القاموس الأمنيالقاموس السياسيدراسات استراتيجيةنظرية العلاقات الدولية

نظرية الدومينو – Domino Theory

ظهرت نظرية الدومينو – DOMINO THEORY خلال الحرب الباردة وتحديداً في الحرب الفيتنامية، وقد سيطرت على فهم العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية بغية إحتواء الوضع في شرق وجنوب شرق آسيا. وقد كانت  الخلفية المباشرة التي أثرت في نشوء هذه النظرية، تعود إلى عاملين أساسيين:

الأول: منشؤه مصير انتصار القوى الثورية بقيادة ماوتسي تونغ – Mao Zedong في الحرب الأهلية الصينية وتخوف بعض السياسيين الأميركيين عام 1947 من أن يكون من سقوط الصين في يد ستالين – Joseph Stalin بداية لسقوط آسيا بأكملها بما في ذلك اليابان، وعندها فإن استقلال الولايات المتحدة لن يعش جلياً.

أما العامل الثاني: فكان نشوء الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي في ضوء صعوبة حسم الخلافات والتناقضات بين المعسكرين بقوة السلاح، وفي ضوء المعارضة العارمة لحرب جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وإدراك طبيعة الدمار المتبادل الذي ستولده الحرب بعد تطوير الاتحاد السوفييتي للسلاح النووي 1949.

نشأة نظرية الدومينو وتزايد مشاركة الولايات المتحدة في فيتنام

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، سيطر الاتحاد السوفياتي على معظم بلدان أوروبا الشرقية كجزء من التسوية التي حصلت خلال الحرب، مما خلق حالة من القلق سيطرت على الدول الغربية، إلا أنَّ إعلان الزعيم الفيتنامي هو شي مينه – Ho Chi Minh استقلال فيتنام عام 1945م وبداية الحرب بين نظام هو شي مينه – Ho Chi Minh في هانوي – Hanoi (فيتنام الشمالية) ضد الحكم الفرنسي في سايجون – Saigon (فيتنام الجنوبية)، صعَّد القلق ليخرج الرئيس الأمريكي هاري ترومان – Harry S. Truman  واعداً بمساعدات عسكرية ومالية للفرنسيين؛ كان الأساس المنطقي منها هو أنَّ الانتصار الشيوعي في الهند الصينية سيُعجل من انتشار الشيوعية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، وعندها فإن استقلال الولايات المتحدة لن يعش جلياً. وباستخدام ذات المنطق قدَّم هاري ترومان – Harry S. Truman مساعدات أيضا لليونان وتركيا خلال أواخر الأربعينيات للمساعدة في احتواء الشيوعية في أوروبا والشرق الأوسط.

وبحلول عام 1950م، كان صُنَّاع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية قد تبنوا بشدّة فكرة أنَّ سقوط الهند الصينية الشيوعية من شأنه أن يؤدي بسرعة إلى انهيار دول أخرى في جنوب شرق آسيا، ليدرج مجلس الأمن القومي نظرية الدومينو في تقريره عن الهند الصينية في عام 1952م.

وفي شهر نيسان/ أبريل عام 1954، خلال معركة حاسمة بين قوات فيت مينه – Viet Minh المؤسسة من قبل هو شي مينه – Ho Chi Minh والقوات الفرنسية في ديان بيان فو – Dien Bien Phu، قال الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور – Dwight D. Eisenhower معبراً عن نظرية الدومينو في مؤتمر صحفي له عقده في السابع من شهر نيسان/ أبريل عام 1954، من دون أن  يسميها: ”انظر لأحجار الدومينو واطرق واحداً منها، وانظر ماذا سيحدث لآخر حجر دومينو بالتأكيد سيسقط بسرعة أكبر، ومن هنا يمكن أن يتفكك النفوذ الشيوعي في الهند الصينية إذا أنقذنا فيتنام الجنوبية من الغزو الشيوعي، وإلا فإن تركنا فيتنام للسيطرة الشيوعية فإن ذلك سيؤدي إلى انتصارات شيوعية مماثلة في الدول المجاورة في جنوب شرق آسيا (بما في ذلك لاووس وكمبوديا وتايلاند) وغيرها كـ (الهند، اليابان،  الفليبين، إندونيسيا، وحتى أستراليا ونيوزيلندا)، فالعواقب المحتملة لفقدان الهند الصينية لا تحصى بالنسبة للعالم الحر.“

بعد خطاب ايزنهاور، بدأت استخدام عبارة “نظرية الدومينو” كتعبير مختصر عن الأهمية الاستراتيجية لفيتنام الجنوبية للولايات المتحدة، فضلاً عن ضرورة احتواء انتشار الشيوعية في جميع أنحاء العالم.

وفي تموز / يوليو 1954 تم التوقيع على اتفاق جنيف الذي ينهي الحرب بين فرنسا وفيتنام كان نتيجته تقسيم فيتنام إلى شطرين يفصل بينهما خط العرض 17.

كما عملت الولايات المتحدة على تدبير حلف جنوب و شرق آسيا – Southeast Asia Treaty Organization (SEATO) لضمان حماية مصالح الغربية في المنطقة ومحاصرة المد الشيوعي فيها. وتحت ذات التبريرات واصلت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في الحرب الفيتنامية في عهد جون كنيدي – John F. Kennedy في ستينيات القرن العشرين للحفاظ على الفيتناميين الجنوبيين من السقوط في فخ الشيوعية (على اعتبار أن سقوط فيتنام الجنوبية سيؤدي إلى سقوط دولاً أخرى في الشيوعية).

 وبعد اغتيال جون كينيدي، استخدم الرئيس الأمريكي ليندون جونسون – Lyndon B. Johnson نظرية الدومينو لتبرير تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في فيتنام من بضعة آلاف من الجنود لأكثر من نصف مليون جندي على مدى السنوات الخمس اللاحقة.

الحجج المؤيدة لصحة نظرية الدومينو:

على الرُغم من فشل بعض الحملات الشيوعية في جنوب شرق آسيا، إلا أنَّه يذهب البعض إلى القول أنَّ بعد سقوط فيتنام الجنوبية وتوحدها مع جارتها الشمالية تحت راية الحزب الشيوعي، وتحول أنظمة الحكم في لاوس وكمبوديا لشيوعية، نتيجة تقديم كُلاً من الصين والاتحاد السوفيتي مساعدات للجيش الفيتنامي الشمالي من قوات وإمدادات لوجستية وعسكرية، فضلاً عن إمداد الاتحاد السوفيتي للحزب الشيوعي الإندونيسي مساعدات ومستشارين عسكريين في الحرب الأهلية التي اندلعت هناك في عام 1958؛ يُعتبر أكبر دليل على صحة نظرية الدومينو.
كما يعتقد أنصار نظرية الدومينو أنَّ الضربات التي وُجِهت للنفوذ الشيوعي ساهمت في توقف المد الشيوعي في هذه المنطقة، حيث قال مستشار الرئيس الأمريكي ماك جورج بوندي – McGeorge Bundy “إن احتمالات تأثير الدومينو، على الرغم من ارتفاعها في عقد الخمسينات من القرن العشرين، إلا أنَّها تراجعت في عام 1965 عندما تم تدمير الحزب الشيوعي الإندونيسي عبر فرق الموت المدعومة من وكالة المخابرات المركزية في الإبادة الجماعية الإندونيسية“.

الحجج المعارضة لصحة نظرية الدومينو:

يرى المعارضون أن اعتماد لاووس وكمبوديا الحكم الشيوعي، ما هو إلا نتيجة مباشرة للحرب الفيتنامية التي امتدت عبر الحدود من فيتنام إلى هذه البلدان، وأنَّ الأطماع الإقليمية السياسية لفيتنام، والتي شملت تنظيم الأحزاب الشيوعية في كل من البلدين، ولَّدت غزو صريح لكُلٍ من لاووس وكمبوديا.

كما رأى معارضوا هذه النظرية أنَّ نظرية الدومينو فشلت في فهم طبيعة الصراع في الحرب الفيتنامية، ذلك من خلال افتراض أن زعيم فيتنام الشمالية هوشي منه شيوعي تابع لروسيا والصين، في حين كان هدف هوشي منه وأنصاره الاستقلال وليس مد النفوذ الشيوعي.

كما أن الخلافات بين الأنظمة الشيوعية تبطل مفعول نظرية الدومينو فعلى سبيل المثال: التنافس بين الصين والاتحاد السوفيتي الذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، كذلك الخلاف بين فيتنام الشيوعية بعد توحيدها وكمبوديا الشيوعية التي أدت في نهاية المطاف للحرب الفيتنامية الكمبودية بعد المجازر التي ارتكبها الخمير الحمر – Khmer Rouge الكمبوديون بحق الفلاحين الفيتناميين، وانتهت هذه الحرب بسيطرة فيتنام على كمبوديا، وهو ما دفع الصين للوقوف ضد فيتنام (على مبدأ حلفاء الأمس أعداء اليوم) عام 1979 في الحرب الفيتنامية الصينية

في النهاية يمكن القول، سواء كان تصنيف نظرية الدومينو بالصحيح أو المغلوط، إذا وُضعت كظاهرة عالمية علمية في إطار تاريخي ضمن مسيرة المجتمعات الإنسانية نحو التحرر من السيطرة الاستعمارية، يُمكن فهم أحد اسباب إنتشار الإمبريالية بعد ثورات الإستقلال، ودخول الدول المستقلة جديداً عهداً جديداً من الإحتلال والتبعية ولكن بمظهر مختلف.

المصادر والمراجع:

مقال بعنوان: DOMINO THEORY، منشور على موقع History.

Alan N. Sabrosky, An Imperial Recessional: The “Domino Theory” Revisited,  متاح على موقع: Intercollegiate studies institute, education of liberty

عبد الوهاب كيالي وآخرون، الموسوعة السياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الجزء الثاني.

Wikipedia, Domino theory

تعريف نظرية الدومينو، مقال متاح على موقع بابونج

الإعداد العلمي: فيصل براء متين المرعشي – Faisal Baraa Matin Al Marashi – الموسوعة السياسية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى