دراسات تاريخية

ونستون تشرشل: كيف رسم خارطة الشرق الأوسط؟.. من أروقة مذكراته

محمد عبدالرحمن عريف

    وُلد تشرشل فردًا لعائلة دوقات مالبورو الأرستقراطية، وهي العائلة التي انحدرت من عائلة سبنسر النبيلة. ومثلما كان يفعل والده، اعتاد ونستون أن يستخدم لقب “تشرشل” في الحياة العامة. كان جده الأكبر -جورج سبنسر قد غير لقبه إلى سبنسر تشرشل في العام 1817 عندما حظي بمكانة دوق مالبورو؛ وذلك بغية إظهار أصله من جون تشرشل -الدوق الأول لمالبورو. كان والد ونستون، اللورد راندولف، هو الابن الثالث لجون سبنسر_تشرشل، و‌الدوق السابع لمالبورو الذي عمل بالسياسة؛ وكانت أمه، هي السيدة راندولف تشرشل، ابنة المليونير الأميركي المَرْمُوق ليونادر جيروم. ولد ونستون في تاريخ 30 نوفمبر عام 1874، قبل شهرين من ميعاد مولده الطبيعي، بغرفة نوم في قصر بلينهايم ودستوك، بأكسفوردشاير.

     قضى تشرشل أولى سنوات عمره، ما بين الثانية والسادسة على وجه التحديد، في دبلن. وفي ذلك الوقت، كان جده نائب الملك، ووالده هو سكرتيره الخاص -سكرتير نائب الملك. وفي تلك الآونة، وُلد جون سترينج سبنسر_تشرشل، أخًا لونستون. وطالما لاحظ الكثيرون أن ونستون الصغير كان مفتونًا دومًا بالشؤون العسكرية؛ لما ظهر عليه أثناء مشاهدته للعروض و‌المسيرات العسكرية التي كانت تمر بمقر نائب الملك (المقر الرسمي الحالي لرئيس أيرلندا) من اهتمام وشغف بالغين.

     بدأ تشرشل مشواره التعليمي في دبلن، حيث أخذت مربيته تعلمه القراءة و‌الكتابة و‌الحساب، وكان أول ما قرأه تشرشل كتاب “قراءة بلا دموع”. وفي غضون ذلك، نشأت بين تشرشل ومربيته -السيدة إليزابيث- صِلَة مُوثَّقة الْعُرَى، متينة الأسباب؛ نظرًا لعلاقته الفاترة بوالديه، فكان يدعوها بلقب “الرحم القديم”؛ إذ كانت إليزابيث بمثابة الحاضنة والمربية التي شغلت مكان أمه،  فكانوا يقضون ساعات عديدة يلعبون في منتزه “فينيكس”. كان تشرشل بليدًا في دراسته، وكان كثيرًا ما يعاقبه معلموه؛ وكان ذو طبيعة متمردة، أَنُوفة؛ و‌شخصية مستقلة. تلقى تشرشل تعليمه في ثلاث مدارس مختلفة: مدرسة سانت جورج، باسكوت، بيركشاير بإنجلترا؛ ومدرسة برونزويك في مدينة هوف، بالقرب من مدينة برايتون؛ ومدرسة هارو بداية من 17 من أبريل 1888. ولم تمض أسابيع قليلة من التحاق تشرشل بتلك المدرسة إلا وكان أحد المنضمين ل”سلاح بندقية هارو”.

    كان نادرًا ما تزوره أمه، لكنه كثيرًا ما يرسل إليها بخطابات يحثها على زيارته ورؤيته في مدرسته أو السماح له بالعودة إلى منزله. وكذلك الحال بالنسبة لأبيه، فقد بعدت الهوة بينهما؛ لدرجة أن تشرشل لم يتحدث إلى أبيه إلا مرات معدودة. ولما مات أبوه يوم ال24 من يناير 1895 -عن عمر يناهز ال45- ساور تشرشل شعور بأنه موته لم يعد بعيدًا؛ ولذلك حرص على ترك بصمة في هذا العالم بأسرع ما يمكن.

عقبته في الخطابة

    كان تشرشل مصابًا بلثغة لزمته طوال حياته العملية، طالما ذكرها صحافيو هذه الفترة وما تلاها. فقد ذكر العديد من كُتاب العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، ما عند تشرشل من تلعثم قبل ذيوع التسجيل الصوتي، واصفين إياها ب”القاسية”، و”المؤلمة”. وكذلك، وصف تشرشل لعثمته ب”عائق الحديث”، التي حاول دومًا التخلص منها. وذكر مركز ومتحف تشرشل أن غالبية التسجيلات أظهرت أن اللثغة كانت هي عائق تشرشل، في حين وصف تلعثمه ب”الأسطورة”. صُمم طقم أسنانه الصناعية خاصته خصيصًا لمساعدته في الخطابة بشكل سليم. وبعد سنوات عديدة من الخطابات العامة التي أعدت بعناية ليس فقط لإلهام الجمهور بل أيضًا لتجنب التلعثم، استطاع تشرشل أخيرًا أن يصف بأن، “العقبة ليست عائقًا”.

     بعد رحيل تشرشل عن هارو عام 1893، تقدم بطلب للالتحاق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية. اجتاز تشرشل اختبار القبول بعد ثلاث محاولات، بعدها تقدم بطلب للالتحاق بسلاح الفرسان بدلًا من المشاة؛ وذلك لعدة أسباب منها أن سلاح الفرسان يتطلب مجموع درجات أقل منه في سلاح المشاة، وأيضًا لأن سلاح الفرسان لا يتطلب إيجاد الرياضيات، التي كان يكرهها تشرشل. كان ترتيب تشرشل هو الثامن على دفعته المكونة من 150 فردًا، في ديسمبر 1894. وعلى نقيض ما كان ينشده أبوه، لم يستغل تشرشل فرصة الانتقال إلى فرق المشاة، وعزم البقاء في سلاح الفرسان. تمت ترقيته تشرشل إلى رتبة ملازم ثان (كورنيت) في سلاح الفرسان الرابع الخاص بالملكة، في 25 فبراير 1895. وفي عام 1941، حصل تشرشل على شرف ترقيته عقيدا بسلاح الفرسان. وبعد الحرب العالمية الثانية، حصل تشرشل على لقب Colonel-in-Chief، وهو امتياز يخص عادة الملوك. بلغ راتب تشرشل كملازم ثان في سلاح الفرسان الخاص بالملكة 300 جنيه إسترليني. لم يكن تشرشل راضيًا عن ذاك المبلغ، إذ كان يعتقد أنه يحتاج راتب لا يقل عن 500 جنيه إسترليني (أي ما يعادل 55.000 جنيه إسترليني بوصف عام 2012)،  وذلك من أجل الرقي بمعيشته لتصبح مثل زملائه الضباط في سلاح الفرسان. قدمت له والدته بدلا سنويًا قدره 400 جنيه إسترليني، لكن تشرشل كان يصرفه كله في أحيان كثيرة؛ مما جعل كاتب السيرة الذاتية، روي جينكينز يصرح بأن ذلك هو أحد الأسباب التي جعلت من تشرشل مراسلًا حربيًا.

     لم يكن تشرشل ينوي اتباع الطريقة التقليدية في الترقي إلى المناصب الأعلى من خلال الرتب العسكرية، بل إنه صب جام اهتمامه إلى استغلال أية فرصة تمكنه القيام بعمل عسكري. ومن خلال نفوذ أمه و‌عائلته في أوساط المجتمعات الراقية، استطاع تشرشل أن ينشر ما قام به من حملات من خلال مقالات نشرها في العديد من الصحف. جذبت كتاباته انتباه الجمهور إليه، وجنى من ذلك دخلًا إضافيًا كبيرًا؛ فعمل مراسلًا حربيًا لدى العديد من الصحف اللندنية،  وأصدر العديد من الكتب التي تدور حول حملاته وتجاربه العسكرية.

رسم خريطة الشرق الأوسط

     كان لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل دور حاسم في رسم خارطة الشرق الأوسط، وصياغة المصير السياسي لشعوب المنطقة، وذلك من خلال قناعته بأن في السياسة الناجحة يجب دائمًا تقسيم القوى المحلية بما يناسب الطموحات، والحفاظ على بعض الأصدقاء والخصوم في آن واحد. ولطالما كان هذا ما فعلته الإمبراطورية البريطانية طوال تاريخها الاستعماري.     

     في صيف عام 1914، كانت الحرب العالمية الأولى تلقي بظلالها على العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط التي كانت حينها تابعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية. خلال تلك الفترة، حاول الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا كسب ود العرب بهدف مشاركتهم في القتال ضد الأتراك. وكان ونستون تشرشل، حينها، وزيرًا للبحرية البريطانية، وكانت خطته هي توجيه ضربة حاسمة للأتراك لدفعهم إلى الخروج من الحرب، وإضعاف قوة ألمانيا. ويومها قال: “إذا ما حاولنا استرضاء تركيا، فإننا نحكم على سياستنا في البلقان بالفشل، وأرى أن نبادر في الهجوم على تركيا، وذلك بعد الاتفاق مع دول البلقان، وخاصة بلغاريا. لا يتوجب علينا عندها أخذ مصلحة تركيا ووحدة أراضيها بعين الاعتبار”.

    كانت خطة تشرشل، حينها، هي الإبحار عبر مضيق الدردنيل بهدف السيطرة عليه. وبالفعل، هبطت قوات التحالف على غاليبولي في أبريل/ نيسان 1915. لكن الجيش العثماني استطاع صد هجوم قوات التحالف، وألحق بهم خسائر فادحة، مما دفع القادة العسكريين إلى إيقاف الحملة، وهو ما رفضه تشرشل الذي أصرّ أن تستمرّ الحملة، وكان يرى أن نفاد الذخيرة لدى الجيش العثماني يعني أن الطريق أصبحت سالكة نحو القسطنطينية. إلا أن القرار العسكري كان إيقاف الحملة، وأُجبر تشرشل، حينها، على الاستقالة من منصبه، وظل يقول إن خسارة هذه الحرب ظلت تسبّب له العذاب طيلة حياته. أُجبر تشرشل على الاستقالة من منصب وزير البحرية البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى.

     سبق أن صرح آلن باكوود، مدير مركز أرشيف تشرشل: “شكّل ذلك ضربة موجعة لتشرشل. قبل هذه اللحظة، كان لديه ذلك المنصب الرفيع المذهل. وكانت هذه أول انتكاسة حقيقية أدت إلى عزله كرئيس لهيئة أركان البحرية البريطانية من قبل رئيس الوزراء في حينه، أسكويث، وفي نهاية المطاف، أدت إلى تركه الحكومة البريطانية، والذهاب للخدمة في الخنادق على الجبهة الغربية لما يقارب الأشهر الستة، وبدا بهذه الحركة كما لو أن حياته السياسية قد انتهت”. ورغم انتصار بريطانيا في هذه الحرب، وامتداد نفوذها إلى مناطق جديدة، فقد كانت تكلفة هذه الحرب باهظة، مكبدة البريطانيين آلاف الضحايا، وأضعفت مواردهم المالية، بالإضافة إلى نمو مشاعر القومية في المستعمرات الجديدة والقديمة.

تشرشل وزيرًا للمستعمرات

      من ضمن هذه المستعمرات الجديدة، فلسطين، وشرق الأردن، والعراق. وللخروج من هذه الأزمة، قامت الحكومة البريطانية عام 1921، بتعيين ونستون تشرشل وزيرًا للمستعمرات ليكون مسؤولًا عن تخفيض تكلفة احتلال الشرق الأوسط، ولأسباب أخرى، كانت أكثرها خصوصية تتعلق بمعرفة تشرشل الواسعة بعادات وطباع سكان تلك المنطقة، وذلك من خلال مشاركته كمراسل حربي في الحملة العسكرية (الإنجلو مصرية) ضد ثورة المهدية في السودان عام 1898، التي كتب عنها تشرشل كتابًا بمجلدين كبيرين باسم “حرب النهر”، نقل فيها أولى انطباعاته ومشاهداته حول العرب والمسلمين في ذلك الوقت.

      وورن دوكتور، مؤلف كتاب تشرشل والعالم الإسلامي يقول: “كان تشرشل مراسل حرب لصحيفة دايلي بايير. وأرسل في تقاريره الصحافية مواضيع مثيرة للاهتمام حول تجاربه في هذه الرحلة الاستكشافية. لكن تقاريره الصحافية لم تكن تشبه تقارير مراسلي الحرب الآخرين إلى حد كبير. فهي لم تتصف بنوع من الاستشراق والعنصرية التي تتوقعها. أعتقد أنه من المهم أن نذكر أيضًا أن في كتابه حرب النهر، هناك اقتباس سيء السمعة حول آراء تشرشل عن المسلمين، إذ يتحدث عن مدى فظاعة الإسلام، وغالبًا ما يتمّ استخراج هذا الاقتباس من سياقه، ليتمّ تسييسه كما حصل خلال غزو العراق بداية الألفية الثانية”. وأضاف: “لكن تشرشل لا يتحدث عن جميع المسلمين، إذ سبق وقاتل مع المسلمين في الهند. إنه يتحدث عن مجموعة محددة من المسلمين؛ عن الدراويش”.

انتفاضة العراق 1920

     كان على تشرشل مهمة إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط، بما يناسب الوضع السياسي الجديد في المنطقة، خصوصًا في ظل توتر الأوضاع في العراق بعد اندلاع انتفاضة شعبية عام 1920، تطالب برحيل الاستعمار البريطاني. طالب تشرشل حينها، في رسالة أرسلها إلى قائد سلاح الجو البريطاني السير هيو ترنشاد، استخدام الغاز السام، لقمع تلك الاحتجاجات، وذلك قبل تسلّمه وزارة المستعمرات. وكتب تشرشل: “أعتقد أن عليك مواصلة التجارب الخاصة بقنابل الغاز، وخاصة غاز الخردل الذي يمكننا من خلاله، معاقبة المتمردين من السكان الأصليين دون إيقاع إصابات بالغة بهم”. وبعد تولي تشرشل منصبه وزيرًا للمستعمرات، لم يخف قلقه من تسلّم هذا الملف، حيث كتب في رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني قائلًا: “أشعر بالضيق إزاء العواقب السياسية التي تلحق بي، لأنني أخذت على عاتقي عبء التورّط في بلاد الرافدين”.

    جون هارت، مؤلف كتاب “كيف أنقذ تشرشل الحضارة يقول: “لم يكن تشرشل يريد وظيفة وزير المستعمرات، لأنه كان يعلم أنها كانت إحدى تلك الوظائف التي لا يمكنك فيها إرضاء الجميع. دائمًا سيكون هناك شخص يشكو من شيء ما. كما أنه لم تعجبه الأجواء المشحونة. لقد كان رجلًا منطقيًا. فما كان يريده حقًا هو أن يكون وزير الخزانة. لكنها كانت الوظيفة التي منحها إياه لويد جورج، وقد قام بها بطريقة احترافية للغاية”.

    كان على تشرشل أن يتعامل مع هذا العبء بالكثير من الحذر والقوة. فأمامه مهمة صعبة، تبدأ بمحاولة تلبية تطلعات الشريف الحسين بن علي بإقامة دولة عربية في منطقة الحجاز وبلاد الشام. ومن جهة أخرى، ضمان حصول اليهود على دولتهم القومية في فلسطين، وفق وعد بلفور. ومن أجل ذلك، أنشأ تشرشل دائرة تختص بشؤون الشرق الأوسط، واستدعى الضابط البريطاني إدوارد لورانس، الذي كانت له ارتباطات قوية بسلالة الشريف الحسين بن علي المتمركزة في الحجاز، ليكون مستشارًا رئيسًا له في الوزارة.

      طلب تشرشل من لورانس أن يقوم بما يلزم من استعدادات لعقد اجتماع خبراء، والتركيز فيه على قضية الانتداب البريطاني على العراق والأردن وفلسطين. ونتيجة لذلك، تم عقد اجتماعات تحضيرية في لندن شارك فيها الأمير فيصل بن الحسين. اختار تشرشل التوجّه إلى القاهرة في مارس/ آذار 1921، برفقة وفد كبير مؤلف من 40 موظفًا إداريًا وسياسيًا وعسكريًا من البريطانيين الذين كانوا يشغلون مناصب هامة في أرجاء الوطن العربي، من بينهم هربرت صاموئيل، المندوب السامي البريطاني في فلسطين، والمشير إدموند اللمبي الذي احتلّ فلسطين في أثناء الحرب العالمية الأولى، والسير برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق.

      وقال دوكتور: “في نهاية الحرب العالمية الأولى، اضطر تشرشل لتسوية ثلاث مناطق. تم تقديم ثلاثة وعود في الحرب العالمية الأولى، ومنها ما نعرفها الآن والتي جاءت في مراسلات الحسين ماكناهم عن مناطق السيطرة التي وُعد بها العرب إثر دعمهم للبريطانيين ضدّ الإمبراطورية العثمانية. ووجهة النظر تقول إن ما حاول تشرشل تحقيقه من هذه الوعود هو ما يدعوه المؤرخون من أمثال تيموثي بيريس بالحلول الشريفية. وهذا هو المغزى، أنه إذا كان الملك حسين يسيطر على مكة، والملك فيصل في العراق، والملك عبدالله في الأردن، فإن ثلاثتهم سيعملون جنبًا إلى جنب لمحاولة المساعدة في تحقيق غايات بريطانيا، وتتصرّف فيما يُشبه الدول التابعة، وهذا ما لم ينجح بالطبع. وكان له سوء فهم جذري، أحدها أنه قلّل بالفعل من مدى إعجاب الهاشميين ببعضهم البعض، حيث لم يتوافق عبد الله وفيصل ووالدهما بشكل جيد”.

     لم يخف تشرشل قلقه من الذهاب إلى القاهرة في تلك الأثناء، خصوصًا بعد رفضه المطالب التحررية للمصريين آنذاك، حيث كتب في رسالته لزوجته في 11 فبراير/ شباط 1921: “إن الشعب المصري منزعج بسبب مجيئي إلى مصر، ويبدو أنهم يعتقدون أن لمجيئي علاقة بهم. وهذا في الواقع اعتقاد خاطئ، لم أحضر في مهمة رسمية إلى مصر، وليس لدي صلاحية لمعالجة أية مسألة مصرية. يجب أن أوضح ذلك بشكل جلي، وإلا فإنهم سيزعجوننا بالمظاهرات والوفود”.

مؤتمر القاهرة 1921

      رغم ذلك، أُقيم المؤتمر في فندق سميراميس على ضفاف النيل. وناقش الحاضرون عدة قضايا بدءًا بموضوع العراق، وموضوع فلسطين وشرقي الأردن، إلى جانب مسائل عسكرية ومالية أخرى. وقال باكوود إن ما تحاول الحكومة البريطانية القيام به في الشرق الأوسط في تلك المرحلة، هو الحفاظ على مصالحها، ومحاولة الحفاظ على موقعها وتأثيرها، وذلك من خلال العمل مع الآخرين. وما حاول تشرشل فعله في مؤتمر القاهرة هو تأسيس مكانة وموقع لليهود في فلسطين، واحترام وعد بلفور، وأن تكون هناك جالية يهودية يستطيع البريطانيون العمل معها. لكن أيضًا، إنشاء دول جديدة: دولة العراق، ودولة شرق الأردن الجديدتين. وتثبيت أنظمة في هذه الدول بحيث يتمكن البريطانيون من العمل معها”.

      في تلك الأثناء، كان الأمير عبدالله بن الشريف حسين، قد استكمل سيطرته على شرق الأردن، ما دفع الحاضرين في مؤتمر القاهرة إلى الاعتراف بعبدالله بن الحسين أميرًا لشرق الأردن، بعد أن أرسل لتشرشل رسالة شرح له فيها الأسباب التي دفعته إلى المجيء إلى عمّان، مؤكدًا أنه لا يحمل أية نية عدوانية، طالبًا منه مقابلته في فلسطين أو في أي مكان آخر يعبّر فيه عن إيمانه بالصداقة المتبادلة. وقال هارت إن “المبدأ العام وراء الحدود الجديدة في الشرق الأوسط، هو الاحتفاظ بفلسطين لليهود، ولبنان للمسيحيين، والعراق لجميع القبائل العربية الإسلامية الأخرى. وعندما سُئل تي إي لورانس عن نصيحته عمن ينبغي أن يقوم البريطانيون بدعمه في الشرق الأوسط، ذهب لزيارة أبناء الشريف حسين، حيث كان يبحث في عقله عن شخصية بطولية لديها القدرة على القيادة”. من جهته، قال دوكتور إن ما هو رائع أن تشرشل أحبّ حقًا عبدالله وكانا على وفاق. وبالطبع لم يفكر لورانس كثيرًا في عبدالله، وقد أخبر تشرشل أن عبدالله لم يكن ذلك القائد الحقيقي، وأن شقيقه فيصل كان القائد الحقيقي. لكن تشرشل فضّل عبدالله لأنه ساعده في وقت لاحق من الحرب العالمية الثانية. وظهرت هناك صداقة حقيقية بين تشرشل وعبدالله، لكن ليست على غرار صداقة تي إي لورانس وفيصل”. وبعد إنهاء مؤتمر القاهرة، وبينما كان المشاركون يستعدون لالتقاط صورة تذكارية، مازحهم تشرشل قائلًا: “أنا أسد بين أربعين حراميا”.مؤتمر القاهرة 1921

مؤتمر القاهرة 1921- غيتي

     قال دوكتور إن تشرشل قال إنه جمع لصوصه الأربعين، حيث كان يشير إلى الرواية الشهيرة ألف ليلة وليلة، لذلك فقد حشد لمؤتمر القاهرة بشكل أساسي لإنشاء نظام في الشرق الأوسط. كما أنهم قرروا استخدام ما نسميه الآن الشرطة الجوية الاستعمارية للسيطرة على المنطقة. وقرروا استخدام الطائرات لقطع المسافات، وإبقاء الجميع ملتزمين. وهذه بالطبع واحدة من أكبر مآسي مؤتمر القاهرة، لأن ما تمخّض عنه هو نوع من الإرث الاستعماري الوحشي لاستخدام القوة الجوية للسيطرة. وهي طريقة رهيبة لمحاولة إدارة أي شيء”.

تشرشل في القدس

     أكمل تشرشل رحلته في الشرق الأوسط، من القاهرة إلى القدس مرورًا بغزة، حيث قُوبل قطار تشرشل هناك بمظاهرة كبيرة ضد الانتداب البريطاني على فلسطين. ظنّ تشرشل وصاموئيل حينها، أن المتظاهرين الذين اصطفوا محتجين كانوا يلوّحون له مرحّبين، بينما كان هؤلاء يردّدون هتافات ضدّ تزايد هجرة اليهود إلى فلسطين. وفي القدس، قابل الأمير عبدالله بن الحسين تشرشل بحضور إدوارد لورانس، وهربرت صاموئيل، ليقترح تشرشل على الأمير إنشاء إمارة شرق الأردن، على أن يقرّ الأمير بالسيطرة البريطانية على إدارته. وقال تشرشل: “يتوجّب على الأمير فيصل بن الحسين أن يغادر سوريا ويترشّح لعرش العراق، لأن فرنسا لن تتعاون معه أبدًا. لذلك عليك أيها الأمير عبدالله التأثير على والدك لقبول ترشيح فيصل، وتشجيع الشعب العراقي على قبوله، ضمن اتفاق كامل مع بريطانيا العظمى، وأن تواصل سياسة استرضاء الفرنسيين”.

    طلب الأمير عبدالله منحه السيطرة على كامل منطقة فلسطين الانتدابية، والسماح له بالاتحاد مع العراق التي وعد بها شقيقه فيصل. لكن تشرشل رفض كلا المطلبين، واتفقا على أن يقوم الأمير عبدالله بإدارة المنطقة الواقعة شرق الأردن لفترة تجريبية مدتها ستة أشهر، يحصل خلالها على دعم بريطاني قدره 5 آلاف جنيه إسترليني شهريًا.

     في اليوم التالي، توجه تشرشل لوضع الحجر الأساس للجامعة العبرية على جبل المشارف في القدس، وتحدّث أمام عشرة آلاف مهاجر يهودي ليؤكد بشكل قاطع دعم بريطانيا للوطن القومي اليهودي، وتأسيس دولة يهودية في المستقبل.

     قال تشرشل: “من الواضح تمامًا أنه يتوجّب أن يكون لليهود الذين ينتشرون في جميع أنحاء العالم أرض حيث يمكن لمّ شملهم، ويمكن أن يكون ذلك في أرض فلسطين التي ارتبطوا بها ارتباطًا وثيقًا لأكثر من 3 آلاف سنة. نعتقد أن هذا سيكون مفيدًا للعالم واليهود، وخير للإمبراطورية البريطانية. وكذلك نعتقد بأن هذا سيكون جيدًا بالنسبة للعرب الذين يسكنون فلسطين”.

ثورة يافا 1921

    أثار خطاب تشرشل غضب العرب، حيث طافت مظاهرات عربية بالمدن الفلسطينية، منددة بتصريحاته، وتنادي بسقوط بلفور ورفض الصهيونية. الأمر الذي مهّد الطريق لاشتعال ثورة يافا في مايو/ أيار 1921. وعلى إثر هذه الانتفاضة، أرسل المؤتمر العربي الفلسطيني وفدًا إلى لندن برئاسة موسى كاظم الحسيني الذي بقي هناك قرابة تسعة أشهر. وفي أول لقاء لهم مع تشرشل، طالبوه بإلغاء وعد بلفور. لكن تشرشل لم يُنصت إليهم، فقرر الوفد الذهاب إلى جنيف لحضور اجتماع عصبة الأمم في محاولة منهم لطرح المشكلة أمام جميع دول العالم. لكن الوفد لم يستفد شيئًا من إقامته في جنيف، فقرر العودة إلى لندن. وقال باكوود: “أعتقد أن تشرشل كان من مؤيدي وعد بلفور. كما أعتقد أنه يؤمن بأن من الصواب أن يكون للشعب اليهودي وطن في فلسطين. لكن هذا لا يعني بالطبع أنه كان مناصرًا لدولة يهودية. ولو نظرت إلى ما يقوله تشرشل باستمرار منذ وعد بلفور حتى الحرب العالمية الثانية، لوجدت أن ما يبحث عنه هو ما نسميه اليوم حل الدولتين. ويعتقد أنه يجب أن يكون من الممكن التعامل مع الهجرة اليهودية بطريقة تمكّنهم من العيش إلى جانب الشعب الفلسطيني”.

     كان العراق في ذلك الوقت يتحضّر لإعلان الأمير فيصل بن الحسين ملكًا عليه، بعد إجراء استفتاء في عموم البلاد. وكان تشرشل حريصًا على تذليل أي عقدة تعترض الاتفاق الذي جرى بينه وبين الأمير فيصل. فأرسل برقية للمندوب السامي في العراق يوصيه بتتويج الأمير فيصل بأقرب وقت ممكن. وكتب تشرشل: “يتوجّب على فيصل عند اعتلائه عرش العراق أن يعلن أن قبوله ملكًا على العراق منوط باستمرار مساعدتنا له وحدنا. وحكومة جلالة الملك مستعدة لمؤازرته، ولكن ليس بإمكانها أن تصرّح الآن عن أية اتفاقات بينها وبينه”. وهكذا استطاع تشرشل في أول ستة أشهر من توليه منصب وزارة المستعمرات أن يُغلق ملفي العراق وشرق الأردن. وبقي أمامه حلّ مسألة فلسطين بما يناسب تطلعات الدولة البريطانية بإقامة دولة يهودية هناك دون الكثير من المواجهات مع العرب.

     قال باكوود: “يفضّل تشرشل بشدة الجانب اليهودي على الجانب الفلسطيني. وهو يعتقد أن الإتيان بالمستوطنين اليهود إلى فلسطين، سيكون قوة لتحقيق تقدّم مادي ونهضة في البلاد. كما أنه ذلك الشخص المتعاطف مع قضية اليهود بسبب طباعه وخلفيته ومن خلال صداقات عائلته، وهو ما تجلّى في معالجته للمناقشات في القدس عام 1921، حيث كان أكثر تعاطفًا تجاه الجانب اليهودي من الفلسطيني”.

مسودة الدستور الفلسطيني لعام 1922

     في شباط/ فبراير 1922، وأثناء إقامة الوفد الفلسطيني في لندن، قدّم لهم تشرشل مسودة دستور فلسطين لدراسته وإعطاء الرأي فيه. وكانت المسودة تنصّ على إيجاد مجلس تشريعي مؤلف من 26 عضوًا يترأسهم المندوب السامي حينذاك هيربرت صاموئيل.

    رفض الوفد الاقتراح، واشتد الجدال بين الطرفين، وتعدّدت الرسائل الجافة والقاسية بينهما. وكان جواب تشرشل على إحدى رسائل الوفد الفلسطيني حاسمًا بأنه لا يستطيع أن يبحث دستور فلسطين إلا على أساس وعد بلفور. وأرسل تشرشل بعدها جوابًا رسميًا على طلبات الوفد الفلسطيني، والذي أطلق عليه حينذاك “كتاب تشرشل الأبيض”، والذي ثبّت فيه سياسة “وعد بلفور”، وأكد أن وجود اليهود في فلسطين حق لا بد منه. لكنه قال إن ذلك لا يعني تهويد فلسطين كلها، وإن من حق العرب أن يطمئنوا إلى أن ذلك الاستيطان لن يؤثر على وجودهم. إلا أن تلك الوثيقة جُوبهت بالرفض من العرب واليهود على حد سواء. وقال هارت: “ما أراده الصهاينة هو وطن قومي لليهود، الذين لديهم الحق في الهجرة بصورة أكبر. كما كان العرب ضد الكتاب الأبيض لأنهم كانوا يخشون أن يفوقهم اليهود عددًا”.

    في العام ذاته، عبّر تشرشل عن رأيه بالعرب في فلسطين بوضوح أمام مجلس العموم البريطاني قائلًا: “لو تُرك الأمر لعرب فلسطين، لما أقدموا، ولو لألف سنة، على اتخاذ خطوات فعلية لتوفير مياه الري والكهرباء في فلسطين. ولاكتفوا، وهم حفنة من الناس المتفلسفين، بالإقامة في السهول المقفرة التي تحرقها أشعة الشمس، تاركين مياه نهر الأردن تتدفّق دون احتجازها لتصبّ في البحر الميت”. وقال دوكتور إن وجهة نظر تشرشل عن فلسطين أنها ستبقى مستعمرة بريطانية ذات ولاية، وأن بريطانيا ستسيطر عليها. وأن أحد أسباب استياء الوفد الفلسطيني الشديد من تشرشل، هو أنه أبقى في كتابه الأبيض الصياغة مفتوحة حول الهجرة اليهودية إلى فلسطين. والعبارة التي استخدمها أن فلسطين تستطيع أن تستوعب هجرة اليهود، من دون تحديد أرقام”.

     لم يكمل تشرشل مسيرته في وزارة المستعمرات، لكنه استطاع بعد عام واحد أن يُحقّق الكثير مما كان يصبو إليه، ليعود في فترة الحرب العالمية الثانية، رئيسًا للوزراء في المملكة المتحدة.

ثورة الرشيد

     في تلك الفترة من عام 1941، كان العراق يشهد اضطرابات واسعة بهدف إسقاط النظام الملكي الموالي لبريطانيا، وسُمّيت بـ”ثورة الرشيد”، نسبة إلى رشيد علي الكيلاني، والذي وصفه تشرشل بأنه لا يعوزه شيء من القابلية والمقدرة. فقد كان على درجة عالية من الدهاء والفعالية، وطموحًا بصورة غير اعتيادية.

     لكن تشرشل كان يعتبر أن هذه الثورة كانت مدعومة من الألمان، ويجب عليه إخمادها بكل الوسائل الممكنة. فوجّه لهم ضربات جوية على مراكز تجمّعهم، واستطاع إضعاف قوتهم والقضاء على “ثورة الرشيد” حينذاك. ومع بداية انتهاء الحرب العالمية الثانية، واقتراب حسمها من قبل الحلفاء بقيادة بريطانيا، توجّه تشرشل إلى مصر للاجتماع بملك السعودية عبدالعزيز آل سعود، في محاولة منه للحصول على امتيازات للنفط السعودي، أسوة بالولايات المتحدة الأميركية.

     يصف السفير البريطاني في القاهرة اللورد كيليرين تفاصيل اللقاء المدهشة، وكيف أن رجال البروتوكول السعودي أبلغوا اللورد كيليرين بأن الملك السعودي لن يسمح بالتدخين أو شرب الكحول في حضرته، وأن هذه تعاليم دين الملك عبدالعزيز. وأبلغ كيليرن تشرشل بدوره، فردّ تشرشل: “إذا كانت هذه تعاليم دين الملك، فإن تعاليم دين تشرشل تصر على شعائر الشراب والتدخين”.

    قال باكوود إن “لقاء تشرشل مع الملك السعودي مثير للاهتمام حقًا، لأنه يُدرك أن الملك يلتقي في تلك المرحلة مع الرئيس الأميريكي روزفلت، وأن ما حصل يتعلّق بمحاولة الحفاظ على العلاقة البريطانية مستقلة عن المصلحة الأميركية الناشئة”.

     بدوره، قال هارت إن “ما أراد تشرشل وروزفلت التأكد منه هو أن السعودية لن تزوّد ألمانيا النازية بالنفط. على الرغم من أن الحرب بدت وانتهت بانتصار الخلفاء. وبقيت الحقيقة أن الأسلحة الألمانية عندما هاجموا روسيا، كانت تذهب إلى حقول النفط في باكو. لقد كانوا بأمس الحاجة للنفط لمواصلة الحرب”.

    عاد تشرشل إلى القاهرة من الفيوم، واجتمع مع الملك فاروق، وقال له إنه لا يوجد بلد في العالم يحس به المرء بالثراء الفاحش والفقر المدقع في آن واحد، كما في مصر. وتساءل: “لما لا تأخذ من الباشاوات الأثرياء بعضًا من ثرواتهم الكبيرة وتنفقها على الفلاحين. فأجاب الملك فاروق بأنه يتمنّى ذلك، ولكن هذا من اختصاص الحكومة.

     وقال باكوود : “تشرشل إمبريالي طوال حياته. وهو ذلك الشخص الذي يؤمن بالإمبراطورية البريطانية، وأن البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط هو نقطة مركزية ومفتاح لتلك الإمبراطورية، إذ تضمن له الارتباط عبر قناة السويس إلى الهند. وكان مصممًا على الحفاظ على النفوذ والوجود البريطاني هناك”.

     في يونيو 1944، تمكن الحلفاء من فرض سيطرتهم على نورماندي وإجبارهم القوات الألمانية على الانسحاب تجاه ألمانيا والدفاع على جبهة واسعة طوال العام التالي. وعلى الرغم من فشل مهاجمة الحلفاء لألمانيا على ثلاث جبهات منها عملية ماركت جاردن، والهجوم المضاد الألماني، و‌معركة الثغرة، فإن الهزيمة قد حلت بألمانيا في النهاية.

تشرشل و‌ستالين و‌فرانكلين روزفلت خلال مؤتمر يالطا، فبراير 1945

     في 7 مايو 1945 في “المقر الرئيسي لمهام الحلفاء العسكرية” بمدينة ريمس الفرنسية، أقر الحلفاء بهزيمة ألمانيا. وفي اليوم ذاته، أعلن فلاش جون سانجي أنه غدًا سيحل يوم النصر لأوربا Victory in Europe Day)). وفي يوم النصر، بث تشرشل نبأ استسلام القوات الألمانية إلى الأمة، وأن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ بحلول منتصف الليل. بعد ذلك توجه تشرشل إلى طريق وايت هول ليخطب في حشد ضخم قائلًا: “هذا هو نصركم”، فيصرخ الحشد: “لا إنه نصركم”، ثم يقوم بتشغيل أغنية “أرض الأمل و‌المجد”. وفي المساء، خاطب تشرشل الشعب إذاعيًا، مؤكدًا على هزيمة اليابان في الأشهر المقبلة. وبالفعل، استسلمت اليابان في وقت لاحق يوم 15 من أغسطس عام 1945. وفي ظل الاحتفال بانتهاء ست سنوات من الحرب، كان يساور تشرشل قلق حيال هذا النصر. كان يرمي تشرشل إلى فرض الحدود المتفق عليها مسبقًا بين بريطانيا و‌الولايات المتحدة على الفور؛ متوقعًا تجاهلًا من الجيش الأحمر -جيش العمال والفلاحين بروسيا- لتلك الحدود. ووفقًا لتلك الخطة المفاجئة من تشرشل وتبني القوات البريطانية لها؛ باغتت القوات البريطانية، القوات السوفيتية المتحالفة بهجوم مفاجئ في 1 يوليو 1945. ويشار إلى أن “رؤساء لجنة الأركان العسكريين” قد رفضوا الفكرة باعتبارها غير مجدية عسكريًا.

زعيم المعارضة

      مع كل ما جناه تشرشل من تأييد شعبي بريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، لم يفز تشرشل بانتخابات 1945. كان هناك العديد من الأسباب وراء ذلك، أهمها ما انتشر في الأوساط البريطانية آنذاك من رغبة للإصلاح ما بعد الحرب، وهو ما جعل البريطانيين يرون أن ذلك الرجل الذي قاد الحرب لا يمكنه قيادة عملية السلام في البلاد. كان من المتوقع أن يتنحى تشرشل ويسلم القيادة لأنطوني إيدن، الذي أناب عنه بعد هزيمته في الانتخابات. لكن تشرشل – وهو في ال70 من عمره- كان مصممًا على تحدي إيدن كقائد، وبادله إيدن الحرص نفسه على خوض التحدي. كان ذلك بمثابة آخر مسمار في نعش مقاليد القيادة التي تملكها تشرشل. ظل تشرشل زعيمًا للمعارضة مدة ست سنوات مقبلة؛ مؤثرًا في قرارته على شؤون العالم أجمع. وفي زيارة للولايات المتحدة عام 1946، خسر تشرشل الكثير من المال في مباراة بوكر مع كل من ترومان ومستشاريه. وكان تشرشل يهوى لعبة الـ Bezique –أحد ألعاب الكوتشينة- التي تعلمها أثناء خدمته في حرب البوير. وخلال تلك الزيارة ألقى تشرشل خطابه عن “الستار الحديدي” التي انتهجه الاتحاد السوفيتي، وعن تشكيل “الكتلة الشرقية”. ومتحدثًا من جامعة وستمنستر في الخامس من شهر مارس عام 1946 في مدينة فولتون الأمريكية بولاية ميزوري؛ أعلن تشرشل: “من شتتين في بحر البلطيق وحتى ترييستي في البحر الأدرياتيكي، يغمر “الستار الحديدي” سائر القارة. وخلف هذا الخط، تقع كل عواصم الدول القديمة في أوربا الوسطى و‌الشرقية، وأعني بقولي: وارسو، و‌برلين، و‌براغ، و‌فيينا، و‌بودابست، و‌بلغراد، و‌بوخارست، و‌صوفيا. في كل تلك المدن الشهيرة وما حولها من الشعوب، يكمن ما علي أن أدعوه “فلك الاتحاد السوفيتي”. كما دعا تشرشل بشدة من أجل الاستقلال البريطاني من الفحم و‌الصلب الأوروبي، الذي نظر عليه كمخطط فرنسي-ألماني. رأى تشرشل بريطانيا مكانًا منفصلًا عن القارة الأوربية، ورآها متماشية مع دول الكومنولث والإمبراطورية و‌الولايات المتحدة فيما أسماه “فلك الأنجلو”.

تشرشل رئيسًا للوزراء لولاية ثانية

العودة للحكومة وانهيار الإمبراطورية البريطانية

      بعد الانتخابات العامة البريطانية عام 1951، تولى تشرشل منصب وزير الدفاع منذ أكتوبر 1951 وحتى يناير 1952. بعدها، تولى تشرشل منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 1952، وتشكيل الحكومة للمرة الثالثة بعد تشكيله الحكومة الوطنية وقت الحرب، وحكومة تصريف الأعمال التي استمرت لمدة قصيرة بدأت من عام 1945 حتى استقالته في أبريل 1955. وفي الشأن الداخلي، شهدت البلاد العديد من الإصلاحات مثل سن قانون “المناجم و‌المحاجر” عام 1954، وقانون “الإصلاح العمراني والإيجار” عام 1955. وحد قانون التشريعات الخاصة بتوظيف الشباب من الجنسين للعمل في المناجم و‌المحاجر، مع مراعاة السلامة، و‌الصحة، و‌الرعاية الاجتماعية. وبالنسبة للقانون الثاني، فقد طور قوانين الإسكان القائمة، ووصف وحدات الإسكان القائمة ب”غير الصالحة للاستخدام الآدمي”. بالإضافة إلى ذلك، زادت المخصصات الضريبية، وتم إنشاء مجلس للإسكان بشكل أسرع،  وازدادت معاشات التقاعد، واستحقاقات المساعدة الوطنية. بل والأكثر من ذلك؛ إذ تم فرض رسوم على الوصفات الطبية. جاءت الأولويات المحلية حكومة تشرشل الأخيرة بسلسلة من الأزمات حلت بالسياسة الخارجية، والتي ساهمت بشكل ما في انكماش هيبة وقوة الجيش البريطاني، وتقلص مستعمراته باستمرار. كان تشرشل عادة ما يقوم بممارسات مباشرة تحفظ لبريطانيا مكانتها كقوة دولية. كان أحد تلك الممارسات، إرسال قوات بريطانية إلى كينيا للتعامل مع تمرد الماو ماو. وفي محاولة أخرى للحفاظ على ما تبقى للإمبراطورية البريطانية، صرح ذات مرة بأنه: “لن يترأس عملية تقطيع الأوصال هذه”.

الحرب في مالايا

دوايت أيزنهاور، الرئيس ال 34 للولايات المتحدة الأمريكية

     تلت تلك الفترة العديد من الأحداث التي عرفت باسم “أزمة المالايا”. كان في المالايا تمرد ضد الحكم البريطاني منذ عام 1948. ومرة أخرى، ورثت حكومة تشرشل أزمة كبيرة، واعتزم تشرشل مواجهتها بالسلاح لمنع هؤلاء المتمردين من التحالف مع غير المتمردين. وأثناء القضاء البطيء على هذا التمرد، كان واضحًا أن الحكم الاستعماري البريطاني لم يعد محتملًا.

العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية

     كرس تشرشل معظم فترة تواجده بالحكومة لتوطيد العلاقات الأنجلو أمريكية. وبالرغم من أن تشرشل لم يتفق كثيرًا مع الرئيس دوايت أيزنهاور، إلا إنه سعى إلى الحفاظ على “العلاقة الخاصة” مع الولايات المتحدة؛ حيث قام بأربع زيارات رسمية عبر الأطلسي للولايات المتحدة خلال فترة ولايته الثانية في رئاسة الوزراء.

سلسلة من السَكْتَات الدماغية

    كان تشرشل قد أصيب بسكتة دماغية عابرة أثناء تواجده بجنوب فرنسا صيف عام 1949. وفي يونيو 1953، عندما كان عمره 78، أصيب تشرشل بآلام سكتة دماغية أكثر شدة، أثناء تواجده بـ 10 شارع دونينغ. لم يعرف العامة أو البرلمان أي من تلك النوبات، وتم إبلاغهم أن تشرشل يعاني من الإرهاق. غادر تشرشل إلى منزله في تشارتويل بغرض التعافي من آثار تلك السكتات، التي أثرت كثيرًا على حديثه وقدرته على السير. وفي أكتوبر، عاد تشرشل ليلقي خطبة في مؤتمر حزب المحافظين بمدينة مارجيت. وبإدراكه التباطؤ الذي حل به عقليًا وجسديًا؛ اعتزل تشرشل عمله كرئيس للوزراء عام 1955، ليخلفه أنطوني إيدن. وفي ديسمبر 1956، عانى تشرشل من سكتة عابرة أخرى.

التقاعد والوفاة

    كانت تنوي الملكة إليزابيث الثانية جعل تشرشل دوق لندن، لكن ابنها راندولف عارضها بشدة؛ لأنه اللقب الذي ورثه عن والده. وافق راندولف بعد ذلك، بشرط حصوله على وسام الفروسية -وسام ربطة الساق البريطاني. بعد تركه العمل بالحكومة، قضى تشرشل وقتًا قليلًا بالبرلمان حتى تنحيه في الانتخابات العامة 1964. وبكونه أحد صاحبي المقاعد الخلفية في البرلمان –أصحاب النفوذ الضعيف في البرلمان، قضى تشرشل معظم أغلب وقته ما بين تشارتويل ومنزله بشارع هايد بارك جيت في لندن. وأيضًا اعتاد مخالطة المجتمع الراقي على شاطئ الريفييرا الفرنسي. في الانتخابات العامة 1959، تراجعت شعبية تشرشل تراجعًا مهولًا، بسبب عدم دعم الشباب له في دائرته؛ إذ رأوا أنه لا يقدر على دخول مجلس العموم إلا على كرسي متحرك! واضمحلال قدراته الذهنية و‌العضلية، بدأ تشرشل يخسر معركته ضد اليأس –الكلب الأسود. انتشرت تكهنات أخرى تفيد أن تشرشل قد أصيب بمرض الزهايمر في سنواته الأخيرة، غير أن آخرين أكدوا أن انخفاض قدراته العقلية كانت بسبب سلسلة السكتات الدماغية التي تعرض لها سابقاً. وفي 1963، منح الرئيس الأميركي جون كينيدي المواطنة الفخرية لتشرشل –بموجب تشريع صادر من الكونغرس،  غير أنه لم يقدر على حضور مراسم الاحتفال بالبيت الأبيض. حارب تشرشل حالته السيئة، محاولًا دائمًا الانخراط في الحياة العامة. ففي حفل سانت جورج عام 1964، بعث تشرشل برسالة تهنئة للمحاربين القدامى الذين نجوا في غارة زيبروغ عام 1918، والذين حضروا قداسًا تذكاريًا في مدينة ديل الواقعة في مقاطعة كنت، حيث يرقد ضحايا الغارة في مقابر طريق هاملتون. وفي 15 كانون الثاني/ يناير 1965، أصيب تشرشل بـسكتة دماغية شديدة دَكَّته وَتَرَكْتهُ مُثْبَتاً عاجزًا لا يَبْرَح الْفِرَاشَ. وبعد تسعة أيام، أي صباح يوم الأحد 24 من كانون الثاني /يناير 1965، نزلت بتشرشل صرعة الموت عن عمر يناهز الـ90، أي بعد 70 عامًا من وفاة والده.

جنازته

     تعد جنازة تشرشل أكبر جنازة رسمية عرفتها البشرية وحتى يومنا هذا بحضور ممثلين من 112 دولة. يشار إلى أن الصين كانت الدولة الوحيدة التي لم ترسل مبعوثًا. كانت أيرلندا الوحيدة التي لم تذع الجنازة مباشرة في أوروبا جمعاء، عندما كان يشاهدها 350 مليون شخص، منهم 25 مليون في بريطانيا وحدها. أمرت الملكة بأن تسجى جثة تشرشل في نعش مكشوف بقصر ويستمنستر لمدة ثلاثة أيام، وأن تتولى بريطانيا مراسم الدفن الرسمية في كاتدرائية سانت بول يوم 30 يناير 1965. كان ضمن الحضور أكبر حشد من رجال الدولة عرفه العالم. وعلى غير العادة، حضرت الملكة مراسم الدفن.

     أثناء مرور نعش تشرشل المبطن بالرصاص من رصيف تاور البحري إلى نهر التايمز وحتى رصيف فيستيفال البحري تحمله سفينة إم في هافينجور، خفض عمال الموانئ الرافعات الذراعية تحية لتشرشل. أطلقت المدفعية الملكية 19 طلقة تحية لتشرشل، ونظم سلاح الجو الملكي عرضًا جويًا يتكون من 16″ مقاتلة إنجلش إلكتريك لايتنغ”. حُمل الكفن لمسافة قصيرة إلى محطة ووترلو حيث تم وضعه على عربة مزينة أُعدت خصيصًا كجزء من جنازته ليأخذ النعش طريقه لمسافة سبعة أميال على طول الشريط الحديدي إلى الشمال الغربي لأكسفورد. كان قطار نقل الموتى بعرباته من طراز بولمان حاملًا المشيعين من أهل تشرشل، وكانت تجره قاطرة بخارية رقم 34051 منذ حرب بريطانيا. وعلى طول الطريق حيث الحقول، وفي كل محطة يمر بها القطار، وقف الآلاف في صمت يودعون تشرشل امتنانًا واحترامًا له. وبناءً على طلب تشرشل، دُفن في أرض العائلة في كنيسة القديس مارتن الواقعة بقرية بلادون، القريبة من مدينة وود ستوك حيث ولد بقصر بلاينهايم. إن العربة التي نقلت جثمان تشرشل، عربة رقم S2464S بسكة الحديد الغربية سابقًا هي الآن أحد عربات سكك حديد سوانايج. ويشار إلى أن سكك حديد سوانايج هي جزء من مشروع الحفاظ على تراث السكك الحديدية، وقد أخذت الولايات المتحدة تلك العربات منذ عام 1965، وردته لبريطانيا عام 2006. وفي وقت لاحق من علم 1965، نحت الفنان رينولد ستون نصبًا تذكاريًا لتشرشل، تم وضعه بدير وستمنستر.

الفنان، والمؤرخ، والكاتب

    كان تشرشل فنانًا بارعًا، وكان يستهويه الرسم، خاصة بعد تخليه عن منصب أميرال البحرية البريطانية عام 1915. وجد تشرشل ضالته في الفن. اعتبره وسيلة للتخلص من الاكتئاب الذي صاحبه في حياته. جاءت كلمات ويليام ريس-موج، الصحافي الأميركي، كالآتي: “كانت حياته الخاصة معاناة من الاكتئاب (الكلب الأسود). لكن إذا نظرنا في لوحاته وحياته الهادئة، لا نجد أي علامة تدل على الاكتئاب”. تعلم تشرشل الرسم من صديقه بول ميز الذي قابله خلال الحرب العالمية الأولى، وكان لبول تأثير كبير على رسومات تشرشل، وأصبح منذ ذلك الحين رفيق مشواره الفني. غلبت على لوحات تشرشل طابع الطبيعة، وكان كثيرًا ما يرسمها خلال عطلاته في جنوب فرنسا، أو مصر، أو المغرب. اتخذ تشرشل من “تشارلز مورين” اسمًا مستعارًا له. واصل تشرشل رسم لوحاته خلال سنوات عمره، ورسم المئات منها؛ بعضها يعرض في منزله “تشاتول” والأخرى أعمال خاصة. كانت معظم اللوحات مشاهد طبيعية من الزيت، لكنه رسم أيضًا العديد من المشاهد الداخلية، والأشخاص. وفي عام 1925، اختار كل من لورد دوفن، وكينيث كلارك، وأوزوالد بيرلي لوحته عن شروق الشمس في فصل الشتاء كأفضل لوحة في مسابقة للفنانين الهواة المجهولين.

متحف دالاس للفنون

     نظرًا لضيق الوقت الشديد، حاول تشرشل رسم لوحة واحدة فقط إبان الحرب العالمية الثانية. أكمل تشرشل رسم لوحة تضم برج فيلا تايلور في مراكش. يمكن الاستمتاع بمشاهدة بعض لوحاته في موسوعة ويندي. وإيمري رفيس في متحف دالاس للفنون. كان رفيس المسؤول عن نشر إبداعات تشرشل. كان أيضًا صديقًا حميمًا لتشرشل الذي عادة ما كان يزوره وزوجته في فيلتهما “La Pausa” جنوب فرنسا. ويشار إلى أن تلك الفيلا يرجع بناؤها إلى عام 1927 مهداة لكوكو شانيل من عشيقها بندور (هيو ريتشارد آرثر)، دوق ويستمنستر الثاني. وقد بُنيت الفيلا بداخل المتحف عام 1985، تضم معرضا يحتوي لوحات وتذكارات تشرشل.

     رغم حياة الشهرة ونسبه من الطبقة الأرستقراطية التي نعم بهما تشرشل، فإنه عانى كثيرًا من أجل مراعاة أن يحافظ دخله على مستوى معيشته التي اتسمت بالترف، والإسراف. كان نواب البرلمان يتقاضون راتبًا اسميًا فقط قبل عام 1946، في حين لم يكونوا يتقاضون شيئًا على الإطلاق قبل قانون البرلمان عام 1911؛ ومن ثم اضطر معظمهم للعمل في مهنة أخرى لتوفير سبل العيش. كان دخل تشرشل منذ كتابه الأول 1898 وحتى ولايته الثانية كرئيسًا للوزراء يعتمد كليًا على مؤلفاته ومقالات الرأي التي كان ينشرها في الصحف و‌المجلات. ويشار إلى أن أشهر مقالاته الصحفية كانت تلك التي ظهرت في صحيفة “إفنينج ستاندرد” من عام 1936، التي حذر فيها من صعود نجم هتلر، ومخاطر سياسة الاسترضاء. من ناحية أخرى، كان تشرشل مهووسًا بتأليف الكتب و‌الروايات، بالإضافة إلى سيرتين ذاتيتين، وثلاثة مجلدات عن مذكراته، والعديد من كتب التأريخ، والكثير من المقالات الصحفية. حاز تشرشل جائزة نوبل في الأدب عام 1953؛ لإتقانه الوصف التاريخي و‌السير، فضلًا عن أسلوب خطابته المذهل في الدفاع عن القيم الإنسانية السامية”. نُشرت اثنين من أشهر أعماله بعد توليه رئاسة الوزراء للمرة الأولى؛ وهو ما جعله يصعد إلى ذِرْوَة الْمَعَالِي. كانت تلك الأعمال عبارة عن ستة مجلدات تؤرخ الحرب العالمية الثانية، والآخر هو تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية –أربعة مجلدات عن فترة غزوات قيصر لبريطانيا (55 قبل الميلاد) وحتى بداية الحرب العالمية الأولى 1914. كتب تشرشل عام 1936: “كان يجب على الولايات المتحدة أن تفكر مليًا في مصالحها، وألا تنخرط في الحرب العالمية الأولى. فإذا لم تخض الحرب، لكان عقد الحلفاء السلام مع ألمانيا في ربيع 1917. فلو كان السلام خيارنا، لما كان الانهيار الذي حل بروسيا، والذي تلته الشيوعية، ولا كانت حلت الفاشية بإيطاليا، ولما أصبحت ألمانيا طرفًا في معاهدة فرساي التي عظمت من وجود النازية في ألمانيا”. كان تشرشل بناءً ماهرًا أيضًا؛ يهوى تشييد حوائط المباني و‌الحدائق بمنزله الريفي في تشارتويل. وبالإضافة إلى ذلك، ربى تشرشل الفراشات. وكجزء من هوايته، انضم تشرشل لاتحاد عمال مهنة البناء، لكنه سرعان ما تم طرده بسبب عضويته في حزب المحافظين.

ألقاب شرف وأوسمة

المدمرة “Arleigh Burke-class” التي تم تسميتها على اسم تشرشل

المواطنة الفخرية من الولايات المتحدة لتشرشل

حصل تشرشل على شرف الجنازة الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، حاز تشرشل العديد من الجوائز والأوسمة، منها عام 1945، عندما رشحه هالفدان كوت من بين سبعة مرشحين لجائزة نوبل للسلام، لكن وقع الاختيار على كورديل هال. وجاء حصول تشرشل على جائزة نوبل في الأدب عن أعماله العديدة، ولا سيما مجموعته من ستة مجلدات عن الحرب العالمية الثانية. وفي استطلاع أجرته البي بي سي عن “أعظم مائة بريطاني”، أعلنت أنه “أعظمهم جميعًا”، بناءً على ما يقرب من مليون مُصوت من مشاهدي البي بي سي. وصنفته مجلة التايم كأكثر القادة المؤثرين في التاريخ. والجدير بالذكر أن كلية تشرشل بجامعة كامبريدج قد أُنشئت عام 1958 تكريمًا له. وفي 1963، منحته الولايات المتحدة شرف المواطنة الفخرية بموجب القانون العام 88-6/ 4374 حقوق إنسان (المعتمدة/المُشرعة في أبريل 1963). وفي التاسع والعشرين من نوفمبر 1995، أعلن الرئيس بيل كلنتون خلال زيارته لبريطانيا، أمام كل من مجلس العموم و‌مجلس اللوردات، بأن المدمرة “Arleigh Burke-class” سيتم تسميتها باسم “”the USS Winston S. Churchil. كانت تلك المرة الأولى التي يطلق فيها اسم مواطن أجنبي على سفينة حربية منذ عام 1975.

شهادات فخرية

-دكتوراة في القانون، جامعة روتشستر، 1941.

-دكتوراة في القانون، جامعة هارفارد بمدينة كامبريدج، بولاية ماساتشوستس، 1943.

-دكتوراة في القانون، جامعة مكغيل، مونتريال، كندا، 1944.

-دكتوراة فخرية، جامعة ويستمنستر، فولتون، ميزوري، 5 مارس 1946.

-دكتوراة فخرية، جامعة ليدن، هولندا، 1946.

-دكتوراة فخرية، جامعة ميامي، فلوريدا، 1947.

-دكتوراة فخرية، جامعة كوبنهاغن، الدنمارك، 1950.

مقولات

في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة.

الشخص المتواضع هو الذي يمتلك الكثير ليتواضع به.

المسؤولية ثمن العظمة.

إذا كنت ترغب بحق في اكتشاف بحار جديدة، يجب عليك أن تتحلى بالشجاعة اللازمة لمغادرة الشاطئ.

المتشائم يرى محنة في كل منحة، و‌المتفائل يرى منحة في كل محنة.

لا تستسلم ابداً ابداً ابداً ابداً ابداً ابداً..

إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل.

إن الحقيقة محسومة. الرعب قد يستاء منها، و‌الجهل قد يسخر منها، و‌الحقد قد يحرفها، ولكنها تبقى موجودة.

إن غزا هتلر الجحيم، سأمتدح الشيطان على الأقل في مجلس العموم -يقصد غزو هتلر للاتحاد السوفيتي، و‌الشيطان كناية عن ستالين.

حين تصمت النسور، تبدأ الببغاوات بالثرثرة.

سر الحقيقة ليس فعل ما نحب، بل أن نحب ما نفعل.

سنظهر الرحمة، ولكننا لن نطلبها.

كان على بريطانيا وفرنسا أن يختارا إما الحرب أو الإهانة. اختارا الإهانة. ستكون عندهما الحرب.

لماذا تقف حينما تستطيع الجلوس؟

لا أكره أحداً سوى هتلر.

     “هل تسألوني ما هي سياستنا؟ أستطيع أن أقول: إنها خوض الحرب، في البحر، في البر، في الجو، بكل قدرتنا وبكل قوة سيبعث بها الله لنا: سنخوض حربًا ضد طاغية متوحش، لم يسبق له مثيل في ظلاميته، قام بأبشع جرائم الإنسانية. هذه هي سياستنا. أنتم تسألونني ما هو هدفنا؟ أستطيع أن أجيب بكلمة واحدة: أنه النصر، النصر بأي ثمن، النصر في مواجهة الخوف، النصر، على الرغم من أن الطريق قد يكون وعراً طويلاً، ولكن بدون النصر، لا وجود لنا”. من خطاب تشرشل في مجلس العموم بعد تسلمه منصب رئيس الوزراء في 13 مايو 1940.

لديك أعداء؟ عظيم…هذا يعني انك في أحد الأيام وقفت مدافعًا عن شيء ما.

إذا كنت تمضي عبر الجحيم فتابع المضي.

لا أستطيع أن أعدكم إلا بالدم وبالدموع والبكاء والألم.

إذا كنت خارج بلدك فلا تنتقد حكومتك.

طقوس غريبة

    من بين الطقوس التي كان يقوم بها تشرشل، شرب الكحوليات، وأخذ قيلولة قصيرة بعد العودة من العمل وقت الظهيرة، ثم الاستحمام بعد منتصف الليل. وفي حوالي الساعة الـ5 مساء، يشرب «تشرشل» الكحوليات، قبل أخذ قيلولة لمدة ساعة ونصف الساعة، وعندما يستيقظ يستحم، ثم يتناول عشاءه في الـ8 مساء. ويقال إنه كان ينام مرة واحدة كل يوم ونصف. وأبقى «تشرشل»، هذا الأمر كروتين يومي مماثل له، بغض النظر عما يحدث، وبسبب جدول أعماله غير المنتظم، كان «تشرشل» يعقد اجتماعات مجلس الوزراء في فترة الحرب في الحمام.

تشرشل في السينما والتلفزيون

جُسدت شخصية تشرشل في العديد من الأعمال السينمائية والأدبية بما في ذلك:

دادلي فيلد مالون (أمريكي في باريس 1951)

ريتشارد هنري سلرز (الرجل الذي لم يكن 1956)

ريتشارد برتون (سنوات البسالة 1961)

سيمون وارد (ونستون الصغير 1972)

وارن كلارك (السيدة راندولف تشرشل 1974)

وينثلي بيثي (إدوارد والسيدة سمبسون 1978)

تيموثي لانكستر ويست (تشرشل والجنرالات 1979؛ هيروشيما 1995)

وليام مايكل هوت (حياة ديفيد لويد وعصره 1981)

روبرت هاردي (سنوات البرية 1981؛ الحرب وذكراها 1989)

بوب هوسكينز (الحرب العالمية الثانية: عندما تزأر الأسود 1994)

ألبرت فيني (حصاد العاصفة، 2002)

إيان مون (العد التنازلي ليوم النصر، 2004)

رود تايلور (أوغاد مجهولون، 2009)

برندان غليسون (في العاصفة أو تشرشل في الحرب، 2009)

إيان ماكنييس (دكتور هو، زفاف نهر سونج، باندوريكا تفتح، النصر لدالكس؛ في الأعوام 2010 و2011)

تيموثي ليونارد سبال (خطاب الملك، 2010)

غاري أولدمان (الساعة الأكثر ظلمة، 2017)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى