قسم الدكتوراه

منهجية الإجابة في مسابقة الدكتوراه للتخصصات الأدبية والإنسانية

لقد سبق مني التأكيد في منشور سابق، على أهمية التحكم المنهجي في التحرير، ذلك أن الفضاء المنهجي هو الوعاء الأمثل لاستيعاب الرصيد الفكري في قالب منتظم ومنسجم وجذاب، سيما وإن الإلتزام والتمكن من منهجية الكتابة العلمية، يستثير الشغف القرائي لدى المتلقي، سواء كان باحثا، أو مُحَكِّما، أو مصححا، كما يحقق للمترشح الباحث مكسب التفوق،وليس النجاح فحسب.وعلى ذلك فقد آثرت أن أفيد الزملاء الباحثين بمجموعة من النقاط المنهجية، المتعلقة بطريقة الإجابة عن سؤال الامتحان الدكتورالي، مستيعنا في ذلك بما توفر لدينا من خبرات متواضعة ،وفيما يلي إيضاح هذه النقاط.
ملحوظة: سأكتفي في هذه الورقة المتواضعة، بالتوقف عند عنصر واحد من العناصر المنهجية ، ويعزى ذلك إلى التيسير على القراء، وتجنب الإطالة المؤرقة، خاصة وأن التعرض للجانب المنهجي يستدعي التوضيح والتفصيل. ومن هذا المنطلق سأقوم بتوضيح التفاصيل المتعلقة بعنصر المقدمة فقط، وسأرجئ الحديث عن العرض والخاتمة في منشور لاحق، أنشره في القريب العاجل لو كتبت لي في مقادير الحياة أيام أُخَر.
– لابد من صياغة الإجابة ضمن هيكل مضبوط، وسنوضح مرتكزاته، ومضامين كل مرتكز على النحو الآتي:
01- المقدمة:
المقدمة هي البوابة الرئيسية التي يفضي إلى صلب الموضوع،وهي أول ما يٌقْرَأ،لذا يتوجب على الطالب أن يُسَخِّر لها حضورا ذهنيا كبيرا، وإمكانيات لغوية معتبرة؛ من شأنها تحفيز المصحح على القراءة؛لأنها الفضاء الفكري الذي يتم فيه توضيح أهمية الموضوع، والتعريف به. ومادامت المقدمة هي مهاد الموضوع، لابد للطالب أن يقوم بتجميع الأفكار الأساسية للإجابة، ويختصرها في فقرة مركزة، ثم يشرع في كتابة المقدمة؛ لأن الشخص الذي لا يعرف الشيء لا يمكن له أن يعرِّفه للآخرين.
كما يجب الإنتباه إلى حجم المقدمة، فلابد أن تكون مختصرة، بما يتناسب مع وظيفتها كمدخل للإجابة، ومن الضروري أن تختتم المقدمة بطرح الإشكاليات الأسياسية التي هي مدار الموضوع؛ذلك أن البحث الذي يخلو من إشكالية محددة، هو بحث غير جدير بصفة العلمية، فنقطة الارتكاز الأساسية التي تدور حولها الإجابة هي “مشكلة” محددة تتطلب حلا. كما أن طرح الإشكالية هو الذي يبرز أهمية الموضوع من الناحية العلمية والنظرية، وعن طريقها يمكن تحديد الموضوع، وتحديد نوعية المعلومات والبيانات والأساليب العلمية المستعملة لمعالجة هذا الموضوع، كما أن وضع التساؤلات يسهل عملية وضع منهجية علمية معينة للإجابة عن الإشكالية.
وعليه فإننا نؤكد على وجوب صياغة الإشكالية في عبارات واضحة ومفهومة ومحددة بدقة، بحيث لا تكون موسعة متعددة الجوانب كثيرة التفاصيل، أو ضيقة محددة للغاية ويصعب فهم المقصود منها بدقة ووضوح. كما يمكن للمترشح أن يردف الإشكال الرئيس بمجموعة من الأسئلة الفرعية المرتبطة به، كما يمكنه ترك ذلك إذا لم ير في ذلك بد، سيما ونحن نتحدث عن مقالة علمية لا يتجاوز حجمها في الغالب الأعم أربع صفحات.
– أنبه إلى ضرورة إعادة صياغة السؤال المطروح في ورقة الامتحان، سيما وأن بعض الأسئلة تأتي في صيغة تقريرية على شاكلة:
عرفت مدونة الأدب الحديث انفتاحا بارزا على الثقافة الغربية. حلل هذا القول، موضحا معالم التأثر بالثقافة الأجنبية في الأدب العربي.
ومن ثمة ننصح بإعادة صياغة الأسئلة بالصيغة الاستفهامية؛ لأن صياغة المشكلة في صورة سؤال تعني أن غرض الجواب هو البحث عن حل للإشكالية.وفيما يلي، نموذج تطبيقي للطريقة الاستفهامية:
ما مدى …؟. كيف عالج …؟ ومختلف صيغ الاستفهام الأخرى (ما هي؟ هل؟…)
أجدني ملزما، من باب المسؤولية الأخلاقية، بمواصلة الطرح التوضيحي لمنهجية الإجابة في امتحان الدكتوراه، ذلك أنني وعدت باستكمال مابدأته، حيث نشرت أولا أهم التفاصيل المتعلقة بتحرير مقدمة الإجابة عن سؤال الامتحان الدكتورالي، ولعل حرصي على توضيح الجوانب المنهجية، منبثق من أهمية هذا الجانب، فالمصحح يهمه من الطالب الوعي المنهجي الذي هو أساس إنجاز أي بحث، كما تهمه كيفية تنظيم المعلومات الخاصة بالإجابة في قالب منهجي منتظم، يعطي الإنطباع على قدرة المترشح على التحرير العلمي.
وسأشرح فيما يلي من سطور هذه الورقة المتواضعة ما يتعلق بعنصري العرض والخاتمة.ومفاد ذلك على النحو الآتي:
أ- العرض:
العرض هو الفضاء الفكري الذي يستحوذ على حجم كبير في هيكل المقالة، مقارنة بعنصري المقدمة والخاتمة، باعتبار العرض هو المساحة الفكرية المتضمنة لتفاصيل الإجابة عن الموضوع، وعلى ذلك وجب على المترشح أن يعي جيدا العناصر المنهجية التي يقوم عليها العرض بوصفه أهم عنصر في المقالة.وسأشرح الخطوات التي يتوجب على الطالب الإلتزام بها في تحرير العرض.
01- تقديم العرض: ينبغي على الطالب أن يفتتح عرضه بفقرة تقديمية شارحة لخطة إجابته، أي أنه يجعل للعرض مقدمة علمية مركزة، يشرح فيها خطة الإجابة، ويبرز الفرضيات التي يتقصاها، وكأنك بذلك تقدم ملخصا لمضامين الإجابة ،حيث يقوم المترشح بتحديد العناصر التي سيتوقف عندها، من خلال الإشارة إلى المعالم الكبرى( المعطيات الأساسية) في إجابته ضمن فقرة مركزة يذكر فيها ما سيتناوله في بداية العرض وماسيعرج عليه،كما يبرز أهم المفاهيم أو المصطلحات التي سيتوقف عندها.
نموذج تطبيقي عن مقدمة عرض : فلنتصور أن الموضوع يتعلق بالجهود النقدية ابن رشيق(أحد نقاد المغرب الإسلامي القديم خلال العهد الصنهاجي)
“لاشك أن إجابتنا عن هذا الموضوع تدرج في سياق نقد النقد، مما يجعلنا نستعين بالوصف والتحليل وإبداء الرأي، وعلى ذلك سنحاول الإحاطة بمختلف معطيات الأسئلة المطروحة آنفا، وهذا من خلال التقيد بخطة نراها منسجمة مع طبيعة الموضوع، حيث سنقدم أولا إضاءات شاملة حول الفضاء النقدي في عصر ابن رشيق وذلك بالتعرض لأهم النقاد ومناقشاتهم النقدية، ثم سنحاول التركيز على جهود ابن رشيق مبرزين اهم مؤلفاته وآرائه، وسننتقل إثر ذلك إلى استنطاق مميزات تجربته النقدية، وسنحاول تقديم جملة من الاستنتاجات والاحكام الخاصة بالموضوع في نهاية المقال.”
وإنني إذ أؤكد على أهمية شرح خطة(منهجية) الإجابة، فإن ذلك يبرز مدى الأهمية البالغة التي تكتسيها هذه الخطوة؛ فالخطة هي تصميم للإجابة وهيكل البناء الذي تقوم عليه، وعن طريقها يمكن للمصحح ومن الوهلة الأولى أخذ فكرة عن الإجابة وصاحب الإجابة، فهي واجهة البناء الفكري للإجابة على السؤال المطروح، وفهرسا للأفكار التي تتضمنها تلك الإجابة، علاوة على ذلك فإن أغلب المصححين يعتبرون الإجابة وفق خطة منهجية متكاملة عاملا هاما في تقييم الطالب، فهي لا محالة تعكس مدى قدرة الطالب على الاستفادة من مختلف المعلومات المتوفرة لديه، بطريقة منهجية منتظمة، متناسبة مع طبيعة الموضوع، فتساعده على ضبط عناصر الموضوع، وترتيب الأفكار المتواجدة لديه بشكل متسلسل ومنظم ومترابط ( فالمواد الأولية هي نفسها المتوفرة لدى كل مرشح –بحكم مراجعتهم لنفس المقاييس- لكن البناء المنهجي سيكون مختلفا من طالب لآخر حسب ذكاء كل طالب، ومنهجيته وعمق تكوينه وتذكّره للمعلومات.
02- تقسيم العرض: لابد من تجزيئ العرض إلى عناصر أو أفكار أساسية، بحسب طبيعة الموضوع، ولابد من القول إنه توجد طرق متعددة للتقسيم عموما، تتحكم فيها طبيعة الموضوع، فهناك من يقول بانتهاج التقسيم الثنائي(مبحثين، مطلبين، فرعين،وهكذا)، لكن الأفضل عندي هو وضع عناصر محددة، سيما وإن وقت الإجابة محدد بساعتين أو ثلاث ساعات، وأن حجم الإجابة في الغالب الأعم لا يتجاوز أربع صفحات.وهذا مايجعلني اعتبر العرض -في مثل هذه المقالات- بمثابة مبحث كبير، وأن عناصر الإجابة هي مطالبه وفروعه.
ب- الخاتمة:
يمكن للباحث أن يستجمع فيها النتائج المتوصل إليها، أو يقرر فيها رأيا خاصا يبلور فيه نظرته الخاصة للموضوع، كما يمكنه أن ينهيها ببعض الأسئلة التي تشكل منطلقا للتوسع في الإجابة عن الموضوع.
وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه ننيب … دعواتكم الطيبات
د. بوده العيد يتمنى لكم التوفيق.. دعواتكم الطيبة

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى