القاموس القانونيدراسات قانونية

نظرية لومبروزو – Lombroso’s theory

منذ منتصف القرن الثامن عشر بدء الاهتمام يظهر جلياً بدراسة المجرمين وموضوع الجريمة وأسباب حدوثها، وحينها بدأت تتشكل ملامح ما ندعوه الآن علم الإجرام. ويتم تعريف علم الإجرام على أنَّه دراسة علمية لمحاولة الحد من السلوك الإجرامي، ومعرفة طبيعته، وأسبابه، وعواقبه، وكيفية السيطرة عليه، سواء على المستوى الفردي، أو الاجتماعي..
و يحتوي علم الاجرام على مجالات متعددة التخصصات في كل من العلوم السلوكية والاجتماعية، والاعتماد بشكل خاص على البحوث من علماء الاجتماع، وعلماء النفس، والفلاسفة، وعلماء الأحياء، وعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع فقهاء القانون.

وفي أخر ثلاثة عقود من القرن التاسع عشر تحديداً في العام 1864 ظهر الاهتمام الكبير من الطبيب الإيطالي سيزار لومبروزو – Cesare Lombroso أو كما يطلق عليه الأب الروحي لعلم الإجرام، بدراسة المجرمين وسلوكهم.

وُلد سيزار لومبروزو في فيرونا بإيطاليا في 6 نوفمبر 1835 لعائلة يهودية ثرية. وفي عام 1852 التحق بكلية الطب بجامعة بافيا، حيث تخرج عام 1858، وتتمثل شهرة لومبروزو وأكبر إسهاماته في علم الإجرام في مدرسته التي أنشائها، والتي تقوم على تفسير نظريات السلوك الإجرامي وتتحدث عن العلاقة بين الدوافع البيولوجية وعلاقتها بالجريمة.

وتدعى مدرسة لومبروزو بالمدرسة الوضعية أو المدرسة التكوينية وقد أسس تلك المدرسة ثلاثة أشخاص وهم:
الطبيب” سيزار لومبروزو – César Lombroso وهو مؤسس علم طبائع الإنسان المجرم ” Anthropologie criminelle ” والذي ظهرت أفكاره في كتابه الشهير “الإنسان المجرم” المطبوع في سنة 1876.
والقطب الثاني هو أستاذ علم الاجتماع انريكو فيري –  Enrico Ferri منشئ علم الاجتماع الجنائي بفضل كتابه Sociologie Criminelle والذي نشر تباعاً في سنة 1881.
والقطب الثالث رافائيل جاروفالو – Raffaelle Garofalo  صاحب مؤلف (علم الاجرام) الذي ظهر في سنة 1851.

ويعد الطبيب الإيطالي لومبروزو رائد علم الإجرام حيث وضح أهمية الاسباب البيولوجية في ارتباطها بالجريمة وأدت نتائجه لوضع أهم تصنيفات المجرمين.
وقد فسر نتائجه تلك عن طريق دراساته للأفراد العسكريين في السجن العسكري والذين اعتبرهم مرجع له كأُناس أصحاء، وقد قام كذلك بدراسة السجناء في نفس السجون في الفترة بين عام 1864- 1878م.
ويرى لومبروزو أنَّ طبيعة المجرم هي التي يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار وليست طبيعة الجريمة؛ لأن النزعات الاجرامية وراثية عند الفرد وهنالك بعض الخصائص الجسمية والعقلية الارتدادية – والارتدادية تدعى التأسل أو التطورية الرجعية وهي ظهور صفات جينية مختفية لعدة أجيال تشبه ما لدى الإنسان البدائي – التي ينقاد تحت تأثيرها المجرم لاقتراف جريمته، ومن خلال تشريح لومبروزو لجثث بعض المجرمين اتضح أنَّ لهؤلاء المجرمين صفات ارتدادية تشبه ما لدى القردة والانسان البدائي الوحشي وتلك الصفات هي ما يجعل الشخص مجرما.

وكانت من ضمن تلك الجثث التي قام لومبروزو بتشريحها هي جثة قاطع الطريق “Villella” حيث شرح لومبروزو  جثته واشار إلى وجود تجويف في مؤخرة الجمجمة مثل التجويف الذي يوجد في جماجم القردة وبعض الحيوانات المتوحشة.

وتعددت تصنيفات المجرمين بتعدد الأساس الذي تعتمد عليه من عوامل وراثية أو بيئية أو نفسية، وقد قام لومبروزو بأول تصنيف للمجرمين وهو قائم على أساس الوراثة أو توفر العوامل البيولوجية وهي ما تميز الرجل المجرم عن الرجل السوي أو غير المجرم.

ويعتبر هذا التصنيف هو الأهم من بين التصنيفات التي وضعت للمجرمين، وذلك باعتبار لومبروزو أول من استخدم المنهج التجريبي في دراسة شخصية المجرم، بقصد اكتشاف العوامل التي دفعته إلى الأجرام، وقد اعتمد في تصنيفه، على الفارق في درجة الأجرام بين كل صنف وآخر من الاصناف الخمسة التي تضمنها تصنيفه، وذلك على أساس تفاوت النماذج العضوية والنفسية بمقدار ما هو مستجد من المؤثرات الخارجية.

واتسمت مدرسة لومبروزو بالتصنيف الخماسي للمجرمين وهم كالتالي:

١- المجرم بالفطرة: ويتميز هذا الطراز من المجرمين بتوافر صفات ومقاييس انثربولوجيه ترتد إلى الأزمنة الأولى من مراحل تطور الحياة حيث كان يتميز بها الانسان والحيوان البدائي وتختلف عن الملامح الطبيعية للإنسان العادي في العصر الحديث . وقد عدد لومبروزو هذه الخصائص واعتبر أن من يتوافر فيه خمس أو ست خصائص منها فإنَّه يُعتبر مجرماً بالميلاد . وأهم ما يميز هذا المجرم أنَّ ارتكابه الجريمة ينشأ من دافع العوامل البيولوجية من دون ما حاجة إلى أيَّة آثارة خارجية أو بيئية تساعد في إتمام تلك الجريمة.

وقد حدد لومبروزو للمجرم بالفطرة أو المجرم الوراثي صفات معينة تميزه وهي:

– المجرم أطول من الفرد العادي، ولديه صدر أوسع، وشعر أغمق من الرجل العادي وكذلك وزنا أكبر.

– عدم انتظام شكل جمجمة المجرم وصغر حجمها بشكل ملحوظ.

– تُظهِر جماجم المجرمين عدم تناسق في أغلب الحالات، وتختلف شكل جمجمة المجرمين حسب العرق، ولكن غالباً ما يكون المجرم صاحب جمجمة عريضة ويظهر ذلك خاصة بين اللصوص.

– وهناك صفات أخرى تظهر ولكن بتكرار أٌقل مثل تشوهات الأذن، اللحى الخفيفة، التشنجات اللاإرادية، المظهر الرجولي (في حالة كان المجرمين من الإناث)، اتساع حدقة العين، وكذلك ظهور الشيب في الشعر أو الصلع.

– يُظهر المجرمون والمجانين معدلات متساوية في بروز الفك، ولكن تختلف المعدلات في اتساع حدقة العين، والأنوف المشوهة، وجبهة منحدرة للخلف.

– ويكشف المجرمون عن ضعف أكبر في القوة من الرجال العاديين الأصحاء.

– في أغلب الأحيان، يكون لدى المجرمين عيون بنية أو داكنة وشعر أسود كثيف، ويعد هذا الشعر أكثر شيوعاً بين اللصوص.

– الظهر المحدب يندر وجوده بين القتلة لكنه أكثر شيوعاً بين المغتصبين والمزورين ومرتكبي الحرائق.

– مرتكبي الحرائق واللصوص تكون لديهم قزحية العيون رمادية.

– بالنسبة للمجرمة الأنثى، فالعاملات بالجنس يُظهرن اختلافاً أكبر من المتوسط في حجم الجمجمة بالتفاوت بين كبر وصغر حجمها.

– عيوب بالقفص الصدري بزيادة الضلوع عن المعتادة أو وجود أعداد كبيرة من حلمات الثدي.

– زيادة في عدد أصابع القدمين واليدين.

– طول شاذ للذراعين.

وكل تلك الخصائص السابق ذكرها التي حددها لومبروزو أدت إلى نتائجه التي حصل عليها من تشريح الجثث أنَّ المجرمين الأوروبيين لديهم تشابه عرقي قوي مع السكان الأصليين الأستراليين والمغول.

٢- المجرم المجنون: وتضم هذه الفئة كل شخص مصاب بنقص أو ضعف في قواه العقلية يؤدي إلى اختلال وظائفها مما يفقده ملكة التمييز بين الشر والخير ويجعله على درجة من الخطر تقتضي إما ايداعه في احدى المصحات لعلاجه من مرضه أو ابعاده عن المجتمع في حالة استحالة هذا العلاج، وقد قسم لومبروزو المجرمين المصابين بأمراض عقلية إلى ثلاثة اقسام هم : المجرم الصرعي، والمجرم السيكوباتي، والمجرم المجنون، مع الإهتمام بحالة المجرم الاخير لما يرتبه الجنون في المجتمع من آثار أخلاقية واجتماعية تنشأ من ارتكاب جرائم يجزع لها الرأي العام، حيث يكون لدى المجرمين المجانين هوس ببعض الجرائم بالأخص فمثلا يكون لدى بعضهم هوس لارتكاب الحرائق العمدية وهوس بارتكاب القتل العمد تؤدي لارتكاب تلك الجرائم بشكل متكرر.

وقد لاحظ لومبروزو أن لكل شذوذ عقلي مساهمته الخاصة في الإجرام خاصة في نوع معين من الجريمة.

– فالشخص الذي يتسم بالغباء عادة ما يرتكب جرائم مثل الاعتداءات والقتل والاغتصاب والحرق العمد لمجرد استمتاعه لرؤية النيران.

– والأشخاص الذين يتسمون بالبلاهة أو ضعف القدرات العقلية يستسلمون بسهولة لدوافعهم الأولى أو اقتراحات الآخرين، فبالتالي يكونوا شركاء في الجريمة.

وعادة ما ينجرف الأشخاص المكتئبين وراء حزنهم الكبير أو بتأثير الهلوسة للانتحار، وكذلك من الممكن أن يقوم هذا الشخص بالقتل فقط كنوع من أنواع الانتقام وفي بعض الأحيان يقتل أطفاله حتى لا يلحقهم نفس مصيره.

٣- المجرم بالعادة: وهو المصاب بنقص عقلي وضعف خلقي، فإذا صادف ظروفاً اجتماعية سيئة كالبطالة، أو إدمان الخمور، فإنَّه يعتاد على ارتكاب الجرائم، وهذا الصنف من المجرمين يعتبر مصدراً مستمراً للإجرام، بسبب طبيعتهم النفسية المستعدة دوماً لارتكاب المزيد من الجرائم وهناك شبه اجماع في الفقه على أن الفئات الثلاث السابقة تمثل درجة متقدمة من الخطورة الإجرامية تحتاج الى افراد تدابير وقائية خاصة لكل منها لمنع استشراء عدواها للأخرين.

٤- المجرم بالصدفة: الصنف الرابع وهو المجرم بالصدفة وهو لا يسعى إلى ارتكاب الجرائم ولكن تنزلق قدمه وينقاد إليها لأسباب كثيرة غير مقنعة أو كافية، بعبارة أخرى إنَّه من الاصل لا يوجد لديه أساس ميل للإجرام لكن تأثير العوامل والمؤثرات الخارجية الطارئة التي بدورها تضعف من مقدرته على كبح جماح نفسه فيقدم على الجريمة ومن تلك المؤثرات تعاطي المسكرات أو المخدرات، وكذلك الاحتياج الذي يدفع الرجل إلى السرقة، والجوع الذي من الممكن أي جعل الرجل لصاً ولو لمرة واحدة، ولوحظ أحياناً أنَّه يرتكب الجريمة من أجل تقليد الاخرين أو للفت انظار افراد الجماعة لشخصه، وهذا يقتضي تدبير خاص له لأجل علاجه والحيلولة دون تحويله إلى مجرم بالعادة.

وتؤثر الكحوليات والمخدرات بشكل كبير جداً على هذا النوع من المجرمين كما اكتشف فيري في فرنسا، في الفترة من 1827 إلى 1869 حيث أنَّه في حين انخفاض الجرائم ضد الأشخاص بشكل كبير وسريع في الفترة من أغسطس إلى ديسمبر، فإنَّه على العكس من ذلك أظهرت الاعتداءات الجسدية الخطيرة، زيادة ملحوظة في شهر نوفمبر في فترة استيراد النبيذ الجديد بفرنسا.

٥- المجرم بالعاطفة: يختلف تماماً هذا النوع عن زميله المجرم بالفطرة أو بالولادة، حيث يتميز بمجموعة من الصفات النبيلة، ويقترف جرائمه نتيجة لعاطفته المرهفة والمتأرجحة والتي تتأثر بأسباب متعددة اهمها الغيرة والحسد والحماس والاندفاع والشذوذ عن الشرف والاخلاق والحب، ويمكن لهذا الصنف العاطفي أن يرتكب جريمة القتل ضد شخص قام بالإساءة إلى أسرته أو شخص خان ثقته ويرى البعض أنَّه يمكن أن يندرج تحت مجموعة المجرم والمصاب بالهيستريا، وغالبا ما يرتكب هذا الشخص الجرائم السياسية.

مزايا نظرية لومبروزو:

لا شك أن له الفضل في توجيه الاهتمام إلى شخص المجرم كأساس للظاهرة الإجرامية خاصة من زاوية تكوينه العضوي، بعد أن كان الاهتمام منصباً على الجريمة كفعل مادي أصم.
ولا ينسى العلم لهذا الباحث فضله في الدفع بالدراسات الاجرامية نحو اتباع المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة، ودوره أيضاً في إنشاء وتطوير علم الأنثروبولوجيا (علم طبائع الإنسان) ووضعه لأول تصنيف علمي للمجرمين قائم على الخصائص البيولوجية والعضوية والنفسية، محاولًا بيان الرابطة بين تلك الخصائص وبين السلوك الإجرامي. ولهذه الأسباب لقب لومبروزو بالأب الروحي لعلم الإجرام.

الانتقادات التي وجهت إلى لومبروزو:

القصور المنهجي الذي وقع فيه لومبروزو يعود إلى محاولة تعميمه للنتائج التي توصل إليها، من دراسة بعض الحالات الفردية وتطبيقها على بقية المجرمين، فاستنتاجه نقص الشعور بالألم لدى المجرمين لانتشار عادة الوشم أمر لا يمكن تعميمه على الكافة حتى بين المجرمين أنفسهم، وذات الأمر يقال بالنسبة لعادة استعمال اليد اليسرى كمظهر إجرامي ودلالة على الاضطراب النفسي.

استخدام مجموعة غير مناسبة للدراسة حيث قام بدراسة الجنود على أنهم أصحاء ومن المعروف معايير اختيار الجنود وكذلك كان هناك الكثير من المضطربين عقليا ضمن مجموعة المجرمين الذين قام بدراستهم.

ومن أهم الانتقادات التي لم يفطن لومبروزو لها هي أن العلاقة بين الصفات البيولوجية والجريمة لا تعني السببية.

وكذلك فالادعاء بوجود المجرم بالميلاد، أي المجرم الذي يحتفظ عن طريقة الوراثة بالخصائص الأنثروبولوجيا الخاصة بالإنسان البدائي، فتدفعه حتما إلى الجريمة أيًا ما كان المكان والزمان الذي فيه ولد، لا يستقيم مع نسبية فكرة الجريمة وتغيرها من مكان إلى أخر وفي المكان الواحد من أن إلى آخر.

في النهاية فإن نظرية لومبروزو قائمة على مبدأ “الجريمة والسببية” حيث قام لومبروزو بدراسة العديد من جثث المساجين والمرضى العقليين وعليه فقد صنف المجرمين إلى 5 أنواع وربط أسباب حدوث الجريمة ببعض الصفات الجسدية وعلى الرغم مما طاله من نقد حول القصور المنهجي الذي شاب النظرية إلا أنَّه قام بلفت نظر العلم للقيام بدراسة المجرم بجانب دراسة الجريمة، وكذلك وجه علم الإجرام للقيام على أسس التجربة والملاحظة.

المصادر والمراجع:

د.غنام محمد غنام، علم الاجرام وعلم العقاب، الطبعة الاولى، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، مصر.

د.أحمد محمد الزغبي،  أسس علم النفس الجنائي، دار زهران للنشر والتوزيع.

د.أحمد ضياء الدين محمد خليل، الظاهرة الإجرامية بين الفهم والتحليل، القاهرة، مطابع التويجي التجارية 1993.

د. رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966

د. جلال ثروت، و د.محمد زكي ابو عامر، علم الاجرام والعقاب.

د. أحمد علي ابراهيم حمد كتاب علم الإجرام جامعة السودان المفتوحة الطبعة الأولى 2007.

د.أحمد فاروق زاهر مبادئ علمي الاجرام والعقاب كلية الدراسات العليا والبحث العلمي – جامعة الشارقة 2013.

د.أحمد عبد اللاه المراغي، الظاهرة الاجرامية، مركز الدراسات العربية للنشر والتويع الطبعة الاولي 2018.

 Cesare Lombroso – Criminal Man-Duke University Press 2006

الإعداد العلمي: عبدالرحمن أسامه – Abdelrahman Osama

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى