دراسات سياسيةدراسات مغاربية

ربيع تونس من يحاول أن يفسده ؟

اعداد : د.محمد عبدالرحمن عريف – المركز الديمقراطي العربي

الثورة التونسية (والتي تعرف أيضًا بثورة الحرية والكرامة أو ثورة 17 ديسمبر أو ثورة 14 جانفي)، هي الثورة الشعبية التي اندلعت أحداثها في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010. ويُنظر إليها على أنها الشرارة التي أشعلت فتيل انتفاضات “الربيع العربي”، إلا أن الإرث الثقيل الذي ورثته الحكومات التونسية المتعاقبة على حكم البلاد منذ فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، عطل مسيرة الثورة وأعاق تحقيق مطالب التونسيين الذين لا زالوا حتى الآن يعانون تحت وطأة صعوبات أمنية واقتصادية كانوا يأملون في اختفائها مع رحيل بن علي.

في الثامن من تموز/ يوليو 2018، أعلنت وزارة الداخلية التونسية مقتل 8 من عناصر الأمن التونسي في كمين نصبته مجموعة إرهابية شمال غرب البلاد على مقربة من الجزائر. وقال ناطق باسم وزارة الداخلية بأن الهجوم وقع “في محافظة جندوبة الحدودية مع الجزائر، ويعد أكبر هجوم من نوعه منذ 2015. “الكمين نصبته مجموعة إرهابية قرب الطريق الرابط بين محمية الفائجة ومنطقة الصريا”،

سبق أن تعرضت لتونس لثلاثة هجمات كبرى في عام 2015 استهدف اثنان منها سياحًا في منتجع بمدينة سوسة ومتحف باردو وأسفر عن مقتل عشرات السياح الغربيين. وفي هجوم آخر وقع في نهاية 2015 قُتل 14 من الحرس الرئاسي عندما فجر مهاجم حافلتهم. وتونس في حالة طوارئ منذ ذلك الوقت.

رغم المعاناة والاحتجاجات التي شهدتها تونس في الأيام الأخيرة، بعد رفع أسعار العديد من المواد الأساسية في السلة الغذائية التونسية اثر العمل بقانون المالية الجديد في 2018. قاربت معدلات البطالة المستويات التي كانت عليها بعد تسعة أشهر من ثورة الياسمين (18.3 بالمئة في الربع الثالث من عام 2011) إذ وصلت إلى 15.3 في المئة في الربع الثالث من 2017. وكانت البطالة في معدل 13 في المئة في نهاية 2010.

تدفع هذه المعطيات إلى التساؤل، هل كانت الثورة التونسية التجربة الوحيدة التي نجحت دون عن باقي الثورات رغم الاحتجاجات التي تشهدها البلاد الآن؟، إن ثورة تونس تُعد تجربة ناجحة مقارنة بثورات الربيع العربي، خاصة وأن البلاد خرجت من الثورة بأخف الأضرار، بالنظر إلى ما يحدث في ليبيا من أحداث إرهابية، والاضطرابات التي شهدتها مصر، وعدم الاستقرار والحرب الأهلية في سورية، وكذلك العراق، وباقي الدول. والمكسب الأكبر الذي حققته الثورة في تونس، هو اتساع مساحات الحريات، فأصبح الشعب التونسي حرًا، الصحافة حرة، منظمات المجتمع المدني قادرة على العمل في كنف الحرية، بعد أن “تفنن نظام بن علي في قمع الحريات في البلاد”.

يبقى منذ سبع سنوات خلت كانت تونس تحت التضييق، والديكتاتورية لم تسمح لأي كان بأن يفتح فمه، ويعبر عن رأيه بطلاقة وحرية. توفير مساحات، إن التجربة التونسية تُعامل على أنها تجربة ناجحة لأنها استطاعت الحفاظ على الحريات العامة، رغم أنها لم تقدم أي انجاز اجتماعي حقيقي، وربما تكون أوضاعها تدهورت. فالمكسب الوحيد الذي حققته الثورة لتونس ليس في تغيير بنية تحتية أو رفع المظالم أو تخفيض الفساد، بقدر توفير مساحات صحفية وسياسية وإعلامية أكبر وفرص حقيقية لتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع.

لقد عانت حقوق الانسان في تونس قبل الثورة، وسجلت المنظمات الحقوقية انتهاكات جسيمة شهدها المواطنين، كما أشارت في تقارير صادرة عنها، إلى حدوث جرائم تعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في السجون. وحصلت التونسيات على بعض الحقوق التي حُرمن منها، وتضمن الدستور الجديد بعض النصوص التي اعتبرتها المرأة التونسية تنصفها وتُعلي قيمتها منها “اعتماد مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.

إن مسار الإصلاح نجح بشكل جوهري في تونس، إلا أنه تعثر بحكم الصعوبات الموضوعية، والتي أبرزها الصعوبات الاقتصادية الكبيرة، التي ورثتها الحكومات الجديدة عن مرحلة ما قبل الثورة. ربما تونس صمدت أكثر من غيرها لأن اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، والتربوية والأمنية أقوي بكثير، وأكثر تعقيدًا من البلدان الأخرى، مثل مصر وسورية والعراق واليمن. فالصراعات والمشاكل الاقليمية أثقلت كاهل الحكومة التونسية، وأهمها الصراعات في ليبيا والجزائر، اللتان كانتا تشكلان مصدر رزق للكثير من التونسيين، خاصة للجنوب التونسي. فأصحبت ليبيا تشكل ضغطًا كبيرًا على تونس، وعبئًا على الحكومة، لاسيما وأن ملايين الليبيين الآن يعيشون في تونس، ويستخدمون المواد المدعومة.

فمع الاضطرابات في ليبيا في 2011، فرّ الليبيون إلى تونس هربًا من أعمال العنف والسرقة والنهب التي تحدث في بلادهم، وشهد مركز راس جدير الحدودي تدفق تزيدًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين. وأفادت تقارير عام 2014، أن عدد اللاجئين الليبيين في تونس تجاوز 50 ألف شخص عام 2015، ويزداد مع مرور الوقت، ما أثار قلق الحكومة التونسية من عجزها عن سد احتياجاتهم.

إن السمة الغالبة على المشهد التونسي، هي وجود حالة قلق تكاد تكون عامة وشاملة، أحزاب قلقة، مسجد قلق، منظمات قلقة. هذا القلق يتغذى من غياب رؤية واضحة لإدارة البلاد، ومواجهة مشاكلها التي أصبحت مستعصية، وتهدد وحدة المجتمع واستمرار كيان الدولة. إلى جانب تصاعد الخطر الإرهابي، الذي أربك الوضع وفرض على التونسيين التعايش معه، من دون أن ننسى أنه ضرب النشاط الاقتصادي، ما جعل نسبة النمو تتدحرج إلى أقل من واحد بالمائة.

يبقى أن كل ما سبق أدخل البلاد، في أتون أزمة اجتماعية تعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الأخضر واليابس، وتمثل خطرًا محدقًا يهدد مسار الانتقال الديمقراطي الناجح إلى حد الآن، برغم أنه يبقى مساراً هشاً ومهدداً بالانتكاس.

لَكِنْ يَبقىّ السُؤال الأهَم بَعدَ كُلَ مَا سَبَقَ اِستعرَاضهِ… الثورة التونسية مقارنة بجيرانها العرب… نجحت.. وما زالت تحقق نجاحات ذلك بفضل تحييد الجيش التونسي للمشهد من البداية… فحسب المصادر المتوافرة حين ذلك، فإن الجيش الوطني التونسي رفض أوامر الرئيس بن علي القاضية بمشاركة الجيش في مواجهة الاحتجاجات إلى جانب قوات الأمن، وكان رفض قائد جيش البر (رشيد عمار) لأوامر بن علي بمثابة نهاية لحكم الأخير للبلاد، وهناك مصادر أخرى أشارت إلى أن قائد الجيش التونسي تلقى أوامر من الولايات المتحدة بالاستيلاء على مقاليد الأمور في تونس لوقف الفوضى الناتجة عن احتجاجات الشعب التونسي، لكنه رفض ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الجيش التونسي دافع عن المواطنين ضد الشرطة في بعض المظاهرات، هذا هو الفرق بين باقي دول ربيع العرب.. التي عانت وتعاني وستظل رهن فكر عسكري لم يقدم جديد إلا إبادة عسكرية لكل مؤيد لمشروع الانتقال المدني الديمقراطي.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى