دراسات سياسية

مصطلح سيادة الدول من الاعتراف به إلى عولمته

عبدالله المخلوق باحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية

إن السيادة تبلورت من السيد،والسيد يطلق على الفاضل والمالك والشريف…

 وهذا الأخير هو صاحب السلطة والسلطان على شيء معين،والسيادة هي السلطة العليا في الدولة،وبناء عليه فإن سيادة الدولة تعني أنها سيدة في اتخاذ قراراتها الداخلية والخارجية،بما يتناسب مع المشروعية والشرعية وأيضا الشرعنة.والسيادة ارتبطت بالمفكر والفيلسوف الفرنسي “جون بودانّ Jean Bodin(1530-1596)”، الذي يعتبر أول من نظَّر إلى السيادة وعرَّفها،من خلال كتابه:”الكتب الستة للجمهورية الصادر سنة 1576م”،بأنها:”السلطة الدولة العليا المطلقة والأبدية والحازمة والدائمة التي يخضع لها جميع الأفراد رضاءً أو كرها “.وأن هذه السلطة حسبه غير خاضعة لأي قانون باستثناء القانون الطبيعي.

دون الخوض في ماهية السيادة أكثر فأكثر،فمقالي متمايز عليه،حيث نلاحظ اليوم تأكل سيادة الدول عن طريق الدول المهيمنة أو السائدة في النظام الدولي الجديد،عبر مؤسساتها المالية والاقتصادية والبيئية والثقافية العابرة للحدود الوطنية،مما يشكل عائق لاستمرار الدولة القومية التي أنشأت بواسطة معاهدة وستفاليا سنة 1648م،حيث يحل محلها الشركات المتعددة الجنسيات كأكبر مخترق لسيادة الدول.

إن استمرار سيادة دولة ما يجب أن يكون لها وزن في النظام الدولي الجديد،أي يجب أن يكون النظام الدولي متعدد الأطراف وليس ثنائي أو أحادي،كما هو عليه الشأن الآن.لأن تاريخ الدول هو تاريخ الحروب سواء المباشرة أو غير المباشرة (حروب بالوكالة)،من أجل تحقيق مصالحها،فالولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة المهيمنة في النظام الدولي الجديد منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي،بعد انهيار المعسكر الشرقي بزعامة الإتحاد السوفيتي،وتقوم باختراق سيادة عدة دول،كبناء قواعد عسكرية،فرض التعامل بعملة الدولار الأمريكي في أكبر اقتصاديات العالم،بصفة عامة ممارسة القوة الناعمة بشتى أنواعها ومدى تأثير ذلك مباشرة على سيادة الدول.

وبناءً على ذلك فإن موضوع سيادة الدولة لا يزال يستنزف أقلام الباحثين سواء في العلوم السياسية أو غيرها،وبالتالي يمكن القول أن الدولة تم اختراق أهم أركانها،منذ الاعتراف به عن طريق معاهدة وستفاليا.فالسيادة في حد ذاتها تتكون من سيادة داخلية،والتي تعني صلاحية الدولة في بسط نفوذها على أجزاء ترابها،وسيادة خارجية.

ومن جهة أخرى فإن كل دولة اعترف بها في منظمة الأمم المتحدة،تصبح ذات سيادة،وبالتالي يجب على جميع الدول أن تحترم سيادتها،أي لا يجب أن تتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية (كإبرام معاهدات مثلا)،ولكن هناك مشكل يتعلق بالتدخل في شؤون الدولة الداخلية بطريقة غير مباشرة،كسمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية للدولة،وأيضا إنجاز شروط بعض الوكالات المتخصصة كصندوق النقد والبنك الدوليين على سبيل المثال لا الحصر،عندما يتم الاقتراض منهما،وكذلك فرض تدريس لغات الدول المهيمنة في النظام الدولي الراهن على باقي الدول الأخرى،والعكس غير صحيح… مما يشكل انتهاك صارخ لسيادة الدول  وتأكلها،إذن أين سيادة الدول من هذه التدخلات الإيديولوجية؟.إن اتخاذ قرار برضا الدولة فهو غير متعارض مع السيادة كما هو الشأن في الدستور الألماني لسنة 1949 م حيث أكد في  مادته 24 من الفصل الأول:”يجوز للإتحاد،بموجب قانون،أن ينقل حقوقه السيادية إلى مؤسسات دولية”،حسب البعض،وحسب البعض الآخر يؤكدون على وجود تآكل للسيادة رغم وجود رضا الدول.

وباتت سيادة الدول الغير المهيمنة في النظام الدولي الجديد معرضة لكثير من المخاطر:

كالتنازل عن السيادة وفقدانها؛

وخرق السيادة؛

ثم تصادم السيادات داخل الأمة الواحدة المجزأة كالأمة الألمانية سابقا والكورية،والأمة العربية …

ولإرجاع  الدول سيادتها الكاملة يجب أن يتحول النظام الدولي الجديد،من نظام ثنائي أو أحادي إلى نظام متعدد الأطراف،لكي لا تطغى دولة على أخرى ويكون بذلك تساوي للسيادة،ناهيك عن مراجعة المعاهدات سواء الثنائية منها  أو المتعددة الأطراف التي تمس السيادة بشكل واضح،وإبرام معاهدات أخرى لا تمس بها برضا الدول في إطار الشرعية الدولية والمشروعية.

لأن كثير من الدول اليوم عند اتخاذ بعض القرارات العمومية الداخلية المتمثلة في سياستها العمومية والعامة،أصبحت تتشاور مع الدول السائدة في النظام الدولي الجديد،إن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على أن الدول المتنحية في النظام الدولي الجديد لا تملك الإرادة،وهذا ما يتعارض مع احترام إرادتها المنفردة.إذن أصبحت كثير من دول العالم اليوم بمثابة ولايات تابعة للدول المهيمنة في النظام الدولي الجديد،لها ما يشبه بالحكم الذاتي إن صح التعبير،رغم وجود سلطة سياسية،إقليم ،شعب،واعتراف دولي،أي يجب أن تكون لهما سيادة كاملة،بمعنى أن تكون الدولة عند صياغة وتنفيذ القرارات العمومية أو البرامج العمومية أن تقوم بذلك بمحض إرادتها،وليس تحت ضغوطات أجنبية احتراما لمبدأ سلطان الإرادة.ماذا لو فقدت دولة سيادتها الداخلية والخارجية؟ نسمي دولة فاشلة إذا فقدت سيادتها الداخلية،أي غير قادرة على بسط نفوذها وإرادتها على مجال ترابها،نذكر على سبيل المثال لا الحصر حالة اليمن مع الحوثيين وحالة  أفغانستان مع طالبان،وحالة لبنان مع حزب الله…،لا أريد أن أدخل في أسباب هذه النزعات ولكن أريد إعطاء بعض الأمثلة للدول الفاقدة لسيادتها الداخلية.كما نسمي دولة ناقصة السيادة إذا فقدت سيادتها الخارجية،بمعنى أنها غير مستقلة.

من جهة أخرى فإن أسلحة العولمة التي تمس سيادة الدول،تتجلى في الشركات العابرة للحدود،محاربة الإرهاب،احترام حقوق الإنسان والحريات العامة،صندوق النقد الدولي والبنك الدولي،نشر الديمقراطية في بعض دول العالم الثالث،منظمة التجارة الخارجية…

وكخلاصة فإن تأثير العولمة على سيادة الدول يكمن فيما هو اجتماعي،كضعف العادات الاجتماعية للدولة وتراجع في العدالة الاجتماعية…وما هو اقتصادي كتأثير الشركات العابرة للحدود الوطنية على اقتصاد الدولة،وما هو سياسي كتزايد في أدوار المنظمات الدولية ومدى تأثير ذلك على السيادة الدولة كاتخاذ قرارات أو ما شابه ذلك…ولردع العولمة ولو نسبيا يجب أولا الاستفادة من إيجابياتها،تشجيع البحوث العلمية والعمل على نشر الوعي حول تبعات العولمة،وكذلك القيام بتكتلات…

بتحول الدولة إلى لاعب ثانوي في حقل العلاقات الدولية،بعد تآكل سيادتها لفائدة لاعبين آخرين  هل يؤذي ذلك إلى زوالها؟

شكرا على القراءة والسلام عليكم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى