وفقًا لهذا فإنه من أجل الحفاظ على السيطرة على مصر؛ ومن ثم على قناة السويس، ذات الأهمية الإستراتيجية، استخدم البريطانيون السودانَ. تبنّى هذا التفسير المؤرخ السوڤيتي (س. داتلين)، في مقدمة كتاب “السودان الأنجلو- مصري”، حيث ذكر أن “في عام 1922 بالتحديد، بدأ البريطانيون ببناء سد سنار الكبير على النيل الأزرق. وقد كان سد سنار، وعدد من السدود الأخرى التي أقيمت في السودان، مزدوجة الفائدة للمستعمرين”. ويمكن تفسير ذلك على النحو التالي: أولاً: رووا الأراضي لزراعة القطن لصالح مصانعهم البريطانية. وثانيًا: سمحت السدود بالسيطرة على تدفق مياه النيل إلى الأراضي المصرية؛ مما أعطى المستعمرين الإنجليز “سلاحًا لا يزالون يبتزون به مصر منذ عقود؛ بهدف الحفاظ على سلطتهم على قناة السويس، وتأثيرهم في الاقتصاد المصري” (نشر الكتاب عام 1951). كانت الفكرة نفسها قديمة، وتكررت في الأدبيات التاريخية التي تروي أنّ رجل الحبشة عمدا صهيون أرسل إلى الناصر قلاوون بمصر، في 23 ديسمبر (كانون الأول) 1325، رسالة تهديد حذّره فيها بأنه سيضطهد مسلمي الحبشة، ما لم يكف الناصر عن اضطهاد أقباط مصر، كما هدد أيضًا بسد مجرى النيل حتى لا تصل مياهه إلى مصر، فتهلك عطشًا (القلقشندي، صبح الأعشى، ج5، ص 309). بالطبع لم يفعل ذلك، لكنَّ التخوّف بقي موجودًا. يشير المصريون إلى أنّ ملس زيناوي وقّع تعهدًا عام 1993 بعدم اعتراض طريق النهر إلى مصر.

كانت الدول الكبرى تبحث عن جواهر ثمينة تعزز بها اقتصادها، وتأخذ على عاتقها حراسة ممرات مائية مهمة، لضمان السيطرة على الاتصالات البحرية الرئيسية في البلدان الإفريقية الساحلية، فعلى سبيل المثال مصر (قناة السويس)، وإريتريا والصومال (مضيق باب المندب)، وكينيا (ميناء مومباسا). كان الوصول إلى المواد الخام والموارد هدفًا آخر ذا أولوية للغزوات الاستعمارية: السودان (المياه، والعمالة، وزراعة القطن)، أوغندا وكينيا (القطن، ومنتجات زراعية أخرى).

وفي ظل ذلك، كانت إثيوبيا، أو بالأحرى الهضبة المرتفعة في قلبها، دولة غير ساحلية، كما أن مناخها القاسي نسبيًّا جعل معظم أراضيها غير مناسبة لزراعة المحاصيل التي تهم الدول الاستعمارية، إلا الأراضي المنخفضة التي تمّ احتلالها بالفعل وزراعتها بالقطن.

أدّت تلك العيوب “المناخية والجغرافية” الواضحة دورًا جيوسياسيًّا إيجابيًّا لإثيوبيا، واستبعدتها من أولويات الخطط الغازية لكل من بريطانيا، وخصمها الرئيسي فرنسا.

ونتيجة لذلك، تُركت إثيوبيا “إلى وقت لاحق”، وكأنها مُنحت ضمنيًّا لإيطاليا، التي بحلول عام 1890 كانت قد تمكنت من استعمار الجزء الشمالي من إثيوبيا، أي إريتريا. مارس الإيطاليون الحيل مع الإمبراطور الإثيوبي وبلاطه، محاولين فرض حمايتهم على البلاد بكاملها بالطرق الدبلوماسية السلمية. كل هذا مكّن الإمبراطورية الإثيوبية:

أولاً: من تقوية نفسها داخليًّا من خلال التغلب على الانقسام الناتج عن النظام الإقطاعي تحت حكم الأباطرة تيودروس الثاني (1885- 1868)، ويوحَنس الرابع (1872- 1889)، وخاصة مِنِليك الثاني (1889- 1913).

ثانيًا: بينما كانت بقية دول إفريقيا- الأضعف من حيث تنظيم الدولة، والأكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية- تتعرض لغزوات الغرب الاستعمارية، كانت إثيوبيا نفسها تشن حملات عسكرية بنجاح للاستيلاء على الأراضي المجاورة وإخضاعها، كما ذكرنا أعلاه، ولم يكن هذا بغرض توسيع أراضيها فحسب.

وتجدر الإشارة- بشكل خاص- إلى دور مِنِليك الثاني، الذي تمكن فعليًّا من الدفاع عن استقلال الدولة الإقطاعية من جيش الغزو الإيطالي، وهزم القوات الاستكشافية الإيطالية في معركة عدوة الشهيرة عام 1896.

لماذا لم يشمل التمدد/ الفتح العربي إخضاع إثيوبيا في دولته الإسلامية؟

قبل الإسلام، حافظت الحبشة على صلة عميقة بالعرب في الجزيرة العربية، وفي إفريقيا، ووصل التداخل مع اليمن إلى الصراع الثقافي الأسطوري، ثم الامتداد الميداني بالاحتلال، ولعب السجال هناك دورَ حرب الوكالة بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكان الدين عاملاً رئيسيًّا فيه، لمنع الاضطهاد الديني للمسيحيين في الجزيرة العربية، اليعقوبيين أو الارثوذكسيين المعتقدين بالطبيعة الواحدة للمسيح تحديدًا. سهّلت رعاية الإمبراطورية الإثيوبية لهذا الأمر الديني، على الأحباش والقبائل العربية المتحالفة معهم في جنوب اليمن، تفهّم دعوة الإسلام بيسر، وأتاحت لملكها استضافة مفاوضات قرشية إسلامية، وحين تواصلوا مع المسلمين في يثرب (المدينة) لاحقًا، احتفوا بدعم الدين الجديد، واتحاد القبلة إلى القدس. ولم تنته هذه المرحلة من التقبّل بعودة رجال المسلمين إلى الجزيرة سنة 628، إثر موقعة خيبر (التي كان يقطنها اليهود)، ولكنها تأثرت بعد أن تسلّم الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب مفاتيح القدس سنة 639، فجرَت مناوشات بحريّة محدودة، انتهت تمامًا بعد دخول المسلمين مصر البيزنطية، وحكم مصر الوالي عمرو بن العاص (الذي كان رسول قريش إلى النجاشي، لاسترداد المسلمين، حسب الأدبيات الكلاسيكية المسلمة).

انتهت المناوشات البحرية، التي ربما كانت غضبًا من تسلُّم المسلمين للقدس، ومقاومةً للواقع الجديد، ولكن سرعان ما تفهّمت الإمبراطورية الإثيوبية الخريطة الجديدة، وشجعت ظهور الممالك البدائية، وحلت لغز صراع الإمبراطوريات على “السواحل”، فانزوت بعاصمتها إلى الداخل البعيد عن البحر، لتصبح جوهرتها المرتفعات والهضبة المقدسة، وسمحت ببقاء مسلم مسالم.

تكثَّف الوجود المسلم في إثيوبيا نتيجة الهجرات والانشقاقات في الدولة المسلمة، بعد الانشقاقات المصاحبة لتشكّل الدولة الأموية والعباسية. ولم يتحوّل هذا الوجود إلى شكل دولة وسلطة مؤثرة حتى مع دول “الطراز الإسلامي” التي كانت تدين بالولاء لسلطان الأمهرا وملك أكسوم، ولم يَنهَر ذلك إلا في القرن الثالث عشر، بسبب تحوّلات في السودان والصومال.

تغيّرت المعادلة بعد أن تمدد أحمد بن إبراهيم الغازي في الربع الأول من القرن الرابع عشر، قادمًا من سلطنة هرر، إحدى ممالك مملكة عدل المسلمة، لأسباب كانت نهايتها نصرة البرتغاليين الكاثوليك للإمبراطورية الإثيوبية، وتدخل الأتراك المسلمين لصالح الغازي.

يستحضر هذا لإثبات انهيار السِّلم الديني بين المملكة المسيحية والمسلمين. ولكن يمكننا ملاحظة السياق الديني العام، الذي كانت فيه العلاقات الإسلامية المسيحية في أصعب مراحلها، إثر حروب الاسترداد في الجزيرة الإيبيرية، أو سقوط الأندلس، فتكوّنت على إثرها ممالك إسلامية جديدة على أنقاض مسيحية خارج أوروبا.

لم تكن العلاقات المنعزلة في إثيوبيا، والقرن الإفريقي، تتأثر بهذه الجدالات بالشكل الذي يوحيه التاريخ المليء بالقتال. ولئن كانت معاملة حكام مصر المسلمين للأقباط تنعكس على معاملة حكام ممالك إثيوبيا، على من بيدهم من المسلمين، حسب بعض المزاعم؛ فإنّ الحقيقة التاريخية أنّ فِرار سكّان مصر من العرب والمسيحيين، من اضطهاد (الفاطميين)، ثم (المماليك)، كان يتجه بهم نحو الجنوب، ومن الجنوب إلى الحبشة، كما جرى إثر هجمات أحد أبناء محمد علي باشا على بعض القبائل العربية في شمال السودان. حتى بعد نهاية الممالك المسيحية/ المعقدة في السودان، ظلّ العرب في لا وعيهم، ينظرون إلى طبقة من الإثيوبيين على أنهم حلفاء وجدانيون لهم، يستعيدون موقف النجاشي مع المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين. ومن ذلك ما يروى من أن زعيمًا قبليًّا قال في الشكاية من هجمات إفريقية غربية جاءت مع المهديّة، في أواخر القرن التاسع عشر: “يا يابا النقس ويا الإنجليز ألفونا”، والنقس هم زعماء إمبراطورية أكسوم.

ثمة مثل إفريقي، اندّس في النيل، يقول: “حين يمر السيد العظيم، ينحني الفلاح الحكيم انحناءة عميقة، بدهاء، ثم يذهب بصمت”، هكذا تعاملت الروح الإمبراطورية مع التحوّلات، ظلّت تتعامل فيها بلا فناء، فحمت نفسها من العالم القديم في قلب “العالم القديم”.

فلنعد إلى الإمبراطورية في عهد هيلا سيلاسي، لنُجب عن سؤال: كيف تمكنت الإمبراطورية الإثيوبية من الحفاظ على بقائها فترة طويلة في التاريخ الحديث بعد انهيار النظام الاستعماري في إفريقيا في الستينيات من القرن العشرين، وانهيار الأنظمة الملكية الأخرى في العالم؟ كان لمسار الحرب العالمية الثانية ونتائجها دور كبير في ذلك، عندما تمكنت إثيوبيا من الدفاع عن استقلالها مرة أخرى، ولكن الآن في سياق محاولة إيطاليا الفاشية، بقيادة نظام بينيتو موسوليني، الاستيلاء على البلاد. بالإضافة إلى ذلك، عاد الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول- الذي قضى فترة المقاومة المسلحة النشطة للغزاة الإيطاليين في المنفى السياسي في بريطانيا العظمى- رسميًّا إلى أديس أبابا بصفته إمبراطورًا منتصرًا. إن مشاركة إثيوبيا في الحرب، إلى جانب التحالف المناهض لهتلر، وفّرا لإثيوبيا مكاسب سياسية كبيرة، وأسهما- جزئيًّا- في ولاء المجتمع الدولي لهيلا سيلاسي وإمبراطوريته.

كان هيلا سيلاسي نفسه نموذجًا مثيرًا في الاستعادية الإثيوبية؛ إذ عملت إثيوبيا الدولة، التي تشكّلت في أواخر عصر الإمبراطورية، على خلق روح مسيحيّة وطنية، فقلّصت الولاء لكنيسة الإسكندرية بالتدريج، وأعادت بث رواية “الكابرا نقست” (مجد الملوك) التي تجعل منليك الأوّل ابن سليمان النبي وبلقيس، أو ماكنيدا، فحاز بذلك الأصل السامي، والجذر اليهودي المميز، واستعاد وطنية الديانة.

كانت إحدى النتائج المهمة لفهم هيلا سيلاسي لطبيعة الدولة الحديثة، وطريقة التفاهم مع المجتمع الدولي، هو أن الإمبراطور حقق نجاحًا كبيرًا في عام 1952، وأعاد توحيد إريتريا مع إثيوبيا وفقًا لقرار الأمم المتحدة. وهكذا تمكنت إثيوبيا أخيرًا من الوصول إلى البحر الأحمر؛ مما عزز موقفها الاقتصادي تعزيزًا كبيرًا، ثم سرعان ما حصل كل من السودان (1956) والصومال (1960) وكينيا (1963) على الاستقلال عن إنجلترا، فلم تعد إثيوبيا محاطة بمستعمرات تابعة لقوى أوروبية. في الوقت نفسه، كان الإمبراطور- مثل أسلافه- يعكف على استغلال أي خلافات تنشأ في معسكر خصومه المحتملين لصالح أهدافه الخاصة. إذا كان مِنِليك الثاني قد أحسن الاستفادة من الخلافات بين إنجلترا وفرنسا وإيطاليا بالاعتماد على دعم روسيا، فإن هيلا سيلاسي الأول تخلص من هيمنة البريطانيين بالمراهنة على الولايات المتحدة، التي منحها في مايو (أيار) 1953 قاعدة “كيجينيو” العسكرية في أسمرة، حيث أقام الأمريكيون عنصرًا ذا أهمية إستراتيجية في الاتصالات والاستخبارات، أصبح جزءًا من المنظومة العالمية التي تخدم احتياجات البنتاغون. نظرًا إلى أهمية إثيوبيا في تعزيز النفوذ الأمريكي في القرن الإفريقي، أصبحت من أهم حلفاء الولايات المتحدة، وصارت تحت رعايتها؛ ما جعلها تستحوذ على أكثر من نصف المساعدات العسكرية الأمريكية المتدفقة إلى إفريقيا. لم يبق في إثيوبيا لا جنود بريطانيون، ولا مستشارون. إضافة إلى ذلك، أرسل الإثيوبيون قواتهم للحرب إلى جانب الولايات المتحدة في كوريا، في حين دعم الأمريكيون حليفتهم في حل القضية الإريترية، لكن في الوقت نفسه ظلت الإمبراطورية الإثيوبية كيانًا متخلفًا إلى حد ما، وشبه إقطاعي.

كما أشار المؤرخ الروسي الشهير المتخصص في الدراسات الإثيوبية (ج. ف. تسيبكين) قائلًا: “في هذا العالم التقليدي المحدود، حيث نادرًا ما كانت تصل شائعات عن أحداث في الخارج (المقصود المناطق الريفية الإثيوبية النائية)، كانت أرواح الفلاحين بالكامل في أيدي رجال الدين. كما مارست الكنيسة ضد الإثيوبيين المتدينين إجراءً كان له قوة السلاح الرهيب، وهو الحرمان الكنسي”. على مدار قرون، كانت نظرة الجزء الأكبر من سكان إثيوبيا إلى العالم تتشكل، خاصة في المناطق الريفية، من خلال الإطار الضيق الذي يفرضه المجتمع التقليدي. كان من المعتاد النظر إلى الصعوبات والحرمان الذي يعيشون فيه نتيجة فقرهم كقوانين أبدية وطبيعية للحياة لا بد للفرد أن يتكيف معها، وأن يكون “خادمًا مطيعًا لسيده، ومسيحيًّا صالحًا”.

كان إعلان الحريات الليبرالية في دستور عام 1955 أشبه بتنازل صوري موجه إلى العالم الخارجي، فلم يكن أي مواطن إثيوبي يجرؤ على المطالبة باستقالة مسؤول حكومي، أو إرسال رسالة إلى إحدى الصحف ينتقده فيها، كما لم يكن يمكن لأي صحيفة أن تنشرها. تميّز المسؤولون الإثيوبيون في الإمبراطورية بأقصى درجات عدم الكفاءة في الإدارة، وكانوا اتكاليين، فلم يكن النشاط الوظيفي محبذًا، وكان الإمبراطور هو من يشكّل البرلمان– الذي لم يهتم بسوى الرواتب والأجور- بشكل مباشر (مجلس الشيوخ)، أو غير مباشر (مجلس النواب). ومع ذلك، سمحت السياسة الخارجية السليمة لهيلا سيلاسي، وعلاقاته التحالفية مع الغرب، وتواصله مع الاتحاد السوڤيتي، للنظام الإمبراطوري الإثيوبي، بالحفاظ على وجوده في العالم الحديث حتى عام 1974.

في موجة الانقلابات العسكرية التي عمّت الشرق الأوسط، تقدمت مجموعة من العسكريين ذوي التفكير التقدمي، بقيادة هيلا ميريام منغستو، عام 1974، وأطاحوا بهيلا سيلاسي، منهين إمبراطورية بلغ عمرها قرنًا من الزمن، فتحوّلت إثيوبيا بذلك إلى جمهورية، يحكمها مجلس عسكري (الديرغ)، رفع شعار “إثيوبيا أولاً”، وأمّم الأراضي بلا تعويضات، وهاجم الكيانات التقليدية، ووضع يده على كل شيء، وأعلن الاشتراكية العلمية كمرشد أيديولوجي للنظام الجديد، وجعل الاتحاد السوڤيتي محل الولايات المتحدة راعيًا لإثيوبيا.

صحيح أن النظام العسكري شجب سيطرة نخبة عرقية، وحرم الكنيسة الأرثوذكسية من ممتلكاتها الشاسعة من الأراضي والدعم المالي الحكومي، ومنح الاعتراف الرسمي للإسلام، وجنّد غير الأحباش في إدارة الدولة والجيش، لكنّه لم يغير من مركزية الدولة، وأعاد إنتاج نخبة تساعده على إدارة الولايات الطرفية، وواصل مكافحة المعارضة، والانفصاليين، واستجلب لصدّ الهجوم الصومالي، قوات سوڤيتية وكوبية لمواجهته.

كان الانتقال من الإمبراطورية إلى حالة الدولة المعاصرة عسيرًا، فلم تُفَكَّك الإمبراطورية الإثيوبية كما حدث مع نظيراتها الأوروبية، وبدلاً من ذلك أطلق حكامها حملة ملتوية، تتحدث عن “دولة قومية متجانسة”، كان معناها بقاء السيطرة العرقية على حالها!

ولكن لم يمض وقت طويل حتى تضاعفت حركات التحرر الوطني في الأطراف لمضايقة النظام المحاصر، من بينها جبهة تحرير أورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، ولكنّها لم تحقق الكثير، مثلما ستفعل جبهة تحرير التيغراي التي استفادت من معارضة مرنة، وطالبت ابنة عمتها في إريتريا بالانفصال.

كان التيغراي هم الفرع الأصغر من العائلة الحبشية، حافظوا على لغتهم الخاصة، وميزوا أنفسهم من خلال مقاطعة معزولة ومحافظة، وكانت لديهم شكوى دائمة ضد هيمنة الأمهرا السياسية، مع تاريخ من التمرد ضدها. خلص التمرد الأخير الذي قادته جبهة تحرير شعب التيغراي إلى أن هناك “تناقضًا وطنيًّا بين الأمة الأمهرية المضطهدة والأمم المُضْطَهَدَة في إثيوبيا، بما في ذلك التيغراي”، وشنت حرب عصابات من شأنها أن توصلهم- في نهاية المطاف- إلى السلطة، التي قرر ملس زيناوي في اللحظة الأخيرة أن يكون معقلها في أديس أبابا، لا في عاصمة تيغراي.

انهيار حكم منغستو، ولجنته العسكرية المفككة، جاء لأسباب أهمها تفكك الداعم الرئيسي له: الاتحاد السوڤيتي الذي بلغ نهايته. حاول النظام إطالة عمره؛ بإرخاء قبضته، والتنازل عن اللامركزية. لكنها كانت محاولات في الوقت الضائع، فانهار نظام منغستو، وانطوت صفحته، وكانت المركزية الإثيوبية، التي يزعم خصومها أن الأمهرا يسيطرون عليها: “أمام لحظة انحناءة جديدة ستمتد ثلاثين عامًا”.

قبيل الاستيلاء على أديس أبابا عام 1989، في ظل الدور القيادي للجبهة الشعبية لتحرير شعب التيغراي، وتحت رعايتها، أُنشئت الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (EPRDF)، التي أصبحت عام 1991 الحزب الحاكم للبلاد فترة طويلة بلغت 30 عامًا تقريبًا، وتؤمن باللامركزية، وتدعم الديمقراطية التعددية.

كان على ملس زيناوي، القائد الجديد للبلاد، أن يستوعب أنّ عليه أن يتخلى عن أفكاره الاشتراكية، ويفتح بلاده نحو القيم الجديدة، للحصول على التمويل الجيّد، يحكى أن مسؤولاً أمريكيًّا قال له: “لن يسمح لكم بالحكم من دون لافتة ديمقراطية”.

لم يكن التخلي عن الأفكار الشيوعية، بسبب الضغط الخارجي فقط؛ بل كان عليه أن يفعل ذلك بمغالاة بسبب كراهية الشعب لكل ما يمثله عصر منغستو الاستبدادي. فعل ملس زيناوي ذلك، وتفهّم أن التجمّع الحاكم الذي يمسك التيغراي بقلبه، عليه أن يبسط يده للولايات في شكلٍ اتحادي جديد، يتبنى لا مركزية مخففة، تحقق الرضا، ولكنّه في الحقيقة اختار تحطيم المركز بمطرقة من حديد فدمّر مركزية الأمهرا، لصالح الآخرين، وعلى رأسهم التيغراي.

على الصعيد الخارجي، واجه زيناوي تحديًا، وفرصة تمثلت في استيلاء الجبهة القومية الإسلامية على الحكم في السودان عام 1989، ومع وصوله إلى الحكم انكشف غطاؤها، وعدائيتها للعالم، فأعاد دعم التمرّد الذي يقوده جون قرنق، الذي رافقه في رحلة التحوّل إلى المعسكر الأمريكي، ورافقهما السودانيون المعارضون للعشرية الأولى من حكم البشير، بما فيها من حماقات استضافة أسامة بن لادن، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، التي دفعته إلى التخلّي عن حضور القمم الإفريقية التالية!

كان العنوان الرئيسي للتسعينيات الأولى أن إثيوبيا تعاملت بهدوء مع انفصال إريتريا، واستقلالها، فزيناوي يدرك أنّه انفصال سياسي، ولن يكون اقتصاديًّا، وتعامل معه على أنّه طريق خلفي للتيغراي للتراجع عن الاندفاعة الوحدوية، وبدأ يتنفس الصعداء بعد أن دبّت الخصومة بين إريتريا والسودان.

لكنه انحاز لاحقًا إلى الحرب ضد إريتريا في 1998، وهي حرب لم يربح فيها أحد، سوى زيناوي نفسه، الذي وحّد على إثرها كل السلطة في يده، وتخلص من المنافسين الذين هزموا له إريتريا.

فعل ذلك بهدوء، أشعل الحماسة في نفس جاره البشير ليفعل الأمر نفسه، فيسجن رفاقه الإسلاميين، واحدًا تلو الآخر، بعد انتهاء عشريتهم تلك!

كانت العلاقة الشخصية، والاعتماد على الشخصيات الأمنية، هي سمة ذلك العصر في دول القرن الإفريقي كله، وقليل من المفكرين يسمح لهم بالجلوس إلى جانب الجنرالات، الذين أمسكوا بالقضايا، بدهاء تكتيكي، وتردد إستراتيجي.

قدّم منظّر سوداني عمل مستشارًا لإريتريا، وكان قد تقرب إلى البشير بعد خلافه مع الترابي عام 1999، نظريته السياسية لتشجيع السودان للقيام بمبادرة تكامل في القرن الإفريقي: إثر الحرب الإثيوبية الإريترية، كانت رؤيته تجمع رؤساء إثيوبيا، وإريتريا، واليمن، وجيبوتي في الخرطوم. وتغري كل واحد منهم بحقيقة جيوسياسية بارعة، فتقدم لليمن إيقاف هجرات اللاجئين إليه، ولأسياس الإريتري تخفيض مخاوفه من انفصال العفر، ولجيبوتي تأمين السلم الاجتماعي، أما إثيوبيا فبجائزتين؛ الأولى منحها ميناء محدود في البحر الأحمر، والثانية لملس زيناوي، عبر تخويف السودان من ذهابه، فقال للسودان إنّ تغيير الموازين يعني ولادة عدو أشرس، وأكثر تصميمًا على الانتقال فقال محمد أبو القاسم حاج حمد (يونيو/ حزيران، 2000): “إذا تمكن الأمهرا (25% من سكان إثيوبيا) من توظيف دورهم العسكري في هذه الحرب توظيفًا (سياسيًّا)، قد يغيرون بموجبه ميزان الحكم في إثيوبيا لصالحهم، وسيفتحون ملفات علاقتهم مع السودان، حيث يقدرون أن السودان هو الذي أوصل التيغراي، الذين لا تتجاوز نسبتهم 7%، إلى سدة الحكم في أديس أبابا، وأن السودان هو من كان وراء استقلال إريتريا. والأمران غير مرضي عنهما، لا أمهريًّا ولا أوروميًّا، ويشكل الأورومو نسبة (50%) من سكان الإمبراطورية”.

يومها كان زيناوي يقدّر أن أسياس أفورقي، يدعم الأمهرا، والأورومو، ويبحث عن الأدلة لذلك، في حين كان أسياس ينسج علاقاته مع مصر بتوازن، منحه- في نهاية المطاف- فرصة لفصل كنيسته الإريترية عن الكنيسة الإثيوبية، وربطها بكنيسة الإسكندرية مباشرة.

من الصعب أن تقدّر أن مصر كانت مترددة في النظر إلى إفريقيا بعين الاعتبار، ولكنّ مذكرات وزراء الخارجية المتعاقبين، عمرو موسى، وأحمد أبو الغيط، حتى نبيل العربي، تثبت لك ذلك؛ ففيها شكوى عميقة يجأر بها الوزراء من الإهمال في الملف الإفريقي، عمومًا، وتدبير الملف الإثيوبي خاصةً. يحكي موسى عن فشل مصر في دخول منظمة الكوميسا التي تلغي القيود الجمركية بين الدول الإفريقية الأعضاء، حيث بدأت محاولات مصر الانضمام منذ عام ١٩٩٤، وفشلت بسبب اعتراض ليبيا والسودان وإثيوبيا وإريتريا، فاستجدى موسى وزيري خارجية السودان وليبيا، وعندما فاتح زيناوي في أمر انضمام مصر إلى “الكوميسا”، مطالبًا إياه بعدم معارضة ذلك، قال له وهو منفعل: «سيد موسى، لن تجد معارضة أبدًا من إثيوبيا. لن نقف أمامكم أبدًا في هذا الشأن، بل دعني أقل لك: المعارضة ستأتي من أقاربكم العرب؛ من ليبيا، ومن ذوي العمائم البيضاء في السودان». عقبّ موسى على كلام زيناوي قائلا: “كان رجلًا منطقيًّا متميزًا، وكان بإمكانك أن تعقد معه أي اتفاق بالكلمة. وفي نهاية اللقاء وعدني الرجل بأنه سيتحدث إلى السودان وليبيا، وسيطلب منهما عدم الوقوف في وجه مصر”. وبعد أن فعل ذلك جاءت النهاية المحزنة من مصر، حيث رفض الوزراء انضمام بلادهم، وقالوا لمبارك: “عمرو موسى يتدخل في الاقتصاد ليه؟”، فهم من مدرسة لم تكن ترى قيمة في الانفتاح المصري على قارتها الإفريقية، بل ترى أن الانفتاح على أوروبا هو الأفضل للاقتصاد المصري.

هذا الشعور أفقد مصر كثيرًا من الفرص، وعقد أمامها الملفات الإفريقية المعقدة أصلاً.

في بداية الألفية، بدأ البشير وملس زيناوي بافتتاح عصر جديد، فتح فيه النفط للسودان أفقًا اقتصاديًّا جديدًا، وكانت التنمية والقروض الداخلية والمشروعات تمنح زيناوي هديّة جيدة، ولكنّ القوميات الصاعدة، وسوء تدبير التنوّع، والتطبيق المشوّه للامركزية، والعوامل الطبيعية للقفز بين المعسكرات، احتاجت منهما إلى جواب ذكي، لكن زيناوي رحل عام 2012، وفي يده ورقة سدّ الألفية، ولا أحد يدري إلى أين كان سيصل به، ورحل البشير بعده بست سنوات، إلى سجن كوبر، وكانت مصر على موعد مع التغييرات الكبيرة، التي انتهت بثورة 30 يونيو (حزيران)، وإزاحة الإسلاميين، وبدَأَ عهد جديد، ورث مشكلة سدّ النهضة وتعقيداتها.

إثيوبيا اليوم

وضع السياسة الداخلية والخارجية وآفاق تطويرها

في الوقت الحاضر، يمر النظام الحاكم في إثيوبيا بفترة أزمة داخلية عميقة، وإعادة هيكلة جذرية؛ مما يؤثر سلبًا في الوضع السياسي الداخلي والخارجي للبلاد، وكذلك في الوضع في أعلى هيئات السلطة السياسية. يتميز ما يحدث بسمة رئيسية؛ ألا وهي إعادة توزيع دور النخب السياسية ونفوذها، وهو ما يقوم في هذه الدولة- إلى حد كبير- على المبدأ العرقي. لأول مرة خُرِقَت المبادئ التي تطورت على مدى قرون من تاريخ التقاليد الحكومية في إثيوبيا.

يحدث الآن انتقال مفاجئ إلى حد ما– ومؤلم كذلك- للنظام الحقيقي للسلطة من نفوذ التيغراي، مع الحفاظ على مستوى معين من مشاركة أكبر مجموعة عرقية (الأمهرا)، تطور على مدار الثلاثين عامًا الماضية من حكم رئيس الوزراء الراحل زيناوي.

في (2019-2020) بدأ تحول سياسي داخلي جذري في البلاد، أدت إلى الإطاحة بالنخبة الوطنية التابعة لتيغراي بالكامل تقريبًا من إدارة شؤون الدولة والاقتصاد. كما دُمِّرَت العلاقات الاقتصادية الراسخة داخل البلاد وخارجها. وفي الوقت نفسه، لحق بعض الضرر بموقف الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، التي كان من بين قادتها كثير من ممثلي الإثنيات المنحدرة من الإقليم الشمالي للبلاد.

فماذا حدث؟

قوبلت محاولات القيادة الجديدة للبلاد، برئاسة آبي أحمد علي، الذي وصل إلى السلطة في أبريل (نيسان) 2018، بإدخال النهج الحر، ودمقرطة الحياة العامة على نطاق عريض، والتراجع عن اللامركزية الفيدرالية، بمعارضة شديدة من النخب السابقة في السلطة، الممثِّلة- في المقام الأول- لمجموعة التيغراي، أو الداعمة لمصالحها.

الحقيقة الواضحة كانت هي أن اللامركزية، والنهج الفيدرالي هو الإنجاز الحقيقي الذي قدّمته سلطة زيناوي، حتى بكل عيوبها، إلا أنها كانت مرضية!

في البداية، كانت العمليات التبديلية تجري في الخفاء، وتقتصر على عدم الخضوع للقرارات، وإحباط طموحات القيادة الجديدة، ثم انتقلت إلى مرحلة حرجة من العصيان العلني؛ مما أدى إلى حدوث “أزمة تيغراي”؛ حينئذٍ اتُّخِذَ قرار صعب، ولكنه قسري إلى حد كبير، بإجراء السلطات المركزية عملية عسكرية لتهدئة التمرد في مقاطعة تيغراي.

يربط كثير من المحللين– وهم مخطئون في ذلك– ما حدث بأفعال رئيس الوزراء آبي أحمد وإدارته فقط، مع أن البداية- في الواقع- كانت قبل ذلك بكثير، حيث تعود إلى السنوات الأخيرة من حكم ملس زيناوي، الذي تمكن من تجاوز الانقسامات والمصالح العرقية، وأصبح زعيمًا فعليًّا للأمة.

في الفترة الأخيرة من حكمه، بدأ زعيم تيغراي نفسه، تقليص نفوذ الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في قلب الجبهة أو تيار الحزب الحاكم، فنقل جزءًا من سلطاتها إلى ما يمكن تسميته بتحالف القوى الأضعف من خلال توحيدهم.

ربما كان ملس يأمل أن يتمكن تدريجيًّا من تشكيل مركز حكومي متعدد الجوانب للبلاد، وتقليل نفوذ النخبة التابعة لتيغراي؛ لأنه فهم أن مشاعر المعارضة للغالبية العظمى من سكان البلاد أخذت تنمو تجاهها منذ فترة طويلة، لكنَّ حدثين أحبطا تلك الخطط: “الموت المفاجئ والمريب نسبيًّا للزعيم الدائم ملس زيناوي، وغياب خليفة قوي يكون قادرًا حقًا على الإمساك بزمام السلطة”. فشل نائب رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين، الذي حل محله وفقًا للدستور، في ضمان استمرارية السياسة المتبعة، ولم يتمكن من الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي، فقد كان زيناوي هو الميزان لضمان استمرار السياسات التصحيحية.

كما أعطت تلك الإجراءات غير المنضبطة دافعًا سلبيًّا خطيرًا للنخبة الحاكمة، بهدف زيادة فرص وصول جمهورية الصين الشعبية، وغيرها من المستثمرين الأجانب، إلى الموارد، وعلى رأسها أراضي جماعة عرقية كبيرة أخرى هي الأورومو (التي ينحدر منها آبي أحمد)، الذين بدأ قمعهم ومضايقتهم من خلال التوسيع الجامح للمجمعات والمناطق الصناعية الصينية، على حساب انتزاع الأراضي الزراعية التابعة لهم (في كثير من الأحيان دون تعويض)؛ لذلك أصبحت تصرفات المستثمرين الأجانب، ومعها تغاضي حكومة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين عنهم، أشبه بالحجر الأول والأكثر خطورة الذي إذا سقط من المنحدر سيتسبب في انهيار جليدي.

لقد تسبب ذلك في زعزعة الاستقرار بشكل حاد، واندلاع عصيان علني لشعب الأورومو، الذي كان مضطهدًا تاريخيًّا، أو بالأحرى دائمًا ما كان على هامش العملية السياسية، على الرغم من حجمه ومكانته في الأمة بوصفه جماعة عرقية أساسية (40٪ من مجموع سكان البلاد).

أدت احتجاجات أورومو الحاشدة، التي قوبلت بمحاولات القوات الحكومية إيقافها، وإعلان حالة الطوارئ، إلى تفاقم الوضع، وخروجه تمامًا عن سيطرة الحكومة، ما نتج عنه- بطبيعة الحال- أنه في فبراير (شباط) عام 2018 اضطر ديسالين وحكومته إلى تقديم استقالتهم.

في الواقع، وصل الوضع في إثيوبيا إلى مرحلة الأزمة التي خرجت عن نطاق السيطرة، والتي تهدد بالتفكك الكامل للبلاد، ثم بدأ كثيرون يشبهون الواقع بأنه نهاية لإثيوبيا الفيدرالية، تماما كما تفكك الاتحاد السوڤيتي. يحتاج إتمام ذلك إلى رجل عنيد، يعود بالمركزية إلى البداية، يحكم ما تبقى تحت يده!

بعث تسلم آبي أحمد مقاليد الحكم، في البداية، آمالًا كبيرة في تحقيق استقرار قريب، حيث كان سياسيًّا وعرقيًّا (أول زعيم في تاريخ البلاد ينتمي إلى شعب الأورومو، وبروتستانتي يتبع الكنيسة الخمسينية)، شخصية شبه مثالية في نظر المهمشين، وفي تصوّر الجماعات العالمية التي تود تكسير ألق الماضي، عبر تعظيم فرص بيع المستقبل، تواردت الرهانات التي تأمل أن تؤدي شخصية آبي أحمد المركبة بالبلاد إلى خارج المأزق.

في البداية، كان الأمر كذلك، ولكن، لسوء الحظ، على خلفية زعزعة استقرار الوضع السياسي الداخلي التي بدأت بالفعل، اتخذت السلطات عددًا من التدابير التي لم تكن محسوبة بشكل كافٍ، ولم تكن جيدة الإعداد، والمقصود هنا تلك المحاولات السريعة والواسعة النطاق التي هدفت إلى الإرساء السريع لليبرالية والمركزية في إثيوبيا. يعلّق المراقبون أن تلك الإجراءات لم يفهمها عدد كبير من الجماعات العرقية في إثيوبيا، ولكن الأهم أنهم لم يدعموها، وقد رأوا في المركزية عودة جديدة لمركزية الأمهرا!

وجه رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد- دون أن يجد حلًا للمشكلات الداخلية- جهوده إلى السياسة الخارجية، حيث تمكن من تحقيق عدة انتصارات كبيرة.

على وجه الخصوص، وقّع معاهدة سلام مع إريتريا، برعاية عربيّة، فحصل على إثرها على جائزة نوبل، على أمل أن تسهم في استقرار البحر الأحمر، وازدهار المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مساره المعلن نحو تحرير الاقتصاد وإخراجه عن سيطرة الدولة بهدف مواكبة الاتجاه نحو الخصخصة، اجتذب استثمارات أجنبية كبيرة في الاقتصاد الإثيوبي الضعيف.

منطقيًّا، كان من المفترض أن تحظى هذه الإجراءات بالدعم من داخل إثيوبيا، لكنها أثارت ردود فعل عكسية غير متوقعة. اتخذ ممثلو النخبة السياسية “القديمة”، وعلى رأسهم زعماء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، موقفًا معارضًا عنيفًا تحول بعد ذلك إلى معارضة متعنتة ضد أعمال رئيس الوزراء الجديد.

نُفِّذت عملية عسكرية ضد قوات المعارضة في إقليم تيغراي؛ ونتيجة لذلك اندلعت في الوقت الحالي أزمة إنسانية في المحافظة الشمالية لم تتم السيطرة عليها بعد، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة. قد يكون لإضعاف موقف الحزب الحاكم نتيجة أخرى خطيرة لا يمكن التنبؤ بها بدقة، وهي انهيار نظام الضوابط على اتجاهات الطرد المركزية، الذي كانت تتبعه السلطات السابقة من خلال الهيكل المركزي والمنظم للحزب الحاكم- المتمثل في الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية- الذي كان يعد نظامًا متينًا للضوابط والموازين. إن الانهيار الكامل لهذا النظام، إذا لم تُتَّخذ تدابير عاجلة وفعالة لاستبداله، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة إلى درجة قد تشكل تهديدًا لسلامة إثيوبيا الإقليمية.

لا يمكن إهمال الاصطفافات الدوليّة، في ظلّ المواجهة الصينية الأمريكية المربكة، التي يحاول القادة إقحامها في صراعاتهم.

شهدت المنطقة، في العقود الأخيرة، انفصال دولٍ من السودان، وإثيوبيا، والصومال، على أسس عرقية ودينية، وأهملت الجوانب الجيوسياسية. وفي هذه البيئة الهشّة، والملأى بالمكائد، يستطيع المؤدلجون دينيًّا تقديم خطابهم بشكلٍ لا يقاوم، فتبث المنصات المؤدلجة الآن خطابات تطالب العفر (القسم الإثيوبي من المثلث العفري)، بوصفهم المسلمين، بفسح المجال أمام التيغراي، للوصول لقطع الطريق المؤدي إلى جيبوتي، وخنق أديس أبابا، وأخرى تتحدّث عن استعداد حركات إرهابية في الجنوب لاتخاذ خطوات انتقامية ردًا على سياسات إثيوبيا ضد المحاكم الإسلامية في الصومال.

يشكل هذا التطور السلبي للوضع في إثيوبيا تهديدًا خطيرًا يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع بشكل كامل، ليس فقط في منطقة القرن الإفريقي بكاملها، ولكن أيضًا خارج حدودها.

إن المستفيد الرئيسي، وربما الوحيد من هذا السيناريو، هو المنظمات الإسلاموية المتشددة، وعلى رأسهم “الإخوان المسلمون”، الذين يعملون الآن بنشاط على تعزيز مواقعهم في المنطقة الصومالية مجددًا، وفي المناطق الحدودية مع كينيا، بالتعاون مع المتطرفين في منطقة الساحل والصحراء، وإفريقيا الجنوبية (موزمبيق)، ولديهم حليف إقليمي قوي يتنامى نفوذه في المنطقة، وفي إفريقيا كلها، وهو تركيا بطموحاتها التوسعية.

إن مزيدًا من التطور للأزمة السياسية الداخلية في إثيوبيا في الاتجاه السلبي جدًّا الذي تم ذكره، لن يكون مواتيًا من الناحية الإستراتيجية لا للقيادة المصرية، ولا لحلفائها الإقليميين الذين خاضوا صراعًا طويل الأمد وناجحًا ضد الإسلامويين، وربما للسلطات الجديدة في السودان، التي غيّرت كذلك مؤخرًا سياساتها بعيدًا عن الإسلاميين؛ وعليه يمكن أن نفهم دوافع الموقف المعتدل لمحور الاستقرار العربي، الذي بدا للبعض في مصر والسودان محايدًا، والموقف الإريتري الراسخ والثابت.

أزمة نهر النيل والبحر الأحمر

من أهم العوامل التي تحدد مستقبل منطقة البحر الأحمر خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة، هو الانتهاء من بناء وملء خزان سد النهضة على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وهو نهر آباي (النيل الأزرق) في إثيوبيا.

وبالنظر إلى النطاق المحدود لهذه المقالة، دعونا نلخص جوهر المشكلة باختصار شديد. منذ عام 2011، تبني إثيوبيا أكبر منشأة هيدرولوجية صناعية في إفريقيا على النيل الأزرق؛ ألا وهو سد النهضة، الذي يبلغ حجمه 74 كم3، وهو ما يماثل تقريبًا حجم التدفق السنوي لمياه النيل (نحو 84 كم3)، ويزيد نحو مرة ونصف المرة على حجم مياه النيل التي تستقبلها مصر سنويًّا (55,5 كم3). تقترب عملية البناء من الانتهاء، وتخطط إثيوبيا لملء الخزان في غضون بضع سنوات فقط (في البداية كان الحديث يدور حول مدة تبلغ من سنتين إلى ثلاث سنوات، ولكن أديس أبابا أعلنت زيادة هذه الفترة إلى 6 أو 7 سنوات). تعاني اليوم مصر- التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة- بالفعل من مشكلات مياه. ستصبح مشكلة نقص الموارد المائية أكثر حدة في المستقبل، بسبب تغير المناخ، والنمو السكاني، وزيادة استهلاك المياه، بما في ذلك من أجل تلبية احتياجات الصناعة والزراعة.

وقد أعلنت أديس أبابا، دون انتظار الموافقة على خططها، بدء ملء الخزان، بغض النظر عن رأي مصر والسودان. في يوليو (تموز) 2020، أعلنت الانتهاء من المرحلة الأولى لملء السد، حيث استقبل الخزان أول 4,9 مليار متر مكعب من المياه.

أثار القرار الإثيوبي انتقادات شديدة في القاهرة، وإدانات من الدول العربية، ومناقشات ساخنة للقضية في مختلف المحافل الثنائية والدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أيًّا من الجانبين لم يتلق دعمًا واضحًا من القوى العظمى في العالم. دعا الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا إلى مواصلة المفاوضات، وحل القضية بالطرق الدبلوماسية، في حين أصبحت الولايات المتحدة نفسها إحدى منصات التفاوض، وحاولت التوفيق بين الأطراف المتصارعة، لكنها فشلت.

أما بالنسبة إلى الإجراءات المستقبلية للقيادة الإثيوبية، فيمكننا التنبؤ بدرجة عالية من الاحتمال بأن الجانب الإثيوبي قد يستمر في ملء السد، على الرغم من التصريحات الغاضبة لأطراف النزاع الأخرى. قد تكون هناك انحرافات طفيفة عن الجدول الزمني المعد لملء السد.

ببساطة، ليس للقيادة الإثيوبية أي خيار آخر؛ لأن السد بالفعل يعد أهم مشروع وطني بالنسبة إليها، ويتم تنفيذه على حساب الشعب الإثيوبي بكامله، وله هدف معلن هو توفير الكهرباء الرخيصة لجميع سكان البلاد، وكذلك تصديرها إلى دول أخرى مجاورة، مثل الصومال، وجيبوتي، وحتى السودان.

قد يتم وقف إطلاق السد فقط في حال حدوث حالة طارئة داخل إثيوبيا، مثل تفككها بالكامل، وهو ما يبدو غير مرجح في هذه المرحلة، أو هكذا نأمل.

ومع ذلك، حتى في حالة فرضية حدوث هذا السيناريو، فإن الضرر العسكري والسياسي الذي سيلحق بالمنطقة بكاملها، سيكون أشد من الضرر الذي سيلحق بالمنطقة بكاملها في حالة إطلاق السد.

ويعد هذا الأمر أحد أهم مخاوف روسيا والصين والولايات المتحدة، رغم تنافسها في منطقة القرن الإفريقي، لكنها متفقة على ضرورة الحفاظ على وحدة دوله، وعلى رأسها إثيوبيا، وخطورة أي نزاع مسلح، وعدم السماح للتيارات المتطرفة باستغلال أي فراغ قد ينشأ فيها يصعب- فيما بعد- السيطرة عليها، ولعل الصومال نموذج واضح لكارثية سيناريو كهذا، مع غموض مستقبل إريتريا ما بعد رجلها القوي أسياس أفورقي، الذي تعارضه جماعات إسلامية شرسة، بالإضافة إلى هشاشة الوضع الداخلي السوداني في ظل عملية انتقالية لم تنتهِ بعد، تميّزها مطالبات بلا مركزية تقود لتذكر نموذج انفصال دولة جنوب السودان.

 بعض الاستنتاجات والتوصيات

أولًا: وقبل كل شيء، يجب الحفاظ- بكل الطرق- على عملية التفاوض مع الإثيوبيين في قضية السد، وكذلك في قضية المصالحات الداخلية لمنع تفكك البلاد. ويجب تكثيف المشاركة فيها، سواء أكانت المفاوضات ثلاثية بخصوص السد (مصر، والسودان، وإثيوبيا) أم متعددة الأطراف في إطار تسويات أكبر لضمان أمن القرن الإفريقي.

وفيما يتعلق بالمفاوضات المتعددة الأطراف، وفقًا لتقديرات مراقبين خارجيين مستقلين، فإن موقف مصر من إشراك بلدان أخرى في التفاوض، خاصةً جماعات الضغط من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، يجب دعمه في الاتحاد الإفريقي، ومجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

إنّ الموقف الإثيوبي المتمثل في حل “المشكلات الإفريقية من خلال الأطراف الأفارقة فقط” أكثر شعبية، وذو فاعلية أكبر، خاصة أنه مهم للوحدة الإفريقية.

يمكن لمصر تعزيز مكانتها، على وجه التحديد كقائد إفريقي، وهو ما تحقق بنجاح، على سبيل المثال، في عام 2019، عندما كان الرئيس المصري السيسي رئيسًا للاتحاد الإفريقي، ونفّذ كثيرًا من المبادرات الإفريقية المهمة، بما في ذلك القمة الروسية الإفريقية التي عقدت للمرة الأولى في مدينة سوتشي الروسية، وحققت نجاحًا كبيرًا.

وفي السياق نفسه، من الضروري تعزيز الاتصالات والعمل مع كل من خبراء الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية الأخرى لحوض النيل. ومن المعروف عن الإثيوبيين أنهم- بسبب طابعهم القومي- مفاوضون صعاب جدًّا، ولكن مع ذلك، من الممكن، بل الضروري، إجراء المفاوضات معهم.

ثانيًا: إنّ العمل العسكري في القرن الإفريقي، هو مداواة جرح بجرح أكبر منه. ولا يمكن أن يحقق لأي فصيل أو دولة شيئًا سوى تعقيد الاحتقانات. صحيح أنّ الحروب الخارجية غير الضرورية في المنطقة تفيد الحكومات المتداعية في خلق حشد جماهيري، وتعزيز مركزية القيادات، ولكنّ هذا يجب ألا يجر بعض الأطراف في إثيوبيا إلى تكثيف استفزاز جيرانهم، لإنقاذها من أزمتها الداخلية.

إنّ السياسة الحمولة الجيوسياسية للمنطقة، تستوجب التعاون، وتتيحه، ولا يمكن لمصر تحمّل نقص مواردها المالية، ولا يمكن لإثيوبيا البقاء بدون منفذ آمن على البحر الأحمر، فكيف يمكن أن يتم ذلك؟ لا أحد يدري، ولكن الحوار المفتوح كفيل بالتوصل إلى جواب.

ثالثًا: التحالفات الدولية ضرورية، ولكنها هشة، وقد شكّل تبدل الرؤية الأمريكية لتدبير موازين القوى الدولية، بعد وصول جو بايدن إلى السلطة، مفاجأة في سرعته، فسياسة التخلي والابتعاد، وتسويق نمط عاجز من الحريات، والتركيز على الصين، كلها تسببت في زيادة المساحة لمزيد من الصراعات، ومنحت إحساسًا بأن الفراغ يملؤه لاعبون محليون يتحالفون مع قوى خارجية جديدة. نعم، لقد قدّر تقرير أمريكي، في آخر 2020، أن “فشل التحولات في إثيوبيا والسودان، سيؤدي إلى تفاقم وتوسيع تداعيات الضغوطات التي تواجه بالفعل أنظمة الشرق الأوسط، وشرق وشمال إفريقيا، من ليبيا، إلى بلاد الشام، إلى اليمن، وأن أعداء الولايات المتحدة، مثل إيران وروسيا، على استعداد لاستغلال هذه الثغرات كما فعلوا في أماكن أخرى”.

ولكن حينما ننظر إلى انهيار الدولة في قبضة طالبان في أفغانستان، ندرك أنّ أحدًا لا يعبأ بآلام المساكين.

رابعًا: علينا الحذر من الإفراط في التشاؤم، والابتعاد عن شهوة رسم دوائر صغيرة، تبسط الصراع، وتجنّب تحويل النقاش بشأن طبيعة الحكم ومساوئ الفيدرالية الجزئية والمركزية القابضة، إلى سجال فوضوي يقوّض فكرة الدولة الحديثة. وما يخشى منه أن يؤدي تفكك فكرة الدولة، في ظل استمرار الصراعات، إلى زعزعة المنطقة، وتثوير نماذج متطرفة، وتشجيعها على استعادة تصوراتها الأسطورية، بشكلٍ يشبه الحالة الداعشية التي بنيت في الموصل إثر انهيار الحكومة المركزية. هذا الحذر والمنع، يتمّ بإعادة التفكير في وقف سلسلة وراثة المظالم التاريخية للمهمشين على مسار طويل، والانتباه لحقيقة “علينا أن نوقف التهميش الراهن”.

خامسًا: إنّ تاريخ التلاقي بين دول المنطقة والجزيرة العربية مذهل. والملحوظات المتكررة تثبت أنّ مصر كانت حليفة جيدة لإثيوبيا؛ لضمان عدم وقوع البحر الأحمر في يد القراصنة، والإرهابيين.

فى نهاية المراجعة، دعونا نطرح بعض الأفكار بشأن موقف روسيا، وما يمكن أن تفعله في الوضع الحالي.

أولًا: يمكنها القيام بمهام حفظ السلام، والعمل وسيطًا محايدًا، أي استكمال المسار الذي حدده الرئيس پوتين خلال منتدى روسيا- إفريقيا في سوتشي عام 2019، والذي استمر الالتزام به بنجاح في يونيو (حزيران) 2020 في أثناء تفاقم الوضع بين البلدين. في الوقت نفسه، ستسعى روسيا جاهدة إلى تطوير التعاون الاقتصادي والعسكري مع كلتا القوتين، والمساهمة- بشكل كامل- في إطار تعزيز الأمن الإقليمي، لا سيما في ضوء خطر انتشار نفوذ الإرهاب الدولي والتطرف في تلك المنطقة. من الواضح لنا أن مزيدًا من زعزعة الاستقرار في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى هروب الاستثمارات من مصر وإثيوبيا، وتجميد عدد من المشروعات، بما في ذلك تلك التي تنفذها الشركات الروسية.

وأخيرًا، فإن روسيا عازمة على تطوير التعاون الاقتصادي مع مصر، التي تعدها حليفًا إستراتيجيا وشريكًا لها في المنطقة. وفي الوقت نفسه، يجب على الجانب المصري أن يولي اهتمامًا خاصًا لدعم أهم المشروعات الروسية المقامة في مصر، التي تتمثل اليوم في إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية بمشاركة شركة “روس آتوم” الحكومية، وتطوير المنطقة الصناعية الروسية (RIZ) في شرق التفريعة ببورسعيد، وعدم السماح بتعطل تنفيذها استجابةً للضغوط السياسية الغربية. كما أن اتخاذ مصر خطوات جادة في إنهاء المفاوضات مع الجانب الروسي بشأن الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي، سيعزز من أهمية مصر ومكانتها لدى روسيا، بوصفها المنفذ التجاري لها في العالم العربي وإفريقيا، حيث يحتاج الجانب الروسي أن يشعر بجدية مصرية حقيقية في التعاون معه، وأن التعاون غير مبني على مناورة لتخفيف الضغوط الغربية. كذلك من المهم تفهم أن أي تعاون عسكري روسي إثيوبي، بالتأكيد ليس موجهًا إلى مصر، أو أنه يمثل دعمًا لإثيوبيا على حساب القاهرة؛ بل لمواجهة أخطار مشتركة تتمثل في مواجهة الجماعات المتطرفة في المقام الأول.

وفي الختام، فإنّ ما يجري يعكس تحوّلات كبرى يجب الانتباه لها، فهي تؤثر في المنطقة كلها تأثيرًا لا يستطيع أحد أن يتخيّل آماده، وفي أي لحظة قد ينفجر برميل البارود، ويبدأ عصر اللادولة، الذي لا يستفيد منه إلا الإرهابيون المتأهبون لكل فوضى.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى