التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي

عد هذا الكتاب السنوي لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي عملا موسوعيا بالغ الأهمية في المجال الإستراتيجي والأمني والسلام ونزع السلاح والأخطار التي يعيشها العالم المعاصر.

وهو مرجع عالمي في بيانات الإنفاق العسكري، فيعرض ويدرس كافة المسائل المتعلقة بالإنفاق والتصنيع والنقل العسكري في دول العالم، ويمسح ويقارن التغيرات الجارية في الصناعة والإنفاق والإنتاج العسكري، والشركات والمؤسسات العاملة في هذه المجالات.

وقد بدأ هذا الكتاب بالصدور السنوي منذ عام 1969، ولكن الترجمة العربية له بدأت منذ عام 2003.

يمثل الكتاب السنوي الذي يصدره معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI) بعنوان “التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي”، أحد أهم مصادر المعلومات حول تدفقات السلاح حول العالم، المصدرين والمستوردين، وأهم الشركات المنتجة للسلاح، وأهم القضايا التي تحكم صفقات وشحنات السلاح حول العالم.

كما أن تتبع الكتاب/التقرير السنوي تمكن المتابع من التعرّف على تطور عمليات التسلّح والتغيّرات الحاصلة عليها بالنسبة للدول والمناطق والمنتجين الرئيسين للسلاح، ومقارنة مساعي نقل السلاح، والتغيّر في الأوزان والأدوار والمراتب النسبية لأكثر الدول تصديراً للسلاح وأكثر الدول استيراداً له.

صدرت الترجمة العربية للكتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية -بيروت، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وجاء في 639 صفحة من القطع الكبير. ويقوم المركز بهذا العمل بصورة متواصلة منذ العام 2003 في إطار اتفاق بينه وبين معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي-سيبري.

 

أولاً- الموضوعات

يتألف التقرير من مقدمة وعشرة فصول، وعدد كبير من الملاحق. الفصل الأول بعنوان “الاستقرار الدولي والأمن الإنساني” ويتضمن: الأسلحة النووية في السياسة الدولية، والتوترات الدولية وديناميات القوة، والأمن وانعدام الإنساني، والاحتمالات الخاصة بالمؤسسات الدولية. والفصل الثاني بعنوان “النزاعات المسلحة وعمليات السلام”، ويتضمن: تتبع النزاعات المسلحة وعمليات السلام في العام 2017، وذلك في كل من الأميركتين وآسيا وأوقيانيا، وأوروبا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء.

الفصل الثالث بعنوان “عمليات السلام وإدارة النزاع” ويتضمن: الاتجاهات والتطورات العالمية والإقليمية في عمليات السلام، من حيث أعدادها وأماكنها/مناطقها وأعداد العاملين فيها. والفصل الرابع بعنوان الإنفاق العسكري ويتضمن التطورات العالمية في الإنفاق العسكري بحسب المنطقة، والدولة، والشركات الأبرز في إنتاج السلاح، والمناطق الاكثر إنفاقاً على السلاح، وتأثير أسعار النفط والغاز والموارد على عمليات التسلح، والشفافية في الإنفاق العسكري.

الفصل الخامس بعنوان “نقل الأسلحة على الصعيد الدولي والتطورات في إنتاج الأسلحة” ويتضمن: التطورات لدى الموردين والمستوردين الكبار، والشفافية في عمليات نقل الأسلحة، والقيم المالية في عمليات نقل الأسلحة، والحصص الوطنية والإقليمية من مبيعات الأسلحة للشركات المدرجة في قائمة سيبري للشركات الكبرى المنتجة للأسلحة في العالم.

الفصل السادس بعنوان “القوات النووية في العالم”، يستعرض أوضاع دول الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان و”إسرائيل” وكوريا الشمالية، والمخزونات العالمية من اليورانيوم عالي التخصيب والمنشآت الكبيرة لتخصيب اليورانيوم في كل أنحاء العالم وقدرتها، والتفجيرات النووية في العالم للفترة بين عامي 1945 و2017.

الفصل السابع بعنوان “نزع الأسلحة النووية، وتحديدها ومنع انتشارها”. ويتضمن: تحديد الأسلحة النووية بين روسيا والولايا المتحدة، وبرامج كوريا الشمالية وإيران.

أما الفصل  الثامن فهو تحت عنوان “التهديدات الأمنية الكيميائية والبيولوجية”، ويتضمن: مزاعم استخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا، وتقارير بعثات تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، واستعراض للتطورات حول هذا الموضوع في سوريا. ويشير إلى مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في العراق. ويستعرض نظام معاهدة اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة.

الفصل التاسع بعنوان “تحيد الأسلحة التقليدية”، ويتضمن: اتفاقية تقييد استعمال الأسلحة التقليدية، واتفاقية الألغام المضادة للأفراد، واتفاقية الذخائر العنقودية.

أما الفصل العاشر فهو بعنوان “ضوابط الاستخدام المزدوج وتجارة الأسلحة”، ويتضمن: معاهدة تجارة الأسلحة، والحظر متعدد الأطراف على الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وأنظمة مراقبة الصادرات، والضوابط على عمليات النقل غير الملموس للتكنولوجيا والتصنيع بالإضافة.

ثانياً- التسلّح في الشرق الأوسط

تُعد المنطقة العربية والشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم إنفاقاً على السلاح، مقارنة بمناطق العالم الأخرى، وباعتبار نسبة ذلك من الناتج القومي الإجمالي (ص 192-193). وقد ضمّت المنطقة سبعاً من الدول العشر ذات العبء العسكري الأكبر في العالم في عام 2017 (ص210)، وفي مقدمتها السعودية وقطر والإمارات، بالإضافة إلى سوريا واليمن باعتبار الحرب الدائرة فيهما وعليهما منذ العام 2011.

يذكر التقرير أن واردات المنطقة من السلاح زادت بنسبة 103% بين الخمسية 2008-2012 و2013-2017. وخلال الفترة 2013-2017 أُرسل 31% من شحنات الأسلحة التي استوردتها المنطقة إلى السعودية، و14% إلى مصر و13% إلى الإمارات. ولم تستورد إيران غير 1% من واردات المنطقة من السلاح. (ص 257).

قدر التقرير أن الإنفاق العسكري لدول منطقة الشرق الأوسط التي تتوافر في شأنها بيانات زاد بنسبة 6.2% في العام 2017 عنه في العام 2016، إذ وصل الى 151 مليار دولار في العام 2017، ارتباطاً بطفرة الانفاق العسكري السعودي وبالزيادات في الإنفاق العسكري لدى إيران والعراق.(ص191).

ويُظهرُ الإنفاق العسكري الإجمالي لدول المنطقة التي تتوافر حولها بيانات زيادات متواصلة بين عامي 2009 و2015 بلغ مقدارها 41%، لكن مع هبوط أسعار النفط انخفض إنفاق تلك الدول بنسبة 16% بين عامي 2015 و2016، (ص210)، فيما قدر الانفاق العسكري العالمي بـ1739 مليار دولار للعام نفسه، وهو الأعلى منذ نهاية الحرب الباردة. (ص 191-192).

      تُمثّل ظاهرةُ التسلُّح وأسواق السلاح في العالم، جزءاً من العلاقات والتفاعلات الاقتصادية الدولية، بمئات المليارات من الدولارات، وثمة فواعل ومؤسسات وشركات صناعة السلاح الكبرى، وقد تضمنت قائمةُ تقرير سيبري (SIPRI) للدول المئة الأكثر إنتاجا للسلاح، (38) شركة أميركية، و(10) روسية، و(8) بريطانية، و(6) فرنسية، و(3) ألمانية الخ (ص 277-278). وتمثّل شركات إنتاج السلاح جزءاً من فواعل صنع القرار العالمي.

بالنسبة للموردين الكبار حول العالم حسب الصادرات الإجمالية للفترة (2013-2017) والحصة المئوية (%) لكل منهم وفق معايير  سيبري (SIPRI)، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بـ34%، تليها روسيا 22%، فرنسا 6.7%، ألمانيا 5.8%ـ الصين 5.7%، المملكة المتحدة 4.8%، إسبانيا 2.9%، “إسرائيل” 2.9، إيطاليا 2.5%، هولندا 2.1%. (ص 237).

     مثّلت صفقات السلاح بنداً رئيساً في سياسة الولايات المتحدة تجاه عدد من الدول مثل: السعودية التي التزمت أو ألزمت بطلب صفقات بمئات المليارات من الدولارات، وكانت السعودية ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة 2013-2017، حيث زادت وارداتها بنسبة 225% مقارنة بالأعوام 2008-2012.

وخلال المدة بين عامي 2013 و2017 استوردت المملكة العربية السعودية 61% من أسلحتها من الولايات المتحدة، و23% من بريطانيا. (ص 257-258). وثمة دول أخرى مثل الإمارات وقطر ومصر، يتحدث عنها تقرير سيبري (SIPRI)، لكنه لا يضع تلك الصفقات تحت بند الإكراه أو الإلزام أو الريعية أو التمثل. وهذا باب فيه تقديرات كثيرة.

صفقات السلاح تمثّل من جانب الولايات المتحدة عامل ضغط على دول عديدة، مثلما أن الدول المستجيبة تقوم بتلك الصفقات لاعتبارات سياسية في المقاوم الأول، تتضمن اعتبارات أمنية بالطبع، بمعنى أنها تطلب السلاح استجابة لضغط أميركي، حتى لو لم يكن لدى الدول المذكورة حاجة مباشرة أو راهنة لتلك الأسلحة أو لم تكن لديها قدرة على “استثمارها” قعلياً، أو لم تكن لديها أجندة وقعلية تتطلب امتلاكها تلك الأسلحة أو أنواع محددة منها. وهكذا فإن الدول المعنية تطلب السلاح، لأن ذلك من متطلبات استمرار علاقتها مع الدول الراعية أو الضامنة لأمنها.

السعودية هي أكثر دول المنطقة إنفاقاً على التسلح، وثالث أكبر دول العالم إنفاقاً في عام 2017، وقد زادت إنفاقها العسكري بنسبة 74% بين عامي 2008 و2015، ثم تراجع بنسبة 29% عام 2016 وعاود الارتفاع بنسبة 9.2% عام 2017 (ص 211).  وكانت الإمارات ثاني أكبر دول المنطقة إنفاقاً على السلاح للعام 2014، بالنظر إلى تورطها (ومثلها السعودية وقطر) العسكري في سوريا واليمن وليبيا، ولم تتح تقديرات لإنفاقها في الأعوام التالية.(ص 211-212).

 

ثالثاً- الحدث السوري

تبرز في التقرير مشكلة في المقاربة والرؤية، إذ يبدو أكثر تحيزاً وأقل موضوعية بالنسبة للحدث السوري، وفيه سلبية وعدم دقة، هذا ما يضع المعلومات التي يوردها حول مناطق أخرى أيضاً، مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وباكستان وغيرها، في الميزان نفسه تقريباً.

        يُفترض أن يكون التقرير قريباً مما يكتب عنه، وموضوعياً. وأهم ما يجب التدقيق فيه هو أن التقرير ينطلق من “مركزية غربية” في النظر للعالم، ولقضايا التسلّح والأمن فيه. ثمة ضرورة للنظر إلى تلك القضايا وتناولها من منظورات أخرى أيضاً. وهكذا فأنا لم أجد أن لدى التقرير مدارك جدية عن قضايا المنطقة، بما في ذلك الأزمة أو الحرب في سوريا، والقضية الكردية، والقضية الفلسطينية الخ ولا بدّ من مراجعة الرؤية والمنظور والمقاربة التي تحكم التقرير!

    إن  ما يمثل أمناً من منظور استوكهولم أو واشنطن مثلاً هو نفسه قد يمثل تهديداً من منظور دمشق أو طهران أو القاهرة وأنقرة؛ وما يمثل تهديداً من منظور المراكز الغربية قد يمثل حقاً وربما واجباً من منظور الأطراف، وهذه معضلة يجب النظر إليها والتدقيق فيها.

     الفقرات عن سوريا، وهي عديدة، تنطلق من مقاربات قديمة، ويردد التقرير مقولات متقادمة نسبياً. يتحدث مثلاً عن أعداد اللاجئين والمهجرين منذ بداية الحرب، وكان من المناسب أن يتحدث أيضاً عن عودة مئات الآلاف منهم في العام 2018 –باعتراف الأمم المتحدة نفسها، أو أن يتحدث عن “إعاقة دولية” لعودة اللاجئين، كما ظهر في العام 2018 أيضاً، وأن الحكومة السورية وروسيا تبذلان جهوداً كبيرة لإدارة ملف اللاجئين والإسراع في عودتهم إلى بلادهم، فيما تأخذ بعض الدول ملف اللاجئين كورقة ضغط على سوريا وحلفائها في موضوعات التسوية والحل.

     يتحدث التقرير أيضاً عن أن الميزان مال لصالح الرئيس (وليس الدولة السورية!)، وأن ذلك حدث “في غمرة مصفوفة معقدة من القوى المتنافسة”، (ص 106).كذا! يستخدم التقرير صيغة مماثلة للتعبير عن المصالحات يقول: “قدمت في صورة جهود مصالحة”، واستخدمت من أجل “تشريد جماعي للمدنيين والاستيلاء على الأراضي”، (ص 106)، وهو إن كان يستند إلى تقرير منظمة ما، فإنه لا يقيم بينه وبين تقريرها المسافةَ اللازمة لضمان حد أدنى من الموضوعية. ويتحدث التقرير عن “نظام الأسد”، (ص 106 و107) كذا! ولكنه يحرص دوماً على ذكر اسم تنظيم “داعش” كما يريد التنظيم أن يذكره، أي “الدولة الإسلامية”!

     يسكت التقرير تقريباً عن التورط العسكري الخارجي في الأزمة أو الحرب السورية، وقيام غرف عمليات وأجهزة استخبارات لعدد كبير من الدول على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا و”إسرائيل” وغيرها بتنظيم تدفقات المقاتلين والأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباراتي والسياسي والإعلامي الخ لجماعات إرهابية مسلحة. 

     ثمة “إخفاق” في فهم الأزمة، و”تباطوء” في التعبير عن أن المدارك والتقديرات النمطية عن الأزمة لم تكن صحيحة، ولم تعد مناسبة، بل كانت ولا تزال جزءاً من ديناميات الحرب أو الحروب الدائرة في سوريا. وإذا ما دققنا فيما يقوله التقرير عن السلاح الكيميائي ومزاعم استخدامه من قبل الحكومة السورية و”سكوته” (أي التقرير) عن اللعبة الدولية القذرة في هذا الباب، مما أشارـ إليه تقارير وتحقيقات وتحليلات كثيرة، فسوف يطول الحديث.

يتطلب الأمر قراءة أكثر تعمقاً وتدقيقاً في كيف يتناول التقرير أزمات معقدة مثل الأزمة السورية، وهذا ما سوف أقوم به في وقت أرجو أن يكون قريباً.

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button