دراسات سياسيةدراسات قانونية

مبدأ الفصل بين السلطات في دستور دولة الإمارات العربية المتحدة

مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 1، المجلد 9، العدد ( 8 ) اکتوبر 2020، الخريف 2020، الصفحة 135-157

من اعداد علي الطنيجي* – مدير معهد تدريب الشرطة – القيادة العامة لشرطة الفجيرة – وزارة الداخلية – دولة الإمارات العربية المتحدة.

الملخص
حددت المادة (45) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة السلطات الاتحادية في خمس سلطات، هي: المجلس الأعلى للاتحاد – رئيس الاتحاد ونائبه – مجلس وزراء الاتحاد – المجلس الوطني الاتحادي – القضاء الاتحادي.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يتم تحديد السلطات العامة في الدولة وفقًا لوظائف الدولة الأساسية، بحيث تضطلع کل سلطة بوظيفة معينة تطبيقًا لمبدأ “الفصل بين السلطات”، فهناک السلطة التي تقوم بوظيفة التشريع وتُسمى “السلطة التشريعية”، أما السلطة التي تقوم بالوظائف التنفيذية فتُسمى “السلطة التنفيذية”، بينما تُسمى السلطة التي تقوم بالوظائف القضائية “بالسلطة القضائية”.
وعلى الرغم من أهمية مبدأ الفصل بين السلطات إلا أن الدستور الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة لم ينص في أي مادة من مواده صراحًة أو بشکل ضمني على مبدأ الفصل بين السلطات، ولعل ما يبرر ذلک هو التوجه العام في الدستور الإماراتي نحو ترجيح کفة السلطة التنفيذية على غيرها من السلطات الأخرى.

المقدمة

أولاً: موضوع الدراسة:

لقد ابتکر الفلاسفة القدماء فکرة توزیع سلطات الدولة على ثلاث سلطات هی: السلطة التشریعیة، والسلطة التنفیذیة، والسلطة القضائیة، وتبعًا لذلک تقسم وظائف الحکم فی الدولة، والفصل فیما بینها وعدم ترکیزها فی ید واحدة، وهو ما یسمى بمبدأ الفصل بین السلطات؛ لأن تجمیع السلطات فی ید حاکم واحد بحیث یصیر هو المشرع والقاضی والمنفذ فی وقت واحد یؤدی إلى الاستبداد والفساد، وانعدام الحریة، وإهدار حقوق الأفراد، وطمس حریاتهم العامة(1).

ویقصد بمبدأ الفصل بین السلطات فی أبسط معانیه، بأن الدولة یوجد بها ثلاث سلطات، وتکون السلطة موزعة على هذه الهیئات، حیث تتولى کل هیئة مباشرة وظیفتها المؤهلة لها بحسب طبیعتها، فتختص السلطة التشریعیة بسن ووضع التشریعات والتی تتصف بالعمومیة والتجرید، وتعد العمود الفقری للدولة، وتختص السلطة التنفیذیة بتنفیذ القوانین وإدارة وتسییر شئون مرافق الدولة، وهی أکثر السلطات الثلاث اتصالاً بالجماهیر، وأکثرها عددًا کذلک، ومن ثم فهی أکثر السلطات میلاً لإساءة استعمال السلطة(2).

بینما تختص السلطة القضائیة بالفصل فی المنازعات والدعاوى القضائیة، واستقلال السلطة القضائیة یعد ضمانة جوهریة بحسبانها الحارس الحقیقی على حریات وحقوق الأفراد، ومن ثم فإذا ما استجمع الحاکم فی قبضة یده سلطتین أو أکثر، أی السلطات الثلاث بحیث صار هو المشرع والقاضی والمنفذ أو حاز اثنتین منها، انعدمت الحریة وصار الظلم قائمًا على العباد، واستشرى الفساد والاستبداد فی سائر أرکان البلاد.

وفی دولة الإمارات العربیة المتحدة یتم تحدید السلطات العامة فی الدولة وفقًا لوظائف الدولة الأساسیة، بحیث تضطلع کل سلطة بوظیفة معینة تطبیقًا لمبدأ “الفصل بین السلطات”، فهناک السلطة التی تقوم بوظیفة التشریع وتُسمى “السلطة التشریعیة”، أما السلطة التی تقوم بالوظائف التنفیذیة فتُسمى “السلطة التنفیذیة”، بینما تُسمى السلطة التی تقوم بالوظائف القضائیة “بالسلطة القضائیة”.

وقد حددت المادة (45) من دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة السلطات الاتحادیة فی خمس سلطات، هی: المجلس الأعلى للاتحاد- رئیس الاتحاد ونائبه- مجلس وزراء الاتحاد- المجلس الوطنی الاتحادی- القضاء الاتحادی.

ومن هنا یأتی موضوع الدراسة فی هذا البحث، والذی یدور حول مبدأ الفصل بین السلطات فی دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة.

ثانیًا: تساؤلات الدراسة:

تدور الدراسة حول تساؤلاً رئیسیًا مؤداه ماهیة مبدأ الفصل بین السلطات فی دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة؟، ویتفرع عن هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعیة، یمکن إجمالها على النحو التالی:

1)   ما هو التعریف الأمثل لمبدأ الفصل بین السلطات؟.

2)   ما هو التطور التاریخی لمبدأ الفصل بین السلطات فی دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة؟.

3)   ما هو مدى فعالیة دستور دولة الإمارات فی تطبیق مبدأ الفصل بین السلطات؟.

4)   ماهیة نشأة دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة؟.

5)   ما هی الخصائص التی تمیز بها دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة؟.

6)   ما هو موقف الدستور الإماراتی من مبدأ الفصل بین السلطات؟.

ثالثًا: منهج الدراسة:

یستخدم الباحث المنهج الوصفی التحلیلی من خلال الاطلاع على الدستور الإماراتی، والتوصل إلى مدى فعالیة دستور دولة الإمارات فی النص على مبدأ الفصل بین السلطات.

