لماذا تتوجس الولايات المتحدة من السلاح النووي لكوريا الشمالية بالرغم من انها ليست الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي ؟
او باللغة النظرية لماذا تعتبر الولايات المتحدة ان السلاح النووي الكوري يمثل ” تهديدا امنيا ” لها ؟ ، الاجابة على هذا السؤال نجد احالته في نظريات العلاقات الدولية التي تناولت موضوع التهديد الامني ، ويظهر بشكل بارز في هذا الاطار الاسهامات التي قدمها كل من المنظورين الواقعي والبنائي
بالنسبة للواقعيين فان التهديد الامني مرتبط بمفهومي ” القدرات” و” التوازن” اي ان لا يمكن أن يمارس إلا من خلال اكتساب قدرات فعلية ، إذ لا يمكن لأي طرف أن يشعر طرف آخر بالتهديد إلا إذا كان يمتلك قدرات فعلية تؤسس لشروط التهديد الأمني ، والاختلاف بين الواقعيين ليس حول مدى ارتباط التهديد الأمني بعنصر القدرات وإنما الاختلاف هو حول كيف توظف الدول هذه القدرات في سياستها الأمنية وقد شكل هذا السياق الإطار العام للحوار الدفاعي – الهجومي داخل المنظور الواقعي ، وبرؤية واقعية فان مجرد امتلاك ” كوريا الشمالية ” للسلاح النووي كنوع من القدرات العسكرية المتطورة هو في حد ذاته تهديد امني للولايات المتحدة خاصة في ظل عمق العلاقة بين كوريا الشمالية و كل من الصين وروسيا باعتبارهما قوى كبرى منافسة للولايات المتحدة ولذلك كرست الاويات المتحدة الكثير من جهودها لمنع ما يسمى ” الانتشار النووي ” واعتباره من اخطر القضايا التي تهدد الامن الدولي لان اكتساب هذا النوع من القدرات هو في حد ذاته بالمنطق الواقعي يشكل تهديدا امنيا.
كما يربط الواقعيبون بين التسلح النووي ومسالة التوازن بمعنى ان السلاح النووي يعتبر شيئا ايجابيا اذا ادى الى خلق وضع التوازن ، وفي هذا السياق يفسر المنظرو الواقعي اعتبار الولايات المتحدة للسلاح النووي الكوري على انه تهديد امني لانه لا يخلق اي وضع توازن تستفيد منه الاويات المتحدة على عكس رضاها على امتلاك كل من الهند والباكستان لسلاح نووي لانه يخلق وضع توازن يمنع كل منهما من ان تتحول الى قوة عالمية والاكتفاء بوضع القوة الاقليمية
لقد ظلت هذه النظرة الواقعية التي تربط بين التهديد الأمني وبين ” القدرات ” سائدة الى غاية الاضافة التي قدمها المنظور البنائي حول موضوع التهديد الامني ، حيث يرى البنائيون ان التهديد الامني لا يرتبط بالقدرات بقدر ما يرتبط بمفهوم الادراك فعلى العكس من التصور الواقعي الذي يربط ممارسة التهديد الأمني باكتساب القدرات ، فان المقاربة البنائية تركز على العلاقة بين عنصر الإدراك والتهديدات الأمنية سواء ما تعلق بقيمة التهديد أو طبيعته ، فقيمة التهديد عند البنائيين لا تتحدد على أساس القدرات ولكن على أساس التأثير في ادراكات الآخرين ، كما أن طبيعة التهديد تتأثر أيضا بعنصر الإدراك فالخطر قد يكون نفسه ولكن طبيعة إدراكنا لمصدره هو الذي يحدد في النهاية إمكانية التعامل معه على انه تهديد امني
ولذا بالنسبة للبنائيين فان اعتبار الولايات المتحدة للسلاح الكوري الشمالي بكونه تهديدا امنيا فهذا مرتبط بالادراك السلبي للنظام الكوري الشمالي باعتباره نظام أيدلوجي منغلق وغير عقلاني وبالتالي لا تتوفر أي ضمانات لعدم تهوره في استخدام السلاح النووي على عكس دول أخرى قبلت الولايات المتحدة بامتلاكها السلاح لانها تدرك بانها دول عقلانية تستوعب بشكل موضوعي امتلاك السلاح النووي
بالمحصلة هذه النظرة المعقدة من طرف الاويات المتحدة لمسالة امتلاك الدول للسلاح النووي عبر عنها بشكل دقيق الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد عندما قال : اذا كان السلاح النووي شيئ ايجابي لماذا لا تمتلكه الدول الصغرى واذا كان شيئ سلبي لماذا تمتلكه الدول الكبرى …
د. حوسين بلخيرات