الاتجاهات الحديثة فى دراسة النظام الدولى منذ إنتهاء الحرب الباردة

يظهر استقراء أدبيات العلاقات الدولية حول تحليل النظام الدولى منذ الفترة التالية للحرب الباردة، وجود حالة من الاتفاق العام حول أهمية وعمق تأثير انتهاء تلك الحرب على مسـيرة تطور النظام الدولى، ودفعه على طريق استهلال مرحلة تاريخية اصطلح على تسميتها بالنظام الدولى الجديد فى إشارة واضحة الدلالة على تتالى تحولاتها وتلاحق سرعة مستجداتها. كما يتضح أيضا تزايد إدراك حالة السيولة التى تميز هذه المرحلة من جانب، ومن ثم أهمية الحاجة الملحة لاستقرار هذا النظام، واتضاح أبعاده ومعالمه من جانب آخر. وفى ذات الوقت توضح مراجعة تلك الأدبيات، وبشكل جلى، أن هذا الاتفاق حول طبيعة هذه المرحلة لم يقدر له أن يرقى بعد إلى، أو أن يقترب من مرتبة الإجماع، أو الوصول إلى اتفاق الأغلبية حول أبعاد ومدى تاثير هذه التطورات على كل من البنية الهيكلية للنظام الدولى من جانب، وحول آلياته وقضاياه ومجالات اهتماماته من جانب آخر. إلى جانب ذلك، فإن أبعاد التحليل تزداد تعقيداً وتداخلاً عندما تضاف إلى إطاره أحداث سبتمبر 2001، وانعكاساتها على هذا النظام، ودورها- من خلال ما فرضته من حسم لقدر كبير من حالة التردد والميوعة التى غلبت على مواقف أطراف دولية عديدة تجاه قضاياه ومشكلاته قبل تلك الأحداث-، فى تزويده بقوة دفع هائلة أصبح هذا النظام الدولى الوليد بفضلها، وبالمقارنة بما كان سائداً حتى قبيل انفجار تلك الأحداث، أصبح هذا النظام قادراً ليس فقط على ترسيخ دعاماته، بل وعلى أن يلج فى مرحلة تتسارع فيها حركته نحو استكمال بلورة معالمه وإنهاء صياغة ما تبقى من أبعاده، وإضفاء قدر أكثر من الدقة والوضوح على خصائصه البنيوية هيكلية ووظيفية.

من هنا، تستهدف هذه الدراسة أولا رصد وتحليل هذه التوجهات الفكرية لأدبيات النظام الدولى الجديد خلال تلك الحقبة الزمنية الممتدة منذ نهاية الحرب الباردة وحتى نهاية التسعينيات. أما الهدف الثانى، فيتمثل فى تشخيص الواقع الراهن للنظام الدولى: أطرافه، وقضاياه، واستعراض السيناريوهات المستقبلية بالنسبة له. وفـى استخدامها لمفهوم “التوجهات الفكرية” تشير الدراسة إلى مجمل الأفكار والتصورات والرؤى التى تضمنتها تلك الأدبيات حول تطورات النظام الدولى على مدى السنوات الممتدة لتلك الحقبة الزمنية. وعلى ذلك تتضمن الدراسة أقسام أربعة: يأتى أولها بعنوان “النظام الدولى الجديد: النشأة والخصائص”، ليلقى الضوء على التيارات المتنوعة فى التعريف بالنظام الدولى الجديد. أما القسم الثانى فيختص بتناول الفاعلين والأدوار فى إطار النظام الدولى الجديد. وبينما تخضع ابرز قضايا ومشكلات النظام الدولى الجديد للدراسة فى القسم الثالث، فإن القسم الرابع يهتم بتناول أحداث سبتمبر 2001 وبيان تداعياتها على النظام الدولى. وأخيرا تتضمن الخاتمة بيان نتائج الدراسة، يتبعها بيان بالمصادر والمراجع المستخدمة.

وفى سعيها للتعرف على أبرز الاتجاهات النظرية فى دراسة النظام الدولى فى فترة مابعد الحرب الباردة، فقد اعتمدت الدراسة بدرجة أساسية على شبكة المعلومات الدولية، والتى تجاوزت مصادرها مئات الدراسات والتقارير تم تبيوبها والاختيار من بينها طبقا للمعايير العلمية والموضوعية، بالإضافة إلى مراعاة تمثيل فترة الدراسة.

القسم الاول : النظام الدولى الجديد: النشأة والخصائص
أولا: النظام الدولى الجديد: المفهوم والنشأة

فى إطاره العام، ُيستخدمًُ مصطلح “النظام الدولى الجديد” فى سياق الإشارة إلى محصلة التطورات التى أحدثها فى بنية واهتمامات النظام الدولى إنتهاءُ الحرب الباردة؛ وتحللُ واختفاء الاتحاد السوفيتى، ومن ثم التحول عن نظام القطبية الثنائية إلى نظام جديد ما زال، وعلى حد وصف جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، “نظاماً يبحث عن هوية“(2)، حيث تتعدد فى توصيفه الرؤى والتوجهات ما بين النظر إليه باعتباره نظام “القطب الواحد المهيمن”، أو إدراكه كنظام “تعدد القوى”، أو التسليم بأنه “نظام ما زال فى طور التكوين”. وفى كل الأحوال، تظل أبرز سماته ممثلة بصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة ومهيمنة فى بنية نظام وعالم ما بعد الحرب الباردة. وإزاء التنوع الذى يميز تناول الأدبيات السياسية لنشأة النظام الدولى الجديد، وتحديد مقوماته وخصائصه، فإنه يمكن التمييز فيها بين تيارات عامة ثلاثة: أولها يقول بوجود نظام دولى جديد، والثانى يرى أنه لا يوجد نظام دولى جديد، بل تعددية القوى فى إطار من التواصل العام للقواعد العامة للنظام الدولى السائد منذ نهاية الحرب الثانية، وبينما يؤمن التيار الثالث بحدوث تغييرات جذرية فى النظام الدولى، إلا أنه يرى هذا النظام الدولى الجديد مازال فى طور التكوين، ولم تستقر دعاماته أو تتضح خصائصه فى شكل نظام متكامل المعالم ومحدد القواعد بعد. رؤية ومضمون كل تيار يمكن بلورتها على النحو التالى:

التيار الأول: تيار النظام الدولى الجديد:

ويقطع القائلون به بوجود نظام دولى جديد أحادى القطبية، تتربع الولايات المتحدة على قمته دونما منافسة أو تحد، ويدعم مكانتها هذه تأييد حلفائها الغربيين من جانب، وقدرتها على استخدام قوتها العسكرية لحسم أى صراع تقرر الاشتراك فيه، ولممارسة مسئولياتها فى المحافظة على الاستقرار الدولى وتوجيه الحركة العالمية باتجاه الديموقراطية(3). منطق هذه الرؤية يستند إلى أن إنهيار الاتحاد السوفيتى قد أفسح المجال أمام الولايات المتحدة لترقى إلى مرتبة القوة العظمى الوحيدة، وأن تصبح، وبما تمتلكه من قوة ومكانة، مركزا للقوة العالمية، قادرة على استخدام وتوظيف ما تمتلكه من عناصر للقوة لتحقيق وفائها بمسئولياتها فى تنظيم وإدارة الشئون الدولية دونما منافسة حقيقية أو تحد جوهرى من جانب أى قوة دولية أخرى(4). يضاف إلى ذلك أيضاً أن انتصار الأيديولوجية االليبرالية فى الحرب الباردة إنما يضيف لقدرات الولايات المتحدة، باعتبارها “القطب المهيمن”، مصدراً إضافيا يتمثل فى ” جاذبية أفكار الدولة” دلالة على قدرتها على التأثير الثقافى والأيديولوجى على وحدات النظام الأخرى(5). هذا فضلا عن تمتع الولايات المتحدة بقدر كبير من التفوق فى عديد من مقومات وعناصر القوة كتفوق التكنولوجيا العسكرية، والانتشار الأيديولوجى، ونطاق الدبلوماسية الدولية وشبكة العلاقات السياسية.

وعلى ذلك، يأتى استخدام مفهوم النظام الدولى الجديد تعبيراً عن مجمل تلك التطورات التى حدثت فى هيكل وبنية علاقات القوة فى نظام القطبية الثنائية الذى امتد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى إنتهاء الحرب الباردة، وما ترتب عليها من تطورات تمثلت فى انتصار المعسكر الغربى فى الحرب الباردة، وتحلل واختفاء الاتحاد السوفيتى، وصعود الولايات المتحدة إلى مرتبة القطب الأوحد المهيمن فى الشئون الدولية، إضافة إلى جملة التداعيات المترتبة على ذلك مثل التحول نحو تدعيم دور الأمم المتحدة كتجسيد للشرعية الدولية؛ وتزايد حدة الاستقطاب بين الشمال والجنوب؛ وارتفاع أولوية ومكانة القضايا الاقتصادية على قائمة الاهتمامات الدولية؛ والتحول فى نوعية المشكلات والتحديات الدولية الجديدة فى مجالات كالبيئة، والمخدرات والجريمة المنظمة، ومثيلاتها مما تتطلب مواجهتها أنماطا متميزة من التنسيق والتعاون الدوليين؛ تزايد التوجه نحو إنشاء التكتلات الإقليمية والكيانات الاقتصادية الكبرى؛ وتزايد الاهتمام الدولى بقضايا التحول الديموقراطى ونطاقه(6).

وطبقا لهذا التيار، فإن نقطة انطلاق وبداية هذا النظام الدولى الجديد ترتبط بأزمة الخليج الثانية 1991/1992. فقد تبلور فى إطارها مضمونه وتحددت بشكل مبدئى مقوماته، استناداً إلى ما أضفاه عليه استخدام الرئيس الأمريكى جورج بوش وإدارته فى تقديمه لمعالم هذا النظام الذى استهدفت إدارته إرساء دعاماته كإطار تنتظمُ من خلاله، وتُمارسُ على هدى من قواعده، أنماط العلاقات والتفاعلات الدولية منذ ذلك الحين. وهكذا، جاء ميلاد المصطلح آنذاك مصاحباً للغضب العارم الذى صاحب قيام العراق بضم الكويت، وارتباطه حينئذ بحرب الخليج، وبقرارات الأمم المتحدة بالعمل الجماعى، و بالحرب ضد العدوان العراقى، واستمراره منذ ذلك الوقت فى ممارسة تأثيره وقدرته على الاستئـثار باهتمام الدارسين المهتمين بتوصيف عالم ما بعد الحرب الباردة (7).

رؤية الولايات المتحدة لدورها ومسئوليات قيادتها الدولية آنذاك عبرت عنها تصريحات الرئيس جورج بوش فى خطابه بقاعدة مونتجمرى الجوية بولاية ألباما فى 13/4/ 1992، والتى انطلقت من “إدراك الولايات المتحدة للمسئوليات التى أملتها نجاحاتها الكبرى كإنهاء الحرب الباردة وانتصار الليبرالية، وتحرير الكويت وإخراج العراق منها، ..”، ومن منطلقات احترامها والتزامها فى الوقت ذاته بمبادىء الشرعية الدولية واحترام القانون الدولى، ومبدأ الأمن الجماعى، والالتزام المشترك بين الأمم بالتسوية السلمية للمنازعات، والتضامن فى مواجهة العدوان، وخفض التسلح ومراقبته، والتأكيد على ضمانات الحرية والديموقراطية والتنمية وحقوق الإنسان” (8).

وعلى ضوء ذلك، وفى خضم الزخم الإعلامى المتزايد فى أعقاب تحرير الكويت، جاء ارتباط هذا المفهوم بمجموعة من المفاهيم والشعارات التى استهدفت تأكيد صفة “الجديد” وتعميق ارتباطها فى وعى المستمع والمشاهد والقارىء بسقوط الأيديولوجية الشمولية وانتصار الليبرالية، وصعود نجم مفاهيم التعددية السياسية، وحقوق الإنسان، والتأكيد على أهمية العلم ودور تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات. وفى هذا السياق أيضا، كان صعود مكانة الولايات المتحدة وتبوأها لمكانة الدولة القائد لهذا النظام، وتوليها مسئوليات القيادة وأعباء الالتزام بتطبيق القانون الدولى والحفاظ على الاستقرار والنظام الدوليين، بمعاونة أصدقائها وحلفائها معاً، مع تفضيل أن يتم ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة، وفى إطار من استخدام آلياتها السلمية المعتمدة على الإقناع والوساطة والتوفيق، وغيرها من آليات. إضافة إلى ذلك، وفى مواجهة الخارجين على القانون والمعتدين، ومن أجل حفظ وإقامة السلم، فإن قيادة المجتمع الدولى قد تضطر إلى استخدام الإجراءات التى تضمن الردع والفرض أو الإجبار Compellenceأى استخدام القوة لإجبار بعض الفاعلين على إيقاف بعض التصرفات والتصرف بشكل آخر يتفق ومقتضيات تحقيق السلام وحفظ أو استرداد القانون والنظام، وردع وإيقاف ومعاقبة الحرب، والعدوان، والقهر، وإنقاذ وإغاثة المدنيين وتوفير مجهودات الإغاثة للشعوب وحماية حقوق الإنسان، ودعم وتشجيع الحقوق المدنية(9).

التيار الثانى: التحول من النظام الثنائى إلى نظام تعدد القوى:

أنصار هذا التيار، وعلى العكس من سابقه، يرون أن التغيرات التى طرأت على هيكل النظام الدولى نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة لم تؤد إلى إقامة نظام دولى جديد، لكنها تمثل انتقالاً إلى حالة “تعدد القوى”، وليس إلى “نظام القطب الواحد”، وأن هذه التعددية تختلف عن نظام تعدد القوى الذى ساد فى القرن التاسع عشر(10). منطق هذه الرؤية يستمد قوته من أوجه القصور فى اتجاه القطبية الأحادية. فمن جانب، فإن الولايات المتحدة وإن تمتعت بتفوق قوتها العسكرية بما جعل منها القوة الأولى فى العالم، إلا أن الاعتماد على تلك القوة ليس كافيا بذاته، – وبسبب الحدود التى تواجهها القوة العسكرية فى توجيه التفاعلات الدولية-، لتمكين الولايات المتحدة من الوفاء بمسئوليات قيادة النظام الدولى (11). وهناك أيضا القيود التى يواجهها استخدام القوة العسكرية نتيجة للتزايد المستمر فى ظاهرة الاعتماد المتبادل فى العلاقات الدولية، الأمر الذى يمثل بذاته قيداً على إمكانيات ونطاق فرص توظيف القوة العسكرية الأمريكية فى قيادة النظام الدولى. إضافة إلى ما سبق، فإن مراجعة عناصر القوة فى كل من الولايات المتحدة وأوربا واليابان باعتبارها وحدات القوة الرئيسية للنظام الدولى إنما توضح افتقار كل منها منفردة إلى التمتع بالتفوق فى كل عناصر القوة، مما دفع البعض لتشخيص حالة هذا النظام الدولى بأنه “نظام تغيب فيه فئة القوى العظمى”(12). وهناك رابعاً طبيعة وحجم المشكلات الاقتصادية التى تواجهها الولايات المتحدة، مقارنة بغيرها من القوى الغربية، والتى تؤدى فى مجملها إلى الحد من تأثير المكون الاقتصادى فى القوة الأمريكية (13).

وعلى ضوء ذلك، ينتهى القائلون باتجاه “تعدد القوى” إلى أن انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى قد انتقلا بالنظام الدولى إلى حالة من تعدد القوى أكثر من كونه قطبية أحادية، مدعمين رؤيتهم هذه باعتبارات واقعية ومنطقية. فالخبرة التاريخية المعاصرة توضح صعوبة قيام قوة وحيدة عملياً بفرض إرادتها وإملاء رؤيتها، وبشكل منفرد ومطلق، على المستوى الكونى بدون مساندة وتأييد قوى دولية أخرى(14). ثم هناك ثانياً، القيود النظرية والحدود العملية التى ترد على رغبة الولايات المتحدة، وتحد من قدرتها عملياً على الاضطلاع بأعباء ومسئوليات القيادة المنفردة للنظام الدولى الجديد، وافتقارها للعديد من متطلبات الوفاء المنفرد بمسئوليات قيادة النظام الدولى، ومن ثم، عدم مصداقية وصفها بالقطب الوحيد المهيمن على النظام الدولى فى فترة ما بعد الحرب الباردة. وثالثاً، هناك أيضاً خبرة أزمة الخليج الثانية، والتى ارتبطت بها نشأة النظام الدولى الجديد، وبالهيمنة والقيادة الأمريكية له وعليه. فقـد كشفت تلك الأزمة عن عمق التداعيات المترتبة على افتقار أوربا، ورغم امتلاكها للعديد من مصادر ومقومات القوة الدولية، (آنذاك) للإرادة والسياسة الخارجية الموحدة، ومن ثم عدم تأهلها منفردة للقيام بأعباء قيادة النظام الدولى الجديد. ورابعا، يأتى افتقار اليابان للقوة العسكرية الفاعلة والمؤثرة دولياً، ومحدودية، إن لم يكن انعدام، انتشارها الحضارى، أى ثقافيا وأيديولوجياً وسياسياً، يأتى كل ذلك ليؤكد عدم قدرة اليابان منفردة، رغم تفوقها الاقتصادى، على الوفاء بمسئوليات قيادة النظام الدولى (15).

وهكذا، تتأكد عملياً ومنطقياً الطبيعةُ التعددية للقوى الدولية فيما بعد الحرب الباردة (الولايات المتحدة، وأوربا، واليابان)، وأن أياً منها لا تستطيع منفردة الوفاء بهذه المسئولية. وقد أثبتت تطورات أزمة الخليج الثانية إبان الغزو العراقى للكويت، وبأكثر من دليل مصداقية ومعقولية هذا التوجه: فما يُنسبُ للقيادة والدور الأمريكيين فى تلك الأزمة لم يكن ليتحقق ربما فى موقع آخر غير العراق وبدون نموذج صدام، وكذلك فى غيبة دعم وتأييد حلفائها من الأوربيين وغيرهم. كما أن أوربا، وتنوع ردود فعلها وتباين سياساتها تجاه تلك الأزمة، لم تكن لتستطيع منفردة أن تتبوأ مسئولية القيادة الدولية فى غيبة الإرادة السياسية الأوربية الموحدة من جانب، وفى غيبة الدور الأمريكى المبادر والفاعل إبان تلك الأزمة من جانب آخر. وأن باقى القوى الدولية الكبرى كالاتحاد السوفيتى السابق، ثم روسيا من بعده، إضافة إلى الصين لم تكن لتستطيع منفردة، وفيما لو أرادت أن تفرض وجهة نظرها أو تطرح بدائلها قسراً واعتمادا على قوتها الذاتية.

كذلك، يضاف إلى ما سبق، أن هيكل وبنية هذا النظام متعدد القوى، وبمقارنته بنظيره الذى ساد العلاقات الأوربية خلال القرن التاسع عشر، يتميز ببعض الخصائص المميزة. فـهو مـن جانب يعتمد على اجتماع هذه القوى معا، وفى إطار ما أسماه دويتش “المجمع الأمنى المتعدد” من مراكز متعددة ذات التوجه الرأسمالى تمثل فيما بينها مجموعة ينتفى فيها احتمال قيام إحداها باستخدام القوة العسكرية فى علاقاتها الداخلية، وعلى العكس مما كان يحدث فى أوربا مسببا آنذاك فى حدوث اختلال توازن القوى، وما يترتب على ذلك من تهديد للأمن والسلم الأوربيين(16).

أما بصدد القول بارتباط نشأة النظام الدولى بأزمة الخليج الثانية، فإن هذه الأزمة وإن كانت قد هيأت الفرصة لإنهاء مرحلة القطبية الثنائية، ووفرت قوة الدفع اللازمة للدور الأمريكى فى مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب الباردة، فإن دور الرئيس السوفيتى السابق جورباتشوف لا يمكن إغفاله أو إهمال تأثيره فى التمهيد لنشأة هذا النظام الدولى الجديد، والذى لم يكن ليتحقق فى غيبة نتائج وتداعيات سياسيات جورباتشوف الإصلاحية الداخلية، وانفتاحه على الغرب. فمن جانب، كان هناك تأثير سياستى البيرويسترويكا (إعادة البناء)، والجلاسنوست (المصارحة والمكاشفة)، فى توجيه مسار الاتحاد السوفيتى والدفع به فى اتجاه واحد على درب إنهاء الحرب الباردة، والتفكك والتحلل والتلاشى كلية. كذلك، كان هناك انفتاح جورباتشوف على الغرب، واستجابته للمبادرات الغربية المتتالية، وإعلانه المبكر عام 1998 بأن الاتحاد السوفيتى لن يحتفظ أو يتمسك بدول أوربا الشرقية فى فلكه بالقوة، .. وهى سياسات وتوجهات كان من بين أبرز تراكماتها وتداعياتها تيسير، إن لم يكن الإسهام المباشر فى، إنتهاء الحرب الباردة واستقلال تلك الدول، بل وانضمامها فيما بعد إلى الأحلاف والمنظمات الغربية، وبالتالى الإسهام وبفعالية فى التمهيد للنظام الدولى الجديد إن لم يكن، وبشكل غير مباشر، المشاركة فى تأسيسه بالفعل (17).

وفى هذا السياق، فإن القول بتعددية قوى النظام الدولى الجديد، وانضمام روسيا كواحدة من هذه القوى، وافتقارها إلى بعض مقومات وقدرات القيادة المنفردة للنظام الدولى، لا يعنى أيضاَ عدم إسهامها الكلى فى المنظومة القيمية لهذا النظام الدولى الجديد. فباعتبارها وريثة للاتحاد السوفيتى السابق، يؤول لروسيا نصيبها الأدبى على الأقل من ميراث دعوة ومطالبة جورباتشوف إبان توليه السلطة بإقامة نظام دولى جديد فى إطار منظومة متكاملة لإدارة العلاقات الدولية تقوم على “الإعلاء من شأن القيم الإنسانية العامة التى تعطى أولوية عليا لهدفها المتمثل فى الحفاظ على الجنس البشرى وسلامة البيئة، وتجنب استخدام القوة لفض المنازعات الدولية، وإحلال مبدأ توازن المصالح بدلا من توازن القوى، ووقف سباق التسلح، وقبول مبدأ التعددية السياسية والاجتماعية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها وتحديد اختياراتها، ودعم آفاق العمل المشترك لمواجهة التحديات البشرية فى مجالاتها البيئية وغيرها، بـدلا من استنزاف الطاقات فى المواجهة والصراع، وكذلك دعم آفاق الحوار والتعاون الدولى”(18).

يضاف إلى هذه التوجهات ما يثار حول قدم فكرة الدعوة إلى نظام دولى جديد، والتى ترجعها يعض الآراء إلى سياق حقبة السبعينيات، ومطالبة حركة عدم الانحياز آنذاك بصياغة جديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية تكفل قدراً من عدالة توزيع الموارد والأعباء بين دول الشمال المتقدم ودول الجنوب النامية، ويتحقق فى ظلها وفاء دول الشمال المتقدمة بمسئوليتها تجاه دعم مبادرات وقدرات التنمية فى دول الجنوب، وتدعيم فرصتها فى الاعتماد على الذات. ومن هنا، كانت تلك الدعوة المبكرة لإقامة نظام اقتصادى عالمى جديد، والتى تبعتها على مر السنوات دعوات مماثلة من قبل دول الجنوب لإنشاء “نظام إعلامى عالمى جديد”، يحد من احتكار دول الشمال المتقدم لمصادر المعلومات، ويحقق ديموقراطية وتوازن تدفقها بينها وبين دول الجنوب الأقل تقدما.

التيار الثالث: نظام دولى جديد فى مرحلة انتقالية:

على نحو ما سبقت الإشارة إليه من قبل، فإن التيار الثالث وإن كان يؤمن بحدوث تغييرات جذرية فى النظام الدولى، إلا أنه يرى أن هذا النظام الدولى الجديد مازال فى طور التكوين، لم تستقر دعاماته أو تتضح خصائصه فى شكل نظام متكامل المعالم ومحدد القواعد بعد، ومن هنا جاء ارتباطه بأوصاف شاع استخدامها لما لها من دلالات كالسيولة، والفوضى الدولية، وما شابهها، وذلك للتعبير عن طبيعة هذه المرحلة فى تكوين النظام الدولى الجديد. وعلى ذلك، يصبح من المبكر نسبيا الحديث عن نظام دولى جديد بالمعنى العلمى والدقيق للمفهوم، فهو مازال قيد التكوين فى مرحلته الانتقالية؛ يمارس فيها اختياراته بالانتقاء والاستبعاد من تراث نظام القطبية الثنائية والإضافة إليه، ويبذل محاولاته باتجاه استكمال شكله وبنيته، وصياغة قواعده ومنطلقاته الذاتية كنظام دولى جديد، واستيفاء لمسات إخراجها فى صورة نهائية، وبلورة قواعده فى صياغة قوية معبرة تتفق ومتطلبات استقرار النظام والتعبير عن خصائصه، خاصة وأن ما ينادى به هذا النظام من قيم ومبادىء لا يخرج فى مجمله عن كونه متعلقا بإجراءات وأفعال ترتبط بتحقيق السلام للعديد من مشكلات العالم ومناطقه المضطربة، وإجراءات وأفعال تستهدف حفظ أو استرداد القانون والنظام، وردع وإيقاف ومعاقبة الحرب، والعدوان، والقهر، وإنقاذ وإغاثة المدنيين وتوفير مجهودات الإغاثة للشعوب إغاثة وحماية حقوق الإنسان، ودعم وتشجيع الحقوق المدنية(19).

تلك الرؤية تستمد منطقها من مقارنة النظام الدولى الجديد بسابقيه، أى نظام توازن القوى، ثم نظام القطبية الثنائية. تلك المقارنة تكشف أن النظام الدولى الجديد، يمثل، وإلى حد كبير، نوعا من القطيعة المعرفية أو الفكرية مع سابقيه، ذلك أنه لا يمثل نظاماً لتوازن القوى على نحو ما كان سائداً خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو فى الوقت ذاته، ليس نظاماً ثنائى القطبية على نحو ما كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن هذا النظام الدولى الجديد لم يستطع أن يستقر على، أو أن يبلور لنفسه، نظرية متكاملة أو نظاما معرفيا له نسقه المتماسك من المبادئ والأهداف التى تحظى بالقبول العام وتصلح أساساً لصياغة بنية أو هيكل نظامه، وإرساء قواعد شرعيته كنظام دولى جديد.

وفى هذا الاتجاه، يذكر دونا هـيو أن العالم قد شهد خلال الأعوام الستين الماضية تحولين معرفيين تمثل أولهما فى التحول من نموذج الحرب العالمية الثانية إلى نموذج الحرب الباردة، ومن نظام توازن القوى إلى نظام دولى ثنائى القطبية، كما ساد الصراع لتحديد من له أن يحكم العالم: مبادئ السلام السوفيتى Pax Sovietica أم السلام الأمريكى Pax Americana. وقد شهد العالم نماذج متعددة يعوزها النظام والترابط: فالأعداء الألداء السابقون يصبحون حلفاء، والحلفاء السابقون يصبحون أعداء، أسلحة الدمار الشامل المتبادل التى أنهت الحرب العالمية الثانية صارت وسيلة الدمار المتبادل المؤكد فى الحرب الباردة، مما نشأ عنه مأزق نووى بين القوتين الأعظم، وإن لم يحل ذلك دون وقوع حروب محلية. وهكذا كان العالم يعيش فى ظل توازن “رعب عالمى” يدعم “التعايش السلمى”.

أما التحول المعرفى الثانى فقد حدث مع نهاية الحرب الباردة ونموذجها المعرفى. فقد اختفت مجموعة المبادئ المقبولة والمتفق عليها بين الأطراف كإطار مرجعى تتفاعل من خلاله الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى مع عالم تلك الحقبة. ومع تفكك الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، كان من الطبيعى أن تشهد اهتمامات الأمن القومى التى صاحبت الصراع الايديولوجى بين القوتين العظمتين تحولاً عميقاً. فقد أصبحت توجهات سياسات خارجية كسياسة الاحتواء، وحروب التحرير الوطنى بما كان لها من شأن، أصبحت توجهات مهجورة مهملة مثلها فى ذلك مثل مبدأ ترومان، ومبدأ ايزنهاور، ومبدأ نيكسون، ومبدأ ريجان، ومبدأ بريجينيف. كما فقدت مصطلحات العالم الأول والعالم الثانى والعالم الثالث تماسكها، واختفت أحلاف عسكرية مثل حلف وارسو، ومنظمة اتفاقية جنوب شرق أسيا. كما أن معالم الحيرة والارتباك قد ازدادت بصفة خاصة فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001(20).

وهكذا، تبدو حقيقة الأمر أن النظام الدولى المعاصر ما زال عليه أن يتوصل وبشكل متكامل إلى بناء نموذجه المعرفى الواضح والمقبول، ليساعد على فهم التحولات والتغيرات فى السياسة الدولية. من هنا، تبدو أهمية أحداث سبتمبر 2001 من منظور قوة الدفع التى أوجدتها دولياً باتجاه دفع العالم للقبول بنظام دولى جديد فى ظل سلام أمريكى.

على ضوء ما سبق، يتضح أن مفهوم النظام الدولى يستمد أهميته فى جانب منها من ارتباطه بحدوث تحولات كبرى تمثلها مجموعة الظواهر والتحديات العالمية الجديدة. وأن هناك أيضا تنوعاً بين التيارات الفكرية بصدد تفسير أسباب ونتائج هذه التحولات؛ ومدى تواصلها أو انقطاعها مع نظام القطبية الثنائية الذى ساد منذ الحرب العالمية الثانية، وهل هناك بالفعل نظام دولى جديد؟ أم أن الأمر فى أفضل الأحوال لا يخرج عن كونه مرحلة انتقالية تعقب إختفاء الاتحاد السوفيتى، وإنتهاء الحرب الباردة؟. كـذلك يستمد هذا النظام صفة “الجديد” من الخصائص المميزة له مقارنا بنظام القطبية الثنائية والحرب الباردة الذى ساد من قبل، وليس على الإطلاق نتيجة لأن كل الدول انضمت إليه وشاركت فيه طواعية واختياراً لا جبراً وقسراً. أيضاً، فإن صفة “الجديد” هذه إنما تستمد أيضا من دور وتأثير القيادة الأمريكية المهيمنة على أسلوب صياغة قواعده، وتصميم هياكل بنيته، والتى تمت فى ظل، وبمشاركة أوربية مثلتها قلة من الدول الأوربية، بهدف الحفاظ على، وتأمين الحماية والخدمة الواجبة لمصالحها الدولية. من هنا كان استرشاد الدور الأمريكى فى تأسيس هذا النظام وإرساء دعاماته، وبشكل جوهرى، بالمصالح والأهداف الأمريكية الكونية كأولوية قصوى، يليها بعد ذلك، ربما وبمراحل، خدمة المصالح الغربية بوجه عام.

ثانيا: النظام الدولى الجديد والدور الأمريكى:

نشأة النظام الدولى الجديد وتطورات مساره توضح، وعلى ضوء ما سبق، أنه إنما جاء وبالدرجة الأولى، وعلى نحو ما يذكر شرودر، نتيجة لإجماع قوى بين عدد محدود من الدول الرئيسية (الولايات المتحدة)، ومجموعة من القوى الأصغر (بعض من حلفائها الأوربيين)، -والتى كانت في غالبيتها دولاً وقوى أوربية غربية، متقدمة سياسياً ومتطورة اقتصادياً-، على مجموعة من القواعد المنظمة لعمل وعلاقات هذه الدول فيما بينها وفى مواجهة الغير(21). ومن ثم، فهذا النظام نظام دولى تتصرف فيه الولايات المتحدة وأصدقاؤها وحلفاؤها معاً، كما أنهم يفضلون وبالدرجة الأولى أن يتم ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة، من أجل حفظ أو إقامة السلم، ومن خلال تطبيق القانون الدولى والنظام، واستخدام الوسائل السلمية كالتفاوض والإقناع والوساطة والتوفيق، وغيرها. ومع ذلك، فهم يؤكدون وبشكل لا يحتمل اللبس أو التأويل أن المجتمع الدولى سوف يضطر فى بعض الحالات لأن يذهب إلى ما وراء تلك الوسائل السلمية، ويتخذ الإجراءات التى يتضمن الردع والفرض أو الإجبار Compellenceأى استخدام القوة لإجبار بعض الفاعلين الخارجين على القانون والنظام الدوليين على إيقاف بعض التصرفات والتصرف بشكل أخر(22).

فى هذا السياق، يبرز دور الخصوصية المميزة للنظام الدولى الجديد من حيث ارتباطه وتأثره الشديدين بالدور المهيمن والمؤثر للولايات المتحدة، والذى يعكسه قدر من التداخل فى الجدل النظرى بين توجهات دراسة النظام الدولى الجديد وتلك الخاصة بالسياسة الخارجية الأمريكية، والتى يمكن بلورتها فى توجهين أساسيين: الأول يتعلق بدور الولايات المتحدة كمنتج للنظام الدولى، والآخر يترتب على الأول ويعكس امتداد له، حيث يختص بطبيعة النظام الدولى الجديد، أو ما يحلو أن يصفه البعض بكونه نظاماً امبريالياً. أبعاد هذه العلاقة يمكن إلقاء الضوء عليها فيما يلى:

1- دور الولايات المتحدة كمنتج للنظام العالمى:

فى مجمله، يقصد بذلك دور الولايات المتحدة فى قيادة وصياغة قواعد حركة، وضبط تفاعلات العلاقات والتطورات الدولية على طريق ليس فقط إنشاء النظام الدولى الجديد، بل وفى تزويده بمقومات الاستمرار ومتطلبات الاستقرار وثبات قواعده وتطورها. وبدوره، فإن هذا الدور يضرب بجذوره فيما يُطلقُ عليه “القوة العالمية الأمريكية- عسكريا، واقتصاديا، وتكنولوجيا، وثقافيا، وسياسياً، والتى تعد إحدى الحقائق العظمى لعصرنا”. من هنا كانت مكانة الولايات المتحدة وخصوصيتها وتفردها فى علاقتها بالنظام الدولى الجديد ومحورية دورها فيه، والتى تستمد تأثيرها وفعاليتها من تعاظم القوة الأمريكية وتفرد قدراتها العسكرية والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، بالإضافة إلى ما تمتلكه من جاذبية حضارية وأيديولوجية، مما يجعل منها وفى مجملها قوة استثنائية عملاقة. يـعزز من تلك الرؤية ويعضد دعاماتها، انتصار الولايات فى حرب الخليج، وبروزها كعملاق منتصر من غمار الحرب الباردة، وما ارتبط بذلك، وترتب عليه، من تفوق لمذهبها الاقتصادى وأيديولوجيتها الليبرالية السياسية على نظيريهما الشيوعيين(23).

وتأسيساً على ذلك، تصبح الولايات المتحدة، وبصفتها كقطب أوحد، القوة الوحيدة القادرة على مواجهة وهزيمة أى تهديد محتمل. كما أنها لا تحتاج لأن تخشى أية قوة جديدة، خاصة وأنها تجتمع لديها، وبشكل منفرد لا يتوافر لدى غيرها من الدول، أبعاد أربعة للقوة تتضمن: أ) قوة عسكرية قادرة على الوصول إلى أى مكان فى العالم؛ ب) تأثير اقتصادى عالمى، ج) جاذبية ثقافية وأيديولوجية؛ د) قوة سياسية عالمية كنتيجة لتضافر هذه العناصر مجتمعة (24).

ومع ما قد يبدو من قوة ومنطق يكمن وراء القول بدور أمريكى ُمنتجِِ للنظام الدولى الجديد، إلا أنه قول يشوبه قدر كبير من المبالغة فى تقدير قوة الولايات المتحدة، ومن ثم مدى تأثيرها والقول بهيمنتها على النظام الدولى. ذلك أن الولايات المتحدة، وإن كانت تمتلك القوة العسكرية الأولى فى العالم، وأنها قد خرجت متفوقة منتصرة خلال فترة الحرب الباردة، فإنه لا يمكن إنكار أن الاحتفاظ بتلك القوة، وهذا التفوق يتطلبان تكلفة باهظة ومتعاظمة، وأن تدبير الموارد اللازمة لذلك إنما يتم عادة خصما من استثمارات وفرص تنمية الاقتصاد الأمريكى، ومن ثم فإنه يظل عرضة لتأثر قوته وموارده بشكل سلبى، كما أنه، أى الاقتصاد الأمريكى، قد عانى، ويعانى بالفعل من ذلك، وهو ما أدى فى الوقت ذاته إلى عجز الموازنة، وتراجع فى خدمات البنية الأساسية. يضاف إلى ذلك، أن اختفاء الاتحاد السوفيتى، وما تبعه من انتهاء للحرب الباردة، قد ترتب عليهما اهتزاز وتراجع منطق خطر العدو “الشيوعى” المشترك كعامل موحد للمعسكر الغربى ومدعم للسيطرة الأمريكية؛ مما يؤثر سلباً على الاستعداد الأوربى لقبول القيادة الأمريكية أو الإذعان لمطالبها، على نحو ما كان يحدث عادة إبان فترة الحرب الباردة. وإزاء ذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لمراجعة الأمر، والتكيف مع معطيات الواقع الجديد.

2- النظام الدولى الجديد تعبير عن نظام امبريالى:

وجهة نظر تستند إلى تشخيص البعض للنظام الدولى الجديد بأنه “نظام إمبريالى” تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى فرضه على باقى دول العالم، مستهدفة تقوية قبضتها على مقدرات دول الجنوب واستكمال حلقات سيطرتها وإحكام هيمنتها على مصائر تلك الدول، ومستغلة فى الوقت ذاته، زخم انتصارها فى حرب الخليج، وفراغ الساحة الدولية من الأقطاب المنافسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتواضع قدرات وإمكانيات وريثه ممثلا بالدولة الروسية.

وفى هذا السياق، يستمد هذا البعد الإمبريالى وجوده ودلالاته من ارتباطه الوثيق بالدور الأمريكى الفاعل والمؤثر فى إنشاء النظام الدولى الجديد، واستمساكه بالاسترشاد بالمبادىء والقيم والمصالح الأمريكية، واستهدافه تحقيقها وحمايتها والعمل على نشرها كأولوية أولى على سواها. من هنا، جاء الارتباط بين وجهة النظر هذه وسابقتها وترتبها عليها فى الوقت ذاته. فمن جانب يرى القائلون بها أن إطلاق صفة “الجديد” على هذا النظام تستمد من أسلوب صياغة قواعده، وتصميم هياكل بنيته. وهذه بدورها قد تمت فى ظل قيادة أمريكية مهيمنة. وفى المقابل، جاءت المشاركة الأوربية ممثلة بقلة من الدول الأوربية الحليفة، والتى استهدفت بدورها الحفاظ على، وتأمين الحماية والخدمة الواجبة لمصالحها الدولية.

3- الجدل الفكرى حول استخدام القوة المسلحة:

امتداداً لسياق الدور الأمريكى المنتج للنظام الدولى وبُعدهِ الإمبريالى، يأتى اعتماد النظام الدولى الجديد على استخدام القوة المسلحة كأداة رئيسية لفرض إرادته ولتصحيح مسار الخارجين على قواعد الشرعية الدولية، ليعيد إحياء جدل الدوائر الفكرية والسياسية الأمريكية بين مؤيدى الدور الفاعل والنشط للولايات المتحدة فى السياسة الخارجية والشئون الدولية، وبما يعنيه ذلك ويترتب عليه، من تبعات، واحتمالات بتزايد التورط العسكرى الأمريكى فى الخارج، وبين مؤيدى تيار العزلة التقليدى، والذى وصفه جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق فى منتصف السبعينيات، بأنه “أقوى مما كان عليه منذ دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية” وأن “دعاة العزلة يمكن سماع أصواتهم عبر المسرح السياسى، وفى الحزبين معا، كما أن هناك تياراً مماثلاً للإنكفاء على الداخل يمكن رؤيته بين القوى الرئيسيةً” (25). خطورة هذا التيار تتمثل فى معارضته القوية لأى أدوار قد يكون من نتيجتها توريط الولايات المتحدة بشكل أو آخر فى التزامات عسكرية فى الخارج. مبعـث الارتباط بين إعادة إحياء هذا الجدل وبين النظام الدولى الجديد يستمد وجوده من الدور القيادى والمهيمن للولايات المتحدة الأمريكية فى هذا النظام، وما يترتب عليه من تبعات على نحو ما أظهرته خبرة أزمة الخليج الثانية، وما تلاها من حرب تحرير الكويت، وما تلى ذلك من أزمات بدءً من إفريقيا ومروراً بأوربا ووصولاً إلى التورط الأمريكى الحالى فى العراق. ومن المثير للدهشة، وعلى حد تعليق بيكر، أن تتنامى هذه التيارات الداعية إلى العزلة والإنكفاء على الداخل “فى الوقت الذى يتحرك فيه العالم، وغالبا بعنف خلال فترة جديدة فى طبيعتها وتفاعلاتها لدرجة أنها لم تستقر لنفسها على اسم بعد..”.

وفى تعبير عن هذا المزاج الأمريكى المزدوج حيال موضوع استخدام القوة المسلحة، يسود الساحة الفكرية الأمريكية تياران، أولهما يرفض من حيث المبدأ، بل يُدين، مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية فى أى من “المجهودات الدولية لدعم السلام والقضايا الإنسانية”، بينما التيار الثانى يوافق من الناحية التكتيكية على تعريف النظام الدولى، لكنه يختلف بشكل حاد مع حقائقه، والجوانب العملية، وجوانبه المرغوبة فيه بما فيها استخدام القوة، وبصفة خاصة عنما يتعلق الأمر باستخدام القوة من أجل الحفاظ على النظام الدولى، أو من أجل استعادة أو إجبار الخارجين على القانون الدولى وأحكامه، أو لفرض إرادة القانون الدولى..(26).

المنطق وراء رفض استخدام القوة كأداة جوهرية لفرض إرادة النظام الدولى، ومن ثم رفض مبدأ الالتزامات العسكرية الأمريكية فى الخارج، توضحه وجهتا النظر التاليتين فى بعديهما المثالى والواقعى على حد سواء. وجهة النظر المثالية تنطلق فى رفضها استناداً إلى أن انتشار الصراعات المدنية والعرقية، والصراع بين الدول منذ انتهاء الحرب الباردة، إنما يمثل فشلا فى الالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولى فى المناطق الحساسة، ومن ثم، فسوف يشجع هذا الفشل، بل سوف يدفع باتجاه مزيد من عدم احترام القانون والعدوان، كما أنه سيؤدى بالتالى إلى زعزعة النظام الدولى الجديد وتحطيم فرصته التاريخية فى دعم السلام والعدالة. وعلى ذلك لن يكون أمام النظام الدولى سوى اللجوء إلى استخدام، ومزيد من استخدام، القوة المسلحة، مما سيؤدى فى النهاية إلى مزيد من العنف والصراعات عبر العالم، وباختصار مزيد من تورط الولايات المتحدة فى هذه الدائرة.

وبدورها، فإن وجهة النظر الواقعية، وإن كانت تنطلق من الاعتراف بوجود وأهمية التوجهات المرتبطة باستخدام القوة كضرورة عند اقتضاء الأمر لمواجهة المشكلات التى تسود العالم اليوم، لكنها تؤكد على ضرورة الانتباه إلى المخاطر المترتبة على نوعية أخرى من المشكلات والصعوبات والمخاطر والنتائج غير المتوقعة للتدخل، والمرتبطة بطبيعة الموارد المحدودة لكل من الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وبالتنوع الدائم فى وجهات نظرهم ومصالحهم، وكذلك الأسس القانونية المهتزة، والطبيعة المتناقضة لادعاءاتهم حول القانون الدولى والعدالة و ما شابه ذلك من موضوعات، حيث سيترتب على تجاهل تلك الاعتبارات بروز نوعية جديدة ومتزايدة من مشكلات تفرض مزيد من استخدام القوة من جانب، ومزيد من تعقيد الأمور والعجز عن حل تلك المشكلات من جانب آخر(27).

مما سبق نخلص إلى أن مفهوم النظام الدولى الجديد قد اكتسب مضمونا ودلالة جديدة ارتبطت بسياق حرب الخليج الثانية (يناير/فبراير 1991) من جانب، وبتواصل عملية تفكك وانحلال الكتلة السوفيتية منذ 1989 مروراً بزوال حلف وارسو نهائيا فى يوليو 1991، ووصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفيتى وتفككه، وما أعقب ذلك من بروز دولة روسيا الاتحادية كوريث له، وتزامن هذه التطورات مجتمعة مع اندلاع أزمة الخليج الثانية، والتى فى سياقها جاء استخدام الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش للمفهوم ليكسبه دلالته ومضمونه كمحددين لفلك السياسة الخارجية الأمريكية وتوجهاتها نحو النظام الدولى الجديد الوليد آنذاك. وأن هذا النظام قد بدأ تنفيذه فى العراق أولاً (حرب تحرير الكويت)، ثم تلى ذلك تدخل الولايات المتحدة فى الصومال، وفى البوسنة. وبينما ساد التوقع أن يترتب على انهيار الاتحاد السوفيتى حدوث نوع من اختلال النظام Disorder، وحالة من عدم الاستقرار Instability، فقد جاء الواقع مخالفا للتوقعات فلم تحدث حالة من عدم النظام أو الفوضى على النحو الذى كان متصوراً، ومن ثم يتواصل وجود النظام الدولى القديم، السابق على انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى، كما أنه مازال محتفظا باستقراره وثباته بدون اهتزازات رئيسية، أو فوضى، أو انهيار كما كان متوقعاً.

القسم الثانى : النظام الدولى الجديد: الفاعلون والأدوار

على نحو ما سبقت الإشارة إليه، فإن النظام الدولى الجديد قد اكتسب وجوده وصفته فى ظل تصاعد الدور القيادى للولايات المتحدة وبروز هيمنتها العسكرية على ما سواها من قوى وأطراف هذا النظام، مما أكسبه صفته كنظام أحادى القطبية فى دلالة واضحة وصريحة ليس فقط على مكانة الولايات المتحدة فيه، بل وتأكيداً أيضاً لأهمية قوتها العسكرية ومحوريتها فى بنية القوة للنظام الدولى الجديد، وضرورتها لنجاحه فى، وقدرته على، فرض الالتزام وردع الخارجين على القانون الدولى، وعلى نحو ما حدث فى حالة الغزو العراقى للكويت. ومع ذلك، تظل قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بمسئولياتها فى إطاره، وإلى حد كبير، رهنا من جانب باستعداد شركائها الآخرين لتوفير الدعم والتعاون اللازمين لهذا الدور، ومن جانب آخر بقدرتها على التفاعل الإيجابى مع ما يرتبط بهذا الوضع من مشكلات وقضايا جوهرية قابعة فى انتظار حلول المشاركة بين الولايات المتحدة وشركائها الأساسيين فى هذا النظام الدولى الجديد. من بين أهم تلك المشكلات ما يتعلق بتحديد الأدوار والمسئوليات بين قيادة النظام الدولى وشركائها، وتلك المتعلقة بإرساء قواعد ومعايير إدارة النظام وتسيير مصالحه، إضافة إلى الاتفاق حول آليات عمله الأخرى إلى جانب استخدامه للقوة باعتبار أنه لا يمكنه الاعتماد عليها بشكل وحيد وجوهرى كضمان لبقاء النظام وتطور مسيرته.

أولا: الولايات المتحدة الأمريكية ونموذج القطب المهيمن:
ويشير ذلك إلى الصعود الثابت والمنتظم للولايات المتحدة على طريق استيفاء مقومات الدولة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، واستغلال هذا الانهيار فى إبراز جوانب التفوق والتفرد العالمية للقوة الأمريكية: فهى، أى الولايات المتحدة، تروج وبقوة لما يُعدُ انتصاراً باهراً للرأسمالية والفكر الليبرالى فى مواجهة هزيمة اشتراكية الاتحاد السوفيتى، كما أنها عالميا تُعدُ صاحبة أضخم اقتصاد بمجالاته المتعددة فى العالم بعد اليابان، إضافة إلى تمتعها بوجود اكبر نخبة من رجال المال والأعمال وكبريات الشركات متعددة الجنسية، بجانب ترتيبها كأول دولة من حيث الاستهلاك الخاص الذى يقترب من حوالى 70% من إجمالى ناتجها المحلى(28). يضاف إلى ذلك، مقومات قوتها العسكرية فى بعديها التقليدى والنووى، حيث تُعدُ الولايات المتحدة، وبكل المقاييس القوة العسكرية الأولى فى العالم.

استناداً إلى تلك المقومات كان صعود الولايات المتحدة وتبلور مكانتها ودورها العسكرى المهيمن والمسيطر عالمياً كقطب وحيد. وبدورها، فقد استثارت هذه القوة العسكرية واتساع نطاق سيطرتها عالمياً اهتمامات العديد من الدراسات والتحليلات والمقارنات بغيرها من القوى المماثلة، ومن ثم تبلور بعض اتجاهات تصف هذا الوضع الآمريكى المتميز عسكريا بعد انتهاء الحرب الباردة بأنه نوع من “الحكم الإمبريالى العالمى..”، الذى يعتمد فى تشديد قبضتها على معظم أنحاء العالم على مجموعة مصادر ذات ثقل وتأثير بالغين فى اتجاه الدفع بدعم وإبراز الصورة العسكرية للولايات المتحدة وتمكينها من فرض هيمنتها العسكرية. وتتضمن هذه المصادر كلا من: 1) ايديولوجية منتصرة؛ 2) إحساس متزايد، إن لم يكن متضخما أو مبالغا فيه بالمخاطر؛ 3) مجمع عسكرى صناعى قادر على دعم ذاته ووجوده استناداً إلى وجـود ودور نخبة عسكرية لها دورهـا المتميز وثقلها ووزنها الـذى لا يجب التقليل مـن قدره أو الاستهانة بتأثيره (29).

وفى هذا السياق، تبرز مخاطر وتداعيات هذه الهيمنة بالنسبة للولايات المتحدة. فمن ناحية، يوجه Ikenberry (2004)الأنظار إلى خطورة أحد أبرز معالم هذا البعد العسكرى الجديد فى المكانة الأمريكية، والذى يتمثل فى تنامى دور وتأثير البنتاجون، ليصبح واحدا من اللاعبين الأساسيين فى صياغة وصنع السياسة الخارجية، بل أنه يذهب إلى القول بأن البنتاجون قد أصبح منافسا قويا للخارجية، إن لم يكن قد حل محلها فى بعض المناسبات، كصانع وُمشكل أساسى للسياسة الخارجية، مستدلا على ذلك بالنمو المضطرد لدور القادة العسكريين فى مراكز القيادة خصما من، أو على حساب دور الدبلوماسيين المخضرمين الذين عادة ما وجهوا الجهود الإمبريالية الأمريكية إلى الخارج. ومن جانب آخر، هناك أيضا مخاطر وتداعيات هذا الوضع على خصوصية النموذج الليبرالى الأمريكى ذاته من جراء التزايد فى نمط القوة الإمبريالية والمترتب عليه فى نفس الوقت، والتى تتضمن: 1) إن هذه الإمبراطورية العسكرية سوف تؤدى إلى تآكل وانهيار الديمقراطية؛ 2) وإلى إفلاس الأمة الأمريكية؛ 3) كما أنها قد تؤدى إلى تأجيج أو إشعال المعارضة الدولية لهذا الدور الأمريكى، مما سيؤدى وفى النهاية وبالتحديد إلى انهيار مماثل للنمط السوفيتى (30).

تفـسير ذلك، وعلى نحو ما يوضحهCharles Johnson(2004) أن السيطرة أو الهيمنة الإمبراطورية العسكرية الأمريكية إنما تتجسد فى حقيقتها عبر صيغة جديدة للهيمنة تتحقق من خلال ما تتيحه الولايات المتحدة من “قوة حماية دولية لمعاهدات الدفاع المتبادل أو المشترك”، والتى توفر بمقتضاها الولايات المتحدة “جماعات من المستشارين العسكريين، والقوات العسكرية التى ترابط فى الدول الأجنبية تنفيذا للالتزامات والتعهدات الأمريكية بالدفاع ضد تهديدات غالباً قد لا تتحقق على أرض الواقع، إن لم تكن غير قائمة بالمرة، أو تم تحديدها بتقديرات سيئة، أو بشكل مبالغ فيه”. وقد خلقت هذه الترتيبات نوعاً من المحاور المركزية الخارجية “Satellites”، من الدول المستقلة التى تتمركز مصالحها حول الدولة الإمبريالية (سواء كانت فى هذه الحالة ممثلة بالولايات المتحدة، أو حتى بالاتحاد السوفيتى سابقا فى حالة دول أوربا الشرقية). وبدوره فإن التنوع فى ارتباطات تلك الدول أو المراكز بالدولة الامبريالية التى تولت الريادة خلال فترة الحرب الباردة (الاتحاد السوفيتى سابقا فى شرق أوربا، والولايات المتحدة فى شرق أسيا)، وأيضا عبر الامبراطوريات القديمة، (كالامبراطورية القديمة ومملكة هان الصينية) هذا التنوع قد عكس محاولات تلك الدول لدعم أدوارها من خلال التواجد العسكرى الدائم الذى رابط فى الأراضى المهزومة. وهنا تنفرد الولايات المتحدة بتميزها فى أنها لم تنشىء قواعدها على أساس من الاستحواذ على الأراضى، بل على العكس فقد اعتمدت على إمبراطورية القواعد..، وهنا أيضا يبرز الخطر فى تنامى وتزايد المعارضة لوجود تلك القواعد الأمريكية(31).

ثانيا: الاتحاد الاوروبى وحلف الناتو وإعادة هيكلة العلاقات المؤسـسية:

فرضت نهاية الحرب الباردة على كل من الجماعة الأوربية آنذاك، ثم الاتحاد الأوربى فيما بعد، وحلف الأطلنطى إعادة النظر فى توجهاتهما المشتركة حيال الأوضاع الجديدة فى أوربا والعالم ككل. فمع نهاية الحرب الباردة 1989-1991، وعلى نحو ما يذكر Bailesكان لدى معظم الأوربيين توجهات مستعدة ومؤيدة لقبول فجر نظام عالمى جديد ذى طبيعة إيجابية بعد انهيار حائط برلين، وانتهاء الحرب الباردة، كما لم يكن هذا التوجه مثيراً للدهشة، أخذا فى الاعتبار الانسياب الجذرى للتهديدات والأعباء التى أفرزتها تلك التطورات للقارة الأوربية. كما أصبح من الواضح آنذاك عدم كفاية مفهوم الأمن المعتمد على أساس عسكرى فقط على نحو ما كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة. ومن ثم أصبح على حلف الناتو، وما كان يعرف حينئذ بالجماعة الأوروبية، أن يعيدا تقييم دورهما ووظائفهما الأساسية: الجماعة الأوربية، كان عليها أن تواصل مسيرتها، وعلى الأقل، كاتحاد تجارى. وبينما كان مبرر وجود حلف الناتو، وفيما مضى، هو هدف الغرب فى الدفاع عن نفسه ضد الخطر السوفيتى، فإن زوال هذا الخطر السوفيتى قد عرض حلف الناتو لحاجة متزايدة ومتنامية لتبرير استمرار وجوده فى ظل التوقعات المستهدفة لنظام عالمى جديد، والسلام الذى كان من المتوقع أن يسود بعد تفكك الاتحاد السوفيتى.

ومن ثم، وفى هذا السياق، وجدت كل من الجماعة الأوروبية وحلف الأطلنطى نفسيهما فى نقطة بداية فكرية وسياسية مختلفة تماماً فى مواجهة عالم ما بعد الحرب الباردة. فكما كان معروفاً، فإن الحرب الباردة ورثت تداعيات عدم الاتصال المنتظم بين الجماعة الأوربية وحلف الأطلطنى. ففى خلال التسعينيات كانت هنا تقارير من آن لأخر عن اجتماعات غير رسمية فى بروكسل بين كبار المسئولين فى المنظمتين، مما أطلق تكهنات عن التدشين المحتمل لعلاقة جديدة بينهما. وعلى الرغم من وجود قنوات اتصال مؤسسيه حينئذ لتبادل المعلومات، فإن الأمر تغير بعد ذلك. فقد تم الاتفاق فى قمة المجلس الأوروبى فى هلسنكى فى ديسمبر 1999 علي أن يسعى الاتحاد الأوروبى لتأسيس آليات للاتصال مع حلف الأطلنطى. وارتبط هذا بقرارات تطوير قدرات عسكرية مستقلة للاتحاد الأوروبى تكون قادرة على نشر قوات عسكرية لحفظ السلام ومهام أخرى متصلة بذلك. إضافة إلى ذلك، فقد تتالت مبادرات وسياسات القمة الأوربية الهادفة نحو جهود إحلال السلام، وإعادة البناء ونشر وتوسيع نطاق الديموقراطية، وإدماج دول البلقان وأوربا الشرقية السابقة فى إطار الاتحاد الأوربى(32).

إضافة إلى ذلك، فقد جاء تعيين خافيير سولانا، والذى كان فى ذلك الوقت سكرتيراً عاماً لحلف الأطلنطى، كممثل أعلى للسياسة الخارجية والدفاعية فى الاتحاد الأوربى، والذى تم فى قمة الاتحاد الأوربى فى كولونيا فى يونية 1999، ليمثل دليلاً أخر علي الرغبة فى تنمية علاقة قوية بين الاتحاد الأوربى وحلف شمال الأطلنطى. أهمية هذه الخطوة على طريق المواجهة المشتركة لحالة عدم الاستعداد لمواجهة لنهاية الحرب الباردة التى كانت لا تزال تفرز تداعياتها على العلاقة بينهما، خاصة وأنهما كانا قد دخلا قبلها فى فترة من الاستبطاء ترتدى قناعاً من الخطاب المنمق الواعد بمزيد من التعاون الأوروبى، كما تبنت المنظمة وخلال النصف الأول من التسعينيات بشكل خاص، نوعا من سياسات الحذر تجاه عملية التحول إلى ما بعد الشيوعية، وتجاه بعضهما البعض، أخذاً فى الاعتبار التداعيات المؤلمة لحرب البلقان، وما مثلته من تحدى شديد لهذه الرؤية، وإن كان قد تم فى الوقت ذاته التعامل معها واحتوائها بشكل ملحوظ، وبصفة خاصة، أنها لم تمنع التقدم المستقر لمعظم دول ما بعد الشيوعية فى أوربا الوسطى باتجاه الاندماج الكامل فى النظم الاندماجية المنظمة لكل من الناتو والاتحاد الأوربى. ومن هذا الاتجاه تحديدا ثارت ولا تزال اهتمامات جادة من قبل بعض القوى الأوربية الغربية من أن يؤدى هذا الاندماج إلى إضعاف وتقويض نظامهم، أى الاتحاد الأوربى ذاته(33).

من هنا تبدو أهمية التنسيق والتعاون المشترك فى تجاوز الاهتمامات بفحص إجراءات الأمن المتشددة، أو الأمن العسكرى الذى يتعامل مع القضايا والاهتمامات ذات الطبيعية العسكرية فقط، الاهتمام بأفكار ودوافع ونظام الأمن الأوروبى الشامل الذى يحتاج وبقوة إلى أن يعمل على تقليل الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين الاتحاد الأوروبى من جهة، وبين شرق أوروبا ووسطها، أى بما يطلق عليه مارتين سميث بعد “الأمن الناعم Soft Security،” فى دلالة واضحة على تزايد الإدراك والاعتراف المتزايد بضرورة تكامل كل من البعد السياسى والاقتصادى والاجتماعى وحتى السباق العسكرى لتسهيل الحركة تجاه نظام أمن أوروبى قوى، فمثل هذا النظام يجب أن يتعامل مع كل تلك القضايا فى إطار النظام الدولى الجديد، وعلى ضوء علاقة الشراكة المتميزة فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية(34).

ثالثا: الأمم المتحدة: الشرعية الدولية والعمل الجماعى:
على الرغم مما تؤكده ملاحظة ويـز و سـوربونج حول حالة الانخفاض الملحوظ فى عمليات الأمم المتحدة منذ منتصف التسعينات، والتراجع الملحوظ فى شعبيتها، فإن الأدبيات حول الأمم المتحدة مازالت مستمرة فى الانتشار والتزايد، ويعكسها ذلك الفيض فى (المطبوعات) والأدبيات المنشورة عن الأمم المتحدة بعد موجه عملياتها الجديدة التى بدأت 1987، والتى تزخر بالاف العناوين المنشورة حولها فى الفترة ما بين 1989-1996، وهو ما شجع، وفى الوقت ذاته، على تزايد الطلب على هذه الموضوعات، ومن ثم، دفع حركة النشر والتأليف حولها، وكذلك تزايد مصادر التمويل لهذه الدراسات(35). ومن منظور النظام الدولىـ يمكن أن نرجع أهم دلالات هذا الطلب المتزايد على مطبوعات الأمم المتحدة، وفى جانب مهم منه، إلى نوعية مجالات الاهتمام الجديدة فى مجالات العمل الجماعى، والتى طرأت على الدور التقليدى للأمم المتحدة خاصة فيما يتعلق بمجالات الشرعية الدولية، واستخدام القوة العسكرية، ونشر الاهتمام بالوسائل السلمية لحل وتسوية النزاعات، ونشر الديموقراطية وثقافة السلام.

وفيما يتعلق بالأمم المتحدة، ودورها كأحد الفاعلين الأساسيين فى النظام الدولى، ومصدر إضفاء الشرعية الدولية على قراراته وسياساته، فقد جاءت أبرز تداعيات إنتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتى، وقيام النظام الدولى الجديد متمثلة فى بروز الحاجة إلى إعادة تكييف وضع هذه المنظمة، وتفعيل دورها فى إطار النظام الدولى الجديد، وتحديداً فى مجالين محددين، بالإضافة إلى مجالاتها التقليدية المعروفة. أول هذين المجالين يتعلق باستخدام القوة العسكرية لفرض إرادة النظام والمجتمع الدوليين، بينما يهتم الثانى بمجالات العمل الجماعى بالقضايا ذات الطبيعة العالمية التى تتخطى حدود السيادة القومية للدولة مثل قضايا ومجالات البيئة، وحقوق الإنسان(36).
وقد استهدفت جهود ومبادرات النظام الدولى إعادة تفعيل دور الأمم المتحدة باعتبارها أحد الفاعلين ذوى الأهمية فيه، باعتبار صفتها التمثيلية الجماعية وتعبيرها عن الإرادة الدولية من جانب، ومحورية دورها كمصدر لإضفاء الشرعية الدولية ولمتابعة استيفاء متطلباتها على ضوء إعمال وتنفيذ أحكام الميثاق وبصفة خاصة فيما يتعلق ياستخدام القوة العسكرية وفرض إرادة مجلس الأمن. هذا فضلا عن الاستفادة من مواردها وميراث خبراتها المتراكمة فى العديد من مجالات التعاون الاقتصادى والاجتماعى، وإجراءات تعزيز الأمن الجماعى الدولى، والحد من التسلح، ونشر وتعزيز ثقافة السلام وآليات التسوية السلمية للمنازعات، والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، وغيرها من المجالات ذات التأثير المباشر على مجريات السياسة الدولية وأبعاد تطورها وتوجهات أطرافها، ومن ثم يجب أخذها بالجدية الكافية عند دراسة أى من الظواهر الدولية المتعلقة بالنظام الدولى أوالسياسة الدولية بوجه عام (37).

أما عن حق التدخل الإنسانى وحقوق الإنسان، فإن موضوع استخدام القوة بواسطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يعد من أهم الموضوعات التى واجهت المجتمع الدولى منذ نهاية الحرب الباردة. ففى غضون القيام بعمليات الإغاثة الإنسانية، فإن تدخل الأمم المتحدة فى الحروب الأهلية، وعلى نحو ما حدث فى الصومال، والبوسنة والهرسك، وفى رواندا، قد أثار موضوع الصعوبات التى تواجهها هذه القوات فى العمل فى مواقف يكون الإجماع فيها حول عمل ووجود تلك القوات إجماعا ضعيفا هشا، حيث يندر وجود السلام المطلوب الحفاظ عليه، إن لم يكن منعدما فى معظم الأحوال. وفى مثل هذه الظروف، تثور الأسئلة المعقدة حول متى وكيف تستخدم قوات حفظ السلام القوة لحماية نفسها أولا، ولحماية مهمتهم، ويأتى أكثرها إثارة للمشاكل كيفية ضمان التزام الأطراف المعنية باتفاقات السلام؟. واستنادا إلى دراسة وتحليل تاريخ حالات استخدام قوات حفظ السلام من سيناء فى الخمسينيات إلى تبمور الشرقية فى 2001، فإن الحاجة تبدو ضرورية وماسة إلى التوصل إلى قيام الأمم المتحدة بإعداد صياغة رصينة ودقيقة لمنظومة من القواعد والأسس التى يتم على ضوئها إسناد مهام حفظ السلام فى المستقبل وتنظيم عمله(38).

اما دور الأمم المتحدة فى القيام بحفظ النظام (البوليس التنفيذى)، فقد تولت الأمم المتحدة خلال عام 1999، مسئولية تطبيق القانون فى إقليمى كوسوفو-بيوغسلافيا الاتحادية السابقة-، وتيمور الشرقية-إندونسيسا-، وكانت المرة الأولى فى تاريخ قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التى تولت فيها المسئولية الكاملة لبوليس مدنى دولى فى مهمة لتطبيق القانون من مخالفات المرور إلى التحقيقات الجنائية، والحفاظ على النظام العام. والبوليس التنفيذى مصطلح يستخدم وصفاً لقوة وممارسة تطبيق القانون من قبل البوليس الدولى داخل إقليم معين. وباعتبارهم ممثلين للمجتمع الدولى، فإنهم يصبحوا مسئولين ليس فقط عن حماية ودعم حكم القانون، لكن أيضا مسئولية التحقيق مع، ومحاكمة الخارجين عليه. ومن ثم، فهم يقوموا بأدوار المحكمين، وواضعى القواعد، والقضاة، ومنفذى القانون، وبقدر تغلغلهم فى المجتمع الداخلى، فإنهم يمثلون أكثر أشكال التدخل الدولى فى دولة ما(39). أهمية هذه الدرجة من التدخل فى شئون منطقة أو دولة لأغراض السلام والتعاون الدولى وللتدخل الخارجى تعد ولاشك أهمية كبيرة. كما أن أحد الدروس المهمة لهذه التجربة يتمثل فى الحاجة إلى مناهج جديدة تماما، وموارد وعلاقات مع عمليات السلام وفيها، فقد أثبتت التجربة أن لها تأثير عميق على تفكير وممارسة البوليس الدولى (قوات الشرطة الدولية) فى أى عمليات سلام مقبلة.

أما فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، فقد مثلت أحد الاهتمامات ذات الأولوية للأمم المتحدة منذ البدايات الأولى فى وجود النظام الدولى الجديد. وعلى درب إحداث تغييرات جوهرية فى نمط التفكير حول منظومة القيم الإنسانية جاء اهتمام النظام العالمى ومن خلال الأمم المتحدة، بتقديم مفهوم الأمن الإنسانى، واعتباره أكثر أهمية من الأمن القومى، مما رتب على الحكومات والقادة الالتزام بإبداء تقدير أكبر لمطالب جماعات حقوق الإنسان، والاعتراف باعتماد مفهوم للأمن القومى يعتمد أيضاً على التنمية الإنسانية والاجتماعية، وأن الاهتمام بها إنما يعكس تطوراً على طريق تطوير الوعى الإنسانى وتنمية اهتماماته وتقدير الإنسان الفرد كإنسان. من هنا كان تأكيد قمة كوبنهاجن فى مارس 1996 على سبيل المثال، بالتأكيد على أهمية زيادة البرامج العالمية للتعليم، وتوسيع نطاق المعلومات، وزيادة الاهتمام بنشرها على شبكة المعلومات مع الاهتمام بكم ونوعية المعلومات الهامة وذات التأثير والصلة برفع وتنمية الوعى الذاتى الإنسانى. وفى هذا الاتجاه جاء إعلان كوبنهاجن مارس 1996، مؤكدا على واجب الناس فى استخدام حقهم فى حماية أنفسهم وتكاملهم وواجبهم فى احترام وحماية حقوق الأفراد الآخرين، وحق كل إنسان، رجل أو امرأة، فى المحافظة على حياته، وأن يصبح أكثر الأهداف الوطنية أهمية متمثلا فى الحق فى الحفاظ على الأمن والسلامة الإنسانية، وحق التشاور والتدخل الدولى لحماية حقوق المواطنين والشعوب فى البقاء، ووجوب التسامح مع الثقافات والتقاليد المختلفة، والتسامح مع تحديات التنوع الدينى والمعتقدات والمذاهب، والتسامح مع الآخرين حتى ولو كانوا من المعارضين والمنشقين(40).

وفى هذا الصدد، يأتى اهتمام الأمم المتحدة بالعمل الجماعى من أجل نشر الاهتمام والمعرفة الدوليين بثقافات وآليات التسوية السلمية للمنازعات الدولية والمحلية من خلال تعزيز جهود التفاوض واللجوء إلى الوسائل السلمية فى مستوياتها وأنواعها المتعددة، كتشجيع عمليات الوساطة، وأدوار الطرف الثالث فى عمليات صنع السلام، وإتاحة الفرص المتتالية لتدريب الخبراء والمختصين لإكسابهم الخبرات اللازمة، وتنمية المهارات الفنية والفردية المطلوبة لنجاح جهود الوسطاء والأطراف الثالثة التى تتولى القيام بهذه الأدوار ومساعدة الأطراف المعنية فى مستويات النزاعات المتنوعة ومجالاتها المختلفة للتوصل إلى تسوية مقبولة من خلال التفاوض والوساطة والمساعى الحميدة وأدوار الأطراف الثالثة واستخدام المزايا وأوراق الضغط المتنوعة لدفع الأطراف للاستمرار فى عمليات التفاوض وصولاً إلى التسوية(41).

يضاف إلى ما سبق من جهود العمل الجماعى للآمم المتحدة فـى إطـار النظام الدولى الجديد، وعلى نحو مـا يضيف هانلون وسـنجر (2004) من المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، الاهتمام الدولى بقضايا الإرهاب الشامل، مع الحرص فى الوقت ذاته ألا يصرف الاهتمام عن القضايا ذات العلاقة المباشرة بحقوق الإنسان وأوضاعه بشكل عام مثل الحروب الأهلية، وتراجع قوة بعض دول العالم الثالث بل وتحللها والانعكاسات السلبية لذلك فى الأجل الطويل على وضع وحقوق الإنسان فيها، ومتطلبات سد الفجوة بين تزايد الطلب على المطالب والاهتمامات ذات الطبيعة الإنسانية، وزيادة الموارد المطلوبة لمواجهة تلك الكوارث، وتراجع الإمكانيات المتاحة لذلك، بالإضافة إلى توسيع نطاق عمل ودور قوات حفظ السلام الدولية(42).

على ضوء ماسبق، يمكن القول بأنه على الرغم من موجة الانتقادات التى تصاعدت مؤخراً ضد الأمم المتحدة وما شهده دورها من تراجع نسبى خلال مراحل الأزمة العراقية التى انتهت بالاحتلال الأمريكى البريطانى للعراق(43)، على الرغم من ذلك، يظل لدور الأمم المتحدة، حتى وإن بدا متواضعا أحيانا، أهميته ومحوريته باعتباره نافذة الإرادة الجماعية للمجتمع الدولى على نظامه الدولى الجديد. ولعل مبادرات الإصلاح المتتالية للأمين العام السابق والحالى تنبىء عن الإمكانيات والفرص المتاحة أمام المنظمة لتطوير وتفعيل إرادتها الدولية فيما لو توافرت الفرصة المواتية لذلك. ولعل فى خبرة سبتمبر 2001، وماتلاها من مبادرة الأمين العام لدفع جهود ومبادرات إصلاح وتطوير المنظمة، وعلى نحو ما سيلى تفصيله في موضع لاحق، لعل فى ذلك نموذجا له أهميته ودلالته على طريق الإصلاح والتطوير للأمم المتحدة.

رابعا: منظمة التجارةالعالمية والبعد الاقتصادى للنظام الدولى الجديد

تأكيدا على أهمية المتغير الاقتصادى فى أولويات النظام الدولى الجديد، يؤكد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، جيمس بيكر، أن قضايا التعاون والإصلاح الاقتصادى، وتحديداً فى روسيا والصين، بالإضافة إلى باقى المناطق، تعـدُ – إلى جانب العوامل العسكريةوالسياسية ومستقبل الحروب، بالإضافة إلى الدور المعقد والحيوى للمتغيرات الثقافية والدينية فى الشئون الدولية-، تُعدُ بمثابة الأولويات الثلاث الأولى على قائمة الاهتمام العالمى خلال العقد الأول ما بعد الحرب الباردة. فهناك من جانب الاتجاه العام نحو الحرية الاقتصادية كإطار للحركة نحو الاقتصاديات، وتخفيض حجم الحكومات، والانتقال بالمشروع الخاص إلى الظاهرة العالمية، وما يرتبط بكل ذلك من قضايا ومشكلات دعم استمرارية الإصلاح الاقتصادى بدون مشكلات سياسية جـوهريـة (44).

فى هذا السياق، جاءت منظمة التجارة العالمية لتخلف اتفاقية الجات. وهى وإن كانت تتبنى أهدافها الأساسية، إلا أنها أدخلت بعض التحديث عليها، ويتمثل فى التشجيع إلى أكبر قدر ممكن لحرية حركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات، وحديثاً حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة Trade Related Property Rights (Trips) فى جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، يظل هناك فارق أساسى بين منظمة التجارة وبين الجات، فبينما لم تتجاوز الأخيرة مجرد وضع الوحدة الجمركية، فإن الأولى، أى منظمة التجارة العالمية، هى منظمة تتكون من الدول، وتتمتع بسلطات قسرية، وعقوبات واسعة، وآليات متعددة ومعقدة من المعاهدات والاتفاقيات المنظمة لقواعد التجارة العالمية. إضافة إلى ذلك، فإن تلك القواعد توسع بشكل دائم مدى تطبيق تلك الاتفاقيات لتتضمن منتجات ومواضيع جديدة. كذلك، فإن الهدف المعلن للمفاوضات هو تقليص سلطة الدولة والقطاع العام بشكل عام، بينما تتمثل الوسيلة إلى ذلك فـى رفض تحرير التجارة (45).

ومن الطبيعى أن تكون هناك بعض المحاولات لمقاومة سياسات وإجراءات الجات. فسياسات التحرر الاقتصادى وتحرير الاقتصاد عادة ما تؤدى إلى تكلفة عالية فى المدى القصير تتمثل فى تزايد معدلات البطالة والتضخم ومستويات المعيشة. كما أنها ترتبط أيضاً وبشكل يدعو للحذر بالارتفاع الواضح فى الجرائم المعتادة والمنظمة. وفى المقابل ، فإن هذه التطورات إنما تستثير وبقوة رد فعل شعبى سلبى وتعزز من ظهور القوى القوية المطالبة بإبطاء معدلات الإصلاح وسرعته إن لم تطالب بالتحول عنه نظراً لارتفاع تكلفته الاجتماعية العالية وما تثيره من تساؤل حول إمكانيات دعم استمرارية الإصلاح الاقتصادى بدون مشكلات جوهرية على المستوى السياسى.

وعلى الرغم من قرارات الجات، فلازالت الحماية قوية فى كل من الولايات المتحدة ، وأوروبا الغربية ، واليابان. ففى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ، تمارس منظمات المصالح القوية وآلياتها السياسية جهوداً مضنية لتوسيع نطاق تحرير الاقتصاد وتخفيض مجال الحكومة. أما فى اليابان حيث التنمية تعتمد على التصدير كتقليد قديم ، فإن تطبيق الإصلاحات قد يتيح اختيارات أكثر وأسعاراً أقل بالنسبة للمستهلكين اليابانيين (46). وعلى ذلك، فمن الطبيعى أن تكون هناك، وعلى وجه الخصوص فى دول العالم الثالث، بعض المحاولات لمقاومة سياسات وإجراءات الجات. وعموما، فإن المقاومة ضد ما يصفهم البعض بـ “النهابين سادة رأس المال العالمى المعولم” تنظم نفسها فى جميع أنحاء العالم فى إطار جبهة عظيمة تحتضن عدداً لا يحصى من جبهات الرفض المحلية، إنها المجتمع المدنى الجديد فى العالم كله(47).

خامسا: المجتمع المدنى العالمى

فى إطار النظام الدولى الجديد، تكتسب العولمة اهميتها باعتبارها واحدة من دعامات هذا النظام من جانب، وباعتبار تأثير دورها وأهميته، وعلى نحو مايذكر مايكل مان Michael Mann، من أنه من الأفضل النظر للعولمة على أنها شبكات جديدة مضاعفة للتفاعل البشرى تضيف إلى شبكات التفاعل المحلى والوطنى الموجودة بالفعل ولا تحل محـلها (48). هنا يبدو الارتباط بين العولمة والمجتمع المدنى حيث تلعب فلسفتها دوراً هاما فى تفعيله ونقل السلطة إليه. ذلك أن العولمة تؤدى إلى نقل السيادة، بمعنى أن الغلاف المؤسسى للدولة وإن بقى على حاله، فإن السلطة التى كانت تمارس عن طريق مؤسسات الدولة تنتقل وبالتدريج إلى أجهزة المجتمع المدنى ومؤسساته المتنوعة. وبمعنى آخر، تبقى الدول مرجعية رمزية، ولكن ممثليها لا يمارسون سوى سلطة حقيقية تتناقص كل يوم. وفى هذا السياق، وعلى نحو مايشير زيجلر، تبرز دور وأهمية وسلطة رأس المال العالمى، حيث يمكن القول اليوم “أن عقلية رأس المال تحدد رد فعل وفعل جميع الحكومات تقريباً فى الجنوب والشمال، ….، ولقد كان السادة، سادة العالم الجديد، أنفسهم من سمى هذه السلطة الجديدة “الحكم العالمى من دون دولة” Stateless Global Governance””. (49).

اتساع شبكة مؤسسات وأجهزة المجتمع المدنى عالمياً، وبما تعكسه من أهمية توضح فى الوقت ذاته تنوع وقوة القطاعات والمصالح والمنظمات والمؤسسات المدنية التى تشكل فى مجموعها هذه الشبكة. نماذج تلك القطاعات، وكما ذكرها زيجلر تتضمن فى مجملها سـت جهات: 1) المنظمات العمالية والنقابية؛ 2) حركات المزارعين مثل اتحاد الفلاحين فى فرنسا الذى يقوده جوزية بوفيه؛ 3) الحركات النسائية فى جميع أنحاء العالم؛ 4) يستمد المجتمع المدنى العالمى الجديد جزءاً كبيراً من قوة مقاومته من مصدر غير متوقع هو الشعوب المحلية ومجتمعاتها التقليدية السابقة للرأسمالية ومن أمثلتها: أ) الجبهة الزباتية “Zapatiste” للتحرر الوطنى والتى تتغذى من الإرث الثقافى ومسيرة الشعوب الهندية فى جنوب المكسيك، ب) حركة الطوائف الهندية ايمارا Aymara”” فى الهضاب العالية فى بوليفيا، ج) حركة التجديد الثقافى والنضال لطوائف “Quechua”” فى مناطق أيا توشو “Ayaiucho” وكوزكو”Cuzco” فى بيرو؛ 5) الحركات والجمعيات والأحزاب البيئية؛ 6) تجمع الحركات الاجتماعية الكبرى أو المنظمات غير الحكومية التى لا يقتصر نشاطها على قطاع معين، بل تطمح إلى انتقاد ومكافحة النظام العالمى للرأسمالية بجملته ومن هذه المنظمات “ATTAC” التى تأسست بمبادرة من مجلة لوموند دبلوماتيك وبعض المفكرين النقابين المتحدثين باللغة الفرنسية، وهى جمعية من أجل طرح ضريبة على الصفقات المالية وبهدف مساعدة المواطنين. وتعيد ATTAC طرح فكرة جيمس توبين James Tobin الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد والمستشار الاقتصادى السابق للرئيس كينيدى وتتمثل الفكرة بفرض ضريبة على رؤوس الأموال المضاربة ويمول لحصيلة هذه الضريبة صندوق عالمى تديره الأمم المتحدة وتخصص موارده لتـمويل بناء مشاريع بنى تحتية صحية وتعليمية والإسهام فى تنمية قوى الإنتاج فى البلاد الأكثر فقراً فى العالـم (50).

وبسبب هذا التنوع فى مكونات المجتمع المدنى العالمى الجديد ، يطرح بـيير بورديو فكرة “الجمع من دون توحيد”، ويقول إن هذا التنسيق يجب أن يأخذ شكل شبكة قادرة على جمع أفراد وفرقاء فى ظروف لا تسمح لأحد بأن يسيطر أو يقلل من شأن الآخرين، وتمكن من الاحتفاظ بجميع المزايا المرتبطة بتنويع التجارب ووجهات النظر والبرامج. وهنا يجب ألا نستبعد الأمل فى أن المقارنة الديمقراطية لمجموعة من الأفراد أو الفرقاء منطلقين من توصيات مشتركة تولد جواباً متماسكاً ومعقولاً لقضايا أساسية لا تستطيع النقابات أو الأحزاب أن تجد لها حلولاً شاملة (51).

وهكذا فى ظل الاهتمام بتفعيل دور المجتمع المدنى الدولى كأحد آليات النظام الدولى الجديد يبدو عدد هام من التداعيات المرتبطة بذلك، والمتمثلة فى السعى إلى نشر الدعوة إلى ثقافة عالمية وحيدة، وهو أمر له مخاطر عديدة من أهمها هيمنة ثقافة واحدة، وهى الثقافة الأمريكية، وطراز الحياة الأمريكى على العالم، وتسطيح الثقافة العالمية، وصياغاتها على نمط واحد بدلاً من إغنائها وإثرائها بأنماط الثقافات المختلفة. وهنا، فإن المخرج من ذلك هو تفاعل الثقافات، ومن أهم صوره الحوار بين الثقافات الذى ينبغى أن ينطلق من منطلقين أساسيين أو شرطين رئيسيين: أولهما هو النزاهة الفكرية والثقافية التى ينبغى أن تتوافر للمفكرين السياسيين والتى تقبل على الحوار بين الثقافات بدون أفكار مبيته، ومن دون أغراض خفية. وثانيهما: العمل وقبل كل شئ من قبل جميع الفرقاء على إزالة أثار العدوان الثقافى إن صح التعبير، ويعنى ذلك فيما يعنى تطهير ثقافة كل أمة مما فيها من تزوير للحقائق المتصلة بثقافة الشعوب الأخرى (52). وهكذا يصبح مجمل القول إذا أن حوار الثقافات لا صراع الثقافات هو المخرج.

القسم الثالث: النظام الدولى الجديد: القضايا والإشكاليات
بوحه عام، تكشف خبرة موضوعات وقضايا الاهتمام فى إطار النظام الدولى الجديد عن تعدد تلك القضايا وتنوع مجالاتها من جانب، فضلا عن ارتباطها غالباً بمجمل توجهات واهتمامات وأهداف الإدارة الأمريكية. ومن هنا، فإن تحديد أولويات الاختيار من بينها إنما يتأثر، وضمن أمور أخرى، بتداعيات قضايا السياسة الداخلية من جانب، (مثل الحرب ضد الارهاب، وغزو أفغانستان وتداعياته، ثم غزو العراق واحتلاله، وزيادة الموازنة العسكرية، والأداء العسكرى الأمريكى فى مناطق التوتر والاحتلال المشار إليها)، بالإضافة إلى قضايا العلاقات الأمريكية الأوربية ( وأيضا بما تمثله دوما من توتر، كامناً مكتوما كان أو أو ظاهراً ملموساً، وبصفة خاصة حول قضايا الأمن، بين رغبات الهيمنة الأمريكية وتطلعات الاستقلال الأوربية)، وتأثرها بطبيعة وتوجهات السياسات العالمية للتحالف الغربى: من يقود؟ ومن يستفيد؟ وهو موضوع عادة مايعكس تنوع الرؤى والمصالح، كما أنه عادة ما يفتح الباب للاختلاف فى وجهات النظر بين الحلفاء(53). يضاف إلى ذلك العديد من القضايا ذات الطابع الاستراتيجى مثل قضايا ضبط التسلح، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتعزيز السلم والأمن الدوليين، ومواجهة الإرهاب والعنف، وتلك ذات الاهتمامات والطبيعة الإنسانية العالمية مثل قضايا التنمية والبيئة، وحقوق الإنسان، وحق التدخل الإنسانى، ونشر وتعزيز الديموقراطية، وغيرها من هذه النوعية.ومع التسليم بأهمية تلك القضايا ومحوريتها، فإنه سيكتفى هنا باختيار بعض قضايا أو مجالات بذاتها تمثل اهتماما مشتركا للنظام الدولى الجديد، وتعكس فى الوقت ذاته طبيعته العالمية واهتمامات الشراكة الأوربية الأمريكية من جانب، وممثلة للاهتمام العالمى المشترك من جانب ثان. ومن ثم، تتضمن تلك الاختيارات النماذج التالية:

أولا: الولايات المتحدة وتحديات قيادة النظام الدولى الجديد:

مواجهة التنافس بين الفكرة (القيادة) الأمريكية، وتلك الأوربية يعد من أبرز التداعيات السلبية لبروز الولايات المتحدة كدولة قائد للتحالف الغربى، أو كما يشيع وصفها أحيانا بالامبراطورية الأمريكية، باعتبارها القوة المهيمنة بعد إنتهاء الحرب الباردة، وهو ما يتمثل فى استثارة حفيظة بعض القوى والاتجاهات الأوربية التى لا تستسيغ ولا تقبل بسهولة، ولأسبابها الخاصة، بالقيادة والهيمنة الأمريكية للعالم الغربى، ومن ثم التبعية الأوربية للولايات المتحدة(54).

فعلى الجانب الأمريكى، يثير القول بالامبراطورية الأمريكية وجهات نظر متباينة: فهو يلقى قبولاً أو تعديلاً لدى البعض، بينما يدركه البعض الأخر متضمنا مزيداً من عدم الإتقان، بل والخطر. المحافظون الجدد يحتفلون بممارسة القوة والهيمنة الأمريكية، ويرون فيها دوراً وعبئاً على الرجل الأبيض تحمله، كما يعتبرونها فى الوقت ذاته “قوة ليبرالية تشجع وتحفز الديمقراطية، وتقتلع Undercutsالطغيان والإرهاب ، والعدوان العسكرى، وانتشار الأسلحة”. بينما يرى المعارضون والمنتقدون أن المصطلح يجىء محدداً لإمبراطورية أمريكية بازغة، لكنهم وفى نفس الوقت قلقون بصدد تصاعد تكاليفه المالية غير المقبولة، وتزايد تأثير عنصر القهر الذى تفرضه وتمثله قوة الولايات المتحدة، والتهديد الذى تفرضه على المؤسسات والتحالفات التى تولت مسئولية تأمين المصالح القومية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وما يمثله ذلك من انعكاسات على الديموقراطية (55).

وبينما كان لدى معظم الأوربيين، وعلى نحو مايؤكد Bailes، توجهات مستعدة ومؤيدة لقبول فجر نظام عالمى جديد ذى طبيعة إيجابية بعد انهيار حائط برلين، وانتهاء الحرب الباردة، فإن هذا التوجه لم يكن مثيراً للدهشة، أخذا فى الاعتبار الانسياب الجذرى للتهديدات والأعباء التى أفرزتها تلك التطورات للقارة الأوربية. فحرب البلقان التى تلت ذلك، كانت وبوجه خاص مؤلمة لأنها مثلت تحدياً لهذه الرؤية، لكنها فى الوقت ذاته تم التعامل معها واحتوائها بشكل ملحوظ، وبصفة خاصة، أنها لم تمنع التقدم المستقر لمعظم دول ما بعد الشيوعية فى أوربا الوسطى باتجاه الاندماج الكامل فى النظم الاندماجية المنظمة لكل من الناتو والاتحاد الأوربى. ومن هذا الاتجاه تحديدا ثارت ولا تزال اهتمامات جادة من قبل بعض القوى الأوربية الغربية من أن يؤدى هذا الاندماج إلى إضعاف وتقويض نظامهم، أى الاتحاد الأوربى ذاته(56).

ومع ذلك، فقد جاء بروز التكتل الأوربى بقدراته التنافسية ليعزز من جديد تيار الاستقلالية الأوربية، خاصة وأن قوته تتضمن عناصر متعددة من أهمها قوته الاقتصادية من الموارد البشرية والمالية، والإمكانيات التكنولوجية والعسكرية .. والتى تمكنه، وعلى الأقل، نسبيا من موازنة القوة الأمريكية، وضبط توجهاتها وتطلعاتها للهيمنة العالمية. من المؤشرات ذات الدلالة فى هذا الاتجاه، والتى أبرزتها قمة الدول الأوربية(إبريل 2003)، ومن خلال الكلمات المختصرة لقادة وممثلى خمسة وعشرين دولة أوربية، ممثلة بعدة حقائق حول التكتل الأوربى الجديد: فهو يضم 450 مليونا من الأوربيين، يربطهم ناتج إجمالى قدره 1101 بليون يورو، وهم يمثلون ثانى أكبر الأسواق المحلية بعد الولايات المتحدة، وباختصار، وعلى حد وصف مجلة دير شبيجل الإلمانية، “مجتمع لا مثيل له فى تاريخ الإنسان” (57).

وعلى ضوء ماسبق، يمكن الإنتهاء إلى أن جوهر مشكلة دور ومكانة الولايات المتحدة فى النظام العالمى، عامة وفى علاقتها بأوربا بصفة خاصة، يكمن فى الاختلاف على طبيعة ومنطق السيطرة الأمريكية التى يكمن حولها وينطلق منها الخلاف والجدال. وهنا تجب الإشارة إلى عدة أمور تتضمن: أ) دور الولايات المتحدة كمنتجُ للنظام العالمى؛ حيث قامت ولا تزال بدور عام ومؤثر فى صياغة نظام دولى مفتوح بشكل متميز وله قواعده الدولية؛ ب) وأن إمبراطوريتها قد تأسست على أساس من مصالح متسعة ومعقدة، والتزامات، ومشروعات فى السوق المفتوح، الاقتصاد الحر، ودورها فى التكامل العالمى، كما تتمثل أيضاً فى اقتفاء المصالح والمكاسب الاقتصادية الضيقة؛ ج) إن حلفاء الولايات المتحدة قد استفادوا، ولايزالوا من شراكتهم مع الولايات المتحدة مدنياً وعسكرياً (58). وأخيراً، فإن الامبراطورية الأمريكية “امبراطورية توافقية” أو “إمبراطورية بالدعوات” يأتى على قمة اهتماماتها خدمة نظام متسع من الديمقراطية والرأسمالية. ومن ثم، فسوف يستمر الجدل، وبشكل أساسى، حول فكرة الإمبراطورية الأمريكية، وكذلك حول احتمالات المستقبل، وما يحمله من مخاطر وتهديدات لمقومات القوة الأمريكية، خاصة فى المجالات الاقتصادية، حيث عادة ما لايرقى أداؤها الاقتصادى إلى مستوى نظيره العسكرى.
وأخيراً، فإن مشكلة الدور المهيمن للولايات المتحدة، ينبغى أن ينظر إليها على ضوء بحث تصرفات الولايات المتحدة وليس كلماتها. فقد قامت الولايات المتحدة:1) باستخدام وسائل القوة، وإلى حد ما إجراءات استباقية رادعة، وبالتدخل العسكرى فى مناسبتين فقط منذ أحداث سبتمبر، وهما فى افغانستان وفى العراق. وقد فعلت ذلك فى المرة الأولى بتأييد دولى من أغلبية واضحة لدول العالم ومؤسساته، كما أنها قد تعاملت مع تهديدات انتشار أسلحة الدمار الشامل فى حالتى إيران، وكوريا الشمالية بأسلوب مختلف وبشكل قاطع بدون استخدام للقوة المسلحة. وعلى ضوء خبرة عام 2003، فإنه حتى فى حالة قيام قوة عظمى بالاستخدام الزائد لقوتها المسلحة، أو إساءة استخدام تلك القوة، فإن هذا الاستخدام سرعان ما يخضع للقيود الداخلية المتعلقة بالتمويل والتأييد السياسى وتسامح الرأى العام، والقيود النظامية الموروثة داخليا وخارجيا، والتى لا تجعل من القوة العسكرية المتغير الوحيد فى إنفاذ ما تريده الولايات المتحدة. وهنا تنهض خبرة العراق الحالية نموذجا اضطرت فيه الولايات المتحدة لإعادة النظر والمطالبة بدور أكبر للأمم المتحدة، وبتدخل أكبر من قبل الشركاء والمنظمات الدولية.

ثانيا: البعـد الـثقافـى: تدويل الثقافة والنظـام الدولـى:

بوجه عام، وفى إطار النظام الدولى الجديد، يكتسب موضوع التفاعل الثقافى أهميته من اعتبارات متعددة لعل من أهمها استهدافه نشر وتعزيز منظومة الثقافة الليبرالية بشقيها السياسى والاقتصادى، وفى نموذجها الأمريكى تحديداً. من هنا يشير مفهوم التبادل الثقافى إلى ذلك النشاط الذى يعبر عن تفاعل الحضارات والثقافات بما فيها من تأثر وتأثير طبيعى وضرورى بين الثقافات البشرية. ويقوم التبادل الثقافى بين الأمم على أساس الحوار المبنى على الاعتراف بأن لدى الآخرين ما يمكن تعلمه عنهم ومنهم، كما أن هناك أيضاً ما يمكنهم تعلمه عن، ومن غيرهم. ومن ثم، يركز أنصار التبادل الثقافى على أهمية ومساهمة الحضارات والثقافات كافة بعض النظر عن مدى تطورها أو تخلفها فى الثقافة الإنسانية. ومن ثم يصبح التبادل الثقافى غير متكافىء عندما يشير إلى عملية نشر الثقافة والتبادل الثقافى بين ثقافات غير متكاملة، أى يتم عبر الاتصال بين مجتمع وثقافة متقدمة، ومجتمع وثقافة مختلفة، حيث تسير الثقافة باتجاه واحد من أعلى إلى أسفل. ذلك انه يصعب الفصل بداية بين الأفكار السياسية والاقتصادية، والمؤسسات والسياسات من جانب، وبين الظاهرة الثقافية من جانب آخر. ولذا، فإن القبول بالبعد الثقافى للنظام الدولى، أو تدويل الثقافة، لا يحظى عادة بإجماع كبير، وبصفة خاصة عندما يرتبط بتوجهات وعمليات الأمركة نظراً لارتباطها بالجوانب الثقافية للعلاقات الدولية، وما يرتبط بذلك من شكوك ومخاوف من تنامى حالة التبعية الثقافية، ومخاطر الدعوة إلى ثقافة عالمية وحيدة وما تعنيه من هيمنة ثقافة واحدة، هى الثقافة الأمريكية، وطراز الحياة الأمريكى على العالم، وتسطيح الثقافة العالمية، وصياغاتها على نمط واحد بدلاً من إغنائها وإثرائها بأنماط الثقافات المختلفة (59).

وعلى ذلك، فقد كان من الطبيعى أن تتزايد المخاوف من أن يؤدى ارتباط عملية التبادل الثقافى بالنظام الدولى الجديد وجهوده للترويج لمفاهيم وثقافة العولمة إلى حدوث نوع من التبادل اللامتكافىء بين الثقافتين العربية الإسلامية والغربية، وما يعنيه ذلك من احتمالات لعودة عمليات الغزو الثقافى وتكريس مفاهيم التبعية الثقافية، وغير ذلك من تداعيات عملية تصدير العادات والقيم الأمريكية الاستهلاكية، ليس فقط إلى أوربا ودول العالم الثالث، بل وإلى العالم العربى والإسلامى من خلال وسائل الترغيب والأغراء وتقديم هذه الأنماط السلوكية من خلال وسائل الإعلام كنمط من أنماط الإمبريالية الثقافية التى تمارسها أمريكا على هذه المجتمعات وغيرها ، وأن انتشار الثقافة الأمريكية هو تعبير عن تطور ميزان القوى السياسى والاقتصادى لصالحها وان انتشار الثقافة لا يمكن اعتباره مقياسا لمدى صلاحية هذه القيم وتقدمها الأخلاقي والمعنوى وإنما هو نتيجة للقدرة الأمريكية الاقتصادية والسياسية التى تسمح لها بتسويق ثقافتها من خلال وسائل الإعلام (60).

فى هذا السياق، وبدورها تنتسب فكرة صراع أو صدام الحضارات إلى كتابات وآراء هانتينجتون، وتتبلور باختصار حول مقولته أن جزءً كبيراً من مستقبل السياسة الدولية، وإلي حد كبير جزء من ماضيها، يمكن فهمه باعتباره صراعاً بين الحضارات المختلفة، وإلى حد أقل، التعاون بين الشعوب داخل نفس الحضارة. ويستند منطقه، مع اختلافه مع التوجهات النظرية العامة، على اشتراك الحضارات فى ثلاث منطلقات تتضمن: مجموعة من القيم والمعتقدات فيما بين المجموعات الأخرى، غير الغربية، والمبالغة الشديدة في مركزية المصالح الاقتصادية؛ أما الثانية فينكر هنتيجتون أن تزايد الاتصالات والانتقالات والتنمية الاقتصادية سوف يقود إلى عالم من القيم والعادات المشتركة، وهنا فان التحديث لا يعنى التغريب؛ أما الثالثة، فهى أن هنتينجتون لا يرى أن سيطرة الديمقراطية سوف تؤدى إلى السلام العالمي، حيث يرى أن هناك العديد من الثقافات خاصة الإسلام معادية للديمقراطية، إلا أن المشاركة الأكبر غالباً ما تتاح بالنخب الغربية. وأخيراً، فإن رؤيته تتصادم مع الواقعية والتى ترى فى الدولة القومية أهم الوحدات التى يتمحور حولها الصراع وليس التعاون (61).

وعلى ذلك، يتوقع هنتينجتون، بل يتنبأ بزيادة فى قوة شرق أسيا واستمرار الصراع بين المسلمين وغيرهم، خاصة الغربيين، مدعياً أن “للإسلام حدوداً دموية” تتضمن اتجاه المسلمين للتوحد وتعريف أنفسهم إما مع الوحدات الأصغر كالأسرة، والعشيرة والقبائل، أو إلى الحضارة الإسلامية فى مجملها، مع ارتباط ضغيف نسبياً مع الدول. ومع تفضيل هنتجتون شديد الوضوح للقيم والثقافة الغربية، إلا أنه لا يعتقد أنه من الضرورى أنه يجب أن يسعى الغرب إلى فرضها على الآخرين، بل إنه وفى الحقيقة، ينتقد أولئك الذين يعتقدون أن التفوق الموروث للمجتمع الغربى سوف يقود الآخرين الى أن يفعلوا نفس الشئ. وتتمثل أحد توصياته فى “أن السلام العالمى يمكن تحقيقه بأفضل صورة بصيغة من مجالات الترتيبات المؤثرة والتى فى ظلالها تقوم الدول القائدة بتوفير النظام داخل حضاراتها الكلية الذاتية لكن لا تتدخل فى مكان آخر(62).

ولعل أخطر مافى آراء هانتيجتون أنها قدمت الإسلام كعدو بديل للغرب بعد زوال أو اختفاء الخطر الشيوعى، وربطه بالتالى بالعنف والإرهاب، ومايترتب على ذلك من دمغ للعرب والمسلمين عامة بالمسئولية عن تنامى العنف والإرهاب الدولى، خاصة عندما يرتبط ذلك بالإدعاء أن منفذى أحداث سبتمبر 2001 كانوا من المسلمين، وكانوا فى غالبيتهم من المنتمين إلى العالم العربى. وهنا تجب التذكرة بأن جوهر المشكلة بين الغرب والإسلام ذو منشأ ثقافى قبل أن يكون ذا منشأ اقتصادى أو ايديولوجى. فالثقافة الغربية محملة منذ القدم بأوهام كثيرة تجعل من الإسلام عدواً تاريخياً وتقليدياً للغرب. ومن الخطأ اعتبار هذه الأوهام ذات مصدر دينى فحسب. فلقد أضيفت إلى العامل الدينى على مر الأيام عوامل سياسية واقتصادية زادت فى أثر هذا العامل الدينى، بل شوهته وجعلته يتخذ شكل خرافة ضخمة وفعالة.

ثالثا: مصادر الخطر والتهديد للنظام الدولى:

من وجهة نظر مدير معهد استكهولم الدولى لدراسات السلام، ومع بداية السنوات الأولى للقرن الحادى والعشرين، فإن هذه المخاطر، والتى تتحدد كمحصلة ثلاثة اتجاهات، تتضمن: 1) الإرهاب، والجريمة، وانتشار الأسلحة، والدول التى تيسر أو تجعل ذلك ممكنا. ذلك أن خطورة هذه المشكلات أنها تمثل قوى مهددة للنظام ذاته، حيث أنها تستغل بالفعل مرحلة تأسيسه أو خلقه (إنشاء منطقة تجارة الاتحاد الأوربى :الشينجين”، أو العولمة) ضد الدول الأوربية. 2) عدم القدرة أو العجز المتصور للمؤسسات الأمنية الشهيرة، وللقواعد القائمة للتعامل مع هذه الأمور، وذلك بسبب: أ) أنها لم تكن مصممة للتعامل مع فاعلين أو معارضين من غير الدول؛ ب) أنها وجدت أساسا كمنتج أو حصيلة لاتفاق الدول، ولم تكن مؤهلة بشكل جيد للتعامل الفعال مع فاعلين غير ملتزمين أو معارضين سواء على المستوى النظرى السياسى، أو على مستوى الشروط المادية؛ 3) وفى مواجهة هذين العاملين فإن القوة العظمى العالمية الوحيدة، -الولايات المتحدة، والتى تقوم إلى حد كبير بتوفير القيادة النظرية والسياسية للغرب- قد تبنت وسائل لحماية مصالحها الحيوية والتى قد يرى فيها البعض تهديداً للنظام الدولى. بعض المتحدثين باسم الولايات المتحدة، وقد عبروا عن عدائهم الصريح للقيود التى تفرضها المؤسسات والقوانين الدولية، قد أكدوا على حقهم فى التصرف المنفرد، واتخاذ إجراءات استباقية رادعة للدفاع عن المصالح الوطنية، كما طالبوا بالتحويل النشط (غير الإجماعى) للنظام القائم، وبصفة خاصة فى العالم العربى، كما أكدوا على الدور الخاص للقوة العسكرية فى تحقيق ذلك(63).

1- مشكلة الإرهاب: تثير الصدمة بمدى ما تسببه من دمار يجعل منها “إرهاب سوبر“Super Terrorism”، خاصة مع السهولة الواضحة التى يخترق بها، بل ويستغل أقوى المجتمعات المتقدمة. ومع هذا يرى بيليز أن نوعية “منظمات الإرهاب السوبر” مقارنة بغيرها من المنظمات الإرهابية، لازالت تمثل أقلية من حيث النوع والعدد. الأكثر أهمية هنا، هو رؤية أوربا لأسباب هذا العنف، والتى يعبر عنها بيليز بقوله “أن تهديدها يثور تحديدا من كونها تمثل ثورة الضعيف ضد القوى، ومن ثم، فإن قوتنا (الغرب) على التعامل قد تزايدت بعد تحول أعدائنا أو منافسينا السابقين مثل روسيا والصين إلى الوقوف إلى جانبنا. وقد يكون أفضل أسلوب للتعامل معها باعتبارها جماعات خارجة عن القانون، يستهدف اقتلاعهم كمجرمين وكمعتدين على حقوقنا (الغرب) المشروعة. ومن ثم، فإن اتخاذ إجراءات قاسية لعزلهم، واختراقهم، وشل قدرة تلك المنظمات على التحرك والعمل يجب أن تقترن بمجهودات تستهدف الإبقاء على تأييد الأغلبية المعتدلة فى كل الأقاليم ومن كل الديانات فى جانبنا، وان تحمى وبكل الوسائل الممكنة الثقة بالذات، وبالهدوء والطمأنينة فى مجتمعاتنا. باختصار فإن “مثابرتنا وإصرارنا على الالتزام بالتمسك بالنظام القائم على الحقوق الأساسية للإنسان يعد أفضل سلاح ضد الإرهاب، ومن المؤكد أفضل صيغة للتأكيد، وكما يجب، على تفوقنا الأخلاقى عليه (64).

2- مشكلة عدم كفاءة المؤسسات أو القواعد:

فى إطار النظام الدولى ككل، ونظمه الفرعية، فإن فعالية تلك المؤسسات إنما تقاس بحجم الأغلبية من الدول التى تتبعها، وليس بالقلة التى تخرج عليها أو تعارضهأ. وفى الواقع فإن أغلبية الدول والشعوب تحترم، بل وتلتزم بالتعامل مع، وبطاعة تلك المؤسسات. ومن ثم، فإن التخلى عن هذه المؤسسات أو هجرها لبعض القصور إنما يمثل خيانة كاملة لهذه الأغلبية الملتزمة، وتقويضا لثقتهم وحكمتهم والتزامهم بالنظام. إما مشكلة قصور القدرة الواضح فى التعامل مع منظمات ومشكلات الإرهاب السوبر، فإنها ترجع لأن هذه المؤسسات أنشئت أساسا للتعامل مع وحدات فاعلة من “الدول” وليس من غيرها، وعلى أساس من قواعد الإجماع والتراضى بينها، أى على أسس يمكن التنبؤ بها والتفاعل مع مخرجاتها.

وفى الحقيقة، فإنه يمكن التعامل مع ومواجهة الفاعلين من غير الدول وذلك من خلال: 1) إجراءات يتفق عليها داخليا بين الدول من أجل فرض القيود على مصادر التمويل “بحظر التمويل، وضع ضوابط لتصدير المواد الخطرة والمعرفة، ..”؛ 2) ومن خلال الاتفاقيات المنشئة للتشريعات المتوافقة أو الموحدة التى تمكن من الملاحقة العالمية للإرهابيين ولتجريم سلوك الأقراد أو الجماعات الإرهابية سواء على مستوى الدول أو أشباه الدول؛ 3) وأخيراً، فإن هناك دلائل واضحة أنه ومنذ سبتمبر، فإن هذه المؤسسات قادرة على، بل وبادرت بتقييم أدائها، وتطوير نفسها، واتخاذ الإجراءات المطلوبة لذلك. الأمثلة تتضمن مبادرة كوفى عنان ببحث مستقبل الأمم المتحدة، وقيام الاتحاد الأوربى بتطوير استراتيجياته ودوره، ومبادرة حلف الناتو بإعادة توجيه موارده للتعامل مع التهديدات الجديدة المتعلقة بالمخاطر خارج أوربا، بالإضافة إلى عديد من التطورات التى تم الاتفاق عليها فى إطار المنظمات الإقليمية(65).

رابعا: النظام الدولى والدعوة إلى الديموقراطية:

فيما يتعلق بمستقبل الديموقراطية،وعلى نحوما يذكر مدير معهد استكهولم الدولى لدراسات السلام، فإن أكثر وأسوأ أعداء الديموقراطية إنما يكمنون خارج الغرب، وإلى حد كبير خارج شمال الكرة الأرضية. وقد يكون هناك بالفعل تناقض بين التأكيد المحمود على عالمية الديموقراطية كهدف للسياسة الخارجية الأمريكية، وبين ما تقوم به الإدارة الحالية من اختيار بعض الوسائل والمفاهيم لتحقيق هذا الهدف. غير أن فرض الدبلوماسية على أى دولة أو مؤسسة باستخدام القهر (العسكرى أو أى نوع آخر) إنما يمثل تناقضا فى شروط الديموقراطية. كذلك، فإن الهيمنة العالمية أو إعادة تشكيل النظام الدولى بمبادرة قطب واحد، وحتى ولو كان الأكثر ديموقراطية، إنما يُعـدُ مناقضا للديموقراطية فيما بين الدول.

وبوجه عام، وفى إطار سعى قيادة النظام الدولى لنشر السلام وتخفيض التوترات بين الشعوب، فإنها عادة ما تروج لنشر مبادىء التعددية السياسية، والسيادة الشعبية، وحق الشعوب ومسئوليتها فى اختيار نظمها السياسية والاجتماعية، وما يرتبط بذلك من دعوات الحفاظ على حقوق الإنسان، واحترام حقوق الأقليات، ومقولات تطوير المجتمع المدنى وتفعيل دوره ومشاركته، وذلك باعتبار أن ذلك كله يصب فى إطار دعم وإرساء أسس سلام دائم بين الشعوب، استنادا إلى أن الديموقراطيات لا تتقاتل ولا تحارب بعضها بعضاً (66). وعادة ما يستند منطق هذا التوجه إلى أن مبدأ المداخلات الشعبية، ونظم الرقابة والتوازن، واعتراف الحكومات الديموقراطية ببعضها البعض، والمصالح المشتركة فى السلام، مما يدفعها كلها لكى تتحد وتعمل معا كفريق. من هنا القول بأن الديموقراطيات لا تقاتل بعضها بعضا، وكلما تزايد عدد الدول أو النظم الديموقراطية، كلما تزايدت مـساحة السلام فيـه (67).

خامساً: قضايا ضبط التسلح وتغير طبيعة الخطر النووى

فى ظل توجه الخفض العام للإنفاق العسكرى فى الدول الكبرى، فإن مسار الانفاق العسكرى للدول والقوى الصغرى سوف يتخذ مسارأً تصاعديا نتيجة اهتمامها بالتسلح وزيادة الانفاق عليه، ورغبة بعض تلك الدول فى الانضمام إلى عضوية النادى النووى. مما يعنى مزيدا من قدرة تلك الدول على إحداث نوع من عدم الاستقرار وخلق المشكلات، وبالتالى تتزايد احتمالات عدم الاستقرار فى النظام الدولى الجديد بتزايد فرص تلك الدول والقوى فى الحصول على الأسلحة، وعلى نوعيات أكثر تقدما من التكنولوجيات العسكرية المتقدمة، وبالتالى تزايد احتمالات استخدام القوة لحل المشكلات والمنازعات المتعددة الأنواع والأسباب (عرقية، ودينية، وإقليمية، وحروب أهلية (68).

إضافة إلى تواصل الاهتمام بقضايا ضبط التسلح، منذ فترة الحرب الباردة وسياق الوفاق الدولى، بأنواعه ومستوياته المتعددة، فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتى وما ترتب عليه من تداعيات(تفكك منظومة الكتلة الشرقية، وتحلل حلف وارسو، اتساع نطاق عمليات وإجراءات الخفض والتفكيك والتخلص من بعض نظم وأسلحة الدمار الشامل)، إلى إضافة بعد جديد لطبيعة الخطر النووى، فلم يعد يقاس فقط بعدد الرؤوس النووية التى تمتلكها روسيا باعتبارها ثانى أكبر ترسانة نووية بعد الولايات المتحدة ولديها أكثر من 700 ألف عالم وخبير من بين الألمع والأذكى بين علماء العالم فى مجالاتهم، ولكن برزت أيضا خطورة البعد الرقابى الخاص بنقص قدرة التحكم والسيطرة على المنشآت النووية، والعلماء، ونظم التفكيك وأساليب التعامل مع مكونات الأسلحة التى يتم التخلص منها، وما شابه ذلك من مشكلات ذات طبيعة فنية، وجوانب مالية ترتبط بنقص الموارد المطلوبة لتفعيل نظم الأمان المطلوبة لأداء هذه المهام، وإحكام السيطرة، درءً للمخاطر المترتبة على انتشار ووصول الأسلحة والمعرفة والتقنية النووية للأطراف الدولية المتعددة الساعية للحصول عليها، ومن أكثرها شهرة “الدول الحمراء “Rouge States”، والتى تضمنت آنذاك (1999) كلا من إيران والعراق وكوريا الشمالية(69). هذا فضلاعن تزايد احتمالات وصولها إلى جماعات العنف السياسى والإرهاب الدولى أو منظمات المافيا والجريمة المنظمة، وما يمكن أن يؤدى إليه حدوث ذلك من مخاطر وتهديد بالغين للسلم والأمن الدوليين. ومن هنا، أصبح التحدى الجديد للولايات المتحدة كدولة قائدة ومهيمنة متمثلا فى تحقيق الانتصار وكسب ما بعد الحرب الباردة.

وبوجه عام، فإن سياق الأحداث وتطوراتها ومنذ أحداث سبتمبر 2001، وبما تضمنته من احتلال العراق وتدميره، والتسليم الطوعى لليبيا بالتخلى عن برنامجها النووى، وقبولها للخضوع لإجراءات التفتيش الدولى، وممارسة الضغوط والتهديدات الدولية ضد إيران، ثم قبولها للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، واستمرار وتكثيف الضغوط الدولية على كوريا الشمالية، وتطورات الأمور على الساحة الباكستانية الهندية، وما آلت إليه أمور البرنامج النووى الباكستانى، تدل تلك التطورات وبلا شك، على خطوات النجاح والإنجاز التى حققتها الولايات المتحدة على طريق مواجهة هذا التحدى.

القسم الرابع : أحداث سبتمبر 2001 والنظام الدولى
ساعدت تلك الأحداث بما تضمنته مشاهد الهجمات على برجى التجارة من مشاعر رعب قاتلة، وبما جسمته من إدراك لطبيعة الخطر المجهول، والاتساع المحتمل لنطاقه، وما خلفته آثار تلك المشاعر من تعظيم درجة ونوعية الإحساس بخطورة الموقف وحتمية اتخاذ كل مايلزم لاستئصال شأفة هذا الخطر المسمى بالإرهاب الدولى. من هنا، كانت تهيئة المسرح الدولى لخلق فرصة أمام مزيد من علاقات التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الرئيسية خارج النطاق الأوربى، وتحديداً مع كل من روسيا والصين، واليابان وشبه الجزيرة الكورية.كذلك، فقد لعبت تلك الهجمات دورا مزدوجا، فهى من جانب وفرت غطاءً للشرعية السياسية للدور المهيمن والمسيطر للولايات المتحدة عالمياً، كما أتاحت الإطار المعنوى المطلوب لتعميق وتوحيد المشاعر الأوربية والحليفة نحو التمركز حول الولايات المتحدة وتعضيد توجهها العام لمقاومة الإرهاب باعتباره العدو المشترك الأخطر للغرب ككل.قريبا من هذا المعنى، يتبنى رالف كوسا ( 2001) رؤية متميزة لأحداث سبتمبر 2001 باعتبارها أنها دعمت الدور والقيادة الأمريكيين فى النظام الدولى الجديد من خلال: أ) خلق فرصة لعلاقات أمريكية متميرة بشكل جوهرى مع كل من موسكو، وبـكـين؛ ب) كما أنها زودت طوكيو بحافز وأوجدت لها عذرا لاتخاذ خطوات أساسية لتصبح أمة أساسية وشريك أمنى متساوى؛ ج) مد نطاق تأثيرها على امتداد شبه الجزيرة الكورية وتطورات الأحداث فيها.

وهكذا، تبدو أهمية تلك الأحداث، بل وفيما يُعدُ إيجابية وحيدة، فى أنها وفرت غطاءً مشتركا ومبررا منطقيا لحسم تردد وتواضع حماس عديد من حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين، والذى ساد بوجه عام طوال الحقبة السابقة على تلك الأحداث، بصدد تقبل القيادة والهيمنة الدولية للولايات المتحدة على مقدرات النظام الدولى الجديد، ومن ثم قبول التوجه نحو العمل الغربى المشترك من جانب، والقبول الدولى العام فى إطار النظام الدولى الجديد بقيادته الأمريكية، وبشرعية دورها، وأهميته فى مواجهة خطر الإرهاب الدولى. يضاف إلى ذلك، إيجابية أخرى لسبتمبر 2001 تتمثل فى بلورة فكرة الخطر المشترك “الإرهاب” كفكرة جامعة يتوحد الغرب من ورائها، وكخط فاصل للتفاعل بين الذات (الغرب) والآخر فى أبعادها السياسية (الديموقراطية والمجتمع المدنى وتوابعهما)، والثقافية ( صراع الحضارات)، والاقتصادى (العولمة ومنظمة التجارة العالمية).

بالنسبة لروسيا، كان الرئيس بوتين أول من اتصل بالرئيس بوش تعبيراً عن غضبه الشديد لما حدث، وليبلغه أنه لم يأمر برفع درجة استعداد القوات الروسية، وعلى نحو ما كان يحدث من قبل، رداً على قرار وضع القوات الأمريكية فى كل أنحاء العالم على وضع الاستعداد. وهكذا يؤكد هذا القرار على تفهم موسكو أن الحرب الباردة قد انتهت. وفى خطوة مماثلة، قام الرئيس بوش بإبلاغ الرئيس الروسى قبيل بدء العمليات فى أفغانستان، فى إجراء له دلالته بوضع روسيا على قائمة الدول الحليفة. وقد جاء الرد الروسى متمثلا 2فى قرار بمشاركة وإطلاع الولايات المتحدة على المعلومات المخابراتية الروسية، كما وافق أيضا على فتح المجال الجوى الروسى أمام رحلات المساعدات الإنسانية والإغاثة الأمريكية، وزيادة المساعدات الروسية للجماعات المناهضة لنظام الطالبان فى أفغانستان. إضافة إلى ذلك، فقد أعطى بوتين الضوء الأخضر لجمهوريات أسيا الوسطى السابقة بالسماح للقوات الأمريكية بالمرابطة فى قواعد هناك، وهو قرار ذو دلالة بالغة إذا علم أن الوجود العسكرى الأمريكى على مقربة من الحدود الروسية القريبة أمر لم يكن وارداً مجرد التفكير فيه قبل أحداث سبتمبر 2001 (70).

وبالنسبة لليابان واحداث سبتمبر 2001، فقد جاء إعلان رئيس الوزراء اليابانى أن طوكيو لن تدخر جهداً للمساعدة والتعاون وتأييد واشنطون فى حربها ضد الإرهاب. إضافة إلى مشاركة المعلومات المخابراتية مع واشنطون، وتقديم المساعدات اللوجستيكية، إلى جانب تقديم مشروع تشريع يسمح لقوات الدفاع اليابانية بتقديم الدعم اللوجستيكى للقوات الأمريكية التى تقوم بمكافحة الإرهاب، وبتكثيف إجراءات الحماية اللازمة للمنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية فى اليابان(71).

أما الصين، فقد شاركت دول العالم فى إدانة هجمات سبتمبر، كما أقرت الاستجابة العسكرية لها بافتراض أنها ستوجه ضد من تثبت إدانتهم، وتتجنب إلحاق الخسائر بالمدنيين. كذلك، قامت الصين بإرسال وفد من خبراء مقاومة الإرهاب إلى واشنطون لبحث سبل التعاون المشترك أمام الجانبين، كما حاولت بكين أن تربط إدانتها للإرهاب ضد الولايات المتحدة بالجهود الصينية لمكافحة الإرهابيين والانفصاليين (فى إشارة إلى موقف الصين من تايوان)، مما أثار بعض شكوك تايوان وخشيتها من تطور الأمر إلى صفقة ما بين بكين وواشنطون تحت تأثير أحداث سبتمبر، إلا أن أمراً كهذا لم يبدو وارداً بالنسبة لأمريكا(72).وهو ما يتفق وإلى حد كبير مع وجهات النظر التى ترى أن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية سوف يتوقف وإلى حد كبير على قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار فى التعامل مع الصين من منظور أبعد من مجرد منافس أيديولوجى إلى وضع اللاعب الكامل على مائدة الشطرنج الدبلوماسية (73).

اما فى أوروبا، فقد شكلت أحداث سبتمبر 2001 قوة دافعة باتجاه تعضيد إجراءات التكامل والوحدة، واصبح من السهل الاقتناع بأن استمرار انتشار مبادىء ونظم جوهر المنظمات الأوربية إلى أقاليم ممتدة، أى توسيع نطاق التكامل والاتحاد، هو أفضل طريقة للدفاع عن العمق الأوربى لكل الدول والمجتمعات الأوربية، ضد أو فى مواجهة أى خصوم محتملين داخليا أو خارجياً(74).

يضاف إلى ما سبق، أن أحداث سبتمبر قد أعطت دفعة قوية للبرامج والدراسات التىتستهدف التعرف على المصادر الجذرية للنزاعات الداخلية وتتيح فهما موضوعيا لمسبباتها، ومن ثم يوفر فرصة أفضل وأكثر لصياغة أسلوب التدخل فيها أو لمنعها بداية. خاصة وأن النزاعات الداخلية عادة ما تجد أسبابها و جذورها الحقيقية فى الإحساس بعدم الأمن Insecurity، كما أنها عادة ما يتم التعامل معها بأسلوبين: التدخل العسكرى، أو التدخل فيها أو لمنعها بدايةً، أى من خلال التدخل العسكرى أو التدخل الإنساني، الأول باتفاق الأطراف، والثانى عادة اقل فعالية. وهكذا يساعد التوصل إلى فهم أفضل لكيفية تطوير الإحساس بعدم الأمن إلى أن يصبح صراعاً مفتوحأ، من شأنه أن يسهم فى الحد من عوامل التصعيد الداخلية مثل تصدير الأسلحة لمناطق التوتر الكامنة ، التدخل الخارجى، وتأكل الاستراتيجيات التقليدية لحل الصراع (75).

الخــــــــاتمــــــــــة

على ضوء ما سبق، تكشف دراسة النظام الدولى الجديد عن طبيعته بالغة التعقيد والتداخل بين مقوماتها وأبعادها. كذلك، فإنه قد استأثر، ولايزال، بقدر كبير ومتواصل من اهتمامات الباحثين والدارسين يعبر عنه هذا الفيض المتواصل من الأدبيات والدراسات والتحليلات التى تتناول ابعاده وقضاياه، وبشكل يمثل صعوبة بالغة فى محاولة الوقوف على كل مأأنتجته هذه الأدبيات أو حصرها. ومع أن تلك الأدبيات لم تصل إلى اتفاق موحد بشأن توصيف طبيعة النظام الدولى الحالى، فإنها تكشف عن أن احتمالات المستقبل ستظل وإلى حد كبير رهنا بدرجة ومستوى التطور التكنولوجى والمعلوماتى ووسائل الاتصال. كما توضح أيضاً أن أبرز النتائج المترتبة على نمو وتطور النظام الدولى الجديد إنما تتمثل فى انعكاساته السلبية على ظاهرة السيادة، وتخفيض قدرة الدولة عملياً على ممارسة سيادتها فى ظل دعاوى التزام النظام الدولى بمحاربة الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان، ونشر قيم وآليات الديموقراطية، والاحتفاظ بحق التدخل فى شئون الدول تحت مسمى “حق التدخل الإنسانى”، أو حماية حقوق الأقليات وغير ذلك من دعاوى مشابهة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن التأكيد على ما يلى من نتائج:

1- لم يؤد اختفاء بنية القطبية الثنائية وانتهاء الحرب الباردة إلى حدوث موجات عدم الاستقرار التى تنبأ أنصار الواقعية حدوثها. بل على العكس من ذلك، أنه أنتج وإلى حد كبير نظاما دولياً سلبيا أو مسالماًPacific، وعلى الرغم من بعض القلاقل والاضطرابات الإقليمية هنا وهناك. تفسير ذلك يستند لدى البعض على انتصار الديموقراطية واندحار الشمولية. وبينما النظام الدولى لما بعد الحرب الباردة ما زال لديه قدرة كبيرة على البقاء والتعاون، وضبط وتعديل الصراعات، والإبقاء عليها فى إطار التحكم والسيطرة، وبما يمنع، وإلى حد كبير انفجارها وتهديدها لحالة السلام العامة للسلام العالمى، تتجه بعض آراء الأخرى (Pietrzyk 1999)إلى تفسير هذا السلام فى إطار ما يعرف فى التقاليد البريطانية المعروفة باسم “المجتمع الدولىInternational Society”، والتى تستند إلى منظومة من المبادىء تتضمن: 1) دعم مجتمع الدول فى مواجهة محاولات بناء الامبراطورية، 2) والابقاء على، والاحتفاظ بالاستقلال والمساواة بين الدول فى ظل القانون الدولى؛ 3) إن السلام ينبغى أن يظل مطلوبا لدعم القاعدتين السابقتين، ولكى تظل العلاقة بين الدول فى المجتمع الدولى علاقة سلمية معظم الوقت؛ 4) وأخيراً، فإنه حتى إذا حدث ولم تحترم الدول، لسب أو لآخر، هذه القواعد والحدود، فإن العنف فى النظام الدولى سيكون لا محالة مستمراً بدلا من أن يكون على فترات متقطعة، ذلك أن الدول مثل الأفراد لا تستطيع أن تتسامح مع استمرار حالات الفوضى وعدم النظام والعنف، ولذلك فإن القواعد الدولية عادة ما يتم احترامها ومراعاتها، ومن هنا تكون الغلبة والاستمرار لحالة السلام.

2- مستقبل شكل النظام الدولى:

تصور شكل النظام الجديد، وكيف سيبدو فى المستقبل ليست دائما محددة بدقة، لكنها تبدو متضمنة نظاما أحادى القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة وتحتفظ فيه بأصدقائها، بينما أعدائها يتم التخلص منهم “إزالتهم Eliminated”” بالإكراه. ومن المتوقع أن يستمر ذلك إلى أن تنهض قوة أخرى كالصين مثلاً، وبما لديها من قوة لتواجه “القوة المسيطرة”. ومن المحتمل فى ظل هذا التصور، وعلى نحو ما يؤكد Bailesأن تستطيع النظم والقوانين أن تخرج سالمة من غمار هذه المواجهة، لكنها ستكون هناك لتفرض طاعتها على القوى السلبية والضعيفة، وليس لتقييد القوى القوية. هذه صورة ما يطلق عليه “نظام بدون خطوط نظام: أو عدالة، ومساواة، وشفافية (order without orderliness’ fairness, equality, transparency). أما اليابان فمن المحتمل أن تعانى من تقلص وانكماش فى دورها الدولى، بل إنها ستتعرض لقيود تتزايد كثافتها بسبب قوى العولمة. أما روسيا، فهى وعلى حد وصف جاك سنيدر “قـوة متدهورة”، ويخلص إلى أن التهميش المتصاعد لدور روسيا على الساحة الدولية سيجعل منها كياناً غير ذى صلة.

وبوجه عام، تتجه الأدبيات (بدران 1995، بوزان 1994، هاركافى 1997، أبوضيف 2003) إلى التمييز بين سيناريوهات ست تتضمن: أ) نموذج الأقطاب الجغرافية الاقتصادية الثلاثة(الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا)، وهو لايولى أهمية لاحتمالات صعود قوى اقتصادية أخرى؛ ب) إعادة إحياء نموذج توازن القوى، ويتضمن أربع قوى رئيسية هى: الولايات المتحدة، روسيا الاتحادية، والصين،وأوروبا، ومع أنه يؤكد عدم استطاعة أى قوة منفردة تحقيق الهيمنة والسيطرة، فإنه يغفل أيضا احتمالات بروز قوى دولية أخرى كاليابان والبرازيل مثلا، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية الأخرى؛ ج) نموذج صدام الحضارات، ويذهب إلى أن صراعات المستقبل ستكون صراعات حضارية ثقافية، د) سيناريو مناطق السلام ومناطق الحروب، الأولى تتضمن الولايات المتحدة وغرب أوروبا وكندا واليابان، فى مقابل دول الاتحاد السوفيتى السابق، ومعظم دول أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ هـ) أما نموذج القرية العالمية فسوف يعتمد بشكل مباشر على التقدم التكنولوجى والمعرفى وتقدم وسائل الاتصالات؛ و) وأخيراً يأتى نموذج الأقطاب المتضامنة ليأخذ فى الاعتبار صعوبة العودة إلى القطبية الثنائية، ومن ثم يأخذ فى الاعتبار باقى القوى الواعدة فى النظام الدولى بحيث تنتظم علاقاتها فى إطار معسكرات يرأس كلاً منها أحد هذه القوى فى مواجهة الأخرى (الصين على سبيل المثال فى مواجهة اليابان والولايات المتحدة).

3- العولمة وخيار ” الدولة القارية“:

من منظور العولمة، واتساقا مع هدف توسيع نطاق انتشارها بما تتضمنه من غرس وتعميق لقيم وآليات السوق، والانفتاح على الجديد، وتشجيع الاستهلاك، والقبول بالتنوع والتعددية، وتراجع دور الدولة، وتصاعد دور قطاع الأعمال الخاص، تذهب بعض وجهات النظر إلى القول بـأن توجهات المستقبل فى إطار النظام الدولى الجديد قد تتطور باتجاه إنشاء كيانات سياسية أكبر تتخذ شكل الدولة القارية، وتعمل كعامل محفز وجاذب للاستقرار للمجتمعات الإنسانية الكبرى التى تنشأ فى إطارها، وهو دور يتشابه مع نفس الدور الذى لعبته الدولة القومية فى أوربا خلال القرن التاسع عشر. نشأة هذا الخيار ستتحقق باعتباره فى ذاته أمراً مرغوباً فيه وليس باعتباره تطوراً محتما لنظام العولمة والسوق الحر. فالعولمة تنهض فى مواجهة التجزئة، وتقوم كبديل للتقسيم إلى شرق وغرب، كما أن انتصارها وانتصار السوق إنما يمثلان النتائج الاقتصادية لانتصار الديموقراطية، وانتصار الخير ضد الشر. ومما يدعم هذا التوجه آنذاك (عام 1999وقبل أحداث سبتمبر 2001) لم يكن يبدو قادراً على توفير قيمة عليا أو فكرة ضامة جاذبة تساعد فى التغلب على الانقسامات وتوحيد صفوف دول العالم وشعوبه، وعلى نحو مماثل مع الفارق، لما قدمته فكرة تقسيم العالم إلى شرق وغرب فى إطار الحرب الباردة مثلاً (Jean-Marie Guehenno, 1999)

– النظرة المتأنية إلى مضمون هذا التصور تكشف أن جوهره غير واقعى، بل وربما غير مرغوب فيه. فهو يتضمن من جانب تناقضاً كامناً بين فلسفة العولمة، بما تقوم عليه من تقليص لدور الدولة والسيادة القومية، وتشجيع التنوع والاختلاف، وبين فكرة إنشاء الدولة القارية التى ستعمل كمحفز للاستقرار، بما يتطلبه ذلك ويعنيه من دعم دور الدولة وسيادتها، وتقوية قدراتها على نشر مقومات التآلف والتوحد والاتفاق بين أفراد شعبها، وتحجيم فرص واحتمالات الاختلاف والانقسام، والتى تمثل نوعا من المنتجات الثانوية للعولمة. فالعولمة من جانب ثان، وإن ارتبط بما سبقه وترتب عليه، فى سعيها لتحقيق مجمل أهدافها، تؤدى إلى تكريس التجزئة بدلا من الوحدة، والتنوع بدلا من التماثل، والاختلاف بدلا من الإئتلاف، أى أنها بذلك لا تسهم فى تحقيق هدف الاستقرار ونتائجه المنشودة فى الدولة القارية. فالعولمة وهى تنطلق من حرية السوق العالمية، إنما توفر حرية الاختيار لبلايين الأفراد من المستهلكين والمنتجين، ومن ثم، وبنفس المنطق، من المتوقع أن تتيح نفس القدر من الحرية السياسية بما تعنيه وتتضمنه من حقوق جديدة لهؤلاء الأفراد. وهنا يبرز تناقض آخر لظاهرة العولمة، حيث تؤدى، وبشكل غير مباشر، إلى استثارة الحاجة الإنسانية إلى “هويات ذاتية”، وإلى “إنتماءات” إلى مجتمعات بذاتها، ومن هنا كانت، وإلى حد كبير، عودة الروح إلى الإنتماءات القومية، وإعادة إحياء التجمع حول الأصول العرقية، وتصاعد الانقسامات والصراعات الدينية، وتزايد الرغبات الانفصالية وتكوين الكيانات والدول المستقلة، وذلك كتعبير عن مبدأ التعددية، وإعمالا لحق تقرير المصير، وإنفاذاً لحق الشعوب فى ممارسة اختياراتها السياسية. وباختصار سوف تؤدى إلى مزيد من التجزئة ممثلة بظهور العديد من الدول أو الدويلات الجديدة، وهى كلها ظواهر ومطالب تتنافى بطبيعتها مع العولمة وسعيها لتقليص دور الدولة وتجاوز سيادتها التقليدية.

وهكذا، تتضح عدم واقعية خيار الدولة القارية، فاستمرار عملية العولمة، كمعلم أساسى وجوهرى للنظام الدولى الجديد، سوف يؤدى بطبيعته إلى مزيد من التجزئة باستثارة حاجات الأفراد إلى “هويات ذاتية” وإلى “إنتماءات بذاتها”، ومن ثم قد لا تتصاعد أسهم هذا الخيار، أو معدلات الرغبة فيه، ذلك أنه لو ترك لكل جماعة عرقية أن تنشىء دولة خاصة بها، فسيصبح انتشار مثل هذه الدول والدويلات مصدرا أساسياً لعدم الاستقرار وتراجع النظام، وتناقص الإحساس بالأمن، مما قد يفضى عمليا إلى عالم تصعب إدارته إن لم يكن غير قابل للإدارة.

هـوامش الدراسة

1- لمزبد من التفاصيل حول التأصيل لمفهوم النظام الدولى وانتشار استخدامه، انظر كلا من:

– Bernard F. Donahue, “New Post-Cold War Paradigm Emerging in Wake of Attacks: Multinational Effort to End Terrorism Could herald better World Order of Non-Imperialistic Pax Americana” National Catholic Reporter, Oct 19, 2001.

– “ Multilateralism and World Order (1992)”, in “Approaches to World Order”, by Robert W. Cox with Timothy J. Sinclair, Cambridge Studies in International Relations, 1993: 494-523.

– ولمراجعة شاملة للأدبيات العربية حول هذه النقطة، انظر الملف الخاص لمجلة “عالم الفكر” حول موضوع النظام الدولى، العددان 3، 4، يناير/مارس، إبريل/يونيو 1995: الدراسات التالية:

– د. على الدين هلال، ” النظام الدولى الجديد: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل”، ص. 9-24، د. ودودة بدران، “مفهوم النظام العالمى الجديد فى الأدبيات الأمريكية (دراسة مسحية)، ص. 25-43، د. حسنين توفيق، “النظام الدولى الجديد فى الفكر العربى”، ص. 45-96، د. ناصيف حتى يوسف، ” أى هيكل للنظام الدولى الجديد؟”، ص. 97- 121، وكذلك انظر كلا من: جمال الأتاسى، “حول التطورات فى النظام العالمى الجديد”، المستقبل العربى، السنة الرابعة عشرة، المجلد (14)، العدد (153)، نوفمبر 1991: 124- 135، زكى أحمد، “النظام العالمى الجديد فى تصور الإسلاميين العرب”، المستقبل العربى، السنة الرابعة عشرة، المجلد (14)، العدد(157) مارس 1992: 136-142، ناصيف حتى يوسف، “التحولات فى النظام العالمى والمناخ الفكرى الجديد وانعكاساته على النظام االإقليمى العربى”، المستقبل العربى، المجلد (15)، العدد (165) نوفمبر 1992: 29-52.

2- James A. Baker III, “Conflict and Cooperation in the Post Cold War Era”, Remarks Delivered at The First Annual Conference of The James A . Baker III Institute for Public Policy, Huston, Texas: William Marsh Rice University, Monday November 13, 1995.

3- لمزيد من التفاصيل، انظر كلا من:

– Charles Krauthammer, “The Unipolar Moment: In Rethinking America’s Security Beyond the Cold War”, New York: Norton and Company, 1992, and

– Ted Galen Carpenter, “The New World Disorder”, Foreign Policy, Fall 1991.

4- فى هذا الخصوص، انظر كلا من: د. بدران، 1995، مصدر سابق، د. هلال 1995، مصدر سابق، د. توفيق، 1995، مصدر سابق، وكذلك انظر:

– Carpenter, “The New World Disorder”, Op., Cit.,

5- لمزيد من التفاصيل، انظر:

– Joseph Nye, “The Changing Nature of World Power”, in Political Science Quarterly, Vol., 105, No., 2, 1990.

6- انظر كلا من: د. حسنين توفيق 1995، مصدر سابق، 52، وكذلك، د.اسماعيل صبرى مقلد، “العلاقات السياسية الدولية: النظرية والواقع”، أسيوط: جامعة أسيوط، 2001: 52-56.

7- لمراجعة تيارات الأدبيات السياسية فى التعريف بالنظام الدولى، راجع كلا من: د. على الدين هلال، د. ودودة بدران، د. حسنين توفيق، 1995 ، ود. اسماعيل صبرى مقلد 2001، وكذلك انظر:

– Paul W. Schroeder,”The Now World Order: A Historical Perspective”, Washington Quarterly”, Vol., 17, No.2, Spring 1994 : 25-43.

8- انظر كلا من: مارتين انديك، 1991/1992، خطاب بوش 13 إبريل 1992، (9) شرودر، 1994: 26.

– Martin Indyk,“Watershed in the Middle East”, Foreign Affairs, Vol., 61, No. 1, “America and the World 1991-1992”, p.p.: 10-16, and

-“New World Order: President Bush’s Speech To Congress”, March 6, 1991” (It is worth mentioning that this speech has been often cited as the administration’s principal policy statement for the “Post-Cold War Order” in the Middle East”., and

– Schroeder, 1994: 25-27.

– وكذلك، راجع كلا من: د. توفيق، 1995، مصدر سابق، د. مقلد، 2001، مصدر سابق.

9- Schroeder, Op., Cit.,

10- د. ودودة بدران، مصدر سابق، 1995: 27،

11- لمزيد من التفاصيل، انظر:

-Adom Roberts,“A New Age in International Relations?”, International Affairs, Vol., 67, No. 3, 1991.

12- See: William Pfaff, “Redefining World Power”, Foreign Affairs, Vol., 70, No., 1, 1991.

13- المصدر السابق، وكذلك انظر:

– Samuel Huntington, “The Economic Renewal of America”, The National Interest , Spring: 1992.

14 – Nye, Op., Cit.,

15- Pfaff, Op., Cit.,

16- حول هذا التحليل، انظر مزيد من التفصيلات فى:

– Karl Deutsch and S.A. Burrell, “Political Community and the North Atlantic Area”, Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 1957.

– وحول وجهة النظر القائلة بعدم لجوء الديموقراطيات لاستخدام القوة المسلحة ضد بعضها بعضا، انظر:

– G. John Ikenberry, “Why Export Democracy? The Hidden Grand Strategy of American Foreign Policy”, The Wilson Quarterly, Vol., 23, No. 2, Spring 1999.

17- For a comprehensive assessment of all of these and other related issues, See: Brookings National Issues Forum, “The End of the Cold War and What’s Happened in the Ten Years Since”, Transcript of Panel Discussion, Thursday Dec., 2, 1999.

– وحول الأبعاد امختلفة لدور جورباتشوف وموقفه المطالب بنظام وقواعد دولية جديدة منذ السنوات الأولى لحكمه، انظر كلا من: د. على الدين هلال، “النظام الدولى الجديد: الواقع……،” مصدر سابق، وأيضاً د. حسنين توفيق،”النظام الدولى…”، مصدر سابق.

18- حول هذه النقطة انظر التحليل الرصين لوجهات النظر المتعددة فى: د. حسنين توفيق، مرجع سابق، 1995: 50 وما بعدها.

19- د. على الدين هلال، “النظام الدولى الجديد: الواقع……،”، مصدر سابق: 11-13، وكذلك انظر:

– Schroeder, Op., Cit., .

20- Donahue, Op., Cit.,

21- Schroeder, 1994: 30-31

22- Schroeder, Op., Cit., p. 26.

23 – لمزيد من التفاصيل حول دور وتأثير القوة الأمريكية، والأيديولوجية الليبرالية، انظر على التتالى كلا من:

-G. John Ikenberry, “Strategic Reactions to American Preeminence: Great Power Politics in the Age of Unipolarity”, National Intellegence Council, 28 July, 2003.

– وأيضا: د.عبدالله هديه” “الليبرالية السياسية والاقتصادية فى الوطن العربى فى ظل العولمة”، مجلة العلوم التجارية، كلية التجارة، بورسعيد، ج.م. ع.: السنة الأولى، العدد الاول، يناير/يونيو 2000: 10- 38.

24- د. مقلد، “العلاقات السياسية الدولية…..”، مصدر سابق: 56-57.

25- Baker III, Op., Cit.,

26- Schroeder, Op., Cit., 1994: 26.

27- Schroeder, Op., Cit.,

28- حول مزيد من تفصيلات مناقشة مصادر وأبعاد قوة الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة، انظر كلا من: د. بدران، 1995، مرجع سابق، د. حسنين توفيق، 1995، مصدر سابق، سابق، د. هلال، 1995، مرجع سابق، د. سيد أبوضيف أحمد، “الهيمنة الأمريكية: نموذج القطب الواحد وسيناريوهات النظام العالمى الجديد”، عالم الفكر، العدد 5، المجلد 31، يناير-مارس 2003: 7-34، إضافة إلى سلسلة تقارير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية خلال حقبة التسعينيات.

29- حول تنامى القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وبروز دورها كقطب وحيد مهيمن ومسيطر على النطاق العالمى، انظر نماذج من التحليلات والآراء المتنوعة فى مراجعة شاملة لمجموعة من الكتب حول هذا الموضوع فى , Foreign Affairs, March/April 2004.وتتضمن كلا من:

– Benjamin R. Barber, “Fear’s Empire: War , Terrorism , and Democracy”, New York Norton, 2003, Emmanuel Todd, “After the Empire: The Breakdown of the American Order”, New York: Columbia University Press, 2003, G. John Ikenberry, “Illusion of Empire Defining the New American Order”, Foreign Affairs, March / April 2004, Michael Mann, “Incoherent Empire”, New York : Verso .2003, and Chalmers Johnson, “The Sorrows of Empire: Militarism, Secrecy, and the End of the Republic”. Also, See: Longin Pastusiak, “After the Cold War, We Need to Build a New World Order”, HeraldTribune, Sat, Jan., 9, 2004.

30- Ikenberry, Ibib.,

31- حول الجهود الأوربية لإعادة البناء واستعادة الاستقرار فى أوربا فى إطار النظام الدولى الجديد، انظر:كرستين عبدالله اسكندر، “أوربا وجهود إعادة البناء فى البلقان”، مجلة السياسة الدولية، عدد (143)، يناير 2001: 168- 175.

32- Johnson, Op., Cit.,

33-Alyson J. K. Bailes, The Future of International Order: A European Perspective”, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Remarks at a Seminar Hosted by the Center for Democratic Control of Armed Forces, Geneva, 20 November 2003.

– ولمراجعة شاملة لوضع الاتحاد الأوربى فى ظل النظام الدولى الجديد بعد انقضاء عشر سنوات من انتهاء الحرب الباردة، انظر ملف مجلة “السياسة الدولية” بعنوان “الاتحاد الأوربى: الواقع والآفاق“، مجلة السياسة الدولية، العدد (142)، أكتوبر 2000: 74-131.

34- تكمن أهمية وجهة النظر هذه من انتساب صاحبها مارتن سميث إلى الأكاديمية العسكرية الملكية سان هرست بالمملكة المتحدة، حيث يعمل كأستاذ فى الشئون الدولية والدفاع بها. وقد وردت فى:

-Martin A. Smith & Graham Timmins, “The EU, NATO, and the Extension of Institutional Order in Europe”, World Affairs, Fall 2000.

– ولمزيد من التفاصيل حول علاقات الشراكة عبر الأطلنطى مع الولايات المتحدة، وأبعاد الدور الأوربى فى إطار النظام الدولى الجديد، انظر آراء Alyson J. Bailesمدير معهد استكهولم للدراسات الدولية فى:

– Alyson J. K. Bailes, “Euro-Atalntic Cooperation: Where Do We Go From Here? An Academic Overview”, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Speaking Notes at “George C. Marchall Center”m 15, Spetmeber, 2003., and “The Future of international Order…” Op., Cit., .

35- For further follow up on this analysis, see: Michael Wisely, “Causalities of the New World Order: The Causes of Failure of the UN”, New York: St., Martins Press 1997, Reviewed by Thomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747-748., and Sorpong Poeu, “Conflict-Neutralizahion in the Cambodia war: From Battelfield to “Ballot-Box”,New York:Oxford University Press,1997,Reviewed byThomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747- 748.

36- للوقوف على تحليل شامل لمسيرة الأمم المتحدة فى نصف قرن، وتحليل أبعاد تأثير النظام الدولى عليها، انظر: د. حسن نافعة، “الأمم المتحدة فى نصف قرن” دراسة فى تطور التنظيم الدولى منذ 1945″، الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 202، أكتوبر 1995، وبصفة خاصة الباب الثالث بعنوان “الأمم المتحدة بعد الحرب الباردة: 271- 396. ، وكذلك انظر كلا من:

– Bruce Russett and James Sutterlin, “The U.N. in a New World Order”, Foreign affairs, Vol., 70, No., 2, Spring 1991, and: Andrew Bennett and Joseph Lepgold, “Reinventing Collective Security After The Cold War and Gulf Conflict”, Political Science Quarterly, Summer 1993.

37- Eric A. Belgrade, and Nitza Nachmias (eds.,), “The Politics of Humanitarian Aid Operations”, Westport, Ct: Praeger ,1997.

38- Findaly, SIPRI, 2002.

39- Renata Dwan (ed.) SIPRI, Feb., 2003

40- Oh Jae Shik, 1996

41- لمزيد من التفاصيل والتحليل حول مناهج وآليات التسوية السلمية للمنازعات السلمية، ودور الأمم المتحدة فى هذا المجال، انظر كلا من:

– I. William Zartman and Saadia Touval, “International Mediation in the Post –Cold War Era”, in “Managing Global Chaos”, by Chester Crocker, Fen Hampson, and Pamela Aall, (eds.), Washington D., C.,: United States Institute of peace Press, 1996: 445-461., Also, See: Mohamed Sahnoun, “Managing Conflicts in the Post Cold War Era” In “Managing Conflict the Post Cold World: The Role of Intervention”, Report of the Aspen Conference, August 2-6, 1995, Aspen, Colorado, Aspen Institute 1996.

42- O’Hanlon & Singer, Survival, 46, 2004: 77-99.

43- لمناقشة ومراجعة وافية لعدد من الدراسات حول دور الأمم المتحدة وتقييم أبعاده، انظر:

– -Edward C. Luck et., al., “Stayin’ Alive: The Rumors of the UN’s Death Have Been Exaggerated”, from: Foreign Affairs, July/August 2003.

– وكذلك، انظر: د. حسن نافعة، “الأمم المتحدة فى نصف قرن….”، مصدر سابق.

44- Baker III, Op., Cit.,

45- جان زيغلر: سادة العالم الجدد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الفجر”، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003 : 138-139.

45- Baker, Ibid.,

47-فى هذا الصدد، يدلل جون زيغلر على وحهة نظره هذه، بذكر نموذجا من خبرة 1999، حيث حاول فريق من الممثلين الأفارقة أن يغيروا بعض المواد القاسية جداً فى الاتفاق حول حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة. وقد تقدم الأفارقة بطلبات تعكس كلها المصالح البسيطة جداً لشعوبهم كالمطالبة بأن تمنع الشركات المتعددة الجنسية من تسجيل قراءات لأغراض الاستعمال الاحتكارى على نوعيات أو منتجات كبعض الميكروبات أو النباتات أو الحيوانات التى تشكل الأساس بالنسبة إلى نشاط الفلاحين أو مربى الحيوانات الأفارقة. كما أراد الأفارقة أن يمنعوا إحدى هذه الشركات (شركة مونسانتو Monsanto) من أن تفرض عليهم فى السوق الزراعية نوعاً من البذور يعطى فى المحصول الأول سنابل وحمضيات وجذورا بحجم أكبر، ولكنها غير صالحة للاستخدام مرة ثانية، وعلى هذا فإن الفلاح الذى يستخدم بذور مونسانتو لا يستطيع أن يستقطع من محصوله البذور اللازمة للسنة التالية. كما استهدفت المذكرة التى قدمها الأفارقة آنذاك حماية البيئة الطبيعية من السرقات التى تمارسها الشركات العاملة فى مجال المنتجات الصيدلية، خاصة وأن بعض هذه الشركات الكبرى العاملة فى إفريقيا والقارات الأخرى تقوم بجمع جزيئات وبعض خلايا الحيوانات الحية، وتقوم بتسجيلها بموجب براءة اختراع، ثم تقوم بعد ذلك بالملاحقة قضائياً لأى طائفة من الناس، أو أى فرد يستخدم ولو بصورة تقليدية تماماً هذه المادة، لمزيد من التفاصيل، انظر جون زيغلر، المصدر السابق، 2003: 141 – 142.

48- Michael Mann, “Incoherent Empire”, New York : Verso .2003, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

49- زيغلر، مصدر سابق، 2003: 280 – 281.

50- زيغلر، نفس المصدر السابق، 2003: 236 –243

51- نفس المصدر السابق.

52- د. عبد الدائم، 181- 182.

53- G. John Ikenberry, “Illusions of Empire : Defining the New American Order”, Foreign Affairs, March /April 2004 (online).

54- لمناقشة مستفيضة حول وجهة االنظر الأوربية المتحفظة، إن لم تكن الرافضة، للقيادة الأمريكية، انظر:

– Ralf Beste,et. al.,“The Masters of the World: The World Order of the Superpower”, In Der Spiegel (Germany) 19 APR 2003 (Source: http // www. Spiegel . de / Spiegel / English / 0.1518. 245594.oohtml 24 Apro3 ).

55-G. John Ikenberry: Why Export Democracy? The Hidden Grand Strategy of American Foreign Policy”, The Wilson Quarterly. (Vol., 23. No.2 (Spring 1999).

56- Bailes,”The Future of International order”, (SIPRI) Nov., 2003

57- Ralf Beste, Op., Cit.,.

58- Niall Ferguson, “Colossusi The Price of American’s Empire”, New York : Penguin Press .2004, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

59- لمزيد من الاراء والتحليلات حول البعد الثقافى وتداعياته انظر كلا من: د. عبد الخالق عبدالله، “التبعية والتبعية الثقافية: مناقشة نظرية”، المستقبل العربى، السنة (8)، العدد (83)، كانون الثانى، يناير1986: 61- 23، وأيضاً نظام محمود بركات التبادل اللامتكافئ بين الثقافتين العربية والغربية فى ” الثقافة العربية أسئلة التطور والمستقبل”، “سلسلة كتب المستقبل الـعربـى” (29)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003: 157– 172، وكلك د.عبد الله عبد الدائم، “العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات”، فى “الثقافة العربية: أسئلة التطور والمستقبل”، سلسلة كتب المستقبل العربى (29)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003: 173–193، وحول أهمية وخطورة مفهوم التسميم الثقافى انظر على وجه الخصوص: د. حامد ربيع، “الثقافة العربية بين الغزو الصهيونى وإرادة التكامل القومى” القاهرة: دار الموقف العربى، 1982: 30-31.

60- Akira Irtye, “Culture Internationalism and World Order”, Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1997, Reviewed by Thomas Scloonover, in Political Science Quarterly, Vol., June 1998: 695-696.

61- Samuel Huntington, “The Clash of Civilization and the Remaking of World Order”, New York: Simon & Schuster ,1996, Reviewed By Robert Jervis of Columbia University, In “Political Science Quarterly”, Vol., 112. No .2 1997: 307– 308.

62- Stanely Hoffman, et., al., “The Ethics and Politics of Humanitarian Intervention”: University of Notre Dame, IN: otre Dame Press, 1996, Reviewed By: Timothy D. Stickin American Political Science Review, Vol., 92, No.,2, June, 1998: 496- 497.

63- Bailes, Ibid., Nov., 2003.

64- Ibid.,

65- Ibid.,

66- Pietrzyk, 1999, Bailes Sept.2003, & Bailes, Nov., 2003

(67) وهنا تجدر الإشارة إلى أنه فى دراسة إمبريقية “لأسباب الحروب الأهلية”، أعدها أستاذا العلوم السياسية ديفيد لايتين، وجيمس فيرون (سبتمبر 2002) لمعهد استوكهولم الدولى لدراسات السلام، أوضحت نتائج الدراسة أن البيانات وحالات الدراسة لم تؤكد ارتباط الحروب الأهلية بالتنوع العرقى والدينى على نحو ما كان سائداً كحكمة تقليدية بين دارسى العلوم السياسية. وبدلا من ذلك، فقد توصلا إلى أن “الحروب الداخلية من المحتمل أن تحدث فى الأقاليم الجبلية الفقيرة والتى لا تتمتع بالاستقرار السياسى، كما أنها عادة ما تفضل اتباع حرب العصابات أو التمرد”. كما يؤكد الباحثان أن هذه النتيجة “لاتعنى عدم أهمية التنوع العرقى والدينى كمسببات للصراع”، لكن ما يحدث هو العكس، بمعنى “أن حيثما يكون هناك تمرد، فليس هناك ما يضمن أن حل وتسوية أسبابه المعلنة سوف يؤدى إلى إيقافه أو إنهائه، لأنه ربما يكون مقدمة لشىء آخر”. وقد تضمنت باقى النتائج: 1) أنه منذ الحرب العالمية الثانية، لقى 16,5 مليون نسمة مصرعهم فى صراعات داخلية، مقارنة 3,3 مليون لقوا نفس المصير فى حروب بين الدول”؛ 2) وأن هناك حوالى 122 حرباً أهلية قد وقعت منذ 1945، مقارنة بـ 25 حرباً تقليدية، 3) الصراعات الداخلية استمرت 6 سنوات فى المتوسط، وأدت إلى أوضاع بالغة السوء للاقتصاد وتشريد واسع النطاق للاجئين (حالة أفغانستان)؛ 4) كما انتهى الدارسان إلى ان الحروب الأهلية خضعت للدراسة بمعدلات أقل كثيراً من الصراعات التقليدية، كما أنها لم يتم فهمها بطرقة صحيحة (Lisa Trei, SIPRI, Sep., 2002).) ومن أهم نتائج الدراسة أيضاً، “أن انتشار الحروب الداخلية يعد وبشكل رئيسى نتيجة لتراكم ممتد لصراعات مابعد الحقبة الاستعمارية منذ الخمسينيات والستينيات، أكثر من كونه نتيجة لتغير مفاجىء مقترن بالنظام الدولى لما بعد الحرب الباردة. ذلك أن عدد الصراعات المدنية قد تزايد عبر الزمن لأنها تندلع بمعدل أسرع من معدل انتهائها، وهو فى المتوسط 2,3 حرباً قد بدأت سنويا، بينما فقط 1,7 حربا فقط هى التى تم حلها سنويا”. وأخيراً، فمن بين ما توصلت إليه الدراسة أيضا أن عوامل مثل عدم المساواة الاقتصادية، غياب الديموقراطية أو الحريات المدنبة، واتباع الدولة لسياسات تمييزية أو عنصرية ضد الأقليات الدينية أو اللغوية، إنما تعد مؤشرات غير فعالة للتنبؤ بالصراع المدنى عنه فى حالات الدول الضعيفة التى يغلب عليها الفقير وكبر الحجم وعـدم الاستقرار ( لايتين و فيرون: 2002). ومن أهم توصيات الدراسة بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية: 1) ان نشر الديموقراطية والتسامح مع الأقليات العرقية والدينية يجب أن يصبح هدفا رئيسيا للسياسة الخارجية لأنهما مهمتان بذاتيهما، وليس باعتبارهما رصاصتى رحمة تنهيان الحرب الأهلية؛ 2) أن إقامة مناطق تقسيمات عرقية يعد تطوراُ خطيراً لأنه سوف يزيد الفرص باتجاه الاضطراب والتمرد؛ 3) تشجيع التنمية الاقتصادية أمر له أهميته وفعاليته، خاصة وأنه يرتبط بالحكومات الأكثر قدرة وثقة بنفسها ( لايتين و فيرون: 2002).

68- Maynes, 1993.

69-Ellen Tauscher 1999.

70-Cossa, 2001

71- Ibid.,

72- Ibid.,

73- Maynes, 1993.

74-Bailes, Nov., 2003.

75- Mohamed Sahnoun, “Managing Conflicts in the Post Cold War Era” In “Managing Conflict in the Post Cold World: The Role of Intervention”, Report of the Aspen Conference, August 2-6, 1995 (Aspen, Colorado, Aspen Institute 1996).

المصادر

أولا: باللغة العربية:

1. د.اسماعيل صبرى مقلد، “العلاقات السياسية الدولية: النظرية والواقع”، أسيوط: جامعة أسيوط، الطبعة الأولى، 2001.

2. جان زيغلر: “سادة العالم الجدد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الفجر”، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003.

3. جمال الأتاسى، “حول التطورات فى النظام العالمى الجديد:، المستقبل العربى، السنة الرابعة عشرة، المجلد (14)، العدد (153)، نوفمبر 1991: 124- 135،

4. د. حامد ربيع، “الثقافة العربية بين الغزو الصهيونى وإرادة التكامل القومى” القاهرة: دار الموقف العربى، 1982.

5. د. حسنين توفيق، النظام الدولى الجديد فى الفكر العربى، عالم الفكر، المجلد 23، العددان الثالث والرابع، يناير/مارس، إبريل/ يونيو 1995: 45-96.
6. زكى أحمد، “النظام العالمى الجديد فى تصور الإسلاميين العرب”، المستقبل العربى، السنة الرابعة عشرة، المجلد (14)، العدد(157) مارس 1992: 136-142،

7. د. سيد أبوضيف أحمد، “الهيمنة الأمريكية: نموذج القطب الواحد وسيناريوهات النظام العالمى الجديد”، عالم الفكر، العدد 5، المجلد 31، يناير-مارس 2003: 7-34.

8. سيف عباس عبدالله (مراجعة كتاب)”، “أزمة الخليج والنظام العالمى الجديد”، تأليف: مارسيل سيرل، ترجمة: د. حسن نافعة، مجلة العلوم الاجتماعية، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد الثانى والعشرون، العدد الأول/ الثانى، ربيع/ صيف 2001: 189-196.
9. د. عبد الله عبد الدائم، “العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات”، فى “الثقافة العربية: أسئلة التطور والمستقبل”، سلسلة كتب المستقبل العربى (29)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003: 173–193.

10. د. عبد الخالق عبدالله، “التبعية والتبعية الثقافية: مناقشة نظرية”، المستقبل العربى، السنة (8)، العدد (83)، كانون الثانى، يناير1986: 61- 23

11. د.عبدالله هديه” “الليبرالية السياسية والاقتصادية فى الوطن العربى فى ظل العولمة”، مجلة العلوم التجارية، كلية التجارة، بورسعيد، ج.م. ع.: السنة الأولى، العدد الاول، يناير/يونيو 2000: 10- 38.

12. د. عبدالمنعم سعيد، “حرب الخليج والنظام العالمى الجديد”، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد التاسع عشر، العدد الأول والثانى، ربيع/صيف 1991: 153- 173.

13. د. عدنان محمد حسين الهياجنة، ” قضايا العلاقات الدولية بين الواقعية والعالمية: تحليل إمبريقى”، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد التاسع والعشرين، العدد الثانى، صيف 2001: 7- 30.
14. د. على الدين هلال، “النظام الدولى الجديد: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل”، مجلة عالم الفكر، المجلد الثالث والعشرون، العددان الثالث والرابع، يناير/مارس-إبريل/يونيو 1995: 9-24.
15. غانم النجار، “الغرب وحقوق الإنسان: إشكالية العلاقة والتحولات الدولية””، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد التاسع والعشرون، العدد الرابع، شتاء 2001: 7- 41.
16. فواز جرجس، “التسوية السليمة والتطور الديمقراطى فى الوطن العربى فى “، فى أسامة الخولى وآخرون، “العرب إلى أين”، سلسلة كتب المستقبل العربى (21) ومركز دراسات الوحدة العربية . بيروت 2002.
17. ناصيف حتى يوسف، “التحولات فى النظام العالمى والمناخ الفكرى الجديد وانعكاساته على النظام الغقليمى العربى”، المستقبل العربى، المجلد (15)، العدد (165) نوفمبر 1992: 29-52.

18. ———–، “أى هيكل للنظام الدولى الجديد”، مجلة عالم الفكر، المجلد الثالث والعشرون، العددان الثالث والرابع، يناير/مارس-إبريل/يونيو 1995: 97-121.
19. نظام محمود بركات، ” التبادل اللامتكافئ بين الثقافتين العربية والغربية فى ” الثقافة العربية أسئلة التطور والمستقبل، “سلسلة كتب المستقبل العربى” (29)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003: 157 – 172.

20. د. ودودة بدران، “أزمة الخليج والنظام الدولى”، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد التاسع عشر، العدد الأول والثانى، ربيع/صيف 1991: 45-71.
21. ——– “مفهوم النظام العالمى الجديد فى الأدبيات الأمريكية”، مجلة عالم الفكر، المجلد الثالث والعشرون، العددان الثالث والرابع، يناير/مارس-إبريل/يونيو 1995: 25-43.
22. د. نازلى معوض أحمد، “تركيا وإيران وكارثة الخليج الثانية: مقارنة تحليلية”، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد التاسع عشر، العدد الأول والثانى، ربيع/صيف 1991: 9-43.
ثانيا: باللغة الانجليزية:

I- Adom Roberts,“A New Age in International Relations?”, International Affairs, Vol., 67, No. 3, 1991.

  1. Akira Irtye, “Culture Internationalism and World Order”, Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1997, Reviewed by Thomas Scloonover, in Political Science Quarterly, Vol., June 1998: 695-696.

3. Alyson J. K. Bailes, “Euro-Atalntic Cooperation: Where Do We Go From Here? An Academic Overview”, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Speaking Notes at “George C. Marchall Center”m 15, Spetmeber, 2003.

  1. ————————-The Future of International Order: A European Perspective”, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Remarks at a Seminar Hosted by the Center for Democratic Control of Armed Forces, Geneva, 20 November 2003.
  2. Andrew Bennett and Joseph Lepgold, “Reinventing Collective Security After The Cold War and Gulf Conflict”, Political Science Quarterly, Spring Science Quarterly, Summer 1993.
  3. Benjamin B. Fisher (Ed.,), At the Cold War’s End: U.S. Intelligence on the Soviet Union and Eastern Europe: 1989-1999”, Governmental Printing Office, 1999.

7. Benjamin R. Barber,”Fear’s of Empire : War , Terrorism , and Democracy”. New York Norton, 2003, Reviewed by G. John Ikenberry, Foreign Affairs, March/April 2004.

8. Bernard F. Donahue, “New Post-Cold War Paradigm Emerging in Wake of Attacks: Multinational Effort to End Terrorism Could herald better World Order of Non-Imperialistic Pax Americana” National Catholic Reporter, Oct 19, 2001.

9. Brad Roberts, “1995 and the End of the Post-Cold War Era”, washington Quarterly, Vol., 18, No. 1, Winter 1995.

10. a Brookings National Issues Forum, “The End of the Cold war and What’s Happened in the Ten Years Since”, Transcript of Panel Discussion, Thursday Dec., 2, 1999.

11. Bruce Russett and James Sutterlin, “The U.N. in a New World Order”, Foreign Affairs, Vol., 70, No., 2, Spring 1991,

12. Charles Johnson, “The Sorrows of Empire: Militarism, Secrecy, and the End of the Republic”, New York: Metropolitan Books , 2004, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

13. Charles Maynes, “The World in the Year 2000: Prospects for Order or Disorder”, in “The Nature of the Post Cold War World”, The 4th., Annual Strategy Conference, U.S. Army War College, Strategic Studies Institute, Department of Defense, Feb, 24-24, 1993, Published in March 1993.

14. David M. Cole,“Post ColdWar and the Moral Courage to Say No”, PA., : The Army War College Carlisle Barracks, in “Storming Media” , Report Date 1996

  1. Dorcas Eva Mccoy, “American Post War Images and Foreign policy Preferences Toward Dependent States:A Case Study ofSomalia”, World Affairs, Summer 2000.
  2. Edward C. Luck, et., al., “Styin’ Alive: The Rumors of the UN’s Death Have Been Exaggerated”, Foreign Affairs, July/August, 2003.
  3. Ellen Tauscher, “Nuclear Threats in the Post-Cold War Era”, Carnegie Endowment for International Peace, Published in Contra Costa Sunday Times, Sept., 20, 1999.

18. Emmanuel Todd, “After the Empire: The Breakdown of the American Order”, New York: Columbia University Press, 2003, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

  1. Eric A. Belgrade and Nitza Nachmias (eds.,), The Politics of Humanitarian Aid Operations”, Westport, Ct: Praeger ,1997.
  2. Findaly, SIPRI, 2002
  3. G. John Ikenberry, “The Myth of the Post-Cold War Chaos”, From Foreign Affairs, May/June 1996 (online).
  4. ———————,“Why Export Democracy? The Hidden Grand Strategy of American Foreign Policy”, The Wilson Quarterly, Vol., 23, No. 2, Spring 1999.
  5. —————-, “Strategic Reactions to American Preeminence: Great Power Politics in the Age of Unipolarity”, a Paper presented at the “National Intellegence Council”’s Series of Discussions about “Power Politics in the Age of Unipolarity”, 28, July 2003.
  6. ————————- – Illusion of Empire Defining the New American Order”, Foreign Affairs, March / April 2004.
  7. I. William Zartman and Saadia Touval, “International Mediation in the Post –Cold War Era”, in “Managing Global Chaos”, by Chester Crocker, Fen Hampson, and Pamela Aall (eds.,), Washington D.C.: United States Institute of Peace Press, 1996: 445-461.
  8. James A. Baker III, “Conflict and Cooperation in the Post Cold War Era”, Remarks Delivered at The First Annual Conference of The James A. Baker III Institute for Public Policy, Huston, Texas: William Marsh Rice University, Monday November 13, 1995.
  9. Jean-Marie Guehenno,, “Globalization and the International System”, Journal of Democracy, Vol., 10, No. 1, 1999: 22-35.
  10. John C. Hulsman, “a Paradigm for the New World Order: A Schools of Thought Analysis of American Foreign Policy in the Post-cold War Era”, American Political Science Review, June 1998 (Book Review, by Mary Durfee).
  11. Joseph Nye, “The Changing Nature of World Power”, in Political Science Quarterly, Vol., 105, No., 2, 1990.
  12. Lisa Trei, “In Post-Cold War Era, Civil Wars’ Causes Misunderstood”, Stanford Report, September 25, 2002.
  13. Longin Pastusiak, “After the Cold War, We Need to Build aNew World Order”, Herald Tribune, Sat. Jan 9,2004.
  14. Mark E. Pietrzyk,“Explaining the Post-Cold War Order: An International Society” in the 40th., Annual Convention of the International Studies Association, Washington D.,C., February 16-20, 1999.
  15. Martin A. Smith and Graham Timmins, ”The EU, NATO, and the Extension of Institutional Order in Europe”, World Affairs, Fall 2000.
  16. Martin Indyk, “Watershed in the Middle East”, Foreign Affairs, Vol., 61, No. 1, “America and the World 1991-1992”, p.p.: 10-16

35. Michael Mann, “Incoherent Empire”, New York : Verso .2003, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

36. Michael O’ Hanlon and P. W. Singer, “The Humanitarian Transformation: Expanding Global Intervention Capacity”, International Institute For Strategic Studies, Survival, 46: 77-99.

37. Michael W. Doyle, et., al. (eds.), “Keeping the Peace: Multidimensional UN Operations in Cambodia and Elsalvador”, Cambridege” Cambridge University Press 1998, Reviewed by Thomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No. 2, Sept. 1998: 7474-748.

38. Michael Wisely, “Causalities of the New World Order : The Causes of Failure of the UN Missions to Civil Wars”, New York: St., Martins Press 1997, Reviewed by Thomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747-748.

39.Mohamed Sahnoun, “Managing Conflicts in the Post Cold War Era” In “Managing Conflict the Post Cold World: The Role of Intervention”, Report of the Aspen Conference, August 2-6, 1995 (Aspen, Colorado, Aspen Institute 1996).

  1. “New World Order: President Bush’s Speech To Congress”, March 6, 1991” (It is worth mentioning that this speech has been often cited as the administration’s principal policy statement for the “Post-Cold War Order” in the Middle East”.

41. Niall Ferguson, “Colossusi: The Price of American’s Empire”, New York : Penguin Press .2004, Reviewed by G. John Ikenberry, Foreign Affairs, March/April 2004.

  1. Oh Jae Shik, “The New International Order and Human Rights in the Post Cold War Era”, Asian Human Rights Commission (AHRC) Website, Feb., 1st., 1996, Vol., 06, No. 1, Sept., 1996.
  2. Paul W. Schroeder,”The Now World Order: A Historical Perspective”, Washington Quarterly”, Vol., 17, No.2, Spring 1994 : 25-43.
  3. ” Post-Cold War Culture: Populists and Intellectuals in the Twentieth-Century America”, a Book Review, file://D:\documents%and%20settings\control\desktop\
  4. Ralf Beste, et. al., “The Masters of the World: The World Order of the Superpower”, In Der Spiegel (Germany) 19 APR 2003 (Source: http // www. Spiegel . de / Spiegel / English / 0.1518. 245594.oohtml 24 Apro3 ).
  5. Ralph A. Cossa, “Toward a Post Cold War World”, Pacific Forum, PacNet Newsletter, # 41, October 12, 2001.

47. Robert W. Cox with Timothy J. Sinclair, “ Multilateralism and World Order (1992)”, in “Approaches to World Order”, Cambridge Studies in International Relations, 1993: 494-523.

  1. Ted Galen Carpenter, “The New World Disorder”, Foreign Policy, Fall 1991.
  2. Tenata Dwan, “Executive Policing: Enforcing the Law in Peace Operations” ,SIPRI Research Report no. 16, February 2003.
  3. Richard L. Garwin, “The Psot Cold-War World and Nuclear Weapon Proliferation”, a Paper Presented at the 29Th., JAIF Annual Conference, Session 5 On ”Nuclear Nonproliferation and Plutonium”, Nagoya, Japan, april 1996.
  4. Robert W. Cox with Timothy J. Sinclair “ Multilateralism and World Order (1992)”, in “Approaches to World Order”, Cambridge Studies in International Relations, 1993: 494-523.
  5. Samuel Huntington, “The Clash of Civilization and the Remaking of World Order”, New York: Simon & Schuster ,1996, Reviewed By Robert Jervis of Columbia University, In “Political Science Quarterly”, Vol., 112. No .2 1997: 307– 308.
  6. Sharif M. Shuja, “Post-Cold War International Relations: Trends and Portents”, Contemporary Review, Feb., 2001.

54. Sorpong Poeu, “Conflict-Neutralizahion in the Cambodia war: From Battelfield to ‘Ballot-Box’ “, New York:Oxford University Press,1997,Reviewed byThomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747-748.

  1. Stanely Hoffman, et., al., “The Ethics and Politics of Humanitarian Intervention” Notre Dame , in: University of Notre Dame Press, 1996, Reviewed By: Timothy D. Sick, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2. June, 1998: 496-497.
  2. Stephen M. Walt, “International Relations: One World, Many Theories”, Foreign Policy, Spring 1998 (online).

57. Susan Graseck, “Teaching Foreign Policy in the Post Cold War Era”, ERIC DIGEST, March, 10, 1993.
58. Trevor Findlay,“The Use of Force in UN Peace Operations”, SIPRI, 15 November 2002.

59. T.V. Paul, and John A. Hall, “International Order and the Future of World Politics”, Reviewed by Donald J. Puchala, in American Political Science Review, Sept. 2000.

60. William G. Hayland, “Re-examining National Strategy”, in “The Nature of the Post Cold War World”, The 4th., Annual Strategy Conference, U.S. Army War College, Strategic Studies Institute, Department of Defense, Feb, 24-24, 1993, Published in March 1993.

61. William Pfaff, “Redefining World Power”, Foreign Affairs, Vol., 70, No., 1, 1991.

Books:

1. Belgrade, Eric A., and Nachmias, Nitza, (eds.,), The Politics of Humanitarian Aid Operations”, Westport, Ct: Praeger ,1997.

2. Cox, Robert W. with Sinclair, Timothy J. ‘Multilateralism and World Order (1992)”, in “Approaches to World Order”, Cambridge Studies in International Relations, 1993: 494-523.

3. Ferguson, Niall, “Colossusi: The Price of American’s Empire”, New York : Penguin Press .2004, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

4. Fisher, Benjamin B. (Ed.,), At the Cold War’s End: U.S. Intelligence on the Soviet Union and Eastern Europe: 1989-1999”, Governmental Printing Office, 1999.

5. Huntington, Samuel,”The Clash of Civilization and the Remaking of World Order”, New York: Simon & Schuster ,1996, Reviewed By Robert Jervis of Columbia University, In “Political Science Quarterly”, Vol., 112. No .2 1997: 307– 308.

6. Maynes, Charles,“The World in the Year 2000: Prospects for Order or Disorder”, in “The Nature of the Post Cold War World”, The 4th., Annual Strategy Conference, U.S. Army War College, Strategic Studies Institute, Department of Defense, Feb, 24-24, 1993, Published in March 1993.

7. Paul, T.V., and Hall, John A., “International Order and the Future of World Politics” Reviewed by Donald J. Puchala in American Political Science Review, Sept. 2000.

8. Pietrzyk, Mark E.,Explaining the Post-Cold War Order: An International Society, in the 40th., Annual Convention of the International Studies Association, Washington D.,C., February 16-20, 1999.

9. Todd, Emmanuel, “After the Empire: The Breakdown of the American Order”, New York: Columbia University Press, 2003, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

10. Zartman William, and Touval, Saadia, “International Mediation in the Post –Cold War Era”, in “Managing Global Chaos”, by Chester Crocker, Fen Hampson, and Pamela Aall (ed.,), Washington D.C.: United States Institute of peace Press, 1996: 445-461.

Group A:

1. Bailes, Alyson J. K, Euro-Atalntic Cooperation: Where Do We Go From Here? An Academic Overview, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Speaking Notes at George C. Marchall Center”m 15, Spetmeber, 2003.

2. ———————— The Future of International Order: A European Perspective”, Director, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Remarks at a Seminar Hosted by the Center for Democratic Control of Armed Forces, Geneva, 20 November 2003.

3. Baker III, James, A., “Conflict and Cooperation in the Post Cold War Era”, Remarks Delivered at The First Annual Conference of The James A. Baker III Institute for Public Policy, Huston, Texas: William Marsh Rice University, Monday November 13, 1995.

4. Barber, Benjamin R., Fear’s of Empire: War, Terrorism, and Democracy. New York Norton, 2003, Reviewed by G. John Ikenberry, Foreign Affairs, March/April 2004.

5. Bennett, Andrew and Joseph Lepgold, “Reinventing Collective Security After The Cold War and Gulf Conflict”, Political Science Quarterly, Spring Science Quarterly, Summer 1993.

6. Beste, Ralf et. al., “The Masters of the World: The World Order of the Superpower”, In Der Spiegel (Germany) 19 APR 2003 (Source: http // www. Spiegel . de / Spiegel / English / 0.1518. 245594.oohtml 24 Apro3 ).

7. a Brookings National Issues Forum, The End of the Cold war and What’s Happened in the Ten Years Since”, Transcript of Panel Discussion, Thursday Dec., 2, 1999.

8. Cole, David M.,“Post ColdWar and the Moral Courage to Say No”, PA., : The Army War College Carlisle Barracks, in “Storming Media” , Report Date 1996

9. Cossa, Ralph A., “Toward a Post Cold War World”, Pacific Forum, PacNet Newsletter, # 41, October 12, 2001.

10. Dawn, Tenata, “Executive Policing: Enforcing the Law in Peace Operations” ,SIPRI Research Report no. 16, February 2003.

11. Donahue, Bernard F., New Post-Cold War Paradigm Emerging in Wake of Attacks: Multinational Effort to End Terrorism Could herald better World Order of Non-Imperialistic Pax Americana” National Catholic Reporter, Oct 19, 2001.

12. Doyle, Michael W. et., al. (ed.,), Keeping the Peace: Multidimensional UN Operations in Cambodia and elsalvador, Cambridege: Cambridge University Press 1998, Reviewed by Thomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No. 2, Sept. 1998: 7474-748.

13. Findaly, Trevor, “The Use of Force in UN Peace Operations”, SIPRI, 15 November 2002.

14. Garwin, Richard L., “The Psot Cold-War World and Nuclear Weapon Proliferation”, a Paper Presented at the 29Th., JAIF Annual Conference, Session 5 On ”Nuclear Nonproliferation and Plutonium”, Nagoya, Japan, april 1996

15. Graseck, Susan “Teaching Foreign Policy in the Post Cold War Era”, ERIC DIGEST, March, 10, 1993

16. Guehenno, Jean-Marie, “Globalization and the International System”, Journal of Democracy, Vol., 10, No. 1, 1999: 22-35.

17. Hayland, William G., “Re-examining National Strategy”, in “The Nature of the Post Cold War World”, The 4th., Annual Strategy Conference, U.S. Army War College, Strategic Studies Institute, Department of Defense, Feb, 24-24, 1993, Published in March 1993.

18. Hoffman, Stanely, et., al., “The Ethics and Politics of Humanitarian Intervention” Notre Dame , IN: University of Notre Dame Press, 1996, Reviewed By: Timothy D. Sick, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2. June, 1998: 496-497.

19. Hulsman, Hohn C., “a Paradigm for the New World Order: A Schools of Thought Analysis of American Foreign Policy in the Post-cold War Era”, American Political Science Review, June 1998 (Book Review, by Mary Durfee).

20. Ikenberry, G. John “The Myth of the Post-Cold War Chaos”, From Foreign Affairs, May/June 1996 (online).

21. ———————,“Why Export Democracy? The Hidden Grand Strategy of American Foreign Policy”, The Wilson Quarterly, Vol., 23, No. 2, Spring 1999.

22. —————-, “Strategic Reactions to American Preeminence: Great Power Politics in the Age of Unipolarity”, a Paper presented at the “National Intellegence Council”’s Series of Discussions about “Power Politics in the Age of Unipolarity”, 28, July 2003.

23. ————————- – Illusion of Empire Defining the New American Order”, Foreign Affairs, March / April 2004.

24. Indyk, Martin, “Watershed in the Middle East”, Foreign Affairs, Vol., 61, No. 1, “America and the World 1991-1992”, p.p.: 10-16.

25. Irtye, Akira “Culture Internationalism and World Order”, Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1997, Reviewed by Thomas Scloonover, in Political Science Quarterly, Vol., June 1998: 695-696.

26. Johnson, Charles, “The Sorrows of Empire: Militarism, Secrecy, and the End of the Republic”, New York: Metropolitan Books , 2004, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

27. Lisa Trei, Lisa “In Post-Cold War Era, Civil Wars’ Causes Misunderstood”, Stanford Report, September 25, 2002.

28. Luck, Edward C., et., al., “Styin’ Alive: The Rumors of the UN’s Death Have Been Exaggerated”, Foreign Affairs, July/August, 2003.

29. Mann, Michael, Incoherent Empire”, New York : Verso .2003, Reviewed by G. John Ikenberry, in Foreign Affairs, March/April 2004.

30. Mccoy, Dorcas Eva “American Post War Images and Foreign policy Preferences Toward Dependent States:A Case Study ofSomalia”, World Affairs, Summer 2000.

31. “New World Order: President Bush’s Speech To Congress”, March 6, 1991” (It is worth mentioning that this speech has been often cited as the administration’s principal policy statement for the “Post-Cold War Order” in the Middle East”.

32. Nye, Joseph, “The Changing Nature of World Power”, in Political Science Quarterly, Vol., 105, No., 2, 1990.

33. O’ Hanlon, Michael and Singer, P. W., “The Humanitarian Transformation: Expanding Global Intervention Capacity”, International Institute For Strategic Studies, Survival, 46: 77-99

34. Paff, William, Redefining World Power, Foreign Affairs, Vol., 70, No., 1, 1991.

35. Pastusiak, Longin, “After the Cold War, We Need to Build aNew World Order”, Herald Tribune, Sat. Jan 9,2004.

36. ” Post-Cold War Culture: Populists and Intellectuals in the Twentieth-Century America”, a Book Review, file://D:\documents%and%20settings\control\desktop\

37. Poue, Sorpong, “Conflict-Neutralizahion in the Cambodia war: From Battelfield to “Ballot-Box”,New York:Oxford University Press,1997,Reviewed byThomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747-748.

38. Roberts, Adom,“A New Age in International Relations?”, International Affairs, Vol., 67, No. 3, 1991.

39. Roberts, Brad, “1995 and the End of the Post-Cold War Era”, Washington Quarterly, Vol., 18, No. 1, Winter 1995.

40. Russett, Bruce and Sutterlin, James, “The U.N. in a New World Order”, Foreign Affairs, Vol., 70, No., 2, Spring 1991,

41. Sahnoun, Mohamed, “Managing Conflicts in the Post Cold War Era” In “Managing Conflict the Post Cold World: The Role of Intervention”, Report of the Aspen Conference, August 2-6, 1995 (Aspen, Colorado, Aspen Institute 1996).

42. Schroeder, Paul W.,”The Now World Order: A Historical Perspective”, Washington Quarterly”, Vol., 17, No.2, Spring 1994 : 25-43.

43. Shik, Oh Jae, “The New International Order and Human Rights in the Post Cold War Era”, Asian Human Rights Commission (AHRC) Website, Feb., 1st., 1996, Vol., 06, No. 1, Sept., 1996.

44. Shuja, Sharif M, “Post-Cold War International Relations: Trends and Portents”, Contemporary Review, Feb., 2001.

45. Smith, Martin A., and Timmins, Graham, ”The EU, NATO, and the Extension of Institutional Order in Europe”, World Affairs, Fall 2000.

46. Tauscher, Ellen, “Nuclear Threats in the Post-Cold War Era”, Carnegie Endowment for International Peace, Published in Contra Costa Sunday Times, Sept., 20, 1999.

47. Watt., Stephen M., International Relations: One World, Many Theories, Foreign Policy, Spring 1998 (online).

48. Wisely, Michael, “Causalities of the New World Order : The Causes of Failure of the UN Missions to Civil Wars”, New York: St., Martins Press 1997, Reviewed by Thomas G. Weiss, in American Political Science Review, Vol., 92, No., 2, September 1998: 747-748.

=========

إعداد د. منير محمود بدوى السيد

أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية

كلية التجارة – جامعة أسيوط

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button