قراءة في الاتجاهات النظرية في تحليل الأمن الدولي

المطلب الأول : النظريات العقلانية :   

تنظر النظريات العقلانية (التفسيرية والتأسيسية) إلى العالم بوصفه شيئَا يقع خارج نظرياتنا عنه، وتهتم بكشف الأنماط المنتظمة للسلوك الإنساني، فهي بذلك تفسر العالم الاجتماعي كما يفسر عالم الطبيعة العالم الفيزيائي. وتجد سندها المعرفي في المذهب الوضعي، الذي يمكن تعريفه على أنه : ” وجهة نظر تحدد كيفية إنشاء المعرفة ” .

ويقوم المذهب الوضعي على أربعة فرضيات هي :

أ- وحدة العلم، وبالتالي وحدة المناهج التي نطبقها في العوالم العلمية والاجتماعية .

ب- التمييز بين القيم والحقائق، وضرورة التخلي عن كل مفهوم مسبق.

ج- في العلوم الاجتماعية، يمكن اكتشاف الأنماط المنتظمة بنفس الطريقة التي نتبعها في العلوم الاجتماعية.

د- إن تأكيد حقيقة المقولات، يتم فقط من خلال العودة إلى هذه الحقائق الحيادية، أي أن  معيار الحقيقة هو التحقق الوضعي والتجريبي، وهذا ما يسمى بنظرية المعرفة التجريبية.

ذ-  المعرفة محصنة إزاء عمليات القوة (47).

وهنا يعتقد أصحاب النظرية التأسيسية أن كل ادعاء للحقيقة يمكن الحكم عليها بأنها صحيحة أم خاطئة وبالتالي إمكان وجود تفسير لعالم ثابت يمكن معرفته، كما يذهب إليه جون ميرشايمر.

ويندرج ضمن إطار النظرية العقلانية كل من النظرية الواقعية والنظرية الليبرالية.

أولا : النظرية الواقعية :

   نشأت المدرسة الواقعية كردة فعل أساسية على تيار المثالية عقب الحرب العالمية الثانية ، فقد جاءت لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية وتحديدًا سياسة القوة والمصلحة والحرب والنزاعات، وحاولت تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم الظواهر الدولية.

أ- أهم مسلمات الفكر الواقعي : تتمثل في :

1- السياسية لا تحددها الأخلاق، ويؤكد ميكيافللي في هذا الخصوص أن الأخلاقية هي نتاج القوة، وهذا ما يقول به كل من جون بودان وتوماس هوبز.

2– إن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية، وكذا عن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.

3– تقوم الواقعية على مفاهيم أساسية هي القوة والمصلحة الوطنية، وتدرس تأثيرهما في تحديد السياسة الخارجية، وتركز على مفهوم ميزان القوى لإقامة السلام والاستقرار الدولي.

4–  سياسة القوة هي قابلة للتطبيق في كل زمان (التاريخ) ومكان (الجغرافيا)، منذ ثوسيديديس مؤرخ الحروب البولينيزية و فوتيرايوس والفيلسوف الهندي كوتيليا وميكيافللي  وهوبز و هانس مورغانتو وصولاً إلى ريمون أرون وكار و ولتز…

5–  إن أساس الواقع الاجتماعي هو الجماعة، على أساس أن الأفراد يواجهون بعضهم بعض، ليس كأشخاص، بل كأعضاء في جماعة منظمة، قد تكون قبيلة أو عشيرة أو دولة – مدينة أو إمبراطورية أو دولة قومية في ظل ندرة الموارد وزيادة الضغط السكاني عليها. وبالتالي فإن مرتكز الحياة السياسية هو جماعات النزاع، ولذا فإن تغيرت أشكال هذه الجماعات فإن طبيعة النزاع الرئيسة لا تتغير، وبالتالي فلا وجود لانسجام المصالح.

6– إن النظرية السياسية حسب الواقعين تتأثر بمفهوم الدولة عند هيغل التي هي حقيقة موضوعية ذات وجود منفصل عن وجود الأفراد، كما يرتبط معنى الدولة ذات السيادة حتميًا باستخدام القوة وهي ذات بعدين(48):

أ– بعد داخلي كما يعرفه ماكس فيبر، عندما عرف الدولة بأنها “احتكار الاستخدام المشروع للقوة الفعلية ضمن منطقة معينة “، فهي لديها سلطة عليا لاصدار القوانين وتنفيذها، وهذا هو أساس العقد غير المكتوب الذي بموجبه يتنازل الأفراد عن حريتهم للدولة مقابل الأمن، فالمهم عند الواقعيين هو تنظيم السلطة داخليًا في إطار دولة السطوة.

ب- أما الخطوة الثانية هي تعظيم القوة دوليًا واعتبار النظام الدولي غاية بسبب غياب سلطة مركزية عليا تحتكر القوة، وتفرضها على جميع الدول كما هو الحال داخل الدولة، فهو نظام فوضوي، وفي هذا الحال تتنافس الدولة مع الدول الأخرى من أجل الحصول على الأمن والأسواق والنفوذ وباقي مصادرالقوة. وطبيعة هذا التنافس هي حصيلة صفرية، على اعتبار أن ما تكسبه دولة ما من حصة زائدة هو بالضرورة اقتطاع من حصة دولة أخرى في ظل تنافس أو صراع على موارد محدودة(47).

7–  يعتبر مبدأ بقاء الدولة واستمراريتها هو أوجب وأهم مبدأ من مبادئ الواقعية، فالاهتمام الأقصى للدول ينحصر في الأمن، وهو شرط مسبق لتحقيق باقي الأهداف سواء كان بالغزو أو لمجرد نيل الاستقلال، وكما ذكر كنيث والتز فإن” بعد دافع البقاء قد تكون أهداف الدول متنوعة بأشكال لا نهاية لها”. كما سعى نيكولو ميكافيللي إلى أن يجعل من فن البقاء علمًا قائمًا بحد ذاته، حيث صاغ مجموعة من القواعد التي تمكن الحاكم من الاحتفاظ بالسلطة وذلك بالارتكاز على مجموعة من المبادئ أهمها:

أ- الحنث بالوعود التي يقطعها الحاكم إذا تبين أنها مخالفة لمصالحه.

ب- الاستعداد لغزو الدول المجاورة قبل أن تقوم بمهاجمتهم.

ج- التنصل من الأخلاقيات التقليدية التي تؤكد على اتباع التروي والتقوى وابتغاء الخير الأعظم(50).

  وفي الاتجاه الحديث للنظرية الواقعية نجد تأثير واضح للفكر الميكافلي وبالذات في موضوعين أساسين هما:

*إن السياسة الدولية تتطلب تطبيق أحكام أخلاقية وسياسية تختلف عن تلك الأحكام السائدة في السياسة الداخلية، بحيث إن فهم طبيعة النسق الدولي ومعرفة تفاعلاته مهمة أساسية للحفاظ على بقاء الدولة واستمراريتها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر بقوله: ” إن بقاء الدولة هي مسؤوليتها الأولى والقصوى، ولا يمكن المساومة عليها  أو تعريضها للخطر “. وكذا تسخير تصرفات الزعماء الفردية الاأخلاقية للمصلحة الوطنية.

* لا يقتصر اعتراض الواقعية على مبدأ انتهاج رجال الدولة لمبادئ أخلاقية( إلا في إطار يخدم المصلحة العامة). بل يتعداه ليشمل جميع جوانب الفكر الداعي إلى انتهاج الأخلاق في معترك السياسة الدولية، حيث يرفض الواقعيون أن يكون المجتمع الدولي القيمة السياسية العليا، بل يرون أن الدولة هي الخير الأسمى، على اعتبار أن لكل دولة قيمها ومعتقداتها وثقافتها الخاصة، ولغياب ثقافة واحدة مشتركة توحد بين مكونات مثل هذا المجتمع الهجين، بالاضافة إلى غياب مؤسسات مشتركة وسلطة عليا فوق سلطة الدولة، ويرى كار أن ترويج مزايا التجارة العالمية الحرة والحكومة العالمية…ما هو في حقيقة الأمر سوى أصداء لا شعورية للسياسة القومية (النسبية الأخلاقية).

8–  خلافا للواقعيين التقليديين يرى كنيث والتز في كتابه ” نظرية السياسة الدولية أن السياسة الدولية ليست فريدة بسبب انتظام مسار الحرب والصراع والتوازن ما دام ذلك أمرًا مألوفًا في السياسة الداخلية أيضًا، مع ملاحظة أن الفارق الأكبر بين النظامين الدولي والداخلي يكمن في بنية كل منهما، ذلك أن أمن المواطنين في النظام الداخلي هو مهمة الدولة بالأساس، أما في النظام الدولي فإن تحقيق الأمن لا يكون إلا بالعون الذاتي أو بالاعتماد على النفس بسبب غياب سلطة عليا لمنع استخدام القوة. لكن سعي الدول لتحقيق أمنها سيزيد من حالات انعدام الأمن تلقائيًا لدى دول أخرى، وهذه السلسلة المتصاعدة من حالات الاأمن يصطلح عليها المعضلة الأمنية “. و يفسر كل من بوث و ويلر نشأتها حين تحدث الاستعدادات العسكرية لدولة ما شعورًا بعدم الإطمئنان لا يمكن انتزاعه من تفكير دولة أخرى إزاء الحيرة في ما إذا كانت تلك الاستعدادات لأغراض دفاعية لا غير، أم لأغراض هجومية(51).

وإزاء حالة المعضلة الأمنية انشطر الواقعيون إلى جناحين هما :

8-1– الواقعيون البنيويون الذين يعتقدون أن المعضلة الأمنية حالة مزمنة في السياسة الدولية.

8-2- الواقعيون التاريخيون الذين يرون أنه يمكن التخفيف من آثار المعضلة الأمنية – حتى في نظام العون الذاتي –  من خلال تفعيل آلية ميزان القوى.

   ويرى الواقعيون البنيويون أن نظام توازن القوى في حالة الاعتماد الذاتي سيبرز حتى في غياب سياسة تهدف إلى إقامته، وكذا قيامه بصرف النظر عن نوايا أي دولة بعينها، ويرى والتز أن التوازن العرضي يقوم من خلال التفاعلات والمعاملات بين الدول على غرار التوازن الذي يقوم بين الشركات والمستهلكين في سوق اقتصادية حرة (وفق النظرية الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية)، ويشدد الواقعيون الليبيراليون على أهمية الدور الذي يؤديه الدبلوماسيون والزعماء في الحفاظ على توازن الدول، الذي هو ليس وضعًا تلقائيًا، بل إنه وضع يجب بنائه.

   وتتفق أشكال المذهب الواقعي أيضًا على أن ميزان القوى حالة غير مستقرة، كما أنه يختل أو ينهار إما بسبب الحرب أو التغير السلمي، لتقوم بعده موازين قوى جديدة، وعند انهيار ميزان القوى لأمد طويل، فإن الدولة في أحسن الأحوال لا تستطيع أن تفعل أكثر من تخفيف الآثار السلبية لأوخم العواقب الناتجة عن المعضلة الأمنية. والسبب هو انعدام الثقة على صعيد العلاقات الدولية.

ويؤكد والتز في – كتابه ” الإنسان والدولة والحرب”- على إقامة سلطة تنفيذية من مؤسسات الدولة، وكذا فهم المشكلة المتصلة بتنسيق مصالح الأفراد مقابل مصالح الجماعة، وتحديد الخطوط الفاصلة بين المصالح قصيرة الأمد والمصالح بعيدة الأمد.

   أما على مستوى السياسة الدولية، فإن منطق الاعتماد على الذات يخفف من صرامة  الشرط الخاص بالمصالح الجماعية مثل الأمن والتجارة الحرة وظروف هذه التجارة، وكذا مقتضيات الميزة النسبية في التبادل التجاري الدولي، فإن الدول جميعًا تستفيد أكثر في عالم يتيح حرية انتقال البضائع والأشخاص والخدمات ورأس المال عبر الحدود، لكن بعض الدول          أو التجمعات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي تستطيع أن ترفع من مكاسبها عبرانتهاج سياسة حمائية لمنتجاتها المحلية، بشرط أن لا ترد باقي الدول بالمثل، ولكن في الغالب ترد الدول على هذه السياسة بالمثل، وتكون النتيجة انهيار في التجارة الدولية والتي تقود بدورها إلى ركود في الاقتصاد الدولي، نتيجة تراجع حجم الثروة لكل دولة.

   ولحل هذه المشكلة في إطارأنظمة العون الذاتي يؤكد الواقعيون الليبراليون على أهمية  إقامة أنظمة مثل الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة التي تحولت إلى المنظمة العالمية للتجارة، والتي تضع نماذج لأحكام ومعايير وإجراءات للتبادل الدولي، وأي دولة تخرج عن ذلك الالتزام تفرض عليها عقوبات.

وهنا يتفق الواقعيون البنيويون مع الواقعيين الليبيراليين على أن الأنظمة الفوق قومية تسهل التعاون بين الدول وفق ظروف معينة.

  وقد صاغ الواقعيون مشكلة العمل الجماعي ضمن نظام العون الذاتي انطلاقًا من النظرية الاستدلالية، التي يعرفها ألكسندر ويندت على أنها : ” نظرية بنيوية عن النظام الدولي تطرح الإدعاءات الجوهرية الآتية :

أ- الدول هي الوحدات الأساسية لتحليل النظرية السياسية الدولية.

ب- البنى الرئيسة في نظام الدول تكمن في ثنايا التبادل الفكري وليست ذات طبيعة مادية.

ج- هويات الدول ومصالحها جزء مهم تشكله هذه البنى الاجتماعية ” (52).

النظريات الواقعية والأمن الدولي:

معضلة الأمن : تذهب الواقعية الجديدة إلى اعتبار أن الحرب معلم تاريخي دائم من معالم السياسة العالمية، ذلك أن الدول تواجه معضلة أمنية لايمكن التخلص منها، وكان جون هارتز أول من أوضح هذه الفكرة حيث قال: ” إنها مفهوم بنيوي تقود فيه محاولات الدول للسهر على متطلباتها الأمنية بدافع الاعتماد على الذات – وبصرف النظر عن مقاصد هذه المحاولات –  إلى ازدياد تعرض دول أخرى للخطر، حيث إن كل طرف يفسر الإجراءات التي يقوم بها على أنها إجراءات دفاعية ويفسر الإجراءات التي يقوم بها الآخرون على أنها تشكل خطرًا محتملاً ” (53).

   وبالتالي فإن التعاون في ظل الاعتماد على الذات أمر صعب لأنه يصطدم بشكوك إزاء الاستعدادات العسكرية التي تقوم بها الدول الأخرى، فهل هي فقط للدفاع عن النفس ؟ أو أنها جزء من خطط عداونية؟ وهذا ما يخلق حالة من الشك المتبادل الذي يؤدي بدوره إلى دوامة من الفعل والفعل المضاد، وزيادة مخاوف الطرفين بشكل كبير، ويرى كل من ويلر وبوث أن ” الشعور بانعدام الأمن يؤدي إلى مزيد من الشعور بانعدامه، مما يجعل احتمال قيام الحرب أمرًا ممكنًا على الدوام “. وحتى عندما يكون هناك اعتقاد بأن دولة ما تضمر نوايا حسنة يظل هناك شعور بأن هذه النوايا يمكن أن تتغير، ويرى باترفايلد أن “من يبالغ في حسن الظن يفتح الباب واسعًا ليكون فريسة للاستغلال، مما يؤدي إلى عواقب كارثية “ (54) .

والنظرية الواقعية كمدرسة فكرية تنقسم إلى عدد من الاتجاهات النظرية في رؤيتها للأمن الدولي، ويمكن رصدها كالآتي:

أ- الواقعية الجديدة : تقوم الواقعية الجديدة أو الواقعية البنيوية على عدد من الفرضيات الأساسية التي يمكن إيجازها في النقاط الآتية :

1–  النظام الدولي هو نظام فوضوي، بمعنى غياب سلطة مركزية تضبط سلوكية الدولة، كما هو موجود في نظامها الداخلي.

2–  للحفاظ على سيادة الدولة وبقائها وتوسيع نطاقها لابد من بناء قوة عسكرية هجومية ضاربة.

3–  الريبة والشك كمحدد أساسي في سلوكية الدولة تجاه نوايا باقي الدول، وبالتالي ضرورة الاستعداد واليقظة، فالريبة هي أمر متأصل في النظام الدولي.

4–  بقاء الدولة واستمرارية وجودها وسيادتها هو أهم محدد مؤثر على سلوكيته(55)ا.

5–  عدم اليقين في تقدير إمكانات وقدرات ونوايا الخصم، بسبب التضليل الذي يمارسه،  وكذا بسبب شح المعلومات أو كثرتها وتضاربها، وهذا ما يؤدي إلى سوء الإدراك والوقوع في مشكلة سوء تقدير القوة الحقيقية أو القوة المفترضة للدولة الخصم(خصوصاً وقت الأزمات)، وهو ما يدفع الدول إلى التصرف بعدوانية.

6– بناء الأمن القومي أو انعدامه، متعلق إلى حد كبير ببنية النظام الدولي (لهذا تسمى هذه النظرية أيضًا بالواقعية البنيوية) وبنيته الفوضوية المتينة، وهذا ما يؤدي إلى اتسام السياسات العالمية في المستقبل بالصراع كما كان في الماضي، وهذا ما ذهب إليه جون ميرشايمر في مقالة كتبها عام 1990م، حين أكد أن نهاية الحرب الباردة سوف ترجع بنا إلى نظام دولي يتسم بميزان قوى متعدد الأقطاب، تسود فيه النزعة القومية والتنافس الإثني كمقدمة لعدم الاستقرار والصراع، وفي تقييمه لفترة الحرب الباردة، فإنها فترة سلام واستقرار نتيجة لبنية القوى العالمية وميزان القوى ثنائي القطبية، وبانهياره سوف نرجع إلى نوع من صراع القوى الكبرى الذي شكل مأزقاً في العلاقات الدولية منذ القرن السابع عشر.                        .                                                                                                                                                                                                                         7- السياسات الدولية لا تتصف بالحروب المستمرة لكن هناك تنافس أمني شديد، يكون فيه احتمال قيام الحرب أمراً ممكناً ومتوقعاً باستمرار(56).

8– التعاون بين الدول أمر ممكن وقائم فعلاً، لكنه مقيد بمنطق التنافس الأمني المسيطر، الذي لا يلغيه التعاون مهما كان حجمه، فالسلام الدائم الذي لا تتنازع فيه الدول من أجل السيطرة، أمر لا يحتمل أن يتحقق.

ب- الواقعية الاشتراطية : يعتبر الواقعيون الاشتراطيون أنفسهم واقعيين بنيويين أو واقعيين جددًا، لكنهم أكثر تفاؤلاً بإمكان تحقيق التعاون بين الدول مقارنة بالواقعيين الجدد التقليديين،  و يرى شارل غلاسر أنه: ” خلافًا للحكمة التقليدية، فإن النزعة العامة القوية للخصوم في التنافس ليست نتيجة منطقية حتمية للافتراضات الأساسية للواقعية البنيوية ” .

   كما يؤكد أصحاب هذه النظرية وجود إمكانات كبيرة للخصوم لتحقيق أهدافهم الأمنية على وجه أفضل عبر السياسات التعاونية بدلاً من السياسات التنافسية، والأمن هنا مشترط بالظروف السائدة في حينه.

وتقوم الواقعية الاشتراطية على ثلاث انتقادات أساسية للواقعية البنيوية وهي:

1- رفض النزعة التنافسية المتأصلة في الواقعية البنيوية رغم بقاء العون الذاتي كأحد أبرز سمات العلاقات الدولية، إلا أنه لا يعني بالضرورة التنافس المؤدي إلى الحرب، ففي السبعينيات والثمانينيات كان هناك تعاون لخفض المخاطر المجهولة المقترنة بسباق التسلح، بدل الدخول في سباق تسلح على غرار معظم سنوات الحرب الباردة.

2- على عكس الواقعية البنيوية التقليدية، يرى الواقعيون الاشتراطيون أن الدول تلجأ إلى التعاون لتفادي المعضلة الأمنية الناجمة عن مخاطر السعي وراء المزايا النسبية، وقبولها بالتكافؤ التقريبي بدل السعي لتحقيق أقصى المكاسب التي هي بالضرورة على حساب الآخرين، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام سباق التسلح، الذي يؤدي على المدى البعيد إلى تهديد أمن الجميع.

3-  يقر الواقعيون الاشتراطيون أن الغش ينطوي على مخاطر، لكن ما يرفضونه هوالمبالغة في التأكيد على الغش، ويرى كل من شيللينغ و هالبرين أن ” بالإمكان الافتراض أن اتفاقية ما تترك احتمال حدوث الغش هي اتفاقية غير مقبولة، أو أن من شأن الغش أن يؤدي بالضرورة إلى مكاسب هامة إستراتيجيا ” (57).

   كما أنهم يؤكدون على أن الأخطار التي مصدرها الحد من سباق التسلح هي أقل من الأخطار التي ينطوي عليها سباق التسلح، وهي السبب الأساسي لاتفاقيات INF ومعاهدة ستارت1، وستارت 2 (معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية 1 و2).

ج- الفوضى الناضجة : يذهب أنصار هذه النظرية إلى اعتبار بنية النظام الدولي جد أساسية في تحديد سلوك الدول، كما يركزون على غياب سلطة عليا داخل هذا النظام، وخلافًا للواقعية التقليدية، فإن نظرية الفوضى الناضجة تقدم تقييمًا أكثر تفاؤلاً بخصوص إقامة تعاون بين الدول. ويرى باري بوزان أن فترة الثمانينيات والتسعينيات قد شهدت فوضى أكثر نضوجًا حيث تزايد الإدراك لأخطار المنافسة في عالم نووي.

    كما يؤكد بوزان أن الدولة الأكثر نضجًا في النظام الدولي هي الدولة التي تراعي مصالح جيرانها عند رسم سياستها الخاصة، وذلك لأسباب أمنية، وفي هذا الصدد يقول:” إن الدول تزداد إدراكًا بأن أوضاع الأمن الوطني مترابطة، وأن السياسات الأمنية مبالغ في انطوائها على الذات، بصرف النظر عن مدى إغراءاتها الشوفينية، تؤدي إلى عكس الغرض منها في خاتمة المطاف “. ويستشهد بدول الشمال التي تحولت إلى جماعة أمنية بعد أن خاضت حروباً عسكرية وسباقاً للتسلح بأوروبا عبر “عملية نضوج” أنتجت مجتمعًا متسانداً منذ معاهدة روما التي أرست الأمن عبر حل الخلافات وتسويتها من خلال الحلول السلمية، وهذه التجربة التمدنية يمكن نقلها إلى نظم إقليمية أخرى، يكون فيها مؤشر الترابط في المجالات السياسية والاقتصادية ينمو بشكل متزايد(58).

 فهي عملية تراكمية وبطيئة وغير متساوية الإنجازات على الصعيد الدولي، وفي المحصلة هي دعامة أساسية للاستقرار والأمن الدوليين، حيث كلما زاد معدل الترابط الأمني بين الدول، تزايدت احتمالات تضاؤل المعضلة الأمنية.

مصاعب التعاون الأمني الدولي : يرى كتٌَاب النظرية الواقعية أنه لم يحدث تغير كبير في جوهر الأمن الدولي في أعقاب الحرب الباردة، ويؤكدون على أننا لا نزال نعيش في عالم يسوده الشك والتنافس الأمني، رغم وجود تعاون قائم بين الدول والدليل هو حرب الخليج الثانية والثالثة، وكذا الحروب التي تلت تفكك يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي، ويمكن إرجاع سبب هذه الصعوبة في تحقيق التعاون إلى عاملين أساسين هما:

 أ- الغش : لا ينكر ستيفن والت و جون ميرشايمر وجود تعاون قائم بين الدول، كما أنهما يقران بوجود فرص أكبر للتعاون مقارنة بالماضي، وفي نفس الوقت فإنهما يقولان أن هذا التعاون محدود، لأن الدول كانت ولا تزال خائفة من نقض أي اتفاقية للحد من انتشار الأسلحة، بسبب المخاطر الكبيرة الناجمة عن طبيعة التقنيات العسكرية الحديثة التي من شأنها أن تحدث اختلالاً غير مسبوق في ميزان القوى بين الدول، فالدولة إذن مدركة لمسؤولية القيام بأعباء أمنها الوطني، وهذا هو السبب الذي يدعو القوى النووية إلى الاحتفاظ ببعض أسلحتها النووية رغم الاتفاقيات التي أبرمتها لخفض الأسلحة الإستراتيجية في بداية تسعينيات القرن الماضي أو تمديد اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية المعقودة سنة 1995م، واستحداث العديد من برامج التسلح غيرالمعلن عنها لدى غالبية الدول.

ب- مسألة المكاسب النسبية : يعتبر العديد من أتباع الواقعية الجديدة أن اهتمام الدول بتحقيق مكاسب نسبية على حساب المكاسب المطلقة معيق لعملية التعاون الدولي، الذي يقوم على الموازنة بين المكاسب التي تحققها الدول المنظوية في منظومة تعاونية واحدة، فإن الدول تسعى إلى تحقيق الحد الأقصى من المكاسب على حساب باقي الدول الأطراف، ضمن بيئة دولية يسودها الشك وانعدام الثقة وهو ما يعقد عملية التعاون(60).

نقد النظرية الواقعية : يمكن ايجازها في النقاط الآتية:

أ- الفقر الأخلاقي للواقعية عندما تدعو إلى فصل الأخلاق عن السياسة والمصالح.

ب- يمكن اعتبارها إيديولوجية أو خطاب قوة، لأنها تعتقد أن البيئة الدولية بيئة فوضوية خاضعة للأقوى، كقانون أوحد.

ج- عدم الدقة في تعريف المفاهيم الأساسية مثل مفهوم القوة والمصلحة القومية وميزان القوى، وفي هذا الصدد يقول ستانلي هوفمان: ” من غير الممكن استعمال كلمة أو اسم واحد (القوة) لمتغيرات مختلفة، وهي: القوة كمحدد للسياسة، القوة كمقياس للسياسة ،القوة المحتملة، القوة المستعملة، القوة كمحصلة موارد عديدة والقوة كمجموعة من العمليات” (60) .

د- استعمال مفاهيم تحليلية لم تعد صالحة لتقديم تحليل شامل للسياسة العالمية، وتركز على الدولة كفاعل شبه وحيد في السياسة العالمية.

ذ- اغفال الجوانب الاجتماعية الداخلية والاعتبارات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية.

ثانياً: النظرية الليبرالية والأمن الدولي : يختلف الليبيراليون حول ما إذا كان السلام هو هدف السياسة العالمية، كما يختلفون أيضأ حول كيفية إقامته، فهل يكون من خلال الحكومة العالمية؟  أو الأمن الجماعي ؟أو التجارة العالمية؟ كما أنهم منقسمون حول كيفية استجابة الدول الليبرالية للدول أو الحضارات غير الليبرالية، فهل يكون ذلك بالتسامح ؟ أو بالغزو و التحويل؟.

أنواع الليبرالية : وتتلخص في :

أ – المذهب الدولي الليبرالي : يقوم هذا المذهب على مبدأ أن النظام الطبيعي قد أفسدته سياسات نظام توازن القوى، بالاضافة إلى رفض فكرة همجية العلاقات الدولية أو كما وصفها كانط “بحالة الوحشية التي لا تخضع لأي قانون”، ويرى أيضًا أن بإمكان العقل أن يحقق الحرية والعدالة في العلاقات الدولية، كما دعى إلى إنشاء عقد فيدرالي بين الدول لإلغاء الحرب، على عكس الواقعيين الليبرالين مثل هوغو غروتيوس الذي دعى إلى تنظيمها، وهذه الفيدرالية تماثل معاهدة سلام دائم، عوضًا عن طرف فاعل (دولة عظمى) أو حكومة عالمية. ويمكن تحديد المخطط  الفلسفي لمشروع السلام الدائم حسب كانط في النقاط الآتية:

المادة الحاسمة الأولى : أن يكون الدستور المدني لكل دولة دستورًا جمهوريًا.

المادة الحاسمة الثانية : أن يستند قانون الشعوب على أساس نظام اتحادي بين دولِ حرة .

المادة الحاسمة الثالثة : أن يكون الحق العالمي محدودًا بشروط الضيافة العالمية (61).                                        كما يشترك جيريمي بنثام مع كانط في هذه الفكرة، حيث يرى أن دولاً فيدرالية مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا قد تمكنت من تحويل هويتها المستندة إلى مصالح متصارعة إلى فيدرالية أكثر سلمية.

    وهذه المشاريع هي لتحقيق سلام دائم وتوسعة للعقد الاجتماعي الذي يربط بين الأفراد في المجتمع المحلي إلى الدول في النظام الدولي، وكان أصحاب هذا المذهب يعتقدون بقيام مجتمع دولي يحكمه القانون دون قيام حكومة عالمية على عكس المثاليين.

ب – المثالية : تذهب المثالية في رؤيتها للأمن الدولي إلى أنه يمكن تحقيقه في ظل نظام دولي يدار بواسطة منظمة دولية،( وهذا عكس ما يذهب إليه أصحاب المذهب الدولي الليبرالي)، ويرى جيه. إيه. هوبسون أن الإمبريالية نتجت عن الاستهلاك المتدني في المجتمعات الرأسمالية، الأمر الذي دفع بالرأسماليين إلى البحث عن أسواق خارجية لتصريف فائض الإنتاج لتحقيق أرباح أكبر في ما وراء البحار، وهذا ما أدى إلى إخضاع الشعوب ونهب مواردها، وأصبحت السبب الأساسي للصراع الدولي، وهو ما ينفي حجة المذهب الدولي الليبيرالي بأن الرأسمالية مسالمة في أساسها من خلال السلام بالترابط، حيث كانت الحرب العالمية الأولى الدليل الذي أكد أن السلام ليس وضعًا طبيعيًا، بل هو وضع يجب إقامته، وقد وجه ليونارد وولف نقدًا شديدًا للفكرة القائلة أن السلام والازدهار جزء من نظام طبيعي متأصل، بل أنه بحاجة إلى آليات مبتدعة عن وعي وإدراك.

   كما دعى الرئيس الأمريكي السابق وودرو ويلسون إلى إقامة منظمة دولية تنظم العلاقات الدولية، انطلاقًا من فكرة وجود سلطة وطنية لتنظيم المجتمع المحلي التي حاول اسقاطها على المجتمع الدولي، الذي هو بحاجة إلى إجراءات ديمقراطية لحل النزاعات وقوة دولية في حال فشل المفاوضات، تستخدم عند الضرورة ، لفرض إرادتها، وهي أساس نظام الأمن الجماعي الذي نصت عليه المادة السادسة عشر(16) من ميثاق عصبة الأمم، حيث جاء فيها : ” في حالة وقوع حرب من الحروب فإنه يتعين على جميع الدول الأعضاء وقف العلاقات الطبيعية مع الدولة المعتدية وفرض العقوبات، وعند الضرورة، وضع قواتها المسلحة تحت تصرف مجلس العصبة إذا ما دعت الحاجة إلى استخدام القوة لإرجاع الأمور إلى نصابها ” (62).

   لكن هذا الخطاب المثالي سرعان ما تهاوى أمام المصالح الذاتية لكل دولة، حيث كان احتلال اليابان لمنشوريا عام 1931م، وإيطاليا للحبشة عام 1935م، وإعادة ألمانيا احتلال أراضي الراين ثم ضم النمسا، فالهجوم على بولنده، الذي كان بداية للحرب العالمية الثانية.

ج- المذهب المؤسسي الليبيرالي : يقوم هذا المذهب على التشكيك في قدرة الدولة على أن تحقق الأهداف الليبرالية المتمثلة في النظام والعدل، حتى لو توفرت الإرادة، ويقترح المذهب المؤسسي الليبيرالي أن تتوزع السلطة على مستويين هما:

1-  حكومة وبرلمان وطني .

2-  منظمات فوق الدولة أو حكومة عالمية.

   وبعد قيام الحرب العالمية الثانية تبين جليًا فشل عصبة الأمم وضرورة استبدالها بمؤسسة دولية أخرى تكون مسؤولة عن السلم والأمن الدوليين، وهكذا تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة، حيث توافقت الدول العظمى على إقرار إجراء تنفيذي، من خلال نظام النقض (حق الفيتو) وهو ما شكل أنموذجاً جديداً للأمن الجماعي، لكن مع بداية الحرب الباردة أصبح الأمن الجماعي معطلاً بسبب الاستخدام المتبادل لحق النقض(63) .

ومع نهاية الحرب الباردة تم تفعيل هذا النظام في حرب الخليج الثانية، حيث تشكلت قوة دولية لإخراج العراق من الكويت بقيادة الولايات المتحدة رغم أن القرار نص على أن تكون القيادة للأمم المتحدة.

الليبرالية والأمن الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة :

1- المذهب الدولي الليبرالي – الجديد : تعتبر أطروحة السلام الديمقراطي تطويرًا لمشروع كانط حول السلام الدائم، ونجد من أبرز روادها بروس راست و مايكل دويل الذي يرى أن الدول الليبرالية أوجدت سلامًا منفصلاً عن السلام العالمي، كونها لا تحارب بعضها البعض، كما يؤكد أن التمثيل الديموقراطي والالتزام الإيديولوجي بحقوق الإنسان والترابط العابر للحدود الوطنية يفسر اتجاهات الميل إلى السلام التي تتميز بها الدول الديمقراطية، وغيابها يساعد على سيادة منطق القوة.

   وهي الحجة التي استند إليها بيل كلينتون في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1994م، لتبرير سياسة نشر الديمقراطية في العالم، وكذا دعم تحول شرق أوروبا إلى الليبيرالية، وتهيئتها لعضوية الاتحاد الأوروبي، فحسب أفكار السلام الديموقراطي، فالحرب نادرة أو لا وجود لها بين الدول الليبرالية، حتى في ظل تعارض المصالح، كونها تحل هذه المشاكل عن طريق الوسائل السلمية، كالمفاوضات والتحكيم والوساطة والتوفيق… وكذا القيود المؤسسية المشتركة دون التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً.

 ويرى دويل أن ” إحدى فوائد الديموقراطية هي أن الخلافات تعالج قبل وقت طويل من أن تصبح منازعات تخرج إلى الساحة العامة “.

   أما فرانسيس فوكوياما فهو يجادل أن الإيديولوجية الليبرالية قد ألحقت الهزيمة بالإيديولوجيات المنافسة كالملكية الوراثية والفاشية والشيوعية كأفضل نظام للحكم، كما أنها تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، وهي “الصورة النهائية لنظام الحكم البشري”، فهي بالتالي نهاية للتاريخ. ويرى فوكوياما أن قيام الحرب بين الدول الديموقراطية الليبرالية هو احتمال ضئيل، حيث يستند في تفسيره لهذه الفرضية على تقسيم أفلاطون للروح الإنسانية في كتابه “الجمهورية” إلى ثلاثة قوى هي : الشهوة ، العقل ، القوة ( الهمة والشجاعة أو ما يسميه” الثيموس)(65) .

   فالشهوة والعقل يدفعان إلى تحصيل الأشياء الموضوعية وتحديد أفضل السبل للوصول إليها، أما “الثيموس” فهو السعي إلى انتزاع الاعتراف من الآخرين لإضفاء قيمة الكرامة على الذات، وهو الرأي ذاته الذي ذهب إليه هيجل، حيث يسعى الأفراد إلى اكتساب تقدير الآخرين، وهذا السعي يؤدي إلى صراع بين الأفراد، بين السادة والعبيد الذين لم تكتمل إنسانيتهم بعد، من جهة، ومن جهة ثانية بين السادة أنفسهم للانتزاع الاعتراف والسيادة . والثورة الليبرالية (مثل الثورة الفرنسية) تلغي الصراع بين السادة والعبيد باعتبار أنهم سادة أنفسهم. وبهذا سيكون لها تأثيراً مباشراً على العلاقات الدولية، فالديموقراطيات الليبرالية تبدل الرغبة غير العقلانية في الاعتراف بالدولة أو بالفرد برغبة عقلانية في الإعتراف على أساس من المساواة. و كلما زاد عدد الدول الليبرالية زاد الاعتراف بشرعية الدول الأخرى و بالتالي التقليل من حافز الحرب(66) .

   وفي كل من كتابيه” نهاية التاريخ وخاتم البشر” و” الشرخ الكبير، وعلى عكس كل من الهنتينغتونيين ومعظم الليبراليين الجدد ممن يؤكدون على أصالة الليبرالية كثقافة محددة       ومحدودة بجزء من العالم الغربي، حيث تواجه صدمًًا حضاريا حتميا مع باقي الثقافات،      ويدافع فوكوياما عن كونية الليبرالية وعن طموح كل الحضارات لبلوغها، كما طرح- في كتابه ” الثقة ” مشروع لعولمة الليبرالية – شرط أن تتبنى ثقافات العالم 80% من الحداثة الليبرالية وتحافظ على 20% من خصوصيتها الثقافية(67).

لكن يتفق فوكوياما مع الهنتينغتونيين والليبراليين الجدد في تقسيم دول العالم، وكذا وسائل نقل الثقافة والقيم الليبرالية، من خلال النقاط الآتية:

1-2- الدول الفاشلة والمضطربة : يحدد فوكوياما مجموعة من الوسائل لنشر القيم الليبرالية من خلال:

أ– استخدام القوة لنزع السيادة عن الدول الضعيفة والفاشلة مثل الصومال وأفغانستان وصربيا والعراق، بالاضافة إلى الدول المضطربة في حزام البؤس الممتد من البلقان عبر القوقاز والشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا.

ب– اعتبار توفر أسلحة الدمار الشامل بيد هذه الدول أو بيد جماعات داخلها هو تهديد غير مسبوق للعالم الغربي .

ج- هذا التهديد الإرهابي يوفر التبرير المنطقي لاعتماد الغرب على مبدأ الحرب الوقائية    والاستباقية، وهو ما تم تبنيه في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، الذي ألقاه في كلية وست بوينت العسكرية في يونيو 2002 م، حيث أعلن عن إستراتيجية الأمن القومي في الولايات المتحدة، وفي خطابه الذي ألقاه في 26 فبراير 2003 م لتحويل العراق إلى دولة ديموقراطية فاعلة، وهو مايشكل تحولاً راديكاليًا عن سياسة الاحتواء والردع ضد العراق(68).

د- ايجاد نظام دولي جديد ما بعد نظام ويستفاليا لعام 1648م، يتجاوز مبدأ السيادة الوطنية باسم حقوق الإنسان، يمنح للدول الغربية الحق وواجب الاستيلاء على الدول الفاشلة لأسباب إنسانية تتعلق بالاستبداد والمجازر الجماعية وإبادة العنصر البشري وانتهاكات حقوق الإنسان… وإذا كان من حق وواجب الغرب التدخل لحماية الآخرين لأسباب إنسانية فمن حقه وواجبه أيضًا الدفاع وحماية مواطنيه لأسباب أمنية.

فتآكل مبدأ السيادة لم يكن نتيجة التدخلات الأمنية بسب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م، بل كان نتيجة التدخلات الإنسانية في كوسوفو ورواندا والكونغو والصومال وتيمور الشرقية وهايتي وكمبوديا..

    فالتدخل لحماية حقوق الإنسان هو الأكثر شرعية لانتهاك مبدأ السيادة من التدخل لمنع تهديد أمن الدول المعنية، لكن فوكوياما يرى إن هذا التمييز هو مثار للجدل، لأنه كثيرًا ما تتداخل هذه القضايا عمليًا، حيث أن الدول المنتهكة لحقوق الإنسان كثيرًا ما تهدد محيطها الإقليمي، أو تكون ضعيفة إلى حد عدم قدرتها على منع هذه التهديدات أو الانتهاكات(69).

   ويقر فوكوياما انتداب المجتمع الدولي على الدول الفاشلة والضعيفة والمضطربة بشكل غير مباشر من خلال عمليات بناء الدولة أو بناء الأمة بمساعدة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والدول المانحة.

1-2- الدول القوية والمتوسطة : يمكن استخدام المذهب المؤسسي كوسيلة لضم دول غير ليبرالية سابقًا إلى النظام العالمي الليبرالي، فمثلاً كي تقبل عضوية دول شرق أوروبا في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تثبت أهليتها الليبرالية أولاً، ولكي تقبل روسيا في مجموعة الدول السبع يجب أن تأهل ليبراليُا، والهدف هو التلاقي الاقتصادي الكلي السريع في شبكة للدول الليبرالية.

1-3- دول العالم الثالث : تعتبر الاشتراطية هي أنجع الوسائل لممارسة ضغط مؤسسي إقليمي، فهي السياسات التي يجب على الدول النامية اتباعها، مقابل مزايا اقتصادية (قروض، مساعدات، هبات، استثمارات…). لكن لم يقتصر الأمر فقط على الجانب الاقتصادي، بل توسع ليشمل جوانب الحكم الراشد وتعزيز حقوق الإنسان.

 نقد المذهب الدولي الليبرالي الجديد : تتمثل مثالب هذا المذهب في النقاط الآتية:

1- إن التدخل الأمني بسبب وجود تهديدات إرهابية أو لمجرد أن ينوي نظام معين امتلاك أسلحة دمار شامل دون التأكد من صدق هذه النوايا والتدخل لأغراض إنسانية كثيرًا ما يؤدي إلى مزيد من الفوضى والنتائج الهزيلة في عملية إعادة بناء الدولة، وهو ما يذهب إليه هيدلي بول.

2- هناك تناقض كبير بين الدعوة إلى احتلال الآخر المختلف والمتخلف اقتصاديا وبين إدعاء نشر الديموقراطية والليبرالية والحريات والتعددية و حقوق الإنسان.. فتعزيز الحكم الصالح يصطدم بمبدأي السيادة وتقرير المصير، فالتحرر الاقتصادي وتعميق انخراط الغرب في بناء وتنظيم البنية الاقتصادية والسياسية للدول النامية يحد من قدرتها على تحمل مسؤولياتها أمام مواطنيها، وبالتالي قطع العلاقة بين الشعب والحكومة وهو منافٍ لأشكال الليبرالية الديموقراطية التمثيلية.

3-  سياسة الاشتراطية كثيراً ما أحدثت نتائج عكسية على المستويين الاقتصادي والسياسي وهي محل رفض العديد من الدول، ومنها دول جنوب شرق آسيا.

4- إلحاق الهزيمة بالإيديولوجية الشيوعية الستالينية لا يعني أن الليبرالية قد انتصرت على باقي الإيديولوجيات فهناك الديموقراطية الاجتماعية في شمال أوروبا وأشكال أخرى في المذهب الدستوري غير الليبرالي في آسيا…

2- المثالية الجديدة والأمن الدولي: ترتكز المثالية الجديدة على المبادئ الأساسية الآتية:

أ- الالتزام بالأشكال الديموقراطية للحكومات.

ب- التأكيد على أن الترابط يولد السلام.

ج- حالة السلام والعدالة هما نتاج تصميم مقصود.

د- الإصلاح يجب أن يتم على المستوى الدولي، حيث إن المؤسسات الدولية مثلها مثل الدول بحاجة إلى أن تكون ديموقراطية.

ذ- ضرورة إدخال الحركات الاجتماعية في هياكل صنع القرار على الصعيدين الوطني والدولي وإشاعة الديموقراطية على صعيد القواعد الأساسية أو ما يسميه ريتشارد فالك بالعولمة من الأسفل.

ويقدم أنصار المثالية الجديدة مجموعة من الوسائل التي من شأنها أن تجعل السياسية العالمية أكثر ديموقراطية، تختلف كثيرًا عن ما يقدمه أصحاب المذهب الدولي الليبرالي الجديد.

   ويلاحظ أنصار المثالية الجديدة أن بعض الدول شهدت انتقالاً إلى الديموقراطية من دون أن يتحول مجتمع الدول إلى نظام ديمقراطي، فحتى مع إقرار وتطبيق اتفاقات حقوق الإنسان  فإنها تحتفظ بتركة النظام الويستفالي إلى حد بعيد، بسبب الهرمية وعدم المساواة السياسية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بسبب حق النقض، وكذا تهميش دور الفواعل الدولية من غير الدول في السياسة العالمية (70).

ويقدم ديفيد هيلد أنموذجًا عالميًا للديموقراطية يكون بديلاً لنظام ويستفاليا، يرتكز على:

أ- إقامة برلمانات إقليمية وتوسيع سلطة الهيئات الإقليمية القائمة حاليًا مثل الاتحاد الأوروبي.

ب- إنشاء محكمة دولية لحقوق الإنسان تشرف على مراقبة اتفاقيات حقوق الإنسان في البرلمانات الوطنية.

ج – إصلاح الأمم المتحدة أو استبدالها ببرلمان ديموقراطي يخضع للمسائلة.

    ويؤكد كل من تشارلز و كلايفورد كوبشان على أهمية الأمن الجماعي، باعتباره طريقة لتعزيز الأمن الدولي، من خلال إقامة مؤسسات للأمن الجماعي توفر آلية أكثر نجاعة لعملية التوازن إزاء طرف معتدٍ من خلال إيجاد قوة ضاربة توفر الردع أو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في حال فشل الردع. كما يؤكد أنصار الأمن الجماعي أنه ليس حلاً أبديًا لمنع قيام الحرب، بل يوفر الحد الأدنى لعملية التوازن المنظمة ذات الصبغة المؤسسية، وهو أفضل من عملية التوازن غير المنظمة في ظل الفوضى أو نظام العون الذاتي، فالهدف هو تحسين المنافسة الأمنية بين الدول.

 ويضع تشارلز وكلايفورد كوبشان ثلاثة مبادئ لقيام نظام الأمن الجماعي، وهي:

1- عدم اللجوء إلى القوة العسكرية في تسوية النزاعات الدولية.

2- توسيع نطاق مفهوم المصلحة الوطنية ليشمل مصالح الجماعة الدولية، والتدخل تلقائيًا وجماعيًا في حال قيام طرف ما بتهديد نظام الأمن الجماعي القائم.

3- يرى إينيس كلود أنه يتوجب على الدول التغلب على الخوف والتعود على الثقة المتبادلة(71) .

 نقد أفكار الأمن الجماعي : تتلخص الانتقادات الموجهة إلى هذا المذهب في:

1- يفترض الأمن الجماعي أن كل اعتداء هو أمر خاطئ، في حين قد تكون الدولة التي وقع عليها الهجوم هي التي كانت تلوح بالضربة الأولى، وهنا صعوبة كبيرة في تحديد الطرف الذي تقع عليه مسؤولية الاعتداء.

2- مشكلة توزيع الأعباء بشكل منصف بين الدول الأعضاء.

3- صعوبة التصدي السريع للعدوان لعدم الرغبة في وجود تخطيط يسبق الأزمة، أو لأسباب إيديولوجية أو تاريخية أو اقتصادية ضد الدولة المعتدية.

4- التخوف من تحول صراع داخلي إلى صراع دولي، وهو ما يؤثر في رغبة الدول على القيام بعمل جماعي جاد ضد كل تهديد.

المذهب المؤسسي الليبرالي الجديد : ظهر المذهب المؤسسي الليبرالي الجديد على يد أكسلرود و كيوهان و أوي استجابة لنظرية كنيث والتز المتعلقة بالواقعية الجديدة وذلك في كتابه” نظرية السياسة العالمية “سنة 1979م، وتقوم على المبادئ الآتية:

1 – اعتبار الدولة هي الممثل الشرعي للمجتمع، والتأكيد على أهمية الأطراف الفاعلة من غير الدول، مع الإقرار بأنها تخضع للدول، وهو ما ذهب إليه كيوهان .

2-  إن عملية التكامل المؤسسي الإقليمية والعالمية هي في تصاعد مستمر، والاتحاد الأوروبي مثال على ذلك.

3- تدخل الدول في علاقات تعاونية على أساس المكاسب المطلقة، وليس على أساس المكاسب النسبية.

4- بنية النظام الدولي بنية فوضوية، وهذا لا يعني انعدام إمكان التعاون بين الدول، حيث توجد أنظمة ومؤسسات دولية تسهل عملية تنظيم المصالح و ليس تحويل الهويات كما يعتقد المثاليين الجدد(73).

ويؤكد المذهب المؤسسي الليبرالي الجديد على أهمية المؤسسات الدولية في تحقيق الأمن الدولي والتقليل من احتمالات اللجوء إلى الحرب.

   ويرى دوغلاس هيرد( وزير الخارجية البريطاني السابق) أن الغرب قد طور مجموعة من المؤسسات الدولية التي أثبتت أهميتها في ما يتصل بمجموعة من المشاكل، وأكد على أن التحدي الكبير لفترة ما بعد الحرب الباردة، هو تكييف واستمرار هذه المؤسسات مع الظروف المستجدة، ومن هذه المؤسسات الاتحاد الأوروبي ، منظمة حلف شمال الأطلسي، اتحاد غرب أوروبا، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، منظمة دول جنوب شرق آسيا، الاتحاد الأفريقي… وهذا ما يسمح بتقلص المنافسة الأمنية التقليدية بين الدول، من خلال خمسة نقاط أساسية وضعها كل من كيوهان و مارتن هي:

1- توفير المعلومات.

2- خفظ تكاليف المعلومات.

3- جعل الالتزامات أكثر موثوقية .

4- إقامة تنسيق أكثر عمقًا وأوسع امتدادًا.

5- تسهيل إجراءات المعاملة بالمثل(73).

    وهذا ما يفسر استمرار كل من الاتحاد الأوروبي و حلف الأطلسي وتوسيعهما، كما يحاول هذا المذهب الاجابة على عدة أسئلة منها حدود المنطقة الليبرالية للسلام ؟و لماذا الطابع السلمي للعلاقات في ما بين الدول الليبرالية؟و ما هو نمط العلاقة بين الدول الليبرالية والدول النامية ؟… وفي مركز برنامج أبحاثه محاولة لصياغة كيفية الشروع في التعاون وطريقة الحفاظ عليه في ظل الفوضى الدولية .

المطلب الثاني : النظريات التأملية :

   شهد العقد الأخير من القرن العشرين انبعاث النظرية المعيارية على حساب النظرية الوضعية القائمة على أساس التمييز بين الحقائق وهذه النظرية تثير تساؤلات أساسية هي:

1- اقتصارعلم السياسة حسب المدرسة الوضعية على المجال التجريبي، وهو ما يمثل تقليصًا لدائرة علم السياسة، حيث عكف علماء السياسة على البحث عن أنماط الحكم الأكثر ملائمة والبحث عن حياة أفضل.

2- يؤكد أصحاب النظرية المعيارية أن جميع النظريات تعكس قيمًا، لكن هل هذه محجوبة   أم واضحة؟. يجيب المعياريون أن دراسة الظواهر على ما هي عليه في حد ذاتها تنطوي على انحياز لدى الباحث، ابتداءًا من اختيار الأشياء التي بوصفها (حقائق)، مرورًا بالطرق المستخدمة في الدراسة، وصولاً إلى النتائج والتوصيات السياسية المقترحة.

2- مشكلة تكميم الظواهر الدولية(74).

   ويعرف كريس براون النظرية المعيارية للعلاقات الدولية بأنها: ” ذلك الحجم من الأعمال التي تتناول البعد الأخلاقي للعلاقات الدولية، وكذلك المسائل الأوسع المتعلقة بالمعاني والتفسيرات التي يولدها هذا الفرع من فروع المعرفة، وهي في جوهرها تتناول الطبيعة الأخلاقية للعلاقات بين المجتمعات (الدول)، سواء في سياق البرامج القديمة التي كانت تركز على العنف والحرب أو البرامج الحديثة – الأكثر حداثة التي تخلط بين هذه الاهتمامات التقليدية والمطلب العصري للعدالة التوزيعية على مستوى العالم ” .

 كما يتعرض إلى وضعين معياريين عن السياسة الدولية وهما :

أ – الكوسموبوليتانية : تركز على الإنسانية ككل أوعلى الفرد.

ب– المجتمعية : تتمحور حول المجتمع السياسي (الدولة) (75) .

    وهذا التمايز يطرح تساؤلاً حول تحديد الفاعل الذي لديه حقوق وعليه التزامات، فهل هي الدولة؟ أوالفرد؟ أو على مستوى الإنسانية ككل؟ فهل من حق الدول مثلاً امتلاك ترسانة نووية هائلة قادرة على إبادة الإنسانية بمسوغ الدفاع عن النفس ؟ أو هل تقبل ثقافات ومجتمعات سياسية عند معاقبة المرأة بإلباسها قالباً من حديد يؤدي إلى كسرأقدامها (وهذا في الصين) لأنها العادة السائدة ؟ أو أن هناك حقوقاً يمتلكها الأفراد أكثر أهمية من حقوق الدولة في صناعة قراراتها ؟ أو أن أمن الأفراد باعتبارهم أفراد؟ أو أمن الإنسانية أهم من أمن الدول؟. فهنا ينشأ نقاش معياري حول سيادة الدولة من جهة، والحق وواجب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لحماية حقوق الإنسان من جهة أخرى.

   ويستخدم براون التمييز بين الكوسموبوليتانية وبين المجتمعية للدلالة على ثلاثة مجالات رئيسة للنظرية الدولية المعيارية وهي:

أ- القيمة الأخلاقية التي يجب إضفاؤها على إستقلال الدولة، حيث ترفض الكوسموبوليتانية استقلال الدولة إذا كانت تتعارض مع الحقوق الأخلاقية للإنسانية أو للأفراد ككل.

أما المجتمعية فترفض أي تقييد على الاستقلال طالما لا ينبع من المجتمع نفسه.

ب- من منظور الأطر الأخلاقية لاستخدام القوة والعنف الدولي أو الحرب العادلة، ترى المجتمعية أن التدخل الدولي في شؤون الدول الأخرى يكون مناسباً إذا كان مصدر التهديد المجتمع السياسي للأخيرة (الدول).                                                    .                            أما الكوسموبوليتانية فتأكد أن التوقيت الأكثر ملائمة للتدخل الدولي يكون عندما لا يتعارض مع حقوق وأمن وأخلاقيات الإنسانية أوالأفراد.

ج- قضية العدل الدولي حيث يرى المجتمعيون أن الالتزام باقامة علاقة أكثر توازنًا بين الدول الغنية والدول الفقيرة تقع على مسؤولية الدول.

د- أما الكوسموبوليتانيين فإنهم يعتقدون بإمكان تحقيق هذه الالتزامات على أساس الفرد والإنسانية ككل.

أولاً : نظرية علم الاجتماع التاريخي : تهتم نظرية علم الاجتماع التاريخي بالدرجة الأولى بالطرق التي تتطور بها المجتمعات عبر التاريخ، أي دراسة المؤسسات التي يتم ترتيب المجتمع الإنساني ضمنها.

     وفي تفسير مسار تطور المجتمعات ركز أصحاب هذه النظرية – أمثال مايكل مان        وإيمانويل والرشتاين و جون هول وثيدا إسكوكبول – على العلاقة بين ما هو داخلي وبين ما هو خارجي، وقد أوجز تشارلز تيللي هذا بقوله: ” إن الدول صنعت الحرب لكن الحرب صنعت الدول “، وهي عكس الواقعية الجديدة التي تعتبر الدولة شيئًا مسلمًا به، فإن علم الاجتماع التاريخي، يبحث عن كيفية إيجاد أنواع جديدة من الدول عبر قوى داخلية وخارجية، كما يعكف أصحاب هذه النظرية على تقويض فكرة الواقعية الجديدة التي تذهب إلى تبسيط الدولة كتنظيم واعتبار الدول متماثلة وظيفيًا و يحاول تشارلز تيللي الاجابة عن درجة تعقيد الدولة والربط بين العوامل الداخلية والخارجية المساهمة في إيجادها، وذلك في كتابه” القسر والمال والدول الأوروبية “، حيث طرح تساؤلاً رئيسياً حول التباين الكبير في أنواع الدول عبر الزمان والمكان في أوروبا، ولماذا استقرت في آخر المطاف على الدولة القومية ؟.

   ويحدد تيللي الإجابة عن هذا السؤال في دور الدولة الوطنية في خوض الحروب، ويقسم تيللي الأنظمة إلى أنظمة كثيفة رأس المال (معتمدة على القوة الإقتصادية) وأنظمة كثيفة  القسر (معتمدة على القوة العسكرية) التي أنتجت ثلاثة أنواع من الدول التي نشأت عن تمركز هذه الأشكال من القوة وهي الإمبراطوريات (التي تعني الجزية) ودول المدن،و الدول الوطنية(76).

    ويرى تيللي أن للأنظمة كثيفة القسر مدنًا أقل وطبقات زراعية أكثر من الأنظمة كثيفة رأس المال، وهو ما أدى إلى ظهور طبقات تمثل المصالح التجارية، ودول المدن التي نشأت عندما كان تراكم الرأس مال كبيرًا، وهذا راجع إلى قدرة الدولة على إجبار مواطنيها، أما الإمبراطوريات فنشأت عبر تحصيل الجزية من خلال الإجبار دون تراكم الرأس مال، وكلاهما من أشكال الحكم غير المباشر، الذي يقتضي اعتماد الحاكم على تعاون قوى محلية مستقلة نسبيًا، لكن مع توسع نطاق الحروب وزيادة تكاليفها كانت الدول الوطنية أكثر قدرة على تحمل تكاليف الانفاق الحربي وإعداد الجيوش الكبيرة، مع استجابتها لطلبات الطبقات الزراعية والتجارية معًا، فتغير الدول هو نتيجة للحروب. ويؤكد تيللي أن الدولة لم تأخذ شكلاً واحدًا عبر التاريخ وهي تتضمن تجمعات مختلفة للبنى الطبقية وأنماط العمل.     

    والحرب هي العامل الأساسي الذي صهر أنواع الدول لتظهر في شكل الدولة الوطنية، والتي تكسب المزيد من سلطاتها على مواطنيها عبر الاستعداد للحرب، من خلال إقامة نظم للضرائب والإمداد والإدارة والانخراط فيها(77) .

والملاحظ وجود اهتمام مشترك بين الواقعية وعلم الاجتماع التاريخي على التفاعل بين الدولة والطبقات والحرب.

ثانيا : نظرية ما بعد الحداثة : يعرف جون فرانسوا ليوتارد نظرية ما بعد الحداثة بأنها ” عدم التصديق بما وراء النصوص السردية “. كما يقدم ديفيتاك تحليلاً لموضوعين أساسين لما بعد الحداثة هما :

أ- علاقة القوة بالمعرفة حيث يعارض فوكو رأي النظريات العقلانية القائل بأن المعرفة محصنة إزاء عمليات القوة – وهو افتراض أساسي للفلسفة الوضعية – ويؤكد أن القوة تحتاج إلى معرفة، وكل معرفة تعتمد على العلاقات القائمة للقوة، فلا وجود للحقيقة دون قوة.

ب- تستخدم نظرية ما بعد الحداثة إستراتيجية النصوص، وحسب ديردا فإن العالم يتم إنشاؤه مثل نص من النصوص، كما يرى أنه يستحيل معرفة الواقع خارج نطاق الخطاب المستخدم واستحالة التعبير عنه، بمعنى أن تفسير العالم يعكس مفاهيم اللغة ومبانيها (78).

   ويؤكد أنصار ما بعد الحداثة على أهمية الأفكار وتأثيرها، والخطاب في سياق التفكير بشأن الأمن الدولي، كما يسعون إلى استبدال الخطاب الواقعي بخطاب جماعي، حيث يرى ريتشارد أشيلي أن الواقعية هي إحدى المشاكل الأساسية لانعدام الأمن الدولي لأنها خطاب قوة يدفع بالدول إلى المنافسة الأمنية.

   وتختلف نظرية ما بعد الحداثة عن الواقعية في نظرية المعرفة (الإيبستيمولوجيا) حيث  يؤكد جون ميرشايمر أن الواقعية ترى أنه بإمكان وجود عالم ثابت يمكن معرفته، أما أنصار ما بعد الحداثة فيرون إمكان وجود تفسيرات لا نهائية للعالم، حيث لا ثوابت، ولا معاني ثابتة ولا أرض آمنة ولا أسرار عميقة ولا بنى نهائية أو لا حدود للتاريخ.. لا يوجد إلا التفسير.. والتاريخ نفسه يفهم على أنه سلسلة من التفسيرات المفروضة على تفسيرات.. وهذا تأكيد على أن أساس المعرفة ذاتية و ليست موضوعية، وهو ما يبرر أهمية النظريات المعيارية.

    ويرى جون فاسكاز أن سياسة القوة هي صورة للعالم الذي يدفع إلى الحرب، حيث إن سياسات ميزان القوى هي جزء من سلوك دولي عدواني، والتحالفات لا تنتج السلام، بل هي استعداد للحرب(79) .

   ويحاول أنصار ما بعد الحداثة إعادة تصور المناظرة حول الأمن الدولي وذلك بالبحث عن أسئلة جديدة كانت متجاهلة من قبل المناظرة التقليدية، وفي هذا السياق يرى جيم جورج أن الخطاب الإستراتيجي الجديد لما بعد الحرب الباردة يركز على الشعور المتنامي بانعدام الأمن بسبب أخطار الاقتصاد العالمي وانغماس الدول في الشؤون العسكرية، ويؤكد أيضاً على أننا بحاجة إلى خطاب جماعي بشأن الأمن الدولي، وهنا تؤدي الجماعات المعرفية دورًا رئيساً في تدفق الأفكار عن السياسة العالمية ومقاومة القومية المتطرفة، ونظرية الردع النووي ومناهضة العرقية والعنصرية والتعصب للجنس، واستغلال المتخلفين والتأكيد على المشاركة في اتخاذ القرارات المحددة لمصير الإنسانية.

المطلب الثالث : النظرية البنائية:

   ترجع البدايات الأولى للنظرية البنائية إلى أعمال جيامباتيستا، وكراتو شفيل Kratochwill  و أونوف  Onuf نهاية عام 1989م، وألكسندر ويندت  Alexander Wendtفي مقالته سنة  1989م، التي عنوانها: ” الفوضى هي ما تصنعه الدول:  التفسير الاجتماعي لسياسة القوةAnarchy Is What The States Make Of It  “، التي كان لها تأثير كبير في بناء النظرية البنائية، وقامت على نقد النظرية العقلانية والتأملية، وذلك في النقاط الآتية:

1- حدوث تطور كبير في فلسفة العلوم والعلوم الاجتماعية الأخرى، أو العلوم التي هاجمت الفلسفة الوضعية، واقترحت عددًا من أساليب التفكير البديلة.

2- ظهور مفاهيم جديدة في السياسة الدولية، وهو ما يدفع إلى إيجاد مقاربات جديدة.

-3 عجز النظرية الواقعية عن التعامل مع العناصر الفاعلة من غير الدول والحركات الاجتماعية والعمليات المتسعة بشكل جذري.

4- فشل الواقعية والليبرالية في التنبأ بنهاية الحرب الباردة، بسبب إهمال الجوانب غير  المادية في النظام الدولي والتغيرات الداخلية في المجتمع السوفياتي، خصوصًا بعد تبني سياسة البيروسترويكا والغلاسنوست، فسقوط الاتحاد السوفياتي ليس فقط بسبب قوة الولايات المتحدة الأمريكية، كما يدعي الواقعيون.

5- يرى روبرت كيوهان Rebert Keohane أن التحدي الأساسي للنظريات التأملية هو عدم قدرتها على تطوير فرضيات قابلة لاختبار، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تهميشها في دراسة السياسة العالمية(81).

أولاً : مبادئ النظرية البنائية : تتمثل مبادئ النظرية البنائية في:

– الدول هي الوحدات الأساسية للتحليل.

– ذاتية البنى الأساسية للنظام القائم على الدول.

– تتشكل هويات ومصالح الدول في إطار نسق مترابط بفعل البنى الاجتماعية  (82 ).

ويمكن شرحها كالآتي:

1- الدولة كوحدة أساسية للتحليل : تنظر البنائية إلى النظام الدولي نظرة اجتماعية، باعتبار أن وحداته الأساسية قائمة على أساس التفاعلات الاجتماعية المتواصلة، التي غالبًا ما تؤدي إلى سلوكات غير مستقرة عادة، فهي محصلة اجتماعية داخلية، وهي نظرة سوسيولوجية مغايرة للرؤية المادية للواقعية حول طبيعة الدولة رغم اتفاقهما على أنها الوحدة الأساسية في بنية النظام الدولي.

فالبنائية ترى أن أنماط السلوك الدولية هي توزيعات اجتماعية تضمن الحد الأدنى المشترك بين التفاعلات الاجتماعية داخل الدولة، وفهم السياسة الدولية يدرك بشكل ذاتي.

فالتصور الاجتماعي للبنائية قائم على ربط البنى والفاعلين وإدراكهم للواقع في علاقة جدلية متعددة الاتجاهات وتتشكل البنية الاجتماعية من:

أ- المصادر المادية التي لا تتخذ شكلاً إلا من خلال تأويلات الفاعلين التي تنعكس على ممارساتهم.

ب- ممارسات الفواعل.

ج- المعارف المشتركة (83).

الجدول رقم (3): نقاط التوافق بين النظرية البنائية والنظرية الواقعية والتأملية :

نقاط التشابهالبنائيةالواقعيةالتأملية
سمة السياسة الدوليةالفوضىالفوضى
الهدف الأسمى للدولةالبقاءالبقاء
الوحدة الأساسية للتحليلالدولةالدولة
محددات سلوك الدولالغش وانعدام الثقةالغش وانعدام الثقة
رؤية الواقع الدوليالتركيز على دور الأفكار والبنى

الاجتماعية

التأكيد على دورالأفكار

والبنى الاجتماعية

طبيعة الدولةالطابع الاجتماعي لطبيعة الدولةطبيعة الدولة الاجتماعية

        فهذه التوليفة هي الوجه المقبول للتأملية لدى العقلانية والوجه المقبول للعقلانية لدى التأمليين، حيث لم تكتف البنائية بنقد النظريتين، بل بنت تصوراتها على بعض الافتراضات الأساسية الواقعية والتأملية، كما سعت إلى إيجاد أطر جديدة للمعرفة منها:

أ- تجاوز الانفصام بين الفاعل والبنية لدى العقلانيين من خلال فكرة التكوين المتبادل التي ينظر من خلالها لسلوكات الفاعلين، استناداً إلى ترتيبات النظام الدولي، أما تشكيل هيكل      أو بنية النظام الدولي فهي نتيجة لممارسات الفاعلين.

ب- إن إدراك الفاعل للظاهرة الدولية هو الذي يحدد سلوكه تجاهها.

ج – إعطاء الأهمية البالغة للمعايير كمحددات تكوَّن هوية الفواعل ومصالحهم.

د- التفسير الموسع للقوة في إطار البنية الاجتماعية بحيث تشمل الإدراك، ولا تقتصر على الجوانب المادية سواء من قبل الدولة المالكة للقوة أو من باقي الدول الأخرى.

ذ- عدم ربط التهديد بالقوة العسكرية الأجنبية المعادية، بل ربطه بالأفكار المسبقة عنه وبالفهم الجماعي لقوة الدولة مصدر التهديد .

2- البعد الذاتي : يعتمد الواقيون الجدد على تفسير مطلق للعلاقات الأمنية في السياسة الدولية من خلال القول بتهديد واحد في كل الحالات، أما النظرية البنائية فتقوم على تصور أساسه البحث في التكوينات والتفاعلات الاجتماعية للفواعل لإدراك الحالة الأمنية، كما تركز على أهمية الأفكار والقيم والمعايير، حيث استخدم كاتزشتاين متغيرات ثقافية لتفسير أسباب عدم اعتماد ألمانيا على سياسة عسكرية رغم امتلاكها لتكنولوجيا متقدمة (84).

   كما أن البنائية ترجع سقوط الاتحاد السوفياتي إلى اعتماد غوباتشوف لأفكار الأمن الجماعي الدولي في سياسته الأمنية الجديدة، وليس للمنهج التوزيعي للقوة، أي التفوق النسبي للولايات المتحدة في عناصر القوة على حساب الاتحاد السوفياتي.

3- تشكيل الهويات والمصالح : تركز البنائية على متغير الهوية الذي أهملته الواقعية الجديدة، وهذا ما يفسر فشلها في تفسير الأشكال الجديدة من النزاعات وبالذات الداخلية منها، بالاضافة إلى اهمالها عامل الإدراك والأفكار والمعايير المحددة لمصالح الفواعل وطبيعة سلوكاتهم الدولية المتأرجحة بين التنافس و التعاون. (85)

  ويرى ويندت أن الهويات والمصالح ليست من المعطيات – كما يذهب إليه الواقعيون– وإنما هي أشياء قمنا بإيجادها، وبعد إيجادها يصعب علينا إعادة إيجادها، لأننا عملنا جميعًا على إضفاء صفة الذاتية على الطريقة التي يوجد بها العالم.

   ولم تهتم النظرية العقلانية بمتغير الهوية في فهم التفاعلات الداخلية لتفسير سلوك الدول، فالواقعية تفسرها بأنها نتاج البنية الفوضوية للنظام الدولي، في حين ترجعها الليبرالية الجديدة إلى العمليات التفاعلية للمؤسسات الدولية، وفي الحالتين ينظر إلى الدولة كفاعل منفصل لا يعبر إلا عن مصالحه القومية الخاصة، وهنا تذهب البنائية إلى زيادة الاهتمام بهويات الفواعل حتى نستطيع تشكيل مصالح مشتركة تعبرعن هويات جماعية، تجعلنا نتجاوز التصور الوطني إلى تصور جماعي قائم على ضمان القواعد العامة المشتركة بين الدول، فالهويات الجماعية والمصالح تتشكل في عمليات التفاعل بدل أن تكون متشكلة قبل التفاعل، وبالتالي لا وجود لمعضلة أمنية تلقائية بين الدول.

   ويؤكد الواقعيون أن غياب سلطة فوق سلطة الدولة هو سبب الفوضى في النظام الدولي، أما البنائيون فيرون أن البنية الاجتماعية وإدراكها الجماعي هي فقط القادرة على إدراك      أوتأويل نتائج أو آثار فوضى النظام، فهي ناتجة عن ممارسات الفاعلين أنفسهم(86)، كما يعارض ويندت الحجة الواقعية القائلة بالاعتماد الذاتي لحماية المصالح والأهداف الوطنية، ويقترح مستوى فوق الدولة لتوظيف المعاني والمبادئ الجماعية المحددة للتراكيب المنظمة لأعمال الدول، والتي تحصل على هويتها وتمثيل مصالحها من خلال مشاركتها في تلك المعاني الجماعية وبهذا تصبح المؤسسات مجموعات مستمرة نسبيًا من الهويات والمصالح، أما المساعدة الذاتية فهي إحدى هذه المؤسسات.

    ويؤكد ويندت أن الدول التي في وضع المساعدة الذاتية هي المسؤولة عن هذه الوضعية، لأن ممارساتها جعلتها كذلك، والتغير يكون من خلال تغير المعرفة الذاتية بين وحدات النظام الدولي رغم صعوبة ذلك، بسبب أن المساعدة الذاتية أصبحت حقيقة اجتماعية تعزز أشكالاً معينة من السلوك وتعاقب أشكالاً أخرى، وتصبح جزءًا من هوية الفاعلين، لذا فإن التفاهمات الذاتية بين الأطراف قد تديم نفسها، وهذا لا يعني أنها غير قابلة للتغيير.

   ويقدم ويندت ثلاثة بدائل للمساعدة الذاتية في العلاقات الدولية هي : ممارسة السيادة ، تطوير التعاون وممارسة إستراتيجية نقدية (87)، وهذا هو المجال الذي يمكن فيه لليبيراليين الجدد والتأمليين العمل معًا لتقديم طرح جديد للعلاقات الدولية.

نقد النظرية البنيوية:  تتمثل الانتقادات في النقاط الآتية :

1- إن تعريف ويندت للمصالح والهويات هو تعريف ضيق بحسب أنصار ما بعد الحداثة.

2- ركز ويندت كثيرًا على دور الدولة في السياسة العالمية باعتبارها أهم الأطراف الفاعلة، وهو بذلك يميل إلى الواقعيين.

3- إن تركيبات ويندت هي في الحقيقة نوع محدد من التراكيب القائمة على الأفكار فقط، فتراكيبه الاجتماعية ستكون أشياء خفيفة جدًا حيث تجادل نظريات اجتماعية أخرى بأن التراكيب الاجتماعية تعكس مصالح مادية قومية.

4- يرى ويندت أن الهويات هي نتيجة لعملية التفاعل، لكن هذا التفاعل يكون بين من ومن ؟ فلا وجود لتفاعل من دون هوية مسبقة.

5- حاول ويندت التوفيق بين الليبيراليين الجدد وبين التأمليين، لكن هذه المحاولة ليست للتوفيق بين مجموعتين متشابهتين، بل بين نظريتين مختلفتين أساساً في نظرية المعرفة، حيث إن الليبيراليين الجدد هم وضعيون، بينما التأمليون هم من أنصار ما بعد الوضعية. (88)

فما هي الأرضية الايبستيمولوجية التي يمكن لويندت أن يقف عليها للتوفيق بين العقلانية والتأملية ؟.

 

المراجع

(47) د- عصام الدين بسيم ، منظمة الأمم المتحدة (القاهرة : دار الطويجي ، دون سنة النشر)، ص 478 .

(48) د- إبراهيم العناني، النظام الأمني الدولي ، المرجع السابق ، ص 97 .

(49) د-  يوسف ناصيف حتيٍ، نظرية العلاقات الدولية ( بيروت : دار الكتاب العربي ، 1985م) .

(50) د-  يوسف ناصيف حتيٍ ، نظرية العلاقات الدولية، المرجع نفسه ، ص24 .

(51) نيكولو ميكيافيللي، مطارحات ميكيافيللي، ترجمة خيري حماد (بيروت : منشورات دار الآفاق الجديدة ، 1962م) ، ص 757 .

(52) جون بيليس و آخرون ، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص ص 244 – 245 .

(53) د- سعاد محمد محمود حسن، العلاقات الأوروبية الأمريكية في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي: دراسة عن تأثير الدول الأوروبية في السياسة الخارجية الأمريكية، أطروحة دكتوراه ( القاهرة : جامعة القاهرة ، 2005 م ) ، ص 2 .

(54) جون بيليس و آخرون ، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص 263 .

(55) د- أسامة فاروق مخيمر، دور منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في إدارة الصراعات في أوروبا بعد الحرب الباردة : دراسة حالة البوسنة والهرسك ، أطروحة دكتوراه( جامعة القاهرة: 2004م ) ، ص 45 .

(56) جون بيليس ، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص 246 .

(57) د- عماد جاد، حلف الأطلنطي: مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة، المرجع السابق ، ص 52 .

(58) ستيفن والت ، العلاقات الدولية : عالم واحد و نظريات متعددة ، ترجمة عادل زقاغ :

www.geicities.com /adelzeggagh/ ir.html.

(59) جون بيليس و آخرون ، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص 422 .

(60) K.G.Giesen , L’ethique Des Relations Internationales : Les Theories Anglo _ Americaines   (Bruxlles : Brayant , 1992) , p , 27 .

(61) Emmanuelle Kant ,Vers La Paix Perpetuelle ( Paris : Garnier _ Flammarion ,1991) , pp 95 – 99 .

(62) د- محمد المجذوب ، التنظيم الدولي ( بيروت :  منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002م )، ص 152 .

(63)Andrew Moravvesik , Fedration And Peace : A Structural_Leberal Perspective , www_ user .uni.de /inus /zib / Fachsimo .htm .

(64) جون بيليس و آخرون ، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص 329 .

(65) فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والرجل وخاتم البشر ، ترجمة حسين أحمد أمين        ( القاهرة : مركز الأهرام للترجمة والنشر ،1993م )، ص ص 12 – 13 .

(66) فرانسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ والرجل وخاتم البشر ، المرجع السابق ، ص ص 174 – 176 .

(67) فرانسيس فوكوياما، الثقة، ترجمة معين الإمام و مجاب الإمام (دمشق : رام للطباعة     والنشر ، 1998 م ) ، ص ص 15 – 21 .

(68) فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة: النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين، ترجمة مجاب الإمام ( الرياض : العبيكان ، 2007م ) ، ص 169 .

(69) فرانسيس فوكوياما، الثقة ، المرجع السابق ، ص 173 .

(70) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية ، المرجع السابق ، ص ص 336 – 337

(71) تاكايوكي يامامورا ، مفهوم الأمن في نظرية العلاقات الدولية ، ترجمة عادل زقاغ:  etudiant d-z.com /vp /showwthhread.php?   .                                     .www

(72) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع السابق ، ص 339

(73) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع نفسه ، ص 340 .

(74) د- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، المرجع السابق ، ص 575 .

(75) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع السابق ، ص367 .

(76) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع نفسه ، ص 382 .

(77) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع نفسه ، ص 381 .

(78) عبد الوهاب المسيري، فتحي التريكي، الحداثة و ما بعد الحداثة (دمشق : دار الفكر، 2003م ) ، ص 89 .

(79) Paul Viotti , Mark V . Kauppi , International Relation Theory : Realism , Pluralism , Globalism , And Beyoud ( Boston : Allynand Bacon , 1997 ) , PP .19 – 20 .

(80) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع السابق ، ص 438 .

(81) Dariot Battistella , Theories Des Relations Internationales (Paris : Presses De La Fondation Nationale Des Sciences Politiques , 2006) , PP283 – 285 .

(82) د- عبد الناصر الدين جندلي، انعكاسات تحولات النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة على الاتجاهات النظرية الكبرى في العلاقات الدولية، أطروحة دكتوراه ( الجزائر : جامعة الجزائر ، 2005م ) ، ص 445 .

(83) عمار حجار، السياسة الأمنية الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط ، رسالة ماجستير( باتنة : جامعة باتنة ، 2002م )، ص41

(84) د- عبد الناصر الدين جندلي، انعكاسات تحولات النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة على الاتجاهات النظرية الكبرى في العلاقات الدولية، المرجع السابق ، ص 447 .

 (85) Dariot Battistella , Theories Des Relations Internationales , op.cit , p p.300 – 301 .

(86) عمار حجار، السياسة الأمنية الأوروبية تجاه جنوبها المتوسط، المرجع السابق ، ص 43

(87) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع السابق ، ص. 397

(88) جون بيليس و آخرون، عولمة السياسة العالمية، المرجع نفسه ، ص ص 398 – 399.

من اعداد الباحث لخميسي شيبي

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button