نقص الأمطار أم .. نقص الأفكار !
ح. سليمان
عندما يتحول ” تجار الماء ” إلى مليارديرات ، في بلد تصل نسبة تساقط الأمطار به قرابة 12 مليار متر مكعب سنويا ، ومع ذلك تتكرر أزمات العطش من سنة لأخرى ، فذلك مؤشر على أن القضية تتجاوز قلة الأمطار إلى مشكلة نقص في الأفكار . فهل هو قدر الجزائريين أن تتحول يومياتهم إلى رحلة الشتاء والصيف لتأمين احتياجاتهم من الماء .
لم يعد الأمر يتعلق بتنحية مدير توزيع المياه وتعويضه بآخر ، وتغيير وزير بآخر ، للقضاء على أزمة العطش التي تواجه العديد من المدن والأحياء في مختلف جهات الوطن ، لأن مثل هذه ” الوصفات ” تبقى لذر الرماد في الأعين ، ومن باب تمييع المسؤوليات ، وليست قرارات تهدف لحل المشكل في العمق . صحيح أن نسبة تساقط الأمطار ، تبعا للتغيرات المناخية ، يقل منسوب تساقطها من سنة لأخرى ، لكنها تبقى في عمومها كافية لتأمين احتياجات المواطنين ، بحيث تحتاج الجزائر ما بين 5 و6 ملايير متر مكعب لتغطية استهلاكها السنوي ، في حين أن نسبة تساقط الأمطار سنويا يقارب الـ 12 مليار متر مكعب ، ما يعني أن الفرق بين الحاجة والوفرة لا يحتاج إلى عملية حسابية .
هذا يعني أن الخلل ليس ، مثلما قد يتصور البعض ، في قلة الأمطار ، بل في نقص الأفكار ، وضعف التخطيط والاستشراف على مستوى الحكومات المتعاقبة التي ظلت تتعامل مع الملف ليس بتعقب الدراسات المناخية المستقبلية ، ولكن بانتظار الحل من وزارة الشؤون الدينية بالدعوة لصلاة الاستسقاء ، لتجاوز مشكلة ندرة المياه . لكن كيف يغيب الاستشراف لدى مؤسسات الدولة التي يدفع لها من الخزينة العمومية ، في حين أن ” تجار الماء ” ، لم يتأخروا يوما دون استغلال الأزمة لصالحهم ، وتأهبهم الدائم، بالنظر إلى كثرة الطلب على صهاريج المياه التي يبيعونها بأثمان باهضة ، إلى درجة جعلت العديد منهم يتحولون إلى مليارديرات في ظرف قياسي فقط من خلال بيع صهاريج المياه ؟. عندما تتحول ” تجارة الماء ” إلى نشاط رائج ينافس الفلاحة والصناعة ، فذلك ليس فقط لأن الله جعل من الماء كل شىء حي ، وإنما أيضا لأن الاستثمار فيه مضمون ودائم.
لقد وضعت ميزانيات ضخمة في السنوات العشرين الماضية، لمعالجة أزمة ماء الشرب في الجزائر ، وتم الاستنجاد حتى بمحطات تحلية مياه البحر ، ولكن ظلت كلها حلول ظرفية ترقيعية ، كانت وراء ضياع ملايير الدولارات دون نتيجة على نفس طريقة ضياع ملايير الأمتار المكعبة من مياه الأمطار التي تذهب سنويا نحو البحر في غياب سدود حقيقية كافية لتخزينها ، وليس ” فو براج ” لم يتم تطهيرها من الطمي والأتربة منذ عقود . ولذلك لو كانت مشكلتنا في شح الأمطار، لكان الأمر أخف يكفي رفع اكف التذرع بالدعاء ، بل مصيبتنا أكبر … في نقص الأفكار.