هل تقود جريمة شرعنة الاستيطان إلى عزلة أمريكا؟

بقلم: أحمد طه الغندور.

23/11/2019.

تُرى هل كانت “إدارة ترامب” مدركة للعواقب التي قد تنشأ نتيجة الإعلان الذي صرح به وزير الخارجية “مايك بومبيو” الإثنين الماضي بأن؛ “إنشاء مستوطنات لمدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي”؟!

هل فات هذه الإدارة “الدرس المستفاد” من إعلانها “القدس عاصمة للاحتلال”، ونقلها سفارتها من “تل أبيب” إلى ” شرقي القدس “؟

هل يعني ذلك أن “الإدارة الأمريكية” قادرة على تجاهل “الموقف الدولي الحازم” الذي أكد على رفض هذه السياسات التي تخالف مبادئ القانون الدولي، والقرارات الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن الدولي؟

ربما يصدق الظن أن “بومبيو” يريد أن يستشعر نفسه في مكانة “اللورد بلفور” صاحب التصريح الشهير بإنشاء “وطن قومي لليهود” على تراب فلسطين؟!

لكن “بلفور” ـ بالرغم من بشاعة جريمته ـ لم يكن في ذلك الوقت ينأى بنفسه عن “رئيسه” الذي تجري في حقه “إجراءات للإقالة” في الكونغرس، كم أنه لم يسعَ إلى “تجنيد الأصوات” من “اللوبي الصهيوني” و “الصهيونية المسيحية” لدعمه في خوض الانتخابات الأمريكية القادمة!

بل إن “بلفور” لم يحاول أن يمد “حبل نجاة” لـ “رئيس وزراء” صدرت في حقه أكثر من لائحة اتهام، كي يفلت من العقاب!

أو أن يحاول التشويش على العدالة الدولية في أبسط صورها، من خلال التصدي لقرار “محكمة العدل الأوروبية” الأسبوع الماضي والقاضي بضرورة وسم البضائع والمنتجات الصادرة من “المستوطنات الإسرائيلية” إلى دول الاتحاد الأوروبي!

“بومبيو” الذي يمشي على الحبال، وبالتحريض الكامل من “المستوطن دافيد فريدمان” ـ السفير الأمريكي لدى الاحتلال ـ عمد إلى إلغاء الرأي القانوني “الصائب والأخلاقي” الذي سطره المستشار القانوني للخارجية “هربرت هانسيل” في العام 1987 والذي ينص على: “أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية على أراض فلسطينية تتعارض مع القانون الدولي وذلك بالاستناد إلى المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ التي تنص على أنه لا يحق لأي قوة احتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”.

ووجد ضالته في رأي ٍ أخر كتبه محامٍ أمريكي، هو “يوجين روستوف”، والذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية سنة 1967، والذي حدد بأن “اليهود الذين يستوطنون في تل أبيب يتمتعون بنفس الحقوق القانونية للاستيطان في الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” خلال حرب الأيام الستة”.

وحجته في ذلك؛ “إن قراري مجلس الأمن رقم (242) و (338) يستندان إلى مبدأين، أولهما أنه يحق لـ “إسرائيل” أن تدير هذه المناطق حتى يتوصل جيرانها العرب إلى سلام معها: وعندما يتم التوصل إلى السلام، بينما الثاني، أنه ينبغي على “إسرائيل” أن تنسحب إلى “حدود آمنة ومعترف بها”، لا يُشترط بالضرورة أن تكون مماثلة لخطوط اتفاقيات الهدنة من عام 1949.”

من ذلك يمكننا أن نستنج أن “بومبيو” لا يقصد أن يحث “تل أبيب” على إنهاء احتلالها وإعادة الأرض الفلسطينية لأصحابها؛ خاصةً وأن هناك اتفاقيات سلام عُقدت مع ” أصحاب الأرض ” ومع ” الوصي القانوني ” عليها وقت احتلالها، وأنه يود تذكير “الاحتلال” بأنه ممكن تدمير “المستعمرات الاستيطانية” المخالفة للقانون الدولي كما حدث حينما انسحب الاحتلال من ” سيناء ” المصرية بموجب اتفاقيات “كامب دايفيد” في 25 أبريل 1982، وكما حدث في الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة في 15 سبتمبر 2005.

إذن ما يقصده “وزير الخارجية” بدعم من إدارته ـ وخاصة من “فريدمان” هو دعم العدوان واستمراره على الشعب الفلسطيني، و “شرعنة الاستيطان” المخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني السابق الإشارة اليها، والمخالفة الصريحة لميثاق روما للعام 1998 والقانون الجنائي الدولي، وصولا إلى الانتهاكات الصريحة لقواعد حقوق الإنسان!

وعلى الرغم من فداحة هذه الجرائم على الواقع الفلسطيني، إلا أن هذا “التصريح” الغير مدروس له عقباته على الساحتين؛ الأمريكية الداخلية، والدولية!

على الساحة الداخلية، لقد استشعر أعضاء “الكونجرس” الخطورة الناتجة عن هذا التصريح الذي يمس بمصالح أمريكا ومكانتها على الساحة الدولية، نتيجة المخالفات السابق الإشارة اليها، فعمدوا إلى حملة توقيعات داخل الكونجرس تطالب وزير الخارجية بالتراجع عن تصريحه، فلا يمكن للولايات الأمريكية ـ مهما كانت قواتها ومكانتها ـ أن تتجاوز عقبات هذا القرار؛ الذي يعتبر فرصة لبعض القوى في العالم لاعتباره “سابقة “يمكن تطبقها على مناطق أخرى في العالم، مثل “القرم” أو “التبت” وغيرها، وهذا ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة!

أما على المستوى الدولي فإن “الخارجية الأمريكية” تعتبر هذه الأيام في أسوء حالاتها، وأقرب دليل على ذلك وضع “الولايات المتحدة” في “المنظمات الدولية” حيث باتت تفقد حلفائها التقليدين، الذين لا يخرجوا عن رغبتها في القضايا الدولية، فلم يعد “التصويت” في المنظمات الدولية بما “يراه المندوب الأمريكي”، وأصبحت الدول تصف التصرفات الأمريكية بأنها؛ “تصرفات أحادية الجانب”، بل وتعارضها بشكل واضح وصريح!

لذلك؛ فإنني أتوقع:

أولاً: ـ أن يفشل التحريض الأمريكي على “شرعنة الاستيطان”، والدعوة إلى ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لـ “الكيان الاحتلالي” لأنه على جميع المستويات ليس بمصلحة هذا “الكيان”.

ثانياً: ـ فشل “ناتنياهو” في البقاء في السلطة، وقد يكون السجن مصيره في نهاية المطاف رغم الدعم المنقطع النظير من هذه الإدارة الأمريكية “المخالفة للقانون الدولي”.

ثالثاً وأخيراً: ـ أن تزيد العزلة الدولية للإدارة الأمريكية، وخروج العديد من دول “المحور الأمريكي” من تحت عبأتها، مما يعني مزيداً من الدعم لفلسطين وحقوقها العادلة.

وإن كان هناك من كلمة تقال للسيد “بومبيو”، فهي أتنبه ـ زمن أول حول ـ!

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button