دراسة شاملة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (النشأة، المهام، المبادئ والاهداف)

 في هذه الدراسة، نتعرض إلى نشأة منظمة حلف شمال الأطلسي وللمبادئ والأهداف التي تحكم هذه المنظمة، وكذا لدراسة البنية المؤسساتية للحلف.كما يتم تحديد طبيعة النظام الدولي، ودراسة الأمن الأطلسي جيوبوليتيكيا، والاجابة عن  كيفية بقاء واستمرار الحلف .

المبحث الأول: منظمة حلف شمال الأطلسي

المطلب الأول : نشأة الحلف:

    يعد الصحفي الأمريكي كلارنس ستريت من الأوائل الذين نادوا بإنشاء منظمة أطلسية، وذلك في كتابه” الاتحاد في الحال”  سنة 1939م، حيث خلص إلى الحكم بفشل عصبة الأمم   ودعى إلى:

1- إنشاء هيئة دولية جديدة عمادها الشعوب وليس الحكومات، كما هو الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1787 م.

2- بسبب وجود الديكتاتوريات فإن هذا التعديل غير ممكن، لذا يجب إقامة اتحاد بين الديمقراطيات(1).

    ثم قام والتر ليبمان بنشر كتاب ” السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية “، وفيه انتقد بشدة سياستها الخارجية، واعتبرها غير واضحة، ودعى إلى تقوية العلاقات الأوروبية – الأطلسية من خلال إقامة اتحاد يضم دول البحر الأطلسي ضد أي تهديد.

   وهذا ما ساعد على إنشاء تكتل يجمع الديموقراطيات الأوروبية والولايات المتحدة، وتحولها عن مبدأ سياسة العزل، وفي عام 1948م ، عرض الرئيس الأمريكي هاري ترومان على الشعوب الحرة مساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد أي قوة تحاول التسلط عليها، يكون مصدرها أقليات مسلحة والمقصود بها الأحزاب الشيوعية داخل الدول الحرة أو حكومات أجنبية وهي الدول الشيوعية(2).

   وقد تم إبرام ميثاق بروكسل في 17 مارس 1948 م، وهو حلف دفاعي ضد أي عدوان مصدره ألمانيا، وضم كل من فرنسا، بلجيكا، اللوكسمبورغ، هولنده و إنجلترا.

   ثم جاءت موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي في 11 يونيه 1948 م على اقتراح انضمام الولايات المتحدة في أي ميثاق للضمان الجماعي، هدفه حفض السلم والأمن الدوليين، ومنه انطلقت مفاوضات بين دول ميثاق بروكسل والولايات المتحدة، انتهت بالاتفاق على عقد  ميثاق شمال الأطلسي ليشمل دول أوروبا الغربية، وتم التوقيع على ميثاق الحلف، الذي ضم كل من : الولايات المتحدة ، كندا، إنجلترا ، فرنسا، بلجيكا، اللوكسبورغ، هولنده، الدنمارك، أيسلنده، إيطاليا، النرويج والبرتغال.

المطلب الثاني : المبادئ و الأهداف :

  استنادًا إلى نص المعاهدة المنشأة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، فإنه يمكن إيجاز المبادئ والأهداف التي يقوم عليها الحلف، في الآتي:

أ- المبادئ : يمكن حصر مبادئ الحلف انطلاقًا من ديباجة المعاهدة ، والتي حددتها في:

1- الاعتراف بمبادئ وأهداف الأمم المتحدة ، إذ تنص المواد 1 و 5 و 7 و 12 من ميثاق الحلف على ذلك، وهذا تأكيدًا لعضوية أعضائه في الأمم المتحدة، وعدم تعاوض مبادئه       و أهدافه معها.

2- حماية الحريات والتراث والحضارة المشتركة لشعوبها والقائمة على مبادئ الديموقراطية والحرية الفردية وحكم  القانون، فهو تكتل خاص بالدول التي تقوم نظمها على الحرية والديمقراطية الغربية، استنادًا إلى الفقرة الثالثة من الديباجة(3).

3- فض النزاعات بالطرق السلمية، وهو ما ورد في نص المادة الأولى من الميثاق، إذ تنص على أن ” تتعهد الأطراف – كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة – بتسوية أية نزاعات دولية تكون طرفًا فيها بالوسائل السلمية بحيث لا يعرض السلم والأمن والعدالة الدولية للخطر، وكذلك تجنب اللجوء إلى التهديد باستخدام القوة في علاقاتها الدولية بأية صورة لاتتفق مع أهداف الأمم المتحدة “.

  وهنا يلاحظ تماثل بين ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي، حيث لم  يحدد  طريقًا أو آلية معينة لفض النزاعات بالطرق السلمية (قانونية أو سياسية)، وكلاهما يترك للدول الأعضاء حرية اختيار الطريقة الملائمة لفض هذه النزاعات.

4- عدم استخدام القوة أو التهديد بها، وهو مبدأ مكمل لمبدأ فض النزاعات بالطرق السلمية، وهو ما تنص عليه المادة الأولى من الميثاق.

5- مبدأ الأمن والدفاع الجماعي بين الدول الأعضاء، التي تعتبر أن أي هجوم مسلح ضد أي منها في أوروبا وأمريكا الشمالية هو هجوم عليها جميعًا، وتطبيقًا للحق الفردي والجماعي في الدفاع عن الذات، وإعمالاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فإنها سوف تساعد الطرف     أو الأطراف التي تتعرض للهجوم.

6- عدم الدخول في اتفاقيات تتعارض مع المعاهدة المنشأة للحلف.

7- التشاور والتعاون في ما يتعلق بقضايا الأمن.

ب- الأهداف: يمكن اختصارها في مايلي:

1- حماية حرية وأمن أعضائه بالوسائل السياسية والعسكرية، وفقًا لمبادئ الأمم المتحدة، والذي أدرج في معاهدة واشنطن وكرر في بيان لندن، وذلك من خلال توحيد جهودها من أجل الدفاع الجماعي والحفاظ على السلم والأمن والردع والدفاع ضد أي تهديد بالعدوان على أراضي أي دولة عضو في الحلف(4).

2- تنمية العلاقات الدولية السلمية وذلك بتدعيم مؤسساتها الحرة، وهذا ما تقره المادة الثانية، ومقاومة أي هجوم مسلح بنص المادة الثالثة(5).

3- تدعيم القيم المشتركة بين أعضائه وهي: الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

4- العمل على إقامة سلم دائم وعادل في أوروبا مع المؤسسات الأوروبية مثل الاتحاد الأوروبي ومؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا واتحاد غرب أوروبا لتحقيق الأمن والاستقرار الأورو – أطلسي.

5- العمل على استقرار الأوضاع ونشر الرفاهية في منظمة شمال الأطلسي.

المطلب الثالث : أجهزة الحلف :

   تتوافر منظمة حلف شمال الأطلسي على بنية مؤسساتية مركبة تعمل بشكل متكامل، وهي: الجهاز العام، الجهاز الإداري والجهاز التنفيذي.

 أولاً : الجهاز العام : ويتمثل في الآتي:

1– مجلس شمال الأطلسي : هو الهيئة الوحيدة التي نصت على إنشائها معاهدة حلف شمال الأطلسي، بنص المادة الرابعة وله صلاحية تشكيل اللجان المساعدة له، ويتكون من الممثلين الدائمين للدول الأعضاء بدرجة سفير. ويدعم كل ممثل دائم بهيئة موظفين سياسيين وعسكريين أو بوفد إلى حلف شمال الأطلسي، ويختلف حجم هذا الوفد من دولة إلى أخرى، ويجتمع الممثلون الدائمون مرة كل أسبوع على الأقل، و يرأس إجتماعاته الأمين العام للحلف أو نائبه، كما يعقد اجتماعاته على مستوى:

أ- وزراء الخارجية : يجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء مرتين كل سنة على الأقل،     ويرأس اجتماعته الرئيس الفخري، الذي هو أحد وزراء الخارجية، وذلك حسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم(6).

ب- الرؤساء والملوك : هي اجتماعات غير دورية، وتعقد على فترات متباعدة وطبقًا للضرورة، وتناقش جميع أوجه نشاطات المنظمة، استنادًا إلى التقارير والتوصيات التي ترفعها اللجان الفرعية بناء على طلب المجلس، كما يمكن أن تناقش موضوعات أخرى تثار من قبل ممثلي الدول الأعضاء أو من قبل الأمين العام للحلف.

ومن أهم اللجان التابعة للمجلس :

1-1- قسم الشؤون السياسية : يتبع لمساعد الأمين العام للشؤون السياسية الذي هو رئيس اللجنة السياسية العليا واللجنة السياسية.

ويتكون من مديريتين هما:

2-1- المديرية السياسية : تتخلص مسؤولية المديرية السياسية في:

أ- تحضير المناقشات السياسية للمجلس، ومناقشات اللجنة السياسية وكذا تحضير الاجتماعات مع شركاء التعاون.

ب- تحضير الملاحظات والتقارير عن الموضوعات السياسية للأمين العام والمجلس.

ج- الارتباط السياسي مع وفود الدول الأعضاء و ممثلي شركاء الحوار والتعاون.

ومدير المديرية السياسية هو نائب مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، ونائب رئيس الجنة السياسية العليا، وممثل رئيس اللجنة السياسية في المستوى النظامي .

ب- المديرية الاقتصادية : هي تابعة تنظيمياً للجنة الاقتصادية، ومديرها هو رئيس اللجنة الاقتصادية، وهي مسؤولة عن المهام الآتية:

1-1- تقديم الاستشارة في ما يتعلق بالتطورات الاقتصادية التي لها تأثيرات سياسية         أو عسكرية على الحلف.

1-2- دراسة الاتجاهات الاقتصادية لأمن وتنفيذها .

1-3- تحضير التقييمات الاقتصادية لدول الحلف، التي ترفع إلى لجنة التدقيق الدفاعي في إطار التخطيط الدفاعي للحلف.

1-4- تقييم الاتصالات مع المنظمات الاقتصادية الدولية(7).

1- 5- تحضير الاتصالات و المشاورات الاقتصادية التي يساهم فيها شركاء التعاون في مجالات التحويل الدفاعي، والانفاق الدفاعي…

2– قسم التخطيط والسياسة الدفاعية : يتبع هذا القسم إلى مساعد الأمين العام لشؤون التخطيط والسياسة، الذي هو أيضًا رئيس لجنة التدقيق الدفاعي، ونائب رئيس مجموعة العمل التنفيذية، كما أنه يشرف على عمل مجموعة التخطيط النووي ومجموعة العاملين بها، ويجتمع هذا القسم على مستوى وزراء الدفاع مرتين سنويًا، ومرة كل شهر على مستوى المندوبين.

أ – مديرية تخطيط القوة: ويديرها نائب رئيس لجنة التدقيق الدفاعي، وهي مسؤولة عن:

1-1– قضايا السياسة الدفاعية.

1-2- تحضير الأوراق والأعمال المتعلقة بالمسائل الدفاعية والمسائل الأخرى ذات الطابع السياسي العسكري.

1-3- تحضير دراسة للملامح العامة أو الخاصة للتخطيط والسياسة الدفاعيتين للحلف، نيابة عن مجموعة العمل التنفيذية.(9)

1-4- صيانة قاعدة المعطيات العاملة بالحواسب المتعلقة بالمعلومات عن قوات الحلف.

1- 5- تنظيم وتوجيه الدراسات الإحصائية الضرورية لتقييم الجهد الدفاعي للحلف .

ب- مديرية التخطيط النووي: تجتمع مرتين خلال السنة على مستوى وزراء الدفاع وهي مسؤولة عن تنسيق العمل فيما يتعلق بتطوير سياسة الناتو الدفاعية في المجال النووي، وكذا عمل مجموعة التخطيط النووي.

   كما توجد أقسام أخرى هي قسم الدعم والمعاونة الاقتصادية وقسم البنية الأساسية واللوجستية والدفاع المدني، و قسم الشؤون العلمية(8).

ولا يتخذ الحلف قراراته من خلال نظام الأغلبية أو الأكثرية، بل استناداً إلى قاعدة الاجماع.

ثانياً : الجهاز الإداري :

1- الأمانة العامة : و يرأسها الأمين العام للحلف وتتكون من :

1-1- الأمين العام للحلف : ويعين من قبل الدول الأعضاء، كأمين عام للحلف ورئيسًا لمجلس شمال الأطلسي ولجنة التخطيط الدفاعي و مجموعة التخطيط النووي واللجان الرئيسة الأخرى، كما أنه الناطق الرسمي بإسم الحلف سواء في العلاقات الخارجية أو في الاتصالات بين الدول الأعضاء، وفي غياب الأمين العام، ينوب عنه نائب الأمين العام، الذي يرأس لجنة العمل للحد من الأسلحة التقليدية ولجنة الدفاع(9) .

ويمكن اختصار صلاحياته في مايلي:

أ- اقتراح مواد للمناقشة، والتي يجب اتخاذ قرارات بشأنها.

ب- استخدام المساعي الحميدة في حالات الخلاف بين الدول الأعضاء.

ج – توجيه الموظفين الدوليين (هيئة العمل الدولية).

د- الناطق الرسمي بإسم الحلف في العلاقات مع الحكومات و وسائل الإعلام.

ذ – رئيس قوة المهام عالية المستوى العاملة على تحقيق السيطرة في المجالات الآتية:

* الأسلحة التقليدية.

* مجموعة العمل التنفيذية.

* لجنة الدفاع الجوي.

* الهيئة الاستشارية المشتركة.

و يشرف الأمين العام أيضاً على :

2-1- المكتب الخاص : وتشمل هيئة العاملين فيه مستشارًا قانونيًا، ومستشارًا خاصًا لشؤون أوروبا الوسطى والشرقية.

2-2– مكتب الأمين العام : يتكون من أمانة السر التنفيذية ومكتب المعلومات والصحافة ومكتب أمن حلف شمال الأطلسي. (10)

2– أمانة السر التنفيذية : وهي مسؤولة عن ضمان عمل مجلس شمال الأطلسي ولجنة التخطيط الدفاعي ومجموعة التخطيط النووي، وأعضاء أمانة السر التنفيذية هم أمناء سر اللجان، ويقدمون دعمًا إداريًا من خلال تحضير مفكرات العمل والتسجيلات المختصرة والتقارير وأوراق العمل التي تصدر عن أمانات سر اللجان .

وأمين السر التنفيذي، هو أمين سر المجلس ولجنة التخطيط الدفاعي و مجموعة التخطيط النووي، وهو مسؤول عن ضمان تنفيذ عمل مختلف أقسام الأمين العام، وكذا تطوير وقيادة مركز المواقف في الحلف نيابة عن الأمين العام.

3– مكتب المعلومات والصحافة : ويتكون من:

أ- مصلحة المعلومات، وتضم بدورها قسم التخطيط والإنتاج.

ب- مصلحة الصحافة والإعلام.

ج – قسم العلاقات الخارجية.

كما أن مدير مصلحة المعلومات والصحافة هو رئيس لجنة المعلومات والعلاقات الثقافية، ويقوم مكتب المعلومات والصحافة بالمهام الآتية:

أ – منح الصحافيين أوراق الاعتماد.

ب – إصدار التصريحات الصحفية والبيانات المشتركة للأمين العام.

ج – عقد المؤتمرات الصحيفية وبشكل يومي.

د – تقديم توجيهات صحفية إلى العاملين في مقر قيادة الحلف ببروكسل.

ذ – تنظيم المقابلات الصحفية مع الأمين العام وسائر المسؤولين بالحلف.

ر – تقديم المساعدات التقنية الازمة للبث الإذاعي والتليفزيوني.

ز – توسيع حجم تفهم الرأي العام العالمي لأدوار الحلف وسياساته.

ر – إقامة اتصالات وثيقة بسلطات الإعلام القومية والمنظمات غير الحكومية(11).

4 – مكتب أمن حلف شمال الأطلسي: يقوم هذا المكتب بتنفيذ وتنسيق ومراجعة سياسة  الحلف الأمنية، ومدير الأمن هو المستشار الرئيسي للأمين العام في القضايا العامة، وهو رئيس اللجنة الأمنية بالحلف، كما يقوم بتوجيه مصلحة أمن مقر قيادة الحلف، اضافةً إلى كونه مسؤولاً عن التنسيق الكامل لأمن الحلف.

ثالثاً : الجهاز التنفيذي : و يتكون من :

1- اللجنة العسكرية : هي أعلى سلطة عسكرية في الحلف، تخضع للسلطة السياسية المدنية المتمثلة في مجلس شمال الأطلسي ولجنة التخطيط الدفاعي ومجموعة التخطيط النووي، وذلك في الأمورالمتعلقة بكل لجنة، وتتكون من رؤساء أركان الدول الأعضاء عدا أيسلنده التي لم تشارك بقوات، وتعقد اجتماعاتها على ثلاثة مستويات:

أ- مستوى رؤساء الأركان حيث يجتمعون مرتين في السنة على الأقل.

ب – مستوى المندوبين الدائمين عن رؤساء الأركان، ويعقد اجتماعاتهم كل أسبوع.

ج- تضم اللجنة الدائمة رؤساء أركان كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة، وباقي المندوبين الدائمين عن رؤساء أركان الدول الأعضاء، وذلك لتأكيد أهمية استمرار لقاءات اللجنة العسكرية.

واللجنة الدائمة واللجنة العسكرية مسؤولتان عن القيادة الثلاثية للحلف، ومقرهما واشنطن .

ورئاسة اللجنة العسكرية دورية حسب الترتيب الأبجدي للغة الإنجليزية، وهي مسؤولة عن :

1-1- تقديم التوصيات المتعلقة بالإجراءات التي تعتبر ضرورية للدفاع المشترك عن منطقة حلف شمال الأطلسي إلى السلطات السياسية للحلف.

1-2- تقديم توجيهات متعلقة بالأمور العسكرية إلى كبار قادة الحلف(12).

 – هيئة الأركان العسكرية الدولية : بعد انسحاب فرنسا من الهيكل الدفاعي للحلف سنة1966م، قام مجلس شمال الأطلسي بحل اللجنة الدائمة وهيئة التخطيط الدولية، ونقلت مهامها وسلطاتها إلى اللجنة العسكرية، وفي 10فبراير1967 م، تم تشكيل هيئة الأركان العسكرية الدولية، وتتألف من عسكريين رشحوا من قبل المؤسسات العسكرية لدولهم الأعضاء، وهم مسؤولون أمام مدير هيئة الأركان العسكرية الدولية، والوضع العسكري الوطني للأفراد المرشحين من القوات المسلحة لا يتأثر بترشيحهم المؤقت في الحلف.

ويرأس الهيئة قائد برتبة فريق يرشح من قبل الدول الأعضاء وتختاره اللجنة العسكرية، بشرط أن يكون من جنسية مغايرة لجنسية رئيس اللجنة العسكرية، ويتبعه ستة مدراء مساعدون من الضباط الأمراء أوالقادة وأمين سر هيئة العسكريين الدولية(13).

ويمكن إيجاز مهامها في كونها:

أ – الأداة التنفيذية للجنة العسكرية.

ب- تحضير الخطط والدراسات وتقديم توصيات عن السياسة التي يجب الأخذ بها في المسائل العسكرية التي تحال إلى مجلس شمال الأطلسي أو إلى اللجنة العسكرية.

ج- ضمان تنفيذ سياسات وقرارات اللجنة العسكرية.

د- القيام بدور فعًال في دعم التعاون مع دول شرق وسط أوروبا في إطار مجلس تعاون شمال الأطلسي، و تضم عددًا من الأقسام، وهي كالآتي:

2-1- قسم الاستطلاع.

2-2- قسم التخطيط والسياسة.

2-3- قسم العمليات.

2-3- قسم الشؤون الإدارية والموارد.

2-4- قسم منظومات الاتصال والمعلومات.

2- 5- قسم التسليح والتوحيد القياسي. (14)

3- بنية القيادة العسكرية الموحدة: قسمت المنطقة الجغرافية التي تغطيها معاهدة شمال الأطلسي بين ثلاث قيادات رئيسية للحلف (أوروبا، الأطلسي، القنال) ومجموعة تخطيط  إقليمية (كندا والولايات المتحدة الأمريكية) وبعد صياغة المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف تم الاتفاق بين وزراء دفاع الحلف، بأن يتم تخفيض عدد قيادات الحلف الرئيسة إلى اثنتين هما القيادة الأوروبية والقيادة الأطلسية، مع تشكيل ثلاث قيادات فرعية ضمن القيادة الحليفة بأوروبا، فتكون مسؤولة عن المناطق الجنوبية والوسطى والشمالية الغريبة.

المبحث الثاني: الأمن الأطلسي

المطلب الأول : طبيعة النظام الدولي :

  انبثق النظام الدولي الحالي من النظام الأوروبي الذي ظهر عقب انهيار النظام الإقطاعي في أوروبا، بعد عصر النهضة وحركة الإصلاح الديني ثم بروز الظاهرة الماركاتيلية وفكرة المفهوم السياسي للدولة القومية التي ظهرت بعد معاهدة وستفاليا لعام 1648م، التي أنهت الحروب الدينية(15) ، وأسست لنظام توازن القوى الذي استمر حتى الحرب العالمية الأولى، التي أسفرت عن إنشاء عصبة الأمم القائمة على مبدأ الأمن الجماعي، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية سقط نظام توازن القوى، وانتقل مركز ثقل النظام الدولي من أوروبا (المركزية الأوروبية) إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي ويؤسس لنظام دولي ثنائي القطبية.

  وبانتهاء الحرب الباردة سقط نظام الثنائية القطبية ما أدى إلى تحولات في أوروبا وجميع دول العالم، وهو ما يؤكد استمرارية النظام الدولي وترابطه، وأسس للنظام الدولي الجديد.

   وخلافًا للحرب الباردة التي قسمت العالم إلى معسكرين، فإن عالم ما بعد الحرب الباردة يمر بمرحلة مضطربة وغير محددة النتائج، وهي مرحلة تعقب انهيار الإمبراطوريات العالمية مثل انهيار إمبراطورية الهبسبرغ (النمسا والمجر) الذي أوجد فراغ في وسط وشرق أوروبا، ثم سقوط الاتحاد السوفياتي الذي أعقبه اضطرابات في الجمهوريات السوفياتية السابقة… (16).

   فبالرغم من سقوط نظام الثنائية القطبية، إلا أنه لم يتبعه تغير في تركيبة المنظمات الدولية القائمة، رغم محاولات إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع عدد مقاعد الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وكذلك احتفاظ الغرب بمنظمة حلف شمال الأطلسي رغم انهيار حلف وارسو، واستمرار محورية دور الدولة في اتخاذ القرارات الوطنية والإقليمية والدولية .

   وهنا نميز بين النظام كمفهوم الذي يعني علاقات الاعتماد المتبادل والتفاعل بين أجزائه ، وبين النظام كحالة، يختص بدراسة طبيعة بنية ووظائف النظام الدولي، والحجة هنا هي أن كل مرحلة تاريخية لها نظام دولي مواكب لتطور الوجود الإنساني المنظم سياسياً، فهو كمفهوم يمثل ظاهرة سياسية ممتدة ومستمرة. لكن طبيعة هذا النظام تتغير نتيجة الأحداث الكبرى التي تحدث فيه، حيث إن نهاية الحرب الباردة غيرت من طبيعة ووظيفة النظام الذي ساد خلالها، حيث كان إجماع بين القوى الكبرى والعظمى بدلاً عن الصراع، فانهيار نظام القطبية الثنائية سيؤسس لنظام أحادي القطب أو إلى نظام متعدد الأقطاب .

  وعلى المستوى الأكاديمي هناك اتفاق بين الباحثين في علم العلاقات الدولية على سقوط نظام الثنائية القطبية، لكن هناك اختلاف حول وصف طبيعة النظام الدولي الحالي، حيث نجد القائلين بالأحادية القطبية والقائلين بتعدد الأقطاب. ومعيار التمييز بين الباحثين هو الاختلاف في رؤية المحدد الرئيسي الموجه للتفاعلات الدولية، وانقسموا إلى ثلاثة اتجاهات هي :

أ- إعطاء دور أكبر لهيكل النظام الدولي وتوزيع القوى داخله في تحديد القطب المسيطر على التفاعلات الدولية، حيث نشر صموئيل هنتينغتون مقالة سنة 1992م، بعنوان القوة العظمى المنعزلة  The Lonely Superpower” حيث وصف النظام الدولي بأنه نظام أحادي القطب، يتضمن قوة عظمى وحيدة هي الولايات المتحدة الأمريكية وعدداً من القوى الكبرى ، فالولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج القومي الإجمالي، الذي بلغ سنة 2006 م حوالي 12168 مليار دولار، وهو عشرين ضعف اقتصاد الهند وتسعة أضعاف الصين وثلاثة أضعاف اليابان تقريباً وخمسة أضعاف ألمانيا وستة أضعاف بريطانيا، وتقدر ميزانيتها العسكرية لسنة 2006 م بأكثر من 476 مليار دولار(17)، أي مجموع ميزانيات الدفاع للدول التسعة التي تليها مباشرةً، وتساهم بربع ميزانية الأمم المتحدة وخمس ميزانية صندوق النقد الدولي. أما قابليتها العسكرية فلم تتقلص من حيث النفوذ والقوة عالمياً سوى أنها اتخذت إجراءات لإعادة هيكلتها(18)، كما تمتلك قوة ناعمة تتمثل في الطرازالسياسي والثقافي والإعلامي المعولم أمريكياً…كل هذا يزيد من قدرتها على التأثير في سلوك الآخرين، وهنا دعى جوزيف ناي في كتابيه ” ملزمون بالقيادة ” و” القوة الناعمة” إلى ضرورة جمع الولايات المتحدة الأمريكية بين القوة الصلبة التقليدية وأسلوب المؤسسة الليبرالية ودعم الديموقراطية وقيم حقوق الإنسان(19)  وهذا ما يؤهلها لاحتلال موقع الريادة مقارنة مع الاتحاد الأوروبي أو روسيا أو الصين.. وهنا تصطلح مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مصطلح الدولة التي لا غنى عنها أو الأمة الضرورة Indispensable Nation  للدلالة على دور الولايات المتحدة الأمريكية (20)  .

ب- هناك اتجاه فكري آخر، يرى أن النظام الدولي الحالي أقرب إلى التعددية القطبية مع فارق الاختلاف بين هيكل التعددية الراهن عن ذلك الذي ساد في القرن التاسع عشر، فإن مراكز القوى في النظام الدولي الجديد تمثل المجتمع الأمني المتعدد كما أسماه كارل دويتش، حيث اعتمدوا على عدم تمتع الولايات المتحدة بالقوة المطلقة، بمعنى القدرة على التأثير في جميع التفاعلات الدولية وكذا تعددية أقطاب الاقتصاد العالمي، حيث قدر الناتج القومي الإجمالي لليابان بأكثر من 4734.5 مليار دولار سنة 2006 م، أما الصين فيقدر ناتجها القومي الإجمالي بـ 1938 مليار دولارسنة 2006 م، بنسبة نمو سنوية تقدر بـ 9.4% سنة 2006 م، كما أن تداخل المصالح الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية هو في تزايد ولصالح الصين، حيث ارتفعت صادراتها للولايات المتحدة خلال الستة عشر عامًا الماضية بأكثر من 1600%، أما صادرات الولايات المتحدة للصين فقد زادت في نفس الفترة بنسبة 415 % وزادت احتياطاتها من النقد الأجنبي حيث تجاوزت609 مليار دولار سنة 2004 م (21) .

ج- هناك اتجاه ثالث يرى أن النظام الدولي، هو في طور النشأة، والمرحلة الحالية هي مرحلة  انتقالية من نظام  القطبية الثنائية إلى نظام توازن القوى . فرغم انتهاء الحرب الباردة إلا أن النظام الدولي لا يزال يحتفظ بمؤسساته ومنظماته الدولية، كما أن تفكك الاتحاد السوفياتي لم يتبعه زوال حلف الأطلسي، ولاستمراره يجب أن تكون أدواره وفق السياقات أوالمسارات التي يعمل بها النظام الدولي كالهيمنة والقطبية وتوازن القوى وتوازن المصالح والتنافس والتوافق الدولي(22).

أولاً: الهيمنة والقطبية : بعد نهاية الحرب الباردة حدث الكثير من الخلط بين مفهوم الهيمنة ومفهوم القطبية، خصوصًا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الثانية التي ضاعفت من مكاسب الولايات المتحدة وقوتها، وهو ما حمل على الاعتقاد بأن حالة القطبية لا تزال قائمة وأنها ستكون أحادية، ومركزها الولايات المتحدة الأمريكية.

 فالقطبية مشتقة من القطب، وهو الرحى، أي الحديدة التي يدور عليها القطب الأعلى من الرحيين، مثلما تدور الكواكب حول الشمس ، أما الهيمنة فهي مشتقة من الفعل هيمن، وهو من أمَّن غيره من الخوف ووفر لهم الأمان(23)

أما إصطلاحاً فيمكن حصر الفوارق بين المفهومين في النقاط الآتية:

أ- الهيمنة ظاهرة سياسية سابقة لنشأة النظام الدولي الذي أسس منذ معاهدة وستفاليا سنة 1648م، حيث مارست الإمبراطورية الرومانية الهيمنة على عدد من الشعوب والحضارات القديمة، كما نجد أن الدولة العثمانية فرضت هيمنتها على كثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وكذلك بريطانيا التي أدت دور حامل ميزان القوى بأوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى(24). وهو ما يساعد على فهم السياسة الدولية وتحليلها عبر مراحل تاريخية مختلفة.

أما القطبية فقد ظهرت لتفسير العلاقة بين القوتين العظميين في زمن الحرب الباردة ، وهي تفسر مرحلة معينة.

ب – تزامن ظهور مفهوم القطبية مع تعاظم دور الإيديولوجيا في العلاقات الدولية في حقبة الحرب الباردة، فهي إدراك مجموعة كبيرة من الدول أن أمنها و قيمها و مصالحها الحيوية مرتبطة بما يوفره لها القطب من حماية سياسة واقتصادية وعسكرية إزاء تهديدات القطب الآخر(25).

   أما الهيمنة فإرتكزت على عوامل قوة الدولة وكيفية توظيفها للتأثير على الآخرين، فالهيمنة ذات طابع إدراكي قد يمكن دولة ما من الخروج عن سياسة القطب، وهو ما فعلته الصين مع الاتحاد السوفياتي وفرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ج- إن الهيمنة قد تتخذ مستويات وأشكال متعددة، فقد تكون على مستوى إقليمي أساسه القوة المالية والاقتصادية مثل اليابان في علاقاتها بدول الباسيفيك وجنوب شرق آسيا وألمانيا بأوروبا، وقد تكون على مستوى عالمي، وذات طابع عسكري وهو حال الولايات المتحدة الأمريكية التي لها وجود عسكري في أغلب مناطق العالم.

  أما القطبية سواء كانت أحادية أو تعددية فهي نظام افتراضي في تاريخ العلاقات الدولية(26)، ففي العلوم الطبيعية لا يمكن أن نتحدث عن قطبية أحادية أو تعددية بل تكون دائمًا ثنائية، وهذا ما يجب أخذه في الاعتبار إذا أردنا وصف عالم ما بعد الحرب الباردة. فهي تحتاج إلى سند أيديولوجي لممارسة دور القطب، والولايات المتحدة ذات قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية عظمى، لكن تواجه تحدياً من حلفائها في أوروبا التي تسعى إلى بناء سياسة أمنية ودفاعية وخارجية مشتركة مستقلة عن الولايات المتحدة، خصوصًا بعد تراجع الأيديولوجية الماركسية عالميًا.

   أما أوروبا واليابان فهما يفتقران إلى أيديولوجية عالمية رغم قدراتهما الاقتصادية والمالية(27)، فأوروبا لاتملك نسيج أو بناء موحد من القيم الفكرية والأيديولوجية المتميزة ،    وسلطة مركزية تمتلك حق اتخاذ القرار السياسي في الشؤون الدولية، أما اليابان فهي دولة    ” تقنوقراط” أو مجتمع شركات ورجال أعمال هدفها الاستمرار في نموها الاقتصادي، وتطوير صناعاتها، واهتماماتها بالسياسة الخارجية مقتصر على محيطها الإقليمي، كما أنها لا تمتلك إرادة وقيادة سياسية طامحة لممارسة دور القطب العالمي(28).

  وبناء على ما تقدم، فإن القطبية ستكون حالة افتراضية لفترة ما بعد الحرب الباردة، في حين ستكون للهيمنة حضور متميز في هذه العلاقات لاعتمادها على عوامل قوة الدولة، وهذا ما  يدفع إلى الاعتقاد بسيادة صراع الهيمنة في أهم المناطق الحساسة في هذه النظام، مثل صراع الهيمنة بين اليابان والصين على منطقتي الباسيفيك وجنوب شرق آسيا، أو بين تركيا وإيران على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.. ومحاولة الولايات المتحدة ممارسة سياسة هيمنة عالمية، وهو ما يتطلب منها قدرات عسكرية واقتصادية ضخمة وإرادة سياسية تؤهلها لنشر قواتها في مختلف مناطق العالم من أجل الدفاع عن مصالحها، وعدم القدرة على تحمل أعباء هذه القوة سيحول دون استمرارها في الهيمنة العالمية(29).

  وعليه فالراجح أن تتخذ الهيمنة العالمية صيغة تضامنية بين مراكز القوة في العالم الغربي الرأسمالي، وسوف تكون قيادة الهيمنة بيد حلف شمال الأطلسي، بعد التزامه بوظائف جديدة تسمح له بالتدخل في مناطق العالم الثالث على اعتبار أنه المؤسسة الغربية الوحيدة التي يمكن أن تتوافق عليها مواقف وسياسات الدول الغربية في مسائل الأمن والدفاع(30)، ومن خلاله يمكن تحمل أعباء الهيمنة العالمية من خلال القدرات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية والقدرات الاقتصادية لليابان والاتحاد الأوروبي .

ثانيًا: توازن القوى وتوازن المصالح : تعتبر فكرة توازن القوى ظاهرة تاريخية سابقة لنشأة النظام الدولي، حيث طبقت مصر الفرعونية هذه الفكرة في علاقتها مع إمارتي فلسطين       وسوريا، حيث أثارت الخلافات والنزاعات بينهما لغرض اضعافهما والحؤول دون تحالفهما مع بعض ضدها(31). ثم أصبح توازن القوى الآلية الأساسية لاستقرار النظام الدولي لما بعد معاهدة وستفاليا من خلال القوة لمنع تجاوز أي دولة على سيادة ومصالح باقي الدول، وهو ما نص عليه في معاهدة أوترخت سنة 1713م. لكن هل انتهاء الحرب الباردة أوجد نظامًا جديدًا لتوازن القوى؟.

يرى بعض الباحثين أن بانتهاء الحرب الباردة ظهر اختلال في ميزان القوى نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنه استقر عند المستوى الإقليمي للقوة.

    أما الآخرون فيرون انعدام التوازن حتى على المستوى الإقليمي بسبب تراجع دور القوة والإيديولوجيا في السياسة الدولية، وهو ما دفع بالدول إلى انتهاج سياسة واقعية أساسها إعطاء الأولوية لتوازن المصالح على حساب توازن القوى(32). فالهدف من توازن القوى ليس فقط الحؤول دون تهديد الدولة الأقوى في النظام الدولي، وإنما هوأيضًا آلية سياسة لاستقرار النظام الدولي(33). وباعتبار الدول من أهم وحدات النظام العالمي، والتي هي قوى متنوعة ومترابطة، فإن التوازن في قوتها يصبح حالة ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار بينها، وبالتالي لا يمكن تصور وجود توازن في النظام الدولي عند المستويات الإقليمية وانعدامه في المستويات العالمية، لأن النظام هو وحدة مترابطة بين أجزائه، وعدم الأخذ بهذا الرأي معناه أننا نجرد القوى العظمى والكبرى من صفة الدولة.

أما توازن المصالح فهو مصطلح مظلي يأخذ عدة معانٍ منها:

أ- جانب سياسي : يعني حق الدولة في اختيار نظامها السياسي وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والمساواة في التمثيل الدبلوماسي.

ب – جانب إيديولوجي : يتمثل في حق المحافظة على القيم والتقاليد والثقافة السائدة.

ج- جانب أمني : هو حق في التسلح اللازم لحماية الأمن والسيادة والدفاع عن النفس ضد أي اعتداء أجنبي.

د- جانب اقتصادي: يعني حق كل دولة في تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي والتساوي مع غيرها في المبادلات التجارية والاقتصادية(34).

وفي الغالب ارتبط توازن المصالح بتوازن القوى، وهنا نميز بين ثلاثة أنواع من المصالح حسب تقسيم روبنسون للمصالح وهي:

أ- المصالح المتوافقة : هي توافق أو التقاء مصالح مجموعة من الدول في مجالات معينة،  وقد تتكتل هذه الدول لتعظيم مكاسبها مثل الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، فهي متوافقة في مجال معين، وهو تصدير النفط ومراقبة الأسعار، في حين تختلف في مجالات أخرى كالسياسة والأمن والتطلع الحضاري، فهو حالة استثنائية، باعتبار أنها ليست مستمرة في النظام الدولي، وهي على نطاق محدود.

ب – المصالح المتطابقة : وهي المصالح الثابتة نسبيًا خلال فترات طويلة، تجمع بين المصالح العامة والخاصة لدوليتين أو أكثر(35).

ج- المصالح المتناقضة : إن الدفاع عن المصالح المتنامية يجب أن يتلازم معه زيادة في قوة الدولة، حتى تردع أي تهديد لمصالحها، وهي تشكل القاعدة في العلاقات الدولية حسب المنظور الواقعي. فتوازن المصالح آلية رخوة لا يمكن أن تكون بديلاً عن آليات توازن القوى التي تبقي على طابعها العالمي(36)، رغم تحول النظام الدولي من الثنائية القطبية إلى الهيمنة الجماعية لقوى العالم الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.

    فتوازن القوى آلية أساسية للمحافظة على الهيمنة، لأنها ترتكز على القوة حيث أن التوازن في قوى هذه المراكز سيكون خير ضامن لوحدتها ودوام هيمنتها العالمية، ومن ناحية أخرى ستكون أوروبا مركز التوازن العالمي، وأي اختلال للعلاقة بين أعضائها سيؤثرعلى الاستقرار العالمي(37)، وهذه الحقيقة هي سبب إبقاء الغرب على حلف الأطلسي وتطويره بعد الحرب الباردة، فقد يؤدي إلغاء الحلف إلى عودة العلاقات الأوروبية لما كان سائداً في القرن التاسع عشر، وألمانيا ستندفع إلى وسط وشرق أوروبا بحثاً عن مجالها الحيوي، وسوف تبعث المشاعر القومية والدينية في المنطقة، وهو ما يعني العودة إلى سياسات الأحلاف والأحلاف المضادة. فالحلف الأطلسي هو حامل التوازن في أوروبا مثلما كانت بريطانيا في القرن التاسع عشر .

ثالثًا: التنافس والتوافق الاقتصادي: قامت الثنائية القطبية على ثلاث ركائز أساسية هي: الإيديولوجية والقدرة التدميرية والقدرات الاقتصادية، وعلى أساسها تم الانقسام العالمي إلى معسكرين متقابلين، وبعد سقوط المعسكر الشرقي تراجع دور الإيديولوجيا أمام قوة التنافس الاقتصادي على صعيد المبادلات التجارية وتأمين مصادر الطاقة والمواد الأولية، والتحكم في حركة رأسمال العالمية عبرالسيطرة على البنوك والمؤسسات المالية العالمية وبورصات العملات والتقنية الرائدة، وما يرتبط بها من مهارات بشرية وعلمية فضلاً عن التسابق على إقامة تكتلات اقتصادية قائمة على اقتصاد السوق(38)، فالمنافسة الاقتصادية هي ظاهرة أصيلة وشرط تقدم النظام الرأسمالي، وتجسدت في أشكال مختلفة مثل التنافس بين العمال والرأسماليين حول تملك وسائل الإنتاج، والتنافس بين الشركات الرأسمالية داخل الاقتصاد الوطني في فترة ما بين الحربين بين شركتي جنرال موتورز و فورد على صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى مستوى ما بين قوى العالم الرأسمالي بعد أن تحولت الدولة إلى أكبر محتكر رأسمالي خاصة في مجالي الصناعة العسكرية وتقنية المعلومات(39)، ومنذ عقد السبعينيات بدأت هذه القوى تسعى إلى التكامل الاقتصادي إثر دخولها مرحلة الثورة العلمية والتقنية لإحتواء أزمات المنافسة الشديدة مثل نادي باريس للدول الصناعية الثمانية وانتشار مقارالشركات المتعددة الجنسيات في أمريكا واليابان وأوروبا، وإقامة الاتحاد الأوروبي وهناك جهود لجعل الاقتصاد العالمي اقتصاداً داخلياً على غرار الاتحاد الأوروبي، خصوصًا في مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي سابقًا مثل وسط وشرق أوروبا ودول العالم الثالث، وهو شرط ضروري لتكوين سوق دولية تضمن تطور رأسمالية ما بعد الحرب الباردة(40).

   والهيمنة التضامنية تحقق المنافسة الاقتصادية الهادئة، ذلك لأن الهيمنة لا تلغي المنافسة، بل تجعلها قائمة على أساس التعاون والتنسيق بين هذه القوى في إطار قيادة جماعية لاقتصاد العالمي، تسمح بحل الأزمات الناتجة عن المنافسة وعدم تحويلها إلى منافسة حادة، مثل الاتفاق على منع الحرب التجارية، والتوافق على استمرار التقسيم الحالي للعمل الدولي القائم على احتكارها للإنتاج التقنية والمعرفة العلمية الرائدة وبقاء دول العالم الثالث مصدرأً للطاقة والمواد الخام، والتوصل إلى صيغ جديدة للتجارة العالمية التي تجسدت في المنطقة العالمية للتجارة.

   لكن مع وجود قوى ذات قدرات عسكرية مناوئة للهيمنة تستطيع تهديد مصالح القوى الغربية وقطع طرق مواصلاتها التجارية والبحرية(41)، فإن مواجهة واحتواء هذا التهديد لابد أن يكون عبر حلف شمال الأطلسي، باعتباره الذراع العسكرية لحماية تلك المصالح ولتثبيت أركان الهيمنة الرأسمالية الغربية.

المطلب الثاني: الأمن الأطلسي جيوبوليتيكيا :

  كانت المواجهة بين الكتلة الشرقية والغربية صيغة صافية ونقية من صيغ المواجهة بين التالاسوكراتيا (القوة البحرية)، والتيلوروكراتيا (القوة البرية). فالميزان الجيوبوليتيكي للقوى لم يكن يعكس الثوابت الأيديولوجية فقط، بل والجيوبوليتيكية أيضًا. وعلى هذا الأساس، يمكن تقسيم العالم جيوبوليتيكا إلى:

أ- الآماد ضمن القارية تصبح قاعدة ثابتة للمحور الجغرافي للتاريخ (أرضًا قلبية) الذي يحتفظ بثبوتية الخاصية التيلوروكراتية الحضارية.

ب – الهلال الداخلي أو القاري (منطقة الحافة أو Rim Land) ويمثل مجال التطور الثقافي المتسارع.

ج- الهلال الخارجي أو الجزيري ((World Land الذي يمثل المجاهل الأرضية التي لا تفلح معها سوى المواصلات البحرية.

وهنا نركز دراستنا على مدرسة التالاسوكراتيا (أتباع ألفرد ماهان ونيكولاس سبيكان).

الأطلسية التقليدية : و تتمثل في :

أولا : القوة البحرية : ألفرد ماهان (1840 – 1914) :

يرى ماهان أن مفهوم القدرة البحرية يرتبط مباشرة بحرية التجارة البحرية، وأن دور الأسطول البحري هو ضمان تحقيق هذه التجارة، فهي نوع خاص من الحضارة، وقرطاج القديمة مثال على ذلك.

  ويقدم ماهان ستة معايير لقياس قوة الدولة، والتي ضمنها في كتابه القوة البحرية وعلاقتها بالحرب ، وهي كالآتي:

1- الموقع الجغرافي للدولة.

2- الهيئة الفيزيائية للساحل.

3- امتداد الخط الساحلي ومساحة الأراضي وإمكان الدفاع عنها.

4- الظهير القاري وعدد السكان الذين يساهمون في صناعة السفن.

5- الصفات القومية لسكان الدولة البحرية.

6- التوجه السياسي للدولة في تسخير الثروات الطبيعية لإنشاء قوة بحرية (42)

    والملاحظ أن ماهان عند وصفه لهذه المعايير كان متأثراً بتفوق البحرية البريطانية زمن الملكة فكتوريا (1837 – 1901م). فالحضارة البحرية تساوي حضارة تجارية.

    وكان ماهان من مؤيدي مبدأ مونرو(1823م) الذي يقوم على مبدأ عدم التدخل المتبادل بين أمريكا وأوروبا، لأن هذا سيسمح بالتوسع الترابي على الأراضي المجاورة، الذي بدوره سيمهد للسيطرة العالمية عبر بحرية قيادية ضاربة، وحدد شروط لذلك منها:

1- التعاون بفعالية مع البحرية البريطانية العظمى.

2- إقامة العراقيل في وجه البحرية الألمانية.

3- مراقبة ومقاومة التوسع الياباني في المحيط الهادي.

4- تنسيق العمليات المشتركة مع الأوروبيين ضد شعوب آسيا(43).

   وتوصل إلى أن التهديد الأكبر على الحضارة البحرية يتمثل في دول أوراسيا القارية، وبالذات روسيا والصين ثم ألمانيا، وهي نفس النتيجة التي توصل لها ماكندر. ويعتبر الأميرال ماهان أول من نقل مبدأ الأناكوندا الذي استخدمه الجنرال الأمريكي ماك كيلان في الحرب الأهلية الأمريكية إلى المستوى العالمي، وهو قائم على مبدأ حصار الأراضي المعادية من البحر وعبر الخطوط الساحلية، بهدف الاستنزاف الإستراتيجي التدريجي لقوات ومقدرات العدو، وقد طبق هذا المبدأ في الحرب العالمية الأولى ضد روسيا البلشقية بعد الصلح مع ألمانيا، وفي الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور واليابان، وأثناء الحرب الباردة، حيث كانت الإستراتيجية الأساسية لحلف الأطلسي وغيره من الأحلاف، حيث نجد حلف دول وسط آسيا “”Centoواتفاقية الدفاع المشترك بين أستراليا ونيوزيلاند والولايات المتحدة الأمريكية Anzus”” ومجموعة دول جنوب شرق آسيا “Asean” ضد الاتحاد السوفياتي في إطار مبدأ الوقف.

ثانيًا: نظرية المحور الجغرافي للتاريخ : هيلفورد ماكيندر (1861 – 1974) :

  تعتبر مقالة ” المحور الجغرافي للتاريخ” أول أعمال ماكيندر وأهمها، والتي نشرت في المجلة الجغرافية سنة 1904 م، حيث لاحظ أن:

– 75 % من مساحة الكرة الأرضية تشغلها مسطحات مائية.

– مساحة اليابسة تمثل 1/4 من مساحة العالم، منها كتلة ضخمة تقدر مساحتها بـ 1/6 من مساحة العالم، وأطلق عليها اسم الجزيرة العالمية يسكنها 14/16 من سكان العالم، بالاضافة إلى مجموعة جزر مثل الأمريكيتين وأستراليا تحيط بالجزيرة العالمية، تقدر مساحتها بـ 1/12 من مساحة العالم يسكنها 1/16 من سكان العالم، يتخللها محيط عالمي(43).

  ويؤكد ماكندرعلى أن الوضع الجيوبوليتيكي الأفضل لكل دولة هو الوضع المتوسط المركزي، وأن القارة الأوراسية، من وجهة نظر كوسموبوليتيكية هي مركز العالم، وتضم آسيا وأوروبا وأفريقيا شمال الصحراء، وذلك في مقالة له عام 1904م، غير أنه وسع من نطاقه ليشمل إفريقيا كلها في كتابهمثاليات الديمقراطية والواقع سنة 1912م ، حيث أن مركز أوراسيا هي منطقة الارتكاز التي سماها ” قلب الأرض” و تشمل واحد وعشرين مليون ميل مربع تمتد من نهر الفولغا غربًا إلى شرق سيبريا، ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى هضاب إيران وأفغانستان وبلوشستان وبحر البلطيق والبحر الأسود وآسيا الصغرى وأرمينيا والتبت ومنغوليا جنوبًا، وهذا المفهوم الجيوبوليتيكي متطابق جغرافيًا إلى حد كبير مع حدود روسيا الدولية، كما أكد أن غزو أوراسيا يكون فقط عبر أوروبا الشرقية، بعد أن فشلت القوى البحرية في السيطرة على الجزيرة العالمية.

ويحيط بقلب الأرض قوس من الأراضي الساحلية سماها ماكيندر بالهلال الداخلي ويتكون من: 1- المناطق الساحلية الأوروبية الواقعة غرب جبال الأورال.

2- الأراضي العربية الصحراوية في الشرق الأوسط و جنوب غرب آسيا.

3- المناطق الموسمية في آسيا، بما في ذلك الهند وجنوب شرق آسيا ومعظم أراضي الصين(44).

  وهو يمثل منطقة حضارية ذات تطورأكثر كثافة، وهو ما يدعم فرضية أن الحضارة ظهرت على ضفاف الأنهار والبحار، وهو ما حرص على إثباته كارل شميدت و نيكولاس سبيكمان ، أما ماكيندر فيرى أن مسار التاريخ تحكمه حركتان هما :

أ- من المراكز تجاه الأطراف : و كما سماهم غزاة البر لغرض السيطرة على الهلال الخارجي مثل حملات المغول والتتار وإسبرتا، وهم عادةً غير ديموقراطيين وغير تجاريين(المحور الجغرافي للتاريخ يمثل الاستبداد والتسلط ) .

ب- من الخارج : تنطلق من الهلال الجزيري، يقوم به قراصنة البحر أو سكان الجزر للسيطرة على الجزيرة العالمية أو إيجاد توازن بينها وبين الدفعات البرية المنطلقة من قلب الأرض، وهي ذات طابع ديموقراطي وتجاري مثل دولة أثينا وقرطاج. وبين هذين التقسيمين الجغرافيين والحضاريين، تقع منطقة الهلال الداخلي التي تكون عرضةً للتأثيرات الثقافية المختلفة، وهي بسبب موقعها أصبحت الأفضل حضارياً.

    وقد أكد ماكيندر الأفضلية الإستراتيجية للمحور الجغرافي للتاريخ في السياسة العالمية، حيث صاغ نظرية قلب العالم في الجملة الآتية: من يحكم شرق أوروبا يسيطر على قلب الأرض، ومن يحكم قلب الأرض يسيطر على الجزيرة العالمية ، ومن يحكم الجزيرة العالمية يسيطر على العالم” (45).

   كما يؤكد على أهمية الدور السياسي لروسيا بحكم المعطى الجيوبوليتيكي حيث يشبهه بأهمية موقع ألمانيا بأوروبا، وتأسيسًا على هذا يرى ماكيندر أن المهمة الأولى للجيوبوليتيكا الأنجلوساكسونية هي منع تشكيل اتحاد إستراتيجي قاري بين روسيا وألمانيا، لأنه سيدفع فرنسا إلى بناء تحالف مع قوى البحر، بالاضافة إلى السيطرة على الهلال الخارجي وإخضاعه للحضارة الجزيرية(46)، لمنع استغلال الموارد غير المحدودة للقوى القارية. وقد شارك ماكيندر في تحقيق وجهة نظره من خلال مشاركته في مؤتمر فرساي الذي جعل من أوروبا الغربية القاعدة الساحلية للقوى البحرية بالاضافة إلى إيجاد نطاق صحي عازل بين الجرمان والسلاف، يحول دون تكوين حلف قاري إستراتيجي نواته ألمانيا وروسيا.

  كما عدًل ماكيندر من نظريته سنة 1943 م، على ضوء تحولات الحرب العالمية الثانية في مقالة بمجلة Foreign Affairs، حيث رأى أن التهديد الحقيقي هو من الاتحاد السوفياتي وليس من ألمانيا، واقتطع من قلب الأرض أراضي سيبيريا الشرقية الممتدة وراء اليينيسي، وأطلق عليها اسم لينالند Lina Land نسبة إلى نهر لينا Lina، وهذا معناه هلال داخلي يمكن للدول الجزيرية استخدامه ضد المحور الجغرافي للتاريخ، كما دعى إلى إقامة منطقة الحوض الأوسط الذي يضم شمال المحيط الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا لتوثيق الروابط الصناعية والعسكرية بين دوله ، كذلك دعى إلى التعاون بين قلب الأرض والحوض الأوسط لمواجهة العسكرية الألمانية.

ثالثًا : مركزية مناطق الحواف : نيكولاس سبيكمان (1943 – 1893) :

قام سبيكمان بنقد أنموذج ماكيندر، وصاغ أنموذجًا يختلف قليلاً عن أنموذج المحور الجغرافي للتاريخ، حيث يقوم على:

1- عدم المبالغة في تقييم للأهمية الجيوبوليتيكية لقلب الأرض.

2- يعتبر سبيكمان أن التاريخ الجغرافي للهلال الداخلي قد نشأ من تلقاء نفسه، وليس بتأثير من قلب الأرض الذي هو حسبه مجرد مصب لروافد الحضارة من المناطق الشاطئية.

3- يقدم سبيكمان معادلة موازية لفرضية ماكيندر القائلة بأن : “من يحكم شرق أوروبا يسيطر على قلب الأرض، ومن يحكم قلب الأرض يسيطرعلى الجزيرة العالمية، ومن يحكم الجزيرة العالمية يسيطرعلى العالم”. ويقترح صيغة أن : “من يحكم الأراضي الهامشية يسيطرعلى أوراسيا، ومن يحكم أوراسيا يسيطرعلى العالم” (47).

فسبيكمان لم يفهم المنطقة الشاطئية كتشكيل جيوبوليتيكي، وإنما كميدان للمواجهة بين النمط البحري والنمط البري.

   ففي تناسب القوى على أطراف المنطقة الشرقية يكمن مفتاح مشكلة السيطرة العالمية، كما قدم عشرة معايير لحساب قوة الدول في كتابيه ” الإستراتيجية الأمريكية في السياسة العالمية ”    و” جغرافيا السلام ” وهي : سطح الأرض ، طبيعية الحدود، عدد السكان، توافر أو انعدام الثروات الطبيعية، التطور التقني والاقتصادي، الروح الوطنية، الاستقرار السياسي، القوة المالية، التجانس الإثني، ومستوى التكامل الاجتماعي. كما قدم سبيكان مفهوماً في غاية الأهمية وهو المحيط المتوسط، وهنا يوازن بين أهمية البحر المتوسط بالنسبة لحضارات أوروبا وشمال أفريقيا و جنوب غرب آسيا، وبين المحيط الأطلسي بالنسبة للحضارة الغربية المعاصرة، التي تشمل الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، حيث يصبح المحيط الأطلسي بحيرة داخلية وسط قارة أطلسية قاعدتها نيويورك، التي هي مركزها العصبي وآلية قوتها ومجمعها التجاري والصناعي والعسكري وتكون فيه دول أوروبا الغربية ملحقة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبصورة تدريجية تتقلص استقلاليتها السياسية وتنتقل الرئاسة في هذا التجمع للأفضل (الولايات المتحدة الأمريكية).

   وقد أكد سبيكمان أن السيطرة الكاملة على أطراف الحواف من طرف الدول البحرية، سيؤدي إلى النصر النهائي على القوى البرية، وهذا تطويرًا “لإستراتيجية الأناكوندا، التي أكد عليها ألفرد ماهان، والتي استعرضت فاعليتها مع نهاية الحرب الباردة.

رابعًا : الأطلسية المعاصرة : قام الدكتور ماينينغ سنة 1956م، بنشر مقالة ” قلب الأرض     ومناطق الحافة في التاريخ الأوراسي” ركز فيها على أن المقاييس الجيوبوليتيكية يجب أن تضع في الحسبان التوجه الوظيفي للسكان والدولة، وليس فقط العلاقة الجغرافية الصرفة لليابسة والبحر”(48).

وقام بتقسيم مناطق الحواف إلى أربعة مناطق استنادًا إلى توضعها الوظيفي الثقافي وهي :

1- المناطق المائلة عضويًا إلى قلب الأرض، وتضم : الصين، منغوليا، فيتنام الشمالية ، بنغلاديش ، أفغانستان، أوروبا الشرقية ودول البلطيق وروسيا.

2- المناطق المحايدة جيوبوليتيكيا وتشمل كوريا الجنوبية، بورما ،الهند، العراق، سوريا ويوغوسلافيا.

3- المناطق المائلة إلى الحلف التالاسوكراتي وتضم: أوروبا الغربية، اليونان، تركيا، إيران، باكستان، تايلاند.

4- وفي سنة 1965 م، قام كيرك بتطوير نظرية سبيكمان حيث وضع أنموذجًا تاريخيًا   متعلق بأهمية مناطق الحواف التي كانت مصدرًا للتدفقات الحضارية إلى دواخل القارة (49).

  كما اقترح سول كوين في كتابه ” الجغرافيا السياسية في عالم مجزأ ” تقسيم الوقائع الجيوبوليتيكية إلى نوى وأحزمة، وهي كالآتي :

1 – الوسط الخارجي البحري المرتبط بالموانئ و بالأسطول البحري.

2 – النواة القارية التي تعني المناطق الداخلية البعيدة عن الشاطئ.

3 – الحزام المتقطع الذي يشمل القطاعات الشاطئية.

4 – المناطق غير المرتبطة جيوبوليتيكا بهذه المجموعة(50).

وقد طبق هنري كسينجر تقسيم الأحزمة المتقطعة وربط بين المناطق الشاطئية في حزام محيط بالاتحاد السوفياتي.

     ومع التطور التكنولوجي المتزايد الذي أدى إلى غزو الفضاء، فقد أسس لجيوبوليتيكا الفضاء عبر نظم التسلح الجديدة، الطيران الإستراتيجي، الصواريخ والأسلحة الذرية العابرة للقارات ونقل الأسلحة إلى المدار الأرضي والغزو الإستراتيجي للفضاء الخارجي.. وهو ما قلص من نسب البعد الكوني القائم على العوامل الجيوبوليتيكة القديمة على أساس القوة البحرية أو البرية والقواعد القارية أو البحرية.

    وأمام ثنائية البر والبحر أصبح لدينا ثنائية أخرى هي سلطة الجو (الإيروكراتيا) والسلاح النووي، وسلطة الأثير (الأثيروكراتيا) و برنامج حرب النجوم، وهما يمثلان حسب كارل شميدت التطور التالي ” لنوموس البحر”، لأن الهدف من غزو الفضاء هو تمييع الوسط الذي يتوافق مع العمليات الثقافية والحضارية، فهو امتداد لتقاليد التالاسوكراتيا التي تفرض على  الطرف الآخر خوض مبارزة إستراتيجية وفق شروطها، إذ حقق الاتحاد السوفياتي نوعًا من التوازن النسبي في مجال الإيروكراتيا (السلاح النووي و سلاح الطيران) (51)، لكنه انهزم في ميدان التقنيات المرتبطة بحرب النجوم التي أدت إلى الهزيمة الجيوبوليتيكية ونهاية الحرب الباردة.

الأطلسية بعد نهاية الحرب الباردة : بعد سقوط الكتلة الشرقية كان من الضروري إيجاد نماذج جيوبوليتيكية مبتكرة، تتناسب مع النظام العالمي الجديد، وهناك اتجاهان أطلسيان متعاكسان لقراءة الوضع الدولي القائم، وهما :

1- الأطلسية الجديدة : ترى هذه النظرية أنه رغم نهاية الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب في إطار الحرب الباردة، فإنه لم ينه الانقسام العالمي حول الحضارات والقيم الأخلاقية الراسخة لدى الشعوب، وهو ما ينبأ بتشكل أحلاف أوراسية جديدة مع بروز مناطق جيوبوليتيكية أخرى غير الأوراسية مرشحة للدخول في صراع مع الغرب، وأهم من عبر عن هذه الرؤية صموئيل هنتينغتون، في نظرية صدام الحضارات التي هي تلخيص للمشروع الجيوبوليتيكي الأمريكي الذي كان بعنوان “التحولات في الأمن الكوني والمصالح القومية الأمريكية “، ويعتبرهنتينغتون أن النجاح الإستراتيجي لحلف الأطلسي والمترافق مع صياغته الجيوبوليتيكية الرافضة للشيوعية، لم يبلغ أعماق الطبقات الحضارية العميقة التي سرعان ما ستشكل شخصية جغرافية بتعبير سافيتسكي، التي تخلصت من القوالب الإيديولوجية الجامدة، وهذا ما يفسرالعودة القوية لظاهرة التدين حسب جورج ويجل (52).

 ويقسم هنتينغتون العالم إلى ثماني حضارات، وهي :

1-1- الحضارة الغربية (أمريكا الشمالية و أوروبا الغربية).

  • الحضارة السلافية – الأرثوذكسية.

1-3- الحضارة الكونفوشوسية.

1-4- الحضارة اليابانية.

1-5- الحضارة الإسلامية.

1-6- حضارة أمريكا اللاتينية.

1-7- الحضارة الإفريقية (محتملة).

  • الحضارة الهندوسية.

   كما يرى أن الانقسامات الكبرى ستكون ثقافية(53)، وستحافظ الدولة القومية على مكانتها باعتبار أنها أهم الفواعل الدولية، غير أن النزاعات الأساسية في السياسة العالمية ستكون بين الأمم والمجموعات الحضارية المختلفة والحدود الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المواجهة في المستقبل (54) .

 وهذه الحضارات متباينة في القوة والتأثير ومغايرة للحضارة الغربية، وبالتالي يجد الغرب نفسه في مواجهة الآخرين انطلاقًا من معادلة ” الغرب والآخرين ” The West And The Rest “، (الغرب وبقية العالم) وهذا يستوجب الاستعداد والتنسيق بين ضفتي الأطلسي.

ويقدم هنتينغتون مجموعة من النصائح التي على الغرب الأخذ بها وهي:

– ضمان استمرار التعاون الأطلسي الذي يجمع بين أوروبا وأمريكا الشمالية.

– دمج أوروبا الشرقية وأمريكا الشمالية في إطار الحضارة الغربية.

– توثيق العلاقات مع روسيا واليابان.

– ضمان استمرار التفوق العسكري الغربي، وبالذات في الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا.

– دعم المجموعات ذات التوجه الغربي داخل الحضارات الأخرى.

– الحد من التطور العسكري للدول الإسلامية والدول الكونفوشوسية.

– استغلال التناقضات القائمة بين الدول الكونفوشوسية والدول الإسلامية للحؤول دون قيام تحالف بينهما.

– عدم السماح بتحول النزاعات المحلية إلى حروب كونية.

– دعم المؤسسات العالمية التي تعكس المصالح الغربية، وجذب الدول غير الغربية إليها(55).

    ففي تركيز هنتينغتون على الثقافة والفروق الحضارية، يكون أقرب إلى الفلسفة العضوية،  التي تنظر إلى البنى الاجتماعية والدول ليس كتكوينات آلية أو إيديولوجية، بل كصيغ للحياة.

   ويؤكد أن الصين والدول الإسلامية من الأعداء المحتملة، وهذا يعكس تأثير دراسات ماينينغ وكيرك على المناطق الحواف، خلافًا لرأي بول وولفوفتز الذي رأى أن الخطر الأكبر يكمن في الانبعاث الروسي (قلب الأرض) وهنا هو أقرب إلى ماكيندر من سبيكمان.

2- نظريات العولمة: وهنا نجد :

2-1- نظرية نهاية التاريخ : يرى فرانسيس فوكوياما أن بانتهاء المواجهة الجيوبوليتيكية بين الشرق والغرب، انتهى التاريخ، حيث حسم لصالح الغرب وبشكل نهائي، وأصبح العالم واحدًا، بعد سقوط اللاعقلانية المتمثلة في قانون القوة والظلم والإدارة اللاعقلانية للواقع الاجتماعي في الاتحاد السوفياتي(*)، لتتجه الإنسانية نحو البناء العقلاني المتجسد في الليبرالية والسوق الحرة التي ستوحد العالم في آلية عقلانية منسقة(56).

2-2- نظرية الجيوإيكونوميكا: يقترح جاك أتالي تصوراً خاصاً للمستقبل على أساس ليبرالي – ديموقراطي، وأن تصور وسائل الإعلام والاتصال والمواصلات جعلت العالم واحدًا بعد أن قسمته الثنائية الجيوبوليتكية، التي تقوم على العوامل الأيديولوجية والإثنية والدينية ونوعية السكان والثقافات.

والجيوإيكونوميكا قائمة على أساس الواقع الاقتصادي (مراكز البورصات العالمية، الخامات الطبيعية، المراكز الإعلامية، الصناعات الكبرى..). أما في جانبها السياسي فهي تهدف إلى تأسيس حكومة عالمية أو دولة عالمية واحدة.

 ويقسم أتالي الجيوإيكونوميكا العالمية إلى ثلاثة أقطاب في العالم الواحد، وهي:

أ- المجال الأمريكي : يضم الأمريكيتين في نظام مالي وصناعي واحد.

ب- المجال الأوروبي : يتمثل في توحد أوروبا اقتصاديًا.

ج- منطقة المحيط الهادي: أو كما تسمى أيضًا بمنطقة الازدهارالجديد، ولها عدة مراكز متنافسة منها طوكيو، تايوان، سنغفورة…

2-3- العولمة ما بعد الكارثية : يعتبر كارلو سانتورو أن النظام الدولي في مرحلة انتقالية من نظام القطبية الثنائية إلى نظام تعدد الأقطاب، وهو ما عبر عنه جاك أتالي في نظرية الجيوإيكونوميكا، ويختلف عن فوكوياما من حيث تفاؤله بدور المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة لتكون نواة للحكومة العالمية، باعتبار أنها من مخلفات نظام القطبية الثنائية، ويرى أيضًا أن العالم لا يزال يحتفظ بطابع الجيوبوليتيكا الذي ساد في الحرب الباردة، وهذا ما يؤدي إلى كوارث حضارية.

وفي صيغة توفيقية بين الأطلسية الجديدة والعولمة يحدد سانتورو سيناريو يتضمن عدة خطوات لتحقيق الدولة العالمية، وهو على الشكل الآتي:

أ- تراجع دور المنظمات العالمية.

ب- تزايد النزعة القومية ضمن دول حلف وارسوا سابقًا وكذا في دول العالم الثالث، وهو ما يؤدي إلى فوضى دولية.

ج- تصادم الأحلاف التقليدية وانهيار الدول القائمة.

د- قيام حروب من المستوى الصغير والمتوسط، وهو ما يؤدي إلى تكتلات جيوبوليتكية جديدة.

ذ- خطر الفوضى الدولية وتهديداتها الذي سيؤدي بالأحلاف إلى ضرورة إقامة مؤسسات عالمية جديدة ذات صلاحيات هائلة.

ر- إقامة دولة عالمية ذات مرجعيات دولية جديدة(57).

المطلب الثالث: استمرار الحلف :

    يرى معظم أصحاب النظرية الواقعية أن نهاية الأحلاف الدولية تكون نتيجة الانتصار    أوالهزيمة في الحرب، ويؤكد هانس مورغانتو أن انتهاء الحلف الدولي يكون نتيجة الخسارة في الحرب، أما الانتصار فيها فإنه عادة ما يؤدي إلى ضموره نتيجة سقوط الحلف المضاد له، بسبب خسارة الحرب أو لانهيار داخلي وهذا ما يفقده الحيوية وسبب الوجود (58).

  أما ليسكا Liska فيرى أن الأحلاف الدولية تنشأ ضد طرف معين، لكن سرعان ما تنهار بعد كسب الحرب أو توصل حليف رئيسي إلى سلام منفصل، ويؤكد أنه للمحافظة على استمرار الحلف يجب تطوير أيديولوجيته أو استمرار وجود القوة المحورية فيه، كما يتطلب أيضًا تقليص عدد أعضائه لزيادة المكاسب التي يحصل عليها الأعضاء المؤثرين فيه، كما أن تزايد أعضائه يمكن أن يؤدي إلى زيادة الخلافات وتراجع الكفاءة. وهو ما يؤثر على درجة تماسكه(59).

   ويرجع سولفيان استمرار الحلف إلى غموض الأهداف وتعددها، كما أن الأحلاف تنتهي عندما تصبح نفقاتها أكبر من عوائدها، بالاضافة إلى التخوف من تآكل سيادة الدولة بسبب الارتباط الطويل الأمد بالأحلاف.

   كما يرجع تيار آخر استمرار الأحلاف إلى الآليات التي يوجدها الحلف للتعاون أما ستيفن والت فيرى أن تشكل الأحلاف هو رد فعل على التهديد، يكون إما بمواجهة مصدر التهديد    أو الالتحاق والانضمام إليه(60)، وتتفكك الأحلاف عند تراجع هذا التهديد أو عدم توافق أعضائه على مصادر تهديد جديدة .

وقد وضع والت خمسة محددات لبقاء أو انهيار الأحلاف الدولية وهي:

1- وجود قوة مهيمنة.

2- المصداقية.

3- إدراك التهديد.

4- السياسات الداخلية.

5- أثر المؤسسة(61).

  وإذا حاولنا اسقاط هذه المحددات على الحلف الأطلسي بعد انهيار حلف وارسو ثم الاتحاد السوفياتي فإننا نجد :

1- وجود قوة مهيمنة : تتمثل القوة المهيمنة في التفاعلات الأطلسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تصدت للأصوات الداعية إلى انهاء الحلف و تحملت أكثر من 60% من ميزانية الحلف المشتركة، وقدمت مزايا أكثر جاذبية عن باقي الحلفاء.

2- المصداقية : كان حلف شمال الأطلسي طوال الحرب الباردة الضمانة شبه الوحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الأورو- أطلسية، وتأكد هذا الدور في حروب البلقان التي هددت الأمن والاستقرار الأوروبي، بعد أن تأكد عجز الأوروبيين عن مواجهتها، كما أن استمراره يدعم الترابط الأوروبي – الأمريكي، خصوصًا أن الولايات المتحدة متخوفة من عزلها عن ترتيبات الأمن الأوروبي .

3- إدراك التهديد : عند إنشاء الحلف تمثل الهدف الرئيسي منه في الدفاع عن أمن المنطقة الأورو- أطلسية وكان مصدر التهديد يتمثل في الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كان هناك إجماع على وجود مصادر تهديد جديدة تمثلت في :

أ- النزاعات العرقية والقومية الناشئة عن تحولات البيئة الإستراتيجية في شرق ووسط أوروبا والبلقان.

ب- صعوبة التحول والإصلاح الديموقراطي في شرق أوروبا.

ج- التخوف من حدوث تطورات سياسية سلبية في روسيا وتفجر الصراعات داخل الفيدرالية الروسية.

د- التخوف من تكوين كومنولث للدول المستقلة ذي توجه أوراسي.

ذ- حدوث حروب في قوس الأزمات الشرقي (دول القوقاز وآسيا الوسطى).

ر- قيام صراعات داخلية وحروب دولية في القوس الجنوبي للأزمات (الدول العربية).

 فهذه التهديدات وغيرها أعطت المسوغ لبقاء حلف شمال الأطلسي واستمراره.

4- السياسات المحلية : كانت قضية بناء سياسة للأمن والدفاع والخارجية للاتحاد الأوروبي من أهم القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة، حيث كانت فرنسا تهدف إلى استقلالية أوروبية في مجال الأمن والدفاع والسياسة الخارجية المشتركة بعيدة عن المظلة الأمنية الأمريكية، في حين رأت بريطانيا ضرورة المحافظة على الروابط الأوروبية والأمريكية، وقد تم التوصل إلى حل وسط تمثل في موافقة الولايات المتحدة على تشكيل عناصر عسكرية أوربية مميزة داخل الحلف وإمكان تكليف اتحاد غرب أوروبا بقيادة بعض العمليات العسكرية مع استخدام موجودات الحلف، وهذا يتطلب ترخيصاً جماعياً مسبقاً من دول الحلف، بما فيها الولايات المتحدة.

5- أثر المؤسسية : تقوم منظمة حلف شمال الأطلسي على بنية إدارية مركًبة تحكم نشاط الحلف وتحدد كيفية اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها، كما تم التكٌيُف مع تغيرات و تحديات البيئة الأمنية الجديدة، حيث كيفت عقيدة الحلف العسكرية وهيكل القوة و تقاسم الأعباء داخل الحلف مع إقامة مهام جديدة.

 

المراجع:

(1) د- بطرس بطرس غالي، حلف الأطلنطي ( القاهرة: المطبعة الأنجلومصرية ، 1961م ) ، ص 6 .

(2) د- إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية : دراسة في الأصول و النظريات    ( القاهرة :  المكتبة الأكاديمية ، 1991م) ، ص 346 .

(3) توفيق محمد عطية، توسيع حلف شمال الأطلسي : الدوافع ، المواقف، المشكلات(القاهرة : الهيئة العامة للاستعلامات ، 1998م ) ، ص 1 .

(4) د- محمد المجذوب، التنظيم الدولي (بيروت :  منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002م ) ، ص 472 .

(5) د- إسماعيل صبري مقل ، العلاقات السياسية الدولية : دراسة في الأصول والنظريات ، المرجع السابق ، ص 347 .

(6) بيار جيربي، المنظمات الدولية، ترجمة محمد أحمد سليمان ( القاهرة : مؤسسة سجل العرب ، 1963م ) ، ص 176 .

(7) نافع أيوب لبس، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو): العضوية والتعاون (دمشق :  مركز الدراسات العسكرية ، 1996م )، ص 88 .

(10) نافع أيوب لبس، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي(الناتو) : العضوية والتعاون ، المرجع نفسه ، ص 90 .

(11) د- محمد نبيل فؤاد ، حلف شمال الأطلسي (الناتو) النظام العالمي الأحادي و مشروع الشرق الأوسط الكبير (القاهرة : مطابع دار الجمهورية للصحافة ، 2007م ) ، ص 38 .

(12) نافع أيوب لبس، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) : العضوية والتعاون ، المرجع السابق، ص 82 .

(13) نافع أيوب لبس، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) : العضوية والتعاون ، المرجع نفسه ، ص 85 .

(17) د- محمد نبيل فؤاد، حلف شمال الأطلسي (الناتو) النظام العالمي الأحادي ومشروع الشرق الأوسط الكبير، المرجع السابق ، ص 44 .

(18) نافع أيوب لبس، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) : العضوية والتعاون ، المرجع السابق ، ص 101.

(19) د- إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات، المرجع السابق ، ص 45.

(20) نزار إسماعيل الحيالي، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، رسالة دكتوراه منشورة ( أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية ، 2003م ) ، ص 12 .

(22)Thierry Monthrial Et Philippe Moreau Defares , RAMES 2007 , L ` EUROPE ET LE MONDE  ( Paris : Edition La Dunod , 2006) , p 322 .

(23) د- بهجت قرني ، من النظام الدولي إلى النظام العالمي، مجلة السياسة الدولية ، العدد 161 ( القاهرة : 2005م )، ص 43 .

(24) جوزيف ناي ، القوة الناعمة : وسيلة النجاح في السياسة الدولية ، ترجمة د- محمد توفيق البجيرمي ( الرياض : العبيكان للنشر، 2007م ) ، ص 14 .

(25) د- حسن أبوطالب ، هل يتجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية ؟، مجلة السياسة الدولية، العدد 161( القاهرة : 2005م )، ص 198 .

(26) د- ودودة بدران، الرؤى المختلفة للنظام العالمي الجديد ، في محمد السيد سليم (محرراً)، النظام العالمي الجديد( القاهرة : مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة ، 1994م ) ، ص 31 .

(27) د- ودودة بدران ، الرؤى المختلفة للنظام العالمي الجديد ، المرجع نفسه ، ص 29 .

(28) د- حسن أبوطالب ، هل يتجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية ؟ المرجع السابق ، ص 199 .

(29) د- نزار إسماعيل الحيالي، دور حلف شمال الأطلسي بعد نهاية الحرب الباردة ، المرجع السابق ، ص 15.

 (30) جيمس دورتي و روبرت بالتسغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة د- وليد عبد الحي(الكويت : كاظمة للنشر والدراسات والترجمة ، 1985م)، ص 11 .

(31) محمد أبو بكر الرازي ، مختار الصحاح ( القاهرة : المطبعة الأميرية ، 1925م ) ، ص 541 .

(32) أحمد وهبان ، العلاقات الأوروبية الأمريكية بين التحالف و المصلحة (القاهرة : مكتبة نهضة الشرق ، 1995م ) ، ص 11 .

(33) د- محمد طه بدوي ، مدخل إلى علم العلاقات الدولية ( بيروت : دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، 1972م) ، ص 236 .

(34) د- محمد طه بدوي ، مدخل إلى علم العلاقات الدولية ، المرجع نفسه ، ص 236 .

(35) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع السابق ، ص 17 .

(36) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع نفسه ، ص18 .

 (37) د- بطرس بطرس غالي ، مدخل إلى علم السياسة ( بيروت :  دار الجليل للطباعة ، بيروت ، 1967م )  ، ص 465 .

(38) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع السابق ، ص 21.

(39) د- إبراهيم أبو خزام ، الحروب و توازن القوى( عمان : دار الأهلية للنشر والتوزيع ، 1998م ) ، ص ص 60-61.

(40) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع السابق ، ص22 .

(41) د- يوسف ناصيف حتى، نظرية العلاقات الدولية( بيروت :  دار الكتاب العربي ، 1985م) ، ص 29 .

(41) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع السابق ، ص23 .

(42) د- نزار إسماعيل الحيالي ، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة ، المرجع نفسه ، ص 24 .

(43) د- نزار إسماعيل الحيالي، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة، المرجع نفسه ، ص ص 25- 27 .

(44) د- محمد محمود إبراهيم الديب، الجغرافيا السياسية : منظور معاصر(القاهرة : المكتبة الأنجلومصرية ، 1989م) ، ص643 .

(45) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا : مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي ، ترجمة د- عماد حاتم (بيروت : دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2004م ) ، ص 100 .

(46) أ- د- فايز محمد العيسوي، الجغرافيا السياسية المعاصرة ( الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 2002م ) ، ص 306

(47) رسل فيفلد، إتزل بيرسي، الجيوبوليتيكا ، ترجمة يوسف مجلى و لويس إسكندر              (القاهرة : الكرنك ، دون تاريخ النشر) ، ص ص 29-30 .

(48) د- محمد محمود إبراهيم الديب، الجغرافيا السياسية: منظور معاصر ، المرجع السابق ، ص 660 .

(49) أ- د- فايز محمد العيسوي، الجغرافيا السياسية المعاصرة، المرجع السابق ، ص 310.

(50) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع السابق ، ص89.

 (51) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع نفسه ، ص 149 .

(52) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع نفسه ، ص ص 154- 157.

(53) صموئيل هنتينغتون، صراع الحضارات ، ترجمة نجوى أبوغزالة، مجلة شؤون سياسية، العدد 1 ( بغداد : 1994 م) ، ص ص 119- 125 .

(54) عباس غالي الحديثي، نظريات السيطرة الإستراتيجية وصراع الحضارات ( عمان : دار أسامة للنشر والتوزيع ، 2004م ) ، ص 70 .

(55) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع السابق ، ص70 .

(*) للمزيد أنظر الصفحة 36 وما بعدها.

(56) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع السابق ، ص ص 169- 172

(57) د- ألسكندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، المرجع نفسه ، ص ص172- 173 .

(58) هانز مورجانتو، السياسة بين الأمم، ترجمة خيري حماد ( القاهرة : الدار القومية للكتاب ، 1965م ) ، ص ص 260-266 .

(59) د- عماد جاد ، حلف الأطلنطي: مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة، رسالة دكتوراه منشورة ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ، 1998م ) ، 45 .

(60) د- عماد جاد، حلف الأطلنطي: مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة ، المرجع نفسه ، ص 60 .

(61) د- عماد جاد ، حلف الأطلنطي: مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة ، المرجع نفسه ، ص ص 46- 47 .

من اعداد الباحث لخميسي شيبي

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button