المراجعات الحتمية للتوجهات الإستراتيجية

كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي مع الرئيسي الفرنسي أمس في البيت الأبيض طلبه من دول الخليج لمزيد من الأموال من أجل تغطية نفقات انتشار القوات الأمريكية في المنطقة بقوله: “إن في المنطقة دول غنية جدا، عليها أن تدفع مزيدا من الأموال لتغطية النفقات العسكرية الأمريكية في سوريا، وان ترسل قواتها إلى سوريا.. وأننا نعمل على استرجاع جنودنا من هناك”؛ وبالطبع كان يعني بذلك السعودية بالدرجة الأولى لأنها المعني الأول بإستراتيجية احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة. إن موقف ترامب يطرح تساؤلات جوهرية حول تلك الامتيازات الاقتصادية التي قدمتها السعودية إلى الإدارة الأمريكية خلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض وزيارة ولي العهد إلى أمريكا؟؟؟؟


إذا كان على السعودية أن تدفع نفقات انتشار القوات الأمريكية في المنطقة، وترسل قواتها لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، فلماذا تعتمد على الجنود الأمريكيين أو أي قوات أخرى في إشباع حاجاتها الأمنية؟ بل الأولى أن تحضّر نفسها للقيام بذلك بنفسها، وتوفر تلك الموارد لمشاريع أخرى مثل تطوير قدراتها العسكرية الدفاعية وتحقيق التوازن الإقليمي المستقر. كانت التوقعات من وراء الصفقات الهائلة شراء الدعم العسكري والأمني الأمريكي للأمن السعودي، لكن المخرجات كلها كانت عكسية وبشكل مأساوي، بحيث تحولت العلاقة إلى نموذج فظ من الابتزاز القذر بدون نهايات واضحة، وتصوير الحكومة السعودية كطرف غير أمين على الثروة الوطنية للدولة.


إن مثل هذه الوضعية الإستراتيجية بحاجة إلى مراجعة للتوجهات الإستراتيجية على مستويات مختلفة، تشمل العلاقة الإقليمية، العلاقة المجتمعية الإقليمية، والعلاقة مع المجتمع المحلي نفسه. تتضمن المراجعة على المستوى الإقليمي، الانخراط في حوار إستراتيجي طويل مع دول المنطقة: إيران، اليمن، سوريا، تركيا، قطر؛ من أجل تخفيف حدة الخلافات ووقف حالة الاستنزاف المتزايد للموارد، وتغذية الصراعات التي لا مخرجة لها إلا إنهاك الدول. لإيران مشكلة مع إسرائيل وليس مع السعودية من حيث الجوهر، وأن كل المشكلات يمكن يحلها بالحوار، ويعتبر النموذج الكوري أحدث مثال في هذا الصدد.


تتضمن المراجعة على مستوى العلاقة المجتمعية الإقليمية إعادة ترميم العلاقة مع الجماعات الكبرى في المنطقة وفي مقدمتهم: الإخوان المسلمون، حزب الله، جماعة الحوثي، الشيعة بشكل عام، من أجل خلق نوع من التماسك المجتمعي الإقليمي وصناعة مناخ مناسب لقبول السياسة السعودية في المنطقة.


أما على المستوى الوطني، فإن المسألة الملحة هي إعادة إحياء فكرة الحوار الوطني حول القضايا السياسية والاقتصادية والإصلاحات المزمع تطبيقها في المجتمع، وتفادي الإرادة المنفردة في فرض وجهة نظر معينة إزاء ملفات شائكة التي يمكن أن تؤجج مشاعر التذمر داخل المجتمع، مع التأكيد على أهمية تماسك الصورة الجيدة حول دور الأسرة الملكية في الحفاظ على استقرار الدولة. لأن البرنامج الذي اذيع على شاشة بي بي سي عربي أمس ينذر بوجود إرادة لتمزيق هذه الصورة تمهيدا لخلق الاضطرابات المجتمعية والأمنية داخل البلاد.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button