دراسات أمريكا الشمالية و اللاتينيةدراسات سياسية

ما تداعيات التغطية الإعلامية السلبية على مستقبل الرئيس الأمريكي؟

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

اشتكى الرئيس الأمريكي جو بايدن مما وصفها بـ”التغطية السلبية” لوسائل الإعلام عنه وعن إدارته وسياساتها الداخلية والخارجية رغم جهودها المضنية للتعامل مع التحديات الداخلية المتعددة، التي يتقدمها تزايد حوادث إطلاق النار الجماعي، وتفشي فيروس كورونا، ونقص لبن الأطفال، وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم غير المسبوقة، فضلاً عن استمرار الحرب الأوكرانية التي أحدثت أضراراً بسلاسل التوريد. ومع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وتراجُع شعبية الرئيس بين الناخبين الأمريكيين، تبرز تساؤلات حول تأثيرات تلك التغطية السلبية على فرص الديمقراطيين في انتخابات نوفمبر المقبل، والحفاظ على أغلبيتهم في مجلسي النواب والشيوخ.

مُحفزات التوتر

كان الرئيس بايدن قبل توليه المنصب رسمياً حريصاً على التواصل مع كُتاب الرأي والأعمدة في كبرى الصحف الأمريكية، ولكن بعد دخوله البيت الأبيض تصاعدت حدة الاتهامات العلنية بين الرئيس الأمريكي ووسائل الإعلام، كما وصفت بعضها البلاد في عهد بايدن بأنها تشبه “السفينة الغارقة”؛ وذلك لعدة أسباب كما يأتي:

1– خلل في أداء موظفي البيت الأبيض: يرجع بايدن أحد أسباب التغطية الإعلامية السلبية له وللإدارة الأمريكية إلى أداء موظفيه؛ حيث رصدت بعض التقارير غضب الرئيس من موظفيه؛ بسبب التراجع المستمر عن تصريحاته العلنية؛ لأنه يخشى أن ذلك يجعله يبدو ضعيفاً، كما أبدى انزعاجه من موظفيه لتأخرهم في إخباره بأزمة نقص لبن الأطفال، قائلاً: “لا أعلم ماذا حدث، فجأة الجميع يتحدث عن نقص حليب الأطفال”. كذلك أخبر مساعديه مراراً أنه لا يعتقد أن هناك عدداً كافياً من الديمقراطيين يظهرون على وسائل الإعلام للدفاع عنه.

لذلك كشفت بعض التقارير أن بايدن يعتزم إجراء تعديلات على طاقم العمل في البيت الأبيض، منها الإطاحة برئيس الموظفين رون كلاين، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والاستعانة بأنيتا دن مستشارة البيت الأبيض وإحدى المقربات من بايدن. ومن البدائل المحتملة الأخرى ستيف ريتشيتي مساعد بايدن منذ فترة طويلة ومستشاره، وسوزان رايس رئيسة السياسة الداخلية.

2– افتقار التواصل مع وسائل الإعلام: رصدت بعض الدراسات قلة إجراء بايدن المقابلات الصحيفة مع وسائل الإعلام الأمريكية منذ توليه السلطة رسمياً، أما الرئيس الأسبق باراك أوباما، فكان يتواصل مع الصحف ووسائل الإعلام على نحو فردي أثناء رئاسته، وهو ما أشار إليه مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في البيت الأبيض بيتر بيكر، الذي قال “إنه الرئيس الخامس (بايدن) الذي غطيت أخباره والأول الذي لم أقابله”. واستنكر بيكر هذا الأمر قائلاً: “الرئيس يتحدث عن الدفاع عن الديمقراطية وهذا جزء من الديمقراطية أيضاً: الإجابة على أسئلة من أشخاص ليسوا في صفه”، لكن من جانبه يرفض البيت الأبيض هذه الانتقادات، مؤكداً أن الرئيس غالباً ما يستجيب عفوياً للأسئلة، ويستخدم مقالات الرأي لتحديد جدول أعماله.

3– انتقاد بايدن وسائل الإعلام: يُجادل بايدن وأعضاء إدارته بأنهم يتلقون تغطية أسوأ من الرئيس السابق دونالد ترامب، واتهم بعض المسؤولين وسائل الإعلام بأنها يعملون “متعاونين على قتل الديمقراطية”. فقد وجدت دراسة أجراها مركز “بيو” للأبحاث بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسة بايدن، أن التغطية الإخبارية للأيام الأولى للرئيس في منصبه كانت سلبيتها أكبر من إيجابيتها؛ حيث وجدت الدراسة أن 32% من الأخبار المتعلقة بإدارة بايدن كان لها تقييم سلبي، في حين أن 23% كانت إيجابية، و45% لم تكن إيجابية ولا سلبية. وفي المقابل كانت تغطية وسائل الإعلام للرئيس السابق دونالد ترامب، سلبيةً بدرجة أكبر. ووفقاً لبيانات مركز “بيو”، كانت 44% من أخبار تغطية ترامب سلبية، مقابل 11% كانت إيجابية، وكانت 45% من الأخبار الواردة حول ترامب في أوائل عام 2017 لا إيجابية ولا سلبية.

4– التركيز على إخفاقات إدارة بايدن: ترى الإدارة أن وسائل الإعلام الأمريكية تسلط الضوء على إخفاقات بايدن وإدارته، والتشكيك في إنجازات الإدارة التي يروج لها بايدن من خلال التغريدات على حسابه بموقع تويتر، أو بإرسال البيت الأبيض قائمة بإنجازات الإدارة إلى المراسلين عبر البريد الإلكتروني؛ إذ يذكر الرئيس أنه على الرغم من ارتفاع معدلات توزيع اللقاحات، وإعادة فتح المدارس وتمرير مشروع قانون البنية التحتية (الذي يعد أبرز نجاحات إدارة بايدن)، ومكافحة البطالة التي وصلت أعدادها إلى مليونين فقط نزولاً من 18 مليون عاطل؛ فإن وسائل الإعلام تغفل تلك الإنجازات، وفي المقابل تسلط الضوء على مستويات التضخم العالية، وسلاسل التوريد المضطربة، والإخفاق في حماية حقوق التصويت، وإلغاء ديون قروض الطلاب، وسياسات الهجرة وقبول المهاجرين.

ويجادل بايدن أنه على الرغم من إشارة نتائج استطلاعات الرأي إلى تأييد الناخبين الأمريكيين بنسب كبيرة استجابة الإدارة لوباء كورونا، فإن وسائل الإعلام تركز على حالة من الغضب تجاه التراجع الاقتصادي وارتفاع الأسعار؛ لذلك علق البيت الأبيض بقوله إن بايدن اتخذ إجراءات لمعالجة معوقات سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار، بما في ذلك الإفراج التاريخي عن احتياطي النفط الاستراتيجي.

ارتدادات محورية

لا شك أن التغطية الإعلامية لإدارة بايدن سيكون لها العديد من التداعيات السلبية، التي يحاول بايدن وإدارته تجنبها، ويمكن رصد أبرزها على النحو الآتي:

1– انخفاض شعبية الرئيس “بايدن” بين الأمريكيين: يتهم بايدن التغطية الإعلامية بأنها سبب في انخفاض معدلات تأييده بين الناخبين؛ حيث وصلت إلى أقل من 40% في عدد من استطلاعات الرأي الأخيرة، بما في ذلك استطلاعات لوكالة رويترز وإيبسوس ومورنينج كونسلت، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما أثار سخطه. فعلى سبيل المثال، أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته USA TODAY–Suffolk، في الفترة من 12 إلى 15 يونيو الجاري، أن نسبة تأييد الرئيس الأمريكي قد انخفضت إلى 39% وسط تسليط وسائل الإعلام على ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الغاز، كما أظهر الاستطلاع أن 47% من الأمريكيين يعارضون بشدة أداء بايدن رئيساً، بعدما كانت تلك النسبة 44% في استطلاع فبراير الفائت، كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن 16% فقط من الناخبين يوافقون بقوة على أدائه الوظيفي. وقال 71% من الأمريكيين إن الولايات المتحدة تسير في المسار الخطأ، ويعتقد 16% فقط أنها تسير في الاتجاه الصحيح. وقد علَّق بايدن، في مقابلة نادرة مع وكالة أسوشيتيد برس، قائلاً: “الناس مُحبَطون حقاً؛ لأنهم رأوا كل شيء مُحبِطاً”.

2– التأثير على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس: يواجه الديمقراطيون الآن بيئة انتخابية غير مواتية تتزامن مع التحديات التي يواجهها بايدن مع اقتراب الانتخابات المقررة في نوفمبر القادم، التي يستهدف فيها الجمهوريون استعادة السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، ومن ثم تسهيل استعادتهم البيت الأبيض في نوفمبر 2024؛ إما بعودة ترامب مرة أخرى، أو أحد قادة الحزب.

3– ترويج الحزب الجمهوري لأجندته السياسية: يخشى الرئيس من أن يستغل الجمهوريون التغطية السلبية لوسائل الإعلام للرئيس والإدارة وإنجازاتها في الترويج لأجندتهم على حساب أجندات الديمقراطيين، وهو ما يُمثل “كابوساً سياسياً” وفقاً للديمقراطيين. وقد تجلَّى ذلك في نتائج استطلاع للرأي أظهرت ثقة الناخبين بالمشرعين الجمهوريين للتعامل مع الاقتصاد أكثر من المشرعين الديمقراطيين. وقد جاءت نتائج الانتخابات التمهيدية الحالية لتؤكد مخاوف الرئيس والديمقراطيين مع تحقيق أنصار ترامب انتصارات كاسحة في الولايات الرئيسية؛ لذلك يشعر الجمهوريون الآن بثقة أكبر بقدرتهم على تغيير التركيبة الديمقراطية للكونجرس في نوفمبر المقبل.

4– استمرار أزمة الثقة مع الإعلام الأمريكي: أفادت تقارير إعلامية بأن الرئيس بايدن وعائلته أصيبوا بالإحباط من التغطية الصحفية السلبية له، ويعتقدون أن إنجازاته في سوق العمل والانتعاش الاقتصادي تستحق المزيد من الثناء في وسائل الإعلام الأمريكية. وفي ظل استمرار التوتر بين إدارة بايدن وبعض وسائل الإعلام، فمن المرجح أن تستمر أزمة الثقة القائمة بين الطرفين في المدى المنظور.

تحرك استباقي

إجمالاً لما سبق، يمكن إرجاع تصاعد نبرة استياء بايدن من الإعلام الآن إلى عنصر التوقيت؛ فقد تعددت وتراكمت التحديات التي تواجه الرئيس وإدارته في التوقيت الذي يسعى فيه الديمقراطيون إلى الحفاظ على الأغلبية في الكونجرس بل زيادتها؛ حتى يتمكنوا من تمرير التشريعات بيسر. ومن ثم فإن لعب الإعلام بورقة تصدير الإخفاقات وتسليط الضوء عليها سيؤدي، لا محالة، إلى تغير المزاج الأمريكي الحالي من الديمقراطي إلى جمهوري، وهو سيناريو يحاول الحزب الديمقراطي تفاديه بكل ما أوتي من قوة، وإدراكاً منهم بأهمية دور الإعلام في تشكيل المزاج الانتخابي، يبادر بايدن والبيت الأبيض من آن إلى آخر إلى تصدير شكواهم من التغطية الإعلامية واتهامها بأنها موجهة، أملاً في تفادي التداعيات السلبية المحتملة كاستراتيجية استباقية.

المصدر إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى