على اعتبار أنَّ القضایا الأمنیة من أهم التحدیات التي تواجه مختلف الدول فإنَّ تحدید المفاهيم المرتبطة بها هو أهم انجاز یمكن من خلاله تخفیف شدة التوترات التي يشهدها الوضع الدولي اليوم، ويعتبر مفهوم المعضلة الأمنیة من بین المفاهيم الجوهرية التي تم ربطها بظواهر النزاعات مع العلاقات الدولیة، وذلك كون أنًّ العلاقات بين الدول تجري في وسط تغيب عنه سلطة مركزية، وبذلك فإنّ كل دولة تجد نفسها على الدوام معرضة لخطر دولة أو دول أخرى قد تلجأ إلى استخدام القوّة المسلحة ضدّها، بعبارة أخرى، إنَّ العلاقات الدولية تجري في وسط تطبعه حالة التأهب للحرب، وكل دولة يجب أن لا تعتمد إلا على نفسها لتضمن أمنها، وهذا ما يسمى المعضلة الأمنية في العلاقات الدولية.
تعريف المعضلة الأمنية:
إن الشائع هو مفهوم “المأزق الأمني” الذي كثيرا ما برز في الاتجاه الواقعي سواء التقليدي أو الجديد، والمقصود بالمأزق الأمني هو “الوضعية التي تتواجد فيها الحكومات أمام مشاكل تمس بأمنها، أين يكون الخيار بين أمرين متساويين وغير مرغوب فيهما”، فهي حالة يصعب فيها اتحاد القرار بين أمرين كلاهما يلحقان الضرر بالدولة، لأنّ القيام بالاستعدادات العسكرية يخلق شعورا بعدم الاطمئنان لا يمكن انتزاعه في تفكير الدول الأخرى تجاه نوايا هذه الدولة.
يقصد بمعضلة الأمن أنَّ أي دولة في نظام يتميز بالفوضوية كمرادف لحال الحرب في التصور الواقعي، ويحكمه مبدأ “العون الذاتي” لتكون في مأمن من مخاطر هجوم دول أخرى أو أنها تشعر بالتهديد فهي تسعى للحصول على مزيد من القوة، تقيها عدوان محتمل والانفلات من تأثير قوة الآخرين، لكن هذا يجعل الطرف الآخر يشعر بمزيد من اللاأمن، مما يدفعه للتأهب للأسوأ، وبما أنَّه يستحيل أن يشعر طرف بالأمن تماما في عالم يتكون من وحدات متنافسة، كما يتعذر للدول الاطمئنان أو الثقة بنوايا الدول الأخرى فإن السعي للقوة يتواصل، وبالتالي فالصراع من أجل القوة هو سيد الموقف.
كما قدم روبرت جيرفيس – Robert Jervis تعريفاً آخر للمعضلة الأمنية باعتبارها الحالة التي فيها “العديد من الوسائل التي تسعى الدولة من خلالها زيادة أمنها فتقلل من أمن الآخرين“.
ويعرف جون هرتز – John Hertz المعضلة الأمنية بقوله: “أنها مفهوم بُنيوي تقود فيه محاولات الدول للسهر على متطلباتها الأمنية بدافع الاعتماد على الذات وبصرف النظر عن مقاصد هذه المحاولات، إلى ازدياد تعرض دول أخرى للخطر، حيث أنَّ كل طرف يفسر الإجراءات التي يقوم بها على أنَّها إجراءات دفاعية ويفسر الإجراءات التي يقـوم بها الآخرون على أنها تشكل خطراً محتملا”.
مراحل المعضلة الأمنية:
يمكن تقسيم المعضلة الأمنية إلى مرحلتین تتمثلان في ما يلي:
أولاً: “التفسیر” في سیاق المرحلة الأولى یقولان أنَّ معضلة الأمن تحدث عندما تخلق الاستعدادات العسكریة للدولة ما حالة شك في عقل الدولة الأخرى بشأن ما إذا كانت هذه الإعمال هي لأغراض دفاعیة فقط لتعزيز أمنها، أو ما إذا كانت لأغراض هجومية وذلك لتهديد أمن دول أخرى.
ثانياً: “الاستجابة” فان المرحلة الثانیة من معضلة الأمن هي مرحلة الاستجابة ورد الفعل من استعدادات الدول الأخرى السياسية الاقتصادية وخاصة العسكرية.
الافتراضات الأساسية للمعضلة الأمنية:
تقوم المعضلة الأمنية على الافتراضات التالية:
– يرتكز هذا المفهوم على فرضية أن الأمن حالة تتنافس الدول على تحقيقها، وفي كنف نظام عالمي فوضوي لا سلطة فيه قادرة على تأمين النظام، يتعين على الدول أن تهتم بجهودها الخاصة التي توفر لها الحماية، وفي إطار مسعاها لتأمين ذلك، نجدها تكتسب قوة أكثر فأكثر لتكون قادرة على تجنب أثر قوة الدول الأخرى، وهذا بدوره يجعل من الآخرين أقل إحساسا بالأمان، ويدفع بهم لتحضير أنفسهم للأسوأ، وبما أنه ما من دولة باستطاعتها أن تشعر بالأمان الكامل في عالم من الدول المتنافسة، فإن التنافس سيكون حتميا وتكون النتيجة دوامة متصاعدة من انعدام الأمن بين الدول.
– المعضلة الأمنية لا تنشأ بين الدول المتنازعة والمتصارعة فقط بل بين جميع وحدات النظام الدولي الفوضوي.
أسباب حدوث المعضلة الأمنية:
– إن الشكل ثنائي الأقطاب الناشئ للحرب الباردة قد أدى إلى تفاقم المعضلة، حيث أصبحت معضلة الأمن في هذه الفترة أقصى درجة من الشدة
– إنّ الخوف و انعدام الثقة هما من صميم معضلة الأمن و حتى عندما يسود الاعتقاد بأنّ دولة ما تضمر نوايا حسنة يظل هنالك شعور بأنّ هذه النوايا يمكن أن تتبدل.
– لا يقتصر مفهوم المعضلة الأمنية على الجانب العسكري فقط، إنما يتعداه إلى كل الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي تتخذها دولة ما وتـصورها الـدول الاخرى على أنها موجهة ضدها بالأساس وتضرب أمنها القومي خصوصا في الحالات التي يكون فيها هناك رصيدا نزاعيا بين دولتين أو أكثر، وتكمن الحيرة في الاختيار ما بين زيادة القوة العسكرية و الانعكاسات السلبية على الاقتصاد من جهة و بين التنمية الاقتصادية و التقليل من التسلح من جهة ثانية، فالاختيار الأول يثير مخاوف الجيران و قد يضعف الاقتصاد، و الثاني قد يقوى من الاقتصاد لكنه يظهر ضعف الدولة للجيران. فتضطر الدولة في الأخير لزيادة قوتها العسكرية وتحذو غيرها نفس المنهج فتزداد التهديدات الخارجية مما يدفعها لزيادة قوتها من جديد.
– معضلة الأمن تصف ظرفاً تبدو فيه الجهود لتحسين الأمن القومي كما لو أنها أعمال مهددة للدول الأخرى، فتؤدي بالتالي إلى خطوات عسكرية مضادة، وهذا بدوره قد يقود إلى انحدار واضح في الأمن بالنسبة للدول جميعها.
كيفية الخروج من المعضلة الأمنية:
للخروج من هذه المعضلة انقسمت مواقف وأراء الاتجاه الواقعي إلى شقين تتمثل في ما يلي:
الشق الأول: رأى أن المعضلة الأمنية حالة مزمنة في السياسة الدولية، فاعتبر أنَّ نظام العون الذاتي يُبْرِزْ توازن القوى حتى في غياب سياسة ترمي للحفاظ عليه، كما يُبين أنَّ موازين القوى تنشأ بصرف النظر عن أيَّ نوايا لدولة بعينها.
الاتجاه الثاني: يرى أنَّه يُمكن التخفيف من آثار المعضلة الأمنية ضمن نظام العون الذاتي، من خلال تفعيل آلية ميزان القوى، كما يُوضح أنَّ مفهوم ميزان القوى كان يعتبر طوال فترة نظام الدولة الحديثة من ضرورات حفظ حرية الدول، فميزان القوى هو هدف جوهري للسياسة الخارجية بالنسبة للدول العظمى.
ومن خلال ما سبق طرحه يمكن القول أن المعضلة الأمنية أن أي دولة في النظام الدولي المتميز بالفوضوية وانعدام سلطة مركزية، تشعر بالتهديد فتسعى هذه الأخيرة للحصول على مزيد من القوة، تقيها عدوان محتمل والانفلات من تأثير قوة الآخرين، لكن هذا يجعل الطرف الآخر يشعر بمزيد من اللاأمن، مما يدفعه للتأهب للأسوأ، وبما أنه يستحيل أن يشعر طرف بالأمن تماما في عالم يتكون من وحدات متنافسة، كما يتعذر للدول الاطمئنان أو الثقة بنوايا الدول الأخرى فإن السعي للقوة يتواصل، وبالتالي فالصراع من أجل القوة هو سيد الموقف.
المصادر والمراجع:
غريفيثس ، مارتن. وأوكلاهان، تيري. المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج للأبحاث، 2008.
بهولي، عبير. “النظرية الواقعية البنيوية في الدراسات الأمنية: دراسة لحالة الغزو الأمريكي للعراق في 2003”. مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية و العلاقات الدولية، تخصص دراسات استراتيجية و أمنية، جامعة الجزار03، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية، 2013،2014.
حموم، فريدة. “الأمن الإنساني مدخل جديد للدراسات الأمنية”. مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية، 2004.
دير، أمينة. “أثر التهديدات البيئية على الواقع الأمني الإنساني في أفريقيا دراسة حالة- دول القرن الأفريقي”. مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية و العلاقات الدولية تخصص، علاقات دولية و استراتيجية، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2013،2014.
سمرة، بوسطيلة. “الأمن البيئي- مقاربة الأمن الإنساني”. مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية و العلاقات الدولية، جامعة الجزائر 03، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية، فرع الدراسات الاستراتيجية و الأمنية، 2012،2013.
قروشي، مريم. “الأمن القومي العربي بعد نهاية الحرب الباردة – الواقع و الآفاق – “. مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، فرع العلاقات الدولية و الدراسات الاستراتيجية، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2013، 2014.
معمري، خالد. ” التنظير في الدراسات الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة دراسة في الخطاب الأمني الأمريكي بعد 11 سبتمبر”. مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص العلاقات الدولية الدراسات الاستراتيجية، جامعة باتنة، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، 2007،2008.