دراسات سياسية

مفهوم النظام السياسي ووظائفه وإمكاناته

تُقسّم الفروع المعرفية داخل العلوم السياسية إلى ثلاثة فروع؛ النظم السياسية المقارنة، والنظرية السياسية، والعلاقات الدولية. ويُعد مفهوم النظام السياسي من المفاهيم المركزية في حقل العلوم السياسية. في السطور التالية نتعرف على ماهية النظام السياسي، وتعريفاته المختلفة، ووظائفه وخصائصه، والقدرات التي يمتلكها.

مفهوم النظام السياسي

مصطلح النظام السياسي هو مفهوم مجرد، ويتم استخدامه على نطاق واسع بمعانٍ مختلفة. ويمكن تعريفه بأنه “شكل من أشكال المجتمع الحاكم المتضمَن في البيئة القانونية (الدستورية) والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية”. يعتمد جوهر النظام السياسي على الترابط بين مؤسساته (قواعد اللعبة السياسية) وبين الجهات الفاعلة الجماعية (الحكومات، والمؤسسات البيروقراطية، والأحزاب السياسية، وجماعات المصالح)[1] التي تعمل ضمن هذا النظام، والبعض يضيف إلى الجهات الفاعلة الجماعات غير المشروعة، كالكيانات المتطرفة والإرهابية، لعِظَم تأثيرها في الواقع السياسي لبعض الدول.

بناء على ما سبق يمكن القول إن هناك تعريفان لمصطلح النظام السياسي، التعريف الأول محدود يُقصد به “المؤسسات الرسمية المسئولة عن إدارة الدولة وصنع السياسات العامة وتنفيذها”، والتعريف الثاني موسعٌ ويُقصد به “جميع الجهات والكيانات الفاعلة والمؤثرة في الواقع السياسي، سواء كانت رسمية (كالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية)، أو غير رسمية بنوعيها المشروعة (كالأحزاب)، أو غير المشروع (كالحركات الإرهابية)”.

من خلال التعريف السابق يمكن أن يُنظر إلى النظام – في تعريفه المحدود- بصورة كلية على أنه “سلطة تُمارس على إقليم من خلال مؤسسات (أجهزة وهيئات) سياسية، بما يتضمنه ذلك من دلالات مادية مثل شكل الدولة، ودلالات معنوية مثل تنظيم عمليات اتخاذ القرار وسائر ما يتعلق بصنع السياسات. ومن ثَمَّ فهناك من علماء السياسة من يرى أن النظام السياسي هو المسئول عن توزيع موارد الدولة بصورة إلزامية أو إكراهية، وهو يستخدم الإكراه المادي بالطريقة الشرعية في حالة الخروج على القانون، حفاظًا على حقوق المواطنين وفرض احترام القانون على المخالفين[2].

تعريفات مختلفة للنظام السياسي

تعددت تعريفات النظام السياسي لدى علماء السياسة[3]، فالأمريكي ديفيد إيستون صاحب منهج تحليل النظم المشهور يعرّف النظام السياسي بأنه “مجموعة من التفاعلات والأدوار التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للقيم”. أما جربيل ألموند فيعرفه بأنه “مجموعة من المؤسسات الاجتماعية المهمة المعنية بصياغة الأهداف العامة لمجتمع ما أو لمجموعة معينة ضمن هذا المجتمع، ويتبع ذلك العمل على تنفيذها”. بينما يعرّفه الفرنسي موريس دوفرجيه على أنه “مجموعة الحلول اللازمة لمواجهة المعضلات التي يثيرها  قيام الهيئات الحاكمة وتنظيمها في هيئة اجتماعية معينة”، ويعرفه روبرت دال أنه “نمط مستمر للعلاقات الإنسانية، يشتمل على قدرٍ مهم من القوة والسلطة والسيطرة”.

وظائف النظام السياسي

  • تحديد أهداف المجتمع ومتطلباته، ويتم ذلك من خلال المؤسسات المعنية بذلك، عبر عمليات التخطيط وصنع السياسات.
  • تعبئة طاقات المجتمع المادية غير المادية وتوظيفها، وفي مقدمتها الطاقات البشرية والثروات.
  • تحقيق الانسجام والتعايش بين أبناء المجتمع الواحد، واستيعاب جميع أنواع الاختلافات بينهم.
  • العمل من أجل الحصول على الرفعة والعزة والعظمة للمجتمع والدولة.
  • توفير الحماية والأمن للمجتمع؛ ما يعني العمل على إرساء دعائم السلام من خلال إزاحة المخاطر الداخلية والخارجية، من خلال أجهزة الأمن الداخلية والخارجية.
  • السعي إلى تطبيق القواعد القانونية والدستورية على الواقع السياسي.

تطور مفهوم النظام السياسي[4]

لا يعمل النظام السياسي في فراغ، بل يتفاعل مع بيئات أخرى، يؤثر فيها ويتأثر بها. وتنقسم هذه البيئات إلى شقين؛ البيئات الداخلية كالنظم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والبيئة الخارجية الإقليمية والدولية، فلا توجد دولة الآن تستطيع أن تعيش بمعزل عن العالم.

وقد تعرّض مفهوم النظام السياسي لتطور نتيجة اتساع نشاط السلطة السياسية، فلم يعد يقتصر على حماية الداخل وحفظ الحدود من التهديدات الخارجية، والإشراف على سلامة المعاملات بين المواطنين، فاتسعت نشاطات الدولة شيئًا فشيئًا، وتدخلت في مجالات كانت محظورة من قبل، وأصبحت توجّه كثيرًا من المعاملات الخاصة وتنظمها بصورة جعلتها تؤثر بشكل مباشر في النظام الاجتماعي، فالمولود الجديد لابد من أن يُسجل في سجلات الدولة، والمتوفي لابد من تقييد وفاته، وحالات الزواج والطلاق وغيرها من المعاملات، وهكذا.

خصائص النظام السياسي

  • الشمولية: يركّز النظام السياسي على المدخلات والمخرجات الحادثة في المجتمعات بكافة أشكالها، والتأثيرات السياسية لمختلف الأحداث والتفاعلات الرسمية وغير الرسمية.
  • العُلوية: لأنه يمتلك السلطة العُليا، وبذلك تتصف التشريعات والقوانين الصادرة عنه بصفة الإلزام.
  • الفاعلية: النظام السياسية هو الأكثر قدرةً وتأثيرًا من سائر النظم الاجتماعية الأخرى، ويرجع ذلك لامتلاكه السلطة والقوة.
  • الاعتماد المتبادل: يتكون النظام السياسي من مجموعة من الأنظمة الفرعية، التي لا تعمل بشكر منفرد، بل تؤثر على بعضها البعض، فربما تؤدي تغيرات في نظام فرعي ما إلى تغيرات حادة في غيره، فعلى سبيل المثال أحدثت ثورة الاتصالات تغيرًا هائلًا في عمليات اتخاذ القرارات.

قدرات النظام السياسي[5]

وفقًا لديفيد إيستون، فالنظام السياسي يملك التخصيص السلطوي للقيم المادية والمعنوية. بمعنى أخر؛ أنّ النظام السياسي يختص وحده دون غيره بتوزيع، وإعادة توزيع، الموارد المادية والمعنوية، وكل نظام سياسي مُطالَب بتحقيق رغبات وتنفيذ مطالب مواطنيه. وتختلف النظم السياسية في قدرتها على تلبية تلك المطالب. وحسبما يذكر جبرييل ألموند، فكل نظام سياسي لديه خمسة أنواع من القدرات وهي:

القدرات الاستخراجية (Extractive Capabilities)

أي قدرة النظام على تعبئة الموارد المادية من الداخل والخارج من أجل تلبية تلك المطالب، كالضرائب المباشرة وغير المباشرة، وإيرادت المشروعات المملوكة للدولة، وتتفاوت الدول وفقًا لمعيار القدرات الاستخراجية إلى دول تتمتع بقدرات استخراجية هائلة كدول الخليج والدول المتقدمة صناعيًا، ودول تتمتع بقدرات متوسطة، ودول قدراتها ضعيفة.

القدرات التوزيعية (Distributive Capabilities)

أي قدرة النظام على توزيع، وإعادة توزيع، ما لديه من موارد استخرجها على فئات المجتمع واحتياجاته، وبالتأكيد كلما زادت قدرات النظام الاستخراجية كلما تحسنت قدرته على التوزيع لوفرة الموارد، والعكس صحيح، وتقع على النظم السياسية مهمة تحقيق أكبر قدر من العدالة بين المواطنين.

القدرات التنظيمية أو الضبطية (Regulative Capabilities)

أي قدرة النظم السياسية على ضبط سلوك أفرادها وجماعاتها التي لا تلتزم بتطبيق القانون، وتقوم الأجهزة الأمنية بهذه المهمة، في حين توقع المؤسسات القضائية عقوبة على المخالفين، فالنظام السياسي هو الموكل بحفظ أمن وسلامة المجتمع، لا ينافسه في ذلك أي جهة أخرى.

القدرات الاستيعابية أو الاستجابية ( Responsive Capabilities)

أي قدرة النظام على استيعاب مطالب الأفراد، والعمل على تلبيتها في حدود ما لديها من موارد، وترتبط هذا بعملية الاتصال بين الجهات الحكومية الحاكمة والمواطنين، والتي تتم في الاتجاهين، من أعلى (الحكومة) إلى أسفل (المواطنين)، ولعل أعضاء المجالس المنتخبة أحد الجهات المسئولة عن نقل مطالب المواطنين ورغباتهم إلى الحكومة في البرلمان.

القدرات الرمزية (Symbolic Capabilities)

أي قدرة النظم السياسية على استخدام الرموز والشعارات والفاعليات من أجل نشر القيم العليا مثل: تعزيز المواطنة وتنمية الشعور بالمسئولية وشحذ الهمم وتقوية العزيمة وتغذية الشجاعة والاستبسال للدفاع عن الوطن الى حد التضحية بكل غالٍ ونفيس، ومثال ذلك الاحتفال بالأعياد الوطنية والانتصارات العسكرية وذكرى ميلاد أو وفاة كبار الزعماء السياسيين والقادة التاريخيين.

هوامش ومصادر

[1] Bertrand Badie, International Encyclopedia of Political Science, P2036

[2] محمد صفي الدين خربوش، مقدمة في النظم السياسية، معهد البحوث والدراسات العربية، 2013، صـ3

[3] طه حميد العنبكي، النظم السياسية والدستورية المعاصرة: أسسها وتطبيقاتها، مركز حمورابي، صـ15.

[4] ثامر كامل محمد الخزرجي، النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة: دراسة معاصرة في استراتيجية إدارة السلطة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، صـ24

[5] محمد صفي الدين خربوش، مرجع سابق، صـ صـ 119 – 124.

المصدر الأصلي للمقال

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى