هو هنري ألفريد كيسنجر (بالإنجليزية: Henry Alfred Kissinger)، ولد باسم هينز ألفريد كيسنجر (27 مايو 1923) هو سياسي أمريكي، ودبلوماسي، وخبير استشاري جيوسياسي، شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأمريكي في ظل حكومة الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. هو لاجئ يهودي هرب مع عائلته من ألمانيا النازية عام 1938، أصبح مستشار الأمن القومي في عام 1969 ووزير الخارجية الأمريكي في عام 1973. بسبب إجراءاته في التفاوض لوقف إطلاق النار في فيتنام، حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام عام 1973 في ظل ظروف مثيرة للجدل، حيث استقال عضوان من اللجنة احتجاجًا على ذلك. سعى كيسنجر لاحقًا، دون جدوى، إلى إعادة الجائزة بعد فشل وقف إطلاق النار.
بداية علينا أن نعترف أنه حقًا لا أعتقد أن أحدًا لم يسمع بالسياسي المعروف “هنري كيسنجر” عراب الاتفاق المعروف بـ”كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل في 1978، الذي كان من أخطر وأذكى السياسيين في العالم، ويعد الوزير الأكثر شهرة ممن تولوا الخارجية الأمريكية بي (1973 : 1977).
هنا وبعيدًا عن السياسة التي لن نناقشها الآن إلا بما يرتبط بفكرة المقال, فإن كيسنجر أصدر مذكراته التي -بلا أدنى شك- تعني الكثير للعالم، سواء من الأمريكيين الذي يعتبر أحد أهم رموزهم، أو للإسرائيليين كونه يهوديًّا ذا أصول ألمانية هرب مع عائلته منذ الخامسة عشرة من عمره بسبب النازية الألمانية آنذاك، أو من الألمان أنفسهم مسقط رأسه، أو من العرب الذين تعاملوا معه كثيرًا إبان فترة توليه الخارجية الأمريكية، أو من الصين، أو الاتحاد السوفيتي سابقًا.
هنا الطريف أن هذا السياسي عندما التحق في سبتمبر 1938 بمدرسة جورج واشنطن سجلت عنه قصورًا في اللغة، وهو ما أسهم في خجله وتغذية إحساسه بالوحدة حسب وصف المقدمة الذي استطردت بأنه لاحقًا سيصبح واحدًا من الذين يمتلكون ناصيتها، وستصبح لغة كتاباته تستعصي على الكثيرين. وقد لفت النظر في الحديث عنه بوصفهم له أثناء التجنيد بأنه طفل متوحد لا يتكلم بشكل طبيعي مع الناس، أو يقيم علاقات إنسانية. وربما نستشف من وصفه بالتوحد أو نستفيد أن بعض الاحتياجات الخاصة لدى الإنسان لا تجعلنا نيأس ونستسلم، فها هو هنري كيسنجر -الذي أقام الدنيا وأقعدها في حقبة زمنية- لديه نوع من التوحد.
هنالك نقطة أوردها كيسنجر هي أنه إبان عمله كمستشار فإن نفوذه على السياسة سوف يكون محدودًا، ولا أعرف إن كان هذا ينطبق على المستشارين في جميع أنحاء العالم، مع أنني أرجح ذلك. وكذلك يتضح من العروض التي تلقاها أثناء انغماسه في السياسة أن الأمريكيين قد ينتقلون من معسكر إلى آخر من المتنافسين، وقد عرض نيكسون على كيسنجر العمل معه بعد انتخابه رئيسًا، مع أن الأخير كان الساعد الأيمن لروكفلر في التنافس على الرئاسة.
رغم أن الكتاب زاد الخلاف، فإنه كما هي العادة في مثل هذه الأمور انتهينا إلى صياغات مرضية. ولكن كيسنجر ذاته كشخصية محورية في التاريخ السياسي والدبلوماسي والفكري الأميركي تظل مؤثرة، سواء لدى الطلاب الذين تتلمذوا على يده في جامعة «هارفارد» أو تتلمذوا على كتاباته وأفكاره الغنية في العلاقات الدولية. ورغم أن عمر هنري كيسنجر الآن 96 عاماً، فإنه يظل أكثر من ينتظرهم الأميركيون لإبداء الرأي في لحظات الأزمات الحرجة، والمنعطفات التاريخية التي تنظر فيها الولايات المتحدة إلى العالم، وتحاول رسم موقعها فيه.
الاستدعاء لكيسنجر لم يأتِ إليه مباشرة، ولكنه كان استدعاء للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، والذي بدأ حتى قبل أزمة «كورونا» عندما بدأ العالم غراهام أليسون في جامعة «هارفارد» يتحدث عما سماه «مأزق ثيوسيديدس» الذي أرَّخ لحرب «البلوبينيز» بين أثينا وإسبرطة، والذي أقرَّ بأنَّ سبب الحرب كان ارتفاع قوة أثينا، مما سبب خللاً في التوازن كان على إسبرطة أن تسعى لتصحيحه بالقتال. توازن القوى هذا ظلَّ جزءاً مهمًّا من مدرسة «السياسة الواقعية» التي بُعثت مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية. وخلال أزمة «كورونا» الراهنة، تم استدعاء ميكيافيللي أيضاً وكتاباته الواقعية في السياسة.
ضمن هذا الإطار، فإن ما قدمه كيسنجر لفكرة توازن القوى كان محورياً، من حيث تجاوز «التوازن العسكري» إلى تحقيق الاتزان أو «Equilibrium» وهو عملية معقدة؛ خصوصاً إذا ما كان التوازن نووياً يتضمن تحقيق مصالح الدولة، دون الدخول إلى حرب من خلال عملية للردع الدقيق. هنا كيسنجر وصل إلى أفكاره -كما هي العادة في هذه المدرسة- من خلال الغوص الدقيق في التاريخ الذي بدأه في رسالته للدكتوراه عن الحروب النابليونية ونتائجها في القرن التاسع عشر، ونشرها في كتابه «استعادة العالم» الذي رأى فيه أن بريطانيا نجحت من خلال الدبلوماسية والسياسة في الحفاظ على السلام الأوروبي، من 1815 حينما هزم نابليون بونابرت وحتى 1914 عندما نشبت الحرب العالمية الأولى.
نعم هو المنهج الواقعي الذي بدأ من ثيوسيديدس إلى كيسنجر، طرح -من خلال كتابات غراهام أليسون- الحاجة إلى نوع من الدبلوماسية العالمية، لتوزيع مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة والصين أساساً، مع أنصبة لأوروبا وروسيا. بالطبع، وكما هي العادة، فإن هناك من يحاول العبور بين المدارس المختلفة، ومن أبرزهم كان جوزيف ناي الذي رأى منذ عام 1977 في كتابه عن القوة والاعتماد المتبادل، كيف أن هذا الأخير إذا ما وصل إلى حد بعيد في العلاقات فإنه يمنع الحرب ويجعلها مستحيلة، كما هو الحال في العلاقات الكندية الأميركية، والألمانية الفرنسية، بعد قيام الاتحاد الأوروبي. ولكن الاعتماد المتبادل لا يمنع في حد ذاته أن العلاقات داخله يحكمها توازن القوة الداخلي فيها، وهو توازن لا يقوم فقط على القوة الصلبة العسكرية والاقتصادية، وإنما أيضاً على القوة الناعمة التي لأميركا باع كبير فيها، بدءاً من اللغة الإنجليزية إلى الفنون المختلفة، وحتى قوائم الطعام المتنوعة التي برعت فيها أميركا في تجهيز طعام العالم كله، بمناطقه وأذواقه المختلفة.
لم يكن استدعاء كيسنجر في الحقيقة استدعاءً لشخصه، بقدر ما كان استدعاءً للفكر لكي يعمل في لحظة حرجة من تاريخ العالم. كيسنجر نفسه كتب مقالاً لم يزد كثيراً عن الدعوة للتعاون الدولي، في منطق قريب من منطق جوزيف ناي. ولكن ربما بقيت العقدة أن العبور بين مستويات التحليل المختلفة؛ حيث العولمة والقوة والاعتماد المتبادل والتهديدات الكبيرة في الكوكب، تتقاطع، وربما تحتاج تفكيراً جديداً يلائم العصر والزمن والتكنولوجيا.
عبد النـاصر وحرب الاستنزاف في مذكرات هنري كيسنجر
حضرت البدايات عندما شغل هنري كيسنجر في 20 يناير 1969 منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وفى 22 سبتمبر عام 1973 أصبح وزيراً للخارجية. هنا كتب كيسنجر مذكراته عن سنوات عمله بالبيت الأبيض وصدرت طبعة عربية لها عن (دار طلاس) في أربعة أجزاء من ترجمة خليل فريجات.
في الجزء الثاني من مذكراته في البيت الأبيض، تناول كيسنجر قضية الصراع (العربي- الإسرائيلي) وحرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل على امتداد الصفحات من صفحة 3 حتى صفحة 66، ومن صفحة 361 حتى صفحة 421.
في محاولة لقراءة شهادة كيسنجر عن عبد الناصر وحرب الاستنزاف والدور السوفيتي في الصراع العربي الإسرائيلي في الفترة من فبراير عام 1969 حتى منتصف سبتمبر عام 1970. يقول كيسنجر إن خسائر إسرائيل في بداية شهر فبراير عام 1969 بسبب حرب الاستنزاف تعادل كما لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية خسرت 20 ألف قتيل و100 ألف جريح، وأن الرد الإسرائيلي على الضربات العسكرية المصرية تمثل في غارات العمق على المدنيين المصريين لإقناع الشعب المصري بفشل نظام عبد الناصر في حمايتهم، ومن أجل الضغط على عبد الناصر للقبول بشروط إسرائيل للحل السلمي. كانت إسرائيل تريد مفاوضات مباشرة ومنفردة مع مصر وتصر على توقيع معاهدة سلام بين الدولتين بينما كان عبد الناصر يريد مفاوضات غير مباشرة تؤدي إلى حل شامل لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتنفذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين الفلسطينيين إما بعودتهم لفلسطين أو بتعويضهم مادياً.
يرى كيسنجر ان جمال عبد الناصر عدو لدود للمصالح الأمريكية، وأنه هو المسئول عن انتشار النزعات المتطرفة في العالم العربي، وأنه يتخذ من قرار قطعه للعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب 1967 وسيلة للضغط على الحكومة الأمريكية من أجل الضغط على إسرائيل. ويرفض كيسنجر سياسات وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ويرى ان سياسات روجرز تساعد عبد الناصر على المزيد من التشدد في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. ويؤكد كيسنجر أنه لا مناص أمام الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط سوى تحطيم النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. كذلك القضاء على النظم الراديكالية العربية المتطرفة في نزعتها الوطنية وعلى رأسها نظام جمال عبد الناصر.
يقول كيسنجر أن الرئيس الأمريكي نيكسون كان مؤيداً على طول الخط لإسرائيل، ورافضاً لأي ضغوط عليها من أجل الانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب 1967، وكانت سياسة نيكسون تجاه عبد الناصر تتمثل في توجيه أكبر قدر من الضربات العسكرية له لأن عبد الناصر وفقاً لتقييم نيكسون لن يغير سياساته ويصبح معتدلاً إلا إذا واجه قوة مدمرة لا قبل له بها، لذا كان نيكسون شديد التشجيع لقادة إسرائيل ودائم الحث لهم على توجيه المزيد من الضربات العسكرية ضد المدنيين المصريين لزعزعة نظام جمال عبد الناصر.
يصف كيسنجر ثورة القذافي في ليبيا في الأول من سبتمبر 1969 بأنها انقلاب أحدث قلقاً شديداً في الولايات المتحدة الأمريكية لأنه حرم الأمريكيين من مركز استراتيجي هام فى العالم العربي كما أنه جاء بمثابة انتصار لعبد الناصر، ويقول كيسنجر ان أصدقاء أمريكا المعتدلين في المنطقة، ملوك الأردن والمغرب والسعودية وشاه إيران وزعماء لبنان الموالين لأمريكا أعربوا عن خطورة ما حدث وانه سيؤدى للمزيد من عناد وتصلب عبد الناصر، وسيجعل الوصول إلى حل أمر ميؤوس منه.
يرفض كيسنجر مشروع روجرز للسلام الذى قدمه في شهر ديسمبر 1969 ويرى فيه انتصاراً للمتطرفين العرب وعلى رأسهم عبد الناصر، ويقول كيسنجر ان الرئيس نيكسون كان ضد المشروع لأنه يدعم موقف عبد الناصر.
لقد كان تحليل كيسنجر لسياسة عبد الناصر هو أنه مستمر في الضغط العسكري على إسرائيل لأنه يرى إن إطالة مدة الحرب سيجعله يحصل على حلول سياسية أفضل، وإن لم يحدث هذا فإن استعداداته العسكرية تجري كما يريد من أجل شن معركة تحرير الأرض المحتلة، وأن عبد الناصر يسعى لتحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع أمريكي سوفيتي.
كان قرار الرئيس الأمريكي نيكسون هو أنه لا يمكن السماح لجمال عبد الناصر بالنصر لذا أعطى لرئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير الضوء الأخضر لتحطيم شبكة الدفاع الجوي المصري ولمهاجمة العمق المصري وقصف المصانع والمدارس والأماكن الحيوية في مصر، وهو ما أدى لزيادة الغارات الجوية الإسرائيلية على مصر في نهاية عام 1969 وبداية عام 1970، وأصبحت تصريحات قادة إسرائيل علنية أن السلام مع مصر مستحيل طالما استمر جمال عبد الناصر في الحكم. كان رأى كيسنجر هو ضرورة استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على مصر حتى يتم الخلاص من عبد الناصر.
قام رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيجين بتوجيه رسالة للرئيس نيكسون في 31 يناير 1970 يعلمه فيها أن الاتحاد السوفيتي قرر مساعدة العرب في التصدي للغارات الجوية الإسرائيلية، ويطالبه بإيقاف القتال الدائر والضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب من الأراضي المحتلة، رسالة كوسيجين جاءت بعد زيارة عبد الناصر للاتحاد السوفيتي التي طالب فيها بمساعدة السوفيت له في إعادة بناء شبكة الصورايخ المصرية حتى لو استلزم الأمر إرسال قوات سوفيتية إلى مصر. وكان رد نيكسون هو رفض مقترحات كوسيجين بل وإخباره أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بتسليح إسرائيل وتعويضها عن خسائرها للحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط!. ولم يرد السوفيت على رسالة نيكسون، في شهر يناير عام 1970 انتاب نيكسون الغضب بسبب موافقة الرئيس الفرنسي بومبيدو على بيع 100 طائرة ميراج للحكومة الليبية يتم تسليمها على مدى أربع سنوات، كان واضحاً أن الطائرات سوف يستخدمها سلاح الطيران المصري ضد إسرائيل حال إتمامها لذا قرر نيكسون في بداية شهر مارس عام 1970 إعطاء إسرائيل 8 طائرات فانتوم و10 طائرات سكاي هوك تعويضاً عن خسائرها في حرب الاستنزاف. وفي 17 مارس 1970 رصد الأمريكيون بدء وصول شحنات صواريخ سام 3 ومعها 1500 ضابط وجندي سوفيتي إلى مصر، وفى الشهر التالي وصل عدد القوات السوفيتية إلى 10 ألاف ضابط وطيار وجندي، وقام الطيارون السوفيت بمهام خاصة فوق الجبهة وأتاح وجودهم للطيارين المصريين القيام بمهاجمة المواقع الإسرائيلية داخل سيناء المحتلة.
هنا وجدت الإدارة الأمريكية أن الأمر يصل لمجابهة بالغة الخطورة لأنه بسبب وجود القوات السوفيتية والصواريخ الجديدة في مصر، أوقف الطيران الإسرائيلي غاراته على المدنيين المصريين، وتصاعدت المطالب الإسرائيلية من الحكومة الأمريكية بضرورة منحها المزيد من الطائرات لردع عبد الناصر.
يرى كيسنجر أن خطاب الرئيس عبد الناصر في أول مايو 1970 الذى دعا فيه الرئيس الأمريكي نيكسون إلى جعل إسرائيل تنسحب من الأراضي المحتلة أو التوقف عن إرسال المساعدات العسكرية والاقتصادية لها ودعمها سياسياً، دليل على فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لأن الحل الذى يريده عبد الناصر من نيكسون سيؤدى لانتصار الإستراتيجية السوفيتية ومزيد من دعم النظم العربية المتطرفة، وأن الإدارة الأمريكية لن تسمح بحل سلمي تقبل فيه بشروط الخصم لذا طلب كيسنجر من فريقه ضرورة العمل على تخويف السوفيت من مجابهة أمريكا. ويتعجب كيسنجر من قيام السوفيت للمرة الأولى بتعريض قواتهم الخاصة لخطر القتال لصالح دولة غير شيوعية.
في 10 يونيو عام 1970 قام مدير المخابرات المركزية الأمريكية بعرض تقرير عن القوات السوفيتية في مصر والتي بلغت 5 بطاريات صواريخ سام 3، وعدد يتراوح بين ثلاثة وخمسة أسراب ميج 21 يقودها طيارون روس، وان قدرة المصريين على تدمير الطائرات الإسرائيلية قد تضاعفت، ان الوضع تحول إلى غير صالح إسرائيل، والواضح أن الهدف المصري السوفيتي من التصعيد العسكري هو الدفع بشبكة الصواريخ حتى الحافة الغربية لقناة السويس للقضاء على سيطرة الطيران الإسرائيلي على جبهة القتال، والاستعداد لشن الحرب والعبور نحو سيناء. هنا تقدم وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز بمبادرته لإيقاف القتال بين مصر وإسرائيل لمدة 90 يوم تتبعها مفاوضات غير مباشرة يقودها جونار يارنج.
لقد كان موقف الرئيس الأمريكي نيكسون غامضاً فرغم تعقد الأمور وإلحاح إسرائيل في تسليم المزيد من الطائرات الأمريكية لها، وضعف رد الفعل الأمريكي تجاه تدفق القوات السوفيتية على مصر، قال نيكسون لكيسنجر في نهاية شهر يونيو عام 1970 (سوف يحدث تغيير هام جدا) ويمكنك إبلاغ إسحق رابين -السفير الإسرائيلي بالولايات المتحدة الأمريكية وقتها- بذلك. فهل كان التغيير المقصود هو ما حدث في 28 سبتمبر 1970 بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر؟! ربما..
في الأول من يوليو 1970 أرسلت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير رسالة للرئيس نيكسون تؤكد فيها أن بطاريات صواريخ سام 3 وسام 2 سترتكز قريباً لحماية المجال الجوي فوق جبهة قناة السويس وهو ما يؤكد انهيار توازن القوى في الجبهة، وأن إسرائيل لا سبيل أمامها سوى قصف هذه البطاريات.
في 22 يوليو 1970 قدم كيسنجر تقريراً لنيكسون عن إنشاء المصريين لمواقع دفاعية جديدة محاذية للحافة الغربية لقناة السويس تتضمن 3 قواعد لصواريخ سام 3، و11 قاعدة لصواريخ سام 2لحماية القوات المصرية، وان مصر ستصبح أكثر قوة مما يجعلها قادرة على شن حرب جديدة وهجوم على سيناء. في نفس اليوم جاء قرار عبد الناصر بقبول مبادرة روجرز، ولا يعرف كيسنجر أسباب قبول عبد الناصر للمبادرة، هل كان يخشى هجوم وقائي إسرائيلي أم يسعى لاستكمال تجهيزاته العسكرية؟. وهنا يقول كيسنجر في صفحة 402 من الكتاب، أن الحكومة الأمريكية كادت تطير فرحاً بقبول عبد الناصر لمبادرة روجرز.
في الخامس من أغسطس 1970 قام سفير إسرائيل في أمريكا إسحق رابين بتقديم تقرير عن أوضاع جبهة القتال للإدارة الأمريكية جاء فيه ان 13 موقع للصواريخ المصرية أصبحت على مسافة 50 كم من قناة السويس، وان 3 مواقع مموهة للصواريخ أصبحت على مسافة تتراوح من 10 إلى 20 كم من القناة، وان الطيران الروسي اشتبك مع الطيران الإسرائيلي على جبهة القتال، والحكومة الإسرائيلية عازمة على تدمير شبكة الصواريخ المصرية قبل القبول بوقف إطلاق النار وفقاً لمبادرة روجرز. ولكن في اليوم التالي 6 أغسطس 1970 قامت الحكومة الإسرائيلية بالتوقيع على مبادرة روجرز من أجل وقف إطلاق النار على جبهة القناة، ولا يعرف كيسنجر سبب قيامها بذلك فبل تنفيذ الهجوم الذى تحدث عنه رابين. ويقول كيسنجر أن مصر خرقت موعد وقف إطلاق النار المتفق عليه بتأخير امتد إلى 36 ساعة عبر 14 صاروخ من طراز سام 2 مدعمة بصواريخ من طراز سام 3 تم إدخالها للجبهة وتسببت في إسقاط 5 طائرات فانتوم أمريكية، كان قرار نيكسون بعد علمه بذلك هو تزويد إسرائيل بصواريخ شرايك الأمريكية المخصصة للاستخدام ضد صواريخ سام 3 السوفيتية.
يقول كيسنجر انه بحلول منتصف شهر سبتمبر عام 1970 تعثرت مبادرات الإدارة الأمريكية للسلام، وتم تسليم إسرائيل كل الأسلحة التي كانت تطالب بها رغم عدم اعتراف الإسرائيليين بالأفضال الأمريكية عليهم، وازداد السخط العربي على السياسات الأمريكية، ووطد السوفيت وجودهم في مصر وأصبحوا خطراً عسكرياً على إسرائيل، كما ان عبد الناصر مازال يشكل خطراً ضد النظم العربية المعتدلة، وان الأمريكيين فقدوا السيطرة على الأحداث.
هنا تقدم شهادة كيسنجر وجهة النظر الأمريكية تجاه حرب الاستنزاف وسياسات الرئيس جمال عبد الناصر الخارجية والعسكرية في أخر عامين من حكمه، وتنصف شهادة خصم لدود مثل كيسنجر بطولات حرب الاستنزاف ودور الاتحاد السوفيتي في دعم مصر، والأهمية الإستراتيجية البالغة لإنشاء حائط الصواريخ المصري في عام 1970، كما تلقي بشكوك حول أسباب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.
شهادة كيسنجر على حرب أكتوبر 1973
يعلم الجميع أن الذريعة التي تأسس عليها هذا الحكم الخاطئ على النتيجة العسكرية النهائية لحرب أكتوبر هي نجاح الاسرائيليين في اختراق ثغرة الدفرسوار، ومحاصرتهم مدينة السويس، والجيش الثالث في سيناء، وامتداد خطوطهم في غرب القناة حتى ميناء الأدبية جنوبًا، ثم وجود قواتهم على مقربة مائة كيلو متر من القاهرة، ويزيد بعض المروجين لهذا الادعاء أن إسرائيل كانت تستطيع تدمير الجيش الثالث المصري، ولم يمنعها من ذلك سوى الولايات المتحدة الأمريكية، فهل كانت هذه هي الحقيقة من التحليل الشامل لجميع أبعاد الموقف العسكري على الجبهة المصرية يوم 24 أكتوبر الذى سرى فيه وقف إطلاق النار؟!.
من أسباب كيسنجر لإجهاض هذه التجربة استبقاء الخيوط في الأيدي الأمريكية، وحاجته لتوظيف التدخل الأمريكي لإنجاز فض الاشتباك (الذى يتلهف عليه الاسرائيليون) لرفع الحظر العربي على صادرات البترول، ومنها أن الهيمنة الأمريكية على كل خطوة في المفاوضات العربية الاسرائيلية سوف تبقى المكانة السوفيتية متدنية. أما ما أقنع به كيسنجر أنور السادات تبريرًا لتراجع الاسرائيليين عن عرض يوم 26 نوفمبر في محادثات الكيلو 101 فهو أن إسرائيل سوف تشهد انتخابات عامة قريبًا، ومن ثم لا تستطيع حكومة جولدا مائير البت في موضوع فض الاشتباك إلا بعد هذه الانتخابات، ومع ذلك فقد عاد الاسرائيليون بعد أيام يلحون على كيسنجر نفسه لإتمام فض الاشتباك، ففي يوم 7 ديسمبر التالي أي بعد ثمانية أيام فقط من سحب ياريف لاقتراح الانسحاب إلى شرق الممرات، ألح موشى ديان وزير الدفاع الاسرائيلي على وزير الخارجية الأمريكية قائلا إن فض الاشتباك لا يحتاج الانتظار حتى الانتخابات الاسرائيلية، واقترح فضًا للاشتباك يقوم على انسحاب إسرائيلي حتى غرب الممرات، وليس شرقها هذه المرة، مع نزع سلاح جوهري في المناطق المتقدمة، مقابل تعهد مصري بفتح قناة السويس، ولكن كيسنجر حث الاسرائيليين على عدم التحرك بسرعة كبيرة في المفاوضات، إذ يجب أن لا تبدو إسرائيل ضعيفة، كما أنه من المهم أن يرى العرب كم هو صعب على الولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل، وإلا فإن توقعاتهم سوف ترتفع إلى عنان السماء».
كيف أدار ثعلب السياسة الأميركية مفاوضات العرب مع إسرائيل؟
تبقى مذكرات هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، الملقّب بثعلب السياسة الخارجية الأميركية، شاهدًا على صناعة القرارات المصيرية الأميركية في الشرق الأوسط. ومع تولي كيسنجر مهمة وزارة الخارجية عام 1973، كان الشرق الأوسط على حافة حرب جديدة لم تكن واشنطن تأخذها على محمل الجد حتى وإن أعلنت مصر موازنة للحرب.
يقول كيسنجر في مذكراته: “لقد أخطأنا في تقدير (الرئيس المصري أنور) السادات استنادًا إلى تجارب الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، وتعاملنا مع تهديداته باللجوء إلى الحرب على أنها إيماءات مسرحية”. واندلعت الحرب في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول. ويقول كيسنجر عن تلك الفترة: “لقد ساندت الولايات المتحدة إسرائيل طيلة مدة الحرب، لدوافع تاريخية عديدة وأدبية واستراتيجية، وكدنا نعرض بلادنا لخطر حرب مع الاتحاد السوفياتي”. وإن كان يرى مارتن إنديك السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل أنه “لم يكن من السهل على كيسنجر تحقيق التوازن بين إسرائيل وبعض الدول العربية. وكان هنري كيسنجر يرى أن السادات يمثل أربح ورقة للسلام، لكن هدفه كان قبل الحرب وبعدها حمل مصر على مفاوضات مباشرة وجهًا لوجه مع إسرائيل. وانتهج كيسنجر في ذلك الوقت دبلوماسية تسمى “خطوة بخطوة”، حيث اعتمد على إرجاء التسوية الشاملة والقضايا الأكثر جدلًا إلى اللحظة المناسبة. وأوضح إنديك أن العلاقة بين كيسنجر والسادات في البداية كانت فاترة، لكن بعد جهد كبير في إقناع السادات بالدخول في المفاوضات أصبح الرجلان شركاء في دبلوماسية “خطوة بخطوة” رغم حذر الإسرائيليين خلال المفاوضات مع السادات.
يقول هنري كيسنجر في مذكراته: “على وجه العموم فإن الشيء الذي لم يكن يقدر أحد أن يتفهمه قبل قوع هذه الأحداث هو ماذا كان يريد السادات؟” وكان وقتها يعتبر أن سوريا ربما تتصرف بشكل أكثر وضوحا وهو استرداد أرض محتلة، أو على الأقل تكبيد إسرائيل خسائر. وذكر أيضا: “لم يكن بحسباننا أن تدخل الأمة العربية الحرب، دون إفساح المجال أمام الدبلوماسية وكان عليها أن تنتظر نتائج مبادرة للسلام سنقوم بها في اليوم التالي للانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في الثلاثين من أكتوبر”??.. مشيرا إلى أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يرددون أن الهجوم المصري مستحيل وكانت التقديرات الأمريكية تقول نفس الشيء. ولكن بقدر غموض السادات كان هنري كيسنجر والإدارة الأمريكية كتاب مفتوح، للرئيس المصري حيث يذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق “كان هدفنا واضحًا تأمين بقاء إسرائيل والمحافظة على أمنها وفي نفس الوقت نحتفظ بعلاقات مع العرب ونمنع النفوذ السوفيتي حتى لا يظهروا في صورة منقذ العرب، وإذا فازت إسرائيل في أي نزاع عسكري لاحق يكون علينا تحاشي كراهية العرب لنا”.
بعد الحرب الساعات الأولى من حرب أكتوبر بدا من مذكرات كيسنجر تغير نظرته للموقف تمامًا حيث قال عن السادات “المهارة التي بدت من السادات منذ الساعات الأولى للحرب هي في تطلعه الدائم لجوهر المشكلة، وهذا أقنعني أن تعاملنا هو مع رجل دولة من الطراز الأول، فلم يكن السادات رجلًا عاطفيًا فهو ماهر في الدفاع عن مصالح بلاده، وعلى الرغم من تحفظه العلني ومرونته، كان حريصًا في إعلامنا أن لديه عدة خيارات ولا مجال للشك أنه كان صاحب الرأي في حظر إسالة البترول الذي سنشعر قريبًا بثقل وطأته”. وأضاف أيضا “لم يبخل السادات في إعلامنا وبكل جرأة عن نواياه، لكننا لم نصدقه، لقد أغرقنا بالمعلومات، لكن استنتاجاتنا كانت غير صحيحة، والسادس من أكتوبر دل على أوج فشلنا في تحاليلنا السياسية”.
هنا تتوافق أيضًا رؤية إسرائيل لمناورات السادات مع ما ذكره الدبلوماسي الأمريكي المحنك، حيث يذكر تقرير المؤرخ العسكري الإسرائيلي شيمون مندز أن الرئيس المصري كان قبل الحرب يمارس خطة خداع طويلة المدى تستهدف استنزاف إسرائيل وأمريكا معا حيث كان يهدد ويرسل مطالب وهو يعلم يقينا أن إسرائيل لن تقبل بها وبعدها يتراجع عنها ثم يقدم مطالبه الحقيقية محتدا بأنه تنازل عن 90% من مطالبه ولن يتنازل أكثر من هذا. وبالتالي كان كيسنجر وقتها يشعر أن عليه استرضاء الجانب المصري، حتى لا يخسر فرصة تدخل أمريكا في التفاوض بين مصر وإسرائيل. ويشير مندز في تقريره إلى أنه لا يعتقد أن ثعلب الدبلوماسية الأمريكي تعلم الدرس حقا فهو بعد الحرب ظل يسقط في نفس الفخ خلال المفاوضات بين مصر وإسرائيل رغم أنه يفترض أن عرف حقيقة السادات.. حيث يقول في تقريره “فور أن انتهت الحرب، بدأت المعركة السياسية، وفاجأ كيسنجر مجددا، بعدما اقترح الأخير تنازلات ضخمة من الجانب الإسرائيلي، في حين طلب السادات تنازلات ضئيلة، ويبدو أن الفارق الثقافي بين الاثنين هو السبب في مفاجأة كيسنجر”.
دور الأردن والسعودية
أما عن دور الملك حسين خلال الفترة ذاتها، فيقول كيسنجر في مذكراته: “كان الزعيم العربي الوحيد ذو النوايا الطيبة الواضحة، وذلك الفارس الشجاع ولقد كان الصديق الوفي للغرب. إذ قام بعدة لقاءات دورية وسرية مع إسرائيل تجاوزت الـ500 ساعة دون جدوى، لكنه كان أضعف من أن يمثل تهديدًا حربيًا أو أن يعقد اتفاق سلام منفردًا”.
كما تحدثت مذكرات كيسنجر عن الدور السعودي الداعم للولايات المتحدة، في تلك السنوات رغم الاختلاف بينهما عند وقف السعودية تصدير النفط في حرب أكتوبر.
مذكرات كيسنجر حول الكرد والدور السلبي لأمريكا
يقول هنري كيسنجر أن اسرائيل والأردن كانتا تقدمان الدعم لـ ’’مصطفى البارزاني’’ منذ بداية الستينات ذلك لتوجيه الضغوط العراقية عنهم الى مناطق اخرى، نفس الشيء كانت تفعلها إيران ولنفس الأسباب وهذه الدول الثلاث كانت صديقة لأمريكا، لكن اثناء تطور اهتمام الحكومة العراقية لحل خلافاتها مع الأكراد في بداية السبعينيات والقبول بالحكم الذاتي كانت تبلغنا إسرائيل بمخاوفها وقلقها من توجه السياسة العراقية واهتمامها بتحقيق الحكم الذاتي في المناطق الكردية. واسرائيل والاردن كانتا تتدخلان في القضية الكردية لأسباب جيوسياسية وكوسيلة لإضعاف خصومه خاصة العراق. اما ايران كانت تقدم الدعم للبارزاني لنفس الأسباب وليس إلى حد أن يكسب الأكراد حقوقهم، لذا في النهاية في ربيع عام 1975 ترك الشاة كورد العراق عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم في وجه النظام الراديكالي في بغداد ولم تكن لا هي ولا تركيا مستعدتان مطلقًا القبول بإقامة الدولة الكردية خوفا لإثارة الشعور القومي لدى اكراد لديهم.
يؤكد كيسنجر ان الولايات المتحدة الامريكية تقدم المساعدة للأكراد منذ 1972 وانها تدخلت في الموضوع الكردي لأسباب ايديولوجية واستراتيجية، فتراث وودرو ويلسون الرئيس الأمريكي الثامن والعشرين 1913_1921 كان يدفعنا في اتجاه دعم و تأييد حق تقرير المصير للشعب الكردي، وكان لهم هدف آخر من تقديم المساعدة لهم وهو منع سيطرة النظام الشيوعي على مناطقهم، لكنها أفرزت ما سيعرف بالمعضلة السياسية الدائمة لأمريكا، فالتزام امريكا الأخلاقي في منطقة نائية ووعرة يصعب الوصول إليها ووسط دول تؤثر الى حد كبير في المصالح القومية الأمريكية كـتركيا وإيران ، فإنقاذ الأكراد كان يتطلب فتح جبهة جديدة في منطقة نائية وجبلية وعرة قاحلة قرب حدود الاتحاد السوفياتي وهذا الالتزام المفتوح الواسع النطاق لم تكن عواقبه مضمونة وتصبح هكذا عملية بالنسبة لأمريكا كجلد الذات، لان تقديم المساعدة لهم تمر عبر قمع وخرق اراضي دول متحالفة مع أمريكا وكان ايران وتركيا تمثل اهمية محورية للاستراتيجية الامريكية العامة، وهما لم تكن اي منهما مستعدة لإعطاء اقليتها الكردية دولة مستقلة. لذا هاجمت لجان الكونغرس إدارة نيكسون بسبب دورها في محاولة مساعدة الأكراد لتحقيق الاستقلال الذاتي لهم وعلى إدارة فورد لعدم منعها شاه ايران من التخلي عنهم. وكان لابد لتفاعل هذه الأهداف المتعارضة ان يؤدي الى خيبة الامل بل حتى لمأساة الأكراد وهذا ما حدث في آذار عام 1975 حين توصلت ايران والعراق إلى اتفاقية متبادلة لتطيح بالحكم الذاتي الكردي.
لقد توسع كيسنجر في موضوعه عن القضية الكردية الذي خصص قسم لها في كتابه بعنوان مأساة الأكراد ويقول، كان هناك أسباب عديدة وحدود وقيود وتعقيدات محيرة التي رافقت اهتمامهم بالمنطقة الكردية النائية، ولأننا كنا نقدم الدعم الإثنية ضد حكومتها الشرعية وذلك بالاشتراك مع كل من ايران واسرائيل، فكان لابد أن تكون العملية سرية. وكما ذكرنا أعلاه فكانت تستخدم كل من اسرائيل والاردن وايران مسعى الأكراد لتحقيق الحكم الذاتي كورقة ضغط لتحويل طاقات وموارد النظام البعثي بعيدا عن حدودها.
ختامً نقول… لقد مارس الواقعية السياسية، حيث لعب كيسنجر دورًا بارزًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين عامي 1969 و 1977. خلال هذه الفترة، كان رائدًا في سياسة الانفراج الدولي مع الاتحاد السوفييتي، ونسق افتتاح العلاقات الأمريكية مع جمهورية الصين الشعبية، وانخرط في ما أصبح يُعرف باسم دبلوماسية الوسيط المتنقل في الشرق الأوسط لإنهاء حرب أكتوبر، والتفاوض على اتفاقيات باريس للسلام، وإنهاء التدخل الأمريكي في حرب فيتنام. ارتبط كيسنجر أيضًا بسياسات مثيرة للجدل مثل تورط الولايات المتحدة عام 1973 في انقلاب تشيلي، وإعطاء «الضوء الأخضر» إلى المجلس العسكري في الأرجنتين لحربهم القذرة، ودعم الولايات المتحدة لباكستان خلال حرب بنغلاديش على الرغم من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها باكستان بحق بنغلادش. بعد تركه الحكومة، أسس شركاء كيسنجر، وهي شركة استشارات جيوسياسية دولية. كتب كيسنجر أكثر من اثني عشر كتابًا في التاريخ الدبلوماسي والعلاقات الدولية.
يبقى أنه لا يزال كيسنجر شخصية مثيرة للجدل والاستقطاب في السياسة الأمريكية، حيث أُدين كل منهما على أنه مجرم حرب مزعوم من قبل العديد من الصحفيين والناشطين السياسيين والمحامين العاملين في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن تبجيله باعتباره وزيرًا للخارجية الأمريكية ذا تأثير فعال من قبل العديد من علماء العلاقات الدولية البارزين. كيسنجر هو العضو الوحيد في حكومة نيكسون الذي مازال على قيد الحياة.