هجرة الأدمغة وثقل التكلفة الاجتماعية في مجتمعات الانطلاق: بلدان شمال إفريقيا أنموذجا

د. أنوار بنيعيش (الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين،  طنجة – المغرب)

Anouar Benyaiche   / Morocco

ورقة علمية منشورة في كتاب أعمال مؤتمر إشكاليات الهجرة و اللجوء في الوطن العربي الصفحة 195.

     

الملخص:                                             

يعد البحر الأبيض المتوسط فضاءً للهجرة بامتياز، حيث شكل الفارق الاقتصادي بين شعوب ضفتيه محفزاً على الانتقال من الجنوب إلى الشمال بأشكال مختلفة منها السرية والرسمية. والبحث الآتي سيدرس الحالة الثانية مُركزا على نوع خاص منها. هو هجرة الأدمغة وتأثيرها على بلدان الانطلاق. وسنتناول هنا، زاوية مُحددة هي : البعد الثقافي من خلال محاولة رصد حجم وقوة التأثيرات  والكلفة الثقافية الناجمة عن هجرة الأدمغة، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية، وأدوارها في توسيع الهوة بين دول أوروبا المستقبلة  وبلدان الانطلاق في شمال أفريقيا.

الكلمات المفاتيح: هجرة الأدمغة- شمال أفريقيا- الكلفة الثقافية

Abstract:

The Mediterranean is a space for immigration par excellence, as the economic difference between the peoples of its shores has stimulated the movement from south to north in various forms, including secrecy and official. The following research will study the second case, focusing on a special type of it. It is brain drain and its impact on the countries of departure. Here, we will address a specific angle: the cultural dimension by trying to monitor the size and strength of impacts and the cultural cost resulting from brain drain, and its social and economic repercussions, and their roles in widening the gap between receiving European countries and countries of departure in North Africa.

Key words: Brain Drain – North Africa – Cultural Cost

مقدمة:

تعتبر منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط في ضفتيه الشمالية والجنوبية فضاء خصبا للهجرة المكثفة بكل أشكالها الرسمية منها والسرية، مما يجعل النقاش حول قضايا الهجرة أمرا متجددا ومستمرا يكاد لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد أشد وطأة وأكثر إلحاحاً وتأثيرا في علاقات حكومات هذه البلدان وشعوبها. لهذا، يُعدُّ البحث في مجال الهجرة موضوعا دائم الراهنية،  ومحتاجاً إلى تراكمات بحثية كبيرة لاقتراح أفكار وتصورات للتخفيف من ضغط مخلفات الوتيرة المرتفعة للهجرة على القطبين المعنيين معا: قطب الاستقبال من زاوية الاحتواء وتوفير الإمكانات الكافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة للوافدين. وقطب بلدان الانطلاق لتعويض الخسارات الكبرى في السواعد العاملة والأدمغة المبتكرة والتي من شأنها – لو تم توفير الأجواء المناسبة لها – أن تسهم في تنميتها وتطوير أداء مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وإذا كان الجانب الاقتصادي من الأولويات المتداولة في مثل هذه القضايا بما يجعل معظم الدراسات تصب فيه، فإن الجانب الثقافي يعد البطة السوداء التي قلما يلتفت إليها في مقاربة الهجرة. حيث، تعتبر الكلفة الثقافية أمراً غير مطروق في بلدان العالم الثالث إلا في حالات نادرة ومحافل ضيقة جداً، رغم خطورته، ودوره في تحريك الرأي العام وبناء القناعات، والتمهيد لإرهاصات الوعي والرغبة في التغيير من الداخل.

ومن هنا، أهمية البحث في موضوع الهجرة من هذه الزاوية الخاصة؛ فهو من جهة يروم معالجة بعد يكاد يظل مجهولا في معادلة الهجرة الصعبة من حيث درجة التأثير ونوعية الانعكاسات ومدى اختلال الرؤى الوقائية وكذا العلاجية في التعامل مع عنصر غير مدروس دراسة كافية ودقيقة. ومن جهة أخرى يسعى البحث إلى الكشف عن محورية القضية الثقافية في الهجرة على حاضر المجتمعات المستنزَفة ومستقبلها، وتوغلها في كل المجالات الحيوية الأخرى من اقتصاد واجتماع وسياسة. حيث سنحاول الإجابة عن أسئلة مؤرقة ومُحيِّرة حول الكلفة الثقافية للهجرة المتجهة صوب الشمال من قبيل: ماذا تربح دول الاستقبال ثقافيا من الهجرة المكثفة صوبها خاصة عندما تمس شرائح المثقفين من باحثين ومبدعين وفنانين ومفكرين؟ كيف يسهم هؤلاء في ضخ دماء ثقافية جديدة في هذه المجتمعات؟ وفي المقابل، ماذا تخسر دول الانطلاق من جراء هذه الهجرة النوعية؟ أي بعبارة أخرى ما هي الكلفة الثقافية التي يخلفها التدبير غير المعلن لموضوع الهجرة في بلدان هي في أمس الحاجة لكل طاقاتها المبدعة والمفكرة؟ ثم، أين تتجلى هذه الخسارات الثقافية وكيف تنعكس على المجالات التنموية الأخرى؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، سنعتمد منهج وصفيا تحليليا نتدرج من خلاله عبر مراحل رئيسية تبدأ بتدقيق المفاهيم تعريفا وأجرأة خاصة أنها تمس زوايا جديدة نسبيا في موضوع الهجرة، لننتقل إلى تنزيل هذه المفاهيم على أرض الواقع في نماذج حية من بلدان شمال إفريقيا تكشفها الوثائق والتقارير والبحوث الميدانية، لنصل إلى رؤية أكثر دقة للتدفق اللا متكافئ للكفاءات والإمكانات الثقافية من الجنوب إلى الشمال، نأمل من خلالها أن نرسم صورة واقعية مبتعدة- على قدر الإمكان- عن الذاتية المفرطة، والانفعالية المبالغ فيها، تمكننا من اقتراح حلول وتصورات من شأنها أن تقدم توصيات عملية تخدم القضية المعالجة وتسهم في تحسيس المؤسسات الوصية بخطورة الشأن الثقافي في مقاربة مخلفات الهجرة وأضرارها،  وتوفر للباحثين مدخلا لدراسات أخرى معمقة في المجال. بما يسهم في إعادة التفكير في التناولات الرسمية لقضية الهجرة في الراهن والمستقبل القريب والبعيد بما يخدم مصلحة البلدان المتضررة في العمق.

أولا- مدخل مفهومي:

  1. الهجرة:

الهجرة من المفاهيم الاجتماعية المتداولة بكثرة ، غير أن التدقيق في معاني اللفظ المعنوية ثم الاصطلاحية من شأنه أن يقودنا إلى دلالات ومعاني يمكن أن تخدم التعمق في فهم موضوع بحثنا بشكل من الأشكال؛ فقد جاء في لسان العرب لابن منظور أنّ “الهجرُ: ضد الوصل. هجره يهجره هجْراً وهِجراماً: صرمه، وهما يتهاجران، والاسم الهِجْرةُ….والهِجْرة والهُجرةُ: الخروج من أرض إلى أرض.”[1] كما ورد في القاموس المحيط للفيروزأبادي : “هَجَرَهُ هَجْراً، بالفتح، وهِجْراناً، بالكسر: صَرَمَهُ، و~ الشيءَ: تَرَكَهُ كأهْجَرَهُ، و~ في الصومِ: اعْتَزَلَ فيه عن النكاحِ. وهُما يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ: يَتَقاطَعانِ، والاسمُ: الهِجْرَةُ، بالكسر. وهَجَرَ الشِّرْكَ هَجْراً وهِجْراناً وهِجْرَةً حَسنَةً. والهِجْرَةُ، بالكسر والضم: الخُروجُ من أرضٍ إلى أُخرى، وقد هاجَرَ.”[2]

ففي المعجمين معاً وردت إشارة هامة هي أن الهجرة تقوم على شقين رئيسين متكاملين هما: الشق المعنوي القائم على القطيعة القلبية والانفصال النفسي عن الأمر ومنه هجر الكفر أو من لم يعد لنا فيهم حاجة أو رغبة من الناس، و الشق المادي: الذي يقوم على الانفصال المادي بالتنقل من أرض إلى أخرى كنوع من إعلان القطيعة معها فعليا بعد الصرم النفسي والمعنوي. وهذا ما يتماشى إلى حد بعيد مع مفهوم الهجرة في بحثنا حيث انبتات الروابط المعنوية بين فئة معينة وأوطانها الأصلية لسبب من الأسباب يدفعها نحو مغادرتها إلى بلدان أخرى حاضنة لوتوطيد الروابط المعنوية بها عبر الاستقرار المادي. وهذا ما يقدم بعض الإرهاصات الأولوية حول الكلفة الثقافية ومبدأ الربح والخسارة من الناحية المعنوية الهوياتية قبل المادية الاقتصادية.

ويشير أنتوني غدنز في مؤلفه الرائد حول علم الاجتماع إلى أن الهجرة تنقسم لدى معظم الدارسين إلى  إلى أربعة نماذج كبرر هي:

  • النموذج التقليدي الكلاسيكي: ويهم الدول التي بنيت في أصلها على المهاجرين باعتبارها شعوبا من المهاجرين مثل: كندا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ونيوزلندا..
  • النموذج الكولونيالي الاستعماري: وهو الذي تعطي فيه دول مستقبلة كفرنسا وبريطانيا وإسبانيا الأفضلية للمهاجرين الذين ينتمون إلى البلدان التي كانت تحت سيطرتها.
  • نموذج العمال الضيوف: ويقوم على قبول بلدان مثل سويسرا وألمانيا وبلجيكا دخول المهاجرين بشكل مؤقت ولفترة محدودة قصد سد الخصاص وتلبية الخصاص دون أن يتمتعوا بحق المواطنة.
  • نموذج الهجرة غير الشرعية: التي تبنى على رغبة مهاجرين من بلدان الجنوب تحسين أوضاعهم بالتنقل إلى بلدان الشمال بطرق سرية بسبب القيود المفروضة على الهجرة.[3]
  1. حوض البحر الأبيض المتوسط وضفتي الهجرة:

يمثل حوض البحر الأبيض المتوسط  خاصة منه المنطقة التي تتوسط القارتين الأفريقية والأوروبية فضاء ساخنا في موضوع الهجرة نظراً للتفاوت الحاصل بين الشمال المزدهر والجنوب المهمش اقتصاديا[4]، والعلاقات ممتدة بين دوله منذ القديم، والهجرات متوالية ما بين ضفة وأخرى حسب الظرف التاريخي؛ فإذا كانت بلدان الشمال الأفريقي  قد شكلت في فترة من الفترات موئلاً  للموريسكيين المسلمين الذين هاجروا إليها، وأغنوها حضاريا وثقافياً بعد سقوط غرناطة[5]، فإن العصر الحالي يعرف هجرة معاكسة نحو البلدان الأوروبية بكثافة وضغط كبيرين يشترك فيها مختلف الفئات من مثقفين وعلماء وباحثين، حرفيين وعمال مهرة، بطرق رسمية وغير رسمية. مما يجعل البحث في هذا النزيف في الطاقات المؤهلة أمراً حيوياً ومصيرياً لبلدان الانطلاق على الخصوص التي تعرف مستويات متدنية من النمو، ومشاريع تنموية متذبدبة.

ثانيا – هجرة الأدمغة وفرص بلدان الاستقبال:

تستقبل دول الشمال الكفاءات بسياسة مخالفة تماماً للوافدين عبر الهجرة السرية، حيث تشكل الفئة الأولى طاقات مستقبلية واعدة تأمل أن تستفيد منها دول الاستقبال إلى أقصى الحدود في تطوير اقتصادياتها المتذبذبة في السنوات الأخيرة، على اعتبار أن هذه الفئات المتعطشة للبحث العلمي، والممتلئة حماساً للنجاح وإثبات الذات في ظروف أحسن مادياً واجتماعياً من تلك المتوفرة في بلدانهم الأصلية يمكن أن تمثل جزءاً من الحلول الاقتصادية التي كانت تبحث عنها أوروبا الغربية في ظل الإكراهات والأزمات التي عرفتها في السنوات والعقود الأخيرة[6]، والتي زادتها جائحة كورونا تعقيداً[7].

إن الدول الأوروبية خصوصاً والغرب عموماً تُقَيِّم الهجرة من منظور براغماتي نفعي محض[8]. لهذا يعمل على نبذ الفئات المهاجرة ذات المؤهل التعليمي المتدني والكفاءات الضعيفة أو غير المرغوب فيها في مجتمعاتها لتوفرها واكتفاء أوروبا منها، أو لقلة تأثيرها على النمو الاقتصادي والفكري لهذه الدول. وفي المقابل يعمد إلى استقطاب الفئات عالية التأهيل عبر تسهيل ولوجها إلى أوروبا، وتقديم عروض مغرية مباشرة وغير مباشرة بهدف ضمان استقرارها هناك، والإسهام في بناء مجتمعات الاستقبال نمو اقتصادياتها.

وإذا كانت بعض الدول الحديثة والبعيدة نسبياً عن بلدان الشمال الأفريقي تنتهج ذلك صراحة، وتقوم بسن قوانين خاصة بالهجرة الانتقائية تحدد فيها الشروط الثقافية (إتقان لغة ما مثلا) والتأهيل العلمي والمهني عبر سياسات هجرة صارمة تقوم على الانتقاء الأولي والمقابلات مثل كندا[9] وأستراليا ونيوزلندا والولايات المتحدة الأمريكية عبر ضوابط المشاركة في القرعة، فإن دول القارة العجوز تكتفي -في الغالب- بتسويق صورتها المثالية بوصفها النموذج الأمثل للغرب  المتقدم الذي يحتضن الكفاءات من مبدعين ومفكرين وعلماء وعقول نيرة على قدم المساواة مع مواطنيها، ويمنحها فرص الحياة الكريمة والتألق في المجالات التي تطمح إلى التألق فيها.

وذلك من خلال ما يمكن تسميته بالدعاية الصامتة الخفية القائمة على عوامل كثيرة تظافرت عبر العقود، وبدأت منذ القرن التاسع عشر عبر العمل على تسويق صورة الغرب المتحضر في مقابل الشرق المتخلف الهمجي والمحتاج إلى من يأخذ بيده من أجل التمدين والحماية. والتي استمرت إلى ما بعد الاستقلال، حيث ظلت في المجتمعات المستعمرة فئات متحمسة للغرب، ومؤمنة بهذا التفوق الاستثنائي كنتيجة لتبني نظرة الغرب المحتقرة للشرق، فيما أشار إليه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935-2003بمفهوم الاستشراق[10]  أو الصورة التي شكلها الغرب عن الشرق بما فيه دول الشمال الأفريقي، والتي تمجد المركزية الغربية، وتعلي من شأنها لتقدمها على أنها النموذج الأوحد للرقي الإنساني، وما سواه ليس فضاءً للتخلف والاندحار الفكري.

ورغم المحاولات التي قام بها مفكرون وكتاب عرب لنقد هذه الصورة وتقويضها في خطابات ما بعد الكولونيالية[11]، فقد بقيت -من الناحية العملية- جذابة وقادرة على استقطاب المزيد من الكفاءات والأدمغة إضافة إلى المهاجرين السريين؛ إذ لم تلقَ مقاومة ذات بال من غالبية المثقفين العرب المنتمين إلى بلدان شمال أفريقيا. بل على العكس من ذلك، أسهمت مجموعة منهم في ترسيخها وتثبيتها في كتاباتهم سواءً باللغة العربية أوباللغات الأوروبية نفسها، حيث يمكن القول: إن الهجرة الثقافية أسهمت في خلق صورةٍ مُعضِّدة ومكملة  لتلك التي كرّسها مفهوم الاستشراق منذ المستشرقين الأوائل، فيقف، في متخيل هؤلاء، المجتمع الغربي المتحضر المنظم العادل الإنساني مقابل المجتمعات الفوضوية والهمجية الكسولة والخاملة.

وهكذا، بُنيت مفاهيم عديدة أخرى تكميلية ومساندة ساعدت على استمرارية الفكر الكولونيالي الغربي عبر الهيمنة الفكرية والثقافية بما في ذلك النظر إلى اللغة نفسها، عبر التمييز بين لغة علمية حاملة لمعالم التقدم وأخرى محلية رسمية لكنها غير قادرة على مسايرة علوم العصر وتقنياته.[12] وساعد على ذلك استمرار المجتمعات الغربية في تنفيذ سياسات تضمن ترسيخ أولويات هذه اللغات على اللغة الأم، وتدعيمها اقتصادياً وثقافياً ومن بينها مدارس البعثات والمعاهد الثقافية.[13]

وجدير بالذكر أن الغرب يحتاج إلى تغذية وهم المركزية الأوروبية والتفوق الشمالي من أجل الحفاظ على دوافع التقدم الذاتية، وتوفير طاقات العمل الضرورية لاستمراريته، وتحقيق رفاهيته أو بالأحرى رفاهية فئات بعينها كالأغنياء وأصحاب الشركات الكبرى والنخب الحاكمة على حساب المواطن العادي والبسيط؛ حيث يفضل الغرب، أحيانا،  دوران عجلة الاقتصاد حتى ولو تمت التضحية بفئة من المواطنين ذوي الأصول الأوروبية فبالأحرى ذوو الأصول الثقافية الأخرى.

ثالثا- هجرة الأدمغة وارتفاع الكلفة الثقافية:

قد يبدو الحديث عن خسارات ثقافية في بلدان الانطلاق أمراً بديهيا لا يحتاج إلى كبير تحليل أو دراسة، خاصة أن الكلفة الاقتصادية واضحة في أغلب الأحوال ومُعضَّدة بإحصاءات ودراسات عديدة[14]. ومن ثم، فدراستها والتدليل عليها من نافلة القول. غير أن هناك أبعاداً عميقة في المسألة تتطلب المزيد من النقاش والتحليل والتعمق في خطورة هذه الخسارة البشرية التي تنعكس سلباً على كل المجالات وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بمكون هوياتي بانٍ للمجتمع وضامنٍ للاستمرارية كالثقافة التي قد لا تؤخذ بعين الاعتبار في كثير من الأحيان باعتبار انصباب الاهتمام على الجوانب العلمية المادية بوصفها عوامل التقدم والازدهار في المجتمعات في حين تأتي الثقافة في التمثلات العامة لمسؤولي دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط في مرتبة دنيا، لأنه يصعب تحويل أبعادها والأضرار الناجمة عن التفريط فيها إلى أرقام ملموسة في ميزان الربح والخسارة.

لكن مثل هذه النظرة تزيد من تعميق الهوة الحضارية، وتنمي الشرخ الفكري الذي قد تسانده أوضاع اقتصادية واجتماعية متهالكة ومضطربة على أقل تقدير عند مقارنة الشمال بالجنوب.

وإذا كنا تطرقنا في نقطة سابقة إلى ما تربحه دول الاستقبال من مكاسب ثقافية وفكرية تغذي هوياتها الغربية، وتزيد من تضخيم الأنا الأوروبية المتعالية  في تمثلات المهاجرين وما يروجونه من أفكار عبر المراحل الثلاث التي أشرنا إليها آنفاً  من الانبهار، إلى الامتصاص،  ثم الاستشراق المضاعف، فإن التطرق إلى خسارة بلدان الانطلاق من جراء النزيف الثقافي الحادّ الذي تعرفه منذ الاستقلال إلى الآن، يقتضي الحديث من بعدين رئيسين : داخليّ وخارجيّ.

فأما البعد الداخلي   فتنضوي كل مظاهر هذه الخسارة الثقافية داخل المشهد الفكري لهذه البلدان، وما ينجم عنها من تذبذبات  الصورة التي ترسمها هذه المجتمعات عن ذواتها باعتبارها توابع تدور في فلك دول أوروبية بعينها، وتحوم حولها خاصة منها: فرنسا واسبانيا وإيطاليا…وتتجلى هذه التبعية في الهيمنة اللغوية للغات المستعمرين القدامى والفاتحين الجدد,

وأما البعد الخارجي، يكرس صورة سلبية أساساً عن هذه الدول لدى شعوب المجتمعات الأوروبية وينمي الإحساس لديهم بأن النماذج الراقية البانية للفكر والثقافة في الغرب بلغاتها أوحتى اللغة العربية نفسها، هم استثناءات قليلة ما كان لها أن تنمو وتزدهر وتقدم الكثير إلا بفضل الانتماء للثقافة الغربية بالتبعية، والاستفادة من إشعاع أوروبا الحضاري.

لهذا،  وبشكل ملفت للنظر، تظل تمثلات الكثير من الغربيين إلى حد الآن رهينةً بهذا التصور العنصري الإقصائي. والأدهى من ذلك أنّ من يُغذّي هذا التصور، ويساعد في استمراره وتطوره مثقفون ومبدعون من أصول مغاربية بدأوا مسارهم الدراسي أو المهني في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط ليكملوه شماله جسداً وثقافةً وتوجهاً وانتماءً.

وليس الهدف هو إدانة هذه النماذج أو تلك، بقدر ما هو السعي نحو فهم الظاهرة وأبعادها الثقافية العميقة وآثارها على مجتمعات ضفتيْ البحر الأبيض المتوسط. فعند الجمع بين وجهيْ العملة الواحدة بضم البعدين الداخلي والخارجي ، تبدو خسارة بلدان الانطلاق مضاعفةً،  وكلفة الهجرة عليها ثقيلة مرشحة للارتفاع إثر تزايد حجم هجرة الأدمغة وتعاقب أجيال المهاجرين والمُبتعثين إلى أوروبا.

فمن جهة تفقد الهوية المحلية بما فيها اللغة الأم نفسها السلطة الثقافية في تشكيل التمثلات الاجتماعية وتعزيز بعضها وإطفاء البعض الآخر، مؤدية، بذلك، إلى فقدان التقدير الذاتي الفردي والجماعي على حدٍّ سواء، وإلى الشعور بالتقزم الثقافي المستمر أمام عملقة الآخر الغربي وتمجيده، إذ الهدرة الثقافية تنفخ عبر توالي الأجيال، وتكاثر أعداد المهاجرين النوعيين في صورة الغربي بما يزيد الهوة شاسعة بين الذات المتضائلة المنكمشة والآخر المتعملق مالك زمام التقدم والمعرفة.

الجائحة وسقوط الأقنعة:

وقد يكون في الأحداث الأخيرة ممثلة في الجائحة العالمية لفيروس كورونا 19 المستجد دليلا بارزاً على أننا نغذي تمثلاتنا عن الآخر بصورة خاطئة، حيث انكشفت مع هذه الأزمة، بخلاف ما كنا نظن، صورة الغربي المتذبذب المنكسر  والمعرض للهلاك، والبراغماتي إلى أقصى الحدود حتى مع مواطنيه الأصليين. إذ أبانت هذه الجائحة عن هشاشة الأنظمة الأوروبية التي كنا نظنها قوية صلبة لا تقهر، وتكشفت عن افتراءات الرفاه الأوروبي الغربي، وأبرزت نظرة الحكومات إلى شعوبها على أنها آلات منتجة يسهل التخلي عن بعضها عندما تتعطل أو تهدد الاقتصاد بضعف الإنتاج؛ فقد تأخرت العديد من الجول الغربية كإيطاليا وفرنسا واسبانيا وبريطانيا في اتخاذ التدابير الوقائية مفضلة استمرار عجلة الاقتصاد في الدوران على حياة مواطنيها. بينما اتخذت معظم دول الانطلاق في شمال أفريقيا قرارات سريعة وحاسمة بما يظهر الاهتمام بالإنسان وعمق الهوية العربية الإسلامية التي تقدم الحفاظ على النفس البشرية على أية مصلحة أخرى كيفما كانت مهما علا شأنها اقتصادية أم سياسية.

رابعا- الكلفة الثقافية وانعكاساتها  الاقتصادية:

في كتابه القيم “أسطورة الإطار”، أشار كارل بوبر إلى أن أصل النهضة الصناعية التي عرفتها الشعوب الأوروبية تصورات خاطئة لكنها مفيدة لفرنسيس بيكون (1561-1626) في كتابه “الأراجون الجديد”[15]، فقد وضع أسس تقدم صناعي كبير وثورة في المفاهيم العلمية بسبب ما أسماه “بوبر” الإبستمولوجية التفاؤلية” التي وجهت أوروبا نحو الفعل إيماناً بيقينية الحقائق، وإمكان السيطرة على الطبيعة وتسخير مواردها في فترة وجيزة  بفضل العلم[16]. وقريب من هذا الطرح ما ألمح إليه الفيلسوف “جون سيرل”  بخصوص المؤسسات الاجتماعية وعلى رأسها المجتمع ذاته بوصفها مفاهيم تمثُّلية لا تقوم على العدد أو البنية أو الهيأة وغيرها من الملامح الشكلية بالضرورة، وإنما تُبنى على التصور والفكرة المقترنة بها بواسطة الثقافة واللغة[17]. ومن التصورين معاً، يمكن التأكيد على أن قيمة الواقع لا تكمن بالضرورة في أهميته الحقيقية التي قد يصعب الوصول إليها بل يستحيل أحياناً، وإنما فيما نضفيه عليه اجتماعياً من أفكار حافزة أو حذرة أو مثبطة.

ومن ذلك، تبرز خطورة خسارة الرأسمال الرمزي وتزايد الكلفة الثقافية في التأثير العميق في البنيات الاجتماعية الأخرى سياسية كانت أم اقتصادية. وهذا ما يفسر العلاقات الاقتصادية الوطيدة التي جمعت كل دولة أوروبية بمستعمراتها القديمة، وسعت من خلالها إلى السيطرة على التبادلات التجارية والمشاريع الاقتصادية الكبرى، حيث أدت التبعية الثقافية التي تغذيها هجرة الأدمغة إلى تبعية اقتصادية وسياسية واضحة خاصة أن التمثلات الثقافية من شأنها أن ترهن الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وتحد الفكر لتضع سقفاً وهامشا ضيِّقاً للحركة بدعوى الواقعية.

وبهذا، -لا يمكن بأي حال من الأحوال- اعتبار الخسارة في المجال الثقافي، والنزيف الذي تعاني منه دول شمال أفريقيا على مستوى كفاءاتها الثقافية، خسارةً ضئيلة تمس جوانب تكميلية بعيدة عن الأولويات الاجتماعية، وليس لها كبير تأثير على هذه البلدان مادام النمو الاقتصادي هو الأهم حسب ما تروج له الكثير من المرجعيات الرسمية[18]؛ فمن جهة يصعب قبول فكرة أن هناك فصلاً تاماً بين البنية التحتية الثقافية وبين الوضع الاقتصادي. ومن جهة ثانية، يعتبر التفريط في الطاقات الثقافية والفكرية في العصر الحالي الرقمي حيث هيمنة الصناعة الإبداعية ومجتمع المعرفة خطأً لا يُغتفر بالنظر إلى عواقبه الوخيمة على مجتمعات الانطلاق الفتية، وإلى ما يمكن أن تهدره من فرص ثمينة للتقدم هي في أمس الحاجة إليها. ذلك أن الثقافة كما يعبر عن ذلك الدكتور نبيل علي هي “محور المنظومة المجتمعية، ومصدر الاستدامة، ونبع الإبداع الذي لا ينضب”.[19]

ومن ثم، فإهمالها عن طريق التفريط في الأدمغة بالإهمال ودفعها إلى الهجرة، يمثل إهداراً لفرصٍ نادرة من أجل النهوض بهذه المجتمعات وتطويرها في الحاضر والمستقبل، وتهميش الفعل الثقافي يمكن أن يؤدي إلى كلفة باهظة تؤديها بلدان الانطلاق من تماسك بينيتها الفكرية والمجتمعية، ومن حظوظها في تحقيق الإقلاع الاقتصادي نفسه، و من إمكاناتها لإعداد أرضية صلبة لتنمية عميقة نابعة من ذوات واعية وأفراد ومؤسسات اجتماعية قادرة على تحمل المسؤولية التاريخية في النهوض المتوازن بمختلف القطاعات.

لهذا، يعتبر هذا التهميش”من أهم الأسباب وراء إخفاق مشاريع التنمية”[20] التي عرفها العالم العربي بما فيها بلدان شمال أفريقيا نقط انطلاق الهجرة المكثفة للأدمغة نحو دول الاتحاد الأوروبي. هذا الأخير الذي عمد إلى الاستفادة من المكون الثقافي، وتغذيته بطاقات حملية ووافدة في ظل تعددية تكاملية، وتهيئته على الدوام ليمثل قوةً مُضافة تضمن استمراريته وتحميه من التهديدات الخارجية، حيث ينظر إلى التكامل الثقافي على أنه “درع تقيه تيار الغزو  الثقافي القادم إليه عبر الأطلسي”[21]؛ فقد أدرك أنَّ ” تنوع الثقافات وتعدد اللغات داخل تكتله، هو بمنزلة مصدر استراتيجي للقوة في مواجهة الخصم الأمريكي الذي يرتاب بشدة في كل ما يتعلق بالتنوع الثقافي واللغوي.”[22]

خامسا-الكلفة الثقافية وإمكان التدارك:

إن الوقوف عند مشكلة بعينها في ملف الهجرة المطروح بحدة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، يستدعي تأمل جوهر المشكلة وعواقبها على بلدانٍ في أمس الحاجة إلى قواها وطاقاتها لتحقيق التنمية المنشودة عبر مخططات الإصلاح والتنمية العديدة والتي قلما حققت ما يتطلع إليها مواطنو هذه البلدان. غير أن هذا التأمل لا يمكن أن يكون مجانياً، أو دعوة للتشاؤم بقدر ما  ينبغي أن يحمل طابعا تنبيهياً وتوجيهياً لبداية البحث في الموضوع للمزيد من التدقيق واقتراح بعض الحلول الممكنة في ظل الواقع الراهن، وتطلعات هذه الشعوب والبلدان مستقبلا.

 وبذلك، يقتضي الأمر معالجة تكاملية ذات مستويين أساسيين داخلي وخارجي:

– المستوى الداخلي: يتحقق بتنمية الشعور الوطني، والانتماء الثقافي عبر:

  • التركيز على العناصر الهوياتية من لغة ودين وموروث ثقافي وعادات وطقوس، وترصيدها باعتبارها مُحدِّدات الهوية، ومصادر ثروة ثقافية حقيقية، ورأسمال رمزي يمكن أن يستثمر في التنمية والتوجيه.
  • العمل على تغيير التمثلات الاجتماعية حول الهوية الثقافية عبر منابر عديدة كالقنوات التلفزية والادعاءات وشبكات التواصل الاجتماعي، وتشجيع الإبداع الثقافي والتوعية بأهمية المكون الثقافي، وأبعاده الحضارية الكبرى ، وإبراز التفاوت بين جوهره الأصيل، وبين التمثلات الخاطئة حوله والناجمة عن الفهم غير السوي المبني على حكم متسرع على سلوكات وتصرفات اجتماعية سائدة.
  • توفير فضاءات جاذبة ومحفزة في بلدان الانطلاق تساعد الطاقات المحلية على التفتح وتحقيق الذات الإبداعية خاصة أن “الرغبة في تحقيق الذات الإبداعية هي التي تقود الكفاءة أو المبدع للبحث عن المكان الذي يخرج فيه أفكاره وطاقاته الإبداعية بغض النظر عن أي ظروف أو شروطٍ…”[23]

المستوى الخارجي: يقوم على السعي نحو الاستفادة من الطاقات المهاجرة والأدمغة المغادِرة من خلال:

  • العمل على استقطابها بتوفير فضاءات الاشتغال والإبداع الثقافي في بلدان الانطلاق بما يضمن الإفادة من الخبرات التي راكمتها الطاقات الثقافية والإبداعية في بلدان المهجر.
  • تغيير التصور الرسمي القائم على النظر إلى الحوالات المالية للجالية على أنها المكسب الحقيقي الوحيد لمهاجري بلدان الانطلاق.
  • وضع خطط لرصد الكفاءات الثقافية المهاجرة ومجالات اشتغالها، وكيفية الإفادة منها سواءً في بلدان الاستقبال أو عند عودتها إلى الوطن.
  • دراسة عوامل الاستقطاب والمكاسب التي تحققها هذه الفئة من الكفاءات في دول الاستقبال، والعمل على توفيرها في بلدانها الأصلية “فإن الثمار التي مكن أن تُجنى من النجاح في الانتماء إلى أمة من الأمم هي التي تجذب المهاجرين.”[24]

خاتمة:

وختاماً، فإن قضية هجرة الأدمغة في العصر الراهن تطرح إشكالات كبرى كما أبانت عن ذلك نتائج البحث، فليس الأمر مجرد تصريف الاحتقان الداخلي  نتيجة العجو عن التشغيل، وإنما هو أخطر من ذلك بكثير، حيث إن دول شمال أفريقيا الفتية والمليئة بالطاقات والكفاءات العليا تستنزف بشكل مستمر عبر الهجرة نحو الشمال استنزافاً شمولياً لا يمس النواحي العلمية والتقنية فقط، بل أيضا نواحي التفكير والثقافة. وهنا يخلق الانتقال الجماعي أو الفردي للنخبة المثقفة إلى إحداث شروخ عميقة في بنية هذه المجتمعات وثقافاتها، ويزيد من تكريس التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية أحياناً مُخلِّفة خسائر لا تعوض في جسد ثقافات هذه البلدان مع إغناء واضح لبلدان الشمال.

فلقد أكَّدت نتائج البحث أن هناك تجفيفاً كبيراً لمنابع الثقافة في بلدان مثل: المغرب والجزائر وتونس وليبيا …عبر هذه الهجرات التي تنامت في العقود والسنين الأخيرة، مؤدية إلى مشهدٍ ثقافيّ هجينٍ في معظم هذه البلدان لم تتصدَّ له إلا الجامعات التي ظلت – نظراً للاختلاف الثقافي- بعيدة عن متناول المواطن العادي، وغير قادرة على استقطاب فئات أخرى غبر الباحثين والطلبة الجامعيين.

ومن جهة أخرى، تستفيد بلدان الشمال من هذه الطاقات الوافدة عبر عقود من أجل إنعاش مشهدها الثقافي وردفها بمرجعيات ثقافية متنوعة تسهم في إثراء واقعها الثقافي وإغناء إنتاجاتها الإبداعية والفكرية عن طريق ما يمكن تسميته ب”الامتصاص الثقافي” المستمر إضافة إلى الانبهار والتمثل الاستشراقي للواقع، حيث نجد نماذج كثيرة لمبدعين من دول المغرب العربي قدموا دفعات انتعاش قوية للثقافة والفكر الأوروبيين في أكثر من مجال سواءً منهم من استطاع أن يحقق انتشاراً جماهيرياً أهله للحصول على جوائز مرموقة مثل: الطاهر بن جلون، وليلى السليماني، أم من الذين اندمجوا، في صمت، في النسيج الاجتماعي الثقافي الغربي، وأبدعوا من داخله، وأسهموا في استمراريته وتطوره.

وبالنظر إلى الثقافة والفكر من  زاوية أوسع، حيث لا يظلان عنصران معزولان في تشكيل بنية المجتمع، وإنما يمثلان الأساس الذي عليه تقام السياسات الكبرى والتوجهات العامة، وترسم خرائط التشكل والتغيير في المجتمعات، فإن الخسارة تصبح مضاعفة على دول الجنوب، والتكلفة باهظة يصعب حصر امتدادها وحدود تأثيرها السلبي إلا بالقدر الذي نتلمس جوانبها الإيجابية وانعكاساتها القوية على ثقافات واقتصاديات دول الشمال، واستمرارية النموذج الغربي المهيمن بوصفه مركزية كبرى وقطباً وحيداً للتقدم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي.

ومن هنا، يصبح الحديث عن هجرة المثقفين والمفكرين المغاربيين سواءً في مراحل النضج أو طور التشكل، عملية استنزاف خطيرة لمخزون ثقافي مهم، كان من شأنه أن يسهم في تطوير مجتمعات في تطوير مجتمعات بلدان الشمال من جهة، وهي من جهة أخرى دليل على استمرار التفاوت الكبير بين ضفتي المتوسط بين منطقة جدب غنية، ومن المفروض أنها تزداد غنى، وبين منطقة ضعيفة منهكة طاردة  تزداد ضعفا بفقدها المطرد لطاقات جاهزة أو في طور التشكل، فيتحقق نوعً من التوازن اللا متكافئ بين نزيف وامتصاص ثقافيين يقعان في حدود البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والشمالية.

 بيد أن الأخطر من هذا هو عدم أخذ الجهات المسؤولة في بلدان الشمال الأفريقي الأمرَ على محمل الجد خاصة عندما يتعلق الأمر في الظاهر بالثقافة التي قلًّما يُنظر إليها من زاوية الأولويات المجتمعية والاقتصادية وإن كانت لها على المدى المتوسط والطويل انعكاسات خطيرة مُدمِّرة لبنيات المجتمع العميقة من تراث وفكر وهويات مجتمعية مُحدِّدة  لتكرس بشكل أو بآخر التبعية الثقافية التي تخدم بدورها التبعية الاقتصادية والسياسية، وتمرر خطاباً تيئيسياً وعدمياً في مختلف فئات المجتمع وشرائحه، وتقود إلى ممارسات سياسية ومجتمعية هشة غير مؤسسة وإن اتسمت ببعض المظاهر المعاصرة كالفعل الديمقراطي والانتخابي على سبيل المثال لا الحصر.

لائحة المصادر والمراجع:

أولا- باللغة العربية:

  • أسطورة الإطار، في دفاع عن العلم والعقلانية، كارل بوبر، تحرير: مارك أ. نوترنو، ترجمة: يمنى طريف الخولي، عالم المعرفة، ع:292، الكويت، أبريل 2003.
  • الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16-17، محمد رزوق، أفريقيا الشرق، الدارالبيضاء، الطبعة الثالثة، 1998.
  • العقل العربي ومجتمع المعرفة، مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، نبيل علي، الجزء الأول، عالم المعرفة، ع: 369، الكويت، نوفمبر 2009.
  • القاموس المحيط، الفيروز أبادي، تحقيق: أبو الوفا نصر الهوريني، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.
  • حوض البحر الأبيض المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة، دراسة في الرهانات والأهداف، مصطفى بخوش، دار الفجر للتوزيع والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006.
  • علم الاجتماع (مع مدخلات عربية)، أنتوني غدنز، ترجمة وتقديم: فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005.
  • لسان العرب، ابن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت.2000.
  • نزيف العقل العربي، رؤية في هجرة الكفاءات العربية، عزت السيد أحمد، دار العالم العربي للنشر، عمان-الأردن، الطبعة الأولى، 2016.
  • هجرة الأندلسيين إلى بلاد المغرب الأوسط خلال القرن 13 ودورهم الثقافي، عمارة سيدي محمد، بحث لنيل الماجستير في التاريخ والحضارة الإسلامية تحت إشراف الدكتور محمد بن معمر، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية، جامعة وهران، نوقش أبريل 2014.
  • الهجرة، كيف تؤثر في عالمنا؟، بول كوليير، ترجمة: مصطفى ناصر، عالم المعرفة، ع: 439، الكويت، أغسطس 2016.

ثانيا- باللغات الأجنبية:

  • Brock Gillan and Blake Michael, Debating Brain Drain, May Governments restric Emigration?, OXFORD University Press, Oxford, 2015.
  • McLeod John, Begining Postcolonial, Manchester University Press, Manchester, 2000.
  • Said W. Edward, Orientlism, Coll Classics, Penguin Group, New York, 2003.

 

 

ثالثا- المواقع:

  • https://www.canada.ca/fr/immigration-refugies-citoyennete/services/immigrer-canada.html
  • https://www.diplomatie.gouv.fr/fr/politique-etrangere-de-la-france/diplomatie-culturelle/le-reseau-culturel-francais-a-l-etranger/

[1] – لسان العرب، ابن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، 2000، مادة (ه ج ر).

[2] –  القاموس المحيط، الفيروز أبادي، تحقيق: أبو الوفا نصر الهوريني، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007،  مادة (ه.ج.ر).

[3] – علم الاجتماع (مع مدخلات عربية)، أنتوني غدنز، ترجمة وتقديم: فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص: 333.

[4] – حوض البحر الأبيض المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة، دراسة في الرهانات والأهداف، مصطفى بخوش، دار الفجر للتوزيع والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص: 54.

[5] – تمثل هذه الهجرات القديمة نموذجا تاريخياً ملموساً على دور المهاجرين في إغناء ثقافات البلدان المستقبلة. ينظر في ذلك على سبيل المثال لا الحصر :

– الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16-17، محمد رزوق، أفريقيا الشرق، الدارالبيضاء، الطبعة الثالثة، 1998، صص: 129-136.

– هجرة الأندلسيين إلى بلاد المغرب الأوسط خلال القرن 13 ودورهم الثقافي، عمارة سيدي محمد، بحث لنيل الماجستير في التاريخ والحضارة الإسلامية تحت إشراف الدكتور محمد بن معمر، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية، جامعة وهران، نوقش أبريل 2014، صص: 117 – 136.

[6] – عرفت الكثير من دول أوروبا في السنوات الأخيرة أزمات اقتصادية خطيرة دفعت بعضها إلى ما يقارب الإفلاس شأن اليونان سنة… وإيطاليا…. وفرنسا التي عرفت إضرابات متوارترة بسبب السياسة اللاجتماعية التي  تبنتها الحكومات المتعاقبة… ويمكن استثناء بلدان أوروبية قليلة من هذه الفوضى مثل: ألمانيا وبريطانيا التي أصرت على مغادرة الاتحاد الأوروبي حفاظا على اقتصادها من انهيارات دول الاتحاد.

[7] – يحتاج واقع الهجرة ما بعد أزمة كورونا إلى دراسات عميقة أخرى لما ستخلفه هذه الجائحة من ندوب وجراح عميقة بين دول الاقتصاد من جهة، ومن كساد اقتصادي غير مسبوق من جهة ثانية، بيد أننا سنشير إلى وجهة نظر في الموضوع بناء على قراءة الواقع من قبل خبراء الاقتصاد ومفكري الأزمات والمقارنة مع واقع ما بعد الحربين الأولى والثاني مع وجود الفارق الزمني والإبدالات المهيمنة من الصناعة الثقيلة إلى الصناعة الناعمة أو اقتصاد المعرفة.

[8] – Brock Gillan and Blake Michael, Debating Brain Drain, May Governments restric Emigration?, OXFORD University Press, Oxford, 2015, p:28.

[9] – Voir:

– https://www.canada.ca/fr/immigration-refugies-citoyennete/services/immigrer-canada.html

[10] – Said W. Edward, Orientlism, PENGUIN CLASSICS, Penguin Group, New York, 2003, p: 72.

[11] – McLeod John,  Begining Postcolonial, Manchester University Press, Manchester, 2000, p:225.

[12] – يتجلى هذا المتخيل في تفضيل اللغات الأجنبية اجتماعيا على اللغة العربية، فتميل فئات مثقفة عديدة إلى توجيهها أبنائها إلى إتقان اللغة الأجنبية أكثر من اللغة الرسمية، وسيادة تدريس المواد العلمية في بلدان شمال افريقيا بلغة المستعمر كالفرنسية مثلا بادعاء قدرتها على استيعاب العلوم الحديثة.

[13] – تعد المراكز الثقافية الغربية في بلدان االشمال الأفريقي، مؤسسات لتوسيع دائرة الهيمنة الثقافية، وترسيخ النموذج الغربي في قلب بلدان الشمال الأفريقي. ويشهد على ذلك  كثافة توزيعها حسب لغات الدول المهيمنة أي المستعمِرة سابقاً، حيث تنتشر  المعاهد الفرنسية في المغرب  والجزائر وتونس أكثر من تلك الممثلة للثقافات واللغات الأخرى كالأنجليزية والألمانية والروسية مثلا..

-https://www.diplomatie.gouv.fr/fr/politique-etrangere-de-la-france/diplomatie-culturelle/le-reseau-culturel-francais-a-l-etranger/

[14] – أنظر على سبيل المثال كتاب :

 نزيف العقل العربي، رؤية في هجرة الكفاءات العربية، عزت السيد أحمد، دار العالم العربي للنشر، عمان-الأردن، الطبعة الأولى، 2016، ص: 30.

[15] – أسطورة الإطار، في دفاع عن العلم والعقلانية، كارل بوبر، تحرير: مارك أ. نوترنو، ترجمة: يمنى طريف الخولي، عالم المعرفة، ع:292، الكويت، أبريل 2003، ص: 229.

[16] – المرجع نفسه، ص: 229.

[17] – العقل واللغة والمجتمع، الفلسفة في العالم الواقعي، جون سيرل، ترجمة وتقديم صلاح إسماعيل، منشورات المركز القومي للترجمة، ع: 1812، القاهرة،  الطبعة الأولى، 2011، ص: 148.

[18] – على سبيل المثال، تشير الكثير من الوثائق الرسمية في بلدان الانطلاق إلى العوائد المالية السنوية من تحويلات جالياتها في الخارج فقط، دون أن تناقش عمق الفرص المُهدرة بسبب الكم الهائل من الأدمغة المغادرة، والتي تضع  طاقاتها وقدراتها الإنتاجية والإبداعية تحت رهن إشارة بلدان الاستقبال.

[19] – العقل العربي ومجتمع المعرفة، مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، نبيل علي، الجزء الأول، عالم المعرفة، ع: 369، الكويت، نوفمبر 2009، ص: 39.

[20] – المرجع نفسه ، ص: 37.

[21]-  المرجع نفسه،   ص: 39.

[22] – العقل العربي ومجتمع المعرفة، مرجع سابق، ص: 39.

[23]  – نزيف العقل العربي، رؤية في هجرة الكفاءات العربية، مرجع سابق، ص: 136.

[24] – الهجرة، كيف تؤثر في عالمنا؟، بول كوليير، ترجمة: مصطفى ناصر، عالم المعرفة، ع: 439، الكويت، أغسطس 2016، ص: 32.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button