ساحلستان، من ليبيا إلى مالي – للكاتب سامويل لوران

الكتاب: ساحلتان، من ليبيا إلى مالي
المؤلف: سامويل لوران
الناشر: سوي
اللغة: فرنسية
تاريخ النشر: 2013
لقد أصبحت الصحراء الوسطى الأفريقية المعروفة بإقليم “الساحل” بمثابة «منطقة رمادية» هائلة تشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، خلال السنوات الأخيرة، بعدما تحولت إلى ساحة لكل ما قد يخطر على الذهن من أنواع الجماعات المتطرفة والإرهابية، وعصابات الخطف والسلب والنهب، والتهريب، وتجارة المخدرات، والحركات الانفصالية، والاستقلالية، بما فرض في النهاية التدخل العسكري الفرنسي الأفريقي الأخير في حرب شمال مالي، لمواجهة التحدي الأمني الخطير في هذه المنطقة التي أصبحت تسمى أحياناً في التداول الإعلامي “ساحلستان”، وبعدما تفاقم خطر الجماعات المسلحة فيها، وتمكنت من فصل قرابة ثلثي مساحة دولة مالي، لإقامة ملجأ فيه للجماعات المتطرفة، حيناً تحت دعاوى انفصالية، وحيناً آخر تحت دعاوى أصولية راديكالية بالغة الغلو والتطرف، هذا هو مؤدي تحليل كثير من الدارسين والمتخصصين الفرنسيين في شؤون هذه المنطقة رابطين بين حالة التردي الأمني الخطيرة التي ارتمت فيها، وبين مآلات الثورة الليبية على نظام القذافي، حيث يرون أن تهريب وتدفق مخزونات السلاح الليبية، وحالة الفوضى العارمة التي عرفتها ليبيا بعد سقوط النظام السابق، وهروب كثير من المليشيات وجماعات المسلحين التي كان يستعين بها كمرتزقة أو حلفاء، كل ذلك، معطوفاً على هشاشة دول إقليم الساحل الأفريقي نفسها وضعف إمكانياتها واحتقاناتها التاريخية، أدى مجتمعاً إلى انفلات الحالة الأمنية في المنطقة، وانفتاح صندوق باندورا العنف والتطرف وتهريب السلاح في أرجائها، ودخولها في مرحلة غير مسبوقة من الفشل والانهيار، وعدم الاستقرار.
ولعل زاوية النظر هذه هي ما ينظر من خلاله الكاتب الفرنسي سامويل لوران في كتابه “ساحلتان، من ليبيا إلى مالي… في قلب «الجهاد» الجديد”، الصادر في مطلع شهر مايو الجاري إلى مأزق منطقة الساحل، مبرزاً الكيفية التي تأثرت بها هذه المنطقة بتداعيات ما بعد الثورة الليبية، ومن ثم تفاقم تحديات عدم الاستقرار الإقليمي التي انخرطت فرنسا، ومعها المجتمع الدولي، في مواجهتها من خلال تدخلها الحاسم الأخير هناك. وفي البداية يوضح المؤلف أنه قد توجه أولاً إلى ليبيا خلال العام الماضي لاستطلاع فرص الاستثمار بتكليف من مجموعة مستثمرين آسيويين، خاصة أنه متخصص في هذا النوع من التقييمات، وقد قاده من قبل إلى مناطق صراع ونزاع عديدة كالعراق والكونجو وغيرهما، وعلى الأرض في ليبيا وجد لحظة صعبة ومقلقة يختلط فيها عدم الاستقرار وتفشي السلاح، مع تطلعات ما بعد التغيير وأحلام الثورة والتجديد، وهي تطلعات دعم فيها المجتمع الدولي أصلاً ثورة الليبيين على نظام القذافي السابق، على نحو ما تكشف عن سقوط ذلك النظام في النهاية. غير أن الأخطر من التحدي الداخلي الليبي هو ما كان ينتظر على الجانب الآخر من الحدود الجنوبية في الصحراء القاحلة، حيث حولت الجماعات المتطرفة والعنيفة مناطق واسعة على حدود الجزائر وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وبقية إقليم الصحراء الكبرى إلى ملاذات لفرض أجنداتها المتشددة، ولتجميع السلاح المهرب من ليبيا من جهة، وتصريف تجارة المخدرات في اتجاه أوروبا من جهة أخرى، هذا زيادة على اختطاف إرادة وسلامة المدنيين العزل في تلك المنطقة، التي تعد مستويات معيشة سكانها ضمن الأشد فقراً على الصعيد العالمي، حيث تتلاشى فرص العمل والأمل، وتنعدم الخدمات والبنيات التحتية، ما جعلها مكاناً مواتياً لمثل تلك الجماعات الخارجة على العصر وعلى القانون.
وبين دفتي كتابه الواقع في 370 صفحة يحاول المؤلف تقديم مختلف أبعاد أزمة منطقة الساحل الأمنية والتنموية والسياسية، داعياً إلى النظر إلى الصورة في كليتها، وبكافة أبعادها، على أن يكون سقف أهداف التدخل الفرنسي والأفريقي في الساحل محدداً، وهو استعادة أجواء الاستقرار والتنمية، وإيجاد حزمة حلول مستدامة لكافة المشكلات والثغرات التي تنفذ منها جماعات العنف والجريمة المنظمة في المنطقة، لكون ذلك هو الحل المثالي لصيانة الوحدة الترابية لدولة هشة مثل مالي مثلاً، وأيضاً لتطويق تجارة وتصدير السلاح والعنف والتطرف بين بقية دول المنطقة، خاصة أن دول شمال وغرب أفريقيا ما زالت بعيدة عموماً عن استعادة أجواء الاستقرار، وتواجه خطراً متنامياً من الجماعات الأصولية المتطرفة، مما يفرض احتواءه بشكل قابل للاستمرار والاستدامة. ومن دون مقاربة تنموية وأمنية فعالة وبعيدة النظر ستبقى التدخلات في لحظات الاحتقان الإقليمي القصوى مجرد حلول مؤقتة، أو علاجات موضعية، في أحسن الأحوال.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button