مخاطر استمرار سيولة الدولة في ليبيا

مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 5، المجلد 7، العدد (6) ابریل 2020، الربيع 2020، الصفحة 23-40

من اعداد السيد ابو فرحة،مدرس العلوم السياسية بکلية السياسة والاقتصاد ومدير مرکز الدراسات الاستراتيجية بجامعة بني سويف.

المستخلص

تسلط تلك الدراسة الضوء على المرحلة والظرفية الراهنة التي تعصف بالدولة الليبية ومخاطر تلك الظرفية وما تسببه من سيولة على مستوى مؤسساتها وما تسببه من انفراط عقد الأمن والاستقرار في الدولة لذا يسعى الباحث لرصد مفهوم الدولة الليبية ونشأتها ومدى قدرة الدولة على محاربة ظرفية السيولة حتى لا تصل إلى الانقضاء الظرفي، لذا تمثلت أبرز محاور تلک الدراسة في ابرز التحديات التي تعصف بالداخل الليبي والتي تساهم بنحو أو بآخر في تلک الظرفية الراهنة ولعل من أبرز تلک التحديات تلک المتصلة بالشرعية السياسية الليبية، ثم الانتقال إلى التحديات الأمنية والعسکرية ومنه إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذا بالإضافة إلى تحديات النخبة الليبية فضلًا عن التحديات المتصلة بالظاهرة الإرهابية وأخيرًا التحديات الإقليمية، ثم انتقل الباحث على رصد المؤشرات الحيوية للدولة الليبية ومنه إلى الطموحات المستقبيلة التي يمکن البناء عليها لمستقبل آمن لتلک الدولة.

تمهید:

نهضت الدولة کفکرة إنسانیة اختلف حول اصطناعیا ذات أبعاد سیاسیة واقتصادیة – واجتماعیة وتبلورت فی أذهان العدید من المفکرین: متأثرة فی ذلک بتراکمات معرفیة وخبرات حیاتیة – من ناحیة وبسیاقات زمانیة ومکانیة متفاوتة من ناحیة أخرى حیث تختلف حدودها ووظائفها ومظاهرها وفقًا لاقتراب تحلیلها؛ بحیث استقرتالمدارس الفکریة المعاصرة وفقًا للتراکم المعرفی الأوروبی والممارسة السیاسیة الأوروبیةبدرجة أو بأخرى.

وعلیه فإن الدولة وما یرتبط بها من قوة أحد الموضوعات الجاذبة للبحث فی العلوم السیاسیة بمختلف حقولها البحثیة، حیث استغرق مفکرون ینتمون لسیاقات زمنیة ومکانیة وفکریة مختلفة فی البحث حول موضوع قوة الدولة، ومؤشراته، وکیفیة قیاسها، وتبعاتها، وتجلیاتها على سلوک الدول فی المحیط الإقلیمی والدولی. ولعل البحث فی هذا الموضوع یعبر حدود العلوم السیاسیة لیستعیر بعض أبعاده من حقول بحثیة أخری کعلوم الاقتصاد والدیموغرافیا، والعسکریة، والجیواستراتیجیة، ومع تعدد الاسهامات البحثیة فی هذا الموضوع وتنوعها یصعب الوقوف على تعریف وحید لمفهوم “قوة” الدولة، بید أنه یمکن استجلاء ملامح وأبعاد أساسیة لهذا المفهوم باعتباره محصلة تفاعل ولیست محصلة حسابیة لعناصر الدولة المتمثلة فی الموارد الطبیعیة لها، والبنیة الاقتصادیة، والترکیبة السکانیة، والتماسک الثقافی، وأداء نظامها السیاسی والإداری، وشکل علاقاتها الدولیة فی المحیطین الإقلیمی والدولی، والقوة العسکریة لها.

 الأصل والمرجع فی الدولة أنها ذلک الکیان الذی یعبر عن حالة تتسم بالاستقرار الظرفی وفی الفترة الراهنة المصاحبة لهذا الظرف، وعدم الاستقرار النسبی، والنزوع إلى التغیر والتحول بدرجة أو بأخرى بالمقارنة باستمراریة عاملی الزمان والمکان، وذلک لتحقیق غایة مجتمعیة کبرى. فتعد کیاناً یتغیر ویتحول لیعبر عن واقع اجتماعی واقتصادی وثقافی وسیاسی یتأثر بجل الاعتبارات الزمانیة والمکانیة، وقد یکون أحد أسباب هذا التحول والتغیر فی کیان الدولة ضمن أسباب أخرى وفقًا للقول السالف النصر أو الهزیمة کما أشیر فی حدیث وفد ثقیف ” نداول علیهم ویدالون علینا”.

ومما سبق طرحه من التعریف السالف یتضح أنه یمکن الوقوف على مرتکز رئیس یمکن البناء والانطلاق منه والذی من شأنه أن یسیر فی تفسیر التغییرات التی قد تطرأ وتشیدها الدولة، کظواهر وکیانات التی یطلق علیها لفظة دولة أو اندماجها، أو تنامی نزعتها الاستعماریة، أو غیرها من تلک المتغیرات، التی تؤکد أن الدولة أو ذلک الکیان الذی یتصف بهذا النفع لیس بمعطى ثابت وحید بصرف النظر عن اختلاف الزمان والمکان؛ إنما هو فی الأساس بمثابة فکرة إنسانیة تختلف حول درجة اصطناعها للتعاطی مع واقع اجتماعی واقتصادی وسیاسی فی ظرف تاریخی وجغرافی محدد.

کما تدور نظریات قوة الدولة حول عدد من الفروض الرئیسة التی تساعد على فهم تلک الظاهرة، منها أن البحث النظری والواقع العملی علی مدار التاریخ المعاصر والقدیم یدعم افتراض وجود ما یُسمی “القوة المطلقة” أو “الضعف المطلق”، وهو ما أکدت علیه تجارب الحربین العالمیتین الأولی والثانیة فی النصف الأول من القرن العشرین، وتکشف عنه الممارسة الراهنة للنظام الدولی منذ مطلع القرن الواحد والعشرین، وثانی تلک الافتراضات التی تساعد علی فهم ظاهرة قوة الدولة هو مبدأ “نسبیة القوة” أی أن قوة الدولة ذات طبیعة نسبیة ولیست مطلقة، ویرتبط بطبیعتها النسبیة کونها مؤقتة ولیست دائمة من حیث عمرها الزمن.

 ویأتی مبدأ “توزیع تلک القوة”  لیٌقصد به أن القوة تتوزع فی مختلف أنحاء العالم بصورة أو بأخری وفقاً لتوافر مقوماتها، وکذا مبدأ “حدود القوة” والذی یُقصد به أن لکل قوة حدود قصوی مهما بلغت قوتها، وهناک مبدأ “التفوق” والذی یُشیر إلی أن أی دولة تثبت تفوقها فی مجال أو أکثر فی إطار سعیها نحو القوة، وآخر تلک الافتراضات التی تسهم فی فهم ظاهرة قوة الدولة هی تعدد زوایا القوة ذاتها، بین زاویة کونها أداة للدولة، أو زاویة کونها دافع محرک لها، أو زاویة أنها محصلة سیاسیة، وعلیه ینظر البعض إلیها – أی قوة الدولة – باعتبارها مفهوم یدمج أبعادها “أداة+ دافع+ محصلة.([1])

أما عن عناصر قوة الدولة فقد میز باحثین بین ما وصفوه بالعناصر الأولیة لقوة الدولة، والتی تتمثل فی عناصر ثلاث هی الاستقرار، والتکوین السیاسی، والمصلحة المشترکة،[2] ولعل العناصر الأولیة السابقة مرتبطة ببعضها بصورة أو بأخری، حیث تُشیر العناصر الثلاثة السابقة إلی أن القوة تؤسس بصورة أولیة على استقرار الجماعة البشریة المبکرة فی نطاق جغرافی محدد بدلاً من ترحالها، وأن هذا الاستقرار یسمح لها بالتماسک والتطور بما یخلق درجة من التنظیم السیاسی المستقر الذی ینظم أهداف الجماعة البشریة فی مصلحة مشترکة واضحة ومستقرة وملحة، ولا یمکن إغفال دور الأنهار فی رسم تلک الظاهرة فی الدول والحضارات القدیمة فی مصر والعراق والصین والهند.(([3]

وعلى النقیض مما سبق وإذا کان الباحث بصدد تناول ظرفیة الماضی وما آلته له من انقضاء لحظی للدولة اللیبیة فیتعین کما تمت الإشارة للدولة وعناصر قوتها أن یتم التطرق کذلک لنقیضها أی السیولة والهشاشة وذلک للوقوف على توصیف الدولة اللیبیة وفقًا للظرفیات التی تعرضت لها فی الماضی واستمرت حیثیاتها للحاضر وما ستؤول علیه فی ظل أمال المستقبل، لذ تُعرف “الدول الهشة” بأنها تلک الدول التی تعجز عن الوفاء بالوظائف الرئیسة لها، وما یستتبع ذلک من سمات تصیبها، وأول تلک السمات التی تشیر إلى هشاشة دولة ما هو فقدان السیطرة المادیة علی أراضیها أو عجزها عن احتکار الاستخدام الشرعی للقوة، وثانی تلک السمات تصف تآکل السلطة الشرعیة وعجزها عن اتخاذ قرارات جماعیة، وثالثها عدم القدرة على توفیر الخدمات العامة بمستویات معقولة، وکذا عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى کعضو کامل العضویة فی المجتمع الدولی.([4])

والجدیر بالذکر أن مصطلح الدولة الهشة تطرق له مؤشر هشاشة الدول وذلک من أجل رصد المؤشرات التی على أساسها یتم تقییم هشاشة الدول ومدى السیولة وعلى النقیض الدول التی تتمتع بمکانة متقدمة، ولکن ما یعنى به الباحث فی هذا الموضع التطرق لرصد المؤشرات التی یتم من خلالها عملیة التقییم وتطبیقها على الدولة موضع البحث والتحلیل، وبالتالی تکمن أبرز تلک المؤشرات فی؛ تلک التی تستهدف الأبعاد الاجتماعیة  والاقتصادیة والعسکریة والأمنیة والتی تتضمن مؤشر الضغوط الدیمغرافیة، هذا بالإضافة لمؤشر اللجوء والنزوح مظالم الجماعات، ومؤشر تجفیف العقول، وهجرة العنصر البشری، فضلًا عن مؤشر التنمیة الاقتصادیة غیر المتوازنة، مؤشر الفقر والانهیار الاقتصادی، مؤشر شرعیة الدولة، مؤشر احتکار وجود الأمن، وتشرزم النخبة(، ومؤشر المرافق العامة وأخیرًا من خلال مؤشر حقوق الإنسان وحکم القانون، و مؤشر التدخل الخارجی.([5])

أما عن التطبیق الفعلی لتلک المؤشرات فیکمن فی رصد تموضع الدولة اللیبیة فی صفحات هذا المؤشر، والتی یمکن أن یستهلها الباحث بالآتی؛ أولًا على صعید موقعها فی تقریر 2017 فاحتلت المرتبة “20” ضمن الدول التی تتواجد فی فئة الإنذار ومن المتوقع أن تتدنى مرتبتها وقد ترتفع من فئة الإنذار إلى الإنذار العالی وذلک فی ظل ما تجابهه تلک الدولة من نزاعات وصراعات بین فئات لا تغلب الصالح العام بل لتغلب المصالح الشخصیة، ثانیًا عن المؤشرات سالفة البیان فجاء ترتیب الدولة لها على النحو الآتی؛ فی مؤشر احتکار الأمن حازت “9.6”، فی حین مؤشر حقوق الإنسان “9.1”، مؤشر التدخلات الخارجیة “10”، مؤشر الضغوط الدیمغرافیة “4.9”، مؤشر اللجوء “8.3”، مؤشر الخدمات العامة ” 7.0″، مؤشر شرعیة الدولة “9.5”، مؤشر هجرة العقول “6.3”، مؤشر التطور الاقتصادی “8.3”، وبلغ إجمالی النقاط التی حصدتها تلک الدول عن مجمل المؤشرات التی ذکرت والتی لم تذکر “96.3”، وبالتالی تعانی من السیولة والهشاشة فی بعض قطاعاتها نظرًا للظرفیة التی تعصف بها وتهدد استمرارها.)[6](

وفی غمار ما سبق طرحه سیسلط الباحث الضوء على ظرفیة الماضی التی مرت بها الدولة اللیبیة وخاصة بعد رحیل نظام معمر القذافی، وتحدیات الانقضاء التی واجهت استمرار الدولة وکادت أن تعصف بها، وأمال وطموحات الحاضر بالرغم من تلک الظرفیة، لذا سیتم التطرق لرصد تاریخی لوضع لیبیا بعد نظام القذافی، والتحدیات التی تمر بها الدولة والتی تم وصفها وفقًا لمؤشر هشاشة الدول باعتبار أن لیبیا تحتل مرتبة متدنیة فیه، ثم لرصد الحرکات المسلحة التی تتواجد فی الدولة وآلیات المواجهة لها، وهذا ما سیتم تناوله على النحو الآتی بیانه؛

انقضی نصف عقد على التغییر السیاسی العنیف فی لیبیا مع رحیل نظام معمر القذافی عنها فی 20 أکتوبر عام 2011 بعد حکم دام ما یربو على الأربعین سنة منذ ما عرف بثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، حدث دخلت لیبیا فی أعقاب انهیار نظامه – أی القذافی- فی دوامة متنامیة من العنف الداخلی المعقد، والذی سرعان من اتسع لیجتذب أطراف أجنبیة منتجاً تداعیات إقلیمیة مؤثرة، ومجسداً مخوف ومخاطر آنیة معتبرة، ومخاطر مستقبلیة أکثر تعقیداً.

ویمکن تمییز المخاطر الداخلیة المرتبطة بالتحدیات السیاسیة والأمنیة فی ضوء تقریر مؤشر هشاشة الدول إلى عدة مستویات، أولها تحدیات متصلة بشرعیة السلطة السیاسیة، وتحدیات متصلة بأداء النخبة السیاسیة اللیبیة، وتحدیات متصلة بأداء الوظیفة الأمنیة والعسکریة، وتحدیات متصلة بالتبعات الإنسانیة والاقتصادیة للعجز عن الاضطلاع بالوظیفة الأمنیة.

–      تحدیات الشرعیة السیاسیة اللیبیة؛

تعانی لیبیا منذ سقوط نظام القذافی من أزمة شرعیة معتبرة، حیث یتنازعها فرقاء کثر سیاسیین ومسلحین، ترفع لواء شرعیات مختلفة بین الشرعیة الثوریة والدستوریة وشرعیة القوة المسلحة، ویشیر اصطلاح “الشرعیة” نظریاً باعتباره مفهوم رئیس فی العلوم السیاسیة وعلم الاجتماع إلى “وجود اعتقاد بأن حکم أو مؤسسة أو زعیم لدیه الحق فی الحکم”. وهو الحکم الذی یخلق علاقة تراتبیة بین الحاکم والمحکومین، ترتب التزامات للأول فی مواجهة الأخیر، حیث أنه بوجودها – أی الشرعیة- وحیازتها تخلق تأثیرات جماعیة ممیزة کجعل النظام الاجتماعی الجماعی یعمل بکفاءة وعدل وتوافقیة أکثر، وأن غیابها یجعل من عملیة الضبط الاجتماعی مسألة أکثر صعوبة وکلفة، وهذا ما یجعل إضفاء الش رعیة مسألة مهمة للحکام المعاصرین.

على مدار السنوات التی اعقبت رحیل القذافی تعددت الشرعیات اللیبیة بین دستوریة وثوریة ومسلحة، ویأتی أولها شرعیة ثوریة دستوریة مبکرة عبر المؤتمر الوطنی العام، وهو مؤسسة تشریعیة خلفت المجلس الوطنی الانتقالی فی 8 أغسطس2012، حیث أنشئ وفق للإعلان الدستوری الصادر عن المجلس الوطنی الانتقالی القاضی بانتخاب مؤتمر وطنی عام خلال 240 یوم من إعلان التحریر الصادر فی 23 أکتوبر/تشرین الأول 2011، ویوکل له تعیین الحکومة، وتشکیل هیئة تأسیسیة لصیاغة الدستور.

وقد تأسس المجلس الوطنی الانتقالی فی 22نوفمبر 2011 برئاسة المستشار/مصطفی عبد الجلیل، وبعد تأسیس المجلس الوطنی العام ومقره طرابلس انتخب الدکتور محمد یوسف المقریف رئیسا له، ویرأسه حالیاً نوری علی محمد أبو سهمین، ویتکون من مائتی عضو عبر نظام انتخابی محل جدل لاعتماده على نظام المحاصة.)[7](

ولم یعد المؤتمر الوطنی العام معترف به دولی اً کما کان سابق اً، وقد شکل المؤتمر حکومة انقاذ وطنی برئاسة خلیفة الغویل، وقد أعلنت تلک الحکومة تنحیها عن السلطة فی أبریل 2016 لصالح حکومة الوفاق الوطنی، وذلک بعد رفضه لها عند تأسیسه.)[8](

ثانی تلک الشرعیات شرعیة انتخابیة أو ما یعرف بمجلس النواب اللیبی، و یشار إلیه إعلامیاً بـ “برلمان طبرق” برئاسة المستشار “عقیلة صالح عیسى، ([9]) )فقد انتخبت لیبیا برلماناً جدیداً یوم الأربعاء25 یونیو2014، وقد حظیت تلک الانتخابات بإشادة ودعم دولیین، إلا أنها شهدت إقبالاً وصف بالضعیف، وتخللته أعمال عنف، حیث صوت 630 ألف لیبی فی الانتخابات بنسبه مشارکة بلغت 42% وفقا لبیانات المفوضیة العلیا للانتخابات اللیبیة.

وثالث تلک الشرعیات هی الشرعیة الدولیة أو الأممیة الراهنة وهی تلک التی حصلت علیها حکومة الوفاق الوطنی برئاسة فایز السراج وهی الحکومة التی نتجت عن اتفاق سلام وقع فی یوم الخمیس الموافق 27 دیسمبر 2015بمدینة الصغیرات المغربیة برعایة الأمم المتحدة، ومبعوثها للیبیا “مارتن کوبلر”، وبحضور وزراء خارجیة دول غربیة وعربیة، حیث تم التوقیع بین أعضاء من البرلمان اللیبی “برلمان طبرق”، والمؤتمر الوطنی العام المنتهیة ولایته، وشخصیات لیبیة أخری، وتحظی تلک الحکومة بدعم أممی وغربی واسع،([10]) علی أمل أن یؤسس اتفاق الصغیرات انتقال سیاسی سلمی فی لیبیا، حیث ینص الاتفاق علی تشکیل حکومة وحدة برئاسة فایز السراج تقود مرحلة انتقالیة لمدة عامین تنتهی بإجراء انتخابات تشریعیة جدیدة. )[11](

رابع تلک الشرعیات هی الشرعیات المسلحة وهی شرعیات متنازعة اختلطت فیها الأوراق بی ملیشیات قبلیة وجهویة أو ملیشیات ت وصف بالجهادیة أو الإسلامیة، وأخری تحسب علی بقایا الجیش اللیبی، وأربعة توصف بالثوریة، ویعد الوضع علی الأرض أکثر تعقیداً حیث شکلت کل من تلک الملیشیات مناطق نفوذ وسیطرة مستفیدة من غیاب وجود قوة مسلحة شرعیة ورسمیة قادرة علی الردع، ومعظمها ارتبطت بأطراف سیاسیة لتمثل الذ ا رع العسکری لها کقوات فجر لیبیا المحسوبة علی المؤتمر الوطنی العام من ناحیة، وما یعرف بالقوات المسلحة اللیبیة بقیادة “خلیفة حفتر”، وکتائب مصراته، والزنتان، وکتائب “الصواعق” و”القعقاع” وتنظیمات أخری موسومة بالتطرف کتنظیم “أنصار الشرعیة” و”الدولة. ( الإسلامیة” وغیرها، ولفرض رؤیتها فی أی مسار لمستقبل لیبیا من ناحیة أخری.[12]

–       التحدیات المتصلة بالنخب اللیبیة؛

یعد أداء النخب اللیبیة أحد المداخل الرئیسیة للأزمة، حیث تتنازع النخب الموصوفة باللیبرالیة والعلمانیة والإسلامیة، والجهادیة، والثوریة الحکم والسلطة والنفوذ عبر المؤسسات التی تم تشکیلها أو عبر الاحتکام لمیلیشیاتها فی الشارع اللیبی لتقدم کل منها رؤیة جامدة بشأن المستقبل اللیبی، رافضة التخلی عن ملیشیاتها العسکریة، أو عاجزة عن ذلک، حیث ینطلق جل الفرقاء اللیبیین فی مفاوضاتهم من شرعیة نفوذه المسلح على الأرض مما یحول دون الاتفاق على بناء مؤسسات ضبط قادرة على فرض سیطرتها.

–      التحدیات الأمنیة والعسکریة فی الداخل اللیبی؛

بعد ما یزید عن خمس سنوات من وجود مسلحین فی الشارع اللیبی فی أعقاب الإطاحة بالقذافی تحول حمل السلاح من حالة مؤقتة استثنائیة بررها البعض بالثوریة، إلى وظیفة وعمل لحامله للکسب، والعیش، وهو ما أنتج مشکلة معتبرة وهی المستقبل الضبابی لحاملی السلاح حال تخلیهم عنه، وهو ما یعد مبررًا رئیساً –ضمن مبررات سیاسیة واقتصادیة أخری کورقة للتفاوض أو لجنی حصیلة بیع النفط- للصعوبات التی تواجه الفرقاء فی لیبیا فی سبیل إنشاء قوة مسلحة شرعیة قادرة على الردع.

–       التحدیاتالإنسانیةوالاقتصادیةالناجمة عن الإخفاق السیاسی والأمنی:

تنتج عن المشکلات السیاسیة والأمنیة المستمرة فی لیبیا، والتی تخلق حالة من السیولة والهشاشة للدولة جملة من التداعیات الإنسانیة والاقتصادیة المؤثرة، فعلی سبیل المثال تنامت تداعیات الحملة العسکریة ضد ما یعرف بتنظیم داعش فی غرب لیبیا، حیث استمرت أعداد النازحین فی الارتفاع حیث وصلت إلى 90.449 شخص من مدینة سرت وحدها أی ما یمثل أکثر من ثلاثة أرباع مجموع سکانها وذلک فی اتجاه مدن بنی ولید، ترهونة، مص ا رتة، الجفرة، وغیرها. فمنذ شهری أبریل ومایو فقط فر ما یقرب من 35 ألف شخص من مدینة سرت وفقاً للنشرة الإنسانیة الشهریة الصادرة عن بعثة الأمم المتحدة لدعم لیبیا، والصادرة فی 5 یولیو 2016، وقد استقبلت مص ا رتة وحدها مؤخرًا ما یقرب من 1700 أسرة، أو8775 شخص من بینهم حوالی 3000 طفل دون سن الثالثة.

وقد قَدرت المنظمة الدولیة للهجرة فی بیاناتها إجمالی عدد النازحین داخلیاً ب 425, 250 شخص، وعدد العائدین للیبیا ب 258, 025 شخص، أما عدد المهاجرین فقد بلغ 264, 014 خلال فترة الأزمة الراهنة فی لیبیا. ویصاحب ذلک احتیاجات متزایدة للحمایة والمیاه وخدمات الصرف الصحی والنظافة والإمدادات الصحیة، وأخیرًا الخدمات التعلیمیة، وهو ما یمثل تحدیاً –حال استمراره- أمام مسار التسویة السیاسیة السلمی للأزمة فی لیبیا.

–       التحدیات الإقلیمیة العاصفة بالداخل اللیبی:

یشکل الوضع السائل والهش للدولة فی لیبیا جملة من المخاطر الإقلیمیة الراهنة والمنظورة فی المستقبل القریب، وتتمثل أول تلک المخاطر فی اعتیاد حمل السلاح وتوطینه، وهو ما یجعل من لیبیا قبلة للتنظیمات الخارجة عن القانون، ومنطقة جذب لها من دول شمال أفریقیا ودول ساحل الصحراء الأفریقیة، مما یجعل منها نقطة ارتکاز دائمة لنشاط التنظیمات الموسومة بالتطرف.

أما عن ثانی المخاطر الإقلیمیة فتتمثل فی الوضع الجزائری الحرج، واحتمالات انتقال العدوی من لیبیا إلى الجزائر فی أعقاب رحیل بوتفلیقة الذی بات وشیکاً، وهو ما قد یقود إلى انفجار منطقة شمال أفریقیا بالکامل.

وثالث تلک المخاطر تتمثل فی سیولة الحدود وما یصاحب ذلک من نشاطات غیر شرعیة کالتهریب بأنواعه مما یمثل تحدیاً اقتصادیاً وأمنیاً لدول الجوار اللیبی، ویدفع بها إلى ضرورة تشکیل موقف مؤثر فی تفاعلات الأزمة اللیبیة من ناحیة، ویخلق مصالح ومنافع اقتصادیة لجماعات وتنظیمات تسعی لحمایتها مستقبلا.

فی حین یدور رابع تلک المخاطر حول فتح الأزمة فی لیبیا للتدخل الدولی الغربی علی مصراعیه فی المنطقة العربیة مجددا بصورة أکثر تعقیداً، وبمبررات سائلة غیر قابلة للضبط کذریعة مکافحة الإرهاب.

وعلیه تعظم المخاطر الإقلیمیة على دول الجوار من أهمیة الأزمة اللیبیة من ناحیة، وتعدد المتورطین فیها محلیاً واقلیمیا ودولیا من ناحیة ثانیة، ویعقد ویراکم ملفاتها بشکل متسارع، مما یجعل الحدیث عن عبور لیبیا لتلک المرحلة المأزومة من تاریخها المعاصر محل شک على المدی الق ریب والمتوسط على الأقل.

–      تحدیات الظاهرة الإرهابیة العاصفة بالدولة اللیبیة؛

واستکمالًا لما سبق وتحدیدًا فیما یتعمق بالنقاط الجوهریة والتحول النوعی الذی شاب الظاهرة الإرهابیة وبانتقالها من حال أخطر مما تواجدت علیه باتت مهددة لاستمرار الدول العربیة القطریة المعاصرة بمفهومها الحدیث عامة والدولة اللیبیة خاصة وأضحت تمثل تحدیًا خطیرًا ویتعین أن یتم إیجاد الآلیة المناسبة من أجل التخلص منه وذلک لأنه یهدد بانقضاء الدولة ومؤسساتها والدخول فی حالة من السیولة، وذلک لأن الإرهاب یهدد استمراریة الدولة القطریة العربیة ما آل بتلک الظاهرة من تغیرات جل نوعیة وعلى نحو أخطر حیث تبدلت الخطى والتنظیم والتخطیط والاستراتیجیات التی انتهجتها تلکم التنظیمات وذلکم من خلال تعریض الأفراد  بل والمجتمعات لمخاطر لم تکن لتتواجد فی الحقب السالفة من صفحات التاریخ التی طالما ولم تطوى على غدر الإرهاب وجرائمه الشنیعة لتسطر من خلال الألفیة الجدیدة صفحات من دماء الأبریاء وتتخللها أسطر سوداء وذلک من خلال خلق حروب میدانیة لا تناظریة بین جیوش نظامیة وتنظیمات مسلحة على درجة عالیة من التنظیم والتخطیط والدقة المتناهیة استهدافًا لأهدافها وتحققها.

ولعل ما شهده الإرهاب من تحولات وتَطور على مستوى الأشکال التی یتواجد علیها فضلًا عن الصور التی یتخذها ناهیک عن الأنماط التی تطورت واختلفت باختلاف الدافع من العملیات الإرهابیة وأغلبها کانت توجو ضد الدولة القومیة القطریة بمعناها المعاصر، فإذا ما تفرد الباحث ذکرًا لأشکال الإرهاب فیتضح تطورها وتدرجیًا من الإرهاب الفردی العشوائی إلى التنظیم لیشمل ضمن ما یشمل على الإرهاب الفردی والجماعی، ([13]) ثم تطور إلى الإرهاب من حیث النطاق الجغرافی أو الحیز الذی یمارس فیه وقسم إلى إرهاب الدولة تمارسه ضد رعایاها أی الإرهاب من الداخل أو الإرهاب الموجه ضد جوارها، الإرهاب إلى الخارج ثم بالتطور لیتسع ویشمل الإرهاب المحلی ثم الإقلیمی وأخیرًا  لشمل العالم من خلال الإرهاب العابر لمحدود أی تستهدف تلک التنظیمات مختلف مناطق العالم غیر مکترثة بمکانة ووضع الدولة أو حجم الضحایا التی تحدثها، ([14]) وعلى صعید آخر تأتی صور الإرهاب التی تباینت وفقًا لحجم العملیات وأشکالها والدافع من تواجدها وبرز منها؛ الإرهاب العرقی، الانفصالی، الإرهاب الثوری هذا بالإضافة للإرهاب الفکری والفوضوی وناهیک عن الإرهاب الرجعی والنفسی وأخیرًا الدینی،[15]  وعلى صعید ثالث تطورت صور الإرهاب لتضم فی حیثیاتها الإرهاب وفقًا للتطور العلمی کالبیولوجی والکیمیائی والنووی هذا بالإضافة للإرهاب الإلکترونی، وأخیرًا على صعید رابع أنماط الإرهاب التی تعددت لتشمل النمط السیاسی والاقتصادی والاجتماعی والأیدیولوجی.

مِن ثمَ، تنوعت الأسالیب التی تنتهجها التنظیمات الإرهابیة فی تنفیذ أهدافها وجل تختلف وفقًا لحجم العملیة والدوافع من ارتکابها والأهداف المنشود تحقیقها سواء تعمق بالزخم الإعلامی أو بإثارة الرعب أو تمریر رسالة للهیئات الحاکمة بإحراج سلطتها أمام المجتمع الدولی وإظهارها بالعاجزة عن أداء سیاقاتها أو أن تثیر الرعب والفزع فی نفوس البریة ومن أبرزها التفجیرات والعملیات الإرهابیة هذا الإضافة عن الأعمال التخریبیة وإثارة الفوضى والاختطاف بأنواعها المختلفة من الفرد إلى الطائرات ناهیک عن اغتیال الشخصیات الهامة وغیرها من الأسالیب، کما وأنه على النقیض مما سبق تکمن المسارات التی تتخذها التنظیمات الإرهابیة والتی تتراوح ما بین مسارات طولیة تنفذ على مدار الدولة من أقصى شمالیا لأقصى الجنوب وأخرى عرضیة أی من الشرق للغرب بامتداد الدولة وثالثة دائریة أی تتخذ من منطقة ما مرتکزً لعملیاتها وتطوقها بوابل من الهجمات بشکل قطری أی یتناولها من مختلف جهاتها.

وعلیه تکمن أبرز التنظیمات والکیانات الإرهابیة المتواجدة فی لیبیا والتی تلعب دورًا فی التأثیر على مجریات الأحداث فیها یکمن توضیحها والتطرق لها على النحو الآتی بیانه فی ظل تصاعد وتیرة الأعمال العدائیة والإرهابیة على نحو تمیز بحدته الشدیدة وذلک لاختلاف الوضع فی لیبیا عن نظیراتها من الدول عن ممن تخوض حرب الوجود ضد تنظیمات وحرکات مسلحة، فما یجعل الوضع جل مغایر کون أن لیبیا تتمیز بالصحاری والمناطق الجبلیة الوعرة التی تقع خارج سیطرة القوات الأمنیة نظرًا لما تحویه من مخاطر فتکون بمثابة الملجأ لتمک الحرکات ولا یمکن مجاراتها فی تلک المناطق نظرًا  لخبراتها وعلمها الکامل بحیثیات المکان، ولعل من أبرز تلک الکیانات المهددة لسلطة الدولة اللیبیة ما یمکن التطرق له على النحو الآتی بیانه؛

–       علىصعیدالجیشالوطنیاللیبیفیضم فی داخله العدید من المیلیشیات المسلحة ومن أبرزها ألویة القعقاع، قوات الصاعة، لواء الزنتان، القوات الخاصة، لواء الدبابات أما عن أبرز مهامه  تمثلت فی محاربة التنظیمات الرادیکالیة الإسلامیة المتواجدة فی البلاد ومحاربة الإرهاب والسعی لاستعادة الاستقرار المفقود مذ ما یزید عن سبع أعوام، وعلى النقیض الآخر التنظیمات المهددة لأمن واستقرار الدولة ومنه کما أشیر سابقًا فجرلیبیا، تلک الحرکة المتأسلمة کما تدعی والتی کانت تسیطر على مساحات شاسعة من الدولة وخصیصًا المدن الساحلیة قبل تحریرها من قبل الجیش الوطنی اللیبی بقیادة اللواء متقاعد خلیفة حفتر، کما أنه نَسب لها الهجوم على مطار العاصمة طرابلس فی 2014.[16]

–        مجلسشورىمجاهدیدرنة، فتعد الأبرز وخاصة فی الشمال الشرقی من لیبیا وتحدیدًا مدینة درنة وقد تأسست فی دیسمبر 2014 وخاصة عقب انطلاق عملیة الکرامة بقیادة اللواء حفتر وقام على تکوینها محمد الزهاوی ومؤیدة لفکر القاعدة، کما أنها ضمت بداخلها مجموعة من الحرکات الرادیکالیة التکفیریة، أما عن أبرز مناطق التمرکز والانتشار الخاصة بها فتتواجد فی مصراته وبنی غازی، وصبراتة  وسرت وطرابلس هذا بالإضافة لدرنة، ومن أبرز الکتائب التی انضمت لها “البتار” وهم المقاتلون العائدون من سوریا وکتیبة شهداء أبو سلیم، أما أن أبرز نجاحاتها تمثلت فی القضاء على تنظیم الدولة وإخراجه من درنة فی أکتوبر2015.

–       مثلتسرایا الدفاععنبنیغازی، أو ما یمکن أن یطلق علیه الوریث الشرعی لمجلس شورى مجاهدی بنی غازی وخاصة بعد أن تم تفکیک الأخیر من قبل الجیش الوطنی فی العملیة أنفة الذکر والقضاء على مناطق نفوذها فی أجدابیا وبنی غازی، لذا تشکلت سرایا الدفاع بانضمام نیف من التنظیمات التکفیریة منیا لواء 17 فبرایر ومجلس شورى ثوار بنی غازی، ولواء شهداء راف الله السحاتی هذا بالإضافة لمجلس شورى ثوار أجدابیا، أما عن مناطق نفوذ سرایا الدفاع، بنی غازی، وأجدابیا ودرنة وغیرها من المناطق الأخرى.)[17](

–       جماعةالمرابطونوالتی کانت منشأة تحت قیادة ضابط مصری مفصول من الجیش وکان من فئات الصاعقة والمدعى “هشام عشماوی”  والذی تم القبض علیه مؤخرًا من قبل السلطات المصریة وتم ترحیله من أجل ما ارتکبه من جرائم، واتخذت من مدینة درنة مرکزًا لتدریباتها وذلک لکی توجه ضرباتها باتجاه مصر کما أنه وعلى نحو آخر تفرعت منها خلیة وکانت متواجدة على بعد 365 کلیو متر من القاهرة وکانت مسماه “خلیة الواحات البحریة” بقیادة ضابط مفصول آخر من الجیش المصری، کما أنها استغلت الشریط الحدودی بین الدولتین سالفی الذکر وخاصة المناطق الصحراویة الوعرة لتنفیذ أعمالها الإجرامیة وقد تمکنت السواعد المصریة ممثلة فی القوات الأمنیة بشقیها العسکری والشرطی من أجل القضاء على تلک الخلیة فی أکتوبر من العام المنصرم وتفکیکها، وعمى صعید ثالث تأتیالخلایاالنائمةلداعشوتلک التی تتواجد فی بنی غازی والبیضاء وخاصة بعد اندثار التنظیم من لیبیا عقب القضاء على “مجلس شباب الإسلام” التابع والموالی لداعش والذی یحوی بداخله مجندین من الفئتین العربیة والأجنبیة وبقیادة “أبو سلیمان التاجوری” بتکلیف من أبو بکر البغدادی کما تمثلت أبرز نجاحاته بسیطرته على مدینة درنة فی أغسطس من عام 2014 ولکن تم القضاء علیه من قبل قوات البنیان المرصوص التابعة لحکومة الوفاق اللیبیة، بینما على صعید رابع  برزت مجموعة من الحرکاتالمسلحةفیغربلیبیاتدعم کل من حکومة الوفاق الوطنی ومتمثل أبرزها فی؛ قوات درع لیبیا، وکتیبة النواصی ومیلیشیات الأمن المرکزی ناهیک عن لواء المحجوب وکتیبة ثوار طرابلس، وأخرى تدعم حکومة الإنقاذ التی أفرزها المؤتمر الوطنی العام ومنها کتیبة المرسی، لواء الحلبوص وجماعة بلحاج هذا بالإضافة إلى ملیشیا الحرس الوطنی التی تعتبر الفرع لذلک الجذر العتیق.(([18]

کانت تلک عمى صعید الخریطة لأبرز الحرکات المسلحة فی لیبیا المنجلیة منها وتلک التی مازالت تتواجد وأخرى تلفظ أنفاسها الأخیرة، والتی تسیطر بنحو أو بآخر على الواقع اللیبی ومدرکاته ومساراته المختلفة المتباینة، ویخلص مما سبق أن الدور الذی یلعبه الجیش الوطنی اللیبی بانطلاق عملیاته ضد التنظیمات المسلحة فی لیبیا قد أربک بحال تلک التنظیمات ولا یمکن إنکار النجاحات التی حققها فرادى أو من خلال تلقیه العون والدعم من الآخرین ولکن إذا ما دُقق النظر ملیًا فی أن تلک الحرکات التی تم تفکیکها کمجلس الشباب الإسلامی أو کمجلس شورى بنی غازی وغیرها من الحرکات المسلحة الرادیکالیة والتکفیریة یتضح من قبیله أنها تندرج تحت لواء حرکات مسلحة أخرى أو أن تعتمد على ما یمکن أن یطلق علیه الخلایا النائمة فی عملیاتها أو تقوم بإنشاء حرکات جدیدة بأسماء إما تتشعب من المنقضیة أو تختلف کثیرًا عنها حتى جماعة المرابطون التی قامت القوات المصریة بحلحلتها وتفکیکها انضمت باقی العناصر المشکلة له لعدة تنظیمات وحرکات مناظرة لها، فالأمر متعلق فقط بتشتیت تنظیمها وهیکلها والقضاء على قادتها مما تضطر إلى اللجوء لغیرها من الحرکات أو تمارس عملیاتها معتمدة حتى عمى ما یمکن أن یطلق علیه کما أشار الباحث فی موضع سابق الخلایا النائمة أو ظاهرة الذئاب المنفردة، لذا مازالت تتواجد وتمارس أهدافها حتى لو کانت من خلال أخرى لا تحمل نفس المسمى ولکن بثوب جدید وفی ظل قیادة جدیدة ومنهاج مختلف.

–       المؤشرات الحیویة للدولة اللیبیة “أمال المستقبل”

سیتطرق الباحث فی هذا البند إلى أبرز المؤشرات التی تتمتع بها الدولة اللیبیة وذلک على الرغم من استمرار السیولة وانقضاء الدولة فی ظل النزاعات المسلحة والحرب ضد الجماعات المسلحة والتنظیمات الإرهابیة إلا أنه ما زال هنالک أمل وتطلع من قبل الشعب اللیبی من أجل مستقبل أفضل من الظرفیة الحالیة التی تتواجد علیها الدولة وهو الأمل الذی ینبع من إمکانات وثروات، لذا سیتعین فی هذا الموضع رصد بعض من المؤشرات التی مازالت تحتفظ بها تلک الدولة، وسیتم تناولها کما والآتی؛

أولًا على صعید المؤشرات الحیویة التی تمتلکها الدولة اللیبیة على الرغم من حالة السیولة والهشاشة التی تنضوی علیها إلا أن هنالک أساس وجوهر یمکن البناء علیه من أجل تطلعات شعوبها لمستقبل أفضل یحمل فی طیاتها السلام والاستقرار والأمن والتنمیة بعیدًا عن مدرکات الفساد والحروب الأهلیة والإرهابیة والصراعات القبیلة ومنه لصراعات السلطة وما إلى ذلک من عوامل هدم الدول، وتتمثل أبرزها لموقعها فی مؤشر القوة الوطنیة حیث احتلت المرکز الثالث إفریقیًا بعد کل من مصر والجزائر وجنوب إفریقیا وفی المرکز الـ63 عالمیًا وذلک بالرغم مما تمر به من الظروف والسیاقات التی تعصف بها ولکن بالنظر لموقعها فتعتبر من الدول القویة إفریقیا والتی تستطیع أن تتجاوز وتتغلب على کافة التحدیات وأن تعید بناء مؤسسات الدولة مرة أخرى. )[19](

ثانیًا تمتلک تلک الدول الاحتیاطات الضخمة من المواد البتروکیماویة وذلک على الرغم من حجم الفاقد والمستنزف من تلک الموارد نتیجة فقدان السیطرة علیها من قبل مؤسسات الدولة، بالإضافة لتعرضها للاختلاس من قبل العدید من الجماعات المسلحة التی تتواجد فی أرضها أو حتى على صعید الدول الکبرى، ناهیک عن موقعها على السواحل البحریة کالبحر المتوسط وهذ یتیح لها رفاهیة نقل منتجاتها النفطیة للدول الأوروبیة مباشرة ویسهل من إجراءات التجارة الخارجیة والاستفادة منها کذلک فی عملیة التنقیب على المواد النفطیة لتعزیز إنتاجها من تلک الصناعة هذا إذا ما تم الافتراض أن تلک الدولة قد تخلصت من التهدیدات التی تعصف بها.

ثالثًا وأخیرًا عن التطلعات اللیبیة للمستقبل التی وطالما تأمل بعکس الواقع ویمکن جملها فی الآتی؛ التحول لصیغة جدیدة من صیغ مؤسسة السلطة تتجاوز الصیغة الراهنة، وهی تطلعات إن کانت تفرط فی الأمل للمستقبل لکن هذا فی ظل ما تقبع به تلک الدولة وما یعایشه شعوبها من نکبات إنسانیة فُرضت علیها بحروب بالوکالة لا تناظریة فی بعض الأحیان الأخر، وبالتالی تطلعات السلطة الجدیدة تشمل صیغ أخرى جدیدة فی الحکموتأسیس شکل جدید للسلطة لا یطلق علیه بحال الدولة القومیة أو القطریة وبالتالی سینعکسبالإیجاب على تحقیق الاستقرار فی الدولة ومنه تنجلی الحرکات المسلحة تدریجیًا نتیجة درءالخلافات بین الحکومة والموالین والقوى الأخرى فی الدولة ومن خلال بذل الجهود والمساعیلخلق صورة حمیدة وصحیة للسلطة تبتعد بها عن تشوهات الدولة القومیة التی خلفتها، ولکنبالنظر لتکلفة هذه التطلعات والآمال حیث یقتضی من کافة الأطراف التنازل للصالح العام اللیبی وغض الطرف عن أی مصالح ذاتیة من شأنها أن تعرقل تنفیذ هذه الرغبة وعلى صعید آخرتکثیف العملیات من قِبل الجیش الوطنی اللیبی ضد التنظیمات المسلحة والحرکات الإرهابیةالتی تمارس نفوذًا فی تلک الدولة ومن سبیله سیتطلب المزید من الأسلحة والتخطیط المکثفللقضاء على معاقل الإرهاب وهذا فی ظل الضعف الاقتصادی الذی تعانی منه والبنیة التحتیة المدمرةلذا لتحقیقه فیتطلب جَهد مکثف ولکن إن تم تطبیقه فیأتی بثماره الإیجابیة التی ستؤثر على الوضع القائمفی لیبیا کدولة واللیبیین کشعب.

–       قائمة المراجع:

  1. لواء أرکان حرب متقاعد حسام الدین محمد سویلم، “القوة الشاملة للدولة وکیفیة حسابها،مجلة “البریة” الصادرة
  2. عنإدارةالشئونالعامةبالقواتالبریةالملکیةالسعودیة،ومتاحة عبر الرابط الالکترونی التالی:
  3. https://rslf.gov.sa/arabic/albarriyamagazine/articles/pages/overallstrengthofthestateandhowtocalculateit.asp
  4. What Does “State Fragility” Mean? Fragile States Index, Via Link http://fsi.fundforpeace.org/faq-06-state-fragility.
  5. المؤتمر الوطنی العام لدولة لیبیا، عبر الرابط الرسمی؛ http://www.gnc.gov .ly/about-uspage.aspx ا
  6. تنحی حکومة الانقاذ الوطنی المعلنة من جانب واحد فی لیبیا، شبکة بی بی سی الإخباریة، بتاریخ 5 أبریل 2016 متاح عبر الرابط التالی: http://www.bbc.com/arabic /middleeast/2016/04/160405_libya_gov_stepdown
  7. مجلس النواب اللیبی، الموقع الرسمی عبر الرابط التالی: http://www.libyan-parliament.org/
  8. بعثة الأمم المتحدة للدعم فی لیبیا، متاح على الرابط؛ https://unsmil.unmissions .org/Defaultaspx?tabid=5360&
  9. توقیع اتفاق الصخیرات بین الأطراف اللیبیة، وکالة سکای نیوز عربیة،17 دیسمبر 2015، عبر الرابط التالی: http://www.bbc.com/arabic/interactivity /2016/04/160401_comments_libyan_new_government
  10. من یحکم لیبیا الیوم؟،  إذاعة مونت کارلو الدولیة، متوفر على الرابط؛ http://www.mc-doualiya.com/articles/2016021
  11. إسماعیل عبد الکافی عبد الکافی، الإرهاب ومحاربته فی العالم المعاصر، کتاب إلکترونی، بدون تاریخ، ص88.
  12. رشا عدنان محمد مبیضیین، دور الإرهاب فی إعادة صیاغة العلاقات العربیة الأوروبیة 1990-2006، رسالة ماجستیر، جامعة مؤتة، کلیة الدراسات العلیا، 2007.
  13. خالد عبد الرحمن القریشی، الإرهاب الفکری مفهومه، بعض صوره وسبل الوقایة منه، المملکة العربیة السعودیة؛ المؤتمر العالمی عن موقف الإسلام من الإرهاب، 2004.
  14. خریطة وأماکن انتشار الجماعات المسلحة التی تهدد لیبیا، متاح على الرابط؛ http://ewanlibya.ly/default.aspx .2018/10
  15. رحمة محمود، خریطة انتشار الجماعات الجهادیة المسلحة فی لیبیا، متاح على الرابط؛ – http://www.almarjieparis.com

/ http://www.nationalpower.info/ladder-of-national-power-and-other-rankings


[1] لواء أرکان حرب متقاعد حسام الدین محمد سویلم، “القوة الشاملة للدولة وکیفیة حسابها،مجلة “البریة” الصادرة

عنإدارةالشئونالعامةبالقواتالبریةالملکیةالسعودیة،ومتاحة عبر الرابط الالکترونی التالی:

https://rslf.gov.sa/arabic/albarriyamagazine/articles/pages/overallstrengthofthestateandhowtocalculateit.asp

[2]. عمر الفاروق سید رجب، مرجعسابق،ص 4، 11.

[3]. عمر الفاروق سید رجب، مرجعسابق،ص 14

[4]. What Does “State Fragility” Mean? Fragile States Index, Via Link http://fsi.fundforpeace.org/faq-06-state-fragility.

[5]. Fragile States Index 2016, Pp 13, 14.

[6]. Fragile state index 2017, p36.

[7]. المؤتمر الوطنی العام لدولة لیبیا، عبر الرابط الرسمی؛ http://www.gnc.gov.ly/about-uspage.aspx ا

[8]. تنحی حکومة الانقاذ الوطنی المعلنة من جانب واحد فی لیبیا، شبکة بی بی سی الإخباریة، بتاریخ 5 أبریل 2016 متاح عبر الرابط التالی:

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/04/160405_libya_gov_stepdown  

[9]. مجلس النواب اللیبی، الموقع الرسمی عبر الرابط التالی: http://www.libyan-parliament.org/

[10] . بعثة الأمم المتحدة للدعم فی لیبیا، متاح على الرابط؛ https://unsmil.unmissions.org/Defaultaspx?tabid=5360&c

[11] . توقیع اتفاق الصخیرات بین الأطراف اللیبیة، وکالة سکای نیوز عربیة،17 دیسمبر 2015، عبر الرابط التالی:

http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2016/04/160401_comments_libyan_new_government

[12] . من یحکم لیبیا الیوم؟،  إذاعة مونت کارلو الدولیة، متوفر على الرابط؛ http://www.mc-doualiya.com/articles/2016021

[13]. إسماعیل عبد الکافی عبد الکافی، الإرهاب ومحاربته فی العالم المعاصر، کتاب إلکترونی، بدون تاریخ، ص88.

[14] . رشا عدنان محمد مبیضیین، دور الإرهاب فی إعادة صیاغة العلاقات العربیة الأوروبیة 1990-2006، رسالة ماجستیر، جامعة مؤتة، کلیة الدراسات العلیا، 2007، ص 25.

[15] . خالد عبد الرحمن القریشی، الإرهاب الفکری مفهومه، بعض صوره وسبل الوقایة منه، المملکة العربیة السعودیة؛ المؤتمر العالمی عن موقف الإسلام من الإرهاب، 2004، ص 26.

[16] . خریطة وأماکن انتشار الجماعات المسلحة التی تهدد لیبیا، متاح على الرابط؛ http://ewanlibya.ly/default.aspx .2018/10

[17] . رحمة محمود، خریطة انتشار الجماعات الجهادیة المسلحة فی لیبیا، متاح على الرابط؛ – http://www.almarjieparis.com     

[18]. المرجع السابق.

[19]. / http://www.nationalpower.info/ladder-of-national-power-and-other-rankings

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button