رابعًا: تقسیمات الدراسة:

تأسیسًا على ما سبق سیتم تقسیم الدراسة إلى مبحثین، وخاتمة تشتمل على أهم النتائج والتوصیات، وذلک على النحو التالی:

  • §   المبحث الأول: مبدأ الفصل بین السلطات بین التنظیر والتطبیق
  • المطلب الأول: تعریف مبدأ الفصل بین السلطات
  • المطلب الثانی: موقف الدول العربیة والغربیة من مبدأ الفصل بین السلطات
  • §   المبحث الثانی: موقف دستور دولة الإمارات من مبدأ الفصل بین السلطات
  • المطلب الأول: نشأة الدستور الإماراتی وخصائصه
  • المطلب الثانی: مدى فعالیة نصوص الدستور الإماراتی تجاه مبدأ الفصل بین السلطات
  • §   الخاتمة:
  • أولاً: النتائج
  • ثانیًا: التوصیات
  • §   قائمة المراجع

المبحث الأول

مبدأ الفصل بین السلطات بین التنظیر والتطبیق

یتناول الباحث فی هذا المبحث مبدأ الفصل بین السلطات بین التنظیر والتطبیق(3)، وذلک من خلال تقسیمه إلى مطلبین، وذلک على النحو التالی:

  • ·   المطلب الأول: تعریف مبدأ الفصل بین السلطات
  • ·    المطلب الثانی: موقف الدول العربیة والغربیة من مبدأ الفصل بین السلطات

 

المطلب الأول

تعریف مبدأ الفصل بین السلطات

فی البدایة تجدر الإشارة إلى أن الفصل لغة یعنی التفریق ما بین الشیئین، ویقال الفصل هو الحاجز بین الشیئین، فصل بینهما فصلاً فانفصل، وفصلت الشیء فانفصل، أی قطعه فانقطع(4)، وقد قال تعالى فی کتابه العزیز [لأَیِّ یَوْمٍ أُجِّلَتْ . لِیَوْمِ الفصل . وَمَآ أَدْرَاکَ مَا یَوْمُ الفصل]”(5)، وفى تفسیر هذه الآیات تم توضیح أن یوم الفصل هو یوم التمییز بین المحسن والمسیء أو الفصل بینهما، بحیث یجاز کل بعمله، ویوم الفصل هو یوم القیامة.

وأما اصطلاحًا، فلقد تعددت التعاریف التی قیلت بشأن الفصل بین السلطات، فذهب البعض إلى أن الفصل بین السلطات یعنی “توزیع سلطات الدولة على هیئات منفصلة تستقل کل منها عن الاخرى فی مباشرة وظیفتها، بحیث یکون فی الدولة ثلاث سلطات متمثلة فی السلطة التشریعیة، والسلطة التنفیذیة، والسلطة القضائیة، وکل منها تقوم بوظیفتها باستقلال عن الأخرى”(6).

کما عُرف أیضًا بأنه: “مبدأ أساسی لتنظیم السلطات العامة فی الدولة ومنع الاستبداد بالسلطة”(7)، ومن خلال هذا التعریف؛ یرى الباحث أن هذا التعریف رکز على الهدف الأساسی من مبدأ الفصل بین السلطات، وهو منع الاستبداد بالسلطة، کما یُفهم منه أیضًا أن مفهوم الفصل یهدف إلى تنظیم العلاقة بین السلطات العامة فی الدول، ولیس الفصل التام بینها، بحیث لا تتعدى سلطة على سلطة أخرى، وتستبد بالحکم فتسیء سلطتها، استبدادًا ینتهک حقوق الأفراد وحریاتهم(8).

کما یعرف أیضًا بأنه: “إسناد خصائص السیادة التی یختلف بعضها عن بعض إلى أفراد أو هیئات مختلفة ومستقلة بعضها عن بعض کذلک”(9)، ویتضح من خلال هذا التعریف أن مبدأ فصل السلطات یتأسس على دعامتین: تقسیم “خصائص السیادة”؛ أی تقسیم وظائف الدولة إلى أکثر من وظیفة، وهی المعروفة الیوم بالسلطات الثلاث، وأیضًا عدم إسناد هذه الوظائف إلى جهة واحدة(10).

فی حین تم تعریفه بأنه “توزیع العمل الحکومی بین جهات ثلاث أخذًا بقاعدة التخصص الوظیفی ومؤداها أن تکون کل جهة متخصصة فی أعمال وظیفة معینة (تشریعیة، أو تنفیذیة، أو قضائیة)، على أن تستقل کل من هذه الهیئات الثلاث فی ممارستها لأعمال وظیفتها عن الجهتین الأخریین بحیث لا تخضع فیه لتدخل أی منهما فی أعمالها واختصاصاتها”(11).

ویرى الباحث أنه أیًا کانت التعاریف التی قیلت بشأن الفصل بین السلطات، فإنه یمکن التأکید على حقیقة هامة تتمثل فی أن مقتضیات الحیاة العملیة تستلزم وجود تعاون بین السلطات فیما بینها، حیث یمکن تشبیه السلطات بأنها تروس فی آلة واحده هی الدولة؛ فعلى سبیل المثال تحتاج السلطة التشریعیة لمعاونة السلطة التنفیذیة لوضع التشریعات اللازمة لمواجهة الحاجات الاجتماعیة، کما تؤدى الضرورات الاجتماعیة إلى قیام السلطة التشریعیة ببعض الأعمال من طبیعة تنفیذیة “کعقد القرض”، فی مقابل أن السلطة التنفیذیة قد تقوم بأعمال ذات طبیعة تشریعیة کإصدار اللوائح(12).

المطلب الثانی: موقف الدول العربیة والغربیة من مبدأ الفصل بین السلطات

یتناول الباحث فی هذا المطلب موقف الأنظمة السیاسیة -سواء العربیة أو الغربیة- من مبدأ الفصل بین السلطات وذلک على النحو التالی:

أولاً: موقف الدول العربیة من مبدأ الفصل بین السلطات:

یشیر الباحث هنا إلى موقف بعض الدول العربیة من مبدأ الفصل بین السلطات، وذلک على النحو التالی:

  1. الدولة المصریة:

فی البدایة تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن مصر الحدیثة عرفت النظام الدستوری منذ مطلع القرن التاسع عشر حیث صدرت اللائحة التأسیسیة فی 7 فبرایر 1882، إلا أن الدستور المصری الصادر عام 1971م یُعد وفقًا لأغلب المشرعین بأنه الدستور الأول ویرجع ذلک لطول مدته ومتانة مواده.

وفیما یتعلق بمبدأ الفصل بین السلطات؛ فلم تنص أی مادة من مواده علی الأخذ بمبدأ الفصل بین السلطات، إلا إنه ذُکر علی استحیاء فی نص المادة (73) من ذات الدستور بوظیفة رئیس الدولة فی مراعاة الفصل بین السلطات “رئیس الدولة هو رئیس الجمهوریة، ویسهر علی تأکید سیادة الشعب، وعلی احترام الدستور، وسیادة القانون، وحمایة الوحدة الوطنیة، والعدالة الاجتماعیة، ویرعی الحدود بین السلطات لضمان تأدیة دورها فی العمل الوطنی”(13).

ومن ثم فإن وظیفة رئیس الدولة تتمثل فی رعایة الحدود الفاصلة بین السلطات، ولکن کان یحیط بها هالة من الشک والریبة، حیث أنه لا یرعى الحدود بین السلطات، ولکنه یجمع بین السلطات، حیث یجمع الرئیس بین منصبه ورئاسة حزب الاغلبیة البرلمانیة، کما أنه على رأس السلطة التنفیذیة(14).

وعندما جاء دستور 2012م عمد على النص على مبدأ الفصل بین السلطات صراحًة فی المادة (6) حیث نصت على ” یقوم النظام السیاسی على مبادئ الدیمقراطیة والشورى، والمواطنة التی تسوى بین جمیع المواطنین فی الحقوق والواجبات العامة، والتعددیة السیاسیة والحزبیة، والتداول السلمی للسلطة، والفصل بین السلطات والتوازن بینها، وسیادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحریاته؛ وذلک کله على النحو المبین فی الدستور، ولا یجوز قیام حزب سیاسی على أساس التفرقة بین المواطنین؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدین”(15).

إلا إنه فی المادة (132) نص على أن “رئیس الجمهوریة هو رئیس الدولة، ورئیس السلطة التنفیذیة؛ یرعى مصالح الشعب، ویحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضیه، ویراعى الحدود بین السلطات، ویباشر اختصاصاته على النحو المبین فی الدستور”(16)، وهو بذلک یعید ما أُخذ على دستور 1971 فیما یتعلق بوظیفة الرئیس فی مراعاة الحدود بین السلطات، کما إنه یمثل تعارضًا مع مضمون نص المادة (6).

وأما دستور 2014 فقد نص فی المادة (5) على أن “یقوم النظام السیاسی على أساس التعددیة السیاسیة والحزبیة، والتداول السلمی للسلطة، والفصل بین السلطات والتوازن بینها، وتلازم المسئولیة مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحریاته، على الوجه المبین فی الدستور”(17).

  1. الدولة الموریتانیة:

فیما یتعلق بمبدأ الفصل بین السلطات فی الدستور الإماراتی، فقد خصص واضعوا دستور 1991 ثلاثة أبواب لبیان توزیع الوظائف الرئیسیة للدولة؛ حیث تم تخصیص الباب الثانی للسلطة التنفیذیة(18)، المنوطة بوضع وتنفیذ ومتابعة السیاسات العامة، وإصدار وتنفیذ القوانین التی صادقت علیها السلطة التشریعیة من خلال تطبیقها وترجمتها إلى واقع عملی.

فی حین تم تخصیص الباب الثالث للسلطة التشریعیة(19)، المناط بها إصدار القوانین المتعلقة بإصلاح أوضاع البلاد الاقتصادیة والاجتماعیة، وذلک فی إشارة للوظیفة التشریعیة، أما الوظیفیة القضائیة فقد خصص لها الباب السابع(20)، الذی جعلها مناطة بحمایة الحریات الفردیة وهو ما یعنی أن الدستور الموریتانی قد اشتمل فعلاً من الناحیة النظریة على مبدأ تقسیم وتوزیع وظائف الدولة.

وبرغم ما سبق، إلا إنه عمد إلى تکریس السلطة التنفیذیة على کلاً من السلطتین التشریعیة والقضائیة؛ حیث أن الوظیفة التنفیذیة ضمن هذا الدستور تتمتع بصلاحیات واسعة تمثلها اختصاصات رئیس الجمهوریة الذی یعتبر القائم على هذه الوظیفة فضلاً عن الدور التشریعی لرئیس الدولة ووزرائه، کما أبقى الدستور على نوع من التداخل بین السلطتین التنفیذیة والقضائیة، حیث یرأس کل منهما رئیس الجمهوریة، وهو ما یفید بأن توزیع دستور العشرین یولیو لوظائف الدولة جاء وفق مبدأ أولویة السلطة التنفیذیة(21).

  1. الدولة الکویتیة:

لقد تأسس النظام الدستوری الکویتی على مبدأ الفصل بین السلطات القائم على التعاون والتوازن کأسلوب تطبیقی للمبدأ الدیمقراطی والمحافظة على الحقوق والحریات، حیث یتم تقسیم مظاهر السلطة العامة وتوزیعها منعًا للاستبداد فیها، وذلک وفقًا للمادة (50) فقد نصت على “یقوم نظام الحکم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقًا لأحکام الدستور، ولا یجوز لأی سلطة منها النزول عن کل أو بعض اختصاصها المنصوص علیه فی هذا الدستور”(22).

وبرغم کون النظام الکویتی قائم على وجود ثلاث سلطات متمثلة فی السلطة التنفیذیة ومناطة بالأمیر بصفته رئیس الدولة ومجلس الوزراء، والسلطة التشریعیة مناطة بالأمیر ومجلس الأمة، والسلطة القضائیة وهی مناطة بالمحاکم التی تمارسها باسم الأمیر فی حدود الدستور(23)، إلا إن التطبیق الفعلی یُعلی من السلطة التنفیذیة على حساب السلطة التشریعیة.

ثانیًا: موقف الدول الغربیة من مبدأ الفصل بین السلطات:

بعد تناول الباحث موقف بعض الدول العربیة من مبدأ الفصل بین السلطات فی العنصر السابق، فإنه بقی أن یشیر إلى موقف بعض الدول الغربیة من هذا المبدأ، وفیما یلی أمثلة لهذه الدول:

  1. المملکة المتحدة (بریطانیا):

تعتمد المملکة المتحدة على النظام البرلمانی، والذی یتمیز بالتعاون بین سلطاته، حیث أن کل جهة تمتلک وظیفتها الرئیسة إلا أن ذلک لا یمنعها فی المساهمة فی وظائف الجهات الأخرى، فی إطار ما ینص علیه الدستور أو العرف کما فی الحالة البریطانیة لأنها تتمیز بعدم وجود دستور مکتوب، وبرغم أن کافة الأنظمة قد قامت على أساس مبدأ الفصل بین السلطات -فی بدایة الأخذ بالمبدأ- إلا إنها اختلفت فی تطبیقها، فالنظام البرلمانی تأسس على قاعدة الفصل المرن أو النسبی بین السلطتین بحیث تقوم علاقة مساواة وتعاون بینهما(24).

  1. الولایات المتحدة الأمریکیة:

لقد أقام الدستور الأمریکی العلاقة بین السلطات الثلاث على أساس الفصل بینهم(25)، فالنظام الأمریکی أوجد علاقة مرکبة بین السلطتین التنفیذیة والتشریعیة -على اعتبار إن مقتضیات العدالة تستلزم دائمًا استقلال السلطة القضائیة عن الحکام والمحکومین لتحقیق العدالة- وبرغم أن النظام الأمریکی یقوم على الفصل التام بین السلطتین، إلا أن الدستور الأمریکی نص على بعض مظاهر التعاون، فضلاً عن التطبیق الفعلی المتمثل باتصال الحکومة باللجان البرلمانیة ذات الأثر الفعال فی توجیه البرلمان، وهذا الاتصال ضروری فی الواقع حیث تضمن الحکومة الموافقة على التشریعات أو الاعتمادات التی تریدها وفی مقابل ذلک تراعی رغبات هذه اللجان وبذلک تقر لها بنوع من الرقابة البرلمانیة فی الواقع(26).

  1. الدولة الفرنسیة:

بالاطلاع على النظام السیاسی فی فرنسا یتضح لنا أن فرنسا تجمع بین النظامین البرلمان والرئاسی، وذلک على النحو التالی(27):

  • النظام البرلمانی الذی یقوم فی الأصل على توازن السلطتین التشریعیة والتنفیذیة والمساواة والتعاون بینهما معًا بقدر أثر کل منهما فی الأخرى.
  • النظام الرئاسی الذی یقوم بتجسید السلطة التنفیذیة فی ید رئیس الجمهوریة المنتخب من قبل الشعب، والوزراء هم منفذون لسیاساته.

ومن ثم یمکن القول بأن النظام الفرنسی یعمد إلى الأخذ بمبدأ الفصل المرن بین السلطات ولیس الفصل التام، وذلک لتحقیق نوعًا من التعاون والتوازن بین صلاحیات السلطات المختلفة کما فی النظام البریطانی، على خلاف النظام الرئاسی الأمریکی الذی یمیل إلى تطبیق نوعًا من الفصل التام بین السلطات المختلفة، وإن ذلک لا یمنع من وجود نوعًا من الرقابة والتعاون بین السلطات أیضًا ولکن فی أضیق الحدود.

المبحث الثانی: موقف دستور دولة الإمارات من مبدأ الفصل بین السلطات

یتناول الباحث فی هذا المبحث موقف دستور دولة الإمارات من مبدأ الفصل بین السلطات، وذلک من خلال تقسیمه إلى مطلبین وذلک على النحو التالی:

  • ·  المطلب الأول: نشأة الدستور الإماراتی وخصائصه
  • ·   المطلب الثانی: مدى فعالیة نصوص الدستور الإماراتی تجاه مبدأ الفصل بین السلطات

المطلب الأول: نشأة الدستور الإماراتی وخصائصه

تأسست دولة الإمارات العربیة المتحدة سنة 1971م، ومعه صدر الدستور بناءً علی توافق حکام الإمارات، ولذا یتضح بأن الدستور فی دولة الإمارات یهدف لتقویة السلطات المرکزیة الاتحادیة، ولذلک فقد خصص الباحث هذا المطلب لدراسة نشأة الدستور فی دولة الإمارات العربیة المتحدة وخصائصه، وتأسیسًا على ذلک سینقسم هذا المطلب إلى فرعین وذلک على النحو التالی:

أولاً: نشأة الدستور الإماراتی:

نظرًا بأن التوجه الرئیس للاتحاد بین الإمارات آنذاک یعتمد على وجود وثیقة رسمیة موقعة بین الأطراف کافة لإعلان اتحاد الإمارات، لذا جاءت أولى القرارات التی اتخاذها الشیخ زاید بصفته رئیس الدورة الأولی للمجلس الأعلى للاتحاد، هو تنفیذ القرارات التی اتخاذها المجلس فی أیام 6-7 یولیو 1968، بإرسال رئیس دیوانه أحمد خلیفة والمستشار القانونی للإمارة صالح فرح للاتفاق مع الدکتور عبد الرازق السنهوری رئیس مجلس الدولة المصری آنذاک، على وضع “المیثاق الکامل الدائم للاتحاد”، حیث أراد أن یؤسس اتحادًا على أساس دستوری رصین، لتحقیق أهداف الاتحاد وإعداد شعبة للحیاة الدستوریة الحرة الکریمة، مع السیر به قدمًا نحو حکم دیمقراطی نیابی متکامل الأرکان(28).

ولکن لم تسیر الأمور کما أرادها الشیخ زاید ولذلک تم سحب التکلیف من الدکتور السنهوری ومنح التکلیف للجنة خاصة من القانونیین والمستشارین، برئاسة الدکتور وحید رأفت الذی کان یشغل آنذاک منصب المستشار القانونی لأمیر دولة الکویت، وکانت لجنة الخبراء قد أعدت مشروعًا یتکون من 126 مادة رفعت إلى رئاسة مجلس الحکام الذی أحاله بدوره إلى الخبیر الدستوری لمراجعته، وعندما بدأ الخبیر الدستور مهامه أرسلت إمارة دبی مستشارها القانونی لمناقشته فی بعض النصوص، وأرسلت إمارة قطر مشروعًا کاملاً بدیلاً للدستور المقترح من لجنة الخبراء یقع فی 133 مادة(29).

وقد تولی الدکتور وحید رأفت صوغ مشروع جدید فی ضوء کل ما تقدم یقع فی 164 مادة، وکان من المفروض أن یوصی مشروع اللجنة ومشروع قطر والمشروع الذی انتهی إلیه الدکتور وحید رأفت على مجلس الحکام فی دورته الخامسة التی کان محددًا لها 21-25 أکتوبر 1969، وکان موضوع الدستور هو البند الثالث فی جدول أعمال الدورة الخامسة لمجلس الحکام، ولکن تلک الدورة التی بدأت فی جو مشجع حیث من أهم النتائج انتخاب الشیخ زاید رئیسًا للاتحاد التساعی لفترة أولیة مدتها عامان، کما انتخب الشیخ راشد حاکم دبی نائبًا له، وأیضًا تعین الشیخ خلیفة بن حمد آل ثان –نائب حاکم قطر آنذاک- رئیسًا للوزراء مع وزارة مکونة من 13 وزیرًا، کما تم التوصل إلى اتفاقیة تتعلق بموقع عاصمة الاتحاد، حیث تکون العاصمة المؤقتة أبوظبی والعاصمة الدائمة تکون بین إمارتی أبوظبی ودبی، وبرغم ذلک التقدم فی المباحثات إلا أن انتهت على النحو الذی سبق وأشرنا إلیه من قبل بانسحاب البحرین ثم قطر، وانفرط على أثره عقد الاتحاد التساعی(30).

وفی 18 یولیو 1971 اجتمع حکام الإمارات الست وتم التوقیع على الدستور المؤقت – الذی تحول إلی دائم فی 1996-، حیث لم یحضر حاکم رأس الخیمة -بسبب رؤیته التی قامت على أساس أنه لابد وأن تکون متساویة مع إمارتی أبوظبی ودبی-، کما اتفقوا على إعلان اتحاد بینهم تحت مسمی دولة الإمارات العربیة المتحدة، وجدیر بالذکر بأنه لم یدخل على الدستور الذی کان معدًا للاتحاد التساعی إلا تعدیلات طفیفة عند الإعلان عن الدستور المؤقت(31).

ثانیًا: خصائص الدستور الإماراتی:

لقد جاء الدستور الإماراتی بعدد من الخصائص الرئیسة التی یمکن أن عرضها على النحو التالی(32):

  1. الصفة المؤقتة: حیث أبرز خصیصة للدستور الإماراتی کونه مؤقت، حیث وضع لفترة موجزة حتى یتم إصدار دستور دائم، والواقع أن هذه الصفة المؤقتة للدستور کانت هی الوسیلة لقیام دستور دائم فی ظل حالة تعذر الاتفاق بین الحکام على بعض الموضوعات الأساسیة التی یتعین أن یضمها الدستور الدائم، أخذًا بقاعدة ما لا یدرک کله لا یترک کله، والواقع بأن الاختلافات التی أحاطت بوضع الدستور المؤقت ظلت قائمة إلى انتهت بمد العمل بالدستور خمس سنوات لخمس مرات متتالیة إلا أن تم إصدار الدستور الدائم فی عام 1996(33).
  2. الصفة الجامدة: إن الدساتیر من حیث طریقة تعدیلها تنقسم إلى قسمین هما:
  • الدستور الجامد: هو الذی لا یتم تعدیل أحکامه أو إلغائها بذات الإجراءات الخاصة بتعدیل أو إلغاء التشریعات العادیة بل یلزم لتعدیله اتباع إجراءات خاصة مغایرة لتلک المتبعة فی شأن تعدیل أو الغاء القوانین العادیة.
  • الدستور المرن: وهو ذلک الدستور الذی یتم تعدیل أحکامه أو إلغائها بذات الإجراءات التی تعدل أو تلغی بها القوانین العادیة.

ولذا فی شأن بیان الدستور الإماراتی، یتضح بأن الجهة المختصة باقتراح مشروع تعدیل الدستور هی المجلس الأعلى للاتحاد، فی حین أن الجهة المختصة باقتراح القوانین هی مجلس وزراء الاتحاد، ثم یرفع ذلک المشروع إلى رئیس الدولة -بعد إحالتها للمجلس الوطنی الاتحادی- والذی بدوره یعرضه للمجلس الأعلى للتصدیق علیه، وهو ما یعطی لنصوص الدستور سموًا عن کافة تشریعات الدولة(34).

  1. الطبیعة المکتوبة: وهی من الخواص ذات الأهمیة بالنسبة للحالة الإماراتیة، حیث باعتبارها دولة حدیثة النشأة فضلاً عن کونها دولة اتحادیة، لذا یستحیل أن یکون دستورًا عرفیًا، حیث أن تلک الدول تنشأ عادةً لاتفاق بین الوحدات الراغبة فی إقامة اتحاد، ومثل هذا الاتفاق لا یتصور إلا أن یکون مکتوبًا، وبرغم ذلک فقد تنشأ بمرور الزمن بعض القواعد العرفیة إلى جوار الدستور المکتوب ولکن هذا شیء وکون الدستور عرفیًا بالکامل شیء آخر، وکون دستور الإمارات العربیة المتحدة هو دستور مکتوب هو واقعة مادیة تتمثل فی الوثیقة التی حددت نصوص ذلک الدستور(35).
  2. الطبیعة الجماعیة للقیادة: إن مطالعة نصوص مواد الدستور الإماراتی یتضح منها أن الدستور قد تبنی مبدأ جماعیة قیادة الدولة حیث ورد فیه أن السلطة العلیا للاتحاد هی المجلس الأعلى والذی یشکل من حکام جمیع الإمارات المکونة للاتحاد.
  3. الطبیعة الخاصة بالدستور: عادةً ما ینشأ الدستور عن طریق المنحة من الحاکم لشعبه، أو عن طریق التعاقد بین الحاکم وشعبه، أو من خلال إرادة الشعب والتی استقلت بوضعه عن طریق جمعیة تأسیسیة أو عن طریق الاستفتاء الشعبی.

وفیما یتعلق بدستور دولة الإمارات العربیة المتحدة، فإنه قد جاء بعد محاولات عدیدة نتیجة اتفاق حکام الإمارات على نصوصه، لذا فهو دستور اتفاقی بین الحکام وبعضهم، کما أن الحکام آنذاک تصرفوا بناءً على ضغوط داخلیة وخلیجیة وعربیة ودولیة جعلت هذا الخیار الوحید أمامهم، ومن ثم فیمیل أغلب الفقهاء والمفکرین إلى اعتبار الدستور الإماراتی بأنه “نوع خاص” ولیس منحة من الحاکم(36).

المطلب الثانی: مدى فعالیة نصوص الدستور الإماراتی تجاه مبدأ الفصل بین السلطات

أقام الدستور الاتحادی لدولة الإمارات العربیة المتحدة عددًا من السلطات الدستوریة الاتحادیة، هذه السلطات محددة فی المادة 45 من الدستور الإماراتی تعمل بتناغم على القیام بالوظائف الاتحادیة الأساسیة: التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة.

ولکن بالاطلاع على نصوص مواد الدستور الإماراتی، یُلاحظ بأنه لم ینص فی أی مادة من مواده صراحًة أو بشکل ضمنی على مبدأ الفصل بین السلطات، ولعل ما یبرر ذلک هو التوجه العام فی الدستور الإماراتی نحو ترجیح کفة السلطة التنفیذیة على غیرها من السلطات الأخرى.

لذا نجد بأن للسلطة التنفیذیة مهام تشریعیة بارزة، حیث إنه وفقًا لنص المادة (79) فإنه “تکون دعوة المجلس للانعقاد، وفض الدورة “بمرسوم” یصدره رئیس الاتحاد بموافقة مجلس وزراء الاتحاد، وکل اجتماع یعقده المجلس بدون دعوة رسمیة للانعقاد، أو فی غیر المکان القانونی المقرر لعقد اجتماعاته بموجب هذا الدستور یعتبر باطلاً ولا یترتب علیه أی أثر، ومع ذلک إذا لم یدع المجلس للانعقاد لدورته العادیة السنویة قبل الأسبوع الثالث من نوفمبر، انعقد من تلقاء نفسه فی الحادی والعشرین من الشهر المذکور”(37).

کما نصت المادة (88) على أنه یجوز بمرسوم یصدره رئیس الاتحاد بموافقة مجلس وزراء الاتحاد تأجیل اجتماعات المجلس لمدة لا تجاوز شهرًا واحدًا، على ألا یتکرر ذلک فی الدورة الواحدة إلا بموافقة المجلس ولمرة واحدة. ولا تحتسب فترة التأجیل ضمن مدة الدورة العادیة. کما یجوز بمرسوم یصدره رئیس الاتحاد بموافقة المجلس الأعلى للاتحاد حل المجلس الوطنی الاتحادی، على أن یتضمن مرسوم الحل دعوة المجلس الجدید للانعقاد فی أجل لا یجاوز ستین یوماً من تاریخ مرسوم الحل، ولا یجوز حل المجلس مدة أخرى لنفس الأسباب”(38).

ومن ثم فإن المجلس لا یعقد جلساته أو ینحل إلا بمرسوم یصدره رئیس الاتحاد فضلًا عن تأجیل جلساته، کما أیضًا نص المادة (92) على أنه “للمجلس الوطنی الاتحادی أن یناقش أی موضوع من الموضوعات العامة المتعلقة بشؤون الاتحاد إلا إذا أبلغ مجلس الوزراء المجلس الوطنی الاتحادی بأن مناقشة ذلک الموضوع مخالفة لمصالح الاتحاد العلیا، ویحضر رئیس الوزراء أو الوزیر المختص النقاش، وللمجلس الوطنی الاتحادی أن یعبر عن توصیاته ویحدد الموضوعات التی یناقشها وإذا لم یقر مجلس الوزراء تلک التوصیات أخطر المجلس الوطنی الاتحادی بأسباب ذلک”(39).

کما إنه فی حالة رغبة المجلس الوطنی الاتحادی إجراء تعدیلات على بعض مواد مشروع القانون أو رفضه مجملاً من حیث المبدأ، ففی هذه الحالة یجوز لرئیس الاتحاد أو المجلس الأعلى للاتحاد إعادة مشروع القانون الذی عدله أو رفضه المجلس الوطنی الاتحادی مرة أخرى إلیه، فإذا ما أصر المجلس الوطنی الاتحادی على موقفه من إجراء تعدیل غیر مقبول من جانب رئیس الاتحاد أو المجلس الأعلى أو رفض المشروع، جاز لرئیس الاتحاد أن یصدر القانون کما أعده مجلس الوزراء بعد مصادقة المجلس الأعلى للاتحاد علیه(40).

واستکمالاً لما سبق، فقد منح الدستور للسلطة التنفیذیة دورًا فی أعمال السلطة القضائیة حیث للسلطة التنفیذیة ممثلة فی المجلس الأعلى للاتحاد الحق فی تعیین رئیس وقضاة المحکمة الاتحادیة العلیا وقبول استقالتهم وفصلهم فی الأحوال التی نص علیها الدستور(41)، کما أن الدستور منح رئیس الاتحاد سلطة تعیین وعزل أعضاء المحاکم الاتحادیة من الموظفین وذلک بناءً على موافقة مجلس وزراء الاتحاد(42).

کما أنه یحق لرئیس الاتحاد أن یعفو عن تنفیذ العقوبة المحکوم بها من جهة قضائیة اتحادیة قبل تنفیذ الحکم أو أثناء التنفیذ أو أن یخفف هذه العقوبة وذلک بناءً على اقتراح من وزیر العدل الاتحادی وبعد موافقة لجنة مشکلة من ستة أعضاء یختارهم مجلس وزراء الاتحاد ویرأس رئیس الوزراء ذلک المجلس(43)، کما إنه لا تنفذ عقوبة الإعدام الصادرة نهائیًا من جهة قضائیة اتحادیة إلا بعد مصادقة رئیس الاتحاد على الحکم، کما یحق له أن یستبدل الحکم أو یخففه بناءً على الخطوات الإجرائیة سالفة الذکر(44).

ومن ثم، فیتراءى للباحث بأن الدستور الإماراتی قد رجح السلطة التنفیذیة على السلطتین التشریعیة والقضائیة، فعلى الرغم من أن مبدأ الفصل بین السلطات یقوم على تحقیق نوعًا من التوازن والتعاون بین السلطات الثلاث، أی أن لکل سلطة یکون لها دور فی السلطة الأخرى بما لا یخل بالوظائف الخاصة بکل منهم، إلا أن الدستور الإماراتی منح السلطة التنفیذیة مهامًا فی السلطات الأخرى مع عدم النص على أی أدوار لتلک السلطات فی السلطة التنفیذیة، وبالتالی فقد عزز من تکریس السلطة التنفیذیة وخاصة المجلس الأعلى للاتحاد على حساب السلطات الأخرى التشریعیة والقضائیة.

الخاتمة

لقد تناول الباحث خلال هذه الدراسة موضوع “مبدأ الفصل بین السلطات فی دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة”، حیث قسم الباحث الدراسة إلى مبحثین؛ فتناول المبحث الأول “مبدأ الفصل بین السلطات بین التنظیر والتطبیق”، وذلک من خلال تقسیمه إلى مطلبین؛ فتناول المطلب الأول: تعریف مبدأ الفصل بین السلطات، فی حین تناول المطلب الثانی: موقف الدول العربیة والغربیة من مبدأ الفصل بین السلطات، وقد جاء المبحث الثانی متناولاً “موقف دستور دولة الإمارات من مبدأ الفصل بین السلطات”، وذلک من خلال تقسیمه أیضًا إلى مطلبین، حیث أوضح المطلب الأول: نشأة الدستور الإماراتی وخصائصه، فی حین أوضح المطلب الثانی: مدى فعالیة نصوص الدستور الإماراتی تجاه مبدأ الفصل بین السلطات، وقد اختتمت الدراسة بعدد من النتائج والتوصیات، وذلک على النحو التالی:

أولاً: النتائج:

  1. إن مقتضیات الحیاة العملیة تستلزم وجود تعاون بین السلطات فیما بینها.
  2. یعمد النظام الفرنسی إلى الأخذ بمبدأ الفصل المرن بین السلطات ولیس الفصل التام، وذلک لتحقیق نوعًا من التعاون والتوازن بین صلاحیات السلطات المختلفة کما فی النظام البریطانی، على خلاف النظام الرئاسی الأمریکی الذی یمیل إلى تطبیق نوعًا من الفصل التام بین السلطات المختلفة، وإن ذلک لا یمنع من وجود نوعًا من الرقابة والتعاون بین السلطات أیضًا ولکن فی أضیق الحدود.
  3. لم ینص الدستور الاتحادی لدولة الإمارات العربیة المتحدة فی أی مادة من مواده صراحًة أو بشکل ضمنی على مبدأ الفصل بین السلطات، ولعل ما یبرر ذلک هو التوجه العام فی الدستور الإماراتی نحو ترجیح کفة السلطة التنفیذیة على غیرها من السلطات الأخرى.
  4. على الرغم من أن معظم الدساتیر العربیة تنص على مبدأ الفصل بین السلطات، إلا أنها لا تطبقها على نحو فعال وکاف.

ثانیًا: التوصیات:

  1. ضرورة النص صراحة فی الدستور الإماراتی على مبدأ الفصل بین السلطات، وذلک أسوة بالعدید من دساتیر الدول العربیة، مع تطبیقه على نحو فعال، ودون طغیان سلطة على أخرى.
  2. ضرورة الأخذ بالفصل المرن، أی القائم على التوازن والتعاون والرقابة المتبادلة بین السلطات، ولیس الفصل التام.
  3. ینبغی العمل على أن یشارک المجلس الوطنی الاتحادی فی الوظیفة التشریعیة مشارکة حقیقیة فعالة فی اقتراح مشاریع القوانین ومناقشتها وإقرارها، وأن یؤخذ برأی المجلس فی هذه المواضیع على اعتبار أنها من صمیم عمله.
  4. ضرورة وجود مسؤولیة سیاسیة للوزراء أمام المجلس الوطنی، والذی یکون له الحق بسحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء والوزراء.

هوامش الدراسة:

([1]) محمد أحمد عبد الوهاب خفاجة، الأساس التاریخی والفلسفی لمبدأ الفصل بین السلطات، رسالة دکتوراه، کلیة الحقوق، جامعة الإسکندریة، 1997م، ص2.

(2) المرجع السابق، ص4.

(3) للمزید من التفاصیل عن مبدأ الفصل بین السلطات راجع:

–        Arnold I. Burnst and Stephen J. Markmantt, Understanding separation of powers, 7 Pace law review, 1987, P.578-579.

–        Jeremy Waldron, Separation of Powers in Thought and Practice?, Boston College Law Review, Vol. 54, 2013, PP.433-467.

–        John F. Manning, Separation of Powers as Ordinary Interpretation, 124 Harv. L. Rev, 2011, P.45.

–        George Anhang, Separation of Powers and The Rule of Law: on The Role of Judicial Restraint in “Secure[ING] The Blessing of Liberty”, Akron Law Review, Vol. 24:2, fall 1999, PP.211-227.

–        Jasna Omejec, Principle of The Separation of Powers and The Constitutional Justice System, Conference of constitutional control bodies of Central Asia “The Role of the Constitutional Court in Safeguarding the Supremacy of the Constitution”, Strasbourg, 28-29 October 2015.

–        Warren J. Newman, The Rule of L aw, the Separation of P owers and Judicial Independence in Canada, Oxford Handbook of the Canadian Constitution, 2017, PP.1031-1050.

(4) أبن منظور، لسان العرب المحیط، الجزء الرابع، دار الجلیل ودار لسان العرب، بیروت، 1988، ص1101.

(5) سورة المرسلات، الآیات 12 إلى 14.

(6) عبد الحمید متولی، وآخرون، القانون الدستوری والنظم السیاسیة” مقومات القانون الدستوری، مصادر القانون الدستوری، رقابة دستوریة القوانین”، منشأة المعارف، الإسکندریة، د.ت، ص141.

(7) اعبد الغنی بسیونی عبد الله، النظم السیاسیة لنظریة الدولة والحکومة والحریات العامة فی الفکر الغربی والإسلامی، منشأة المعارف، الإسکندریة، 2002م، ط2، ص260.

(8) محمد حسن جماع تمساح، الفصل بین السلطات “دراسة تطبیقیة على دساتیر السودان”، رسالة دکتوراه، کلیة الشریعة والقانون، جامعة أم درمان الإسلامیة، جمهوریة السودان، 1435هـ/ 2014م، ص10.

(9) محمد ضریف، القانون الدستوری مدخل لدراسة النظریة العامة والأنظمة السیاسیة، مطبعة النجاح الجدیدة، 1998، ط1، ص99.

(10) سلیمان محمد المطاوی، السلطات الثلاث فی الدساتیر العربیة المعاصرة وفی الفکر السیاسی الإسلامی “دراسة مقارنة”، مطبعة جامعة عین شمس، 1986، ط5، ص 518.

(11) سعد حمادة، أعمدة الدیمقراطیة، المحاماة، العددان1-2، السنة التاسعة والخمسون، (ینایر-فبرایر1979)، ص135.

(12) أحمد علی دیهوم، مبدأ الفصل بین السلطات بین التأصیل التاریخی والواقع السیاسی، مجلة البحوث القانونیة والاقتصادیة، کلیة الحقوق، جامعة المنصورة، 2016، ص710-711.

(13) نص المادة (73)، الباب الخامس: نظام الحکم (الفصل الأول: رئیس الدولة) من دستور 1971.

(14) نص المادة (141-142)، الباب الخامس: نظام الحکم (الفصل الثالث: السلطة التنفیذیة) من دستور 1971.

(15) نص المادة (6) الباب الأول: مقومات الدولة والمجتمع (الفصل الأول: المقومات السیاسیة) من دستور 2012.

(16) نص المادة (132)، الباب الثالث: السلطات العامة (الفصل الثانی: السلطة التنفیذیة)، دستور 2012.

(17) نص المادة (5) دستور 2014.

(18) الباب الثانی (السلطة التنفیذیة)، الدستور الموریتانی 1991.

(19) الباب الثالث (السلطة التشریعیة)، الدستور الموریتانی 1991.

(20) الباب السابع (السلطة القضائیة)، الدستور الموریتانی 1991.

(21) محمد دده، مبدأ فصل السلطات فی الدستور الموریتانی، مجلة الفقه والقانون، نواکشوط، عدد11، 2013، ص193.

(22) نص المادة (50) الباب الرابع: السلطات (الفصل الأول: أحکام عامة) من الدستور الکویتی.

(23) مبارک العتیبی، فصل النظامین الکویتی والأردنی: دراسة مقارنة، رسالة ماجستیر، جامعة الشرق الأوسط، 2012-2013، ص6-7.

للمزید: بدر محمد حسن الجعیدى، “التوازن بین السلطتین التنفیذیة والتشریعیة فی النظام البرلمانی: دراسة مقارنة مع التطبیق على النظام الدستوری الکویتی”، رسالة دکتوراه، جامعة القاهرة، 2010.

(24) Rashad Lecuyer, There is Absolute Separation of powers in the UK; It is invisible, complex and strict, No publication date, P2-4.

(25) للمزید من التفاصیل راجع:

–        Bowles, Nigel, The Government and Politics of the United States, Mcmillan, Basingstoke, 1998.

–        DiClerio, Robert, The American President, Prentice Hall Inc., New Jersey, 1995.

–        Farrand, Max, The Framing of the Constitution of The United States, Yale University Press, New Haven, 1962.

–        Mckay, David, American Politics & Society, Blackwell, Oxford, 2001.

–        Wilson, James, Q., American Government Institutions and Policies, Mass D.C. Heath, Lexington, 1989.

(26) سعید فروری، الفصل بین السلطات کأساس لتنظیم السلطة فی التشریعات الدستوری، مجلة الغری للعلوم الاقتصادیة والإداریة، جامعة الکوفة، 2009، ص178-179.

Also: Jason L. Stern and Paul A. Arnold, About America: How the United State is governed, BP America Inc, 2017, P12.

(27) علی هادی حمیدی، النظام السیاسی الفرنسی کنموذج تطبیقی معاصر للفصل المرن بین السلطات، موقع کلیة القانون فی 19 أبریل 2012، (مأخوذة بتاریخ 13 ینایر 2020)، الموقع الإلیکترونی:

http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=7&lcid=29412

(28) محمد فارس الفارس، قیام دولة الإمارات العربیة المتحدة من الاتحاد التساعی إلی الاتحاد السباعی (مباحثات الاتحاد وتطورات الأحداث فی منطقة الخلیج، حولیات المؤرخ المصری 1968-1971″، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، فبرایر 2019، ص25-28.

(29) المرجع السابق، ص25-28.

(30) یحیی الجمل، التجربة الوحدویة العربیة المعاصرة: تجربة دولة الإمارات العربیة المتحدة (بعنوان الدستور وسیلة للتکامل فی دولة الإمارات)، بحوث ومناقشات الندوة الفکریة التی نظمها مرکز دراسات الوحدة العربیة، أکتوبر 1981، ط1، ص576-577.

(31) محمد سالم المزروعی، حکایة دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة، دار کُتاب للنشر والتوزیع، الإمارات العربیة المتحدة، 2019، ط1، ص151-152.

(32) صلاح الدین فوزی، التنظیم الدستوری والإداری فی دولة الإمارات العربیة المتحدة “مسیرة التنمیة”، مرجع سابق، ص13-19.

(33) محمد سالم المزروعی، حکایة دستور دولة الإمارات العربیة المتحدة، مرجع سابق، ص204-205.

(34) صلاح الدین فوزی، التنظیم الدستوری والإداری فی دولة الإمارات العربیة المتحدة “مسیرة التنمیة”، معهد التنمیة الإداریة، الإمارات العربیة المتحدة، دیسمبر 1996، ص54.

(35) یحیی الجمل، التجربة الوحدویة العربیة المعاصرة: تجربة دولة الإمارات العربیة المتحدة (بعنوان الدستور وسیلة للتکامل فی دولة الإمارات)، مرجع سابق، ص578.

(36) المرجع السابق، ص579-580.

(37) نص المادة (79)، الدستور الإماراتی.

(38) نص المادة (88)، الدستور الإماراتی.

(39) نص المادة (92)، الدستور الإماراتی.

(40) نص المادة 110 من الدستور الإماراتی.

(41) نص المادة 49 من الدستور الإماراتی.

(42) نص الفقرة 6 من المادة 54 من الدستور الإماراتی.

(43) نص المادة 107 من الدستور الإماراتی.

(44) نص المادة 108 من الدستور الإماراتی.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى