نشرت هذه الدراسة بمجلة لباب الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، العدد الثالث عشر، فبراير/شباط 2022، عبر الرابط التالي https://studies.aljazeera.net/ar/magazines/book-1450“
خلال عهد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب (2017-2021)، تراجعت الأهمية الاستراتيجية، التي لطالما حظي بها الأردن لدى الشركاء الإقليميين والدوليين، بشكل مهول، ونجم عن ذلك تراجع أيضا في دوره الإقليمي التقليدي. ترافق ذلك مع ضغوط كبيرة مورست على عَمَّان للقبول بما عُرف آنذاك بصفقة القرن. ثم سرعان ما واجهت المملكة أزمة سياسية غير مسبوقة العام الماضي (2021) عُرفت باسم “قضية الفتنة” معطوفة على أزمة اقتصادية تمثَّلت في انكماش اقتصادي (1.6%) في نهاية العام 2020 وذلك للمرة الأولى منذ عقود(1) في ظل تحديات جمة تواجهها البلاد داخليا وخارجيا.
وبموازاة وصول جو بايدن إلى سدَّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية في بداية العام 2021، بدا أن الأردن يحاول لملمة أوراقه المبعثرة واستعادة زمام المبادرة لناحية إعادة إحياء دوره الإقليمي أو البحث عن أدوار جديدة. ومن وجهة النظر الأردنية، تمثل الانفراجة الإقليمية الحاصلة حاليا فرصة لصانع القرار لاحتواء الوضع والبحث عن حلول، وهو ما انعكس على شكل مبادرات إقليمية جديدة، كمشروع الغاز العربي، وإعادة التطبيع مع نظام الأسد، ومشروع الشام الجديد.
المعطيات المحلية
يقع الأردن جغرافيًّا في قلب المثلث الملتهب في منطقة الشرق الأوسط، على حدود كل من العراق وسوريا وفلسطين. وبقدر ما يتيح الموقع الجيوسياسي هذا فُرصًا لعمَّان للعب أدوار سياسية ودبلوماسية فعالة كما كانت عليه الحال في الماضي، بقدر ما يفرض عليها المزيد من التحديات والمتاعب والضغوط، كما هي عليه الحال اليوم. تُعد المملكة بلدًا محدود الموارد لاسيما عندما يتعلق الأمر بالطاقة والمياه. يستورد الأردن أكثر من 96% من حاجاته من الطاقة من النفط والغاز(2)، وتشكِّل واردات الطاقة أكثر من 40% من حجم الموازنة العامة للبلاد(3)، وأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي(4)، وهو الأمر الذي يجعله ضعيفًا ومعتمدًا بشكل شبه كامل على الخارج. علاوة على ذلك، يُصنَّف الأردن كثاني أفقر دولة في العالم لناحية ندرة موارد المياه؛ حيث تبلغ حصة المواطن الأردني من المياه المتجددة سنويًّا أقل بـ5 مرات من الرقم الذي يمثله الحد الأدنى للندرة الشديدة للمياه عالميًّا(5). وتعد ندرة المياه عائقًا كبيرًا كذلك أمام التنمية، لأنها تؤثر على إنتاج الغذاء والصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
يعاني الأردن من ضغط اقتصادي هائل وسط تزايد معدلات الفساد والبطالة؛ الأمر الذي يعيق إطلاق الأعمال وتوظيف طاقات الأردنيين البشرية بالشكل الأمثل. خلال العامين الماضيين، زادت جائحة كورونا من سوء الوضع الاقتصادي في البلاد؛ حيث شهد الأردن انكماشًا اقتصاديًّا للمرة الأولى منذ عقود(6). وقد ترك ذلك تأثيرات سلبية على النشاط الاقتصادي وعلى المؤسسات الصغيرة بالأخص(7) وعلى المجتمع بشكل عام(8). ويُعتبر موضوع اللاجئين واحدًا من أبرز المواضيع الشائكة التي تضع المزيد من الضغوط على موارد البلاد المحدودة. يحتل الأردن المرتبة الثانية عالميًّا في عدد اللاجئين نسبة إلى عدد سكانه، وقد استقبل نتيجة للأزمة السورية أكثر من مليون لاجئ(9). وبالرغم من التعاطف الشعبي الواسع الذي أظهره استطلاع جديد للرأي قامت به المفوضية العليا للاجئين(10)، إلا أن موارد البلاد المحدودة تجعل من الصعب جدًّا على المملكة الاستمرار في الوضع الحالي.
البيئة الخارجية
إقليميًّا، وفضلًا عن الخلافات البينية العربية والتكاليف السياسية والاقتصادية والأمنية المترتبة عليها، يُعد التحدي الذي تفرضه القضية الفلسطينية بمنزلة معطى ثابت في الأردن. شهدت السياسات الأميركية إبَّان عهد ترامب تجاه القضية الفلسطينية والقدس تحولات خطيرة كانت بمنزلة كابوس للأردن. فصفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي آنذاك تعارضت بشكل جذري مع ثوابت وخيارات السياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية والتي تتمحور بشكل أساسي حول إنشاء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس. كما سمح تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل لكلٍّ من واشنطن وتل أبيب بتجاوز عَمَّان. وشهدت تلك الفترة تهميشًا كاملًا للدور الأردني، وضغطًا متزايدًا عليه من قبل واشنطن وتل أبيب وبعض الدول العربية-الخليجية للقبول بالأمر الواقع.
على المستوى العربي، وضع الانقسام الخليجي خلال المرحلة الممتدة من 2017 إلى 2020، الأردن في وضع صعب. وبالرغم من الضغوط السياسية والاقتصادية التي مورست عليه من بعض الدول الخليجية، واصل الأردن معارضته للتوجهات القائمة بخصوص صفقة القرن والانقسام الخليجي(11)، من خلال التقارب مع تركيا في الملف الفلسطيني من جهة، وعدم الانحياز إلى المحاور المتخاصمة في الأزمة الخليجية من جهة أخرى(12)، وذلك للحفاظ على مصالحه الحيوية الاستراتيجية.
ونتيجة للتراكمات الداخلية والضغوط الخارجية، تعرض الأردن لهزة سياسية غير مسبوقة هَوَت لوقت وجيز بسمعة البلاد كواحة استقرار، وذلك بعد الكشف عن خلاف في أوساط العائلة الحاكمة؛ حيث أعلنت السلطات في أبريل/نيسان 2021(13) عن “إحباط محاولة تهديد لاستقرار الأردن من قبل -ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق للملك عبدالله- الأمير حمزة بن الحسين بمشاركة الشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله وآخرين بالتعاون مع جهات خارجية”(14). وقد انتهت هذه العملية التي عرفت باسم “قضية الفتنة” إلى محاكمة المتهمين وسجنهم لمدة 15 عامًا(15) بتهم من بينها: “التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم في المملكة.. والقيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة”(16).
التنويع والأمن الإقليمي
تقليديًّا، تربط الأردن شراكات استراتيجية مع الغرب لاسيما مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك للحصول على المساعدات الاقتصادية والدعم العسكري. لكن مع تزايد التحديات التقليدية وغير التقليدية في العقد الأخير، وسَّع الأردن من دائرة علاقاته وانفتاحه على لاعبين آخرين كروسيا والصين في ظل التراجع الأميركي والفراغ الناشئ في المنطقة. مع تزايد ثقل الدور الروسي في سوريا، انفتحت عَمَّان على التنسيق مع موسكو سياسيًّا وأمنيًّا. أما الصين، فزادت حجم التبادلات التجارية معها مؤخرًا، وتعتبر بكين واحدة من أكبر المستثمرين في عدد من الشركات الأردنية المهمة كشركة بوتاس العربية(17). ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والأردن وفقًا لأرقام العام 2020 حوالي 3.6 مليارات دولار(18)، أي ما يقارب حجم التجارة بين الأردن والولايات المتحدة.
مع رحيل ترامب ومجيء بايدن، سعى الأردن إلى إعادة تنشيط دوره الإقليمي من خلال البوابة الأمنية وذلك لتعويض التراجع الحاصل في أهميته الاستراتيجية ودوره الدبلوماسي. في يناير/كانون الثاني من العام 2021، وقَّع الأردن اتفاقية دفاعية متقدمة مع الولايات المتحدة تتضمن 19 مادة، وتسمح بوجود القوات الأميركية على الأراضي الأردنية مع منحها امتيازات كبيرة(19). وتنص الاتفاقية على أهمية تعزيز التعاون الدفاعي والأمني من أجل مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في المنطقة. دخلت الاتفاقية التي يبلغ أجلها 15 عامًا على الأقل حيز التنفيذ في شهر مارس/آذار من نفس العام (2021) دون أن تمر عبر البرلمان، وذلك بسبب الاعتراضات التي طالتها.
سبق هذه الاتفاقية قيام واشنطن(20) وعدد من الدول الغربية كألمانيا(21) على سبيل المثال، بتحويل قواتها و/أو مخازن ذخائرها(22) الموجودة في قواعد أخرى في المنطقة إلى “قاعدة موفق السلطي الجوية” في الأزرق الأردنية، وذلك إما بسبب الخلافات السياسية الغربية مع تركيا، وخشية بعض الدول من أن يتم تقييد حرية استخدامها لقاعدة أنجرليك، وإما بسبب المخاوف من إيران وتأثير عمليات “الميليشيات” التابعة لها على العراق والخليج. وتسمح الاتفاقية الأخيرة مع واشنطن بتعزيز وجود القوات الأميركية بشكل كبير مما يحول السلطي عمليًّا إلى قاعدة عسكرية لوجستية مهمة في قلب بلاد الشام والرافدين. وعلاوة على تعزيز التعاون الدفاعي والأمني مع واشنطن، تأمل عمَّان في زيادة المساعدات المالية المقدمة لها من حلفائها لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. كما يأمل الأردن أن يجري التجديد، نهاية سبتمبر/أيلول المقبل (2022)، للاتفاقية الخماسية التي وُقِّعت عام 2018 مع واشنطن وتسمح بحصوله على حوالي 1.25 مليار دولار سنويًّا كمساعدات(23).
مبادرات جديدة
يعود التراجع الملحوظ في الدور الأردني الإقليمي -مقارنة بما كان عليه الأمر في العقود الماضية- إلى وجود مشاكل داخلية هيكلية، وعوامل خارجية تتعلق ببروز لاعبين إقليميين آخرين يمتلكون القدرة المالية والدبلوماسية اللازمة للعب أدوار إقليمية. وأخيرًا، إلى شكل العلاقة مع الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية. انطلاقًا من إدراكه لهذا الأمر، وفي محاولة منه لاستغلال مرحلة خفض التصعيد التي تمر بها المنطقة لإعادة إحياء أو حتى رسم دور جديد للأردن، قامت عمَّان مؤخرًا بطرح أو تسويق أو الانخراط في عدة مبادرات إقليمية، بعضها يحمل طابعًا جدليًّا، لعل أبرزها:
- الشام الجديد
تقوم مبادرة “الشام الجديد” في هذا الصدد على تعزيز خطوط الترابط الاقتصادية بين مصر والأردن والعراق على أن يكون ذلك جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى تحييد المخاطر، وتعميق التعاون والتكامل الاقتصادي، وتساعد على تحقيق الأمن والاستقرار. ويستند مشروع الربط إلى مشاريع استجرار الكهرباء، والطاقة، والنقل، والعمالة، بالإضافة إلى إنشاء مدينة صناعية على الحدود المشتركية الأردنية-العراقية. وفق النظرة الأردنية، فمن المتوقع أن ترفع هذه المبادرات من حجم التبادل التجاري للأردن مع هذه الدول والدول المحيطة بها. فضلًا عن ذلك، فستؤمِّن هذه المشاريع العملة الصعبة للبلاد، وتتيح تنشيط الحركة الاقتصادية الأردنية، وتخفِّف من كلفة استيراد الطاقة وتحول المملكة إلى جسر بري سياسي واقتصادي وأمني بين الدول المعنية.
ومع أن الطابع الاقتصادي هو الغالب على جوهر المشروع الجيواقتصادي، إلا أن هناك وجهًا سياسيًّا له. فالعراق يريد أن يعزز من ترابطه مع محيطه العربي للتخفيف من النفوذ الإيراني، فيما يريد الجانب المصري تعزيز دوره في بلاد الشام، وأما الجانب الأردني فيريد التخفيف من الاعتماد على بعض الدول الخليجية -لاسيما بعد الأزمة الخليجية وأزمة الحكم الداخلية- واستعادة جزء من دوره الحيوي الإقليمي المفقود. وفيما يتعلق بالأهداف الجيوسياسية للمشروع، فهي تتوزع بشكل رئيسي بين من يرى المشروع بمنزلة نواة تشكيل محور عربي لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، وبين من ينظر إليه على أنه منصة لإعادة تفعيل النظام السوري عربيًّا سيما أنه لا يمكن أن يكون هناك مشروع “شام جديد” من دون سوريا، وبين من ينظر للمشروع على أنه ذريعة لدفع العراق إلى التطبيع مع إسرائيل وتوسيع دائرة التطبيع عربيًّا.
- العلاقة مع سوريا
في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2021، جرت اتصالات دبلوماسية على مستويات متعددة سياسية واقتصادية وأمنية بين الأردن والنظام السوري. قررت عمَّان على إثر هذه الاتصالات فتح معبر جابر الحدودي مع سوريا، تبع ذلك اتصال هاتفي لبشار الأسد بالملك الأردني، عبد الله الثاني، هو الأول من نوعه منذ حوالي 10 سنوات. كانت هذه الخطوة بمنزلة الإعلان عن التطبيع الرسمي مع النظام السوري بعد قطيعة دامت حوالي عقد من الزمن. وترتبط الاستدارة الأردنية في هذا الملف بعدة عوامل حساسة بالنسبة له، لعل أهمها:
- وضعه الاقتصادي ورغبته في تفعيل التبادلات الاقتصادية والاستفادة من حركة المرور والتجارة لرفد الخزينة الأردنية بعائدات مالية كبيرة؛ إذ تقدَّر الخسائر المالية للأردن بسبب إقفال الحدود مع سوريا بعد “الثورة السورية” بأكثر من 20 مليار دولار(24).
- رغبة الأردن في دفع الأسد وروسيا إلى احتواء “الميليشيات” الموالية لإيران والتي باتت تتكاثر وتقترب بشكل سريع من الحدود الأردنية.
- يأمل الأردن أن يؤدي تفعيل التعاون الأمني مع النظام السوري إلى وقف تدفق المخدرات من سوريا إلى الأردن والتي تتضاعف محاولات تهريبها بشكل كبير وغير مسبوق مؤخرًا.
- وفي المحصلة، فإن الحسابات المتعلقة باللاجئين السوريين في الأردن موجودة دائمًا وإن كان مدى حل قضيتهم أطول من سواه، أما التطبيع مع النظام السوري من وجهة نظر الأردن، فنتائجه المتوقعة مباشرة.
- مشروع الغاز العربي
في خلفية هذا المشهد، يبرز مشروع الغاز العربي لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا فلبنان(25). وفقًا لبعض التقارير، فإن فكرة المشروع تعود إلى العام 2014(26). خلال زيارته إلى واشنطن، في يوليو/تموز 2021، كأول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأميركي، جو بايدن، قرَّر الملك الأردني إقناع الإدارة الأميركية بتفعيل المشروع. كما طلب تجنيب الأردن ولبنان العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر. وفقًا للتصور الأردني(27) الذي عُرض على الجانب الأميركي، فإن لمثل هذا المشروع فوائد كبيرة تتخطى موضوع تلبية احتياجات الأطراف من الطاقة والكهرباء، والتعاون والتكامل البيني بين الدول العربية المنخرطة. ففي الوقت الذي سيلبِّي فيه حاجة لبنانية من الطاقة، سيخفف من نفوذ إيران هناك. فضلًا عن ذلك، فإن المشروع سيسمح باختبار سلوك النظام السوري، على أن يكون هدف هذه المقاربة إحداث تغيير تدريجي في سلوكه مقابل حوافز تنعكس بشكل إيجابي على الشعب السوري وعودة اللاجئين والنازحين. كما سيسمح المشروع بشكل أساسي -وفق الطرح الأردني- بتركيز جميع الدول على محاربة “الإرهاب” واحتواء النفوذ الإيراني المتصاعد(28).
والجدير بالذكر أن بعض التقارير الإسرائيلية (يناير/كانون الثاني 2022) أشارت إلى أن الغاز الذي سيصل لبنان هو غاز إسرائيلي(29). لكن بغضِّ النظر عن مدى صحة مثل هذا الادعاء، يطمح الأردن إلى أن يكون بمنزلة عقدة ربط جيواقتصادية بين شمال إفريقيا والشام وبلاد ما بين النهرين، وأن يعمل كمنصة لإعادة تصدير الغاز المصري والنفط العراقي(30) والكهرباء(31)، ويجني ثمار هذا الدور اقتصاديًّا(32).
مستقبل الدور الأردني في الإقليم
بالنظر إلى المبادرات سابقة الذكر، يمكن القول: إنه ما كان بالإمكان لعَمَّان التقدم بها أو الانخراط فيها دون مباركة ودعم من الولايات المتحدة الأميركية. يتمتع الأردن بموقع خاص في واشنطن، فهو يوصف بالحليف الاستراتيجي، ومن أوائل الدول التي صنَّفتها أميركا كحليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي. لكن بقدر ما يفيد الدعم السياسي والاقتصادي والأمني الأردن، بقدر ما يربط مصيره بالتغييرات التي من الممكن أن تحصل في الولايات المتحدة. ولعل الإشارة إلى إدارة ترامب كمثال في هذه الحالة يوضح حجم الضرر الهائل الذي من الممكن أن يلحق بالأردن في حال حصول تغيرات في واشنطن. ولذلك، وفي ظل غياب رؤية لتطوير بدائل لمواجهة مثل هذا السيناريو، فإن دورًا أردنيًّا فاعلًا في المنطقة سيبقى يعتمد إلى حدٍّ كبير على مدى انسجام السياسة الأردنية مع التغييرات داخل واشنطن.
على المستوى الإقليمي، فإن توجه بعض الدول العربية والخليجية نحو التطبيع مع إسرائيل يقلِّل من أهمية الأردن ويضعفه سياسيًّا ودبلوماسيًّا، ويجعل الحاجة إليه من مختلف الأطراف أقل مما كانت عليه سابقًا. فضلًا عن ذلك، يسمح هذا النوع من التطبيع بتجاوز دور الأردن في القضية الفلسطينية وربما يحوله إلى وطن بديل للفلسطينيين وهو ما يخشاه. والإشكالية الأساسية في هذا الجانب تتمثل في حقيقة أن الإدارات الأميركية على مختلف توجهاتها تدعم الاستمرار في التطبيع وإن بدرجات مختلفة.
عربيًّا، وعلى الرغم من الخطط الطموحة التي يطرحها الأردن أو يتفاعل معها أو يسوِّق لها، إلا أن التجربة التاريخية تشير إلى أن الشراكات العربية ضعيفة، وغير مستقرة. جميع الدول المنخرطة في مشروع الغاز العربي تعاني من وضع مالي صعب أو من ديون كبيرة وضخمة، واستدانة لا متناهية من المؤسسات الدولية والدول المانحة. مشاركة شعوب هذه البلدان في العملية السياسية أو في الإنتاج إما ضعيفة أو مُعطلة. ثلاث من هذه الدول على الأقل هي دول “فاشلة” ولإيران نفوذ كبير فيها، ولذلك، هناك مخاوف من أن تنتهي مثل هذه المشاريع إلى “تمويل النفوذ” الإيراني بدلًا من لجمه وتخفيف العبء المادي عن طهران. لم يسبق للرئيس الأسد أن استجاب بشكل إيجابي لأيٍّ من المحفِّزات التعاونية التي طُرحت لإغرائه أو إقناعه بالتخلي عن إيران أو حتى تخفيف نفوذها في سوريا. ولذلك، فإن افتراض عكس هذا الأمر في الظروف الإقليمية والدولية الحالية بالتحديد، هو تفاؤل في غير محله.
خاتمة
ترتبط محاولات المملكة لاستعادة دورها الإقليمي إلى حدٍّ كبير بمدى نجاح المبادرات الإقليمية المُشار إليها. لكن، عندما يتعلق الأمر بقدرات الأردن الذاتية بمعزل عن شركائه أو تحالفاته الخارجية، فإن ضعف أداء الاقتصاد الأردني يقلِّل من خيارات المملكة السياسية ومن قدرتها على المناورة الدبلوماسية أو حتى المواجهة إن اقتضى الأمر، وهو ما يهدد بجعل سياساتها رهينة لسياسات الآخرين وللتحولات الخارجية في محيطها الإقليمي والدولي.
- Jordan Economic Monitor: Uncertain and Long Trail Ahead, World Bank, June 2021, (Accesses: 13-2-2022)
https://data.worldbank.org/indicator/EG.IMP.CONS.ZS?locations=JO&most_recent_value_desc=false
https://www.eia.gov/international/analysis/country/JOR
- في قلب معركة الأردن لمكافحة كوفيد-19، حوار وزير المالية الأردني، صندوق النقد الدولي، 21 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2022)،
https://www.imf.org/ar/News/Articles/2020/07/16/na071620-inside-jordans-fight-to-tackle-covid19
- أثر فيروس كورونا المُستجد على المؤسسات في الأردن: عام واحد على الجائحة، 13 يوليو/تموز 2021، منظمة العمل الدولية، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2022)،
https://www.ilo.org/beirut/publications/WCMS_816824/lang–ar/index.htm
- دراسة أثر جائحة كورونا في مجالات الصحة والعنف الأسري والاقتصاد في الأردن بحسب النوع الاجتماعي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سبتمبر/أيلول 2020، متوافرة على موقع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2022)،
https://www.women.jo/ar/node/7957
- Eirik Christophersen, These 10 countries receive the most refugees, Norwegian Refugee Council, 23 June 2021, (Accessed: 2-2-2022).
https://www.nrc.no/perspectives/2020/the-10-countries-that-receive-the-most-refugees/
- UNHCR survey reveals positive Jordanian attitude towards refugees, UNHCR, 22 January 2022, (Accessed: 2-2-2022).
- الأردن: لماذا كل هذا الرفض لـ”صفقة القرن”؟، دي دبليو (DW) الألمانية، 30 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2022)،
- Osama Al Sharif, Jordan in an uneasy place over Gulf spat, Al-Monitor, 22 June 2017, (Accessed: 8-2-2022).
https://www.al-monitor.com/originals/2017/06/jordan-qatar-gulf-crisis-relations.html#ixzz7KUtygzTe
- الحكومة الأردنية: جهات خارجية تورطت في المخططات المشبوهة للأمير حمزة، التليفزيون العربي، 4 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 13 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا)
- ورد اسم المملكة العربية السعودية في لائحة الاتهام الرسمية. علاوة على ذلك، فإن المتهم الأول، باسم عوض الله، كان يترأس قبيل إلقاء القبض عليه ومحاكمته شركة في الإمارات، ويعمل كمستشار اقتصادي لدى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ومعروف بعلاقاته القوية مع إسرائيل. أما المتهم الثاني، الشريف عبد الرحمن بن زيد، فهو يحمل جواز سفر سعودي إلى جانب جواز سفره الأردني ومقيم في السعودية. بعض التقارير الأميركية أشارت كذلك إلى وجود دعم من بعض الجهات الإسرائيلية كرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى ترامب وكوشنر. انظر أيضًا:
– Ali Bakir, The Foreign Factor in Jordan’s Plot Crisis, Politics Today, 21 April 2021, (Accessed: 7-2-2022).
https://politicstoday.org/the-foreign-factor-in-jordans-plot-crisis/
– Report: Netanyahu took part in effort with US, Saudi Arabia to pressure Jordan, The times of Israel, 12 June 2021, (Accessed: 7-2-2022).
- العاهل الأردني يرد على سؤال حول “يد السعودية” في قضية “محاولة الانقلاب”، روسيا اليوم، 25 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا )
- راجع نص لائحة الاتهام، “الغد” تنشر لائحة الاتهام كاملة في “قضية الفتنة”، صحيفة الغد، 13 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا )
- Jordan keen for more Chinese investment, China Daily, 16 August 2021, (Accessed: 7-2-2022).
https://global.chinadaily.com.cn/a/202108/16/WS6119c091a310efa1bd668f8f.html
18. Ambassador Chen Chuandong Upbeat about China Jordan Trade Ties, Embassy of China in Jordan, 9 August 2021, (Accessed: 8-2-2022).
http://jo.china-embassy.org/eng/dtxw/202108/t20210809_8917211.htm
- نص اتفاقية التعاون الدفاعي بين المملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأميركية “اتفاقية تعاون دفاعي بين الأردن وأميركا”، عمون، 16 مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2022)،
https://www.ammonnews.net/article/599768
20. Docs Show US To Massively Expand Footprint At Jordanian Air Base Amid Spats With Turkey, Iraq, The Drive, 14 January 2019, (Accessed: 8-2-2022).
https://www.deutschland.de/ar/topic/syast/alantqal-alkbyr
- US military shifts Army basing from Qatar to Jordan in move that could provide leverage against Iran, Stars and Stripes, 1 July 2021, (Accessed: 8-2-2022).
- فتح الحدود الأردنية السورية.. تطبيع اقتصادي وتقارب سياسي، الجزيرة نت، 30 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 9 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا)
- Egypt to deliver gas to Lebanon via Jordan, Syria, PETRA, 8 September 2021, (Accessed: 9-2-2022).
https://petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=37296&lang=en&name=en_news
http://www.jordanembassyus.org/blog/king-calls-arab-partnerships-energy-projects (Accessed: 9-2-2022).
- «وثيقة سرية» تقترح خطوات لـ«تغيير متدرج لسلوك النظام» السوري، صحيفة الشرق الأوسط، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا )
- بحسب نص الوثيقة، المرجع السابق.
- Report: Israel to supply natural gas to Lebanon, i24 news, 15 January 2022, (Accessed: 10-2-2022).
- مكاسب ينشدها الأردن من مدِّ أنبوب نفط مع العراق، وكالة الأناضول للأنباء، 23 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 13 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا )
- الأردن يوقع اتفاقًا لإمداد لبنان بالكهرباء الأسبوع المقبل، صحيفة الشرق الأوسط، 20 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 13 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا)
- سلامة الدرعاوي، تصدير الكهرباء.. ماذا يستفيد الأردن؟، صحيفة الغد، 11 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 13 فبراير/شباط 2022)، (اضغط هنا)