القاموس السياسيدراسات سياسية

نظرية الحرية السياسية

Political Freedom Theory

 من أفكار الأستاذ المرحوم  العلامة حامد ربيع

المقومات الفكرية لمفهوم الحرية

يرى العلامة حامد ربيع أن كلمة الحرية في أوسع معانيها تعني اختفاء القيود على النشاط الفردي أو الجماعي ، الحرية بهذا لمعنى هي مرادف للقدرة على الحركة دون ضوابط . إنها بمعني أو آخر تعني عدم التبعية ، ومن هذا تنبع نتائج معينة:

أولاً : إن الحرية تتعارض مع أي صورة من صور الضبط للسلوك الفردي أو الجماعي. الضبط يعني التقييد، وبمعنى وضع حدود أو موانع للقدرة على الحركة ، وهو بهذا المعنى يتناقض مع المفهوم العام للحرية في  أوسع معانيها .

ثانياً: مفهوم الحرية بهذا المعنى يتعارض أيضاً مع فكرة القانون . أليس القانون مجموعة من القواعد الشكلية التي تخضع سلوك المواطن إلى نماذج معينة يتعين عليه من خلالها وفقط من خلالها أن يتحقق أهدافه الحركية .

ثالثاً: الانطلاق في الحركة يعني الخضوع للمقومات الذاتية دون أي تأثير ينبع من خارج الذات مصدر الحركة. رغم ذلك فإن هذا المعنى العام لا يمكن أن يعبر عن حقيقة القيمة السياسية المرتبطة بالمفهوم ؟

توظيف  مفهوم الحرية للتمويه والتغطية على اهداف أخرى. أول ما يجب أن  نلاحظه أن هذا المفهوم عبر عن حقائق مختلفة ومتعددة تبعاً لكل فترة تاريخية بل وخضع في تنوع التصورات المرتبطة بالمفهوم أيضاً لأبعاده الوظيفية وقد زاد من هذا الاضطراب أن هذه الكلمة استغلت ، كما حدث في جميع القيم السياسية ولكن في هذا التطبيق بصورة أكثر وضوحاً وأكثر مبالغة للتمويه  أو التغطية على الأهداف الحقيقية من الحركة ولجعل ذلك المفهوم شعار يخفي أبعاد أخرى لا ترتبط بالمفهوم. أكثر من دولة واحدة غزت جماعات سياسية أخرى باسم الحرية  ÷و نشر القيم الديموقراطية والحرية (الولايات المتحدة احتلال افغانستان والعراق والصومال وليبيا..). وليس النموذج الأمريكي الذي نعيشه في هذه اللحظة في وسط و جنوب وغرب  شرق آسيا أو من خلال المساندة للدولة الإسرائيلية سوى أحد التطبيقات ، لقد عرفت مصر قبل ذلك نموذجاً آخر في عصر كليوباترا عندما خطب أحد القادة الرومان في مدينة الإسكندرية خطبة مشهورة يعلن فيها أن روما لم تدخل مصر إلا لتعيد لشعب وادي النيل حريته المفقودة .

ولو تركنا جانباً هذه الملاحظات وحاولنا أن نحدد معنى الحرية كقيمة حضارية لكان علينا كنقطة بداية أن نميز بين نواحي أربع كل منها يعكس أحد أبعاد الظاهرة : الحرية أولاً مفهوم فلسفي وهي ثانياً تعبر عن موضع قانوني معين ذا خصائص محددة وهي ثالثاً تمثل قيمة سياسية ، ثم هي رابعاً ترتبط بمفهوم اقتصادي أو بعبارة أكثر دقة بوضع اقتصادي له أيضاً مستلزماته .

فما المقصود بكلمة الحرية

أ‌-    الحرية في معناها الفلسفي تعني توازن معين أساسه التجانس بين ما يشعر الإنسان وما يفعله أو يعلن عنه. الحقيقة البشرية هي روح أو فكر من ناحية وحركة أو سلوك من جانب آخر ، التطابق أو على الأقل التجانس بين الشعور الداخلي والتعبير عن ذلك الشعور هو الذي يعني الحرية . الحرية الفلسفية بعبارة أخرى هي نوع من إعلان الحقيقة مع النفس والرجل الحر هو من يعرف كيف يتهرب من الحقيقة ولا يتردد في أن يواجهها بأن يسمي الأشياء بأسمائها كما تنبع من نظامه للقيم ، الحرية الفلسفية لا تعرف الدبلوماسية ولا تقبل التلون وتفرض الصراحة والوضوح مهما كانت مبالغة مهما تحمل المرء في سبيلها من نتائج .

بهذا المعنى فهمت الحرية في التقاليد اليونانية وبصفة خاصة عند سقراط وأفلاطون : ينسب إلى أفلاطون قوله :” قد يكون الحر عبداً ، وقد يصير العبد حراً ” ويقصد بذلك أن الحرية حقيقة نفسية قد تستقل بل وقد تتعارض مع الوضع القانوني الذي فرضته الحضارة القديمة إزاء نظام الرق والعبودية .

ب‌-  فلسفة الحرية لا تعني التنظيم القانوني للحرية. التنظيم يدور حول تحديد القواعد المتعلقة بالممارسة،  بهذا المعنى الحرية تصير مرادفاً لتلك المجموعة من الضمانات والحقوق التي يجب أن يعترف بها المشرع للمواطن لتضمن له حداً أدنى من الطمأنينة والاستقرار والثقة غي عناصر وجوده الذاتي ، شخصه ومسكنه وماله . هي مجموعة من الضمانات والإجراءات التي تحمي المواطن إزاء أي اعتداء على شخصه أو مسكنه أو ماله. و بصفة عامة مجموعة من القواعد تعبر عن الموقف القانوني للمواطن في داخل المجتمع في علاقته بأي قوة أخرى ولو بتلك القوى التي تمثل السلطة الحاكمة .

الأصول الأولى لهذا المعنى تعود إلى المجتمعات القديمة عندما كانت النظم القائمة تتحدث عما يسمى بحالة الحرية : ويقصد بذلك الوضع القانوني للمواطن الحر أي غير العبد أي صاحب الشخصية والأهلية القانونية التي تمكنه من أن يصف نفسه بأنه مواطن يتمتع بجميع الحقوق التي تميز الرجل الحر قانوناً عن العبد الذي يباع ويشترى .

هذا المفهوم انتقل عقب ذلك واستقر في التقاليد حتى عقب إلغاء العبودية والرق ليعبر عن النظام القانوني لدلالة كلمة الحرية أي عن مجموعة الحقوق التي من تفاعلها وتكاملها نستطيع أن نلمس الوجه القانوني للحرية .

الحرية بهذا المعنى ، أي بمعنى ضمانات قانونية للفرد في شخصه ومسكنه ومال ، وجدت في جميع المجتمعات. المفهوم القانوني للحرية بهذا المعنى مفهوم قديم ، سبق أن رأينا بعض نماذجه في الحضارة الرومانية باسم حق النقض أمام الشعب كما رأينا بعض تطبيقاته في المجتمع الإسلامي باسم مبدأ الشورى .

ج- إن الحرية رغم ذلك حقيقة واحدة،  والتجزئة بين أبعادها المختلفة ليست إلا من مقتضيات علمية المنهاجية التي تسمح بفهم ظاهرة هي من حيث حقيقتها مركبة. يبين هذا واضحاً أولاً في العلاقة بين تلك النواحي المختلفة للظاهرة ، إن الصلة بين المفهوم القانوني والمفهوم السياسي أكثر بعداً من أن تكون مجرد ترابط بين ناحيتين من نواحي التحليل لظاهرة واحدة .  من هذا يصعب التعريف بالمفهوم السياسي للحرية دون أن نتطرق ونعرض للنواحي القانونية لنظام الحرية.

ومع ذلك فما الذي يجب أن يفهم من كلمة الحرية السياسية  ؟ ما المراد بالنواحي السياسية لمفهوم الحرية أو بالوظيفة السياسية لمفهوم الحرية ؟ نقصد بذلك كل نظام سياسي يسمح بالمشاركة الفعلية من جانب الطبقة المحكومة في تسيير دفة الحكم وبغض النظر سواء عن صور تلك المشاركة أو عن مداها ، هل تقتصر على مجرد الرقابة عقب التصرف السياسي أم تأخذ صورة الإذن قبل التصرف السياسي ؟ الحرية

بالمعنى السياسي تصير مرادف لكلمة المشاركة والمشاركة بهذا المعنى تفترض عناصر معينة :

1-نفرض اتساع نطاق الممارسة السياسية بحيث أن المحكوم وفي أوسع قسط ممكن نستطيع في لحظة معينة ولو في بعض صور محدودة من التصرفات أن يصف نفسه بأنه حاكم ومحكوم في آن واحد .

2- تفترض ثانياً حق المناقشة ، إن المناقشة دون إمكانية لتقييم العلم لا قيمة لها فالمشاركة ليست إجراءاً صورياً وإنما يقصد بها المساهمة الفعلية في عملية التقييم والاختيار .

3- حق الرقابة الذي يفرض إمكانية الضبط وتوجيه المسئولية إزاء صاحب الحق في الممارسة السياسية .

د- فالمفهوم السياسي أو الوجه السياسي لظاهرة الحرية يمثل مختلف التطورات التي ارتبطت بتلك التقلبات المتتابعة ابتداء من الخبرة اليونانية وحتى الثورة الفرنسية ، إنها بصفة عامة ليست غاية في ذاتها وإنما هي أداة لحماية استقلال العناصر المحكومة في مواجهة القوى الحاكمة ، القدرة على التحكم في الذات ، اختيار القرار ، المسئولية جميعها جزيئات تتداخل وتتفاعل فيما بينها ليتكون من نسيجها ذلك الإطار العام لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم باسم الحرية .

الحرية الاقتصادية

الحرية الاقتصادية في الواقع لم تعرفها المجتمعات الإنسانية إلا نتيجة للحركات العمالية حيث ظهر مفهم الحرية الاقتصادية بشكل جلي،  بمعنى ان المشاركة  السياسية لا قيمة لها إن لم ترتبط بمستوى معين من عدم التبعية المادية أو بما يمكن أن يعبر عنه بالحد الأدنى للكفاف الاقتصادي.  الحرية الاقتصادية بهذا المعنى تعني الحد الأدنى من المستلزمات المادية التي يجب أن توفرها الدولة لكل مواطن بمجرد كونه ينتمي إلى هذه الجماعة لتمكينه من ممارسة الحقوق التي تفرضها الحرية السياسية .

من هذا تتحدد نتائج معينة :

أولاً: الحرية الاقتصادية بهذا المعنى هي في حقيقتها لا تعدو أن تكون وسيلة إجرائية وتابعة للحرية السياسية ، يجب أن نسلم بأن مفهوم الحد الأدنى من الكفاف الاقتصادي هو شرط ضروري للممارسة السياسية .

ثانياً: كذلك يجب نسلم بأن الديموقراطية الاقتصادية ليست الحرية الاقتصادية ويبدو هذا واضحاً وصريحاً عندما نفهم كلمة الاقتصادية كمرادف لكلمة الاجتماعية . وليس أدل على صدق هذه الملاحظة من أن نتابع التطور التاريخي لكلا المفهومين : فالديموقراطية الاجتماعية أو الحرية الاجتماعية لو قبلنا استخدام الكلمتين بمعنى واحد ورغم ما يعنيه ذلك من خلط بين القيم الجماعي والقيم الفردية ، عرفت منذ أقدم العصور.  أن الحرية ليست مجرد إجراء شكلي وأن هذا المفهوم ليستطيع أن يؤدي وظيفته السياسية يجب ان يقترن بضمانات معينة ترتبط بالوضع الاقتصادي الفردي لإمكانية الممارسة .

ثالثاً: وهذا يقودنا إلى ملاحظة أخيرة تدور حول ما سبق وأبرزناه في أكثر من مناسبة والذي ندين به للفقه الأمريكي وهو عملية الخلط بين القيم السياسية والقيم الغير سياسية.  إن الحرية الاقتصادية تمثل إحدى القيم الاقتصادية، وهي في ذاتها ليست قيمة سياسية ولكنها في بعض الأحيان تصير أحد مستلزمات الحماية لفاعلية القيمة السياسية .

بقي أن تساءل : ما المقصود بكلمة الحرية السياسية ؟

–       الحرية السياسية وعناصرها :

     كل يعرف الحرية كحقيقة سياسية من منطلق يختلف ويتنوع تبعاً لتصوره العام المرتبط بالظاهرة موضع المناقشة . رغم ذلك فلو تركنا جانباً هذه الخلافات المتعددة والصراعات الفكرية نستطيع أن نميز بين عناصر أربعة .الواقع  أن الحرية تتضمن مجموعة من العناصر نستطيع أن نعيدها إلى أربعة مقومات :

أولاً: التنظيم الذاتي .

ثانياً: عدم التبعية .

ثالثاً: الثقة والطمأنينة .

رابعاً: المشاركة .

 إن النسيج الذي يتكون منه مفهوم الحرية السياسية ورغم أن التسليم بأن هذا المفهوم نسبي يتنوع لا فقط زمانياً بل وكذلك حضارياً إلا أنه يجب أن يتضمن العناصر الأربع التالية :

أ‌-    عنصر التنظيم الذاتي الذي يعني حق الشخصية القانونية في أن تنظم حياتها بإرادتها الفردية . هذا الحق يندرج ابتداءً بالمواطن وينتهي بالجماعة ذاتها . فالجماعة يجب أن يكون من حقها أن تنظم العلاقات المختلفة بين مواطنيها من خلال إرادتها التشريعية المستقلة غير التابعة وهكذا فإن القانون القومي يجب أن يصور من الإرادة التشريعية القومية ويعبر عن تقاليد المجتمع الذي تصدر منه تلك القوانين ويعكس روحها الجماعية ، مفهوم التنظيم الذاتي هو في الواقع نوع من التوافق بين القيم الجماعية والقيم الفردية.

ب‌-  المبدأ الثاني الذي يكمل مفهوم التنظيم الذاتي ويستتر خلفه هو فكرة الاستقلال وعدم التبعية.  إن حق المواطن في أن ينظم حياته بإرادة فردية إنما يعني حقه في الاستقلال ومعنى الاستقلال عدم التبعية. بهذا المعنى يوصف الإنسان الحر بأنه لا يقدم حساباً عما فعله للآخرين هذا المفهوم رغم ذلك أكثر اتساعاً من حيث تطبيقاته ، ظهر ذلك في شكل خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما بدأ الفقه يتحدث في نطاق التعامل الدولي مما تعود أن يسميه بمبدأ تقرير المصير .  معنى ذلك أن كل جماعة سياسية وصلت إلى درجة معينة من درجات التكامل الاجتماعي يجب أن تملك إرادة معينة في تقرير مصيرها وتحديد مستقبلها السياسي.

ج- المبدأ الثالث مبدأ الثقة  إن الحرية كقيمة فردية لها وجهان : وجه ذاتي ينعكس في الشعور النفسي من جانب المواطن في علاقته بالسلطة ثم وجه إيجابي يعبر عن ذاته من خلال الممارسة دائماً في العلاقة بين المواطن والسلطة الأول يعبر عنه بكلمة الثقة ، كلمة غامضة ترتفع فتصير مبدأ أخلاقياً وعلى الأقل لنتحكم في جوهر الأخلاقيات القانونية بمعنى أن المواطن يجب أن يعلم مقدماً نتائج تصرفاته والنتائج القانونية المترتبة على تلك التصرفات.  من هذا الجزاء المدني أو الجنائي أو كلاهما.

 على أننا لو انتقلنا إلى المفهوم السياسي لمفهوم الثقة لوجدنا أن الدلالة تصير أكثر دقة وأكثر تعقيداً في آن واحد ، إن المواطن من حقه الطبيعي ألا يخضع إلا للنظم القانونية الصادرة عن إرادته وألا يخضع إلا لتلك النظم التي لم تتغير إلا بإرادته الذاتية ، جوهر جميع هذه المفاهيم أن المواطن الحر يجب أن يعلم مقدماً نتائج تصرفاته وألا يعيش في رعب من الخوف من المستقبل بمعنى المفاجئة بقوانين تسري على الماضي وتحيل تصرفاته كلاً أو جزءاً إلى نوع من التجريم الذي يرفضه المنطق الطبيعي للمسئولية .

د-وأخيراً يأتي مفهوم المشاركة وقد سبق أن حددنا معناه ومتغيراته في أوسع معانيه هو حق الطبقة المحكومة في أن تشترك في صياغة القرار السياسي وفي أضيق معانيه حق تلك الطبقة في أن تراقب هذا القرار بالتقييم والضبط عقب صدوره من السلطة المختصة .

ولكن هذه المفاهيم العامة المجردة كيف يمكن حمايتها ؟ وكيف يمكن تحقيقها ؟ وما هي النظم السياسية أو الإجراءات الشكلية التي تسمح بتحقيق هذه الأهداف المختلفة وحماية هذه العناصر الأخلاقية المتعددة ؟ بعبارة أخرى ما هي دلالة الخبرة في تحقيق الحماية للمفهوم السياسي للحرية وتمكين ذلك المفهوم من أن يقدم ثماره في نطاق الخبرة الإنسانية ؟

–       نظام الحرية السياسية وعناصره :

تحليل ضمانات نظام الحرية السياسية يقود كما سبق وذكرنا في أكثر من مناسبة للخلط بين ظواهر ثلاث كل منها تمثل بالنسبة للأخرى الأواني المستطرقة التي لا بد أن تتفاعل وتتقابل من خلال الخبرة النظامية ، الممارسة الديموقراطية المفهوم السياسي للحرية ، التنظيم القانوني للفاعلية النظامية ، كذلك فإن أدوات الحماية والضمان للمفهوم السياسي للحرية لا بد وأن تعكس لا فقط الممارسة الديموقراطية بل والنسبية في دلالة الخيرة التاريخية ، نستطيع بصفة عامة أن نذكر بعض النظم التي تثور بخصوص حماية الحرية السياسية ولكن يجب أن نتذكر أن حماية هذه النظم ترتبط أولاً وأساساً بالطبيعة الحضارية . أضف إلى ذلك أن التطبيق الواقعي هو الذي يمثل عصب الفاعلية لجميع هذه الأدوات النظامية .

أ‌-    الانتخاب كوسيلة لاختيار الطبقة الحاكمة ، الانتخاب يقصد به الاختيار المسبق بناء على المناقشة الموضوعية حول عناصر الكفاءة الذاتية للشخص موضع الاختيار وشرط أن يتم ذلك والشخص موضع المناقشة ليس في موضع الممارسة للسلطة .الانتخاب بهذا المعنى يعني الاختيار المسبق على مزاولة السلطة وانطلاقاً من تقييم الذات موضع المناقشة ، نظام الانتخاب أحد الأدوات الكفيلة لحماية مفهوم الحرية لأنها تجعل الوسيلة الأساسية والمطلقة لاختيار عناصر الطبقة الحاكمة هو فكرة الاختيار من الشعب ، الأمر الذي يفرض لا فقط مشاركة المجتمع السياسي ولو بطريق غير مباشر في توجيه دفة الحركة السياسية ، بل وأيضاً القدرة على الرقابة من خلال المراجعة،  الأمر الذي يضع حداً لأي اغتيال لمفهوم الحرية السياسية .

ب‌-  التنوع الوظيفي للسلطة ، ومعنى ذلك أن السلطة لا يجوز أن تتركز في يد واحدة ، أو في طبقة واحدة ، أو في فئة واحدة.  السلطة لا يوقفها إلا السلطة ومن ثم فإن أجهزة مزاولة السلطة يجب أن تتنوع أفقياً ورأسياً ، هذا التنوع يسمى بالرقابة والتابعة فضلاً عن التخصيص في أداء المهنة الإدارية.  تطبيقات التنوع الوظيفي للسلطة عديدة ، الفصل بين السلطات كما قدمها نظام النقابات المهنية مبدأ آخر عرفته الجماعات السياسية في العصور الوسطى واليوم يعود التقليد بمفهوم آخر ولكن في نفس الدلالة ، الحكم الإقليمي واللامركزية المحلية التي تبدأ من منطلق اللامركزية الإدارية والتي ترتفع إلى مستوى اللامركزية السياسية . إن التنوع الوظيفي للسلطة يعني في جوهره تعدد الإرادات وهذا يقودنا مرة أخرى إلى المفهوم الديموقراطي للممارسة السياسية .

ج- مبدأ الدستور المكتوب ومعنى ذلك أن الدستور الوثيقة التي تعبر عن الحريات العامة يجب أن تعبر عن الصفة القدسية وأن تكون مسجلة بوضوح وبصراحة،  لأن هذا يمنع من جانب إمكانية التلاعب ، ومن جانب آخر يسمح بأن تكون القواعد لا غموض فيها ولا تقبل التجهيل.  وهنا يجب أن نتذكر كيف أن تسجيل القانون تاريخياً هو أحد المكتسبات السياسية في سبيل تأكيد نظام الحرية حيث كان يعني احتكار طبقة معينة بالعلم القانون .

د- مبدأ سيادة الدستور ومعنى ذلك أن الدستور الذي يمثل وثيقة الحريات العامة يجب أن يملك سيادة معينة حتى على واضعيه . بمجرد صدور هذه الوثيقة والإعلان عنها تستقل أيضاً عن شخص واضعها وتصير ذات قدسية مطلقة لا يستطيع إزاءها الحاكم إلا أن ينحني ويقبل دلالتها ومن ثم تنبع نتائج معينة :

1-   الشرعية القانونية لا يجوز مخالفتها بدعوى الشرعية السياسية .

2- التمييز بين السلطات التأسيسية وتلك المؤسسة تفرض على الثانية ألا تتعرض لاختصاصات الأولى التي هي وحدها لها الحق في وضع القواعد المرتبطة بالنظام الأساسي للدولة بما يتضمنه من حريات عامة

3- مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، بحيث أن كل قانون يصدر من السلطات المؤسسة لا يملك أن يتم إلا في نطاق الإطار من الشرعية الذي حددته السلطات التأسيسية .

هـ- مبدأ تعدد الأحزاب ومعنى ذلك أن العلاقة بين المواطن والسلطة يجب أن تتم في إطار أساسه لا فقط حرية المواطن في أن ينتمي إلى قوى اجتماعية تستطيع أن تنظم نفسها للتعبير عن مواقفها ، بل وحقه في أن ينتقل من تنظيم لآخر تبعاً لاقتناعه بأيها أكثر تعبيراً عن إرادته وأكثر توافقاً في عقائده السياسية وتصوراته الحركية : مبدأ تعدد الأحزاب يعني لا فقط التسليم بمبدأ تعدد القوى السياسية، بل وبحق تلك القوى في أن تعبر عن نفسها نظامياً،  وبحق المواطن في الانتماء أو عدم الانتماء ،أو التنقل بين تلك الأحزاب التي يعترف بها النظام السياسي .

الحريات العامة :

ليس هذا موضع الدراسة الدستورية للتنظيم القانوني للحريات العامة. أن تنظيم الحريات حقيقة شكلية يتقابل فيها وتتفاعل في بلورتها التقاليد الحضارية،  وطبيعة المرحلة التاريخية ، فضلاً عن الفلسفة العامة التي تسيطر على النظام السياسي ، أسلوب الحكم ، طبيعة العلاقة بين الحرية القانونية والحرية السياسية تمثل بصفة عامة المنطلقات الحقيقية التي لابد وان تتحكم في بلورة الحريات العامة.  رغم ذلك ودون التحديد بنظام سياسي معين أو بخبرة نظامية محددة نستطيع أن نميز في الرخص التي يمنحها القانون من منطلق الحرية للمواطن في أربعة مجموعات كل منها تعبر عن مستوى معين من مستويات العلاقة بين المواطن والجماعة السياسي :

أ‌-    المجموعة الأولى وتدور حول شخص المواطن أو بعبارة أدق مجموعة من الحقوق والرخص ترتبط بالذاتية الفردية والحقيقة الإنسانية التي هي جوهر الوجود السياسي للمواطن ، إنها حريات تعبر عن التمدين الحضاري ، تعلن بصفة أخرى أن النظام السياسي ليس نظام إرهاب وتعسف واحتقار للوجود الإنساني إنما هو نظام يعكس من درجة معينة من درجات التعبير عن المجتمع المتحضر ، هي حريات وجودها يؤكد إنسانية النظام السياسي واختفائها كلا أو جزءاً يعلن أن النظام السياسي أهدر آدمية ذلك المواطن الذي يعيش في داخل المجتمع ، بهذا المعنى نستطيع أن نميز بين الحقوق التالية :

أولاً: حق التنقل داخل الإقليم .

ثانياً: الحق في حياد القضاء.

 ثالثاً: الحق في حماية المسكن .

رابعاً: الحق في الزواج .

خامساً: حق التملك .

مجموعة هذه الحقوق تدور في الواقع حول فكرة الطمأنينة والاستقرار ، عدم الاعتراف بها يعني أن المواطن لا يشعر بالأمن على نفسه وذاته.  إنها من مجموعها يتكون الوجود الإنساني،  وهي لذلك تمثل الحد الأدنى من الضمان للحريات العامة . ويمكن القول إجمالاً أنها هي وحدها التي تعني احترام النظام السياسي لإنسانية الشخصية الفردية .

ب‌-  المجموعة الثانية وتوصف عادة بأنها الحريات المعنوية ، هي امتداد لاحترام الإنسانية الفردية وتعبير عنها تبلورت وتكاملت خلال القرن التاسع عشر تدور في مجموعها حول التسليم بحق المواطن في ان يطلق قدراته الفكرية دون رقابة أو قيد. إن المواطن الحر يجب ألا يخضع في معنوياته،  أو في ذكائه ، أو في تكوينه لآرائه أو تصوراته الفكرية لأي إكراه أو توجيه ، بهذا المعنى نجد أنفسنا أمام خمسة أنواع من الحريات كل منها بدورها لها دلالتها :

أولاً: الحرية الدينية ومعنى ذلك حق المواطن في أن يقبل على التصور العقيدي الذي يفضله بل وحقه في أن يرفض الإيمان بأي تصور عقيدي . إن العلاقة بين المواطن والقوى الدينية هي علاقة ذاتية ، شخصية ، فردية ليس من حق الدولة أن تتدخل فيها بأي معنى من المعاني .

الواقع أن هذا المفهوم يدور حول العلاقة بين الدين والدولة كما تبلور خلال القرن الثامن عشر في الخبرة والتراث الغربي . سوف نعود فيما بعد إلى تفصيل العلاقة بين المجتمع الديني والمجتمع المدني ، وسوف نرى كيف أن الحضارة الإسلامية قامت على أساس خلق العلاقة التي تربط بينهما في إطار دياليكتيكي يتمركز حول مفهوم الخلافة ، ولكن لو تركنا هذا التصور الذي يرتبط بالقيم الجماعية أكثر منه بالقيم الفردية وتابعنا مفهوم الحرية كقيمة فردية لوجدنا أن التراث الإسلامي بدوره يقبل نفس المبدأ بصورة أو بأخرى ، لا إكراه في الدين ، ومعنى ذلك حق المواطن في أن يقبل عن اقتناع على ديانة الدولة أو يرفضها وذلك بشرط أن يحترم تلك العقيدة وأن يقوم بطقوسه بما لا يتعارض مع شعور الجماعة ، إن حرية الديانة تنبع من حرية الضمير ، وعلى المجتمع السياسي أن يمكن كل مواطن من أن يكون حراً لا فقط في سلوكه اليومي بل في تلك المقومات الفكرية الواعية والشعورية التي من مجموعها يتكون الوعي العقائدي ، حرية الضمير تكملها حرية الممارسة للطقوس وكلاهما يستقل استقلالاً تاماً عن مفهوم الدولة العلمانية ، كذلك يمثل إحدى النتائج التي يفرضها مفهوم الحرية الدينية من الناحية التاريخية وإن استقل عنها من الناحية الوظيفية.

ثانياً: حرية الصحافة ، مفهوم ظهر في أعقاب الثورة الإعلامية وارتبط بها على وجه الخصوص في نهاية القرن التاسع عشر . في معناه العام يقصد به ممارسة الحرية في الكلمة والتعبير الكتابي عن المفاهيم الفكرية دون قيود من جانب السلطة بالتصريح المسبق .

ثالثاً: الحرية الإعلامية ، هي امتداد للمفهوم السابق  . هي من جانب تتضمن الحرية في التعبير لا فقط بالكلمة المكتوبة ولكن أيضاً بجميع الوسائل الأخرى للإعلام غير المكتوب  (مرئي، مسموع، الكتروني…) من جانب،  ثم من جانب آخر تعني حق المواطن في أن يكون رأيه من خلال جمع المعلومات أو الحصول على المعلومات بالأسلوب الذي يريده ، إن العلاقة المعنوية بين المواطن والسلطة تتضمن عنصرين : المعرفة من جانب وإبداء الرأي من جانب آخر ، والحرية الإعلامية بمعنى التحري والبحث والحصول على المعلومات هو حق لازم  ومسبق في إبداء الرأي .

رابعاً: الحق في إبداء الرأي وتعني أن من حق المواطن لا فقط أن يكون رأيه من خلال المصادر التي يفضلها وبالأسلوب الذي يفضله بل ومن حقه عندما يكون رأيه أن يعلنه بصراحة وبوضوح دون أن يخشى من ذلك على نفسه في بدنه وآماله .

الحرية في إبداء الرأي تتضمن بدورها عناصر متعددة ، (1)  حرية تكوين الرأي ،(2)  حرية الإعلان عن الرأي ،(3)  حرية نشر الرأي ،(4)  حرية إقناع الآخرين بالرأي ، وتبدو هذه الحرية واضحة بهذه المعاني والدرجات المتعددة عندما نتناولها في نطاق الرأي السياسي ، إن من حق المواطن في المجتمع السياسي الديموقراطي أن يشارك في السلطة ولو من خلال إعلانه عن رأيه ، وهذا يعني جميع الدرجات السابقة لأن اختفاء أي منها يعني اختفاء قنوات الممارسة الحقيقية من جانب المواطن في علاقته بالسلطة ، (5) بل يأتي فيكمل هذه العناصر ما يسمى بحق النقد : إن من حق المواطن أن يناقش ولو من خلال التعبير فقط من رأيه بالأسلوب المعتاد الحاكم في تصرفاته وفي تقييم تلك التصرفات بمختلف أبعادها .

خامساً: الحرية النقابية صورة جديدة من صور الحريات الفردية عرفتها المجتمعات الغربية أيضاً خلال القرن التاسع عشر وعقب صراع عنيف استغرق أكثر من نصف قرن. مدلولها أن المجتمع المعاصر لم يعد يعرف فكرة المهنة المتوارثة ولا الإكراه في ممارسة المهنة ، من هذا المنطلق استقرت التقاليد المعاصرة على أن الحرية النقابية تعني الحرية في تكوين النقابة المهنية،  والحرية في الانتماء إلى النقابة المهنية . بعبارة أخرى من حق أي مهنة أن تكون نقابة تعبر عن مصالحه، ومن حق أي مواطن يمارس تلك المهنة، أن ينتمي إلى النقابة، أو ألا ينتمي للنقابة،  أو يغير من نقابة إلى أخرى لو تعددت النقابات.

مما لاشك فيه أن الحرية النقابية لابد وأن تتأثر بمتغيرين أساسيين ، طبيعة العلاقة بين النقابة والدولة كما ينظمها القانون  القائم ، وطبيعة النقابة هل نقابة مهنية أم نقابة عمالية ، ولكن يظل مفهوم الحرية النقابية يغلف جميع هذه الأبعاد بدرجة أو بأخرى .

ج- تكمل الحريات السابق ذكرها مجموعة ثالثة بأنها الحريات الاقتصادية ويقصد بذلك النظام القانوني للشخص الذي يعيش من عمله . وهي اليوم تتسع من حيث التطبيق لتعبر عن النظام الاقتصادي للمواطن . إن المجتمع المعاصر لم يعد يعرف إلا من يعيش من عمله . إن من لا يعيش من عمله مرفوض أصلاً في المجتمع الشيوعي ، نادر الوجود في المجتمع البرجوازي،  بل أنه محور المجتمع الاستهلاكي .

الواقع ان خلف هذا التساؤل مشكلة أخرى أكثر عمومية : هل الحريات الاقتصادية هي حريات سياسية أم على العكس ؟ هل هناك تعارض بين الحريات الاقتصادية والحريات السياسية ؟ أم هناك مساندة وعلاقات ارتباط . الخبرة تؤكد أن الحرية السياسية ودون حد أدنى من الكفاف لا قيمة  لها ، إن القدرة الاقتصادية تعني إمكانية المواطن لاستخدام حقه في المناقشة والحساب . كذلك فإن حماية الحد الأدنى للكفاف يمثل في ذاته أحد مكتسبات الحرية السياسية وقد تعانق مفهوم الحرية بكلا مفهومي العدالة والمساواة : هل من العدالة أن يكون هناك مواطن قادر على أن يعيش بكرامة ومواطن آخر لا يحميه المجتمع السياسي من أن يهدر آدميته ؟ ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحدد أهم تلك الحريات الاقتصادية :

أولاً: الحق في العمل بمعنى أن يكون لكل مواطن مصدر شريف للرزق يتعين على الدولة أن توفره وتدبره بإمكانياتها النظامية .

ثانياً: الحق في الحماية ضد الحاجة أو العوز ، بمعنى آخر واجب الدولة في أن تؤمن المواطن ضد كل ما يعبر عن ضعفه وحاجاته بالتدخل من جانب السلطة العامة.  تأمين ضد المرض ، تأمين ضد الحوادث ، تأمين ضد البطالة، بل تأمين ضد الشيخوخة .

ثالثاً: الحق في المسكن ويقصد بذلك حق كل مواطن في أن يتوفر له مسكن يعبر عن خصائص معينة بحيث يمكن أن يوصف بأنه لا يفرض أي إهدار للآدمية، فضلا أنه يعبر عن قدرات الحد الأدنى للدخل .

رابعاً: الحق في تحديد حد أدنى للأجر : ومعنى ذلك أن المواطن مهما وصف عمله بأنه ثانوي أو لاً يعكس قدرات أو كفاءات معينة ، فيجب أن يكون هناك حد أدنى للأجر لا ينقص عن مستواه يتم تحديده على أساس المستوى الفعلي للمعيشة في المجتمع .

هذه الحقوق جميعها تعكس فلسفة سياسية معينة ، وإذا كانت المجموعة الأولى من الحريات والحقوق التي توصف بأنها أساسية ، وإذا كانت المجموعة الثانية توصف بأنها كذلك حريات أساسية تعبر عن ديناميكيات الظاهرة السياسية ، فإن هذه المجموعة الثالثة يجب أن توصف بأنها تعبير عن كفاحية وإيجابية الدولة في مواجهة العلاقة بين المواطن والسلطة بحيث أنها تعبر عن التزامات من جانب السلطة السياسية أكثر من أنها تعبر عن حماية المواطن إزاء تلك السلطة .

(د)- الحريات الاجتماعية. و هي تمثل اليوم أحد الأركان الأساسية التي يقوم عليها بنيان نظرية القيم السياسية. فهمها و تأصيل دلالتها يفرض علينا أن نلقي بأنفسنا في متاهات الإطار الفكري العام لتحليل التطورات المعاصرة المتعلقة بطبيعة التصور بين المواطن و السلطة.

كل هذا يؤكد أهمية تناول الحريات الاجتماعية بالكثير متن الدقة و التحليل و الواقع ان هذا المفهوم هو الذي سوف يسمح لنا بإبراز واضح لحقيقة التعانق بين القيم السياسية الفردية و الجماعية.

أ‌)     تقييم للثورة الفرنسية و حكم عليها بأنها بدأت ثورة اجتماعية و انتهت ثورة سياسية , بدأت بتحالف بين الطبقة العاملة والطبقة الوسطي و انتهت بأن تعبر تعبير عن حماية الطبقة البرجوازية.

ب‌)   تحديد الدلالة الحقيقية للثورة الشيوعية: هل هي ثورة حريات أم ثورة مساواة هل هي ثورة تعبر المفهوم الحقيقي لمبدأ حماية الكرامة الفردية أم أنها تنبع من مبدأ المساواة و تجعل من فكرة الحد الأدنى للكفاف بديل للمعني الحقيقي للحرية السياسية ؟

ج) الفارق الحقيقي بين النظام النازي و النظام الفاشستي ورغم إصرار الفقه على أن يخلط بينهما على أساس أنهما تعبير عن الديكتاتورية الشمولية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى