دراسات سوسيولوجية

مناقشة كتاب تراث الاستعلاء بين الفولكلور والمجال الديني

وليد عبد الحي

الكتاب عنوانه: تراث الاستعلاء بين الفولكلور والمجال الديني
مؤلفه:الدكتور سعيد المصري
مكان النشر-القاهرة بتاريخ 2019.

تنتمي هذه الدراسة الى ميدان علم الاجتماع الثقافي، وموضوعها المركزي هو النظرة الاستعلائية بين انساق الثقافات الفرعية تجاه بعضها، أي ان كل نسق(الدين، العرق، اللون ، الطبقة،الانتماء الجهوي، النوع الاجتماعي(الجندر) الخصائص الجسدية..الخ) يتعامل مع نقيضه المقابل في الهوية الثقافية بنظرة استعلائية، تصل الى حد العنصرية وتمهد السبيل للتطرف واستخدام العنف ضد النقيض. وحاول الباحث تلمس مظاهر هذا “الاستعلاء” في مكونات التراث الشعبي بشقيه المادي( الآثار والمعمار والأزياء..الخ ) واللامادي( الحكاية الشعبية والدين الشعبي والطرائف والأمثال والفنون باشكالها المختلفة..الخ)، وطبق الباحث دراسته بشكل رئيسي على المجتمع المصري مستعينا بدراسات غربية وعربية نظرية وأخرى ميدانية.

لا أعتقد أن هذه الدراسة تنطوي على كشف معرفي( معلومات او بيانات او ظواهر) ولا منهجي( أي ابتداع تقنيات بحث جديدة اكثر قدرة من التقنيات البحثية المعروفة في مجال علم الاجتماع الثقافي”.

من جانب آخر، فقد تركز الجزء الاكبر من الدراسة على الظاهرة الدينية ( مؤسساتها الرسمية وطقوسها الشعبية ومظاهرها المادية وغير المادية)، وقد وجدت ان هذا الجانب لم يلامس الفكرة المركزية للدراسة وهي ” الاستعلاء” او احساس التفوق الا في جوانب محدودة( اول حوالي مائة صفحة)، بينما غابت الفكرة المركزية (الاستعلاء) عن النسبة العظمى من بقية الكتاب (من صفحة 107 الى 341) والتي تعالج الظاهرة الدينية باستثناء اشارات عابرة تتضمن معلومات متداولة في ادبيات الموضوع او حتى في الآراء السائدة بين الجمهور. لقد ركز الباحث على بنية المؤسسة الدينية في مصر، وعلى علاقة المؤسسات الدينية بالسلطة، وعلى البنية البيروقراطية للمؤسسات الدينية، وعلى تضارب اختصاصاتها فيما بينها وعلى آليات التجنيد وافكار التغيير والأهداف الاستراتيجية للتيارات الدينية ، لكني لم اجد ربطا وثيقا بين كل ذلك وبين ” الاستعلاء”، ورغم اشارة الباحث في اكثر من موضع لجهود اليونسكو في موضوع الصور الذهنية للشعوب عن بعضها البعض او للانساق الاجتماعية وكيف تتشكل أخلاقيات الاستعلاء والدونية ، فانه فصل بين نمط العلاقة التاريخية بين الطرفين ودورها في التاسيس لهذه النظرة لاسيما عند معالجة الأبعاد السياسية للاستعلاء، فدراسة هادلي كانتريل(Hadley Cantril) و وليم بوكانان(William Buchanan) (How Nations See Each Other )تربط بين نمط العلاقة التاريخية للشعوب التي درساها وبين الصور الذهنية التي يتولد منها الاستعلاء، فالصراع العربي الاسرائيلي الذي اشار له الباحث في عدد من المرات تجاوز فيه باحثنا العلاقات الفعلية بين الطرفين وما تخللها من الصراع الثقافي والسياسي والاجتماعي ونقض العهود والتحريض، وأسس باحثنا رؤيته على ” الموروث الثقافي” فقط ، فمثلا من اين رسم وليم شكسبير صورة شايلوك في تاجر البندقية؟ ، فصورة شايلوك ليست نتيجة لموقف ديني او تراث” من شكسبير بل هي نتيجة دور اليهود في النشاط المصرفي، وهو نفس السبب الذي تذرعت به النازية..ونحن هنا لا نرفض ما ذكره الباحث، لكنا نرصد قصور التفسير لظاهرة الاستعلاء، بل ان الجزء الميداني في هذه الدراسة والخاص بقبيلة اولاد علي في مطروح يعزز ما ذهبنا له في هذه الملاحظة.

اما الجزء الأول(حتى صفحة 107) فغلب عليه تكرار البديهيات التي اجترها الفكر العربي لقرون( النظرة الدونية للمرأة او للأسود او للمعوق جسديا او للهامشيين او للبداوة او للاديان الاخرى..الخ)، كما ان تحليل ” اسباب” هذه النظرية غلب عليه التحليل الصحفي الا في بعض المواضع التي اتكأ فيها الباحث على نظريات غربية.

الى جانب ذلك ، فان اغلب ما ورد في الدراسة بخاصة “الاستعلاء في التراث” ورد في دراسات سابقة للباحث ولغيره ، مثل:

1- كتابه -تجديد الفكر الديني – مكتبة الاسكندرية-2018( ونكفي مقارنة ما ورد في هذه الدراسة مع الصفحات 313 الى 340 من كتاب تجديد الفكر الديني)

2–ازمة المجال الديني الرسمي في مصر- مركز الامارات -2017 ، قارن في كتابنا هذا الفصل السادس مع ازمة المجال الديني في مصر- من صفحة 287-310

3–صور التمييز الثقافي في التراث الشعبي المصري-الدوحة -2015 ، قارنه في كتابنا هذا الفصل الثاني: صور التمييز الثقافي في التراث الشعبي من صفحة 31 الى 98

4-الشرع يحكم في البادية-دراسة لعملية اسلمة المجتمع البدوي بين قبائل اولاد علي-مجلة ثقافات -2011، قارنه مع الفصل الخامس من كتابنا الذي نناقشه وعنوانه :الشرع يحكم في البادية من 227 الى 277

توزعت هذه الدراسة بصفحاتها ال 356 على سبعة فصول ومقدمة، ويحدد الكاتب في مقدمته هدف دراسته وهو” تراث الاستعلاء” لينتقل في فصله الاول الى موضوع التمييز الثقافي ،ويحلل العدالة الثقافية من جانبين : ثقافة العدل(احترام الناس لقيمة العدل) وعدالة الثقافة( المساواة في فرص التعبير عن الثقافة)، ويحدد الكاتب ثلاثة مداخل لفهم التمييز هي التصنيف المعرفي(تكوين التصورات من خلال مفاهيم معرفية متعالية) والتعصب الاجتماعي (الكراهية المستندة لحكم عام) والعنصرية الثقافية (الاحساس بالتفوق الثقافي)، اما الفصل الثاني فيستعرض فيه صور التمييز الثقافي والتي تأخذ ثلاثة اشكال: الازدراء والاقصاء والاعتداء، وابرز اشكال هذا الازدراء هي: التمييز الذكوري، والموقف من شريحة الشباب(الصورة السلبية عنهم لدى كبار السن) ثم النظرة الطبقية ثم التمييز على اساس اللون او النسب او الانتماء الجغرافي(وقد تتكاتف بعض هذه الجوانب فتكون مجتمعة في جماعة معينة او فرد معين) ثم هناك التمييز الثقافي على اساس الدين واخيرا التمييز على اساس الاعاقة الجسدية او الذهنية ، اما الفصل الثالث والذي خصصه للعلاقة بين التراث الثقافي والتعليم، فقد حصر الكاتب اهتمامه في العلاقة بين السياسات الثقافية والتعليم في الدول العربية ، ويرى ان احتكاك العرب بالغرب في القرن التاسع عشر ادى الى الالتباس في كيفية تحديث التعليم ، كما يزداد الالتباس لكيفية تحديث التعليم والتراث بخاصة في فترات نشوب الصراع مع الغرب.وحدد مراحل العلاقة بين التراث والتعليم في ثلاث: توحيد التعليم والتراث-وسيطرة القداسة على علاقة التعليم بالتراث – ثم مرحلة الاستقلال النسبي للتراث والتعليم. وينتقل بعد عرض استراتيجيات العلاقة بين التراث والتعليم الى نماذج دولية( الهند والصين واليونان ومصر) ثم يتناول موضوع بناء المواطنة عبر المرجعية التراثية من خلال التعليم المدني وتكريس القيم الخلاقة الواردة في التراث الشفوي مع التركيز على القيم التي تبني مواطنة جيدة( التسامح والاحترام والمسؤولية والعدل الاجتماعي والتفوق والاندماج والنزاهة والحرية..الخ) ، اما الفصل الرابع الذي خصصه لتراث المجتمع الاسلامي المتخيل واستعادة الماضي، وتحلل الدراسة مفهوم ” المتخيل ” وتمييزه عن الآيديولوجيا واليوتوبيا ثم آليات تحقيق ذلك المجتمع المتخيل من خلال تكوين الهويات الثقافية والمجتمع السياسي والحركات الاجتماعية. وقد ركز في هذا الجانب على أدبيات سيد قطب ثم على تنامي هذا الامل في تحقيق المجتمع المتخيل خلال فترة تولي محمد مرسي السلطة في مصر، وعرض للتيارات الداعية لتحقيق المجتمع المتخيل من خلال ادبيات كل تيار( السلفي وادبيات بن باز، والتيار الاصلاحي ممثلا في ادبيات حسن البنا، والراديكالي بخاصة الجناح الجهادي من خلال ادبيات سيد قطب). أما الفصل الخامس والذي خصصه لدراسة ميدانية على المجتمع البدوي في منطقة مطروح المصرية، فقد جرى التركيز على قضية محددة وهي احلال الشريعة محل القضاء الرسمي والبدوي(الذي يقوم على العرف وما يسمى العواقل(النخبة) .وفي الفصل السادس والذي خصصه لما يسمى معضلة المجال الديني في مصر، اغرق الباحث في وصف العلاقة بين المؤسسات الدينية الرسمية والسلطة القائمة على سيطرة السلطة عليها مقدما امثلة على هذه السيطرة، اما الفصل السابع والاخير، فيتركز على موضع تجديد الخطاب الديني من خلال فتح باب الاجتهاد والتجاوب مع متطلبات العصر، ويطرح 4 ابعاد لذلك(التأويل على اساس العقل، والتوافق على القضايا المركزية ،والتفرد أي احترام الموقف الفردي في ممارسة الشعائر ثم التحرر بالاختيار الحر)، ولانجاز ذلك يجب ان يتحرر الفكر الديني من أمل المجتمع المتخيل وتعميق دور العلوم الانسانية والاجتماعية والتفاعل مع الآخر من منطلق انساني، ويشير الى انه من بين 43 قياديا في الاخوان المسلمين في مصر لم يجد سوى اثنين لديهم شهادة جامعية في العلوم الدينية ، ويرى ان تصوره هذا سيقود الى التخفيف من التطرف العلماني والتطرف الديني على حد سواء.

في الجانب المنهجي،جمعت هذه الدراسة بين مناهج كمية(لقياس قيم التفاوت بين الرجل والمرأة- صفحة 62) او ( الاتجاهات نحو العدل في المجتمع-ص.98) معتمدا على المقابلات بشكل رئيسي مع عينات من الافراد العاديين او النخب ، كما استخدم تحليل الخطاب التراثي( النكت والاغاني والامثال..الخ) الى جانب توظيف الأدبيات في علم الاجتماع الثقافي والانثروبولوجي في تحليل العديد من الظواهر.

لكن استخدامه للمناهج الكمية كان معيبا في ” بعض ” جوانبه” ، إذ ان حجم العينات التي ناقشها كان قليلا جدا (اقل من بضع عشرات)، في مجتمع يقارب مائة مليون نسمة، كذلك –كما اشرنا سابقا- فان الفكرة المركزية وهي الاستعلاء كانت اكثر وضوحا وترابطا في الجزء الاول منها قياسا مع تناولها في الجزء الثاني،إذ لم اتمكن من تلمس العلاقة بين موضوع الدراسة(الاستعلاء)و بين أغلب الموضوعات الواردة في الفصول الثالث والرابع والخامس والسادس .

وإذا دققنا في استمارات المقابلات التي وضعها الباحث في نهاية دراسته( الصفحات 345-356) والتي تشتمل على 97 سؤالا تغطي موضوعات التوجهات الدينية وأساليب فض النزاعات في المجتمع البدوي، او القضاء العرفي،والقضاء الشرعي،واسئلة خاصة برجال الدين،وموضوع الفتوى، فإننا لن نجد اية اسئلة ذات علاقة مباشرة بموضوع الاستعلاء ، بل يصعب ادراك جدوى هذه الاسئلة لفهم الاستعلاء في الميدان الديني، فهي اسئلة تفيد في فهم التحول في الثقافة الدينية او في ادراك تأثير الدين في التغير الاجتماعي، لكن توظيف ذلك لفهم وتحليل ظاهرة الاستعلاء امر متعذر العثور عليه في الدراسة رغم ان الاسئلة تقارب مائة سؤال. ولو قارنا نمط الاسئلة الواردة في هذه الدراسة لقياس الاستعلاء مع نمط الاسئلة في الدراسة التالية سنتبين الفرق الهام : قارن مثلا مع:

الدراسة التالية التي شارك فيها عدد من المؤلفين: Validation of Adlerian inferiority (COMPIN) and superiority (SUCOMP) complex shortened scales

وبخاصة الملحق 2 صفحة 32.

او الدراسة الاخرى الخاصة بمؤشرات الاستعلاء تحت عنوان : What Is a Superiority Complex?.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى