مستقبل الجماعات الجهادية في ليبيا
د خالد حنفي علي باحث في الشئون الأفريقية مجلة السياسة الدولية – الأهرام
شكلت عملية “حملة الكرامة” التي قادتها قوات اللواء خليفة حفتر غير الخاضعة الإمرة الجيش الوطني في مايو 2014، ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في بنغازي؛ تحولا مؤثرا في مجريات الصراع الليبي، لا سيما أنها اجتذبت تأييد بعض القبائل والقوات العسكرية في الشرق والغرب. بيد أن العملية عكست في جانب آخر منها التأثيرات ذات الطبيعة التهديدية لتلك الجماعات على الأمن القومي لدول الجوار الإقليمي، لاسيما في ضوء الارتباطات العابرة للحدود بين الإسلاميين بأطيافهم المختلفة ( المعتدلون، السلفيون المتشددون، الجهاديون المسلحون) الذين استثمروا ما أحدثته ثورات الربيع العربي من نفاذية إقليمية للأفكار والقضايا، وضعف لسلطة الدولة في تعضيد نفوذهم السياسي وامتداداتهم الإقليمية.
السؤال الأبرز التي تثيره عملية حفتر، يتعلق بطبيعة وحجم التهديد الأمني المتصاعد التي تشكله الجماعات الإسلامية المسلحة في شرق ليبيا، وهل يمكن أن تشكل العملية من هذا النوع تحجيما لهذا الخطر المتصاعد؟. يستدعي الإجابة على ذلك فهما لمتغيرين أساسيين، أولهما: طبيعة التهديدات التي تشكلها الجماعات الجهادية في ليبيا. أما الأمر الثاني، فيتعلق بملابسات العملية نفسها ومساراتها المحتملة على الصراع الداخلي في ليبيا. أولا: البيئة الحاضنة للجماعات الجهادية في ليبيا.
بداية، لا يمكن فصل بزوغ الجماعات الإسلامية الجهادية في ليبيا عن السياق العام النشأة تيار الإسلام السياسي، والذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين في العام 1949، كامتداد فكري للجماعة الأم التي أطلقها الشيخ حسن البنا في مصر في العام ۱۹۲۸، بعد قدوم عدد من المعلمين الإخوان مصر للتدريس في ليبيا، إذ مثلت الجماعة، سواء عبر أفكارها أو تقلبات مواجهتها مع نظام القذافي الوعاء الحاضن النشأة التيارات الجهادية في ليبيا، وخصوصا في الشرق الذي يملك “بنية تدينية متجذرة” عمقتها الحركة الصوفية السنوسية.
