إن أبرز الحالات التي تعتنق الحرب كايديولوجيا هي الحالة الإسرائيلية المعاصرة. إن إسرائيل تبدو في أحيان كثيرة كتيبة في وضع القتال، وفي أحيان قليلة… كتيبة في وضع الاسترخاء… وفي كل الأحوال… كان صورة “الدولة المعسكر” لا تفارق إسرائيل ومنذ اللحظة الأولى قام الفكر العسكري بالدول الأول والأهم في رسم السياسة الصهيونية الهادفة لخلق الوجود الصهيوني في فلسطين، فترك بصماته واضحة من البداية عن كل المخططات والمناهج التي وضعت لإنشاء الدولة اليهودية. وتبوأت القوة المسلحة مركز الصدارة في تحقيق هذا المخطط. وصار للمنظمات العسكرية الكلمة المسموعة منذ بداية الأمر، لقد سبقت “المؤسسة العسكرية” في نشأتها وتنظيمها إقامة الدولة ذاتها.
في ظل هذه المعطيات كان لا بد من الوقوف على فهم المؤسسة العسكرية في إسرائيل ليتسنى البحث في وسائل التعامل مع هذه المؤسسة التي سببت في اضطرابات الشرق الأدنى زهاء أكثر من نصف قرن، ولا تزال مصدراً أساسياً للتوتر الإقليمي والإزعاج العالمي.
لذا كان هذا البحث الذي يلقي الكاتب من خلاله الضوء على واقع ومكونات المؤسسة العسكرية في إسرائيل بعد نصف قرن من إعلان الدولة ومعها جيش الدفاع. وقد ركّز الباحث على محاولة استكشاف ملامح هذه المؤسسة من خلال خمسة فصول. يتتبع الفصل الأول التطور التاريخي للجيش الإسرائيلي، ويكشف الفصل الثاني عن الهيكل التنظيمي، ويبرز الفصل الثالث العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي، ويرصد الفصل الرابع العلاقات العسكرية-المدنية، ويجتهد الفصل الخامس في استشراف مستقبل المؤسسة العسكرية في إسرائيل.
وقد اعتمد الباحث على المعلومات المنشورة في موضوعه مستخدماً المنهجين التاريخي والإحصائي، وكذا منهج تحليل النظم الذي أفاد به ديفيد إيستون مجالات البحث في النظم السياسية.
ويأمل الباحث أن تكون هذه الورقة فاتحة نقاش فاعل في شأن التعامل مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في قرن جديد يغلب في المجهول، ويشيع فيه القلق خشية لحظة تنطلق فيها الشرارة الأولى بقرار ثم لا يكون هناك قرار عندما تفتح أبواب جهنم.