هل يخرج «الأوروبي» من نفق «كورونا» متفكّكاً؟

هل يخرج الاتحاد الأوروبي من نفق فيروس «كورونا» المُظلم ممزقاً إلى دول مختلفة، أم كياناً واحداً محتفلاً بانتصاره الجماعي على الوباء؟.. سؤال بات يطرحه الأوروبيون، والخوف يعتريهم، بعد أن اجتاح الفيروس القارة العجوز بلا سابق إنذار، وبات مصدر التهديد الأكبر. لأسابيع طويلة، نظر الأوربيون إلى جائحة «كورونا» باعتبارها شيئاً لا يمكن أن يحدث في الأراضي الأوروبية. ربما أقنعهم بذلك أن معظم الأوبئة مثل «زيكا» و«إيبولا» وُلدا وماتا على الأراضي الفقيرة ولم يخرجا منها، لكن يبدو أن «كورونا» قد تعلّم درس العولمة جيداً، وقرر أن يعتبر العالم قرية صغيرة لا معنى لوضع الحدود بين بيوتها. قبل «كورونا»، أزمات عدة أحدثت تصدّعات في الاتحاد الأوروبي، مُنذرةً بقرب انهياره، أهمها عام 2008 في فترة الأزمة المالية العالمية، ثم الأزمة الأوكرانية واحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم.

كما نشب تصدّع آخر نتيجة تدفق اللاجئين على الدول الأوروبية بعد سلسلة الاضطرابات التي شهدها الشرق الأوسط. وفي حال توقف منحنى الفيروس عن الصعود، وانحسرت موجة الهلع منه، عندها ستظهر الشقوق التي تملأ كيان الاتحاد الأوروبي بعد تلك التجربة المريرة. لم يكن يعلم المدافعون عن فكرة التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في أوروبا، أن أزمة «كورونا» ستكون الأزمة العاصفة بما تبقى من آمالهم بالحفاظ على الاتحاد الأوروبي من التفكك، فانفجار الفيروس في القارة العجوز كان يمكن أن يكون فرصة لتدعيم مشروع التكامل بين الدول الأوروبية، لكن تفشيه تسارع بسبب تبنّي دول الاتحاد إجراءات يطغى عليها طابع الحمائية أكثر من التكاملية. وعلى الرغم من أنها وضعت خطة عمل مشتركة لمواجهة «كورونا»، فإن أوروبا لم تخلق سياسة مالية مشتركة، واتخذ الكثير من الدول إجراءات حمائية تتنافى مع الأسس والدعائم المكونة للاتحاد الأوروبي، كالغلق الكلي للحدود ابتداء من أسبانيا، ثم ألمانيا والدنمارك والنمسا والتشيك وسلوفينيا، في تعارض فاضحٍ مع اتفاقية «شنغن».

دول تُخفي معلومات حالة التصرّف بشكل منفرد تكررت في الأزمة الراهنة، حين بدأت الدول الأوروبية تباعاً غلق حدودها، كذلك أظهر «كورونا» وجهاً آخر للدول التي تنادي دائما بالوحدة الأوروبية والتكافل الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، فخلال فبراير، اجتمع وزراء صحة دول الاتحاد مرتين في بروكسل، لمعرفة مخزون كل دولة من المعدات الطبيّة وأدوات الوقاية كي يسهل نقلها للدول المحتاجة، وتبادل المعلومات الحقيقية حول المعدات، لكن بعد يوم واحد فقط من الاتفاق صدر قرار فرنسا وألمانيا منع تصدير الكمامات الطبية للخارج. كما قررت رومانيا فرض حظر شديد الصرامة على تصدير المعدات الطبية وأدوات الوقاية، ثم أعلنت المجر أن 120 ألف كمامة تم تعطيل وصولها لها واحتجازها في ميناء هامبورغ. روح التضامن ويعتبر قطاع الصحة في الاتحاد الأوروبي ضمن المجالات التي تقع تحت سلطة وصلاحيات دوله، ورغم أنه لا سياسات صحية مشتركة لعموم الاتحاد الأوروبي، إلا ان على دوله التحرّك في إطار التضامن والتنسيق في حال وقوع الأزمات، إلا أن الوضع الراهن في الاتحاد الأوروبي أظهر عدم التزام الدول الأوروبية مبدأ روح التضامن، كما أظهر ضعفا بدور المفوضية الأوروبية التي لم تقم بالتنسيق كما ينبغي. وتجلّى ذلك في قيام دول الاتحاد الأوروبي بالتحّرك منفردة من دون تنسيق فيّما بينها، فضلا عن إغلاق حدودها، وبدء إجراءات التفتيش وتطبيق سياسات العزل، ما يشير إلى أن الروح التي جمعت دول الاتحاد والقائمة على التضامن في الصعيد الأول، قد انتهت في عموم دول الاتحاد. مناشدة إيطاليا ناشدت إيطاليا الاتحاد الأوروبي إعطاءها إمدادات طبية لمواجهة الجائحة التي تهدد وجودها، لكن الرد الأوروبي تعامل معها كأنها دولة أفريقية. الاستجابة الأوروبية جعلت ماتيو سالفيني أبرز يميني متطرّف في إيطاليا مقبولاً.

فقد عقّب، قائلاً: «عندما يكون الآخرون في شدة فعلى إيطاليا أن تدفع، أما إذا وقعت إيطاليا في شدة فإنهم يغلقون حدودهم ومحافظ أموالهم». وفي مقالة، كتبها سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري، عقب رفض الدول الأعضاء طلب المساعدة من إيطاليا، قال إن «على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر». وأضاف: «يجب ألا تترك إيطاليا وحيدة في مواجهة هذه الأزمة.. إن هذه أزمة عالمية تتطلب تحرّكاً عاجلاً من أوروبا قبل كل شيء». وتابع ماساري: «هذا الموقف يعد مؤشراً سيّئاً على التضامن بين بلدان الاتحاد الأوروبي». عدم كفاءة وندّد الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري ــــ الذي يعد امتدادا لفلاسفة ما بعد الحداثة في فرنسا ويعرف بغزارة مؤلفاته التي تعد بالعشرات ــــ بعدم كفاءة الحكومات الأوروبية في التعامل مع جائحة «كورونا». وعما إذا كانت جائحة فيروس كورونا المستجد ستشكل مرحلة جديدة في «انهيار الحضارة اليهودية ـــــ المسيحية»، وفق التحليل الذي قدمه في كتابه «الانحطاط»، أفاد أونفري بأن هذا الفيروس يندرج ضمن حركة الانهيار.

ووفق الفيلسوف الفرنسي، فإن أيديولوجية أوروبا آخذة في الانهيار، وذلك نتيجة للسياسة الليبرالية التي تبرر وضع كبار السن في ممرات المستشفيات وتركهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، كما أن الإلقاء بالفريق الطبي في «ساحة الحرب»، والعجز عن توفير أقنعة لهم أو حتى معقم كحولي لرد الأذى عنهم، لا ينذر بالسقوط ولا يعجل به، بل يظهر بشكل كامل الطرق التي يسلكها هذا السقوط. تهديدات خارجية وفي حادثة تعبّر عن الازمة الاوروبية، صادرت تشيكيا شحنة مساعدات طبية كانت متوجّهة إلى إيطاليا. وافادت وسائل إعلام إيطالية بأن السلطات التشيكية اعترضت شحنة ضخمة تتكون من 680 ألف كمامة طبية، أرسلتها الصين إلى إيطاليا للمساعدة في مكافحة الوباء. في المقابل، تذرّعت السلطات التشيكية بالقول إن شحنة المعدات الطبية تلك صودرت من مضاربين سعوا إلى بيعها بأسعار باهظة. ولاحقا، أظهرت صور ومقاطع فيديو أدلة تدحض الرواية الرسمية التشيكية، حيث بدت شاحنات تابعة للشرطة محملة بصناديق تحمل صورا للأعلام الصينية والإيطالية. وانتقدت صربيا أيضا الاتحاد الأوروبي، رغم أنها في مراحل التفاوض من أجل الانضمام للاتحاد.

وقال رئيسها إلكساندر فوتشيتش: «لقد رأينا أنه لا تضامن ولا تكاتف في أوروبا.. أنا أثق بالصين فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدنا.. أما بالنسبة الى الآخرين فنشكرهم على لا شيء». وترى الكثير من القوى الخارجية فرصة في القضاء على تكتل كان عاملا أساسيا في مواجهة مطامعها للسيطرة على القارة الأوروبية، كروسيا، التي من خلال رئيسها فلاديمير بوتين تريد إعادة مشروع الاتحاد السوفيتي، وبسط سيطرتها على دول أوروبا الشرقية، أو الولايات المتحدة والصين، التي تريد تفكيك الوحدة الاقتصادية الأوروبية للسيطرة على أسواقها وأضعاف تنافسية شركاتها، بالإضافة إلى عزل دورها في القضايا الدولية. اليمين المتطرّف لقد أتى «كورونا»، ليجعل الخوف على قوة القرار الأوروبي الموحد رفاهيةً؛ لأن الخوف الآن على الوجود الأووربي من أساسه. في عالم ما بعد «كورونا» قد لا يوجد اتحاد أوروبي.

إيطاليا حتى وقت قريب كان يحكمها ائتلاف شعبويّ يرفض سياسات الاتحاد التقشّفية. في فرنسا توجد ماري لوبان التي تضعها استطلاعات الرأي الشعبي ثانيا بعد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. أسبانيا حقق فيها اليمين المتطرف مكاسب ضخمة في انتخابات نوفمبر 2019. حكومات وارسو وبراغ وبودابست تحمل ضغينة للاتحاد أكثر من المودة. لم يكن يعتقد أشد المناهضين لمشروع الاتحاد الأوروبي أن الاتحاد نفسه سيمنح لهم التبريرات الكافية للتشكيك في قدرته على قيادة الأمم الأوروبية لتشكيل كتلة متكاملة، وهذا راجع إلى التسيير العقيم لمؤسسات الاتحاد لأزمة انتشار «كورونا» في القارة الأوروبية.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button