دراسات سوسيولوجية

وسائل الاتصال وقوة المجتمع

اعداد : سيماء علي مهدي- العراق  2020م   

 جامعة بغداد/ كلية العلوم السياسية – الدراسات العليا/ الدكتوراه

  

المقدمة

يشهد العالم اليوم طفرة نوعية في مجال التكنلوجيا ساهمت بشكل كبير في تعزيز الكفاءات والقدرات البشرية ونقلها الى مرحلة متقدمة في تحديث وتنمية القدرات وتوسيع المدارك الذهنية للأفراد بسبب حجم المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنيت من اجمالي البيانات التي تحتفظ بها شركات التخزين الكبرى عبر الانترنيت Google و Amazon و Microsoft و Facebook. وتشير تقارير شركة كوكل حول اجراء 5 مليار عملية بحث في اليوم الواحد, ويمكننا تخيل ما احدثته ذلك الكم الهائل من المعلومات من تغير في الهندسة الاجتماعية وتغيير في البناء المفاهيمي للفرد.

وتدخل التقنية الرقمية في مجال التربية والمهارات بشكل متزايد فقد اصبحت التكنولوجيا تستخدم تدريجيا لتوصيل التربية والمعرفة والمهارات بطرق مبتكرة وجديدة ، ونظرا للاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الرقمية السريعة في اماكن العمل فقد برزت حاجات لمهارات جديدة حيث ساهم التطور في في تحويل التعلم وتطوير المهارات الى عملية تستمر مدى الحياة . وبالفعل يتحتم على الناس في الوقت الحالي ان يتواصلوا بل ويطوروا من مهاراتهم وتعليمهم الرقمي ليواكبوا التطورات الحاصلة والابتكارات الجديدة في العالم الرقمي.

ان امتلاك المهارات الرقمية تعد حالة ايجابية للانشطة اليومية مثلا حجز موعد طبيب او طلب خدمة مصرفية ولكن هذا يهم الناشطين الرقميين وليس بالضرورة ان يعبر عن كل المجتمع لانهم ليسوا جميعا مواطنين رقميين.

اولا- مشكلة البحث

تشير الدراسات البحثية السابقة حول وسائل الاتصال ومدى تأثيرها بالمجتمعات المعاصرة , الى إن لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة، فقد أصبحت شهرتها واسعة، وكثر التعامل معها بين الناس؛ حيث يتواصلون عبر هذه المواقع للتعرف على بعضهم ومعرفة أخبار بعضهم البعض، وإرسال رسائل وتلقي الأخبار والموضوعات وكل ما هو جديد في الساحة, وأنه لا يوجد مؤشرات واضحة لتقييم وإدارة مخاطر الثورة المعلوماتية الحديثة، وبالتالي طرح الباحث جملة من التساؤلات يمكن الإجابة عليها في متن البحث منها:

1-ماهية الاتصال الرقمي؟ ومدى تأثيرها بـ(الأسرة والمجتمع والدولة معاً)؟

2-ماهية المواطنة الرقمية؟ وكيفية تعزيزها؟

ثانيا- اهمية الدراسة

 أنَّ الأثر الأكبر لوسائل الاتّصال كان في حقل المعرفة، فقد أصبحت المعارف والمعلومات أكثر انتشاراً وتأثيراً, و بالإمكان أن تنقل أي معلومة من الكرة الأرضيّة في غضون ثوانٍ مَعدودة، أو دقائق على أبعد تقدير, وبسبب الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت أصبح من المُمكن تلقِّي الدّروس والمُحاضرات التعليميّة، وتعلُّم أيَّة مَهارة دون أن يضطرّ طالب العلم لدفع المبالغ الباهظة لأجل هذه الغاية ومن المُمكن الانتساب إلى الكليَّات والمعاهد الجامعيّة دون أن يُضطرَّ الطّالب إلى الذّهاب بشكل يوميٍّ أو شبه يوميٍّ إليها.

ثالثا- هيكلية الدراسة

    تقسم الدراسة من ستة محاور متعددة فضلا عن مقدمة وخاتمة، تبدا من المحور الاول (الاطار نظري لوسائل الاتصال وقوة المجتمع)، اما المحور الثاني (اثر التقنية الرقيمة على المجتمع)، وتضمن المحور الثالث (الاثار الايجابية والسلبية للتكنولوجيا على المجتمع)، والمحور الرابع فحمل عنوان (دور التقنية الرقمية في تنمية المهارات البشرية). أما المحور الخامس فتضمن (تأثير التقنية الرقمية على الوعي السياسي والاجتماعي). أما المحور السادس فكان(أثر التقنية الرقمية في تقبل التغيير من خلال تبني الأفكار الجديدة)

المبحث الاول: الاطار النظري لوسائل الاتصال وقوة المجتمع

يحتل التّواصل أهميّة كبيرة في تطوّر المُجتمع ونموّه، فيُعتبر بمثابة حجر الأساس الّذي ساهم في انتقال البشر من مرحلة تنمويّة إلى أخرى منذ وجودهم على سطح الأرض وحتّى يومنا هذا؛ ويعود ذلك لإدراك البشر لأهميّة عمليّة الاتّصال فيما بينهم وتشكيل الرّوابط الاجتماعية. وسوف نتناول في هذا المحور ثلاث فقرات وهي:

المحور الاول: التأصيل المفاهيمي للأتصال الرقمي

أولاً/ مفهوم نشأة وسائل التواصل الاجتماعي وانواعها:

  • مفهوم الاتصال الرقمي: الاتصال: هو عملية تبادل الأفكار والآراء التي تتضمن الصور أو الكلمات أو الرموز، وكلمة اتصال communication اُشتقت من الكلمة اللاتينية Communes وتعني شائعا أو مألوفا، لذا فإن كلمة اتصال كلمة تعني الانتشار أو الشيوع عن طريق انتقال المعلومات والأفكار، أو الآراء أو الاتجاهات من شخص إلى عدة أشخاص، أو من جماعة إلى جماعات أخرى ولكن في اللغة العربية تعني كلمة “اتصال” مشتقة من الجذر “وصل” و التي تحمل معنيين: الأول إيجاد علاقة من نوع معين تربط طرفين : كائنين أو شخصين، أما الثاني فهو بمعنى البلوغ و الانتهاء إلى غاية معينة. إذن فالاتصال في اللغة العربية هو الصلة و العلاقة و البلوغ إلى هدف معين([1]).

       ويُعرف الاتصال على أنه عملية يتم من خلالها إيصال معلومات أيا كان نوعها وشكلها من أي عضو من أعضاء الوحدة الإدارية الواحدة إلى أي عضو آخر يُقصد به التغيير. أما كولي فيعرفه على أنه ذلك الميكانيزم الذي يتم من خلاله بناء علاقة إنسانية تنمو وتطور الرموز العقلية والفكرية بواسطة وسائل نشر هذه الرموز عبر المكان واستمرارها عبر الزمان، وتتضمن هذه الرموز تغييرات الوجه والإيحاءات ونبرات الصوت والكلمات([2]).

     أما مفهوم الاتصال الرقمي يطلق مُصطلح الثورة الرقمية على العصر الحالي وذلك بعد أن تم الاندماج بين تكنولوجيا المعلوماتيات والاتصال، وتعني كلمة رقمي من الناحية التقنية أن الحروف والصور والأصوات يتم تحويلها إلى بيانات رقمية: آحاد وأصفار، ويمكن تخزينها ومعالجتها وإرسالها بواسطة أجهزة الحاسوب([3]).  أما “كونتز”  فقد عرف “فنّ الاتصال” على أنه إرسال وتحويل للمعلومات من المرسل إلى المستقبل مع ضرورة فهم المعلومات من قبل المستقبل ( المستلم)([4]).

  • نشأة وسائل التواصل الاجتماعي وانواعها:

    بدأت وسائل التواصل الاجتماعي مع بدء ظهور الهاتف منذ عام 1950م، حيث ظهرت مجموعة (phone phreak)، والتي استغلت نظام الهاتف وكيفية التسلل إليه، وبسبب ارتفاع تكلفة إجراء مكالمة هاتفية، قاموا باختراق خطوط الهاتف لإجراء وعقد المجموعات الافتراضية, وفي  فترة السبعينيات والثمانينيات ظهر شكل جديد من وسائل التواصل الاجتماعي في السبعينات، وأطلق عليه (BBS) أو “نظام لوحة الإعلانات” بالإنجليزية ( bulletin board system)، ومنذ بداية ظهورها كانت عبارة عن خوادم صغيرة تعمل بالطاقة عبر جهاز حاسوب شخصي متصل بمودم هاتف، واعتُبر عملها شبيهاً بعمل المدوّنات والمنتديات حاليّاً، حيث تُمكّن المستخدمين من المشاركة في المناقشات، والألعاب عبر الإنترنت، وتحميل الملفات وتنزيلها، وبما أنّ الحاسوب كان حجمه كبيراً ومكلفاً وبطيئاً وغير فعال، أدى ذلك إلى التقليل من عدد المستخدمين الذين شاركوا في هذا النظام, ومن الجدير بالذكر أنه في أوائل السبعينات ظهرت برامج البريد الإلكتروني والدردشة، بينما لم يظهر أي برامج غيرها، وتم إنشاء نظام اليوزنت “نظام المستخدمين” (بالإنجليزية:USENET) عام 1979م، وهو نظام أُستخدم للمراسلة بين جامعتي ديوك (بالإنجليزية: Duke University) ونورث كارولينا (بالإنجليزية: University of North Carolina)، ومن ثم تم استخدامها من قبل الجامعات والوكالات الحكومية الأخرى، وقد سمح موقع اليوزنت للمستخدمين بنشر وتلقي الرسائل داخل مجموعات أُطلق عليها اسم “مجموعة الأخبار” (بالإنجليزية: newsgroups)، وقد نمت هذه المجموعات خلال فترة الثمانينات، ولم تكن هناك أي اتفاقية معيارية لتسمية هذه المجموعات، مما سبب ارتباكاً لأن عددها ارتفع، وفي عام 1987م، نفذ العديد من مطوري اليوسنت تغييرات في هذه المجموعات ليحولوها إلى تسلسلات هرمية واسعة لتشمل الأخبار، والأحاديث، والمنوعات المختلفة([5]).

    أما فترة التسعينيات أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر انتشاراً ، أي عند ظهور شبكة الويب العالمية، وانتشارها بين الجماهير، ومن أول المحاولات لانخراط المواقع في الثقافات المنتشرة هي موقع (Compuserve) وموقع (Prodigy)، ولكنها كانت بطيئة ومكلفة، ومن ثم مع انتشار الإنترنت وتوافر الخدمات الإلكترونية بدأ انتشار أنظمة الدردشة بين المستخدمين مثل نظام (AOL)، وبعدها ظهر موقع (Napster)، الذي ساهم في تسهيل تبادل المعلومات والموسيقى المجانية عبر الإنترنت، وأصبح هذا الموقع المصدر الرئيسي لتوزيع وسائل الإعلام. تم إطلاق متصفح موزايك ويب بالإنجليزية (Mosaic Web) عام 1993م، وتم دمج نظام هذا المتصفح مع واجهة جرافيكية بالإنجليزية (graphical interface) التي تسهل الاستخدام بشكل كبير، ومن ثم ساعدت بنية شبكة الويب العالمية بالإنجليزية (World Wide Web) في التنقل من موقع إلى آخر بنقرة واحدة، حيث ساعدت السرعة الكبيرة للإنترنت على الوصول إلى محتوى الوسائط المتعددة. تم تأسيس أول الشبكات الاجتماعية التي تعتمد على تقنية الويب وهي موقع كلاسميت (Classmates.com)، وموقع سيكس ديجريز (SixDegrees.com)، حيث أقامت شركة كلاسميت منذ تأسيسها عام 1995م حملةً إعلانيةً لجذب متصفحي الويب إلى مواقعها، واستند مفهوم شبكتها على العلاقة القائمة ما بين أعضاء المدرسة الثانوية وخريجي الجامعات وأماكن العمل وفروع القوات المسلحة، بينما أنشأت شركة سيكس ديجريز أول موقع تواصل اجتماعي حقيقي عام 1997م، حيث شمل هذا الموقع العديد من الميزات مثل تمكين الأعضاء من إنشاء ملف تعريف شخصي، وإنشاء قائمة الأصدقاء والاتصال بهم من خلال الرسائل وتمكّن هذا الموقع من جذب ثلاثة ملايين مستخدم بحلول عام 2000م ولكن الإيرادات لم تكن عالية وانهار ([6]).

   أما في القرن الواحد والعشرين تم إنشاء موقع فريندستر (بالإنجليزية:Friendster) عام 2002م، ويهدف هذا الموقع للتنافس مع خدمات المواعدة الشهيرة القائمة على رسوم الاشتراك مثل موقع ماتش (بالإنجليزية:Match.com). وتم إطلاق موقع فيسبوك (Facebook) والذي استولى على صيغة عمل موقع كلاسميت، واعتبر موقع فيسبوك منذ إطلاقه عام 2004م شبكة مفتوحة لجميع طلاب الجامعات والمدارس الثانوية بديلاً عن موقع (MySpace) مع ملايين المستخدمين. ومن ثم تم إنشاء موقع (MySpace) في عام 2003م، وركز هذا الموقع على الفئة الشابة، وأصبح مكاناً للتواصل بين فنّاني الروك والمعجبين، وامتلك هذا الموقع بنية داعمة لها لمساعدته على النمو، مما ساعد في انضمام ملايين المتصفحين إليه، ولكن في عام 2005م، قامت شركة نيوز كوربشن (News Corporation Ltd) بشراء موقع (MySpace)، وبسبب انتشار هذا الموقع بدأت السلطات القانوينة بالتدقيق إزاء التفاعلات غير السليمة ما بين البالغين والقاصرين([7]).

  أنواع وسائل التواصل الاجتماعي كثيره منها([8]):

1- Twitter وهو أشهرها عالميا وينبعي بالمناسبة تعريف موجز له تويتر ( (Twitter) تويتر هو وسيلة تواصل اجتماعي لا يقل أهمية عن الفيس بوك ويعتبر المنافس الأكبر له ، أسس عام ۲۰۰5 م عندما أقدمت شركة  Obvious الأمريكية على إجراء بحث تطويري لخدمة التدوين المسعر ، ويسمح فيه للمغرّدين إرسال رسائل نصية قصيرة لا تتعدى ( 140 ) حرفا للرسالة الواحدة.

2- موقع الفيسبوك : Facebook ) : وهو أشهرها ، أنشئ عام ۲۰۰4 م على يد ” مارك زوكربرغ ” (

4- الواتس آب : ( WhatsApp ) ، هو تطبيق تراسل فوري ، محتكر ، ومتعدد المنصات للهواتف الذكية ويمكن بالإضافة إلى الرسائل الأساسية للمستخدمين ، إرسال الصور ، والرسائل الصوتية ، والفيديو والوسائط . وقد تأسس في عام ۲۰۰۹ م على يد الأمريكي ( بيان أكتون ) والأوكراني ( جان كوم ) ، وقد قامت شركة الفيس بوك بشراء الواتس اب في 19 فبراير من العام ۲۰۱4 م مبلغ 14 مليار دولار أمريكي.

 5- إنستغرام ( Instagram ) هو تطبيق مجاني لتبادل الصور ، وشبكة اجتماعية أيضا ، أطلق في أكتوبر عام ۲۰۱۰ م ، يتيح للمستخدمين التقاط صورة ، وإضافة فلتر رقمي إليها ، ومن ثم مشاركتها في مجموعة متنوعة من خدمات الشبكات الاجتماعية ، وشبكة إنستغرام نفسها  وفي الثاني عشر من أبريل من عام ۲۰۱۲ م ، استحوذت شركة فيس بوك عليه بصفقة بلغت مليار دولار نقدا.

6- اليوتيوب ( YouTube ) : أسسه في 14 فبرابر مسنة ۲۰۰۵ م ثلاثة موظفين سابقين من شركة باي بال ( Pay Pal ) هم : تشاد هيرلي ، وستيف تشي ، وجاوبا كرم في كاليفورنيا ، ويستخدم تقنية الأدوبي فلاش لعرض المقاطع المتحركة، ومحتوى الموقع يتنوع بين مقاطع الأفلام ، والتلفزيون ، والموسيقى، والفيديو المنتج . وهو حالياً مزود ب 17 موظف.

ثانيا_ المواطنة الرقمية مفهومها ونشأتها:

  • مفهوم المواطنة الرقمية: يشير المصطلح المواطنة الرقمية إلى مدى انخراط المواطن أو المستخدم وانسجامه مع مجتمعٍ رقمي ما، بالإضافةِ إلى الالتزام بالقوانين والأنظمة المفروضة في مجتمعٍ رقميٍ ما واستشعار الرقابة الذاتية لتحقيق الترابط بين أفراد المجتمع، بحيث يكون المستخدم في هذا النوع من المجتمعات المستحدثة خاضعًا للعديد من الإجراءات والأنماط والقوانين التي تتطلب منه التفاعل بشكلٍ إيجابي مع بيئة المحتوى الرقمي؛ ويأتي ذلك في مساعٍ للارتقاء بالمجتمع وتطويره أكثر فأكثر يشار إلى أن المواطنة الرقمية لا تختلف عن المواطنة التقليدية، فكلاهما تتطلبان الانتماء للمجتمع وتحقيق أهدافه والالتزام بقوانينه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فيصبح المواطن ذا حقوق وواجبات في آن واحد في المجتمع الرقمي([9]).

    وتعرف كذلك بأنها: مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن. المواطنة الرقمية باختصار هي توجيه وحماية، توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها. أو باختصار أكبر هي التعامل الذكي مع التكنولوجيا.([10])

  أما المواطن الرقمي ذلك الانسان الذي ولد خلال نشأة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم فهذا المصطلح يركز على الأشخاص الذين نشئوا مع التكنولوجيا التي انتشرت في الجزء الأخير من القرن العشرين واستمرت بالتطور حتى يومنا هذا، فهو ذلك الشخص الذي يفهم قيمة التكنولوجيا الرقمية ويستخدمها للبحث والسعي لإيجاد فرص ينفذها ويكون لها تأثير([11]).

ويعرف المواطن الرقمي بأنه المواطن الذي يستخدم الانترنيت بشكل منتظم وفعال مصطلحات الشخص الرقمي أو الإنسان الرقمي أصبحت ديكورا يميز الكتابات الحديثة التي تتناول تعامل الأفراد في مجتمع الثورة الإلكترونية أو الرقمية أو ما يسمى أحيانا بالوطن الرقمي، فإذا كان مصطلح المواطن الرقمي يشير إلى المستخدمين لتكنولوجيا المعلومات، فإن الوطن الرقمي يشير إلى التأثير الكبير الذي أحدثته تكنولوجيا المعلومات على الحياة البشرية، فهي لم تدع أي مجال إلا اقتحمته وبسطت نفوذها وسيطرتها عليه، فأنتجت ما يسمى بـالإنسان الرقمي الذي تتمحور حياته كلها حول تكنولوجيا المعلومات([12]).

ومما تقدم يمكن تعريف للمواطنة الرقمية بأنها: الانتماء الى مجتمع افتراضي بما يضمن ذلك من حقوق الأفراد وواجبات ومسؤوليات تقع عليهم تجاه هذا المجتمع، والمشاركة الفاعلة فيه. وتتكون المواطنة الرقمية من عدة عناصر وهي([13]):

1- الوعى بالعالم الرقمي ومكوناته

2- امتلاك المهارات اللازمة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال

3- المشاركة السياسية والاقتصادية والتفافية في البيئة الرقمية.

4- إتباع قواعد الأخلاقية والتي تشير الى السلوك المسؤول على شبكة الانترنيت

5- احترام حقوق الفرد الرقمية وما يقابلها من مسؤوليات والتزامات.

  • نشأة المواطنة الرقمية:

       عرف مصطلح المواطنة في اليونان القديمة عندما كانت الولايات المستقلة بها تحكم من خلال المواطنين أنفسهم فالحكم الذاتي كان حقاً تكفله الدولة لكافة المواطنين، وشهدت المواطنة اهتماما كبيراً في روما القديمة خاصة عندما تم توسيع حدود الإمبراطورية وظهور الحاجة للاستعانة بالمواطنين في إدارة المناطق الجديدة كما كان لثورات الفرنسية والامريكية دور ملحوظ في نشر فكرة المواطنة بالدول المستعمرة في خلال فترة التسعينات ومع التأكيد في كافة المحافل القومية والدولية على مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة، أضحت المواطنة من أكثر الموضوعات التي تحظى باهتمام عالمي ومع نهاية الألفية الثانية بدأت المجتمعات في التحول نحو العصر الرقمي، وما تميز به من تطور مذهل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي أثرت عمى مختلف نواحي الحياة، وان تحول المواطن العادي إلى مواطن رقمي قد بدأ في القرن الحادي والعشرين عندما اتجه مفهوم المواطنة نحو العالمية وذلك مع انتشار مفهوم القرية العالمية([14]).

ومن خلال ذلك ويمكن ايجاز المراحل التي مهدت لظهور مفهوم المواطنة الرقمية باختصار فيما يلي([15])

1- ان مصطلح المواطنة الرقمية ليس بالجديد، وتعاظم دور هذا المصطلح في كافة المجتمعات منذ عهد المجتمعات اليونانية القديمة، والرومانية والثورات الأمريكية والفرنسية، إذ كان للمواطن في جميع تلك المجتمعات والثورات دور بارز في الحكم والإدارة وتسيير أمور حتى البلاد، وخلال فترة التسعينيات ومع ازدياد التأكيد الدولي على أهمية مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة اصبحت المواطنة الرقمية من أكثر الموضوعات التي تحظى باهتمام عالمي.

2- مع نهاية الألفية الثانية بدأت المجتمعات في التحول العصر الرقمي، وما تميز به من تطور مذهل في تقنية المعلومات والاتصالات، نتج عن التقدم المتسارع في علوم الحاسبات وشبكات الإنترنت والبريد الإلكتروني والهواتف الخلوية والأقمار الصناعية وغيرها من تطبيقات التقنية الرقمية التي أثرت على مختلف مجالات الحياة وغيرت من أساليب ممارسة الأعمال والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات وصارت سلاحاً تستخدمه الأمم المتقدمة تقنياً واقتصادي في التغير في السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية قد أدى إلى فرض مطالب جديدة على الطلاب والمعلمين على حد السواء، فعلى الرغم من اكتساب المهارات الأساسية في القراءة والكتابة لا تزال على درجة من الأهمية إلا أنه يجب على الطالب أن يتقن عدداً من المهارات الجديدة حتى يتمكن من أن يصبح مواطناً عالمياً ناجحاً وأهمها مهارات التعامل مع التقنية والحصول على المعلومات

3- كان هناك مبادرات لدول العالم التي حاولت من خلالها دعم وتطوير البنى التحتية لتكنولوجيا وإدخالها في مختلف المجالات واعادة هيكلة مؤسسات التعليم والتدريب من أجل تنمية قدرات المواطنين في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في انجاز الأعمال والتواصل مع الآخرين والتعبير الحر عن آرائهم ومقترحاتهم

       وهكذا ساهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إيجاد عالم رقمي غيَر من أساليب العمل والتعاملات في المجتمعات وأصبح المواطنون يعيشون ويعملون ويتعاملون ليس فقط في العالم الطبيعي بل أيضاً في عال افتراضي رقمي بلا حواجز، مما أعطى للمواطنة معناً أو  اسما جديد هو(المواطنة الرقمية) إذ اصبحت عالمية في طبيعتها وصار جوهرها هو مساعدة المواطنين على فهم كيف أن التكنولوجيا الرقمية تساعدهم على أن يصبحوا مواطنين عالميين، ولقد مهد ذلك السبيل لظهور مصطلح المواطنة الرقمية.

   يمكن اعتبار المواطن الرقمي ذلك الانسان الذي ولد خلال نشأة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم فهذا المصطلح يركز على الأشخاص الذين نشئوا مع التكنولوجيا التي انتشرت في الجزء الأخير من القرن العشرين واستمرت بالتطور حتى يومنا هذا، فهو ذلك الشخص الذي يفهم قيمة التكنولوجيا الرقمية ويستخدمها للبحث والسعي لإيجاد فرص ينفذها ويكون لها تأثير. أما الوطن الرقمي يشير إلى التأثير الكبير الذي أحدثته تكنولوجيا المعلومات على الحياة البشرية، فهي لم تدع أي مجال إلا اقتحمته وبسطت نفوذها وسيطرتها عليه، فأنتجت ما يسمى بـالإنسان الرقمي الذي تتمحور حياته كلها حول تكنولوجيا المعلومات([16]).

ولكي يطلق عليك صفة المواطن الرقمي ينبغي عليه أن يكون متمكن من مجموعة من المهارات ليستحق هذا القب ومن اهم هذه المهارات او الخصائص هي([17])

1- مستخدم واثق ومتمكن من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

2- يستخدم التقنيات لمشاركة في الأنشطة التعميمية والثقافية والاقتصادية

3- يستخدم ويطور ماهارات التفكير النقدي في الفضاء الإلكتروني.

4- ملم بالقراءة والكتابة ولغة الرموز والنصوص والتكنولوجيات الرقمية ويوظفها بكفاءة في الفضاء الإلكتروني.

5- على بينة بالتحديات في بيئات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومتمكن من إدارتها بشكل فعال

6- يستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التواصل مع الآخرين بالطرق الايجابية

7- يظهر الصدق والنزاهة والسلوك الاخلاقي في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

8- يحتر مفاهيم الخصوصية وحرية التعبير في العال الرقمي.

9- يساهم ويعزز بنشاط قيم المواطنة الرقمية.

المحور الثاني: اثر التقنية الرقيمة على المجتمع

       كان للناس في القديم عادات وتقاليد لا يستطيع اي شخص تجاوزها, بسبب احكام هذه العادات والتقاليد على شتى شؤون الحياة, لكن مع تطور التكنولوجيا الرقمية في بداية التسعينات غزت المجتمعات ثقافات شتى من كل الاتجاهات فكثرت الفضائيات ودخلت الانترنت في كل بيت واصبح الفرد يتنقل من منطقة لأخرى في العالم وهو في بيته وقد أنتج هذا المد الجارف للتكنولوجيات نوعين متضاربين من المواقف، حسب “ريمي ريفيلان” الباحث الفرنسي المتخصص في المجتمعات([18]).

المتحمسون الذي يشيدون بالإمكانيات الخارقة التي يوفرها الانترنت، لكميات غير محدودة من المعطيات والمعلومات، وقوة التواصل والعلاقات ما بين المبحرين في الشبكة العنكبوتية، وأيضا التنوع الكبير في الاستعمالات الجديدة الممكنة.

في مقابل ذلك، نجد موقفاً مغايرًا من التكنولوجيات يتميز بنوع من القلق بسبب السطوة التي بدأت تمارسها على حياة الناس وعلى الروابط الاجتماعية، وما تحدثه من تغييرات تظهر على العلاقات جرَّاء الاستعمال المفرط لأدواتها، وبسبب الأشكال المختلفة للإدمان عليها فضلا عن المخاطر التي تتعرض لها الناشئة بسبب ما توفره المواقع المختلفة من مضامين ومؤثرات، وعما تتعرض له الحياة والمعطيات الشخصية من رقابة أو من سهولة الكشف عنها، ويدعو بعض أصحاب هذه الموقف إلى النضال ضد سيطرة التكنولوجيات، الرقمية منها على وجه الخصوص، على حياة الناس لأنها تهدد العلاقات الإنسانية بسبب أشكال الفردانية التي تنتجها، ويدعون إلى «التحرر من الانبهار الرقمي الذي يزج بالناشئة في نوع من العبودية الطوعية والاستلاب، وما تمارسه من تأثير على القيم والسلوكيات والعلاقات.

غير أن ثمة مواقف أخرى بقدر ما تؤكد على الأهمية الكبرى للتكنولوجيات الرقمية تدعو، في الوقت نفسه، إلى الوعي اليقظ بتداعياتها السلبية على العمل والعلاقات الإنسانية والسلوكيات.

وإن لهذه التكنولوجيات الجديدة والأدوات الرقمية)الأنترنت، الحواسيب، الهواتف الذكية، شبكات مواقع التواصل الاجتماعي،… إلخ(  تداعيات واضحة على حياة الناس اليومية، حيث تقوم بتغيير جل الممارسات وطرق التعامل والتبادل وشراء وبيع البضائع مباشرة وتتيح الحصول على المعلومات والمصادر المعرفة )المعاجم، الموسوعات، دراسات، وكتب ( والوصول إلى معطيات تهم الصحة والنقل، وغيرها، يمكنها أن تغير، جذريا، أنماط تنظيم وتدبير الشغل وأدوات الترفيه والتسلية([19]).

وبقدر ما تؤثر هذه الثورة الرقمية في مستويات تدبير شؤون الدولة والإدارة والشغل والاقتصاد فإنها تؤدي إلى خلخلة أشكال التواصل، والروابط الاجتماعية لدرجة يذهب فيها البعض إلى أننا نشهد بروز “إنسانية رقمية” وهو ما قد يستدعي إعادة النظر في الممارسات البيداغوجية، لاسيما التربية على القيم وأنماط التواصل، والسعي لفهم أفضل لتأثيرات التكنولوجيات الرقمية على القيم المرتبطة بالعمل والهوية واحترام الآخر والتسامح والرابط الاجتماعي والحرية والمساواة والعدالة([20]).

  اي اننا امام تحول من نظام المجتمعات التقليدية الى نظام المجتمعات الرقمية، وانتشار مساحاتها الافتراضية حيث بدأت تتشكل تدريجياً العديد من الظواهر السلبية والايجابية، ولعل من ابرز الظواهر السلبية التي برزت هو سوء استخدام هذه التقنيات المتقدمة من قبل الافراد والجماعات خاصة المتطرفة والمنحرفة وغيرها مع تساوي المجتمعات في العالم رقمياً  لكن هذه السلبيات تتفاوت بشكل كبير بين المجتمعات المتقدمة والمتحضرة وبين المجتمعات التقليدية خاصة في الدول النامية، فالمجتمعات المتقدمة احتوت العالم الرقمي ضمن نظامها الاجتماعي واستثمرته أحسن الاستثمار بانضباطية ووفق اسس وقوانين مدروسة داخل نظامها الاجتماعي مما انعكس على الجوانب العديدة والمكملة للحياة اليومية سواء المعيشية او التعليمية او السياسية او الاقتصادية او الامنية وخدمة مشاريع التنمية والتطوير وغيرها كذلك استثمرتها الشركات الكبرى والصناعية والخدماتية في تسويق وترويج منتجاتها لتقدمها للأفراد في جميع انحاء العالم لتدر عليهم مليارات الدولارات سنوياً كذلك الاستثمار السياحي لتسويق المواقع السياحية في جميع انحاء العالم والحجز بكل يسر وسهولة والاختيار المفتوح لزيارة الاماكن السياحية ووسائل التنقل ليتناسب ذلك مع الامكانيات الفردية للشخص

فنحن امام تغيير كبير للمجتمعات التقليدية وللحياة الاجتماعية النمطية التقليدية بعد ان تداخل العالم الرقمي في الواقع الحياتي والمعيشي ولا بد من ايجاد وسائل لتحد من الاخطار والمهددات لضمان تحقيق الامن والاستقرار ابتداء من الاسرة والمدرسة والمجتمع والجامعة ففي عصر التكنولوجيا الرقمية واصبحت المجتمعات تقوم على المعلومات واصبح كثير من المجتمعات مبرمجة واستهلاكية واستعراضية واعلامية فهناك سيطرة للعلم والتكنولوجيا الرقمية فهو مجتمع الحداثة والتمدن الحضاري ومبني على الافكار التنويرية لبناء مجتمع يقوم على العلم والمعرفة كروح للمستقبل([21]).

المحور الثالث:  الاثار الايجابية والسلبية للتكنولوجيا على المجتمع

أثر التكنولوجيا على المجتمع : صاحَبَ استخدام التّكنولوجيا تأثيراتٌ كثيرةٌ على المجتمع بكافة أفراده وفئاته، ولا شكّ أنّ التّأثيرات هذه تنقسمُ ما بين تأثيراتٍ إيجابيةٍ وسلبيّة حيثُ يرجعُ أثرها للكيفية التي يستخدمها بها الفرد ، وسنحاول ايضاحها وفق ([22]):

الاثار الايجابية:

1– تسهيل الحياة اليومية للأفراد وتيسيرها؛ إذ يستطيع الفردُ إنجاز أعمالٍ كثيرةٍ في وقتٍ وجهدٍ قليلين وبسرعةٍ كبيرة.

2- ارتبطت كثيرٌ من أعمال الأفراد وتحرّكاتهم وتوّجهاتهم وتعاملاتهم المالية والحكومية وتعليمهم وأبحاثهم ومتابعاتهم للأخبار والأحداث والكثير من التّفاصيل بالتّكنولوجيا التي سهّلت عليهم القيام بها، بطريقةٍ لم يكونوا ليفعلوها لو لم تكن التّكنولوجيا موجودةً لديهم.

3- تقريب الشّعوب واختصار المسافات بينهم؛ إذ ساعدت التكنولوجيا على جعلِ العالم يبدو كقريةٍ صغيرة، فيتعارف النّاس دون الحاجة للسفّر فيكوّنون علاقاتٍ وصداقاتٍ من مختلف أنحاء العالم

4- تطوير ثقافة الأفراد وتوسيع مداركهم، وإبقائهم متابعين لأحداث العالم جميعها دون أيّ أعذارٍ تَحُول بينهم وبين المجتمعات الأخرى.

5- تطوير قدرات الأفراد عبر إتاحة وسائل التّعلم كافة؛ كتعلّم اللغات، وتعلّم برامج التّصميم مثلاً.

6- تقريب الآراء ووجهات النّظر؛ من خلال إتاحة التّكنولوجيا للتواصل المُجتمعي؛ الأمر الذي ساهم بشكلٍ كبير في التّعرف على آراء ونظريّات الطرف الآخر، وأسلوب تفكيرهم والتّعامل معهم، فتزيد خبرتهم وعلمهم وطريقة تعاطيهم مع المشكلات.

7- تطوير جوانب الاقتصاد والطبّ والتّعليم؛ ممّا يؤثّر إيجاباً على المُجتمع وبنيته.

ثانياً_ الاثار السلبية: الاثر السلبي للتكنولوجيا على المجتمع :

1– تقليل التّواصل الفعلي بين الأفراد؛ حيثُ حلّت المكالمات الهاتفية عن بُعد والرّسائل النّصية مكان التّواصل الفعلي عن قرب، مما أدّى لتغيير جذري في مفهوم التّرابط والتّماسك العائلي القائم على العون والمساعدة.

2- انتشار الكُتب والصُّحف والمجلات الرّقمية، وحلّها مكان الوسائل التّقليدية؛ ممّا أثّر على أساليب التّعبير والكتابة.

3-  زيادة متطلّبات الحياة التي يجب على الفرد توفيرها واقتنائها؛ مما يُكلّف الأفراد حِملاً جديداً لتوفير هذه الإمكانيّات، فلم يكن من الضّروري سابقاً اقتناء العائلة للتلفاز والأدوات التكنولوجيّة الخاصة بأعمال المنزل، بَيدَ أنّه لا يُمكن لأيّ عائلةٍ احتمالَ غياب هذه الأجهزة.

4-  زيادة الطّلب على مصادر الطّاقة الكهربائية؛ حيثُ لا تَعملُ معظم أدوات التّكنولوجيا إلا بالطّاقة الكهربائية؛ ممّا أدخل المُجتمعات في أنماط حديثة من الاستهلاك.

5-  أدّى انتشار التكنولوجيا إلى توفير موادّ تعرض العنف بين الأفراد في المجتمعات سواء أكانت مُسلسلات أم ألعاباً إلكترونيّة موجّهة للكبار والصّغار، ويتأثّر الصّغار بشكلٍ كبيرٍ بهذه الألعاب والمسلسلات الكرتونية التي تعرض العنف بأسلوبٍ مباشر أو غير مباشر؛ مما يؤثّر على سلوكياتهم.

6- ابتعاد الأفراد عن المجتمع؛ مما يُرغّبهم في العزلة عن مُجتمعهم.

7-  الإدمان على الإنترنت؛ حيثُ يزدادُ عدد مستخدمي الإنترنت يوماً بعد يوم، ويصلُ الكثير منهم لمرحلة الإدمان على استخدامه؛ مسبّباً لهم كثيراً من المشاكل الأسرية والصحيّة والمُجتمعية.

8-  تيسير الطريق أمام من يريد ممارسة السلوكيات الخاطئة كإدمان المُخدّرات؛ حيثُ تعزلهم عن النّاس وتجعلهم في حالة هروبٍ من الواقع الحقيقي، وتخلقُ لهم واقعاً افتراضياً؛ ممّا يزيد حياة الفرد تعقيداً ويوقعه في مشاكل لا حصر لها.

محور الرابع:  دور التقنية الرقمية في تنمية المهارات البشرية

أصبح معيار التقدم والرفاه لأي دولة من دول العالم يحكمها مدى قدرة الدولة على مواكبة التطور التكنولوجي والإداري والتنظيمي في مختلف مجالاته وتطبيقاته، من خلال تحويل العمل الإداري من إدارة تقليدية إلى إدارة باستخدام الحاسوب، إذ تعد التكنولوجيا الرقمية من مسلمات تحقيق التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، ولاسيما تنمية المهارات البشرية لتكون أكثر كفاءة ومعرفة وقدرة والتزام على إداء المهام المطلوبة، ففي ظل التغييرات والتحديات التي تواجه المؤسسات عمومية كانت أم خاصة من تقدم علمي وتطور تقني، فرض عليها تبني أساليب أكثر حداثة وفعالية في أنشطة إدارة الموارد البشرية المختلفة([23])

أهمية تبني التقنية الرقمية في تطوير وتنمية المهارات البشرية([24]) :

1- تحسين إنتاجية العمل: مع أن تحسين الإنتاجية كان سببا في ظهور وتطور نظم التكنولوجيا الرقمية في منظمات الأعمال، وفي ذات الوقت تعكس فائدة ملموسة تنتج عن تطبيق التكنولوجيا الرقمية بفعالية، وذلك من خلال ما تحققه التكنولوجيا الرقمية من تحسين في الإنتاجية كمحصلة نهائية لمجموعة من العوامل الإيجابية التي يساهم فيها تطبيق النظم الرقمية في مجالات حيوية هامة .

2- توفير وقت العمل: يقود تطبيق التكنولوجيا الرقمية في الأعمال والأنشطة الإدارية بفعالية إلى تحقيق وفر ملموس وقابل للقياس الكمي في وقت العمل، وذلك نتيجة تبني منظمات الأعمال لأساليب وتقنيات حديثة

3- تنمية وتطوير القد ا رت الوظيفية للموارد البشرية: تتعدد المزايا والفوائد التي تحققها التكنولوجيا الرقمية في المؤسسات بما يطلق عليه تسمية “القيمة المضافة” فالتسهيلات التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة )الرقمية( ساهمت في تطوير وتنمية قدرات ومهارات العاملين في مجالات متعددة، لاسيما في زيادة قدرة الوصول للمعلومات المطلوبة بالسرعة المناسبة وزيادة قدرة الاتصال الفعال بالرؤساء والمرؤوسين

4- تحسين مستوى الأداء وجودة القرارات: من محاسن ومزايا التكنولوجيا الرقمية تيسير الاتصالات بين الأشخاص داخل التنظيم وخارجه، من خلال التزاوج الحديث بين الحاسبات الآلية وتقنية الاتصالات والذي أسفر عن ظهور تقنيات جديدة أسهمت في زيادة فعالية وكفاءة الاتصالات، كالبريد الصوتي والتبادل الإلكتروني للبيانات  والفاكس ميلي في تحقيق أهداف المؤسسة.

اما ايجابيات استخدام التقنية الرقمية في  للموارد البشرية ([25]):

يسعى التدريب الرقمي أن يقدم العديد من المزايا التفاعلية وإمكانية التكوين والتدريب في الأوقات المناسبة للمتدرب، إضافة إلى ذلك فإن التدريب الرقمي يساعد الشركات على تخفيض النفقات الخاصة بالتدريب، وحسن استغلال الميزانيات المخصصة للتدريب في تطوير الكفاءات ويمكن تلخيص فوائد التقنية الرقمية في الآتي :

1- تقليل تكلفة التدريب ورفع كفاءة المتدربين.

2_ ينشئ التدريب الرقمي علاقة تفاعلية بين المتدرب والمدرب.

3- يمكن للمتدرب أن يصل للحقيبة التدريبية في أي وقت وفي أي مكان.

4- تشجع المتدربين على تصفح الإنترنت من خلال استخدام الروابط التشعبية للوصول إلى معلومات إضافية حول موضوع الدرس.

5- يطور قدرة المتدرب على استخدام الحاسب الآلي والاستفادة من الإنترنت مما يساعده في مهنته المستقبلية.

6- يشجع المتدرب على الاعتماد على نفسه والوصول إلى مرحلة بناء المعرفة ذاتيا زيادة ثقة المتدرب في نفسه.

7- يسمح للمدربين بالاحتفاظ بسجلات المتدربين والعودة لها في أي وقت ومن أي مكان.

8- الوقت والمنهج والتمارين تعتمد على مستوى ومهارات المتدرب وليس على معدل المجموعة، فالمتدرب الأقل مستوى لديه وقت لرفع مستواه والمتدرب المتميز يستطيع التقدم دون انتظار المتدربين الأقل مستوى.

سلبيات استخدام التقنية الرقمية في الموارد البشرية:

مما لا شك فيه أن أي برنامج لا يخلو من السلبيات ومن سلبيات التدريب الرقمي ما يلي:

  1. افتقار مشاركة المتدرب إيجابيات في تبادل الآراء والأفكار مع المتدرب من ناحية

ومع المجموعة من ناحية أخرى .

  1. الصعوبة التي يشعر بها بعض المتدربين عند الرغبة في التواصل المباشر مع المدربين، وتظهر عملية التواصل والتخاطب عندما يقوم المدربون بتحديد الواجبات والمهام للمتدربين.
  2. الصعوبة التي تواجه بعض المتدربين في إيصال أفكارهم في المقرر الدراسي  الالكتروني.
  3. تلاشي وإضعاف دور المدرب )الإنسان( كمؤثر تربوي وتعليمي مهم.
  4. عدم الاستفادة من التغذية الراجعة لصعوبة استرجاع الدروس مع المتدربين لمعرفة مدى استيعابهم وذلك لصعوبة وندرة الاتصال المباشر بين المدرب والمتدرب.
  5. التدريب الالكتروني لا يعلم المتدرب الإحساس بشعور الآخرين، واللطف والبشاشة وحسن التعامل مع الآخرين ولا يعلم المتدرب الإحساس بالمسؤولية.
  6. صعوبة تطبيق بعض الممارسات والمهارات المرغوب في تعلمها في بعض البرامج التدريبية، وبالتالي فإن البرامج المهنية والعلمية تحتاج أحيانا إلى أن يغادر المتدرب سكنه أو مقر عمله ويتوجه إلى مركز المؤسسة حتى يسهل التدريب على تعلم المهارة المرغوب تعلمها.
  7. صعوبة السيطرة على إجراءات إدارة الامتحانات أو التأكد من مصداقيتها وصعوبة تقييم المتدربين.

المحور الخامس: تأثير التقنية الرقمية على الوعي السياسي والاجتماعي

يعتقد الباحثين والمختصون في علم الاجتماع أن التكنولوجيا تؤثر على البيئة السياسية بطرق إيجابية وسلبية بالإضافة إلى وجهات نظرهم حول التأثير الشخصي لمختلف التقنيات الرقمية على الأفراد سواء كانوا بالغين ام صغار. ينقسم الجمهور حول كيفية تأثير الإنترنت بشكل عام على السياسة في مجتمعاتنا, بين مؤيد ومعارض, وهذا يرجع الى الجهة المستفيدة من تلك الخدمات التكنلوجية, التي تجّيرها حسب رغبتها وأهدافها. تشير الدراسات الحديثة ان استخدام المتزايد للإنترنت كان له تأثير جيد على البيئة السياسة من خلال نشر الوعي والعمل مع المواطنين ومن يمثلهم بشكل أكثر أريحية وبدون قيد يذكر. ومن خلال ذلك سوف نتناول

اولاً_ تأثير العالم الرقمي على الوعي الاجتماعي:

التطورات المعاصرة للإعلام الرقمي قدمت ادوات فكرية ومادية يمكن استخدامها للمساعدة في اتصال اكثر فاعلية وتنوع في المعلومات (معلومات حسب الطلب) ،  فالنموذج السيسيولوجي لمجتمع المعلومات يرى ان المجتمع كله يتغير بصفة اساسية تحت تأثير الاستخدام الرقمي في الاتصال اليومي وانعكس ذلك على التعاملات اليومية وأصبح جزءا من حياتنا وقد اشار عالم الاجتماع الامريكي دانيال بيل في كتابه المجتمع ما بعد الصناعي الى هذا التغيير ونشأة نظام اجتماعي مختلف وجديد في القدرات الفكرية لديه مميزات مختلفة في الاستجابة ومن ابرز خصائص هذا المجتمع الرقمي هي :

  • استخدام المعلومات كمورد اقتصادي.
  • الاستخدام المتنامي للمعلومات بين عامة الناس.
  • ظهور قطاع المعلومات كقطاع مهم من قطاعات الاقتصاد والتحول من انتاج السلع الى انتاج المعلومات.

اذن كيف يمكن ان نقيس اثر التقنية الرقمية على الوعي الاجتماعي للأفراد ؟ للإجابة على هذا السؤال تكون بمعرفة اهم الخصائص التي وفرتها التقنية الرقمية بوسائلها الجديدة :

  • التفاعلية: وتعكس القدرة التشاركية للمتلقي في عملية الاتصال والاعلام وقدرة الوسيلة والقائم بالاتصال على الاتصال التفاعلي مع المتلقين.
  • النصية الفائقة: وهي ما اتاحته الوسيلة للمحتوى المتعدد المستويات والمعاني والتفسيرات والاشكال التي تلبي الحاجات المتعددة للمتلقين.

فالإعلام الرقمي في عالمنا المعاصر هو سلاح ذو حدين فمن جانب اصبح اداة لتنظيم وإدامة وتغيير العلاقات الاجتماعية ومظهر من مظاهر وأنماط السلوك فضلا عن تحوله في بعض الاحيان الى اداة للهيمنة في مجال الثقافة التي تنتج من هذه التكنولوجيا كونها ثقافة شاملة ومختصرة وسطحية تعود الافراد على انماط محددة للتفكير والسلوك المهيمن وبالتالي توفر ادوات قوية للرقابة الاجتماعية، ومع ذلك فهي تخضع لطبيعة استخدام الفرد لهذه التقنية وكيفية توظيف المعلومات بما يتناسب وطبيعة احتياجاته([26]).

ثانياً_ تأثير التقنية الرقمية على الوعي السياسي:

يشير مفهوم الوعي السياسي الى معرفة المواطن لحقوقه السياسية ووجباته وما يجري حوله من احداث ووقائع سياسية ويتشكل من خلال ادراك الفرد لذاته ولذوات الاخرين من حوله.

ويمكن تعريفه ايضا بانه مجموعة القيم والاتجاهات والمبادئ الاساسية التي تتيح للفرد ان يشارك مشاركة فعالة في اوضاع مجتمعه يحللها ويحكم عليها ويحدد موقفه منها .

يعزز الوعي السياسي الديمقراطية في نظرة الفرد ورؤيته لقضايا وطنه وكذلك رؤيته للظروف التي تؤثر في المجتمع ، ان الوعي السياسي هو التطبيق العملي للديمقراطية.

ان غياب الوعي السياسي في المجتمع يعد من المخاطر السلبية على المجتمع ، فغيابه بفقد الرؤية الواضحة لنضوج المجتمع سياسيا وثقافيا ويجعل قيم الحياة تنهار وتفقد توازنها .

ومع ظهور التقنية الرقمية عبر مستوياتها المتعددة نرى انها اثرت وبشكل مباشر على الوعي السياسي للمجتمعات من خلال:

  • ان وسائل التقنية الرقمية تسمح لمستخدميها بمتابعة كل ما هو جديد على المستوى السياسي وذلك من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات المباشرة مع الشخصيات السياسية.
  • تحقق التفاعلية والمرونة فهي تسمح للمتلقي ان يكون ملقيا للبيانات والمعلومات في نفس الوقت.
  • تطور الوعي السياسي لمستخدميها في جميع قضايا المجتمع.
  • ان وسائل التقنية الرقمية لها دور فاعل في تهدئة او تفعيل بعض القضايا السياسية كالمظاهرات والاعتصامات وغيرها.

لاقت وسائل التواصل الاجتماعي اهتماما كبيرا من قبل الشباب حيث اتاحت لهم المجال للتعبير عن نفسهم والمشاركة بمشاعرهم وافكارهم مع الاخرين ، ونظرا لارتباط قطاع كبير من الشباب بتلك الوسائل التقنية بات تأثيرها على النواحي السياسية والاجتماعية يتصدر احداث الساعة ، حيث تسهم هذه الوسائل في سرعة انتقال الاخبار والمعلومات وهذا ما جعل شريحة الشباب تتعلق بها وتستخدمها من اجل تنشيط افكارهم السياسية وتحريك وعيهم تجاه قضايا بلدهم ولكن هذه الوسائل قد تستخدم سلبا او ايجابا حسب توجه الافراد ومستواهم التعليمي ([27]).

ثالثاً_ للسيطرة على العقول عبر وسائل التواصل الرقمية

مع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وسهولة إستخدامها والوصول إليها, بدأنا نشهد تأثيرها الكبير في هندسة المجتمع وتوجهات الناس حتى وصل هذا التأثير الى أذواقهم ولباسهم ومشترياتهم وأصواتهم الانتخابية ومزاجهم العام. ولربما الأجدر بنا في هذا الزمان أن نطلق على شبكات التواصل الاجتماعي مصطلح “السلطة الناعمة”, حيث بدأت تؤثر في حياتنا دون أن نشعر بذلك التأثير . وقد تم تجيير منصات وسائل التواصل الاجتماعي وبالخصوص فيسبوك ساحة لتصفيت الخصومات ما بين الكتل السياسية والأحزاب المتنافسة لاستغلال تلك التقنية لبث الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد. وهذا ما يشهده كل من العراق, والاردن, ولبنان واغلب الدول العربية التي تعاني من تخبط سياسي واضح.

 مما جعل الحكومات في تلك البلدان الى سن قوانين تجرم كل من يسئ أو يتناول أخبار غير مجهولة المصادر. وفي العراق تم سن “قانون جرائم المعلوماتية” لتنظيم إستخدام شبكات المعلومات وأجهزة الحاسوب والأجهزة والأنظمة الإليكترونية, والذي رفض بشكل قاطع من قبل غالبية المجتمع العراقي وكذلك منظمة حقوق الأنسان, باعتباره إعتداء صارخ ضد الحريات الفردية([28])

يعتقد الكثيرون أن التكنولوجيا المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي قد جعلت الأفراد على علم بكل ما يدور من حولهم من أحداث ورصد السياسات الخاطئة من قبل الحكومات وتقييم أداء الحكومات والمؤسسات التابعة للأنظمة السياسية. لدرجة اصبحت تلك التقنية الرقمية الضابط لسلوك الطبقة السياسية والرقيب لسياسات الحكومة, بسبب سرعة انتشار الاخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتصل تلك الرسائل, او الاخبار, او الصور, أو الفيديوهات الى ملايين الافراد في بضع دقائق. مما جعل الجيل الرقمي يأخذ حجم متزايد داخل الحياة السياسية والاجتماعية, والتي لم يكن ذلك التأثير متوفر عبر الوسائل التقليدية. لكن هذا لا يخفي الجانب السلبي لتلك التكنلوجيا الرقمية. اذ من السهل أيضاً التلاعب بالمستخدمين من خلال نشر الأخبار والشائعات حول الكثير من القضايا التي تمس مصيرهم بشكل مفبرك مما يشوه الحقائق, وعدم اعتماد المصداقية في نشر الاخبار وتناول الاحداث بالإضافة الى جهل مصادر المعلومات لدى العامة([29])

المحور السادس:  أثر التقنية الرقمية في تقبل التغيير من خلال تبني الأفكار الجديدة

لقد شكلت التقنية الرقمية قوام الحياة اليومية للأفراد الآن (وان اختلفت من مكان إلى آخر, ومن دولة إلى أخرى)، أصبحت “المعرفة” تقود إلى الثروة والتحديث من خلال “الإبداع” و”اﻹب9شتكار” سواء في المشروعات الاقتصادية أو الثقافية.

أصبح “الإبداع” صناعة تنافسية، وهو ما يطلق عليه حاليا بـ “تصنيع الإبداع”. وقد كشفت الإحصاءات في مجال “حقوق النشر الأميركية” بـ 791 بليون دولار أي 7, 8% من مجمل الدخل القومي. يعمل بها 8 ملايين عامل. عائد التصدير منها حوالي 89 بليون دولار، وهو ما يفوق عائدات تصدير صناعة السيارات والصناعات الكيماوية وغيرها.

كما تناول بعض الأدباء استخدام مصطلحات ومحتويات شبكة النت ضمن نسيج أعماله الإبداعية. وهو ما يعنى دخول الجهاز وشبكة النت ضمن هموم الكاتب، ومن نسيج عمله اﻹبداعى (الورقي). ويمكن الإشارة إلى رواية الروائي ياسر شعبان المسماة “أبناء الديمقراطية”، كما أن هناك محاولة ناجحة في عدد من القصص القصيرة. بالإضافة إلى بعض الأعمال الإبداعية في “أدب الطفل” وهو ما سنشير إليها لاحقا.

ثم كان من الأدباء من تجاوز اﻹقتراب الشكلي من النت وسعى إلى إبداع جديد يعتمد على الإمكانات غير التقليدية التي تتيحها الشبكة. وظف الصورة والصوت واللون والحركة ثم الكلمة أخيرا في إبداع جديد يسمى “الإبداع الرقمي” وهو يعتمد على إنتاج ما يشبه الفيلم السينمائي وفهم المبدع لتقنيات المونتاج والمكساج والتلوين والإخراج الفني بالإضافة للإبداع بالكلمة, إلا أن الكلمة تقهقرت في الترتيب بين عناصر الإبداع. فكانت محاولات في الرواية والقصة الرقمية, وفي المسرح الرقمي. (الإبداع الرقمي أكثر شيوعا في أوروبا وأميركا عنه في العالم العربي, إلا أنه ينتظر شيوعه وتعدد كتابه وقراءه بل ونقاده مستقبلا(  .

        ومع معطيات الرقمية أو التكنولوجيا الجديدة في الاتصال والإعلام، بكل وسائطها المرئية والمسموعة والمكتوبة والممغنطة والالكترونية، ماذا عن حال الإبداع فيها؟ هل هناك مفهوم جديد للإبداع بالنظر إلى هذا المعطى الجديد، وبالتالي كيف نقرأ معطيات “الإبداع” الجديد والمتاح أيضا؟

عناصر الابتكار للتقنية الرقمية :

وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة – الصوت – اللون والرسم، ثم الحركة، بالإضافة إلى الكلمة. وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا “الكلمة” في المقدمة) وهو ما يعنى أن “النص الرقمي” متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخل عن العقل. سوف نتناول عنصر “الصورة” أكثر تفصيلا، نظرا لكونها في مقدمة التقنية الجديدة، حتى سمى العصر الجديد بـ “عصر الصورة”.

1- الصورة : “الصورة” نصا ثقافيا.. قال “أرسطو”: “إن التفكير مستحيل من دون صور”. فيما قال “آبل جانس” عام 1926: “إننا نعيش بالفعل في عصر الصورة”. وهو ما أكده رولان بارت. ويقول ريجيس دوبرى: “الصورة رمزية, غير أنها لا تملك الخصائص الدلالية للغة, إنها طفولة العلامة, فالصورة ذات فضل لأنها أداة ربط, لكن بدون مجموعة بشرية متماسكة, تنتفي الحيوية الرمزية”.

الآن لا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون الصور. فالصورة حاضرة في الأسواق وفى الوسائل التعليمية, وعبر الإعلام والفنون المرئية, وأخيرا على شاشات الكمبيوتر.

2-  الصوت : يُعد الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية. يعد الصوت وسيط مهم بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض، أو أصوات منفرة وأخرى محببة. وقد بدأ الموسيقى شيفر دراساته حول كون الصوت مجالا مهاما في الاتصال، أو “اﻹتصال الصوتي”. وقد تبعه في البحث “تروا”، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات. وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصوات ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الإنترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهيىء المستمع إلى الدخول في الشبكة العنكبوتية.

3- الرسم والألوان : إجمالا يمكن الإشارة إلى أن عناصر بناء الأعمال الإبداعية والفنية: “الرسم واللون”، “الحركة”، “الكلمة”. بالإضافة إلى الصورة والصوت ضمن المعطيات الرقمية، كلها تلعب دورها المتميز جماليا ومعرفيا من خلال الكمبيوتر أو وسيلة التقنية الرقمية في التليفزيون والتليفون المحمول وغيره. ([30])

الجديد أن تلك التقنية أبرزت الصورة وجعلتها في المقدمة، بينما أزاحت الكلمة إلى المؤخرة! وهو ما دعي البعض إلى دراسة تلك المعطيات والبحث عن بلاغة جديدة لها، وهى ما عرفت بالبلاغة الرقمية، وهو ما قالت به د. عبير سلامة : هي “فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى – في أنواع جديدة من الخطاب، كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره (الإنترنت). البلاغة هنا تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص (في الأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي”.

الخاتمة:

   إذا كان الفحم هو محرك الثورة الصناعية التي شهدها العالم في القرن الثامن عشر ، فإن الإنترنت هي محرك الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم في بدايات القرن الحادي والعشرين ، وإذا جاز أن نطلق تسمية على هذا العصر الذي نعيش فيه ، فهو عصر ” الإنترنت ” بامتياز ، حيث ساهمت الانترنت في تغير أشكال وأنماط الحياة ، بل والحكومات والدول ، وغيرت من المفاهيم التقليدية للقوة ، فظهرت الحكومات الإلكترونية ، ثم تطورت إلى الحكومات الذكية ، ومنها إلى المدن الذكية ، وليس من الغريب أن نجد قريبا دولة بأكملها أصبحت ذكية ، تعتمد على الإنترنت وأجهزة التليفون المحمول في الحصول على الخدمات كافة وإنهاء المعاملات كافة . وقد كان لظهور الفضاء الإلكتروني والشبكة العنكبوتية أثر مهم في الحياة البشرية ، وسهولة استخدامها ورخص تكلفتها ساعد على قيامها بأدوار مختلفة في الحياة البشرية ، سواء تجارية أو اقتصادية أو معلوماتية أو سياسية أو عسكرية أو أيديولوجية أو غيرها ، ومن هنا ظهر مفهوم جديد يمكن أن نطلق عليه مفهوم ” القوة الإلكترونية  . ” Cyber Power ” فالذي يدير العالم الآن آحاد وأصفار غاية في الصغر ، وقد أصبح جليا أن من يمتلك آليات توظيف هذه البيئة الإلكترونية الجديدة فإنه الأكثر قدرة على التأثير في سلوك الفاعلين المستخدمين لهذه البيئة . وكما ساعدت الإنترنت في تحقيق رفاهية الحياة الإنسانية ، أصبحت أيضا مصدرة لتهديدها ، حيث يستطيع أحد مستخدمي الفضاء الإلكتروني أن يوقع خسائر فادحة بالطرف الآخر ، وأن يتسبب في شل البينة المعلوماتية والاتصالاتية الخاصة به ، وهو ما يسبب خسائر عسكرية واقتصادية فادحة ، من خلال قطع أنظمة الاتصال بين الوحدات العسكرية وبعضها البعض أو تضليل معلوماتها أو سرقة معلومات سرية عنها ، أو من خلال التلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية وتزييفها أو مسحها من أجهزة الحواسب ، وعلى الرغم من فداحة الخسائر فإن الأسلحة بسيطة لاتتعدى الكيلوبايتس ، تمثل في فيروسات إلكترونية تخترق شبكة الحاسب الآلي وتنتشر بسرعة بين الأجهزة ، وتبدأ عملها في سرية تامة وبكفاءة عالية ، وهي في ذلك لا تفرق بين المقاتل والمدني وبين العام والخاص وبين السري والمعلوم .

قائمة المصادر:

1- تامر المغاورى الملاح, المواطنة الرقمية تحديات وأمال,  دار السحاب للنشر والتوزيع, القاهرة, 2017

2- ثائرة عدنان محمد، تصور مقترح لتمكين المعلومين بمدارس وازارة التربية والتعليم الفلسطينية نحو توظيف متطلبات المواطنة الرقمية في التعليم، رسالة ماجستير جامعة الازهر، غزة، 2017،

3- تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في المغرب حول التكنولوجيات والقيم الأثر على الشباب، المغرب، 2017

4- أعراب سعيدة، التكنولوجيا وتغيير القيم الثقافية والاقتصادية للموارد البشرية في المؤسسة الخاصة الجزائرية، رسالة ماجستير(غير منشوره) جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، 2006

5- سويلا هانسن، بناء القدرات في بيئة متغيرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، منشور صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (IUT)، الاصدار الثاني.

6- ومان محمد توفيق : تنمية الموارد البشرية في ظل البيئة الرقمية : دراسة في الأبعاد السيسيو _ تقنية ، أطروحة دكتوراه ، كلية العلوم الاجتماعية والانسانية _ جامعة الجزائر ، 2015.

7- تقرير عن التنمية في العالم : العوائد الرقمية ، مجموعة البنك الدولي ، 2016.

       8_ ولاء الربيعي، الاعلام الرقمي وانعكاساته في تنمية المجتمعات / مقاربة نظرية.

9_ شدان يعقوب خليل ابي يعقوب ، اثر مواقع التواصل الاجتماعي على الوعي السياسي بالقضية الفلسطينية لدى طلبة جامعة النجاح الوطنية، 2015.

10_ حنان شعشوع الشهري, أثر استخدام شبكات التواصل الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية:فيسبوك وتويتر أنموذجا, رسالة ماجستير- جامعة الملك عبد العزيز, 2013.

11-طريف شوقي محمد فرج، المهارات الاجتماعية والاتصالية القاهرة، دار غريب، 2003

12_ هيومن رايتسووتش. قانون جرائم المعلوماتية العراقي. الولايات المتحدة الامريكية ( 2012).

1- Wright, S. (2012). Politics as usual? Revolution, normalization and a new agenda for online deliberation. New media & society, 14(2), 244-261.‏

www.alyaum.com/articles/444596/-التقنية-وأثرها-على-المجتمع  1-  

https://mawdoo3.com  2-

middle-east-online.com 3-

  • مفهوم الاتصال لغة واصطلاحا, 15ايلول 2019, على الرابط: https://www.nsowo.com
  • فارس محمد العمارات, الاتصال الرقمي ودوره في التنوع الثقافي, موقع دراسات, 10/10/2019, على الرابط:

https://www.new-educ.com

)1) فارس محمد العمارات, مصدر سبق ذكره.

  • مفهوم الاتصال لغة واصطلاحا, مصدر سبق ذكره.

(3) صابرين السعو, نشأة مواقع التواصل الاجتماعي, موقع موضوع, 29ابرسل2018, على الرابط: https://mawdoo3.com

(1) صابرين السعو, مصدر سبق ذكره.

(1) صابرين السعو, مصدر سبق ذكره.

([8])حنان شعشوع الشهري, أثر استخدام شبكات التواصل الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية:فيسبوك وتويتر أنموذجا, رسالة ماجستير- جامعة الملك عبد العزيز, 2013.

([9]) ما هي المواطنة الرقمية، بحث منشور على شكبة المعلومات الدولية الانترنيت على الرابط

https://www.arageek.com/l/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7

)2) مصطفى القايد, مفهوم المواطنة الرقمية Digital Citizenship, شبكة تعليم جديدة, 20/2/2014, على الرابط: https://www.new-educ.com/definition-of-digital-citizenship

([11]) تامر المغاورى الملاح, المواطنة الرقمية تحديات وأمال,  دار السحاب للنشر والتوزيع, القاهرة, 2017

([12]) ثائرة عدنان محمد، تصور مقترح لتمكين المعلومين بمدارس وازارة التربية والتعليم الفلسطينية نحو توظيف متطلبات المواطنة الرقمية في التعليم، رسالة ماجستير , جامعة الازهر، غزة، 2017، ص31.

([13]) جمال علي الدهشان، المواطنة الرقمية مدخلا للتربية العربية في العصر الرقمي، العدد الخامس، كلية التربية بجامعة المنوفية حزيران،2016، ص80.

([14]) خولة رسمي الراشد، اتصور مستقبلي مقترح لتنمية المواطنة الرقمية لدى طلبة الجامعات الأردنية الحكومية، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد3 ،العدد،23 أكتوبر 2019، ص2.

([15]) أمل القحطاني، مدى تضمن قيم المواطنة الرقمية في مقرر تقنيات التعليم من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، لعدد26، جامعة الاميرة نورة، الرياض، 2017، ص61.

([16]) ثائرة عدنان محمد، تصور مقترح لتمكين المعلومين بمدارس وازارة التربية والتعليم الفلسطينية نحو توظيف متطلبات المواطنة الرقمية في التعليم، رسالة ماجستير , جامعة الازهر، غزة، 2017، ص31.

([17]) أمل القحطاني، مصدر سبق ذكره، ص62.

([18]) خالد بن عبدالله الحماد،التقنية وأثرها على المجتمع، بحث منشور على الرابط

www.alyaum.com/articles/444596/-التقنية-وأثرها-على-المجتمع

([19]) تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في المغرب حول التكنولوجيات والقيم الأثر على الشباب، المغرب، 2017،ص 21.

([20])أعراب سعيدة، التكنولوجيا وتغيير القيم الثقافية والاقتصادية للموارد البشرية في المؤسسة الخاصة الجزائرية، رسالة ماجستير(غير منشوره) كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، 2006، ص118.

([21])هاشم نايل المجالي، المجتمعات التقليدية والمجتمعات الرقمية، صحيفة الدستور العمانية، لعدد 1028/ الثلاثاء/ 3/ ايلول/ 2018.

[22] – للمزيد من المعلومات ينظر الموقع الالكتروني : https://mawdoo3.com

([23]) سويلا هانسن، بناء القدرات في بيئة متغيرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، منشور صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (IUT)، الاصدار الثاني، ص3.

([24]) ومان محمد توفيق : تنمية الموارد البشرية في ظل البيئة الرقمية : دراسة في الأبعاد السيسيو _ تقنية ، أطروحة دكتوراه ، كلية العلوم الاجتماعية والانسانية _ جامعة الجزائر ، 2015م ، ص 118 _ 135

([25]) تقرير عن التنمية في العالم : العوائد الرقمية ، مجموعة البنك الدولي ، 2016م ، ص10.

[26] – ولاء الربيعي، الاعلام الرقمي وانعكاساته في تنمية المجتمعات / مقاربة نظرية، ص 9-10

[27] – شدان يعقوب خليل ابي يعقوب ، اثر مواقع التواصل الاجتماعي على الوعي السياسي بالقضية الفلسطينية لدى طلبة جامعة النجاح الوطنية، 2015، ص ص 13 وما بعدها

[28] – هيومن رايتسووتش. قانون جرائم المعلوماتية العراقي. الولايات المتحدة الامريكية ( 2012).

[29] – Wright, S. (2012). Politics as usual? Revolution, normalization and a new agenda for online deliberation. New media & society, 14(2), 244-261.‏

([30])  عبد العزيز علي نجم : التقنية الرقمية وأثرها على الابداع الجديد ، مقال منشور على الرابط الالكتروني

 middle-east-online.com.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى