تحليل النزاعات الدولية

نظرية الصدمة ومستقبل عملية السلام في اليمن

تقوم نظرية الصدمة التي أسس ركائزها طبيب النفس الكندي اوين كاميرون ومولت ابحاثها وكالة الاستخبارات الامريكية ، على انه اذا اردت ان تجعل الطرف الآخر ملك لقراراتك عليك ان تخضعة لصدمة كبيرة تجعله مستسلم لك ولكل ماتلقيه عليه ، حيث تقول نظرية الصدمة ” انه عندما يغيب وعى الشعب ويعجز عن فهم وادراك مايدور حوله ولايلوح له في الافق اي حل ممكن التطبيق يخرجه من واقعه السىء، حينها سيقع في الصدمة وسيكون جاهز لقبول حلول خارجية جاهزة كان من الصعب قبولها “.
فمضمون هذه النظرية تري انه لابد من صدمة للشعوب حتي تكون مهيئة للقبول بهذه النظرية ، فعندما يصاب الناس بالشلل في التفكير والفهم ، هنا يتم عرض الحلول لإخراج البلد من الكارثة التي تعيشها من جراء اندلاع الحروب والصراعات ، وما ينتج عنها من ازمات اقتصادية وتفكك اجتماعي وتغير الكثير من المفاهيم والقيم التي تسود المجتمع .
فتطبيق هذه النظرية على الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية ، لوجدنا ان العديد من دول المنطقة وخاصة في مطلع 2011م ، قد شهدت العديد من الأزمات التي تمثل انعكاس حقيقي لنظرية الصدمة ، والتي عكسها الموقف الدولي وخاصة الامريكي بدرجة رئيسية من دعم لما اطلق عليه ثورات الربيع العربي والتي هدفت من خلالها هذه القوى الدولية الي نشر حالة من الفوضي العارمة في العديد من دول المنطقة ، بنشر ثقافة التذمر وخطاب التحريض والدعوة الي التمرد على الانظمة واسقاطها ، وبث روح الخلافات ومشاعر السخط والكراهية ورفع سقف العنف والتشجيع على التظاهرات وبث روح الفوضي والفرقة والتفكك بين ابناء الوطن الواحد وصولًاً الي اشعال الحروب ، وهو ما اطلقت عليه كوندا ليزا رايس في حديثها عن مستقبل الشرق الاوسط مصطلح الفوضي الخلاقة .
وكل ذلك لم يكن سوى تمهيد لاعادة تشكيل الخارطة السياسية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية للعديد من الدول العربية وفقا لفلسفة ومنظور الاطراف الاقليمية والدولية الفاعلة .
واذا ماتم تطبيق نظرية الصدمة على الحالة التي تعيشها اليمن لتضح لنا انه يتم تطبيق هذه النظرية بشكل ممنهج ، حيث يتم تدمير مختلف القدرات اليمنية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والموروث الفكري والحضاري المتجذر في الثقافة اليمنية ، حيث ادي ذلك الي اختفاء الكثير من المفاهيم والمعتقدات المترسخة في العقل الجمعي اليمني ، لتحل محلها مفاهيم وقيم دخيلة على المجتمع ، زاد من تعميقها وصول المجتمع اليمني الي حالة من فقدان الادراك في تشخيص مسار الأحداث ، واصبح مهيأ للقبول باي صيغة حل تخرجه من الوضع الكارثي الذي يعيشه في الوقت الراهن
فهذا الوضع الذي تعيشه اليمن اصبح يغري الاطراف الاقليمية والدولية الضالعة في الشان اليمني ، لفرض حلول تخدم اجنداتها في اليمن على المدي المنظور والمستقبلي ، فصراع الاجندات هذا يمثل المعيق الحقيقي في عدم تسوية الأزمة اليمنية وخاصة وان العديد من القوى الإقليمية اصبحت تمارس بشكل مباشر او من خلال اذرعها المحلية دور السلطة في العديد من المناطق اليمنية .
ومن هذا المنظور يمكن التعامل مع المساعي الدبلوماسية التي تقودها عدد من الأطراف الإقليمية والدولية لايجاد حل للحرب في اليمن ، والتي اصبحت بكل المعايير تمثل كارثة إنسانية حقيقية يزيد من تعميقها اصرار القوي المتصارعة على التمسك بالخيار العسكري لتحقيق مكاسب سياسية ، الا ان الاستمرار في هذا التوجه سيعمق من الأزمة اليمنية وسيهيؤها بمختلف قواها السياسية والاجتماعية للقبول بخيارات وحلول قد تتجاوز الكثير من مفاهيم السيادة والاستقلال الوطني ، وسيجعلها عرضة للخضوع لمشاريع واجندات سياسية واقتصادية قد تعرض استقلالها الوطني للخضوع للكثير من تلك المشاريع .
وهذا مايجعلنا نوكد على ان استمرار حالة الحرب والتدمير الذي يمارس في اليمن لفترة زمنية قادمة ، سيهيأ اليمن كثيراً للخضوع للعديد من المشاريع والتدخلات الخارجية مستقبلاً ، تحت تأثير مخرجات نظرية الصدمة التي يتم تطبيقها بكل مفرداتها في اليمن .
الدكتور /محمد الحميري أستاذ العلاقات الدولية ورئيس الاكاديمية الدولية للدراسات الاستراتيجية واستشراف المستقبل

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى