دراسات استشرافية

نماذج وسيناريوهات وأساليب وصعوبات الدراسات المستقبلية والإستشرافية

Models, Scenarios ,Methods and Difficulties of the Futurology Studies

الاستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل

أولا: النماذج Models

هناك تعريفات متعددة للنموذج منها ما يلي:
-1 أنه مخطط أو وصف دقيق للنظام الحالي وهو انعكاس لسلوكه في الماضي كما يمكن أن يتنبأ بسلوك النظام مستقبلا . 

-2 أنه تمثيل للواقع ، أي صورة مبسطة للعالم الحقيقي تحتوى على مظاهر هامة لفهم أو تحكم أفضل في الموقف الحقيقd. 
-3 أنه مجموعة من المعادلات الرياضية ، أو هو تجريد للواقع يستخدم للحصول على وضوح للإقلال من تنوع وتعقيد للعالم الواقع إلى مستوى نستطيع أن نفهمه ونعنيه بوضوح. 
وتوجد ثلاثة منطلقات للنماذج العامة وهى:
أ- منطلق مجموعة الأهداف السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية . 

ب- منطلق التقديرات المتاحة للموارد البشرية . 
ج – منطلق قوة العمل . 
فالتخطيط يجب أن يبدأ من هذه المنطلقات مع الوضع في الاعتبار أنه لا يوجد في الوقت الحالي نموذج واحد يستطيع أن يتناول هذه المنطلقات مجتمعة. 

وتحتل النماذج أهمية فى أساليب التنبؤ بالمستقبل ، ويرجع هذا الاهتمام للأسباب الآتية:
1- أن للنماذج دوراً هاماً يختلف باختلاف المستوى الإداري لنظام معين ، ففي قمة الجهاز الإداري تعطى النماذج المعلومات والبيانات لمتخذي القرار ، أما في المستوى الأدنى للجهاز فتساعد النماذج في عملية اتخاذ القرار والسيطرة على بيئة النظام وضبطها. 
2-تستخدم لتبسيط نظام معقد بفهم أدق. 
3- تستخدم للتخطيط والتنبؤ بالمستقبل ولاستكشاف البدائل المناسبة لتحسين الأداء في المستقبل. 

وهناك العديد من الصعوبات والمشكلات التي تواجه استخدام النماذج ومن أهم هذه الصعوبات مايلي:
1-صعوبة تجميع البيانات والإحصاءات اللازمة لاستخدام الطرق والأدوات الإحصائية والرياضية. 

2- صعوبة تقديم النماذج نمطاً كاملاً لجميع جوانب عمليات التعليم والتعلم.
3-صعوبة تطبيق النماذج القادمة من خارج الدول العربية نظرا للخوف السائد لدى بعض المسئولين من التغيير والتطوير. 
4- نقص ملائمة بعض النماذج للتعليم بسبب العلاقات المتشابكة التي تربط عناصر التعليم بعضها ببعض واحتمالات تغييرها من وقت لآخر. 
لذا يجب مراعاة اختيار نماذج مناسبة تتناسب مع طبيعة الدراسات المستخدمة وتتلاءم مع ظروف المجتمع.

 وفيما يلي مجموعة الاعتبارات التي يجب مراعاتها عند استخدام النماذج :
1-أنه ليس هناك نموذج واحد يعالج مشكلة معينة أو قضية ما في نظام معين. 

2- مرونة التطبيق العملي للنماذج، حيث تتيح لنا القيام باختيار بدائل متعددة ومن ثم اكتشاف البدائل المناسبة لنا. وبهذا تصبح عملية ترشيد القرارات أمراً ميسراً. 
3- أن يراعى طبيعة وحدود استخدام هذه النماذج لكي يختار منها ما يناسبه على حسب ظروف وطبيعة النظام الذي سوف نستخدم فيه هذه النماذج . 
4-أن النموذج لا يمكن أن يشمل كل شئ في النظام، فهذه مهمة معقدة وإنما يركز الانتباه على جانب أو بعض جوانب النظام المستخدم فيه. 
ومن ذلك يمكن استخدام أكثر من نموذج لكي يتلائم مع طبيعة المجال الذي تستخدم فيه هذه النماذج.

النماذج الرياضية : Mathematical Models

للنماذج الرياضية تعريفات متعددة وذلك على حسب استخدام النماذج في مجال معين. ومن أهم هذه التعريفات:
-1 أن النموذج الرياضي هو استعمال لغة الرياضيات لوصف مظاهر نظام ما للتعرف عليه والتنبؤ بما سيحدث مستقبلا . 
-2 أنه صياغة علمية للعلاقات المتداخلة بين عناصر نظام معين (اجتماعي أو اقتصادي) مثل النظام التعليمي، أو بين أكثر من نظام واحد ويصور الواقع في هذه النماذج دوال رياضية . 
-3 أنه توضيح تصويري يتم التعبير عنه بالرموز الرياضية التي تستخدم مع المشكلات المتعلقة بقياس وتحليل المتغيرات، حيث يهدف النموذج الرياضي إلى توضيح العلاقة القائمة بين متغيرات النظام بأسلوب رياضي . 
– أنه صياغة لبعض مظاهر نظام ما مثلت فيها المتغيرات بصورة مزيلة، ويمثل النموذج في محاكاة لموقف واقعي ويتم تصميمه ليشتمل على إعداد من المتغيرات التفاعلية والتي يمكن معالجتها بعد ذلك. 

وعند بناء نموذج رياضي لابد من توافر عدة شروط منها:
-1 أن يكون قابلا للتطبيق في النظام محل الدراسة .

-2 أن يغطى كل المتغيرات المدروسة
-3 أن تكون المعاملات المستخدمة متفقة مع الواقع.
-4 أن يكون قابلا للفهم والاستخدام من قبل الذين سيتعاملون معه . 

أهمية النماذج الرياضية في الدراسات المستقبلية
1-وتكتسب النماذج الرياضية أهميتها كأحد الأساليب الكمية في الدراسات المستقبلية من أن التعبير الكمي عن أي ظاهرة أدق من التعبير الكيفي، وبالتالي نستطيع التعامل من خلالها مع المتغيرات الكمية بالظاهرة محل الدراسة. 

2-كما تبرز أهمية النماذج الرياضية في تصنيف ديناميكية النظام التعليمي القائم وتستخدم كمرجع عام في تفسير الإحصائيات التعليمية بمعنى ربط البيانات بعضها ببعض حتى يمكن ملاحظة العلاقات فيما بينها وعمل تقديرات عن احتمالات المستقبل للنظام التعليمي واكتشاف وتحليل النتائج الناجمة عن القرارات البديلة المستخدمة في النظام ، وتقويم تلك البدائل لتطوير النظام في المستقبل.

تصنيفات النماذج

1- نماذج جزئية وتشتمل على كل النماذج التي تشير إلى العملية التعليمية نفسها وهى بذلك تذهب بعمق إلى تحليل أصوله بدون النظر إلى النظام ككل مثل ماذا يحدث في الفصل الدراسي؟ 
2- نماذج تجميعية وتشتمل على كل النماذج التي تشير إلى النظام التعليمي ككل أو جزء منه وهى بذلك تدرس التعليم بدون النظر إلى أصوله فعناصرها الأساسية هي إعداد المتعلمين والمباني . وتنقسم النماذج التجميعية إلى : 
أ – نماذج تسمح باختيار بين البدائل مثل نموذج خاص بسياسة مثلى لقيد المتعلمين.
ب – نماذج لا تسمح باختيار بين البدائل مثل نموذج تدفقات المتعلمين في النظام التعليمي . 
وتستطيع النماذج الرياضية أن تساعد المعلمين والمخططين التربويين في تخطيط النظام التعليمي، وإعداد النماذج التربوية على المستوى الدولي، ومنها نماذج البنك الدولى World Bank ، اليونسكو UNESCO ، المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة OECD ، IIEP المعهد الدولي للتخطيط التعليمي.

 
والنموذج الرياضي” هو وصف نظري لبعض الجوانب الخاصة بعملية واقعية أو نظام واقعي ، ويصور الواقع في هذه النماذج دوال رياضية ” ، ولما كانت النماذج هي تبسيط للواقع فإنها بالضرورة لابد وأن تعكس بعض الجوانب المختارة في هذا الواقع وتعميق فهمها مع تجاهل البعض الآخر منها . والنموذج أداة ، وككل أداة يجب أن يكون اختياره واستخدامه بدقة وعناية مع غيره من الأدوات والطرق الأخرى ، وفى نفس الوقت تكمن القيمة الحقيقية للنماذج فى كونها تقريب ، حيث أنها تسمح بإجراء التجارب التي لا يجرؤ أحد على إجرائها على نظم حقيقية ، أو التى يكون إجراؤها فى الواقع مستحيلا بسبب عامل الوقت اللازم للحصول على النتائج أو الكلفة الباهظة . 
ويعد النموذج تمثيلا للواقع ويعين على إدراك العلاقات الهامة فى هذا الواقع وعلى التحكم فيها . كما يساعد النموذج على التقدير المستقبلي لكل المؤشرات التعليمية المتعلقة بالعملية التعليمية . والحكم بجودة نموذج على آخر تكون بقدرته على التنبؤ وتمكين رجل الإدارة من اتخاذ قرارات أفضل . فالهدف الرئيسي من النماذج هو معاونة المخطط في تقدير وإسقاط الاحتياجات التعليمية وثيقة الصلة بالأهداف التنموية والاجتماعية والاقتصادية وفى ترشيد القرارات الموجهة لإصلاح التعليم ، بالإضافة إلى تقدير الموارد التي يتعين تخصيصها لمشروعات الخطط التربوية .

والقرارات التربوية التى تبنى على النماذج تفسر الحقائق المختلفة وتعطى مؤشرات هامة للسير في اتجاه معين . واستخدام النماذج في علاج المشكلات الإدارية التي تواجه رجل الإدارة على الاستفادة من البيانات الإحصائية المتوفرة بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، كما يساعد على جعل نظرة الإدارة أكثر شمولا وإدراكا لاختيار الاستراتيجيات البديلة ، وإقناعها لمتخذ القرار بأنه ليست هناك طريقة واحدة تقليدية لتحقيق أهداف الخطة ، مما يؤكد عادة على وجود إعداد من البدائل الممكن قبولها عمليا والتي باختيار إحداها تتحقق أهداف الخطة ، وتساعد النماذج الرياضية رجل الإدارة في معظم القضايا الخاصة بالتخطيط التعليمي في ضوء التطور الاقتصادي والاجتماعي المتوقع لدولة ما .

وتربط النماذج جميع البيانات فى تنظيم فكرى واحد ، ويستطيع رجل الإدارة أن يضع برنامجا للوفاء بالاحتياجات فى حدود الموارد المتاحة ، ومع التقدم فى الحاسبات الآلية أمكن عمل نماذج تطبع صورة افتراضية للواقع . والنموذج الذي يقوم على صورة فرضية يتطلب تقديرا لحالة المخزون من المورد البشرى السكاني فى سنة الأساس ، والمخزون المطلوب تحقيقه في سنة الهدف ، ثم وضع صورة فرضية لما تكون عليه مخرجات النظام التعليمي ، والتي تحل محل الفاقد فى المخزون الأصلي واللازمة لتحقيق الهدف السكاني فى سنة معينة. وحينما يتم وضع هذه الصورة، فإن البرنامج سوف يعطى مخرجات النظام التعليمي خلال السنوات التى تقع بين سنة الأساس وسنة الهدف. 

ويساعد النموذج على التأكيد على العلاقات المتبادلة بين الأحداث والبيانات والأهداف والقرارات ويمكن تعديل الأهداف في ضوء البيانات المتوافرة ، والقرارات التي تتخذ تكون كنتيجة للتنسيق بين التغذية الرجعية للبيانات والأهداف الإجرائية.

ثانيا: السيناريوهات الإستشرافية (المستقبلية)

يرى د. محمد نصحي إبراهيم أن السيناريو أسلوب من أساليب استشراف المستقبل التي أصبحت ضرورة في العصر الحديث ، لما لها من قيمة في تصور الاحتمالات الممكنة للمستقبل في المجتمعات المختلفة . 
ويمكن تعريف السيناريو في أبسط صورة على أنه :
 (1) وصف لوضع مستقبلي ممكن الحدوث عند توافر شروط معينة في مجال معين. 

(2)   مجموعة من الافتراضات المتماسكة لأوضاع مستقبلية محتملة الوقوع في ظل معطيات معينة. 
(3)  تنبؤ مشروط يركز على حركة المتغيرات الرئيسية ودورها في تشكيل صورة المستقبل حيث يبدأ التنبؤ بمجموعة الافتراضات المحددة مسبقا حول المستقبل. 
(4)  أسلوب يعتمد على الابتكار إلى درجة ما في صياغة مستقبل الظاهرة. 
وفي ضوء ما سبق يمكن القول أن السيناريو يعتمد في التنبؤ بمستقبل الظاهرة والتعرف على تاريخ الظاهرة والكشف عن طبيعة التأثيرات المتبادلة لهذا التاريخ ومجموعة القوى التى شكلته والتى يحتمل أن تؤدى إلى حدوثها في المستقبل. 

أهمية بناء السيناريوهات

وتتضح أهمية السيناريوهات فيما يلى : 
-1 أن دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تكشف لنا الاحتمالات والإمكانات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية. 
-2 أن دراسة المستقبل من خلال وضع السيناريوهات عبارة عن عمل توجيهي أو إرشادي فهي ترشد المسئولين عن اتخاذ القرار إلى ما هو ممكن وما هو محتمل ، كما ترشدهم إلى نوع التغير الذي يمكن إحداثه وهل هو تغير جذري أو تطويري. 
-3 أن دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تكشف لنا واقع هذا المجتمع والتنبؤات المتوقعة له. 

مواصفات السيناريوهات الجيدة

وللسيناريوهات الجيدة عدة مواصفات من أهمها ما يلي :
(1 أن يتصف السيناريو بالاتساق الداخلي أي بالتناسق بين مكوناته ، ويعنى ذلك البعد عن أي تناقضات بين مكونات السيناريو . 

(2) أن يكون إعداد السيناريوهات محدودا بحيث تتضح الاختلافات والتمايزات فيما بينها ، فعند تضمين الدراسة المستقبلية لأكثر من أربعة سيناريوهات قد يؤدى إلى قدر من الإرباك والالتباس في عمليات التحليل وعرض النتائج. كما أن تضمين الدراسة المستقبلية لسيناريو واحد يتضمن نفس فكرة المستقبلات البديلة التى مثلت أسس الدراسات المستقبلية. 
(3)  أن يكون السيناريو له فائدة في التخطيط المستقبلي بما يعين على تحقيق أهداف مستقبلية معينة. 
(4)  أن يكون السيناريو واضح الأهداف كي يستفيد منه المسئولون في المجالات المختلفة .

أنواع السيناريوهات

توجد السيناريوهات في أشكال مختلفة ذات استخدامات متنوعة ومنها:
1-سيناريوهات استطلاعية : وتعتبر نقطة البدء في هذه السيناريوهات الواقع القائم والقوى المؤثرة فيه أو التي أدت له، وعلى هذا النحو يكتب السيناريو الاستطلاعي الذي يحدد ملامح صورة المستقبل . 

2-سيناريوهات معيارية : وتعتبر نقطة البدء في هذه السيناريوهات وضع مجموعة من الأهداف التي يستهدف تحقيقها في المستقبل، وعلى هذا النحو يكتب السيناريو المعياري لوصف مستقبل مرغوب فيه للمساعدة على صنعه أو تحقيقه.

 ويوجد تصنيف آخر للسيناريوهات على النحو الآتي :
1- السيناريو الاتجاهي : وهو يتعلق باستمرار الوضع الراهن وما به من تفاؤل أو تشاؤم مع العجز على التغيير .

2-السيناريو الإصلاحي : وهو يتعلق بإدخال بعض الإصلاحات بقصد الوصول بالاتجاهات الحالية نحو انسجام أكثر من أجل إنجاز حد أدنى من الأهداف التفاؤلية .
3- السيناريو التحويلي : وهو يتعلق بإحداث تحولات جذرية عميقة في المجتمع بناءا على خبرة الماضي وتجربة الحاضر . 

كما يوجد تصنيف ثالث للسيناريوهات على النحو الآتى :
1- السيناريو المرجعي : وهو يمثل استمرار الوضع القائم . 

2- سيناريو الانهيار : وهو يمثل عجز النظام عن الاستمرار أو فقدانه القدرة على الاستمرار . 
3- سيناريو الماضي : وهو مبنى على العودة إلى عصر الازدهار القديم. 
4- سيناريو التحول الجوهري : وهو مبنى على حدوث نقلة نوعية في المجتمع سواء كانت نقلة اقتصادية أو تكنولوجية.

1-صعوبات وعوائق المنهاجية المستقبلية :(13)

 يري الأستاذ هاني خلاف أن هناك بعض القيود والعوائق التي تتجه إلي الوقوف أمام الدراسة المستقبلية . وهذه الصعوبات يمكن أن تقسم إلى مجموعتين :

المجموعة الاولي :

    وتتجه إلى رفض فكرة استطلاع المستقبل من أساسها وفي حد ذاتها . وهذا الاتجاه ينتشر بين دول العالم الثالث والعالم الرابع(14) وتنقسم العوائق في هذا المجال الي :

1- نظريات بعض الدينيين الحرفيين في تكفير الباحثين في أمور المستقبل .

2- نظريات بعض رجال الأمن ودعاة القوميات المنغلقة في اثر الكشف المستقبلي غلي سلامة الأمن القومي للدول .

3- الدفع الذي يبديه البعض فيما يسميه برفاهية البحث في المستقبل وعدم مناسبة الاخذ به في وقت ” نحن أحوج مانكون فيه إلي بحث مشاكل الحاضر”.

المجموعة الثانية :

   من العوائق والصعوبات وهي لاتتصل بأصل الفكرة وإنما بعملية تنظيمها وسير العمل بها مثال ذلك :

1- عدم وجود تقاليد علمية راسخة للدراسات المستقبلية .

2- انعدام الجهود الجماعية في الدراسات المستقبلية ومحاولات إقحام أساليب تكنولوجية ضيقة في مناهجها .

3- تأثر علماء المستقبلية الحاليين بالأيديولوجيات السائدة في مجتماعتهم .

4- محدودية انتشار المستقبلية واقتصار الاخذ بها علي فئات عمرية معينة.

وسوف نحاول تفصيل هذه الصعوبات والعوائق والرد علي بعضها وفقا لما اورده الاستاذ هاني خلاف .

المجموعة الأولي : الصعوبات التي تتصل بالأخذ بالفكرة المستقبلية اصلا:

1-النظريات الدينية الحرفية في تكفير الباحثين في المستقبلية :

يري بعض علماء الدين الحرفيين أن المنهاجية المستقبلية إنما تتعارض مع منهج الدين الذي يترك الأمر كله لله ” عالم الغيب والشهادة ” ومن ثم فان عمليات تقدير المستقبل , ومحاولات التخطيط والبرمجة , تعد تدخلا في الوظيفة الإلهية , التي ينفرد بها الرب دون غيره ـ وماكان الله ليطلعكم علي الغيب ” ويمكن الرد علي هذا الاتجاه في الأتي :

اولا : أن أصحاب هذه النظريات غالبا مايخلطون بين اصطلاح ” علم المستقبل ” واصطلاح ” العلم بالمستقبل ” والفارق بين الاصطلاحين يستحق التامل ففي حين يفيد مصطلح ” العلم بالمستقبل ” معني استلاب البشر لاحدي خصوصيات الذات الالهية , وتعديهم عليها , يفيد اصطلاح ” علم المستقبل ” بان هناك مجموعة من القواعد المنهاجبة المتعلقة ” بالتوقيت ” يلزم احترامها ومراعاتها عند التعرض لتغيير الواقع الراهن .” علم المستقبل ” اذن عبارة عن منهج براجماتي محوره الوعي بعنصر الوقت , ويهدف الي ضبط عمليات التغيير سواء في المجالات الاجتماعية او السياسية , وفقا لقواعد وحدود تدخل في الاعتبار ماستئوول اليه الحال بعد فترة محسوبة من الزمن . “علم المستقبل ” اذن عبارة عن منهاجية علمية اكثر منها حقيقة موضوعية , ولذلك فهو يختلف عن ” العلم بالمستقبل ” الذي هو معرفة موضوعية بحقائق المستقبل بصفة شاملة وهو الامر الذي تنفرد به الذات الالهية , اضف الي ذلك أن ” علم المستقبل ” تشتمل قواعده علي الاعتراف بوجود عناصر محتملة الظهور بغير مقدمات , وهو امر يرضي حتي الدينيين الحرفيين , أن كانت لاترضيهمم الجوانب الاخري من هذا العلم .

ثانيا : أن ” علم المستقبل ” او الوعي بالزمن القادم في عمليات التغيير ” مسألة تسمح بها وثائق الاسلام , بل أن ذلك يتمشي مع روح الاسلام , والاصول الاسلامية التي تقتضي ضرورة احترام الزمن القادم والاخد بفكرة الظروف المتغيرة ” كعنصر من عناصر التقدير والتشريع . والامثلة عديدة بهذا الخصوص

1- قصة النبي يوسف عليه السلام ومعاني التخطيط للمستقبل .

2- فكرة الظروف المتغيرة في الآية القرآنية الكريمة ” وتلك الأيام نداولها بين الناس “

3- ضرورة التخطيط للمدى الطويل الذي يستشف من الحديث النبوي الشريف ” اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا “

4- الدعوة الإلهية الدائمة بضرورة ” التدبر” و ” التدبير ” والاخذ بأسباب الحذر والاحتياط التي تشمل ” العلم ” و ” الحساب ”  و ” تقدير القوي ” و ” النظرة الشاملة ” .

5-  الافاده بفداحة مايمكن أن يصيب قوما اسقطوا ” المستقبل ” من حسابهم , وذلك الايه الكريمة ” فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا “

2_ الدراسة المستقبلية سلامة الأمن القومي :

وهذا الدفع  ياخد به بعض رجال الامن القومي التقليدي في بعض البلاد الصغيرة والمتخلفة , حيث يرون ضرورة تقييد نطاق البحوث المستقبلية , نظرا لما قد تتضمنه تلك البحوث من مخاطر علي امنها القومي والسلامة القومية , ويدلل دعاة هذا الاتجاه علي صحة دعواهم بالقول بان الكشف عن معدلات واتجاهات الحركة العامة لبلادهم , يمكن أن يمد اعداءهم مايسمي في لغة المخابرات ” بدوال التعبئة ” وهو مايساعد بالتالي في رسم وتخطيط الحركة المضادة او العطلة لحركتهم .

ولكن يمكن الرد على الراي بالدفوع الاتية :

اولا : أن مايسمي ” بدوال التعبئة ” لايقتصر مصدره علي بحوث  المستقبل , وانما قد يتم استقاء بعض الدالات , من مجرد اخبار ضئيلة متناثرة في الجرائد اليومية , عن تغير سعر احدي السلع او فرض ضريبة جديدة , او افتتاح مصنع في مكان ما .

ثانيا : أن عملية الحصول علي المعلومات اليوم اضحت عملية سهلة مع تقدم ادوات الاتصال والرصد والتجسس والتقدم التكنولوجي بصفة عامة . فالعالم اليوم يعاني من اغراق في المعلومات , ولكن المشكلة الاساسية هنا هي غربلة وتنقية وحليل وتوظيف هذه المعلومات  حركيا .

ثالثا : انه يجب الانخلط بين بحوث المستقبل وخطط العمل في المستقبل . ففي حين تقتصر بحوث المستقبل علي مجرد رصد ماستؤول اليه الحال بعد فترة من الزمن , تضع الثانية اتجاهات الحركة , والقرارات والنسب والتفاصيل الخاصة بالتوقيت وتوزيع العمل الي غير ذلك من الامور .

رابعا : وحثي لو افترضنا وسلمنا بحجه حفظ الامن القومي . كأحد دواعي وضع القيود علي الباحثين والعلماء في الأخذ ببحوث المستقبل , فانه يظل هناك تساؤل في مكانة : لم لاتقوم اجهزة الأمن القومي بنفسها باعتماد هذه المنهجية المستقبلية , وادخالها ضمن برامج عملها لتقدير المواقف , وإعداد الخطط المضادة حتي لاتأخذها الأحداث علي غرة وعلي غير ماتوقع .

3-   الدفع بما يسمي برفاهية البحث في المستقبل :

قد تدفع بعض الآراء وخصوصا في دول العالم الثالث ودول العالم الرابع بعد ملائمة البحث في المستقبل , باعتباره ضربا من ضروب الرفاهية الفكرية , التي أن كانت تناسب بعض المجتمعات المتقدمة , فهي لا تناسب مرحلة البحث عن حلول لمشكلات الحياة اليومية إلي أن تمر بها في هذه الآونة دول العالم الثلث والرابع .

ولكن يمكن الرد علي هذا الدفع بعدة دفوع مضادة :

أولا : أن ما يسمي اليوم ” المجتمعات المتقدمة ” لم تبلغ في الواقع مرحلة تقدمها إلا من خلال خطط المستقبل , وضعتها شعوبها وقياداتها بصورة واضحة , وعملت علي تحقيقها بمسالك وأساليب علمية وتنظيمية دقيقة .

ثانيا :أن ما يقال له ” المشاكل اليومية التي تواجهها الجماهير ” ليس حكرا علي البلاد المتخلفة المتنامية فحسب , فلكل مجتمع مشاكله اليومية  , وهذه المشاكل هي التي تواجهها البلاد التي يقال لها ” متقدمة ” اليوم ولعل من أخطرها مشكلة البطالة والتضخم والتلوث وغيرها .

يمكن التمييز بين نمطين أساسيين للدراسات المستقبلية 
النمط الأول: هو النمط الاستطلاعي أو الاستكشافي Exploratory Type، ويهدف أساسا إلى استكشاف صورة المستقبل المتوقع أو المحتمل ، أو المستقبل الممكن تحقيقه. 
النمط الثاني : هو النمط المعياري Normative Type ، وفيه يتخطى الباحث المستقبل الممكن تحقيقه إلى رسم صورة المستقبل في تحقيقه. 
وتتعدد أساليب الدراسات العلمية للمستقبل ويعتمد ذلك على:
-1 درجة انتشار استخدام تلك الأساليب في البحوث العلمية 

–2 ملاءمة منهجية الدراسة للأسلوب المتبع . 
-3 تأكيد معظم الأدبيات على تلك الأساليب.

ومن أساليب الدراسات المستقبلية ما يأتي :
1- أسلوب دلفي : وهو أسلوب حدسي منظم، ويعتمد على مشاركة جماعية للتنبؤ بالمستقبل ، ويستخلص المعلومات من عدة أشخاص من ذوى الكفاءة من غير أن يقع أحدهم تحت التأثيرات التي تحول بينه وبين إبداء الرأي بحرية وموضوعية . 

2 أسلوب المحاكاة (منها المحاكاة والمشابهة التاريخية) : وهو أسلوب استطلاعي يعتمد أساسا على التنبؤ بالمستقبل من خلال تصميم نموذج يتم الاحتذاء به في رسم صورة مستقبلية للظاهرة . 
3 أسلوب بيرت (P E R T) : Program Evaluation and Review Technique و الذي يعتمد أساسا على تصور علاقات تتابعيه بين النشاطات المختلفة مع مراعاة أن يقسم المشروع إلى إعداد من الأنشطة المستقلة التي تتابع بشكل معين إلى أن يتم تنفيذ المشروع كله مع تحديد الوقت الذي يتم في أثنائه تنفيذ المشروع. 
4-أسلوب تحليل النظم : وهو يركز على حل مشكلات الواقع كما وكيفا، كما يسمح بالتخطيط الأمثل لها واتخاذ أفضل القرارات بشأنها مستخدما أساليب فنية لتحليل الظاهرة موضوع الدراسة وصولا إلى أفضل مردود بأقل جهد ممكن وأقصر وقت تمع الحديث.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى