لطم إسرائيل المستوجب للعقاب وهشاشة النظام العربي

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

أحد مظاهر هشاشة النظام الإقليمي العربي –مؤسساتيا وثقافيا- محددة في عقاب كل من يتسبب في لطم إسرائيل فوق حقل المعركة بطريقة تقليدية أو غير تقليدية، والمفارقة المثيرة للاهتمام تلك التراتبية التاريخية للعلاقة بين لطم إسرائيل عسكريا وترتيب العقاب المؤلم على المتسبب في الإضرار بالموقف العسكري للجيش الإسرائيلي أو نال من السمعة الاستراتيجية للقوة الإسرائيلية. ينفذ ذلك العقاب بواسطة الفعل الإسرائيلي المباشر أو بواسطة الوكلاء تحت ادعاء وجود مصالح حيوية في التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل.
كانت البداية –فيما اعتقد- مع قائد أركان الجيش المصري السابق خلال حرب اكتوبر 1973 السيد سعد الدين الشاذلي رحمه الله، صاحب استراتيجية “المآذن العالية” في اشتباك الجيش المصري مع الجيش الإسرائيلي، التي مكنت القوات المسلحة تخطي بسرعة الخط الدفاعي الإسرائيلي الأمامي (خط برليف) بسهولة والعبور إلى شرق قناة السويس؛ وبواسطة تلك الاستراتيجية أثبت الجيش المصري أنه قادر على إلحاق الهزيمة المؤلمة بأسطورة الجيش الإسرائيلي. كانت المكافأة لقائد الأركان إقالته من منصبه تحت ذريعة خلافاته مع الرئيس السادات، ثم عاش طريدا في الجزائر في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله؛ وما أن أطيح بهذا الأخير في يناير 1992 جاء بسرعة الرئيس المصري حسني مبارك إلى الجزائر وعرض مساعدة مصر مقابل رأس سعد الدين الشاذلي لتعفيره في تراب المحاكم والسجون المصرية في فترة شيخوخته بتهمة إفشاء أسرار عسكرية.
ثم جاء دور الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان أول رئيس عربي ضرب تل أبيب في حرب 1991، والذي عوقب باحتلال أمريكي لبلاده في عام 2003 والقبض عليه وإهانته في مسرحية قضائية ثم إعدامه شنقا ليلة عيد الأضحى بوحشية كبيرة في عام 2006، ليس هذا فحسب وإنما تعرض الجيش العراقي لعقاب جماعي بسبب ضربه إسرائيل، بحله من قبل الحاكم الأمريكي بول بريمر عام 2003.
نشبت حرب عنيفة في تموز عام 2006 بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، ودامت تقريبا 33 يوما استخدمت فيها إسرائيل أكثر الأسلحة تطورا في القوة النارية آنذاك واستعانت بالذخيرة الأمريكية الموجهة المخترقة للحصون تحت الأرض؛ لكن لم تستطع تحقيق أي نتيجة، وتم قتل الكثير من الجنود الإسرائيليين وتدمير أسطورة دبابة المركافا الإسرائيلية، وكان فشلا عسكريا إسرائيليا مدويا ولطما استراتيجيا مؤلما للجيش الإسرائيلي. كانت المقاومة اللبنانية مدعومة من طرف سوريا وإيران، فكان العقاب المؤلم الحرب الأهلية الطويلة في سوريا وتصفية القائد العسكري للمقاومة في تلك الحرب العميد مغنية؛ ليس هذا فحسب، وإنما انطلقت حملة ثقافية فكرية عربية يقودها قادة الفكر الوهابي لتشويه المقاومة اللبنانية بأنهم شيعة وأنهم أخطر من إسرائيل على الإسلام، وتعالت الأصوات على منابر المساجد عبر العالم العربي بما فيهم الجزائر للتنديد بالمقاومة والتحذير منها في ذروة الاشتباك العسكري مع إسرائيل.
شنت إسرائيل ثلاث حروب عنيفة ضد قطاع غزة الصغير كانت آخرها عام 2014، لتدمير المقاومة الفلسطينية هناك، واستخدام القصف المدفعي من الأرض، والقصف الجوي، والقصف الصاروخي من البحر؛ دون أن تحقق أي نتائج عسكرية على الأرض وصمدت المقاومة طيلة أيام الحرب، واشتبك أفرادها على محاور متعددة مع الجنود الإسرائيليين في تحدي واضح على القتال ضد أكثر جيوش العالم تجهيزا وتدريبا وتطورا. وما دام أن الإخفاق العسكري كان مؤلما للجيش الإسرائيلي ونال من هيبته الاستراتيجية الإقليمية والدولية، فلابد أن يكون أيضا العقاب مؤلما، والعقاب يكون مؤلما عندما يأتي من ذوي القربى، كما قال الشاعر: وظلم ذوي القربي أشد مضاضة من وقع الحسام المهنّد. تمثل العقاب في اغتيال قادة المقاومة، والحصار المصري للقطاع، وخنق السلطة الفلسطينية للقطاع اقتصاديا عن طريق قطع الرواتب، التسريح المبكر للعاملين على التقاعد، تقليص إمدادات الكهرباء للقطاع، وتأييد الحرب الإسرائيلية على القطاع.
الأخطر من ذلك، أن ينفذ العقاب الإسرائيلي ضد المقاومة بالوكالة عن إسرائيل بواسطة بعض قادة الفكر الوهابي عن طريق تصنيفهم بأنهم خوارج، وأنهم أخطر على الإسلام من إسرائيل، ثم جاءت وصفة الإرهاب من اجل التمهيد لتشكيل تحالف عربي إسرائيلي لتصفية المقاومة في القطاع عسكريا. النجاح الإسرائيلي في هذا الصدد هو قيادة الحرب ضد المقاومة بالوكالة عن طريق مجموعة الدول العربية التي وصفتها بالإرهاب، وأعمال السلطة الفلسطينية في رام الله لخنق القطاع اقتصاديا لخلق مناخ سياسي واجتماعي عام مناهض للمقاومة من أجل تأييد الضربة العسكرية المشتركة القادمة لتدمير الخطوط الأمامية للمقاومة ضد إسرائيل.
تعكس الحرب بالوكالة عن إسرائيل ضد المقاومة، سواء في شكلها الثقافي، الأمني، أو العسكري؛ المستوى الذي وصلت إليه هشاشة النظام العربي الإقليمي، وأصبحنا نترحم على زمان صاح فيه الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين رحمه الله في وجه العالم: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button