أخبار ومعلومات

القطاع الاقتصادي العمومي يتحول إلى عبء على الدولة

يشكل القطاع الصناعي العمومي، حسب تقدير الحكومة، عبئا بالنظر إلى تبعات سياسات الدعم والتطهير التي اعتمدت خلال العقود الثلاثة الماضية التي أفضت، حسب تقدير السلطات العمومية، إلى إنفاق ما لا يقل عن 279 مليار دينار جزائري في الفترة ما بين 1991 إلى نهاية جوان 2021 على شكل عمليات دعم ومسح وتطهير للديون، مما دفع بالوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، إلى التأكيد على ضرورة مراجعة حوكمة المؤسسات العمومية وآليات تسييرها.

فحسب التقديرات المقدمة، فإن عمليات التطهير المالي والدعم ما بين سنوات 1991 إلى منتصف سنة 2021، قدّرت بنحو 2790 مليار دينار، أي بمعدل يقارب 95 مليار دينار كل سنة.

وتميل الحكومة إلى اعتماد آليات مستحدثة، من بينها إرساء عقود نجاعة صارمة، خاصة بعد أن اعتبر الوزير الأول وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، أمام نواب البرلمان بأنه من غير المستساغ أن نحصي في تركيبة مؤسسة اقتصادية 600 عامل في الجانب الاقتصادي والإنتاج مقابل 1000 عامل في الجانب الإداري، كما يتم التركيز على إحصاء لمختلف المؤسسات التي توقفت عن النشاط أو التي أغلقت أبوابها، على غرار شركة “ألزانك” بالغزوات ومركب الورق بسعيدة ومصنع الخميرة ببوشقوف ومصنع الزام بقالمة ومصنع الزجاج بتبسة والشركة الإفريقية للزجاج بالطاهير ومصنع الخزف الصحي بالمدية ومصنع الجلود بسيڤ.

وعكست تصريحات وزير الصناعة في بداية سبتمبر الجاري، لدى زيارته لمركب الحجار، الإشكالية المطروحة بشأن سياسة الدعم المتبعة. فبعد أن أعلن عن دراسة الآليات الكفيلة باستفادة مركب الحجار للحديد والصلب من مخطط استثمار يتم تمويله عبر غلاف مالي قرض بأكثر من 46.5 مليار دينار لم يستهلك، اعتبر الوزير أنه منذ إنشائه، استفاد المركب من دعم مالي معتبر ومصاحبة من السلطات العمومية للسماح بالاستجابة للحاجيات الضرورية لتجديد وتأهيل التجهيزات وتطوير أنظمة الإنتاج والمساهمة في تلبية الطلب المتزايد من منتجات الحديد والصلب في السوق الوطني، ولكن رغم الجهود المبذولة وبغض النظر عن البعض من النتائج المسجلة، فإن المركب لم يكن في مستوى التطلعات، لاسيما أنه لم يدعم موقعه في السوق الوطني، بل وحتى في السوق الإقليمي والخارجي، لاسيما فيما يخص التسيير واستراتيجية التنمية والتطوير.

وقد واجهت العديد من المؤسسات العمومية أزمات معقدة وقامت السلطات العمومية باعتماد إجراءات دعم وإنقاذ. وقد أبان تقرير مجلس المحاسبة حول مشروع تسوية الميزانية لسنة 2016 مثلا إلى إحصاء 1860.70 مليار دينار كديون تطهير إلى 31 ديسمبر 2016.

وفي كتابه “الجزائر الخروج من الأزمة الصادر في سنة 2015، أشار وزير المالية الأسبق، عبد اللطيف بن أشنهو، إلى أن “الإجراءات المالية المتخذة منذ 25 سنة لم تحل المشاكل الهيكلية للمؤسسات العمومية، بينما تجاوزت تكلفة الخزينة العمومية 35 مليار دولار”، معتبرا أن العديد من المؤسسات تستهلك الثروة بدل أن تخلقها.

“المؤسسات العمومية عالة على الحكومة والخزينة”

على الرغم من كونها شركات ذات طابع اقتصادي من شأنها تحقيق الأرباح وخلق الثروة والإسهام في تحقيق التنمية وتقليص وطأة البطالة، إلا أن المؤسسات العمومية تبقى منذ حين العبء الذي يثقل كاهل الخزينة العمومية ويدفعها بين كل الفينة والأخرى إلى تسديد الملايير لدعمها ومحاولة إنقاذها من إفلاس ما لبث يتربص بها منذ حين ضمن استراتيجية تبتعد كل البعد عن الأهداف الاقتصادية.

ضمن هذا التوجه، يرجع الخبير في الشأن الاقتصادي، حميد علوان، في تصريحه لـ”الخبر”، إلى الرقم الذي كشفه التقرير الأخير للبنك العالمي، حين ذكر أن دعم الخزينة للمؤسسات العمومية منذ سنة 1991 غلاف مالي قدّر بـ20.72 مليار دولار وهو ما يعادل 279 مليار دينار، بينما عجز هذا النوع من المؤسسات “الاقتصادية” في تحقيق الأهداف المنوطة بها، على مختلف الأصعدة من الناحية الاقتصادية بالمقام الأول، ما جعل الحكومة تقرّر على مدار السنوات الماضية في بعض الحلول للتخلص من هذا العبء، بلغت حد بيعها بالدينار الرمزي.

وذهب المتحدث إلى أبعد من هذا، حيث توقع أن يكون الرقم المقدم من قبل البنك العالمي في تقريرها، أقل من المبالغ المالية الحقيقية التي ضختها الخزينة العمومية خلال هذه الفترة في سعيها للإبقاء على هذا النسيج من المؤسسات وضمان مواصلة نشاطها، على الرغم من كل الصعوبات التي عانت ولا تزال تعاني منها في تحقيق التوازن المنشود. واستدل الخبير بالقول إن هذا النوع من المؤسسات العمومية الاقتصادية، خسرت خلال فترة جائحة كورونا فقط حوالي 4 ملايير دولار، الأمر الذي يجعل الرقم المعلن متواضعا بتفعيل مقارنة بسيطة.

وحذّر حميد علوان من كون الخلل في الرؤية وفلسفة الاقتصاد الوطني على الجملة، باعتباره الأصل الذي ينعكس على كل الفروع الأخرى في مسار النشاط الاقتصادي وطريقة عمل المؤسسات العمومية والخاصة على السواء، مشيرا إلى أن النظام الاقتصادي الذي كان وراء “ضياع” 260 مليار دولار احتياطي الصرف في ظرف 7 سنوات (منذ 2014)، لا يمكن له خلق مشروع اقتصادي من شأنه خلق الثروة والإسهام في تحقيق التنمية وتجسيد دور المؤسسات العمومية القادرة على المنافسة، بالإضافة إلى تفعيل دورها في مواجهة تفاقم ظاهرة البطالة لاسيما في أوساط الشباب. وعلى هذا الأساس، قال الخبير إنّ تحويل المؤسسات العمومية إلى شركات قابلة للتطوير، يمر بالضرورة بتحديد الوجهات الاقتصادية، وبالتالي التخلي على “العقلية الاشتراكية” التي أنتجت هذا النوع من المؤسسات التي تعتبر “عالة” على الحكومة وطريقة تسييرها، من منطلق أنها تقوم على التسيير الإداري دون النجاعة الاقتصادية وما تفرضه من المنافسة في السوق الوطنية للمؤسسات المحلية وحتى للشركات الأجنبية، في ظل الأغلفة المالية الكبيرة التي تستفيد منها في كل مرة، ومن ثمة أوضح المتحدث أنّ التوجّه المستمر لعمليات التطهير وإعادة الهيكلة مهما كان نوعها (فتح رأسمال أو الإدماج والدخول في البورصة) لا يغني من الأمر شيئا في غياب المحيط والإطار التنظيمي المناسب.

وذكر علوان، في هذا الصدد، أن المنظومة الاقتصادية الوطنية تعاني من عدة اختلالات تجعل عملية الاستثمار، بصرف النظر عن من يقوم بها، معقدة، مشيرا إلى المنظومة المالية والمصرفية غير القادرة على التكيّف مع معطيات المرحلة وغياب سوق مالي للبورصة واستفحال ممارسات ترتبط باقتصاد المديونية من الخزينة العمومية وتقديم القروض دون ضمانات، واعتبرها الوضعية التي تنتج مؤسسات عمومية “اقتصادية” دون مردودية مالية واقتصادية “آيلة” للإفلاس لولا أموال دعم الخزينة لها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى