أخبار ومعلومات

هذه هي أسباب انهيار قيمة الدينار

حذّر الخبير المالي والاقتصادي، نبيل جمعة، من الوضعية التي توجد عليها العملة المحلية، لاسيما في ظل تأثيراتها الكبيرة على القدرة الشرائية للمواطنين، بينما اعتبر أن السياسات النقدية السابقة “الخاطئة” هي ما يقف في المقام الأول وراء الانهيار الذي يعاني منه الدينار الجزائري منذ سنوات.

ورجع الخبير المالي، في تصريحه لـ”الخبر”، إلى التوجهات التي تبنتها الدوائر صاحبة القرار من الناحية التاريخية، حين تمت الموافقة والتوقيع على اتفاقية مع منظمة بازل سنة 1983، والمعاهدات مع البنوك المركزية والبنك العالمية وصندوق النقد الدولي، الذي حوّل الدينار من عملة غير قابلة للتخفيض لكونها أحد مقومات السيادة، إلى عملة عائمة تخضع للمؤشرات الاقتصادية.

وأشار نبيل جمعة، في هذا الشأن، إلى أن هذا القرار جعل قيمة العملة الوطنية تخضع لأربعة مؤشرات وأسس معمول بها على الصعيد العالمي، ذكر في مقدمتها الناتج الإجمالي للبلاد. أما الأساس الثاني بالنسبة للجزائر هو سعر البرميل، بالإضافة إلى المؤشرات ذات العلاقة بميزانية المدفوعات والميزان التجاري وما يتعلق بحجم المديونية والعجز، بالإضافة إلى احتياطي الصرف. كما أشار المتحدث إلى إنتاجية الاقتصاد الوطني، لاسيما بالمقارنة مع الدول المتعامل معها الذي اعتبره الأساس الرابع للقيمة العملة.

ومن هذه المنطلقات، عرفت قيمة العملة المحلية خلال العقود الأخيرة تهاويا، على اعتبار أنّ كل المؤشرات كانت في الخانة الحمراء، مشيرا إلى فترة “العشرية السوداء” حين بلغت قيمة الديون 90 في المائة من الإيرادات الوطنية، فضلا عن تراجع سعر النفط، لتسحب كل هذه المعطيات قيمة الدينار الجزائري نحو الأسفل، وممارسة صندوق النقد الدولي الضغط على الجزائر لتخفيض قيمة العملة بحوالي 8.5، يقابل كل واحد دولار 96 دينارا، الأمر الذي سبب الاختلال النقدي والاقتصادي ودفع المؤسسات إلى بيعها بالدينار الرمزي.

وتكرر السيناريو نفسه منذ بداية الأزمة النفطية في جوان 2014 ونزول أسعار البرميل إلى مستويات دنيا، بلغت أقل من 30 دولارا، جاذبة معها قيمة العملة المحلية، وبالتالي انهيارها بهذه الوتيرة المتسارعة، خاصة وأنّ الدينار الجزائري لم يستفد من فترة البحبوحة التي عاشتها البورصة النفطية في سنوات خلت، بلغ خلالها سعر البرميل 140 دولار، وهو الأمر الذي اعتبره نبيل جمعة نقطة استفهام كبيرة، لم تجد جوابا لها إلاّ تحت ذريعة الاستفادة من المداخيل المسعرة بالدولار، وتحقيق هامش أفضل عند تحويله إلى العملة المحلية، على الرغم من أنّه قال إنّ هذا الأمر سرعان ما ينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين وكل ما ينجر عنها من إسقاطات على الصعيد الاجتماعي والسياسي كذلك.

سقوط حر للدينار يهدد القدرة الشرائية للمواطنين

على غرار الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته، عانت قيمة الدينار الجزائري على مدار السنوات العشر الماضية من ضغوط كبيرة جعلها تتهاوى في سقوط حر، عرفت خلاله مستويات دنيا قياسية لم تسجلها بهذه الوتيرة من قبل، لتحول العملة الوطنية إلى الأضعف على المستوى المغاربي، ناهيك عن العربي، ساحبة معها القدرة الشرائية للمواطنين إلى قيم من شأنها أن تضيف فئة جديدة إلى شريحة من هم دون خط الفقر.

وعلى هذا الأساس، فإن إسقاطات انهيار سعر برميل النفط منذ أزيد من 7 سنوات (بداية من جوان 2014)، لم تقف عند حد التأثير على حجم المداخيل الوطنية من صادرات المحروقات، وما ينجر عنها من اختلال في التوازنات العامة وعجز في الميزان التجاري، وبالتالي عدم القدرة على تغطية النفقات العمومية، بل امتدت لتجعل قيمة العملة الوطنية على المحك، تجلى ذلك في التراجع “المقلق” لقيمة الدينار في مقابل أهم العملات العالمية والعربية على حد سواء، وعلى مستوى السوق الصرف الرسمية والتعاملات الموازية أيضا، لاسيما في ظل الهشاشة المعروفة للاقتصاد الوطني الأحادي، القائم على مورد واحد يستحيل التحكم فيه، وهو برميل النفط.

وتشير تبريرات الوضع المالي والنقدي إلى كون الوتيرة المتسارعة بتراجع قيمة الدينار الجزائري مقابل العملة الأوروبية الموحدة في السوق الموازية من 110 في 2010 إلى ما يزيد عن 210 سنة 2021، إلى تبعات الذوبان المستمر لاحتياطي الصرف الوطني من 189 مليار دولار في جوان 2010 إلى 44 مليار دولار، لكون العلاقة وطيدة ومباشرة بين حجم احتياطات الصرف لأي بلد وقيمة عملتها، خاصة في حالة الاقتصاد الوطني الذي يفتقد للحركية والإنتاج في القطاعات الخالقة للثروة، على غرار الفلاحة، والصناعة، والسياحة والخدمات.

ولعلّ قيمة الدينار لا تزال تدفع فاتورة أخطاء سياسات انتهجتها حكومات سابقة، كما هو الشأن بالنسبة للتوجه الذي تبنته حكومة أحمد أويحيى حين قررت تفعيل التمويل غير التقليدي، عبر الاستنجاد بخطوة طباعة النقود دون مقابل في الإنتاج أو في الخدمات، على الرغم من أصوات الخبراء والمختصين في الشأن المالي التي تعالت، محذرة من تأثيرات ذلك على المدى المتوسط والبعيد، على قيمة العملة الوطنية دون أن تجد آذانا صاغية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى