إدارة مجلس الأمن الدولي للأزمات الدولية: دراسة حالة الأزمة السورية 2011-2017

اجتاحت تقنية إدارة الأزمات حقل العلاقات الدولية بقوة، بعدما ظل ينحصر استخدامها في مجالات الاقتصاد والإدارة لمدة طويلة، ولا غرابة في ذلك ما دامت هذه الوسيلة التي تتركز في مجمل الاجتهادات والمواقف وردود الأفعال المستندة بدورها إلى مقومات علمية وقانونية بغرض احتواء أزمة معينة، وهي أنجع وسيلة لاحتواء وتطويق المنازعات والأزمات وأقلها تكلفة.

وإذا كانت فترة الحرب الباردة التي شهدت أزمات دولية خطيرة كادت أن تفضي بالعملاقين (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية) إلى مواجهات عسكرية مباشرة تعصف بالاستقرار العالمي (أزمة كوريا، أزمة الصواريخ الكوبية، أزمة برلين…) قد تميزت إجمالا بسهولة إدارة الأزمات نظرا إلى كون غالبيتها جاءت نتاجا للصراع بين الشرق والغرب, وتمكن الطرفين من تطويقها في إطار سياسة الردع المتبادل والمفاوضات الثنائية نظرا لغياب قوى دولية منافسة وفعالة حينئذ ونتيجة للشلل الذي أصاب الأمم المتحدة عامة ومجلس الأمن الدولي على وجه الخصوص بسبب الإقبال الكثيف على استعمال حق الاعتراض, فإن الأمر أضحى في غاية التعقد والصعوبة في عالم ما بعد الحرب الباردة مع بروز أزمات وصراعات متميزة لم تكن مألوفة في مجملها من قبل, كتلك المرتبطة بالصراعات الإثنية والقبلية الداخلية أو الناتجة عن تزايد المطالبة بالتغيير الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان…

وفي هذه الفترة بالذات تشكلت رغبة دولية لتفعيل الأمم المتحدة بصفة عامة ومجلس الأمن الدولي على وجه الخصوص في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين بعد حوالي نصف قرن من الشلل. وموازاة مع هذه التحولات الناتجة عن رحيل الاتحاد السوفيتي, خلا الجو للولايات المتحدة لبسط هيمنتها على الساحة الدولية, دشنتها بالتبشير “بنظام دولي جديد” قوامة السلام والعدالة والطمأنينة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب…

إن الوسائل الدولية لإدارة الأزمات متعددة ومتباينة وتتنوع إلى وسائل ديبلوماسية (المفاوضات، المساعي الحميدة والوساطة، التحقيق، التوفيق، عرض المنازعات على المنظمات الدولية والإقليمية…) وقانونية (التحكيم الدولي والقضاء الدولي) وزجرية (الضغوطات الاقتصادية من حظر وحصار ومقاطعة وتجميد للأموال أو حجزها في الخارج، أو سياسية وديبلوماسية أو اللجوء إلى القوة العسكرية كخيار أخير…)، ولقد عددت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة في فقرتها الثانية مختلف هذه الوسائل (1)، كما نص الميثاق في مواضع أخرى منه على وجوب عرض النزاع إذا استعصى حله بإحدى هذه الوسائل المذكورة سابقا، على الهيئة الدولية لتوصي بما تراه مناسبا بشأنه، كما بينت الاتفاقيات الدولية الكبرى التي أبرمت منذ مؤتمر لاهاي لإقرار السلام الكثير من هذه الوسائل وما يتصل بها من إجراءات وأحكام، فتكلمت اتفاقية لاهاي الأولى سنة 1907 عن الوساطة والمساعي الحميدة والتحقيق والتحكيم (2)، وسرد النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية كل ما يتصل بالسبل القضائية, وعالجت معاهدة التحكيم العامة المبرمة في جنيف سنة 1928 موضوع التوفيق، كما تعرضت أيضا للقضاء والتحكيم.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button