استخدام تنظيم الدّولة الإسلامية للإعلام الجديد من أجل التجنيد وتداعياته على أمن المنطقة العربية

الندوة الدولية حول: عولمة الإعلام السياسي وتحديات الأمن القومي للدول النامية.
الثلاثاء 7 مارس2017

عنوان المداخلة: استخدام تنظيم الدّولة الإسلامية للإعلام الجديد من أجل التجنيد وتداعياته على أمن المنطقة العربية.

أ.بلعيدي نورة المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية

ملخص

يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية من التنظيمات الإرهابية الرائدة في استخدام الفضاء الالكتروني و الإعلام الجديد، لما تتيحه من انفتاح على العالم، و سهولة امتلاكها و استخدامها، و سرعة وصولها للهدف.

         تترجم مكانة الإعلام الجديد في التنظيم، من خلال امتلاكه لمجموعة كبيرة من المؤسّسات الإعلامية، والمواقع الالكترونية على مختلف الوسائط الاجتماعية، و اعتمادها بالدرجة الأولى في تسويق و ترويج مختلف إصداراتها ( خطابات مسموعة، أناشيد، صور، كتب، و أشرطة فيديو…).

         و يظهر توظيف الإعلام الجديد في الإستراتيجية الإرهابية لتنظيم الدّولة الإسلامية بدرجة كبيرة في تجنيد المقاتلين والتواصل  بهم و الحصول على أكبر قدر من المقاتلين الجدد للحفاظ على قوّته و ضمان استمرارية نشاطاته على مستوى عالمي.

و يشكّل التجنيد عبر الفضاء الرقمي  في صفوف تنظيم الدّولة الإسلامية أحد أكبر التحدّيات الّتي تواجه أمن المنطقة العربية لكونه يستهدف الشباب العربي و يسمح بتشكيل بيئة لإنتاج الفكر المتطرف، خاصة مع صعوبة مواجهة نشاط هذا التنظيم على شبكة الانترنيت.

مقدّمة

إنّ استخدام الإعلام في الجوانب العسكرية والأمنية ليس وليد اليوم، تطوّر مع  تطوّر تقنيات الإعلام والتكنولوجيات الحديثة، و لعلّ الولايات المتّحدة الأمريكية أكثر الدّول، الّتي خاضت حروبها بترسانة إعلامية ضخمة، وحرب العراق 2003 من الحروب الّتي وُصفت بأنّها كانت حربا إعلامية بالدّرجة الأولى، غير أنّ استخدام التقنيات العالية للاتصال أو ما يعرف بالإعلام الجديد لم يبقى حصرا على الجيوش النظامية، ولكن ظهر استخدامه لدى التنظيمات والجماعات الإرهابية، الّتي عرفت كيف تتحكّم فيها و تستخدمها وتستغلّها لتنفيذ إستراتيجياتها الإرهابية، ما جعل منها أداة يصعب التنبؤ بما قد يؤدي استغلالها، ولها تأثيرها على الأمن في كلّ مستوياته.

واعتماد وسائل الإعلام بين ما هو تقليدي وحديث من طرف الجماعات الإرهابية، ليس بالجديد، إن لم نقل لا يخلو أي نشاط إرهابي من اعتماد إحدى طرق الإعلام والاتصال، و وصل بالأمر إلى اعتماد الشبكة العنكبوتية و مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتساع أغراض الاعتماد وتعدّد الأهداف لما تتيحه من مزايا، وهذا التّطوّر في الاعتماد على الإعلام الجديد يؤكّد مدى وعي هذه التنظيمات الإرهابية بالدّور الّذي تؤديه.

و يصنّف تنظيم الدّولة الإسلامية* ضمن الجماعات الإرهابية الّتي يرتكز نشاطها على الانترنيت، و اعتماد الإعلام الجديد في مختلف أنشطته متبنيّا شعار” إنّ الله منح الانترنيت من أجل خدمة الجهاد و المجاهدين، لأنّ نصف المعركة على مواقع الانترنيت”. و عليه انطلاقا من هذا نحاول تسليط الضوء على توجّه تنظيم الدّولة الإسلامية إلى استغلال الإعلام الجديد لتجنيد مقاتلين في صفوفه، بطريقة جعلت منه تهديدا عالميا بطرح التساؤل التالي: كيف وظّف تنظيم الدولة الإسلامية للإعلام الجديد في عمليات تجنيد المقاتلين بشكل يهدّد أمن المنطقة العربية؟   

أهمية الموضوع

  • تنطلق أهمية الموضوع، من الموضوع في حدّ ذاته، إذ تعالج موضوعا آنيا، يمثّل خطرا متصاعدا ومشتركا لكل دول العالم، إذ يعدّ تطوّر الأشكال الإرهابية و اكتساءها الطابع العالمي واحدا من التحديات المشتركة لجميع الدوّل.
  • استغلال التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم الدّولة الإسلامية، للوسائط التكنولوجية و الإعلام الجديد في إعداد العمليات و الهجمات الإرهابية جعل منها تهديدا عالميا، و تأثيرها تجاوز الحدود.
  • استخدام التكنولوجيا و الاستفادة من الاتصال الرقمي، جعل منها أداة يصعب التنبؤ بما قد يؤدي استغلالها.
  • يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر التنظيمات اعتمادا على الإعلام الجديد، ومحاولة فهم هذا التوظيف هو فهم لنوع جديد من الاستراتيجيات الإرهابية.

منهج الموضوع

         لدراسة هذا الموضوع، و محاولة الإلمام بأهم جوانبه سوف نعتمد على المنهج الوصفي، إذ ننطلق من تحديد المفاهيم المندرجة تحت هذا الموضوع، و محاولة فهم ما يتعلّق بتنظيم الدّولة الإسلامية كأحد التنظيمات الإرهابية الجديدة، و كيف استخدمت الإعلام الجديد بهدف تجنيد المقاتلين ، كما اعتمدنا التحليل من أجل الوقوف بالشرح و الإيضاح عند مكانة الفضاء الالكتروني بالنسبة للتنظيم، و أوجه توظيفه من أجل تحقيق أهداف إستراتيجيته الإرهابية ما أثّر على الأمن العالمي

         تقسيم الموضوع

         بغية الإجابة على الإشكالية الّتي انطلقنا منها، قمنا باعتماد تقسيم الورقة البحثية إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:

أوّلا:  مدخل لفهم تنظيم “الدّولة الإسلامية”

  1. ظهور التنظيم و تطوّره.
  2. المرجعية الفكرية للتنظيم
  3. الهيكل التنظيمي لتنظيم الدّولة الإسلامية

ثانيا: توظيف الإعلام الجديد من أجل التجنيد في الإستراتيجية الإرهابية لتنظيم الدّولة الإسلامية

  1. مكانة الفضاء الإعلامي و الالكتروني لدى تنظيم الدّولة الإسلامية
  2. المؤسسات الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية على شبكة الانترنيت
  3. التجنيد عن طريق شبكة الانترنيت في تنظيم الدولة الإسلامية

ثالثا: تداعيات التجنيد عير الانترنيت على أمن المنطقة العربية

  1. استخدام الانترنيت في عمليات التنسيق و التواصل بين المجنّدين
  2. إنتاج بيئة للفكر المتطرّف لدى الشباب العربي
  3. تحدّيات مواجهة خطر التجنيد عبر الانترنيت

أوّلا: مدخل لفهم تنظيم “الدّولة الإسلامية”

تعدّدت الروايات و التحليلات بين السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية، تلك الّتي حاولت تفسير وتوضيح ظهور تنظيم الدّولة الإسلامية وأسبابه، و الأهداف من وراءه، غير أنّ تعدّدها منعنا من معرفة الحقيقة الكاملة وراء هذا التنظيم، وجعل الإجابة عن السؤال الجوهري من صنع “داعش”؟ تبدو مستحيلة و غير ممكنة على الأقل في الوقت الراهن، أين مازال التنظيم ناشطا متمتعا بكيان جغرافي ونشاط مستمر في العديد من دول العالم.

  1. ظهور تنظيم الدّولة الإسلامية و تطوّره

عرف تنظيم الدّولة الإسلامية في المنطقة العربية، تطوّرا سواء تعلّق الأمر بتسميته، أو نطاقه، أو قياداته، أو نشاطه الإرهابي على المستوى العالمي، و صاحب هذا التطوّر تكثيف المجموعة الدّولية من نشاطها و تحالفها لمواجهة التنظيم و القضاء عليه، ما خلق واقعا سياسيا و وجود قوى عسكرية جديدة[1] في المنطقة العربية، و إن تعدّدت و اختلفت مصالحها. كلّ هذا يؤكّد على أنّ هذا التنظيم الإرهابي حقا أصبح موجودا على الخريطتين السياسية و الجغرافية، و يمثّل تهديدا عالميا برهنه من خلال هجماته الإرهابية.

بداية بالتسمية تطوّرت من الدّولة الإسلامية في العراق، إلى الدّولة الإسلامية في العراق و الشام، و منه جاء اختصار تسمية “داعش” الّتي اعتمدتها وسائل الإعلام و قابلتها باللغة الانجليزية (ISIS)، أمّا التنظيم فأصرّ على تسمية ” الدّولة الإسلامية” و دعت إلى اعتمادها في العديد من المرّات.

هناك من يرجع ظهور تنظيم الّدولة الإسلامية إلى موجة النشاط الإسلامي العنيف في الثمانينات، وتأثيرات الحرب الروسية في أفغانستان، و هنا برزت بدايتها على يد أبو مصعب الزرقاوي الّذي قتل عام 2006، و بعدها كان احتلال العراق عام 2003، و ما ترتّب عنه من اشتعال للطائفية العراقية فرصة لإعادة تجميعها وإعلان قائدها أبو بكر البغدادي بقيام الدولة الإسلامية في العراق.

 ثم إنّه من نتائج موجة الحراك العربي الّتي عرفتها سوريا و التفكك السريع الّذي حدث، قدّم أيضا فرصة مواتية لإنشاء تنظيم مسلّح بسوريا، وإن لم تبدو معالم القيادة واضحة بتواجد تنظيم القاعدة و بعض الثوار كجبهة النصرة، ما ولّد انقساما حادا انتهى بسيطرة البغدادي على أجزاء من شرق سوريا و مدينة الموصل في صيف 2014، و إعلان نفسه خليفة و الحاكم الزمني والروحي للمسلمين في العالم[2].

ما يعني أنّ الصراع في كل من سوريا و العراق، كان له دور في صياغة هذا المشهد و صعود تنظيم الدّولة الإسلامية، الّتي تصنّف ضمن المجموعات الجهادية* “القادمون الجدد” الّذين يسعون للتفوّق و السيطرة.

و يعتبر العديد أنّ صعود تنظيم الدولة الإسلامية مردّه الأساسي هو الولايات المتّحدة الأمريكية، و ذلك كونها مهندسة مخططات التقسيم في المنطقة العربية، و من خلق الفوضى في العراق بعد تسع سنوات من الاحتلال (2003.2011)، عملت من خلالها على إضعاف كيان العراق و تمزيقه من خلال آليات منها:

  • نظام المحاصصة، و يعني إعادة تكوين الدولة العراقية و مؤسساتها على أسس طائفية وعرقية.
  • حل الجيش العراقي و الشرطة العراقية.
  • تأييدها و دعمها لنوري المالكي، الّذي كان حاكما مستبدا و طائفيا و انتهاجه للسياسة الإقصائية للسّنة، وانحيازه للمشروع الإيراني ماليا و عسكريا و سياسيا[3]. ما يعني أنّ بروز تنظيم الدّولة الإسلامية لم يكن حدثا مفاجئا، و إنّما كان مرصودا في مختلف مراحله.

         طرح آخر لظهور و تطوّر تنظيم الدّولة الإسلامية، بالعودة إلى عاملين:

  • صعود المسألة الطائفية و وجود فراغ سياسي سني، وتوظيف إيران للورقة الشيعية والانتماء الشيعي للتمدّد في المنطقة وبناء النفوذ فيها، وأيضا انحراف طابع الصراع في المنطقة من صراع سياسي إلى صراع هوياتي.
  • سياسات الأنظمة السلطوية وقمع الاحتجاجات السلمية، وحالة الانسداد السياسي، وتعّثر ّالتحول الديمقراطي في المشرق العربي.

ما يدلّ أنّ نموّ الدور السياسي والأمني والعسكري لهذه التنظيمات والجماعات، هو فشل الدّولة الوطنية العربية في الإدماج السياسي وحماية قيم المواطنة والقانون، وسيادة حالة من الفوضى الأمنية والفراغ السياسي. ما يعني أنّ مواجهته، لا ترتبط بالمواجهات العسكرية بقدر ما ترتبط بمواجهة الشروط الموضوعية و السياسية[4].

 بالإضافة لهذا، هناك من يرى ضلوع العديد من الدّول في تنظيم الدّولة الإسلامية، كالسعودية، إسرائيل، تركيا…إلخ، ما يؤكّد طرحنا الأوّل في أنّ الإجابة على سؤال من صنع داعش؟سؤال شائك، معقّد ويحتمل أكثر من إجابة، غير أنّ المنطقي هو أنّ هذا التنظيم كغيره من التنظيمات الإرهابية، ساعدت بيئة الفوضى السياسية و الأمنية على بروزه وتطوّره من جهة، و من جهة أخرى تواجده يخدم و يعزز مصالح أطراف معينة ما يعزّز استمراريته.

و ربما وصف “كوكبيرن باتريك” لتنظيم الدّولة الإسلامية، هو الأنسب إذ يعتبر أنّه قصة مروّعة بأكملها،  وعادة ما توصف التيارات الإسلامية المتشددة بأنّها فواعل غير حكومية، و لكن أظهر هذا التنظيم العكس، إذ يبدو الجميع متورطا، و إن كان بأشكال مختلفة، هذه المعركة الّتي أسفرت عن مقتل 200.000 لا يمتلك أي أحد فكرة واقعية لكيفية وضع حد لها، ما يعني أنّ الولايات المتّحدة، روسيا، السعودية، إيران …الخ، الجميع مسؤولون و لديهم مصالح و أهداف مختلفة[5].

  1. المرجعية الفكرية لتنظيم الدّولة الإسلامية

يرجع الكثير من الدارسين و الباحثين في الأصول الفكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، إلى أصول قديمة تعود إلى حقب زمنية مميّزة ظهر فيها فقهاء إسلاميون طرحوا تفسيرهم الخاص للإسلام، و هي ثلاث حلقات أساسية:

  • أحمد بن حنبل ( القرن 3ه)، الّذي شدّد على وجوب العودة إلى النّص و السير على خطى السلف الصالح، لبناء نموذج المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه و سلّم، و الّذي تميّز بالتساهل النسبي.
  • ابن تيمية و الّذي عايش فترة عصيبة بسقوط بغداد و انتهاء الخلافة، فصرف حياته لسدّ أي ثغرة تمسّ نقاوة العقيدة، فتصدّى لكلّ ما صادفه من انعكاسات الفلسفة اليونانية، و وصف بكونه يعتمد الانتقاد الجذري.
  • محمد بن عبد الوهاب، الّذي أسّس التيار السلفي الوهابي، و الّذي وصف باستخدام العنف وهدم الأضرحة ومكافحة التصوّف و كل الممارسات الّتي تمسّ العقيدة[6].

        و هناك أصول فكرية حديثة تتمثّل في “السيّد قطب”، و “حسن البنا”، و الإخوان المسلمين.

من جهة أخرى تقوم البنية الفكرية لتنظيم الدولة الإسلامية على أفكار جوهرية:

  • ” الحكم بما أنزل الله”[7]*، إذ يعتبر الجوهر الفكري للتنظيم، و على هذا الأساس تبنى تصوّراته ومشروعية ممارسته، على ما يسميّه الشريعة ( و الّتي هي عنده مرادفة للفقه).
  • التكفير، بمعنى تكفير الحكّام الّذين يحكمون بغير ما أنزل، أي الحاكمون بالقوانين، و تكفير كلّ الراضين بذلك، وتكفير من لا يكفّر هؤلاء جميعا، و البلاد الّتي تحكم بالقوانين كلّها بلاد كفر، و هنا يصبح الإسلام غريبا، ما يعني وجود ردّة، ردّة توجب الجهاد الّذي معهم يصبح ركنا من أركان الإسلام.
  • وجوب الخروج عن الحاكم، و قتالهم بغضّ النظر عن القدرة، ما يؤدي إلى إسقاط كلّ القوانين والمعاهدات وكلّ المنظومة السياسية المعاصرة، و بهذا يتم إقامة الحكم بالإسلام و تطبيق الشريعة وتنصيب الخليفة.
  • الطعن في عامة العلماء و المؤسسات الإسلامية في الوقت الراهن[8].

يعتبر الحديث عن المرجعية الفكرية و المنطلقات الإيديولوجية لتنظيم الدّولة الإسلامية، أكثر ما يمكن القول أنّه صنع ذلك الوجود الفعلي للتنظيم على مستويين:

  • الأوّل: المسلمين في حدّ ذاتهم، إذ أنّ التنظيم بجعله للإسلام و القرآن منطلقا لكلّ أعماله الإرهابية، و حجّة على العنف و الممارسات الوحشية، جعل من التنظيم محطّة قلق وانزعاج، بالإضافة إلى خلق نوع من التوتر في فكر المسلمين جراء التناقض الموجود بين الإسلام لديهم، و ما يعمل تنظيم الدّولة الإسلامية على اعتباره المنهج الصحيح.
  • الثاني: الغرب بكلّ أطيافه، إذ عزّز هذا من الإسلاموفوبيا من جهة، و خلق فكرا معاديا حادا لكلّ ما هو إسلامي، من منطلق أنّ مرجعية هذا التنظيم – الّذي استهدفهم في هجماته- هو القرآن والسنّة، أي بهذا عزّز الفهم الخاطئ للإسلام بدرجة أعمق، و برهن عليه من خلال ربط أعماله الوحشية الّتي خلقت لدى الغرب ما يمكن اعتباره خوفا حقيقيا من الإسلام.

في هذا السياق يرجع عالم السياسة “olivier roy ” أنّ ربط الفعل الإرهابي بالإسلام أو بالجذور الإسلامية وثقافته، ليس بالصحيح إذ أنّ الفعل الإرهابي هو فعل شخصي ليس له علاقة بالمجتمع وتركيبته، و هو يعبّر عن انحراف شخصي لا يمكنه أن يعبّر عن مجموعة أو مجتمع إسلامي[9].

و ربط الإسلام كذلك بالفعل الإرهابي، تنفيه كلّ الشواهد التاريخية، إذ نجد أنّ أكبر الجرائم الإرهابية كانت بحق المسلمين و غير المسلمين قام بها الغرب و من أمثلة ذلك:

  • 20 مليون مسلم أعدهم جوزيف ستالين.
  • 000 مسلم قتلهم الصليبيون في القدس.
  • مليون مسيحي مصري أعدمهم الرومان.
  • 000 مسلم بوسني قتلهم الصرب و الكروات.
  • 100 مليون شخص قتلوا في الحربين العالميتين الأولى و الثانية.
  • إحراق مدينة روما على يد نيرون.
  • ضرب هيروشيما و ناكازاكي بالقنبلة الذرية[10].
  1. الهيكل التنظيمي لتنظيم الدّولة الإسلامية[11]
المجلس الشرعي (قرارات الإعدامات والتجنيد)
المجلس العسكري (حماية الدّولة الإسلامية)
المجلس المالي (مبيعات الأسلحة والنفط)

 

القائد العام (الخليفة)
مجلس القيادة ( صياغة القوانين والسياسات العامة)
المجلس الاستشاري مستشاري الخليفة

 

مجلس الشورى ( الشؤون الدينية والعسكرية)
الإمارة ( الفرع التنفيذي)
مجلس الأمن (السياسات الداخلية و الإعدامات
مجلس مساعدة المقاتلين
مجلس الاستخبارات (معلومات عن الأعداء)
المجلس الإعلامي (تنظيم الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي)
نائب سوريا
نائب العراق

(المخطط من إعداد الباحثة)

و يعتبر المقاتلون في تنظيم الدّولة الإسلامية، أبرز مكوّنات التنظيم و يتوقف عليهم توسع التنظيم، وهناك ثلاثة أصناف هي:

الصنف الأول: جهاديون فكرا وعملاً وهدفًا، وهم أعضاء تنظيم القاعدة السابقون وجماعات سلفية جهادية عراقية أخرى، ومقاتلون عرب وغربيون من جنسيات مختلفة.

الصنف الثاني: هم ما يطلق عليهم اليوم المضطهدين، وهم من المعتقلين السابقين في سجون الحكومة ومن قبلها القوات الأمريكية، ومن ذوي ضحايا العنف الطائفي بالعراق والمسحوقين تحت آلة التهميش ّوالإقصاء والتمييز الاثني الطائفي، والذي حوّل جزءا كبيرا من العراقيين السنّة إلى مواطنين من الدرجة الثانية، لقد وجد هذا الصنف تنظيم الدولة الإسلامية فرصة نجاة وحيدة من البطش اليومي لقوات الحكومة، وأداة للانتقام من المليشيات المموّلة إيرانيا ومسنودة حكوميا. يتغذى هذا الصنف على الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام، ويمثّل الأغلبية المطلقة في الجسد العام لتنظيم الدولة.

الصنف الثالث: مقاتلو المصلحة وعلى الرغم من كونهم قلّة في التنظيم، فإنّ ّهم مهمون من ناحية تأثيرهم داخل المجتمع السني بالسلب أو الإيجاب، وهم بتعريف أدّق، الساعون إلى عودة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل عام 2003، ويستخدم هؤلاء تنظيم الدّولة الإسلامية كحصان طروادة لتحقيق أهدافهم. وعلى الرغم من معرفة قيادات التنظيم العليا بذلك، فإنّ ّهم يستمرون في علاقة الشراكة تلك لمصالح تتعلّق بالطرفين[12].

ثانيا: توظيف الإعلام الجديد من أجل التجنيد في الإستراتيجية الإرهابية لتنظيم الدّولة الإسلامية

  1. مكانة الفضاء الإعلامي و الالكتروني لدى تنظيم الدّولة الإسلامية

إنّ استخدام وسائل الإعلام بين ما هو تقليدي و حديث من طرف التنظيمات الإرهابية، ليس بالجديد، إن لم نقل لا يخلو أي نشاط إرهابي من اعتماد إحدى طرق الإعلام و الاتصال، و يمكن تحديد هذا الاعتماد من طرف التنظيمات الإرهابية عبر ثلاثة أجيال:

  • الجيل الأوّل: اعتمد وسائل الاتصال التقليدية الشفوية و الكتابات الورقية.
  • الجيل الثاني: في التسعينات و تأسيس المواقع الجهادية.
  • الجيل الثالث: و هو آخر الأجيال الّذي يعتمد على الشبكة العنكبوتية و مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتساع أغراض الاعتماد و تعدّد الأهداف لما تتيحه، و هذا التّطوّر في الاعتماد على الأنظمة الاتصالية يؤكّد مدى وعي هذه التنظيمات الإرهابية بالدّور الّذي تؤديه.

         و يصنّف تنظيم الدّولة الإسلامية ضمن هذا الجيل الثالث إذ يرتكز نشاطه على الانترنيت، و اعتماد الأنظمة الاتصالية الرقمية في مختلف الأنشطة، وقو لحول الانترنيت: “إنّ الله منح الانترنيت من أجل خدمة الجهاد و المجاهدين، لأنّ نصف المعركة على مواقع الانترنيت”[13].

يوجد على مستوى الهيكل التنظيمي لتنظيم الدّولة الإسلامية المجلس الإعلامي، و تندرج تحت هذا المجلس مجموعة من المؤسّسات الإعلامية الّتي تدعم و تساند التنظيم، إذ تعتبر أذرعه و تلعب دورا في تظهير قوّة التنظيم، من خلال إصدارات متنوعة، مرئية ومصورة ومكتوبة، تعمل على تلميع صورة التنظيم، وإرهاب عدوّه وجذب الأضواء إليه، بقوّة إنتاجاته وتنوعها، فبات مدرسة في الإعلام الجهادي[14].

اعتماد تنظيم الدّولة الإسلامية على الفضاء الالكتروني، جاء ضمن الحرب الرمزية*، أكثر منه ضمن الحرب الحقيقية، وهو ما قام بتنفيذه بشكل نصّي إذ اعتبر أنّ: “عمليات اختطاف الصحفيين هي عملية دعائية إعلامية مركّبة، أكثر منها عملية عسكرية. فما يحصل عليه التنظيم من شهرة نتيجة تلك العمليات تفوق كثيرا أي عملية أخرى، و الشهرة تأتي من وسيلة الإعلام الّتي ينتمي إليها المختطفون”، وهكذا نرى أنّ الإعلام بكلّ أشكاله مكوّن أصلي في بنية التنظيم، يترافق مع مشاريع عسكرية وعقائدية و تنظيمية[15].

  1. المؤسسات الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية على شبكة الانترنيت.

 يكاد يجمع الخبراء والمراقبون، على أنّ سيطرة تنظيم الدّولة الإسلامية على مساحات شاسعة في سوريا والعراق واستقطابه عشرات الآلاف من المقاتلين، يعودان بالأساس إلى استخدامه آلة إعلامية ضخمة، يواجه بها خصومه ويحشد أنصاره، في حرب إعلامية يخوضها بدرجة عالية من التّقنية والشّمول والاحتراف، مستعينا بجنود يصعب حصرهم من المؤيّدين الإلكترونيين عبر العالم.

وحسب هؤلاء الخبراء، فإنّ التنظيم استغلّ بمهارة فائقة عبر المجلس الإعلامي، كلّ أنواع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وجميع أنماط الأدوات والبرامج الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، لإعداد ونشر أيديولوجيته وتحقيق أهدافه الثقافية والسياسية والعسكرية في فترة قياسية، مراعيا الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية للمتلقّين لـرسالته الإعلامية، و يملك تنظيم الدولة عددا كبيرا من المؤسسات نذكر بعضها:

  • مؤسسة الفرقان: وتعدّ المؤسّسة الأهمّ لتنظيم الدّولة، وكانت تابعة لتنظيم القاعدة في السابق، وتجاوزت إصداراتها من تاريخ دخولها لنينوى أكثر من 160 إصدار معظمها مهم، كذلك أصدرت مواد صوتية وأنتجت جميع الخطابات الصوتية لأبي بكر البغدادي “الخليفة”، وكذلك أنتجت جميع ما يتعلّق بخطابات أبي محمد العدناني الشامي المتحدث الرسمي لتنظيم الدولة.
  • مؤسسة الاعتصام: وهي الّتي أنتجت إصدارات كثيرة منها: رسالة مجاهد أبو سعيد البريطاني “باللغة الإنجليزية ومترجمة للعربيّة، تجاوزت إصدارات هذه المؤسسة 90 إصدارا مختلفا وبلغات عديدة.
  • مركز الحياة للإعلام: معظم إصداراته باللغة الإنجليزية ومترجمة للعربية، وفيه إصدارات مهمة مثل “نهاية حدود سايكس بيكو” وغيره.
  • مؤسسة أجناد: و أنتجت إصدارات صوتية عالية الجودة مثل “نشيد يا ربي أسألك” و”أمتي قد لاح فجر”… وغيرها، وتعدّ هذه المؤسسة هي المزوّدة لباقي المؤسّسات الرئيسية و المناصرة، بالإنتاج الصوتي.
  • مؤسسة البتار: لديها عدد من الإصدارات منها “و جنـودا لـم تـروهـا”.
  • مؤسسة الخلافة: وهي الّتي أنتجت إصدار “عين الإسلام 2” ، والإصدار يرد على ما سماه “كذب القنوات الفضائية”، فقد عرض تقرير لقناة الجزيرة تتحدث فيه القناة عن انسحاب قوات تنظيم الدولة من مدينة “كوباني – عين العرب” وعرض صور لمقاتلي التنظيم في أحياء مختلفة من المدينة.
  • مؤسسة ترجمان الأساورتي: ولديها عدد من الإصدارات.
  • إذاعة البيان: و هي أول إذاعة للتنظيم، و تبث ّالإذاعة نشرة إخبارية ترفع على الإنترنت بصورة غير منتظمة، إضافة لبيانات وتوجيهات تنظيم الدولة، وتركّز الإذاعة على انتصارات التنظيم وعملياته ضدّ القوات العراقية، وقوات البشمركة ومليشيات الحشد الشعبي وغيرها، كما تأخذ عمليات التنظيم خارج العراق في سوريا وسيناء مساحة بث ضمن تغطيتها الإخبارية[16].

         هذه بعض المؤسّسات الإعلامية الّتي يعتمد عليها التنظيم، بالإضافة إلى وكالة أعماق الّتي أخذت دور المعلن عن كل هجمات تنظيم الدّولة، و الناطق الرسمي له، إذ في آخر هجماتها على  باريس (حادثة الدهس بالشاحنة)، جاء الإعلان عن تبني التنظيم لهذا الهجوم عن طريق وكالة أعماق.

  • الفضاء الالكتروني و مواقع التواصل الاجتماعي

                   وجود العديد من الحسابات الناشطة في مختلف المواقع، يوتيوب، فايس بوك، و خاصة تويتر، إذ تقدّر دراسة أعدّها مركز بروكينجز، أنّ العدد الأقصى من حسابات التنظيم على تويتر يبلغ 90.000 حساب، في حين أعلنت شركة تويتر في وقت لاحق أنّها أغلقت ما لا يقل عن 125.000 حساب، يروّج لأعمال إرهابية على صلة بتنظيم الدّولة الإسلامية، ممّا يؤكّد أنّها تزيد على تقديرات مركز بروكينجز ، خاصة إذا تمّ احتساب المتأثرين ضمن الناشطين[17]. و جاء أنّ للتنظيم مؤيدين من عديد الدّول العربية و الغربية، من خلال تغريداتهم على موقع تويتر كما يظهر في الرسم البياني أدناه الّذي أعّده مركز بروكينجز.

المنتديات الجهادية، وفي معظمها امتداد لتنظيم القاعدة، والكثير منها لا يرتبط بتنظيم الدولة تنظيميا أو حتى إشرافًا مباشرة، ولكن تبث كل إصدارات التنظيم وتطرح الكثير من القضايا الّتي تهاجم المخالفين ومواضيع أخرى تدافع عن التنظيم، كما تضم أقسامًا تقنية و دورات تدريبية على الأسلحة وطريقة تصنيعها وغير ذلك[18].

مجلة دابق: و هي مجلة احترافية تصدر باللغة الإنجليزية وتستهدف من يتكلمون هذه اللغة، ولا يوجد لها نسخة عربية، والتي تعنَى في مجملها بالحديث عن إنجازات التنظيم وما يقدمه للمسلمين، وأسباب وجوب بيعة الناس لخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي. وجاء العدد الثاني للمجلة بعد ظهورها الأوّل مدعومًا بصور للمسلحين وجثث مشوهة في المعارك التي تخوضها أمريكا وحلفاؤها ضد التنظيم، ونصوص دينية تبرر إعلان تنظيم الدولة الإسلامية للخلافة وسلطتها الدينية على المسلمين، ويتم توزيع مجلة “دابق” مجانًا على أهالي الموصل، أو يتم إرسالها على البريد الإلكتروني، ولا تفصح المجلة عن موقع إلكتروني لها أو كيفية نشرها رغم أنها تشير إلى أنّ فريق “دابق” يرغب في تلقي تعليقاتكم[19]. ووصف “كولن كلارك” الخبير في مؤسسة “راند” الأمريكية للأبحاث، وصف مجلّة دابق لأنّها: “متجر الّذي يتوقّف فيه الزبون مرّة واحدة، للعثور فيه على كلّ ما يريده، و كلّ ما له علاقة بتنظيم الدّولة الإسلامية”[20].

و من الصفحات المتواجدة على فايسبوك و تويتر، و بالرغم من عمل الإدارتين على غلقها إلاّ أنها تتجدّد باستمرار، منها “أسود دولة الإسلام”، و “صقور دولة الإسلام”، و صفحة “ولاية الشام”  الّتي تنشر من خلالها صورا وفيديوهات لانتصارات جنود التنظيم، وعظمة الدولة الإسلامية والخلافة، مع كلمات لحث المراهقات الأوروبيات على الانضمام لتنظيم الدّولة الإسلامية.

قناة الخلافة، و هي ستكون أحدث وسيلة إعلامية يطلقها التنظيم، من إنتاج مؤسسة الفرقان والمكتب الإعلامي لولاية الرقّة، والتي خرج عنها إعلان ترويجي على موقع يوتيوب، وسيتم الاعتماد في بثّها على الفضاء الالكتروني عبر شبكة الانترنت، وظهر بالإعلان أنّ البثّ سيستمر طوال اليوم لعرض الأخبار اليومية وتكرار عرض النشرة المصوّرة التسويقية، مع تقديم برنامج “وقت التجنيد”، والذي سيعرض كيفية تجنيد المجاهدين الجدد، و يتم فيها تحديد مواعيد البرامج وفقا لتوقيت تنظيم الدولة الإسلامية[21].

كما استغلّ تنظيم الدّولة الإسلامية الفضاء الالكتروني، في إنتاج لعبة إلكترونية نهاية سنة 2014 باسم “صليل الصوارم”، لمحاكاة الأساليب العسكرية الّتي يستخدمها ضد أعدائه، و تظهر اللعبة مقاتلي تنظيم الدّولة الإسلامية، مقسمين لقوات قنص وصاعقة وتفجير مركبات عسكرية[22].

يمكن أن نصف اعتماد تنظيم الدّولة الإسلامية للفضاء الالكتروني، بأنّه اعتماد على جيش الكتروني، بإنتاج عالي الجودة حاضر في كل إصدارات تنظيم الدولة الإسلامية. ما يجعلنا نتّفق على أنّ التنظيم أصبح مصدرا للخبر و المعلومة، ومركزا لبث الرسالة الإعلامية عبر الوسائط الالكترونية.

  1. التجنيد عن طريق شبكة الانترنيت في تنظيم الدولة الإسلامية

         يختلف توجّه تنظيم الدّولة الإسلامية في عملية التجنيد، عن توجّه تنظيم القاعدة، إذ ركّز هذا الأخير على استقطاب وتجنيد عناصر إرهابية، سبق لها أن اشتركت في القتال في مناطق الصراع المختلفة، في حين تنظيم الدّولة الإسلامية انتهج أسلوبا مغايرا، يستهدف تجنيد شباب ذوي سجّلات نظيفة و من أعمار مختلفة و من الجنسين.

         جنّدت المجموعات الجهادية في سوريا منذ بداية عام 2015، أكثر من 20 ألف مقاتلا خدمة لقضيتها، وكان أغلبية هؤلاء المقاتلين قد انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، لسبب رئيسي في نجاح عمليات التجنيد، ألاّ وهو مهارة أعضائها باستخدام الدعاية و وسائل التواصل الاجتماعي، ممّا أتاح لها توسيع نطاقها، من نزاع يقتصر على فئة معينة في سوريا والعراق إلى عنصر جذب عالمي[23].  وتحدّد التقارير ما نسبته 80 % من الّذين انتسبوا إلى تنظيم الدّولة الإسلامية، تمّ تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي[24].

         كشف تقرير إماراتي صادر عن مؤسّسة “وطني” العديد من البيانات، تفيد أنّ تنظيم الدّولة الإسلامية الإرهابي، لديه 90 ألف صفحة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك، و40 ألفا بلغات أخرى، إضافة إلى موقعه بـ7 لغات، وينشط هذا التنظيم و الجماعات الإرهابية الأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي لابتزاز الشباب عاطفياً ومادياً لضمهم إليه، واستهداف المسلمات القاصرات، فهناك تقديرات تقول هناك 3400 شابا ينضمون إلى التنظيم شهرياً عن طريق حملات التجنيد الإلكترونية، و كما يستغل مواقع الألعاب القتالية والحروب الإلكترونية لتجنيد الشباب الغربيين من أوروبا وأميركا وكذلك اليابان[25].

         يبدو للكثيرين إن لم نقل للأغلبية، أنّه هناك تناقضا كبيرا بين وحشية التنظيم، و التحاق الشباب والنساء به، لكن في استخدامه للفضاء الرقمي يظهر  تنظيم الدّولة الإسلامية مقاتليه بعناية و اهتمام بالشكل في الحالات الطبيعية، مثلما ظهر التنظيم في استقبال بيعات العشائر في سوريا و العراق، وهو يعطي وصفا مخالفا لوصفه الوحشي في ميادين المعارك.

         كما إنّه ما يحصل عليه التنظيم من غنائم حرب يعرضها على شكل مكاسب لمقاتليه، منها المركبات والسيارات الفخمة، وكذلك موضوع الزواج بالمعتقلات والسبايا قسراً، مثلما حدث في العراق مع الأيزيديات والمسيحيات، و الّتي أعادت العالم إلى سوق الرق والنخاسة، فالتنظيم يمنح مقاتليه امتيازات أكثر، وهذا يعتبر أحد الأسباب الّتي تغري الشباب للانضمام.كما خلق التنظيم لنفسه صورة رومانسية على الشبكة العنكبوتية بهدف تجنيد الفتيات القاصرات و النساء من خلال عيش قصص حب مع مقاتلي التنظيم[26]، و كلّ هذا بطريقة مدروسة، و بالاعتماد على مختصين و محلّلين يدرسون الرسائل الموجّهة بطريقة جيدة و معمّقة.

         يأتي تجنيد الأجانب بدرجات كبيرة، كون التنظيم لا يهتم بتجنيدهم للقتال الميداني، بقدر ما يتم تجنيدهم للاستفادة منهم في الخطوط الخلفية و الدعم اللوجيستي، و بخاصة في الإعلام والدعاية كما جاء على لسان اعترافات منشقين عن التنظيم وبعض اعترافات معتقلين.

         يستغلّ كذلك تنظيم الدّولة الإسلامية في عمليات التجنيد عن طريق شبكة الانترنيت، مناطق الصراع الطائفي، والفئات الّتي ترى نفسها مضطهدة و مقهورة من طرف طوائف أخرى، إذ يصوّر التنظيم نفسه المخلّص و الموطن الأسلم و الأنسب للثأر.

خريطة توضح أماكن قدوم مقاتلو تنظيم الدّولة الإسلامية عبر العالم

         إنّ القراءة الأوليّة للخريطة أعلاه تبيّن، أنّ محاربو تنظيم الدّولة الإسلامية ينحدرون من دول عديدة ومن قارات مختلفة، هذا الانتشار يؤكّد على أنّ الاعتماد في تجنيدهم يستحيل أن يتم إلا عبر الفضاء الرقمي، الّذي يمكن من الوصول إلى كل الأفراد و التأثير فيهم بشكل فردي.

ثالثا: تداعيات التجنيد عبر الانترنيت على أمن المنطقة العربية

         لقد بات واضحا أنّ تنظيم الدّولة الإسلامية يعتمد على الفضاء السيبراني في تجنيد مقاتليه، من مختلف المناطق العربيّة مستغلاّ ما آلت إليه الأوضاع الأمنية،و المقاتلين الأجانب و ما يضيفونه  لقوة التنظيم البشرية، و يمثّل استمرار التجنيد بالنسبة للتنظيم أمرا أساسيا و رهانا يؤكّد على استمرارية عمليات توظيف الأنظمة الاتصالية الرقمية، و في نفس الوقت يعدّ تحدّيا لأمن المنطقة العربية و بدرجة أكبر أمن الشباب العربي.

  1. استخدام الانترنيت في عمليات التنسيق و التواصل بين المجنّدين

يعتمد تنظيم الدّولة الإسلامية على الإعلام الجديد عبر الأنترنيت، في أثناء تنفيذ عملياته الإرهابية، و ذلك عن طريق التنسيق بين المنفّذين و المسيّرين في التنظيم، و كذلك التنسيق بين الهجمات الإرهابية المتعددّة عن طريق الشبكات و الخلايا التواصلية، و مثال ذلك التنسيق في مهاجمة مركز تجاري يهودي في مطلع 2015 بفرنسا وقتل أربعة، و تلته هجمات “شارلي إبدو” و إطلاق على 12 فردا من بينهم 10 من محرري الجريدة، لو كان الهجوم الأوّل منعزلا، كان سيبدو حادثا بسيطا يبعث إشارة على تزايد معاداة السامية في أوروبا،  ولكن تزامنه مع الهجوم الثاني، شكّل أهمية عالمية،  جاذبا انتباه الإعلام و القادة الدوليين[27].

كما يستخدم هذا الفضاء الرقمي للتواصل أثناء عمليات التجنيد، حيث يمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل، إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم، وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخبارها المحلية. وهذا ما يمكّن التنظيم من تنفيذ عولمة الجهاد عن بعد، و إيصال خطابه إلى أوروبا والغرب، وكشفت التحقيقات عن قيام مجموعات دعوية من أنصار التنظيم، تنشط على شكل خلايا وجماعات منظّمة من داخل أوروبا، وهي تستخدم التّقنية للتواصل والدعاية لكسب الشباب والحصول على الاهتمام الإعلامي.

إجمالا يمكن القول أنّ إستراتيجية تنظيم الدّولة الإسلامية، في سيطرته على الإعلام الجديد والفضاء الرقمي، واستغلاله للأنظمة الاتصالية الرقمية، بغرض تحقيق أهدافه و دعم تواجده الفعلي في الميدان، وتعزيز إيديولوجيته كان من خلال إستراتيجية تسعى إلى:

  • تحويل مواقع التواصل الاجتماعي إلى عنوان للهوّية الالكترونية.
  • اختراق المنظومة الثقافية و القيمية الأفراد
  • تطبيع العلاقات مع المستخدمين من خلال الهيمنة على المجال الالكتروني العمومي.
  • إنتاج خطاب قوي و يعبّر عن سلطتها.
  • تجنيد المقاتلين.
  • الدعاية و الحرب النفسية.

 

  1. إنتاج بيئة للفكر المتطرّف لدى الشباب العربي

معرفة مفهوم التطرّف يزيح الكثير من الغموض في علاقة الفكر المتطرّف بالبيئة الأمنية في المنطقة العربية، و يوضّح مدى تأثير الوضع السياسي والاجتماعي والأمني غير المستقر و انتشار تنظيم الدّولة الإسلامية من جهة و استغلاله للوسائط التكنولوجية في تجنيد الأفراد ما شكّل أساسا مهمّا في تكوين الأفكار المتطرفة.

يشير مفهوم التطرّف في اللغة إلى عدم التوسط، و هو يعني التشدد في الطرح و التشبث بالرأي والانغلاق الفكري، وعدم احترام الآخر و إلحاق الضرر به، يلصق المتطرف الصحة بأفكاره عن مختلف جوانب الحياة على نحو يخالف فكر أو مذهب أو سلوك ما أُجمع عليه.

والتطرّف ظاهرة لا تكاد تخلو منها المجتمعات، متخلفة أو متحضرة، و ليست مختصة بدين معين أو جماعة معينة، فهي ظاهرة قديمة تواجدت في كل الدوّل والعصور، ارتبطت بالممارسات الخاطئة للدين، وتعلّقت بالأقليات وكانت نتيجة لأساليب التمييز العنصري في التاريخ البشري، غير أنّها أخذت منحا و بعدا جديدا عندما ارتبطت بالعنف والإرهاب والعدوان.  وعليه لابد من التأكيد أنّ الفكر الغربي و في سعيه لإلصاق تهمة التطرّف بالشباب العربي المتعلم وغير المتعلم، يعتبر في حد ذاته تطرّفا فكريا، وتشير الدراسات إلى أنّ التطرّف مرتبط بظروف البيئة المحيطة، ففي عام 1994 اعتبر الباحثون أنّ لجوء الشباب اللبناني إلى التطرّف كان مرّده الحرب الأهلية التي مرّت بها لبنان، وهي نفس الظروف المحيطة بالشباب العربي اليوم من انقسامات وصراعات طائفية وعرقية، واستمرار الغرب في فرض مصالحهم بالقوة، سيقف كحاجز أمام محاولات ضبط العنف المتولد عن تفاقم التناقضات وانتشار الظلم والإذلال.

والتطرّف على عكس ما هو متداول، هو سياسي، اجتماعي وفكري وليس بالضرورة دينيا، والشخص المتطرّف ليس لديه إيديولوجية أو أفكار واضحة يدافع عنها وإنّما تختص حياته ببعض المشكلات (السيكولوجية والاجتماعية) الّتي تدفعه للتطرّف، غير أنّه كثيرا ما ارتبط بالدين الإسلامي، وضروري الإيضاح أنّه لم يرد مفهوم التطرّف في الكتاب ولا في السنة بمفهوم اللفظ، ولكن ورد بمفهوم الغلوّ، وعليه فالتطرّف ليس لديه أصول شرعية، وهو يختلف عن التدّين حيث التديّن بمعنى الالتزام بأحكام الدين والسير على منهجه، وهو أمر مطلوب ومرغوب ويعود بالفلاح والخير على صاحبه ومجتمعه، وهو دليل على الفهم الصحيح للنصوص، والتطرف مرده الجهل بالدين[28]

علاقة التطرّف بالتجنيد في صفوف تنظيم الدّولة الإسلامية اليوم تبدو أكثر قابلية، بسبب ما يعيشه الشباب العربي من أوضاع اجتماعية واقتصادية تزيد فيها معدّلات الفقر، البطالة والمرض، وتتراجع فيها نسب التعلّم أمام حركات هجرة ولجوء واسعة بحثا عن الاستقرار والأمن، وظروف أنسب للعيش وأكثر تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وهروبا من استمرار الحروب وتجددها بتعدد أطرافها، وعودة التواجد لقوى عسكرية غربية لأهداف أخرى أكّدت صعوبة الخروج من دائرة الدمار، وفي ظل استمرار الغرب في فرض مصالحه سيحول هذا دون ضبط العنف المتولد عن التناقضات والتوترات.

وبالرغم من أنّ السلطة كانت المستهدف الأوّل لدوّل الحراك العربي أملا في استقرار سياسي متكامل، غير أنّ ما عليه اليوم هو توجّه نحو منحا آخر وإعلان عن حرب ضد الإرهاب، الّتي أصبحت الهدف الأساسي لكل الدول العربية وأحد الأولويات على حساب تحسين الأوضاع الاجتماعية، ما جعل الشباب يبحث عن الخلاص من هذه الأنظمة ولو باللجوء إلى الجماعات الإرهابية، التّي استغلّت اهتزاز شخصية الشباب وضعفها لتجنيدهم في صفوف هذه التنظيمات.

و يمكن تفصيل  مراحل تشكّل الفكر المتطرّف عن طريق  الفضاء الرقمي في:

  • ضخّ الفكر المتطرّف من خلال النّبش في الكتب و الفتاوى و إظهار التفسيرات الأكثر تشدّدا للنصوص و إنزالها على وقائع العصر و من ثمّ إصدار الأحكام، و في هذه المرحلة يكون الشاب في مرحلة التأمّل و الاختيار.
  • المساعدة في الاختيار و هي مرحلة يتم استخدام المؤثّرات لدفع الشخص الحائر لتكوين موقف.
  • التهنئة على معرفة الحق و تعزيز الأفكار حينما تلوح بوادر الاقتناع ببعض الأفكار.
  • الانضمام الفعلي للتنظيم تحت شعار الهداية و الالتزام و طلب الجنّة
  • الانخراط الفعلي في الأدوار العملياتية و هي الغاية الأساس  من كلّ هذه الجهود.[29]

وأصبح تنظيم الدّولة الإسلامية بفكره المتطرف والخاطئ عن الدين، يستخدم كل الوسائل والوسائط للتأثير على الشباب العربي، وجعله طرفا في حرب ضدّ بلده وشعبه، متحججين بإقامة دولة تحكم بما أنزل الله مستغلين نقص معرفة الشباب بدينهم وتفسيره، ما يؤكّد أنّ صعوبة ظروف حياة المجتمعات العربية بعد ثورات مثلما حملت آمالهم حطمتها، وخلقت تلك البيئة لتعدّد الآراء والمواقف والتعصّب لها بنوع من العنف، ما ولّد فكرا متطرّفا حاولوا تغذيته بأيّ من الطرق ولو بتعاليم الدين بفهم خاطئ لها،  و العمل على تجنيدهم و إغراءهم لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي و الفضاء الرقمي.

 وبالرغم من جهود الحكومات الجديدة لتجسيد مبادئ التغيير وتحسين الأوضاع بنفس الوتيرة مع محاربة الإرهاب، لكن للآن الشعوب العربية غير راضية ومازالت الشكوك تحوم – في جو من الخوف والتّرقب- حول قدرة هذه السلطات السياسية في التعامل مع هذه الأوضاع واحتواءها. أين أصبح الشباب العربي عرضة للتطرّف الفكري الّذي يسبّبه التعرّض للمواد الإعلامية عبر شبكة الانترنيت، حيث يساهم في تشجيع الفكر المتطرّف في أوساط المجتمعات العربية، هذا العالم المفتوح بالوسائط التكنولوجية. و كشفت استطلاعات للرأي أجريت على وسائط التواصل الاجتماعي أنّ 92% من الشباب السعودي يؤيّد تنظيم الدّولة الإسلامية و يراها نموذجا للإسلام الحق[30].

 و يوجد على الانترنيت الآلاف من المواقع المتطرّفة والمحرّضة على الصراعات العرقية والطائفية، تتخذ من الغلو منهجا في كل أمر ولا تتيح فرصة للحوار مع الرأي المخالف بل تكفره، وتنزل الحوادث القديمة على الحوادث الجديدة دون مراعاة الزمان والمكان، وتسعى لخلق صور لمجتمعات وشخصيات مثالية تنتسب للفكر للمتطرّف، تحاول من خلالها التأثير على الشباب واستدراجهم، مستغلة في ذلك مشاكل الأفراد وشعورهم بالوحدة والملل والقلق المستمر، والرغبة في الهروب والفصل في الصراعات الداخلية.

 وبالإضافة إلى الجماعات المتطرفة يوجد على مستوى هيكل تنظيم الدّولة الإسلامية هيئة إعلامية تسيطر على عدد كبير من المواقع و المنتديات الالكترونية، الّتي تحتوي على مكتبة هائلة و واسعة تختص بالايدولوجيا والخطاب وآليات التجنيد، التمويل والتخفي والتكتيك القتالي، وصنع المتفجرات وكل ما يلزم الجهاديين، خاصة أمام عدم وجود علماء معتبرين بشكل تفاعلي على الانترنيت يجذب الشباب من الفكر التطرفي و الصراع الهوياتي، وصعوبة التحكّم في هذا النوع من الجرائم وعدم وضوح الاختصاص القضائي فيها وصعوبة وضع معايير محددة لتحديد المسؤول الأوّل والمباشر عن المحتويات بهدف التجنيد.

  1. تحدّيات مواجهة خطر التجنيد عبر الانترنت

         إنّ مواجهة عمليات التجنيد عبر الانترنيت هي في حقيقة الأمر عملية متكاملة لمواجهة تنظيم الدّولة الإسلامية و كلّ النشاطات الّتي يقوم بها عن طريق توظيف الإعلام الجديد على غرار الدعاية و التحريض و استغلال الجانب التكنولوجي في التواصل و تنسيق الهجمات الإرهابية، و يشكّل هذا تحدّيا حقيقيا لمكافحة التنظيم  في مجال غير توسعه وجرائمه على الميدان، ويمكن تقسيم هذه التحدّيات إلى:

  • التحدّيات الأمنية:
  • نقص الخبرات الفنّية في مجال تحديد أركان الجرائم عبر الانترنيت أيّا كانت، و تقديمها كقضية مكتملة أمام المؤسّسات العدلية.
  • صعوبة الرصد و التحقيق و رفع الأدلّة الرقمية في كل زمان و مكان.
  • طبيعة الحدود الفنية و علاقات أطراف أي قضية عبر الانترنيت تتجاوز حدود الدّولة الوطنية
  •   العدد الهائل من المخالفات و المخالفين على مدار الساعة ما يصعب معه الضبط و المتابعة.
  • الكثير من شركات الاستضافة و تسجيل و حفظ البيانات الالكترونية موجودة خارج الدّول العربية و غالبا في الولايات المتحدة الأمريكية.
  • امتناع المستعملين عن التعاون مع المؤسّسات الأمنية إما لجهل أو لخوف[31].
  • التحدّيات الثقافية و الفكرية:
  • إنّ ما يعدّ جريمة في تشريع معيّن لا يعني بالضرورة نفس الاعتبار في دول أخرى، و هذا ما يعقّد القضايا ذات الارتباطات المختلفة.
  • الالتباس في كثير من المفاهيم و الخلط بين ضرورات التأصيل العقدي و تنازلات المصالح السياسية و الضغوط وموازنة مسألة الثقافة الدينية و الواجبات الشرعية.
  • عدم القدرة على تحديد المسؤول المباشر عن المحتوى التحريضي و رسائل و أساليب التجنيد
  • عدم كفاءة الردود على شبه المتطرّفين و المواجهة الفكرية و ضعف إدارتها و ترويجها بين المستخدمين
  • غلبة الخط الرسمي على ثقافة المواجهة الفكرية على شبكة الانترنيت ما يقّلل من درجة تأثيرها و انتشارها.
  • عدم وجود العلماء المعتبرين في بيئة الانترنيت بشكل تفاعلي يجدب الشباب عن خطاب التطرّف و المحتوى التحريضي على الالتحاق بصفوف الجماعات الإرهابية.
  • التشابك بين بعض المفاهيم الاجتماعية المحافظة و بعض التفسيرات المتطرّفة للنصوص بشكل يصعب المعالجة الفكرية الشرعيّة[32].
  • التحدّيات القانونية و التشريعية
  • عدم استيعاب التشريعات و الأنظمة لجرائم الفضاء الرقمي، و عمليات استغلال الإعلام الجديد في تجنيد وتحريض الأفراد.
  • تنازع القوانين و عدم وضوح الاختصاص القضائي في هذه الجرائم
  • صعوبة وضع معايير محدّدة لتحدّي ما هو فكر متطرّف و محرّض و مساعد على عمليات التجنيد.
  • في القضايا الفكرية على الانترنيت يكون العالم الديني حاسما في كلّ القضايا، ما يجعل القضاء لا يحسم القضية بسرعة، و بحكم مؤثر يحقّق جانب الردع[33].

خاتمة

      اتّخذ تنظيم الدّولة الإسلامية من الإعلام الجديد و الفضاء الرقمي، و شبكة الانترنت -بما تتيحه من مواقع تواصل اجتماعي ومنتديات، و بوابات..الخ-، أداة لا تقلّ عن العمل الميداني الحربي، إذ يعتبر هذا الفضاء جزءا أساسيا لبناء وجوده و استمراره، فقد ساهم و بدرجة كبيرة في بروزه و ترسّخه في الأذهان، بطريقة تطرح العديد من التساؤلات  و تحكمها التناقضات.

      و جاء هذا الاهتمام إدراكا من التنظيم، لما يمكن أن ينجزه هذا الفضاء الرقمي، و ما يمكن أن يتيحه من فرصة للدعاية والإشهار، و التسويق للأفكار و الصّور، و العلامات، و الإيديولوجية، كما أنّه يتيح التواصل والتنسيق في العمليات الإرهابية من جهة، مع التركيز عليه كمصدر أساسي للحصول على مقاتلين و تجنيدهم من مختلف دّول العالم، بطريقة يستفيد من تنوعهم لخدمة إستراتيجيته الإرهابية العالمية، و ضمان  الحصول على مقاتلين جدد يضمنون قوة التنظيم.

      و عرض القوة الإعلامية و القدرة الكبيرة، للتّحكم في الإعلام الجديد من طرف تنظيم الدّولة الإسلامية، و استخدامه في عمليات التجنيد لا نهدف من خلاله القيام بحملة دعائية مجانية، و لكن للإشارة للأهمية البّالغة الّتي يكتسبها الموضوع، و ارتباطه بالتطوّرات التكنولوجية الآنية الّتي نمثّل جزءا منها، هذا من جهة، و من جهة أخرى من الضروري جدا أن نفهم و نعي هذه التطوّرات بعمق إذ تشكّل الواقع الرهيب الّذي أوجد تهديدا واقعا اليوم في المنطقة العربية.

*حرصا على اعتماد الحياد و الموضوعية العلمية في هذا البحث العلمي، استخدمنا تسمية ” الدولة الإسلامية” حيث حدّد التنظيم هذا الاسم لنفسه وألغى كل التسميات الأخرى كداعش، و هذا بعيد عن أي ولاء أو تمجيد لهذا التنظيم.

[1] انظر الملحق رقم1، إحصائيات ل14 جيشا أجنبيا على الأراضي العراقية فقط.

[2] كوكبيرن باتريك، صعود تنظيم الدّولة: تنظيم الدّولة و الدّولة السنيّة، تر: محمد، عايد عارض، مجلة دراسات شرق أوسطية، العدد 73، الأردن، 2015، ص 181.

* ساد وصف التنظيمات الإرهابية و على رأسها تنظيم الدول الإسلامية، بأنها تنظيمات جهادية، و أنها تعود لحركة الجهاد العالمي الّذي تنطوي تحته أيضا القاعدة، لكن لابد من التوضيح أنّ ممارسات و أفعال و أفكار و منطلقات هذه التنظيمات الإرهابية، هي بعيدة عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي، و تختلف عن فكرة الجهاد كما هي موضّحة في الإسلام، و فكر  تنظيم الدولة الإسلامية يعبّر عن فكر متطرّف و متشدّد لا يمثل اعتدال ووسطية الدين الإسلامي.

[3] مرسي مصطفى عبد العزيز، هل يغيّر صعود داعش و روافدها لتوازنات و المعادلات الدولية و الإقليمية في المنطقة، مجلة شؤون عربية، العدد 159، مصر، 2015، ص ص 103، 105.

[4] هيئة التحرير، من ثورات الشعوب إلى ساحة للتنافس الإقليمي و الدولي : المنطقة العربية بين صعود تنظيم الدولة والانخراط الأمريكي المتجدد، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 12، قطر، 2015، ص 180.

[5] كوكبيرن باتريك ، مرجع سبق ذكره، ص 182.

[6] مؤيد جبار حسن، قراءة في فكر تنظيم داعش، في ضوء كتاب إدارة التوحّش، مجلة جامعة كربلاء العلمية، العدد 4، مركز الدراسات الإستراتيجية، العراق، 2015، ص 5.

[7]* لمّا قيل لابن العبّاس: و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”، قال: ” كفره ليس كمن كفر بالله و اليوم الآخر، و قال طاووس: ” كفر لا يخرج من الملّة، و لا ملازمة بين التكفير كشرط للإيمان و بين سلب الكافر حقوقه.

[8] معتز الخطيب، تنظيم الدّولة الإسلامية، النشأة التأثير، المستقبل، مركز الجزيرة للدراسات، قطر، نوفمبر 2014، ص ص 14، 15.

[9] Olivier roy, un islam sans racines ni culture, qui est daéch, comprendre le nouveau terrorisme, Normandie  roto  impression, paris, France, 2015, p 14.

[10] جمال نصار، ظاهرة الإرهاب، محدّدا تهو حقيقة المواجهة و التناقضات الدّولية، مركز الجزيرة للدّراسات، قطر، أفريل 20115، ص02.

[11] Richard BARRETT, the islamic state, The Soufan group) WWW.SOUFANGROUP.COM((, November 2014, p 23.

[12]هيئة التحرير، مرجع سبق ذكره، ص 186.

[13]Observatoire du monde cybernétique trimestriel, délégation aux affaires stratégiques, ministre de défense  décembre 2013, p4.

[14] نور أيوب، قوة «داعش» في عدستِه: “مدرسة الإعلام الجهادي”، عبر الموقع:http://www.al-akhbar.com/node/239126، تمت زيارة الموقع بتاريخ 30/07/2016. على الساعة 00:31.

* تعرف الحرب الرمزية بقرصة العقرب، و الّتي يقصد بها الحرب الّتي يسعى من خلالها القائم بها إلى التمظهر بالقوّة، أكثر من السعي لامتلاك القوّة، حيث الهدف من وراء القتل هو إثارة الزوبعة الإعلامية و الرأي العام، و الحرب الحقيقية عكس الرمزية، و يقصد منها أنّ الهدف من القتل هو تحقيق النصر و التخلّص من العدوّ على أرض المعركة و الميادين العسكرية و غير العسكرية.

[15] عبد الله رحمون، مخطوط داعشي، الحرب الحقيقية و الحرب الرمزية، مركز إدراك للدراسات و الاستشارات، أفريل 2016، ص 10.

[16] صهيب الفلاحي، إعلام تنظيم الدولة: مؤسسات داعش الإعلامية، عبر الموقع:http://www.noonpost.net/content/5637،  تمت زيارة الموقع بتاريخ 31/07/2016 على الساعة 14:12.

[17] عبد الله رحمون، مرجع سبق ذكره، ص 10.

[18] صهيب الفلاحي، مرجع سبق ذكره.

[19] إمبراطورية داعش: 5 منافذ إعلامية آخرها قناة الخلافة، عبر الموقع: http://www.sasapost.com/isis-new-channel/، تمت زيارة الموقع بتاريخ 31/07/2016.

[20] عبد الباري عطوان، الدّولة الإسلامية الجذور، التوحّش، المستقبل، ط1، دار الساقي، لبنان، 2015، ص 198.

[21] إمبراطورية داعش: 5 منافذ إعلامية آخرها قناة الخلافة، مرجع سبق ذكره.

[22] انظر الملحق رقم 2:صورة اللعبة الالكترونية “صليل الصوارم” لتنظيم الدّولة الإسلامية.

[23] ألبرتو فرنانديز، باقية وتتمدد: مواجهة شبكات الدعاية الخاصة بداعش، مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي التابع لمعهد بروكنجز، أوراق منتدى أمريكا و العالم الإسلامي 2015، قطر، أكتوبر 2015، ص 1.

[24] الإرهاب في شبكات التواصل الاجتماعي، عبر الموقع:

 http://www.assakina.com/news/news1/65950.html#ixzz45nyAF0x0، تمت زيارة الموقع في أفريل 2016.

[25] محمود خليل، 50 ألف موقع إلكتروني لداعش.. والإرهاب يحاصر الإنترنت، عبر الموقع:

 http://www.alittihad.ae/details.php?id=64991&y=2015&article=full ، تمت زيارة الموقع في جانفي 2016.

[26] إحصائيات مثيرة عن أعداد المقاتلين في داعش، عبر الموقع: http://www.uschaammedia.com/Ar/sections/news ، تمت زيارة الموقع بتاريخ 30/07/2016.على الساعة 15.32.

[27]كوكبيرن باتريك، مرجع سبق ذكره، ص 170.

[28] يقول تعالى:” يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسر و لا يُريد بكمُ العُسر”الآية 85 من سورة البقرة، وعن عبد الله بن مسعود قال صلى الله عليه وسلم” هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون” رواه مسلم، و المتنطعون هم الغالّون المتعمقون المجاوزون في الحدود وفي أقوالهم وأفعالهم، و في هذا دعوة إلى التيسير و السماحة و عدم التشدد.

[29]  فايز بن عبد الله الشهري، استعمال الانترنيت في تمويل الإرهاب و تجنيد الإرهابيين، ط1،  جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات و البحوث، الرياض، 2012، ص 35.

[30] عبد الباري عطوان، مرجع سبق ذكره، ص 16.

[31] فايز بن عبد الله الشهري ، مرجع سبق ذكره،  ص 44.

[32]  فايز بن عبد الله الشهري، مرجع سبق ذكره، ص 45.

[33] نفس المرجع، ص 46.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button