أخبار ومعلومات

بسكرة.. سلة الغذاء الجزائري مستثناة من صيغة التمليك

تعد ولاية بسكرة قطبا فلاحيا فرض نفسه على المستوى الوطني ومكنها من الانفراد بتسمية “سلة الغذاء”، حيث تحتل الصدارة في القطاع الفلاحي بقيمة إنتاج تقدر بأكثر من 271 مليار، ويكفي أن قرابة أربعين ولاية من الوطن تمون من إنتاج “عروس الزيبان”، كما أنها تتصدر المرتبة الأولى في إنتاج التمور بما يعادل 42 بالمائة من الإنتاج الوطني، فضلا على إنتاج خضروات البيوت البلاستيكية وعدد رؤوس الماشية والحبوب والتبغ.

 تكشف الأرقام الرسمية لمديرية الفلاحة، ببسكرة، أن الولاية تتوفر على ثروة نخيل معتبرة تقدر بنحو 4.7 مليون نخلة تنتج سنويا ما يزيد عن 4.7 مليون قنطار من التمور، وبالأخص نوعية دقلة نور وحوالي 10 مليون قنطار من الخضروات الحقلية، إضافة إلى المنتجة داخل البيوت البلاستيكية والتي أهلتها لأن تكون الرابعة وطنيا، إضافة إلى 1 مليون قنطار من الحبوب وأزيد من مليون رأس غنم من سلاسة أولاد جلال، فضلا على منتجات أخرى متنوعة.

أرض الأجداد تحرم من التمليك

يصنف العقار الفلاحي في ولاية بسكرة من أكبر العوائق التي تواجه  أصحاب المستثمرات الفلاحية، الذين مافتئوا يطالبون بتسوية هذا الملف حتى يتمكنوا من الاستفادة من مختلف الامتيازات التي تضعها الدولة من أجل تطوير الفلاحة كبرامج الدعم وقروض البنوك، وشكل اعتماد صيغة الامتياز عوض التمليك صدمة للفلاح الحقيقي الذي يرى نفسه مؤجرا فقط في أرض ورثها عن أجداده وأنفق عليها الملايير لخدمتها .

جدد العديد من الفلاحين طرح مشكلة عدم حيازتهم على عقود التمليك التي عوضت بعقود الامتياز، الأمر الذي شد النشاط الفلاحي إلى الخلف وحال دون مواصلتهم لاستثماراتهم في هذا المجال، وبرزت في السنتين الأخيرتين هذه المعضلة التي تتقاسمها شريحة مستغلي الأراضي الزراعية الذين يرفضون الحصول على عقود امتياز عوض عقود الملكية للأراضي التي باشروا استصلاحها منذ سنوات طويلة.

وحسب هؤلاء، فإن عقود الامتياز لا تصلح في مناطق الجنوب الذي يعتمد على زراعة النخيل التي تتطلب سنوات حتى تنضح وتطرح منتوجها، ناهيك على أن هذا النوع من العقود لا يوفر أي امتيازات.

ويرى عدد من كبار مستصلحي الأراضي الفلاحية، بمختلف مناطق الولاية، أن الفلاح ضاع ما بين الإدارات بسبب وثيقة تمليك الأرض ولا يمكن أن يصرف الملايير في خدمة أرض لا يملكها، بل يعد مستأجرا فقط على اعتبار أن عقد الامتياز الممنوح له يفتقد لأهم الامتيازات على غرار الاستفادة من القروض وكذا استحالة التصرف بجميع الأشكال كالبيع والشراء والهبة والتوريث وحتى الشراكة غير متاحة.

المستثمر الحاج رزازقي لزهر الذي يعد نموذجا للنجاح بعد تجربة الاستصلاح بمنطقة الدوسن، قال في حديثه لـ “الخبر” أن قرار الاستثمار المسلم له في 2004 الذي حازه عن طريق ما كان يعرف “بالكالبيراف” لم يمنح له فرصة الحصول على التمليك، رغم أنه أنفق في مستثمرته الملايير في النشاط الزراعي بجميع أنواعه وكذا تربية مختلف الحيوانات والطيور النادرة والإبل، التي يجدها الزائر في الطريق نحو بئر النعام، لكنه وجد نفسه غير قادر على الاستمرار في ظل هكذا معطيات، لأن عقد الامتياز يعتبره مؤجرا لمدة 40 سنة فقط، والسؤال كيف سيكون الحال عند عدم تجديده.

وفي السياق تطرق آخر إلى التعليمة رقم 62 المؤرخة في 13 فيفري 2013 التي تحمل توقيع وزارت الداخلية، المالية والفلاحة، أين منحت إمكانية تطبيق قانون الاستصلاح على ولايات الجنوب العشر سابقا لكن بسكرة تم استثنائها دون معرفة الأسباب، وفي مقابل ذلك هناك من يستعمل الطرق الملتوية ويحصل على ملكية الأرض عن طريق التنازل والبيع والشراء وعقود الشهرة وغيرها، وتساءل هؤلاء عن إمكانية التوسع في العمل الفلاحي في مشروع لا يملكه.

وفي نفس السياق، كشف الحاج إبراهيم الوافي أحد كبار فلاحي منطقة لغروس أن هذه المعضلة طرحت في زيارة وزير الحكومة الأسبق عبد المالك سلال نوفمبر 2013 أثناء معاينته لمستثمرة فلاحية، لأنه لا يمكن لأرض متوارثة أن تكون امتيازا.

ورد سلال حينها بأمر والي الولاية بضرورة التخلي عن هذه الصيغة، موضحا أنه إذا كان الأمر يتعلق بمنح قطعة أرض وقروض في إطار الاستثمار يمكن أن يكون العقد امتيازا، لكن لا شيء تحقق، ناهيك على أن المعنيين بالقضية أرسلوا عدة شكاوى للجهات المركزية وإثارتها في قبة البرلمان لكن لا حياة لمن تنادي.

بين الملوحة وغور المياه

أجمع عدد من المنتجين أن أبرز الانشغالات التي تشدهم إلى الخلف تتعلق أساسا بعدم الحصول على رخص التنقيب، لمعالجة شح موارد السقي وظاهرة غور المياه، ناهيك على ضعف حصص الكهرباء والمسالك الفلاحية التي لا تلبي احتياجات أصحاب المستثمرات، ويضاف لها غلاء عوامل الإنتاج كالأسمدة والبلاستيك.

شكلت قضية توفير مياه السقي في السنوات الأخيرة، قاسما مشتركا بين فلاحي المنطقة، خاصة بعد جفاف سد فم الخرزة بسيدي عقبة الذي أصبح خارج الخدمة، بعدما كان يسمح بسقي 475 ألف نخلة بهذه الجهة على حد تأكيد رئيس تعاونية تسيير سد فم الخرزة صالح شيبوب الذي قال في حديث لـ “الخبر” أن المناقب المتوفرة حاليا لا تنقذ النخيل من العطش والأمر يفرض التفكير في مشاريع جديدة.

ونفس الأمر بالنسبة لسد منبع الغزلان الذي وصل المخزون فيه إلى الصفر، حيث وجه فلاحو محيط الحزيمة نداءات استغاثة لإنقاذ مزروعاتهم.           

أما ظاهرة غور المياه فباتت تفرض نفسها في مناطق عين الناقة، مزيرعة، أورلال، لغروس والجهة الغربية كأولاد جلال وسيدي خالد، حيث يؤكد الشاب أيوب أن المياه السطحية لم تعد تكف فهي ليست مفيدة للنخلة لأنها مالحة والحصول على الماء الحلو المفيد للنخلة يحتاج لرخص التنقيب التي مازالت تخضع للتشديد، وباتت يحتاج إلى ميكانيزمات أكثر مرونة.

إلى ذلك، فإن الطلب على الكهرباء والمسالك لا ينتهي بالنظر إلى زيادة الأراضي  المستصلحة والعشوائية في منح المشاريع التي تخضع في عديد المرات إلى المحسوبية والانتقائية.

وفي السياق يقول أحد العارفين بالفلاحة أن قنطار الأسمدة كان الموسم الماضي 9 ألاف دج واليوم يفوق 13 ألف  للقنطار، ونفس الشيء بالنسبة لمادة البلاستيك، فالبيت الواحدة كانت تكلفتها 3.5 مليون واليوم أصبحت 6.5 مليون، كما أن حماية العراجين تحتاج هي الأخرى لهذه المادة والفلاح البسيط يعجز عن اقتنائها، رغم أن  منتوج عام كامل مهدد بالضياع بسبب التقلبات الجوية.

موسم جني التمور… الكل يعمل والكل يسترزق  

ينتظر سكان ولايات الجنوب وبالأخص ولاية بسكرة، موعد نضج التمور والشروع في عملية الجني التي تصادف منتصف شهر أكتوبر بفارق الصبر، على اعتبار أن منتوج تمور دقلة نور وباقي الأنواع سيعود بالمنفعة على الجميع.

فخلال هذه الفترة الزمنية التي قد لا تتعدى الثلاثة أشهر في أحسن الحالات، ينتعش سوق العمل وتنخفض أرقام البطالة وتنشط الحركة التجارية لتمس ولايات الشمال ويتحسن دخل العائلات التي تتحين الفرصة لتسديد ديونها المتأخرة والمتراكمة، وتلبي طلباتها الاجتماعية وتعقد حفلات الزفاف وتلجأ إلى ادخار ما أمكن تحسبا للأشهر العجاف.

يشغل قطاع الفلاحة في بسكرة حوالي 191233 عامل منهم 17686 نساء بيد أن كبار الفلاحين بمناطق طولقة، لغروس، فوغالة، برج بن عزوز والدوسن وناحية سيدي عقبة، يجمعون على أن اليد العاملة أضحت معضلة تؤرقهم في بداية كل موسم، حيث أصبح من الصعب العثور على عمال يتكفلون بعملية “القطيع” قطع العرجون وتوضيب التمر في الصناديق تحسبا لتسويقه.

هذه الوضعية تعرض العراجين المعلقة في النخل للتلف، وبالتالي حرمان المنتج الذي انتظر قرابة عام كامل من بيعها والانتفاع من مدخولها لتغطية تكاليفها، خاصة أن اليد العاملة في تناقص من سنة إلى أخرى في وقت تزداد فيه عملية غراسة النخيل، ناهيك على أن شباب اليوم غير مكترث بالعمل الفلاحي الذي يقتصر على كبار السن.

ويضاف إلى ذلك أن برامج “أنساج” و”كناك ” وغيرها ولدت التكاسل وكرست سياسة الاتكال، فالشاب اليوم يرفض أن يعمل أجيرا لساعات مقابل مرتب معين، بل يفضل الربح السريع والحصول على الملايين في إعداد ملف.

الحاج الوافي إبراهيم قال أن “القطاع” الذي يصعد إلى النخلة لقطع العرجون وتنزيله إلى الأرض يتقاضى ما بين 4000 إلى 5000 دج لمدة أربع ساعات على الأكثر، حيث يمكن له أن يتكفل بوضع غلة ما بين 10 إلى 15 نخلة ثم يتوجه إلى بستان آخر، أما عامل “الشمروخ” فأجرته خلال تلك الصبيحة من السابعة إلى الثانية عشر ظهرا 2000 دج وقد يضاعف عمله بحثا عن مضاعفة الأجرة، أما العمال المختصين في الفرز والطرح أي تسوية التمور فأجرتهم ما بين 1500 إلى 2000 دج.

جعفر عائشة… نموذج المرأة الناجحة في عالم الفلاحة

تعد السيدة جعفر عائشة نموذجا للمرأة الناجحة في عالم الفلاحة، الذي اقتحمته منذ كانت طفلة صغيرة حرمت من مقاعد الدراسة لتحقق نجاحات لأنها ببساطة تعشق خدمة الأرض.

تكشف السيدة عائشة صاحبة 56 سنة أن والدها فلاح والموال كانت له قطعة أرض في منطقة القطاع ببلدية الدوسن وعائلتها التي تتكون من 6 ذكور و3 بنات، فتحت عيناها على خدمة الأرض، فحتى الدراسة هجرتها في السنة السادسة ابتدائي بسبب انعدام الظروف الجيدة للتمدرس.

وهنا تتذكر بأن والدها شرع في حفر بئر سنة 1962 بوسائل تقليدية بسيطة كالفأس والقفة لإخراج التراب و”الجرارة “وانتهى من أشغاله في 1979 وما يزال لحد الآن مستغلا، وتضيف المتحدثة أن والدها قبل وفاته خصص لكل فرد من أبنائه قطعة أرض موثقة ليكون حرا في طريقة استغلالها.

وبالتالي الجميع غرس النخيل، أما في الصيف فيهتمون بزراعة الخضروات في البيوت البلاستيكية كالفلفل والطماطم، إضافة إلى البطيخ وغيرها من الزراعات الموسمية، وأضافت أن برنامج الدعم الفلاحي الذي أقرته الدولة الجزائرية في بداية الألفية سمح بتوسيع المستثمرات، حيث تم استغلال القروض في زيادة النخيل، فيما تبقى معضلة عقود التمليك هاجسا كبيرا، فعدم الحصول عليها يعني الحرمان من أبسط وسائل الدعم التي تمنحها الدولة، لأن عقد الملكية يعد الوثيقة المطلوبة التي تتحجج بها جميع الإدارات، ناهيك على رخص التنقيب، ففي حال جفاف المنقب أو التوسع في النشاط تكون بحاجة إلى الحصول على رخصة التنقيب، لكن هذه الأخيرة لها شروطها وتخضع لواقع مر تتحكم فيه أطراف عديدة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى