دراسات أمنيةدراسات شرق أوسطية

ذهبت الإنسانية وأستشهد السلام.. فسقط العدل على أرض القطاع

محمد عبدالرحمن عريف

هي بدايات مع ما فجّره الملياردير الأميركي إيلون ماسك من مفاجأة مدوية بتصريحات جريئة حول المجازر الإسرائيلية في غزة، وذلك في مقابلة له مع المذيع الشهير ليكس فريدمان. وقال رجل الأعمال الشهير خلال المقابلة: “إذا كنت لن ترتكب (في إشارة إلى إسرائيل) إبادة جماعية بشكل صريح ضد شعب كامل، الأمر الذي لن يكون مقبولًا بالطبع، فإنّك ستترك الكثير من الناس الذين يكرهون إسرائيل على قيد الحياة”. وكان ماسك قد تعرض منذ أيام لانتقادات جمة بسبب نكتة غريبة ألقاها حول العدوان الإسرائيلي على غزة خلال عرض جو روغان، وعاد ليثير جدلًا واسعًا بإجاباته على فريدمان، إذ رأى أنه لا توجد إجابة سهلة حول كل ما يتعلق بالشرق الأوسط.

“كم عضوًا جديدًا ستمنح حماس؟”.. وصرّح ماسك خلال المقابلة قائلًا: “السؤال الحقيقي هنا هو، مقابل قيامك بقتل فرد واحد، كم عضوًا جديدًا ستمنح حماس؟ قتلت فأنت لم تنجح”. وتابع موضحًا أنه “إذا قتلت طفلًا لأحدهم في غزة فقد صنعت على الأقل العديد من أعضاء حماس، الذين هم على استعداد لأن يموتوا فقط لقتل إسرائيلي”. كما أضاف إيلون ماسك في هذه المقابلة أن على إسرائيل أن “تتصرف بأقصى أنواع اللطف الممكنة”، واعتبر أن تطبيق مبدأ العين بالعين والسن بالسن يفاقم الوضع سوءًا.

التفاعل مع تصريحات ماسك

     تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريحات إيلون ماسك الأخيرة، حيث رأت بلقيس الحريزي أن الملياردير الأميركي “تكلم بمخطط أميركا الرئيسي لتفكيك حماس من الداخل وهو ما لم تفهمه حكومة نتنياهو، وأساس الخلاف بين أميركا وحكومة تل أبيب”.

     نعم الإرهاب والقتل المتعمد والظلم لا يولد إلا ظلمًا وجورًا، جذور المشكلة ما زالت موجودة بالاستعمار والاحتلال المستبد، الحل يجب أن يكون جذريا ونهائيا لوقف النزيف الدموي الانتقامي. فإسرائيل همها الأول هو الاستيلاء على الأرض ولا يهمها أنها تخلق مزيدًا من الأعداء ليس فقط من الفلسطينيين، بل من غيرهم عرب وغير العرب، وبما أن الصهاينة مسيطرون على السياسة والاقتصاد الأميركي والأوروبي فإن إسرائيل لا يهمها الأعداء لا حجمًا ولا نوعًا.

      الواقع على الأرض أن القطاع يشهد كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل عدوان إسرائيلي مستمر، طال جميع المرافق الحياتية في القطاع  المحاصر أساسًا منذ 17 عامًا.  وفي الوقت الذي يعجز فيه العالم عن منع إسرائيل من ارتكاب المجازر بحق سكان القطاع، وثنيها عن تخطيها جميع الأعراف والقوانين الدولية، تخطى عدد شهداء العدوان الـ10 آلاف شهيد فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، الذين دكت الغارات الإسرائيلية المنازل على رؤوسهم.

أرقام مرعبة

       أظهرت الإحصاءات أن نحو 2% من إجمالي سكان قطاع غزة باتوا ضحايا مباشرين جراء هذا العدوان إما شهداء أو جرحى، حيث تستقبل مستشفيات قطاع غزة بالمتوسط جريحًا في كل دقيقة، منذ بداية العدوان و15 شهيدًا في كل ساعة، فيما بلغ متوسط الشهداء من الأطفال الصبية 6 في كل ساعة، ومن الإناث 5 بالساعة الواحدة. يأتي ذلك في ظل ما تعانيه المستشفيات والمراكز الصحية من استهداف مباشر له، إذ إن نصف مستشفيات قطاع غزة و62% من مراكز الرعاية الأولية توقفت وخرجت من الخدمة فعليًا، إضافة لأزمة الوقود المستفحلة بعد منع إسرائيل دخول الوقود المشغل لتلك المشافي عن القطاع.

     في ظل استهداف إسرائيل التجمعات السكنية، والأبنية المأهولة، فإن 70% من سكان قطاع غزة باتوا نازحين قسرًا عن منازلهم بسبب القصف والغارات، حيث قصفت إسرائيل القطاع بـ 30 ألف طن من المتفجرات، وبمتوسط 82 طنًا لكل كيلومتر مربع.

المنشآت السكنية والتربوية

      كشفت الأرقام أن 50% من الوحدات السكنية في قطاع غزة تضررت جراء القصف والغارات، كما أن 10% من الوحدات السكنية بقطاع غزة هدمت كليًا أو باتت غير صالحة للسكن.

      إسرائيل لم توفر دور العبادة أو المراكز التربوية، حيث تضررت 33% من مدارس قطاع غزة تضررت جراء القصف ونحو 9% منها خرجت من الخدمة، كما تضرر 14% من مساجد قطاع غزة، وهدمت إسرائيل 5% منها بشكل كامل. وتزداد الأوضاع الإنسانية سوءًا في قطاع غزة في ظل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة باستهداف المستشفيات والمراكز الصحية، حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى وجود 122 ألفًا من سكان غزة النازحين في المستشفيات والكنائس والمباني العامة المنتشرة في أنحاء القطاع، بالإضافة إلى 827 ألفًا في المدارس. يأتي ذلك في ظل تشديد إسرائيل الحصار على القطاع، مانعة الماء والكهرباء عنه، وكذلك حرمت سكان قطاع غزة من المساعدات الغذائية والطبية، التي باتت شحيحة بفعل الشروط القاسية التي تفرضها في معبر رفح، الأمر الذي ينذر بمجاعة قد تطال سكان غزة، في ظل شح المواد الغذائية.

     في حرب غزة لم تستدعِ بواخر إجلاء للمقاتلين الذين أدّوا عملاً أسطورياً يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والذين يخوضون أقوى حرب دفاعية عرفها التاريخ، بين أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط والعالم، وبين أصغر بقعة جغرافية وأشدها كثافة سكانية، وأفقر تشكيل قتالي من حيث التسليح الحديث الذي يمتلكه الخصم، ويستخدمه كله في هذه الحرب.

     أهداف الحرب الإسرائيلية المدعومة حد المشاركة من قبل الإدارة الأميركية، وضعت غزة تحت خطر التدمير الشامل والقتل الجماعي الذي لا يعرف أحد كم سيبلغ إلى أن تضع الحرب أوزارها، ووضعت المقاتلين أمام خيارٍ لا بواخر إجلاء فيه؛ بل صمود ومقاومة. وما يميز هذه الحرب عن غيرها، أن طرفيها لا يملكان ترف خيار التراجع، فلا المقاومون في وارد رفع «راية بيضاء»، ولا المهاجمون يفكرون في التخلص من أجنداتهم التي أساسها صورة نصر تقنع الجمهور الإسرائيلي، وتنزع من روحه شعور الهزيمة.

     في حرب 82 التي انتهت بإجلاء المحاربين الفلسطينيين عن الجنوب وبيروت، أتت بهم بعد عقود على أجنحة أوسلو المتكسرة، موظفين ورجال أمن. أما حرب 2023 فلا أحد يعرف ما الذي ستأتي به من مسارات بعد أن تضع أوزارها، ولكن دون بواخر إجلاء ودون رايات بيضاء.

      سبق أن ذكر المتحدث باسم «الصحة» أن المستشفى يشهد الإعلان بشكل متتابع عن حالات وفاة جديدة، نتيجة عدم القدرة على إجراء العمليات الجراحية أو حتى توفير الأكسجين لمن يحتاجونه، أو توفير التدفئة في حضانات الأطفال. وقال إن الجيش الإسرائيلي «يُطلق النار باتجاه أي جسم يمكن أن يتحرك» في محيط المستشفى. وأوضح أن المؤسسات الدولية العاملة في المجال الصحي، مثل «منظمة الصحة العالمية» و«الصليب الأحمر» وكذلك «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا): «كلها غير قادرة على فعل شيء، وفقدت قدرتها على العمل». وفي وقت لاحق، ذكر التلفزيون الفلسطيني اليوم الأحد أن ثلاثة أطفال رضع وخمسة من مرضى العناية المركزة في مستشفى الشفاء بغزة توفوا لنقص الأكسجين.

وحذرت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة أمس من أن المرضى في مستشفى الشفاء مهددون بالموت الحتمي لعدم إدخال الوقود للمستشفيات. إلى ذلك، أكد مسؤول في وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» أن غارة إسرائيلية دمّرت مبنى قسم أمراض القلب في مجمع الشفاء الطبي في شمال غزة، مع احتدام القتال في محيط مستشفيات القطاع. وقال وكيل وزارة الصحة يوسف أبو الريش لوكالة الصحافة الفرنسية «الاحتلال دمر بالكامل مبنى قسم القلب في مستشفى الشفاء». وأكد شهود عيان وقوع الغارة. وبدورها، أعلنت «منظمة الصحة العالمية» اليوم، أنها فقدت الاتصال بمستشفى «الشفاء» في قطاع غزة. وأضافت عبر منصة «إكس» («تويتر» سابقاً): «نفترض أن مَن كنا نتواصل معهم يلحقون الآن بعشرات الآلاف من النازحين الذين كانوا قد اتخذوا من المستشفى ملجأ، ولكنهم يهربون الآن من المنطقة». وتحدثت المنظمة عن تقارير وردتها تفيد بأن بعض مَن فروا من المستشفى تعرضوا لإطلاق النار عليهم وجُرحوا؛ بل وقُتل بعضهم، مجددة دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وصفته بأنه «السبيل الوحيد لإنقاذ الأرواح، ووضع حد للمعاناة المروعة هناك». وقالت المنظمة: «لا ينبغي أبداً أن يشعر المرضى الذين يلتمسون الرعاية الصحية بالخوف، ولا ينبغي أبداً إجبار العاملين الصحيين الذين أقسموا على علاجهم على المخاطرة بحياتهم لتقديم الرعاية». وكان تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظمة، قد عبّر في وقت سابق، اليوم، عن قلق المنظمة البالغ بشأن سلامة العاملين في قطاع الصحة بالمستشفى والمرضى والجرحى والأطفال والنازحين داخله. وأشار إلى تقارير وصفها بأنها «مرعبة» عن تعرض المستشفى لهجمات متكررة؛ مشيراً إلى أن الدبابات الإسرائيلية تحاصر المستشفى. وقال إن المنظمة تدعو إلى «إخلاء طبي للمرضى ومن يعانون من إصابات حرجة، بشكل مستدام ومنظم وآمن دون معوقات»؛ مشيراً إلى تقارير تتحدث عن أن مَن يغادرون المستشفى يتعرضون لإطلاق النار، ويصابون أو يُقتلون.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى