دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

مقترحات من أجل خطة وطنية شاملة للإصلاح في لبنان

مقترحات من أجل خطة وطنية شاملة للإصلاح في لبنان

مقترحات السفير الدكتور هشام حمدان التي ناقشتها مجموعة بيراميد وأقرتها ورفعتها إلى الرئيس ماكرون

   بيروت في 19 آب 2020

كتاب مفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية،

فخامة الرئيس أيمانويل ماكرون المحترم،

بواسطة سعادة سفير الجمهورية الفرنسية في لبنان السفير برونو فوشيه المحترم،

فخامة الرئيس،

ورغبة منا في إنشاء وطن أكثر كمالاً، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة،

نحن مجموعة بيراميد التي تضم 308 مجموعات مختلفة متضامنة من ثوار لبنان، والذين يمثلون أكثر من 200الف مواطن،

نتشرف أن نرفع لفخامتكم مقترحاتنا لحل وطني للإصلاح في لبنان، ونأمل أن ينال  اهتمامكم.

مقدمة:

نحن في نهاية النفق الذي دخلناه طوعا منذ عام 1969. فمنذ أن وقّع لبنان على اتفاقية القاهرة المشؤومة، سمح بتحويل أرضه إلى ساحة حروب إقليمية ودولية، وتحوّل إلى جزء لا يتجزأ، من صراع القوى الكبرى في إطار حربها الباردة. ومن يعتقد أن المسؤول عن حالتنا الراهنة، هم كل الذين توالوا على السلطة، منذ العام 1990 فقط، فهو مخطئ، ولن يتمكن من تحقيق أيّة حلول وطنيّة مستدامة، تحفظ حقا لبنان وتعيد إليه الاستقرار والسلام والحياة الطبيعية.

لبنان دخل بإرادته منذ عام 1969، الصراع العربي العربي، والصراع الغربي الشرقي، تحت عنوان تحرير فلسطين. ثم دخل في مشروع المنتصر، بعد سقوط الصراع الغربي الشرقي، بدءا من عام 1990. وعليه، صار ضحيّة لهذا المشروع الذي أيقظ الصراع الديني في المنطقة كلها، ودائما تحت عنوان تحرير فلسطين. البعض ينادي بتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. والمنتصر في الحرب الكونية، يريد تثبيت إسرائيل. عاشت المنطقة برمتها نتائج هذا الإنقسام الذي أبقى على لبنان أسيرا لهذا الصراع الجديد. الآن حان وقت الحلول النهائيّة. ونحن كلبنانيين لدينا الفرصة لإيقاف استمرار استخدام وطننا مسرحا لأحداث المنطقة والصراعات في العالم. وهذا يتطلب التقاط الفرصة، لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وإسقاط كل الثغرات التي تمكن من خلالها الآخرون من استدراج لبنان إلى مسرح الأحداث. ومن أجل ذلك، فإننا أيدنا  الثورة (ثورة 17 تشرين الول 2019)، وقمنا بالتركيز على مبادئ واضحة، تنتج خطة وطنية متكاملة، ومستدامة، قابلة للحياة الدائمة، فلا تسقط، مع أية تطورات غير منتظرة في فخ الصراعات من جديد. هذه الخطة يجب أن تقنع المواطن اللبناني، وتكون قادرة على استقطاب الدعم العربي والإسلامي والدولي لها. وقد قررنا أن نضعها بين أيديكم وأنتم الذين حرصتم دائما على الدفاع عن هذا الوطن الصغير وازدهاره.

المبدأ الأول: تحديد أهداف الخطة

برأينا، أنّه يجب تحديد العناصر الأساسيّة لهذه الخطة، وذلك انطلاقا مما شرحناه آنفا، ومما يفرضه الدستور الوطني، وما يحتاجه منطق العصر، من الانخراط الدائم في النظام الدولي القائم، بشقيه السياسي والاقتصادي.

المبدأ الثاني: التأكيد في أيّة خطة، على موجب تحقيق وحدتنا الوطنية

لن يكون هناك أيّة وسيلة، أو طريقة، للخروج من الواقع المزري الذي نعيشه، ومن المآسي التي نمر بها، إلا من خلال قدرتنا على إقامة قناعة فعليّة، في الشارع اللبناني العريض، بأن خطة العمل تستجيب وتهدف لتلبية مطالب كل المجموعات فيه. ويجب أن يكون عنوان الخطة: مشروع خطة عمل لبناء الوحدة الوطنية من أجل وطن موحد، سيد ومستقل . ومثل هذه الخطة، يجب أن تضع الهموم المشتركة للمواطن، من كل الطوائف والمناطق، في سلّة واحدة، فلا نفكر بأن همومنا متعلقة فقط بالشمال، أو بالجنوب، أو البقاع، أو الجبل، أو بيروت، وإنما ببناء وطن، يستجيب لهموم كل هؤلاء، سواء الأمنيّة، الاقتصاديّة، الإنمائيّة، أو الإنسانيّة. وكذلك تحقيق حقوق الإنسان، والحريّات العامة، والعدالة للجميع، من دون أي تمييز بسبب الدين، المعتقد، المذهب أوالجنس.

المبدأ الثالث: احترام التعددية الثقافية والحضارية للمكونات اللبنانية وتكريس مفهوم لبنان الرسالة

إن أول العناصر الضرورية، لتحقيق الوحدة الوطنية، هو احترام التعدديّة الطائفيّة والمذهبيّة في لبنان، ومنع قيام أيّة طائفيّة سياسيّة، وتوفير كل الحقوق والمقومات، التي تضمن لكل من هذه المكونات، الشعور بالطمأنينة، والمساواة، وحقوق المواطنة الكاملة. ومن المميزات الأساسية للبنان التي تعزز سلامته الإقليمية، ودوره الإقليمي والعالمي، هي ميزة هذا العيش الحضاري المشترك، القائم بين 18 طائفة. لقد كان الشعور بالغبن والخوف لدى هذه المكونات، من الأسباب الأساسيّة للتفرقة بيننا، والسماح بالتالي، للإعداء، وأصحاب المصالح من القوى الإقليميّة والدوليّة، وتحت عنوان فرّق تسد، بإخضاع إرادتنا الوطنيّة السياسية، والاقتصادية، والهيمنة على مقدراتنا، وثرواتنا، ورهن أموالنا. من هنا، علينا وضع النصوص التي تضمن لكل مكونات لبنان، الشعور بالأمن والحماية ضمن النظام اللبناني الذي سيقوم، وكذلك ضمان الإحساس بالعدالة، والمشاركة، والثقة بالمستقبل. ولن نتردد بأن نضيف أنه علينا ان نعمل بكل تصميم، على حماية الدور المسيحي في لبنان، فهو عنصر حماية ضروريّة لوطننا، ويمنحه  وجهه المميز بين كافة الدول العربيّة. كل هذا من شأنه أن يضمن الإحترام الثقافي بيننا، بكل ما يعنيه، من ثقافة خاصة لكل منّا، ومفاهيم دينية خاصّة، وقناعات دينية خاصّة، وبنفس الوقت يدفع كل مواطن لأن يقبل بأنه من غيرالمهم أن يكون في موقع وظيفي محدد، لتأمين هذه الحماية الخاصة.

  • لدينا في دستورنا ما نريد، فقد نص على المناصفة في مراكز الفئة الأولى، ولم يحدد أيّة وظيفة لهذه الطائفة أو تلك. كما لم يحدد أي مذهب من هذه الطوائف، في إطار المناصفة، مما يعني أنّ الأولويّة هي للمستحق، من أي مذهب من هذه الطائفة.
  • كما أن الدستور نصّ على إنشاء مجلس للشيوخ. ومثل هذا المجلس، هو الذي يجب أن يراقب قرارات الحكومة في علاقاتها الخارجية. كما يجب أن يوافق أولا، على قرارات الدولة في التعيينات الخارجيّة، وأن يضمن أن لا تضر هذه القرارات بعلاقات لبنان الخارجيّة، ومبدأ حياده عن الصراعات الإقليمية، وتطبيق الاستراتيجية الدفاعيّة لحمايته من أي عدوان خارجي. وينظر هذا المجلس في كل قرارات الحكومة التي قد تضر بالوحدة الوطنية، ومبدأ العيش المشترك، ومبادئ الدستور التي تحمي الحريات الدينية، وتكفل الحريات العامة، وحقوق الإنسان. ويجب أن يكون مؤلفا من كل الطوائف الموجودة بالتساوي، مهما يكن عددها، على أن تمنح لكل منها حق الفيتو في أي قرار يتصل بخرق الدستور، أوبمبدأ حياد لبنان عن الصراعات الخارجية. كل ذلك لكي يزيل لدى كل الأقليات، الشعور بالخوف وأن يضمن لها أمنها واستقرارها، وحقها بالتنوع الثقافي في إطار الجماعة.

ج- نص الدستور أيضا، على إلغاء الطائفية السياسيّة، وإنشاء مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. وهذا النص يضمن للبنانيين ممارسة الحياة المدنيّة الكاملة، كما يضمن حقوق المواطنة الكاملة، والمشاركة في انتخاب ممثليهم. فالنائب هو ممثل للوطن، وليس ممثلا لفئة معيّنة أو منطقة معينة. ومثل هذه الانتخابات، يفترض أن تجري، وفقا لقانون انتخابي على أساس الأحزاب، وذلك، بعد إعادة النظر بقانون الأحزاب، للتتوافق أنظمة الأحزاب مع أحكام الدستور اللبناني. ومثل هذا المجلس، يزيل لدى المواطن من كل الطوائف والمناطق، الشعور بالغبن ويمنحه حقه الكامل في محاسبة الحزب الذي لا يحقق له أمانيه.

د- ونص الدستور كذلك، على إقامة اللامركزية الإدارية. وهذا المفهوم يتصل بكل هموم المواطن اليوميّة، سواء قضاياه وهمومه الشخصيّة، أو همومه الاقتصاديّة والإنمائيّة، وكذلك في أمنه الداخلي. وهو أمر يستجيب أيضا، إلى أحد مبادئ التنمية المستدامة، وتنميّة الريف، والإنماء المتوازن، وإقامة التكامل بين الأقاليم، لتوفير نظام اقتصادي وطني مستدام. ويفرض الدستور إعادة النظر بالتقسيمات الجغرافية القائمة، فإما أن يتم تصغيرها قليلاً أو تكبيرها، ولكن ليس بغرض التوازن الطائفي والمذهبي، بل بغرض الإحتياجات الإنمائيّة. ومن الضروري أن نلغي كليا، أي تفكير بنظام فدرالي، أو كونفدرالي. فلبنان لا يمكن أن يقوم على مبدأ الحكم الذاتي لأيّة أقليّة، وإلا فلبنان سينتهي سريعا كدولة موحدة. وعلينا أن ندرس بدقة الحاجة لمنح كل منطقة صلاحيّات واسعة، تحت عنوان اللامركزية الإدارية، يسمح لها بإقامة البنى التحتيّة، وتطوير الخدمات الإداريّة والقضائيّة والصحيّة والتربويّة والأمنيّة الداخليّة، وكل ما من  شأنه التخفيف على الناس. ونقترح اعتماد آلية الانتخاب الديموقراطي لأعضاء مجلس إدارة الوحدة، على غرار انتخابات البلديات.  وهذا ما نراه في البلدان الديمقراطية التي يوجد فيها تقسيمات إدارية واسعة تحت مسمى ولايات.

وإننا ندعو إلى تشكيل حكومة حيادية من إخصائيين لا تكون صداميّة، وتحظى بثقة الشعب، ويكون لها حق التشريع الاستثنائي، بغرض إعادة الانتظام العام للعمل الإداري والقطاعات الاقتصادية، وفرض احترام القانون واستقلاليّة القضاء، واستكمال تطبيق أحكام الدستور. القول بأن الجمهورية الثانية ماتت، لا يتوافق مع الحقيقة، لأن الجمهورية الثانية لم تبدأ أصلا، وتطبيق اتفاق الطائف توقف منذ عام 1992.

المبدأ الرابع: احترام نظام الفصل بين السلطات

علينا التركيز على تطبيق القاعدة الدستورية المتعلقة بالفصل بين السلطات، بمعنى أنه لا يحق لأيّة سلطة التدخل في شؤون السلطات الأخرى، إلا وفقا لقواعد الدستور. وبالتالي، فأول المبادئ الأساسيّة، هو إقامة سلطة قضائيّة مستقلة، تمنح المواطن الثقة بنظام العدالة، وكذلك المستثمر الأجنبي. فنظام العدالة هو أبرز شروط استقطاب الاستثمارات من الخارج.

ثم يجب الفصل بين النيابة والوزارة. فلا يمكن أن يعيّن أحدهم وزيرا، وبنفس الوقت يكون نائبا، أو عنده علاقة تجمع بينهما. ونأمل أن يتبع تأليف الحكومات، ما هو معمول به في النظم الديموقراطية، فيسقط مبدأ التوافق، ويسود مبدأ الحكم والمعارضة. ويعتمد مبدأ لا طائفية الحكومة، مع احترام مبدأ المناصفة بحيث تتولى الأحزاب الحكم، فتستقيم المحاسبة النيابية والشعبية، للحكومة. ومن الأفضل دوماً عند مرحلة الانتخابات النيابيّة، تشكيل حكومة من وزراء تكنوقراط، أو من وزراء غير مرشحين للإنتخابات النيابيّة، وبالتالي، يمكنهم ضبط الانتخابات النيابية بطريقة شفافة وديمقراطيّة، ومن دون تدخل الأفرقاء الذين لهم مصلحة خاصة فيها.

المبدأ الخامس: احترام التزاماتنا في المنظمات الإقليمية والدولية

 قلنا، أن المبدأ الأساسي للخروج إلى رحاب وطن قوي، وعزيز، ومزدهر، يعتمد على تحقيق وحدة وطنية، كون الوحدة الوطنية، هي السبيل والمخرج من كل مأزق. وعليه يجب أن نفكر بسياسة خارجيّة مناسبة لنا. وفي هذا الإطار، لا يمكننا مطلقاً، النظر الى الواقع اللبناني القائم، الا من منطلق علاقاتنا الخارجيّة التي لدينا التزام بها، سواء ما هو متعلق بميثاق الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، أو بجامعة الدول العربية، أو بمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية.

نحن ندرك أن بلدنا الصغير لبنان، وعلى ضوء الظروف التي مررنا بها، ووواقعنا الجغرافي، وواقعنا الاجتماعي، المكوّن من مجموعات طائفية مختلفة، يستوجب أن يكون لدينا سياسة خارجيّة ذكيّة، تستجيب إلى حاجات حماية هذا الوطن الصغير، وبنفس الوقت، تستجيب لمتطلبات مرحلة النهوض بالإقتصاد، وبالدور اللبناني على المستوى الأقليمي والدولي. هذا يعني وبكل بساطة، أنه لا يمكننا إطلاقاً، أن نكون جزءا من محور إقليمي أو دولي. الإنتماء الى محور يخالف كل قواعد الدستور. فلبنان اعتمد دائما في سياستة الخارجية، مبدأ عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، ويفترض أن نعتمد الآن سياسة مماثلة تقوم على أساس الحياد عن النزاعات التي تحصل بمحيطه الأقليمي والدولية، خاصة فيما يتصل بالأشقاء والأصدقاء.

تحييد لبنان، لا يعني أنه لن يكون مشاركا في الدفاع عن القضايا المشروعة للشعوب الشقيقة المجاورة. فلبنان ملتزم بموجباته وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ويمكنه أن يلعب دورا فاعلا في المحافل الدولية، انسجاما مع قواعد القانون الدولي، والشرعيّة الدوليّة. لبنان لا يستطيع، ولن يكون بعد الآن، ساحة حروب من أجل أي طرف. ولن يلجأ إلى حقه باستخدام القوة العسكرية، إلا في إطار الدفاع عن النفس، ووفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.  ونريد لبنان المحايد، أن يكون مركزا للحوار بين الدول الشقيقة، والصديقة المتنارعة، ولاسيما في هذا الشرق المسلم الكبير. فلماذا يعقد الحوار بشأن سوريا مثلا، في الأستانة أو جنيف، وليس في بيروت؟

كما أن التكوين الاجتماعي في لبنان، والحضور المسيحي البارز، والفاعل في النظام العام في البلاد، وتاريخه الثقافي، كجسر للتفاعل الثقافي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، والاعتراف التاريخي لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني، بدوره كوطن الرسالة، يمنحه فرصة ذهبية، ليتحول مركزا دائما للحوار بين الحضارات، مما يساهم في أقامة مناعة في عالمنا العربي والإسلامي، من الصراع الديني الذي يبقينا شعوبا متخلفة وتضرب مصالحنا المشتركة، ويجعل منه نموذجا للرد على كل مقولة بحتمية صراع الحضارات. ونحن ندعو إلى إعادة المطالبة، في الأمم المتحدة، لاعتماد لبنان مقرا دائما لحوار الحضارات، وإنشاء مركز دائم تابع للأمم المتحدة في بيروت لهذا الغرض. كما نريد أن تتحول بيروت  إلى مدينة عالمية على غرار جنيف. فبيروت يمكن أن تعود مركزا للشركات والمصارف الكبرى، وللمؤسسات العالمية، الحكومية الدولية وغير الحكوميّة.

إن موضوع حياد لبنان عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة، هو مسألة حيوية، لحماية وحدتنا الوطنية وأيضاً لتعزيز دورنا كبلد صغير. لبنان سيتحول كما كان دائما، صديقا للجميع، لا يعادي إلا من يعاديه، ويعتدي على حقوقه. وعليه نتوقع أن يقوم أصدقاؤنا ولاسيما فرنسا، بمساعدتنا على استكمال متطلبات ضمان الحياد على المستوى الدولي واتخاذ القرارا المناسب في مجلس الأمن لهذا الغرض.

المبدأ السادس: موجب الدفاع عن لبنان وحقوقه الوطنية

نحن ندرك وجود اختلاف في الحقوق بيننا وبين إسرائيل. ومن حقنا أن نخاف من طموحات قادة إسرائيل وأطماعهم التي لا تخفى. ومثل هذا الواقع، يستوجب أن يكون لدينا الوعي والإدراك، بإهداف إسرائيل، وأن نحدد ونعرّف، بصورة وطنية وواضحة، أطماعها المتوقعة. وعلينا بالتالي، أن نرسم سياسة استراتيجية، للدفاع عن حقوقنا ووطننا. فتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، لا يعني أن لبنان، لن يكون شرسا في الدفاع عن حقوقه الوطنية، واستكمال تحرير كل ذرة من ترابه المحتل. لكن وبالتأكيد، وفقا لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدوليّة. نحن لا ننسى أبدا، أن ما يصون قوتنا في دفاعنا عن وطننا، هو العمل في إطار مكونات الدستور الوطني، ووفق قواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة. وعلى لبنان، أن يؤكد تنفيذ التزاماته بالقرارات الدولية، وبآليات الأمم المتحدة، لتسوية المنازعات. ولكن نركز بشكل أساسي، على اتفاقية الهدنة، بين لبنان وإسرائيل، لأنها وثيقة إلزامية وضعها مجلس الأمن وفقا إلى المادة 40 من الفصل السابع من الميثاق. هذا مع العلم، أن لبنان لم يشارك بأيّة حرب عسكرية، بعد تلك الاتفاقية، وأكد مجلس الأمن مرارا على استمرارها قائمة ونافذة. وعلى إسرائيل بالتالي، الالتزام بهذه الاتفاقية، والانسحاب إلى الحدود التي حددتها، والتي تنطبق مع الحدود التاريخية لحدوده مع فلسطين المحتلة.

وإننا ندعو إلى ترسيم الحدود البريّة والبحريّة للبنان، مع الدول المجاورة له. وأن نطلب تأليف لجنة تضم خبراء تختارهم البلدان المعنيّة، والاتفاق على الطلب من بلد ثالث، ليس له علاقة بمشاكل المنطقة، أن يسمي لجنة خبراء من تلك البلاد، تنضم إلى اللجنة، وتشرف على أعمال خبراء الدول المعنية، ويكون لها القرار الاستشاري النهائي حول الموضوع، فإذا لم تقبل البلدان المعنية به، تعود إلى المحاكم الدولية المعنية وخاصة محكمة قانون البحار. ويتم وضع نظام عمل للجنة الخبراء مشابها لنظام عمل المحكمين في الخلافات التجارية الدولية.

خضنا في إطار الدبلوماسية اللبنانية، صراعا كبيرا في مرحلة من المراحل، من أجل تثبيت مفهوم حقنا في المقاومة، ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضينا الوطنية. ونحن نعتبر، مثل كل اللبنانيين، أن المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، سجلت انتصارا تاريخيا مجيدا، يشكل نجمة مضيئة في تاريخنا الوطني عندما تمكنت من دحر الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. وقد تحول 25 أيار من كل عام مناسبة يفترض أن نحتفل بها وطنيا. لكننا اليوم، في مرحلة جديدة ومختلفة، بدأت منذ 25 أيارالعام 2000. وعليه، صار لزاما إقامة الاستراتيجية الدفاعية، يكون عمادها الجيش اللبناني وفقا لقواعد القانون الدولي، ويكون هدفها تعزيز القدرات الدفاعيّة للبنان والجيش اللبناني، لتمكيننا، كلما اقتضت الحاجة، من مواجهة كل ما يخل بالسيادة الوطنيّة والأمن الوطني. وفي هذا الإطار علينا أن لا نتغافل، أو أن لا نسمح بالتغافل، عن أي عنصر من عناصر القوة الداخلية للبنان. فبالإضافة إلى القوة العسكرية المطلوبة للجيش، تستوجب أيّة استراتيجية دفاعية، بناء نظام مستقر إقتصاديا واجتماعيا. نحن بنينا عبر المرحلة الماضية من السبعينات، ومن بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وحتى العام 2000، قاعدة مهمة من الفكر الإستراتيجي الدفاعي، سواء ما كان ذلك في إطار المقاومة العسكرية الأهلية، أو في إطار المقاومة الدبلوماسية التي اتبعت الأنشطة السلمية في إطارالوظيفة الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون لدينا في الإستراتيجية الدفاعية، كل هذه العناصر التي تحمي هذه القوة. إننا على قناعة بأنه لا يجوز التفريط بما حققته المقاومة من إنجازات، وبما حققته من طاقات وقدرات، وبما لديها من مقومات عسكرية مهمة، إنما بشرط، أن تصبح هذه الطاقات والقدرات والمقومات العسكرية، جزءا لا يتجزأ من منظومة الدفاع الرسمي للجيش اللبناني وللدبلوماسية اللبنانية.

ونحن نقترح اعتماد النموذج السويسري وحتى الإسرائيلي، في إقامة الجيش المدني (الإحتياط)، تكون عناصره من الراغبين طوعا في الإنخراط في دورات التجنيد الاحتياطي، مما يضاعف من قوة الجيش عمليا، ويتم استدعاؤهم عند الحاجة. هذه الاستراتيجية تحافظ على قوة لبنان الدفاعية، وتخفف من الأعباء المالية للجيش، ولا تخرج المواطن من دوره في حركة النشاط الاقتصادي، الهادفة إلى صناعة التنمية المستدامة الوطنية.

إننا نأمل أن يشكل هذا الاقتراح ردا على مشاغل وهموم قسم كبير من أهلنا في الجنوب، وقسم آخر من القطاعات السياسية الوطنية التي تعتبر أنه لا يجب المس بالمقاومة. ويجب علينا إقناعهم بأنه ما لم تكن المقاومة ضمن إطار الوحدة الوطنية، وضمن إطار خطة إستراتيجية وطنية، تشمل كل اللبنانيين، ولها الطابع القانوني الدستوري، ستصبح وبالا على لبنان، كما هو الحال اليوم.

المبدأ السابع: دعم قضية فلسطين والقضايا العربية المحقة والمشروعة ومسألة اللأجئين

يلتزم لبنان، وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بالقضايا العادلة، والقضايا الحقوقية العادلة للإنسان، سواء ما اتصل بلبنان، أو بالدول الأخرى المعنية من الدول المجاورة، وبصورة خاصة بفلسطين. ويمكن للبنان أن يقوم بدوره الطبيعي بهذا الصدد، من دون أي خرق لحياده والتزاماته باتفاقية الهدنة لعام 1949، وذلك ضمن آليات الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وحقوق العضوية فيهما، وكذلك من خلال دورنا التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما أننا شاركنا بصياغة الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وصياغة شرعة المحكمة الجنائية الدولية. لبنان ملتزم إعلان القمة العربية في بيروت لعام 2002، بشأن تسوية القضية الفلسطينية، الذي يقوم أصلا على حل الدولتين.

ومن جهة أخرى نحن نطالب المجتمع الدولي بوضع حل نهائي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية. ونريد أن يمنح الفلسطيني حق اللجؤ إلى دول أخرى غير لبنان. كما نريد أن يعود اللاجئ السوري والنازح السوري إلى بلاده بضمانة الأمم المتحدة. لن نقبل أبدا توطينا يؤذي النظام الإجتماعي المميز لوطننا.

لبنان حاجة للمجتمع الدولي وفقا لما أعلنه الرئيسان جورج بوش الإبن والرئيس نيكولاي ساركوزي بعد قمتهما في البيت الأبيض عام 2007. لبنان يحتاج لدعم فرنسا كالعادة، ليظل لبنان راية خفاقة في صناعة ثقافة التسامح والسلام في شرقنا المعذب.

المبدأ الثامن: تحقيق الإصلاحات المنشودة للبنان جديد

حصل منذ عام 1990، إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، وبالتالي انتهاء الحرب الباردة التي نصفها ويصفها البعض، بالحرب العالمية الثالثة، العديد من التحولات الكبيرة في المجتمع الدولي. لقد انهزم محور الدول الاشتراكية بقيادة الإتحاد السوفياتي، بكل استراتيجيته ومفاهيمه الإيديولوجية، وربح المحور الليبرالي بقيادة الدول الديموقراطية، بكل مفهومه الإيديولوجي. وعليه، قام بتطبيق هذه المفاهيم على النظام الدولي العام، السياسي والاقتصادي. ومن المؤسف، أن اللبنانيين لم يتابعوا هذه التحولات عن كثب. فكل المفاوضات، ومشاريع الاتفاقيات بشأنها، جرت ضمن دائرة مغلقة. ورغم أن السلك الدبلوماسي اللبناني، شارك في الإعداد لكل هذه الإتفاقيات، وتابع التحضيرات للمؤتمرات الدولية التي رسمت آفاق العولمة، ومفاهيم النهضة، والإزدهار والتنمية في كل الدول، إلا أن إدارة السياسة الدبلوماسية أبقت الشعب اللبناني وصانع القرارغائبا عنها. ولذلك يجب علينا أن نفهم أولا، هذه التحولات، لكي يمكننا الانخراط المفيد في محيطنا الإقليمي، والمجتمع الدولي، والدفاع المناسب عن حقوقنا، وتفعيل عملية التنميّة الوطنيّة المستدامة في بلادنا، علما أن التنمية المستدامة هي أيضا، حاجة أساسية، في بناء استراتيجية دفاعية عن حقوقنا. ونحن نعتز أن بين صفوفنا، أعضاء من السلك الدبلوماسي والذين ساهموا بفعالية كبيرة في هذه المفاوضات الدوليّة.

فالتنمية المستدامة تتطلب المراجعة عن كثب، لمقررات المؤتمرات العالمية، التي جرت منذ عام 1990، والتي شملت الجوانب الاجتماعية، العائلية، البيئية، السياسية، الاقتصادية، الأمنية، الطاقة ومفاهيم القانون الدولي، كالاتفاقيات المتعلقة بحقوق المواطن، الطفل والمرأة وكبار السن، وكافة المؤتمرات الدولية، بدء من عام 1990، بغية دمجها في القوانين الوطنية والخطط الإصلاحية المستقبلية.

ومن الضروري، أن نشير إلى أن هذه التحولات، أدت إلى استكمال كافة أعمدة نظام بريتون وودز الاقتصادية، من خلال إنشاء منظمة التجارة الدولية، لتضاف إلى البنك الدولي للتنمية والإعمار وصندوق النقد الدولي. وعليه فإنه يجب أن ندرس بدقة أنشطة التجارة الدولية ، إذ لا يمكن أن نتقدم ونصبح جزء فاعلا في حركة التجارة الدولية، إن لم نكن أعضاء بمنظمة التجارة الدولية. وعلينا أن ندرك بأنه لا يوجد اليوم، مفاهيم للنمو، والتقدم والإزهار والتنمية، بإطار منعزل عن مجموعتنا الإقليمية، التي هي الدول العربية. وهذا يفرض تعزيز مفاهيمنا الاقتصادية، التي تمكننا من لعب دور مفيد في إطار هذه المجموعة الإقليمية المهمة والغنية، والتي لها أهمية كبرى أيضا، على المستوى الاقتصادي والمالي الدولي.

ولبنان مدرك تماما لنظام الآلية المالية لبريتون وودز، التي تشمل البنك الدولي للتنمية والإعمار، والذي يستمر بمساعدة الدول النامية وغيرها من الدول التي تحتاج الى مساعدات لتطوير اقتصادها الوطني، وكذلك صندوق النقد الدولي الذي يضمن الاستقرار بالتعامل النقدي، معتمدا على الدولار بعد أن تم ربط تسعير الذهب بهذه العملة. كل هذا الأمر يفترض أن نراعي في قواعدنا المالية الوطنية، هذا النظام، خاصة وأن إقتصادنا “مدولر”. ويجب بالتالي، أن يكون لدينا توجه وفهم واضح، بأن نظامنا المالي يجب أن يكون في إطار منطقة الدولار dollar zone ومع تحالفاته المالية الدوليّة كاليورو. وعليه لا يمكن أن نذهب شرقاً، أو غرباً أو يميناً أو يساراً وعلينا أن نكون واضحين في هذا المجال، وغير ذلك، سيتسبب بأكثر من خلل، لا بل بالإنهيار. نحن لدينا مؤسسات راسخة، وثابتة، أقيمت منذ البداية بشكل مناسب. وقد تعززت اليوم مع التحولات الدوليّة التي حصلت. فإذا حصل خطأ في ممارسة دور القطاع المالي، فهذا لا يعني تدمير النظام وإنما معاقبة المسؤول.

ولنكن واقعيين، فإذا كنا سنكون بمنطقة الدولار، فهذا يعني أننا سنكون ملزمين بتنفيذ وتطبيق آليات مالية دوليّة، تفرضها القوانين النقدية الدوليّة، ولا سيما بما يتعلق بموضوع تبييض الأموال، وبموضوع الاتفاقيات ضد الإرهاب وغيرها. لا يمكن أن نخرج خارج إطار هذا الموضوع.  كما أن هذا الأمر يجعلنا نقرر بشكل سليم أين تكمن مصالحنا الفعلية، في التعاون الاقتصادي والتجاري الدولي. فإذا كنا متفقين أننا ملتزمون منطقة الدولار، فهذا يعني، أنه يجب علينا أن نبحث عن أصدقاء وشركاء في العمل الاقتصادي والتجاري ضمن هذه المنظومة، من دون أن يمنعنا ذلك من التعاون مع كل الدول الأخرى وفقا لما يخدم مصالحنا المتبادلة.

ومن جهة أخرى، فإنه من الضروري، ان نحدد تلك القطاعات ذات القيمة المضافة لاقتصادنا الوطني، والتي سبق أن برهنت، ولمدة طويلة جداً، عن تفوق، كما في مجال الخدمات، السياحة، الملكية الفكرية، الترانزيت والمصارف، وغيرها من القطاعات التي يجب علينا حمايتها. وفي حال وجود شوائب، علينا إصلاح الشوائب لا تغيير الأنظمة. من هنا، يجب حمايتها وإعادة إحيائها، فنقوم بتعزيزها لأنها، بالإضافة الى دفع اقتصاد منتج صناعي وزراعي، هي التي ستجعل من لبنان دولة ناشطة، فاعلة ومؤثرة، مزدهرة ومتقدمة اقتصادياً، لا تقل أهمية عن سنغافورة.

لكن من الضروري أيضا، أن ندخل مفاهيم أخرى في علاقاتنا، بغية الوصول إلى أسواق جديدة، كمبدأ التكامل، من خلال إقامة الشركات المختلطة بين شركاتنا، وشركات دولية أخرى. ومن هذا المنطلق، نؤكد على أهمية دفع علاقات اقتصادية إستراتيجية مع دول أميركا اللاتينية. ففي هذه المنطقة من العالم، يوجد لدينا فرصة هائلة، لتعزيز شراكتنا الاقتصادية، والوصول إلى أسواق كبيرة. نحن نعلم أن البعض، يعتبر أن مصلحتنا هي مع الصين، لكننا نسأل أين هي هذه المصلحة؟ هل هناك غير الإستفادة من قروض وديون؟ أو شراء البضاعة ومن ثم بيعها في مكان آخر؟ ماذا يمكن لنا أن نبيع إلى الصين، سوى زيت الزيتون والنبيذ؟ وهل من الممكن لنا منافسة الشركات الصينية؟ ما الذي يمكننا أن نقوم به في وجه الاقتصاد الصيني، غير فتح أسواقنا أمامه ليأتي ويأكلها؟ بمعنى آخر بدل أن “يأكله الأميركي والأوروبي، كما يدعي أرباب الصمود والتحدي والمقاومة” يأكله الصيني!

نحن لدينا اتفاقيات كثيرة مع أصدقائنا في الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول ويمكن الاستفادة من خبراتهم لتطوير قدراتنا الإنسانية الوطنية والتعاون في إطار الشركات المختلطة والتنمية الزراعية والصناعية. نحن موجودون بقوة في أميركا اللاتينية وأفريقيا. فهاتان المنطقتان مثلنا، تسعيان لتحقيق تنمية، وهما بحاجة إلى شركات واستثمارات، وإلى صناعات، ومؤسسات، وبحاجة إلى خبراء، وإلى عقول. نحن نملك كل ذلك.

وعلى المجتمع الدولي أن يساعدنا وفقا لمبدأ بناء السلم بعد النزاع الذي تبنته الأمم المتحدة، استنادا إلى مفكرة الأمين العام للأمم المتحدة التي أعدها بناء لطلب قمة مجلس الأمن عام 1992. بناء السلم بعد النزاع هو أحد المبادئ الأساسية لحفظ الأمن والسلام العالميين. لبنان دفع ثمنا باهضا لتلكؤ مجلس الأمن في معالجة قضية الشرق الأوسط وفقا لقراراته العديدة وقد حان الوقت الذي يجب أن يساعدنا المجتمع الدولي لاستعادة وطننا.

المبدأ التاسع: تحويل الاغتراب إلى ثروة وطنية

يهمنا أن نؤكد أيضا، على موضوع الاغتراب الذي يجب طرحه على جدول أيّة خطة وطنية لبناء لبنان ما بعد الحرب. فلطالما تغنينا بالاغتراب في السابق، ويجب أن نستمر بالتغني به، وأن نمارس فعلا شعار أن لبنان طائر يطير دوماً بجناحين، جناح مقيم وجناح مغترب. فلبنان لديه ثروة، أهم بكثير من ثروة البترول والغاز، هي ثروة الإنسان، المقيم والمغترب. لبنان لا يعرف حقيقة الطاقات الاغترابية المتوافرة، ولا يدرك مستوى النجاح الذي حققه الإنسان اللبناني، ولا مستوى تفوقه في الخارج، حيث زرع اسم لبنان في ضمير كل مواطني الدول التي استوطنها، بما في ذلك أميركا. وهو القوة الفاعلة للبنان في كل دول العالم، للدفاع عن حقوقه وحمايته،  شرط أن نؤكد له ثبات وحدتنا الوطنية. وبإمكان المنظمات الدوليّة المعنيّة بالتنمية ان تستفيد من البرامج التي تشرك المغترب ببناء اقتصادنا الوطني. المغترب في كل الدول يمكن أن يساهم في إقامة الشركات المختلطة بما يعزز المصالح الإقتصادية لوطنه وللبلد الأم لبنان.

المبدأ العاشر: الإيمان بوطننا وتعزيز التربية المدنية

الإيمان بالوطن ليس شعارات ترفع، بل هو تربية مدنية يومية، تزرع في الطفل منذ طفولته، حس الانتماء إليه. غياب هذه التربية، غلّب الانتماء إلى العائلة والقبيلة والطائفة والزعيم. ثم أن لبنان بلد نفتخر بالانتماء إليه. أي بلد في العالم لديه هذا التاريخ الطويل المماثل؟ 5000 سنة من التاريخ. “لبنان” هو الإسم الوحيد الذي يتكرر منذ أكثر من 4000 سنة لذات البلد. ورد هذا الإسم 75 مرّة في العهد القديم وكذلك أرزه المقدس. كلنا نعرف قيمتة التاريخية. أعطينا القارة الأوروبية اسمها، وأقمنا المدن المزدهرة مثل قرطاجة وقادش وغيرها. ووصل أجدادنا إلى القارة الأميركية قبل كولومبوس، بقرون. لكنهم كانوا رسل سلام لا استعماريين، وعلينا أن نتابع هذا الدور، فهذا هو تاريخنا.

هل يمكن أن تجد منطقة في لبنان تخلو من الأثار؟ وهل هناك منطقة في لبنان لم تتكلم عن مراحل تاريخية، مرّت عبر القرون؟ كانت جميعها تمر من هنا، بإعتبار وطننا  جسر عبور للمناطق والدول في الداخل. وطننا متحف مفتوح، لماذا ندمره؟ وفيما يتعلق بإنساننا، ألم نزرع منذ فجر التاريخ الحروف الأبجدية وأنظمة الإبحار والتجارة في العالم؟ كل واحد منّا طاقة، وكل واحد منّا قيمة. لننظر حولنا، وفي العالم، فإنساننا متفوق. والإنسان، هو الثروة الأساسية، لبناء أي مجتمع.

ترى ماذا سيكون عليه لبنان، إذا تمكنا من منع التشرذم الطائفي، والفئوية، والمناطقية، عن شعبه، وجعلناه يصل إلى مرحلة الإيمان بلبنان؟ وحظينا بدعم الأصدقاء مثل فرنسا. هذا ما يجب أن نحافظ عليه ونعممه. لدينا، القيم الثقافية والحضارية التي تضاهي كل القيم البارزة في العالم. لدينا جبران الذي تتغنى شعوب العالم بكتابه، النبي، لدينا من زرع في الولايات المتحدة قواعد الطب الحديث وعلوم الفضاء وغيرها، كما لدينا الثروة المتعلقة بالحضور المسيحي ولا يجب أبدا، التفريط بهذه الثروة. هذه هي القوة الأساسيّة لمجتمعنا اللبناني بكل أنحاء العالم. وهذه هي القوة الثقافية الأساسيّة، التي فتحت مجالات التطور الثقافي في لبنان، ومنعت تحويله الى مجتمع مغلق، كما باقي المجتمعات الموجودة في محيطنا.

نحن نريد أن نعزز دور المنظمات الأهلية، ودور الجمعيات ذات الأهداف الإنمائية، ولا سيما ما يخدم التربية والتعليم وثقافة السلام والانفتاح الأكاديمي على جامعات المجتمع الدولي. ومن الضروري لذلك وضع تاريخ وطني شفاف وصريح لنتعلم من خلاله من الماضي وننطلق سويا لبناء المستقبل.

المبدأ الحادي عشرة: عدم الإفلات من المساءلة ومن العقوبة

لبنان شارك بصياغة شرعة المحكمة الجنائية الدولية، وأدرك أن المجتمع الدولي لا يقبل التورية على أي مسؤول مهما بلغت مرتبته، يكون ارتكب جريمة موصوفة في القانون الدولي، بأنها جريمة إبادة، أو جريمة ضد الإنسانية، أو جريمة حرب. كما أنه لا يسامح من ارتكب جريمة إرهابية. لكن المجتمع الدولي، لم يتمكن من وضع تعريف لجريمة الإرهاب، مما سمح لكل دولة أن تحدد في قانونها الوطني، التعريف الذي تراه مناسبا لهذه الجريمة، وأن تمارس قانونها الوطني على من تراه مرتكبا مثل هذه الجريمة.

وانطلاقا من هذا الواقع، فإن المجتمع الدولي لا ينسى من ارتكب جريمة من هذه الجرائم في لبنان. فعلى الرغم من أن اتفاق الطائف منح أمراء الحرب، وكل الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم قبل هذه الاتفاق، عفوا عنها، إلا أن المجتمع الدولي لا يرى نفسه ملزما بالاتفاق اللبناني، لاسيما أن الذين ارتكبوا هذه الجرائم ما زالوا يمارسون السلطة فيه، ويمارسون أشكالا ملتوية في متابعة نهجهم الميلشياوي. ونحن واثقون أن أيّة إنزلاقة جديدة، إلى حرب أهلية أخرى، سيتعامل معها المجتمع الدولي بكثير من القسوة. كما أن من حق أي مواطن لبناني الآن، أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية في الدول الأخرى، لملاحقة المسؤولين، خاصة وأنه ما زال يدفع ثمنا باهضا، لتلك الممارسات الميليشاوية الملتوية. وقد شهدنا على هذا الإنفجار الإجرامي الأخير في مرفأ بيروت. هذه جريمة موصوفة ضد الإنسانية ويجب تحقيق العدالة للضحايا. إنها نموذج آخر عن استمرار الممارسة الملتوية للميليشيات لدورها في قتل المواطن المدني. والقضاء الوطني لا يمكنه القيام بواجبه، بسبب استمرار سيطرة مثل هؤلاء المرتكبين على السلطة.

لا نريد لأحد أن يفلت من العقاب كائنا من كان. ولا حصانة لأحد. إنها شرعة المحكمة الجنائية الدوليّة المستقلة التي شاركنا معا، بإنشائها لحماية الشعوب الضعيفة، مثل شعبنا، من عبث السياسيين الفاسدين الذين يسوقون شعوبهم، إلى الموت المجاني والخراب والدمار. نريد أن يقوم مجلس الأمن، بإحالة هذه الجريمة إلى المحكمة الجنائية الدوليّة. فكما أمكن للمجتمع الدولي تحقيق العدالة في الجريمة الإرهابية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري فإن المجتمع الدولي مطالب ايضا، بتحقيق العدالة لضحايا الإنفجار الإجرامي في المرفأ.

لذلك كله، وانطلاقا من حاجتنا إلى السلم الأهلي، والوفاق الوطني، واستعادة الوحدة الوطنية، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، من الضروري اتباع نهج سبق أن اعتمدته دول أخرى، ولاسيما جنوب إفريقيا، حيث تم عقد لقاء وطني كبير، للمصارحة والمصالحة، اعترف فيه المرتكبون بجرائمهم، واعتذروا من الضحايا، ولكنهم تنازلوا عن مواقع السلطة وعن مسؤولياتهم في الأحزاب التي يرأسونها.

ويجب  إعادة النظر في النظام القائم للأحزاب، بغية فرض تعديل في أنظمتها الداخلية لكي تتوافق مع قواعد الدستور. فلا تظل أحزاب الطوائف. وتتحمل الأحزاب أيضا، المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها. هي جزء لا يتجزأ من ذاكرة الحرب. وعليها بالتالي، أن تعترف بما شاركت به، من جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، وأن تعتذر.

في الخاتمة:

نحيّي هذا الحراك الشعبي النموذجي رغم كل الثغرات، والذي صار نجمة أخرى مضيئة في تاريخ لبنان الاستقلالي وما قبله، تضاف إلى النجوم العديدة التي صنعها شعبنا جماعة وأفرادا. فهذا الحراك يقدم فرصة لا يمكن تعويضها، للانتقال بلبنان إلى مصاف الدول المتفوقة في العالم، بعد أن أصبح وللأسف دولة فاشلة كما قال دولة الرئيس تمام سلام، عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء.

ونحن نطالب كل الأحزاب في لبنان، والتي تتنافس في الإعلام على ما تسميه،”إنقاذ لبنان”، أن تتوقف، وتتمعن، بما أنتجه هذا الحراك حتى الآن. فهذا الحراك “الثورة” أثبت أنه جدي جدا في مسعاه للتغيير، وعليه فأيّة محاولة للتصدي له، مهما كانت أشكالها، لن تفشل فحسب، بل ستوّلد نتائج،  لن تكون أبدا في مصلحة المتصدي له، وستؤدي إلى زيادة معاناة الناس، كل الناس، في كل المناطق، ومن كل الشرائح الاجتماعية.

نعم حصلت هفوات في هذا الحراك، وذلك أمر طبيعي لأنه حراك عفوي. بعض الجماعات حاولت أن تأخذ الحراك إلى مفهوم الثورة الفوضوية من خلال قطع الطرقات مثلا، مما سمح بوقوع أحداث مؤلمة. هؤلاء أخطأوا، رغم أنهم احتجوا بضرورة قطع الطرق، للضغط على السلطة التي ترفض الاستماع إليهم. والسلطة أخطأت، لأنها لم تستمع إلى مطالب الناس كما في كل بلد حضاري. وبعض الأحزاب أخطأ، عندما سعى إلى استغلال بعض الأحداث، لإقامة شارع مقابل آخر. الجميع أخطأ وكادوا أن يحولوا الحراك إلى فوضى تسمح لكل بلد له مصالح في لبنان، بالتدخل فيه، كل وفق أجندته، وما أكثر الأجندات الدوليّة في وطننا، ولاسيما في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة.

شكرا للناس الذين أفشلوا كل ذلك. شكرا مرّة أخرى، لهذا الشعب العظيم الذي أثبت أنه عظيم فعلا. الشعب في كل المناطق، ومن كل الطوائف، ومن كل الفئات، أكد إصراره على سلمية الحراك، ونجح، وسينجح بإذن الله. وهو أفشل حتى الآن، كل الأجندات، غير أجندته هو، التي لا تحمل سوى هما واحدا، هو النهوض بلبنان  واقتصاده. لبنان بحاجة لكم. لبنان وشعبه بحاجة لشعب فرنسا الصديق ولكل الشعوب الصديقة، لدعم مطالب شعبه.

يجب أن نجعل من بيروت مركزا دائما لحوار الحضارات. والمطلوب هو أن تعتمد الأمم المتحدة لبنان، مقرا لجهودها في دفع مبدأ حوار الحضارات، فتقيم في بيروت، مركزا دائما لهذا الغرض وتموله، وتجعل من لبنان مثالاً تطبيقياً له.  لبنان في واقع الأمر، هو مثال حقيقي عن حوار الحضارات. والغرض من مركز حوار الحضارات، هو إقامة مؤسسة تدفع بحركة بشرية، وجمعيات وأحزاب وممثلي حكومات من كل أنحاء العالم، بإتجاه لبنان، وعلى مدار 365 يوما بالسنة. فهذا المركز هو دعاية لا تقل عن الدعاية التي تمنحها جنيف لسويسرا. كما هو عامل اقتصادي، يساهم كثيرا بمشاريع التنمية المستدامة.

ويجب أن نقيم اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة، التي تربط ما بين الإحتياجات الإنمائية الإقتصادية، واحتياجات الحفاظ على البيئة، وأيضا احتياجات التفاعل مع التشريعات الدولية التي تبقينا جزءا من حركة التطور القائم في العلاقات الاجتماعية في العالم، بما في ذلك تلك الحقوق والواجبات الأساسية الضرورية التي نص عليها مبدأ بناء السلم بعد النزاع الذي نريد أن نعمل في ظله.

نؤكد أخيرا، قناعتنا أننا وطن غني وقوي ولسنا دولة فاشلة. لدينا كل المقومات. فكل ما نحتاج إليه هو تحرير عقولنا من سيطرة الفاسدين الذين سرقونا باسم حماية الطوائف، وجعلونا دولة فاشلة وشبه ممزقة. لن تمر أية خطة لتدمير وحدتنا وفدرلة بلدنا. ونحن سنداعي كل الذين ينادون بالفدرلة، تحت عنوان الخيانة العظمى. وسنداعي رئيس الجمهورية إذا لم يستجب لمطالبنا الإصلاحية لأنه انتهك صراحة الدستور الوطني وأباح السيادة الوطنية لدول وقوى خارجية.

 لنستفد من قوتنا، ولنطرد نقاط الضعف التي تعيق وحدتنا.

 مجموعة بيراميد

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى